تلخيص الكون والفساد

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد

تلخيص الكون والفساد

المؤلف:

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد


المحقق: جمال الدين العلوي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥١

والأبيها في هذا الفرق بين الموضوع للاستحالة والموضوع للكون والفساد مما يظن به أنه شيء واحد بالعدد لجميع المتكونات في الجوهر مثل الجسمية ، أن الجسمية المشتركة لجميع ما يتكون في الجوهر هي واحدة بالعدد ، بالقوة لا بالفعل ، والجسمية / الموضوعة للاستحالة هي واحدة بالعدد بالفعل ، ولذلك لا يبدّل جوهرها تبدل الاعراض عليها ، وان اشتركت في الجسمية وفيما يتبع الجسمية من الاعراض. فعلى هذا ينبغي أن تفهم مذهب ارسطو في هذا. ولذلك الابعاد الثلاثة التي تفهم [وتقوم] طبيعة الجسم هي اول حال في الهيولى ، وإن الهيولى لا تتعرى منها في كون من الاكوان لا على ان وجودها في الهيولى بالفعل بل بنوع من انواع القوة غير القوة التي تقومت بها الهيولى وهي القابلة لهذه الابعاد الثلاثة ، وكان وجودها متوسطا بين القوة الهيولانية وبين الابعاد الثلاثة التي بالفعل التي هي الموضوع للاستحالة.]

الجملة الخامسة

ـ وهذه الجملة فيها فصول ثلاثة :

الفصل الأول : يخبر فيه بالفرق بين النمو وسائر الحركات من قبل الصورة.

الفصل الثاني : يتشكك فيه على الشيء الذي به يكون النمو من الاوائل الموجودة بالطبع واي وجود وجوده.

الفصل الثالث : يخبر فيه بالوجه الذي يكون به النمو في الاوائل

٤١

الموجودة له بالطبع وكيف تنحل الشكوك التي فيه من تلك الاوائل.

الفصل الأول

٩ ـ قال : وقد ينبغي أن نبحث هل الفرق الذي بين / النمو وبين سائر التغايير إنما هو الفرق الذي يوجد لها من قبل الشيء الذي فيه التغير وهو الذي يتنزل من هذه التغايير منزلة المادة ، مثل قولنا إن التغير الذي يكون في شخص الجوهر المشار اليه هو كون وفساد ، والتغير الذي يكون في العظم هو نمو واضمحلال ، والتغير الذي يكون في الكيف هو استحالة ، والتغير الذي يكون في الأين هو نقلة ، وأنه يشمل جميعها أنه تغير ما بالقوة الى ما بالفعل ام هاهنا فرق آخر بين النمو وبين هذا التغايير مأخوذ من قبل الصورة والفعل؟ وهو بيّن أن هذا الفرق الذي من هذه الجهة موجود في النمو وذلك أن النامي والمضمحل يبدلان المكان ، والمستحيل والمتكون ليس يبدلان المكان. وتبديل النامي / أيضا والمضمحل المكان هو بخلاف تبدل المكان المنتقل وذلك ان المنتقل صنفان إما مستقيم وإما مستدير ، فالنامي يخالف تبديل المنتقل على استقامة ، فإن المنتقل على استقامة يبدل المكان بجملته والنامي والمضمحل يبدله باجزائه؛ ويخالف المنتقل الاستدارة وان كان كلاهما متحركين بالاجزاء فان اجزاء المتحرك على استدارة تبدل المكان بان ينتقل منه لا بأن يأخذ مكانا أعظم ولا أصغر واجزاء النامي تبدله بان تأخذ مكانا أعظم وأجزاء المضمحل تبدله بان تأخذ مكانا أصغر.

٤٢

فقد بان ان الفرق بين النمو وبين سائر التغايير هو في الأمرين جميعا اعني في الشيء الذي في التغير ، وهو الذي يتنزل منها منزلة الهيولى وفي صورة التغير نفسه.

الفصل الثاني

١٠ ـ قال :

وإذا كان النمو والاضمحلال إنما يكونان في الجسم والعظم ، فقد ينبغي أن ينظر هل نمو الجسد يكون من شيء هو موجود بالفعل جسما أو من شيء هو موجود بالقوة عظما وجسما؟ ولأن هذا القسم الثاني يقال أولا على اثنين ، أحدهما (١) ان يكون الشيء الذي بالقوة عظما وجسما مفارقا للجسم المحسوس ، والثاني ان يكون من جسم محسوس ، وهذا أيضا على ضربين : إما ان يكون في جسم محسوس بذاته مثل الشيء الكامن في الشيء وإما ان يكون فيه بالعرض مثل ما نقول نحن في وجود الهيولى في الأجسام ، فقد ينبغي أن ننظر في واحد واحد من اقسام الذي بالقوة ثم ننظر في القسم الذي بالفعل فنقول : اما ان كان النمو والاضمحلال هيولى مفارقة للجسم المحسوس فقد يلزم ضرورة أما الا يشغل مكانا فيكون إما نقطة وما يجري مجراها ممّا ليس في مكان ، [وإما خلاء] وإما أن يكون جسما غير محسوس. فأما كون النقط مادة للجسم وكون الخلاء موجودا فقد

__________________

١ ـ يراجع هذا التقسيم والظاهر أنّ هناك فرقا بين هذا التقسيم المجمل هاهنا وبين التقسيم المأخوذ به في التحليل.

٤٣

تبين استحالة ذلك فيما تقدم؛ وأما ان كانت جسما غير محسوس فإنه يجب أن يكون ذلك الجسم من جهة ما منه كون العظم في مكان ، وذلك انّ كل ما يكون منه شيء فواجب ان يكون في مكان إما بذاته وإما بطريق العرض ، كما نقول نحن في المادة الأولى ، وذلك انه لا فرق في الواجب بين الذي يكون منه الجسم على الإطلاق وبين الذي منه ينمو الجسم ، إذ كان الكون هو في الكل ، والنمو كون في الجزء. ولذلك هذا الفحص هو من جهة / مشترك لهما (١) ، ومن جهة خاص (٢) بالنمو. وإذا كان الجسم المفارق في مكان فهو محسوس وغير مفارق فهو داخل في الفحص عن القسم الأول وهو الذي أرجأ الفحص عنه إلى تمام الفحص عن هذه الأقسام. وإذا لم يكن نمو العظم ولا تكونه من شيء هو موجود بالقوة ومفارق ، فقد بقى القسم. الأخير وهو أن يكون شيء موجود بالفعل. ولأن هذا على ضربين إما بذاته وإما بالعرض : فأما الذي بذاته فمثل ان نقول إن الماء إذا تكون هواء فإنما يكون لا بأن يتغير الماء إلى هواء لكن بان يخرج من الماء هواء على أنه كان كامنا فيه لا على أنه حدث؛ واما الذي بالعرض فمثل ما نقول في وجود الهيولى الأولى في الأجسام. وكون مادة العظم والجسم في النمو أو في الكون موجودة بطريق الكمون ممتنع ، فإنه يلزم عن ذلك ان يوجد في الأجسام المتناهية أجسام بالفعل لا نهاية لها ، وذلك انه إذا جاز ان يوجد في الماء هواء أعظم منه أو مساو له جاز أن يوجد فيه أجسام لا نهاية لها بالفعل إلى

________________

١ ـ لهما مودينا.

٢ ـ خاص : أ؛ فحص : ب.

٤٤

غير ذلك من الشناعات التي عددت في غير هذا الموضوع. فالأولى إذن ان نضع ان مادة الجسم ونموه هي الهيولى الأولى التي (١) قلنا أنها (٢) واحدة بالعدد كثيرة بالقوة ، لا ان الهيولى جسم موجود بالفعل من جسم ، ولا أنها أيضا نقط وخطوط وسطوح ، فان هذا يلزم عنه الاّ يكون في مكان لا بذاته ولا بالعرض ، وما منه كون العظم قد يجب أن يكون في مكان كما قلنا إما بالذات وإما بالعرض ، بل الهيولى هي الشيء الذي الخطوط والسطوح نهاية لها وحد. ولذلك ليس يوجد في حال من الأحوال مفارقة للأعراض والصور ، إذ كانت النهايات لا يمكن فيها ان تفارق الذي هي نهاية له. وقد نجد التغير في الكون يشبه التغير في النمو في السبب الفاعل والمادي؛ أما في السبب الفاعل فإنه كما ان المتكون إنما يتكون عن شيء موجود بالفعل ، إما من نوع / المتكون وإما من جنسه القريب أو البعيد؛ أما من النوع فمثال الإنسان من الإنسان والنار من النار ، وأما بالجنس البعيد فمثل تكون الصّلب من البارد ، كذلك النامي إنما كان الفاعل فيه شيئا هو وصورة الأجزاء المتكونة واحدة بالنوع فان الفاعل لأجزاء العظم الذي ينمو بها هو العظم ، وكذلك الأمر في سائر ما ينمو. واما في السبب الهيولاني فإنه لمّا كان ليس هاهنا هيولى بالقوة للجسم العام ، على ما تبين ، وإنما هي هيولى لجسم آخر مشار إليه ، وكان النمو إنما هو كون من أجزاء الجسم المشار إليه ، فواجب ان تكون الهيولى لهما واحدة. إلاّ أن هذا الذي وقفنا عليه من أمر مادة النمو ليس هو شيئا يخصه ، بل هو

_________________

١ ـ التي : أ ؛ الذي : ب ، م.

٢ ـ أنها : أ ؛ انه : ب ، م.

٤٥

شيء عام له وللكون. فأما النمو فانه إذا نظرنا فيه بما يخصه وجب ان يكون مع / وجود مادة الكون فيه جسم ، موجود بالفعل ، وذلك ان النمو لما كان تكوّنا في الكمية ، والاضمحلال فسادا في الكمية ، وكان العظم إنما يزيد من قبل زيادة عظم فيه بالفعل والاّ وجب أن يكون الجسم مؤلفا من النقط وكذلك لا ينقص الا من قبل فساد عظم منه بالفعل ، فواجب أن يكون النمو من شيء هو بالفعل جسم. وأما التكون فلانه في باب الكيفية ليس يلزم ذلك فيه. إلا ان هذا (١) يتلقاه شك / كبير ، وهو ان يكون الجسم يداخل الجسم باسره والاّ كيف ينمو النامي في جميع أجزائه حتى يكون جسمان في مكان واحد؟ وليس لقائل أن يقول أن التكون الذي في النمو ، وان كان في باب الكمية ، فإنه ليس يلزم ان يكوّن بورود جسم على النامي بالفعل ، وذلك أنّا نجد الهواء إذا تكون من الماء انتقل إلى كمية أعظم من غير أن يرد هنالك جسم من خارج فإن هذا ليس هو نموّا وإنما الهيولى الأولى من شأنها أن تقبل الزيادة والنقصان في العظم. وذلك يظهر ظهورا بيّنا إذا تحفظ بالأشياء الموجودة بالذات للنامي وهي الأوائل التي منها ننظر فيه ، وهي ثلاثة : أحدها ان كل نقطة منه وكل جزء محسوس فهو ينمو على مثال واحد وكذلك إذا اضمحل يضمحل في كل جزء محسوس. والثاني أنه إنما ينمو بورود شيء من خارج عليه. والثالث ان يكون الشيء الذي يتصف بالنمو والاضمحلال مشارا إليه وباقيا بعينه. وإذا كان ذلك كذلك فبيّن ان الكمية / التي

___________________

١ ـ هذا : ا ؛ هذه : ب ، م.

٤٦

توجد في الهواء إذا كان من الماء ليس نموّا لا للماء ولا للهواء لأن هذا التغير الذي يوجد لهما (١) من النقصان إلى الزيادة ليس له (٢) موضوع واحد ، وقد قلنا انّ النمو له موضوع واحد وقيل أنّ الجسم المشترك للماء والهواء هو الموضوع لهذا النمو انفسد عليه ان يكون هذا نموا بالأصل الثاني وهو أن النمو إنما يكون بورود شيء من خارج. فهذا مقدار الشكوك التي أتى بها فيما منه ينمو النامي وكيف ينمو.

وهنا أيضا شك آخر في النامي إذا سلمنا أنه شيء بالفعل وهو هل النامي هو الشيء الواحد أم الشيء الذي يرد عليه ، مثال ذلك ان الساق إذا نمت بالغذاء هل الغذاء هو النامي أم الساق أم كلاهما؟ وهذا الشك ينحل بقرب ان الجوهر من احدهما يثبت ويبقى وهو الساق ، والآخر لا يثبت بل يستحيل وهو الغذاء ، فإن النمو إنما ينسب للباقي<للنامي> لا للمستحيل. مثال ذلك ان الشراب الذي في الدن إذا صب فيه ماء ولم يغير فعله قلنا فيه أنه ينمو ، وكذلك نقول فيه دائما ما دام يفعل فعل الشراب ولا نقول ذلك في الماء الذي نصبه فيه لأنه يستحيل. وكذلك متى استحال شيء عن شيء استحالة فابطل جوهره لم تنسب الاستحالة إلى ذلك الشيء الذي بطل وجوده ، وإنما ينسب إلى الشيء الذي بقي موجودا ، مثال ذلك ان الغذاء الحار إذا ورد البدن استحال منه إلى حرارة وبطل جوهر الغذاء. وبحق ما ينسب إلى الاستحالة في مثل هذا ، والنمو إلى الشيء

_________________

١ ـ لهما : أ ؛ لها : ب ، م.

٢ ـ له : أ ؛ لها : ب ، م.

٤٧

الباقي بالفعل ، لأن مبدأ التحريك إنما هو في المستحيل الثابت والنامي.

الفصل الثالث

١١ ـ قال :

وإذ قد بلغنا من التشكيك في أمر النمو ممّا فيه كفاية فقد ينبغي أن نلتمس [حل ذلك] (١) بعدا أن نتحفظ بالأوائل الموجودة للنامي ، وهي كما قلنا ثلاثة : أحدها أنه ينمو وينقص في كل نقطة ـ محسوسة منه. والثاني أنه ينمو من شيء خارج ويضمحل بما ينحل منه. والثالث أن فيه شيئا ثابتا بالفعل لهذه الحركة. وان نتحفظ أيضا من أن نأتي من ذلك بامر من الأمور المستحيلة مثال أن نجوز / في وجود الخلاء لضرورة النمو ، أو نجوّز وجود جسمين في جسم واحد /. وأول ما ينبغي أن يعلم من أمر النمو أنه إنما يوجد أولا للأجسام المتشابهة الأجزاء وانه إنما يوجد للآلية بتوسط المتشابهة ، وذلك أمر ظاهر بنفسه فإن الآلية إنما نقول فيها انها نمت إذا نما اللحم منها والعظم وسائر المتشابهة التي تركت منها.

١٢ ـ قال : ولأن كل واحد [منها] من الاعضاء المتشابهة مركب (٢) / من مادة وصورة على ما عليه الأمر في جميع الأجسام الطبيعية ، وكان

__________________

١ ـ حلّ ذلك منى ، الاصل : الذالك.

٢ ـ مركب : أ؛ مركبة : ب ، م.

٤٨

يجب في الشيء النامي أن يكون ثابتا ، إذ كان ذلك احد الاوائل الموجودة له ، وكانت المادة سائلة والصورة ثابتة ، فقولنا ان الشيء ينمو في كل جزء منه إنما نذهب فيه إلى الشيء الذي يتنزل منه منزلة الهيولى ، وذلك أن الهيولى غير ثابتة ، والنامي ينبغي أن يكون ثابتا. وإنما يتصور حال الصورة في ذلك مع الهيولى ، أعني في ثبوت الصورة وتبدل الهيولى ، منزلة المكيال مع الشيء الذي يكال به فإن المكيال هو واحد بعينه والشيء الذي يكال به ، بمنزلة الحنطة والشعير هو شيء واحد بعد آخر ، ولو تصورت مكيالا يعظم حينا لما يدخل فيه ويصغر حافظا لشكله ، لكانت قد تصورت حال الصورة في نموها مع الهيولى وتصور الامرين جميعا إذا تصورت شعبا من جلد مرة يجري فيه ماء قليل فينقص ومرة يجري فيه ماء كثير فيعظم ، وهو في كلا الأمرين حافظ لشكله ، وعلى هذا ينبغي أن يتصور النمو في هيولى اللحم والعظم.

١٣ ـ قال :

وعلى هذا النحو لا يلزم أن تكون الزيادة شائعة في جميع أجزاء المادة ، إذ كان بعضها يذهب وبعضها يدخل من خارج ، حتى يضطر إلى القول بجواز مداخلة جسم جسما او القول بوجود الخلاء في الجسم النامي فلو كانت المادة هي الثابتة لكان يلزم في النمو اما ان يداخل جسم جسما واما أن يوجد خلاء.

١٤ ـ قال :

والوقوف على أن النامي إنما ينمو في كل جزء من أجزاء الصورة يكون أظهر في الاعضاء الآلية ، إذ كانت الصورة فيها أظهر. مثال ذلك اليد فإنك إذا تأملتها تجدها قد نمت في جميع أجزائها حافظة

٤٩

لشكلها الذي هي به يد.

١٥ ـ قال :

ومن الدليل على أن / الصورة أظهر في الأعضاء الآلية منها في المتشابهة أن الميت قد يقال أن له لحما وعظما أكثر مما يقال أن له يدا ورجلا. وإذا كان هذا هكذا فيجب أن يكون أي جزء كان من اللحم من وجه ناميا ومن وجه غير نام ، اما من قبل الصورة فنام ، واما من قبل الهيولى فغير نام. ولما كان النامي إنما يصير أعظم بورود الغذاء عليه من خارج ، وكان الغذاء ليس هو بالفعل الشيء الذي يرد عليه ، أعني ليس هو عظما بالفعل ولا لحما وإنما هو بالقوة ، فإذا تغير صار عظما ولحما ، فقد يجب أن يكون الغذاء من جهة شبيها ومن جهة غير شبيه ، فهذا معنى ما يقوله في حل هذا الشك اللازم في النمو واعطاء الجهة التي بها يكون النمو. والاسكندر المفسر لهذا الكتاب يقول أن ما قيل من ذلك إنما قيل على جهة الاقناع وسكون النفس إليه ، فإن المادة ليس تذهب كلها ولا تتحلل بأسرها في النامي ، بل فيها شيء يبقى ثابتا والا كانت الصورة يمكن أن تفارق وإذا كانت المادة فيها جزء ثابت فذلك الجزء نام ضرورة فأما كيف تنمو المادة فذلك يكون بجهة الاختلاط وذلك أن من / شأن الجسم النامي إذا ذهب منه جزء ان ينقص في جميع أجزائه ، وكذلك يعرض فيه عند الزيادة بمنزلة ما يعرض عند إخراج الدم من البدن أعني أنه ينقص الدم في جميع أجزائه بنقصان جزء منه وكذلك يعرض فيه عند الزيادة. ولذلك يجب أن يكون في الاعضاء الناشئة رطوبة مبثوثة يختلط بها الغذاء الوارد عليها إذا استحال إلى طبيعة تلك الرطوبة فينمو شكل العضو بنمو تلك الرطوبة

٥٠

من جميع أجزائه (١) ، وينقص بنقصانها على أن الطبيعة هي الحافظة لشكل ذلك العضو في وقت نموه عن تلك الرطوبة. هذا هو معنى ما قاله في هذا المعنى وإن لم تكن الفاظه بعينها. وعلى هذا تتكون الجهة البرهانية التي ينحل بها الشك المتقدم إنما هي جهة الاختلاط الذي يوجد لبعض الاجسام وهذا إن كان حقا في نفسه فكيف يظن بمن هو المفيد لما قيل من الصواب في هذه الأشياء وما يقال الى غابر الدهر إنه ذهب عليه هذا في هذا الموضع إن كان حقا في نفسه او كيف يظن به / أنه اكتفى في هذا المعنى بأمر مقنع مع قصده تتميم / ما نقص للقدماء في هذه الأشياء. فقد ينبغي أن ننظر نحن في ذلك فنقول :

إن قول القائل إن النمو إنما يكون في الصورة [هو بيّن أنه ليس يعني به أن الصورة] تنمو بما هي صورة ، فإن النمو من باب الكم والصورة من باب الكيف ، وإذا كان ذلك كذلك وكان النمو هو من باب الكم فإنما اراد بذلك أن الشيء لا ينمو في الكم أي في جميع أجزائه من جهة ما هو كم بل من جهة ما هو كم ذو صورة ، أي كم صورته صورة النامي لا صورة المنمي. وإذا كان ذلك كذلك فالكم الذي يفعل النمو انما هو كم بالقوة. ولذلك ليس يلزم اذا كمل النمو (٢) ان يكون يداخل كمه كم النامي كما يلزم ذلك اذا وضعنا كم المنمي كمّا بالفعل ، لان الكم الذي (٣) بالفعل انما يوجد

____________________

١ ـ أجزائه : أ؛ اجزائها : ب ، م.

٢ ـ كمل النمو : أ؛ خالط النامي : ب ، م.

٣ ـ إذا كان : أ.

٥١

للشيء من جهة صورته لا من جهة صورة غيره والغذاء انما يوجد له الزيادة في كمية المغتذي من جهة ما يوجد له صورة المغتذي. واما الشك الذي هو التداخل فانما كان يلزم لو كانت كمية الغذاء انما تزيد في كمية المغتذي من جهة ما صورته صورة المغتذي ، ولو كان هذا هكذا للزم ان توجد الزيادة في النامي من قبل شيء هو ذو كم بالفعل فكان يلزم الشك المتقدم. فهذا هو الفرق بين النمو الذي من قبل المادة بما هي مادة ، وبين النمو الذي لها من جهة الصورة. وإذا كان نمو الشيء في جميع اجزائه لا من جهة ما هو كم بل من جهة ما هو كم ذو صورة ، اعني اذا كان نمو الشيء في جميع اجزائه من جهة ما الجزء اداة صورة فبيّن انه ليس يلزم عن نموه في جميع اجزائه من هذه الجهة ان يداخل جسم جسما لان النمو يكون من قبل الصورة في الشيء النامي. وانما كان يلزم ذلك لو كان نموا في اجزائه من قبل الهيولى فقط أي من جهة ما هي اجزاء لانه لو كان ذلك للزم احد امرين إما أن يكون النمو تراكما وإما أن تتداخل الاجزاء الواردة الاجزاء القابلة. والأشياء المختلطة انما عرض لها ان تتدافع اجزاؤها بالسواء عن الجزء الداخل عليها وان تتحد بها من جهة ما اجزاؤها ذات كيفية محدودة وهي الرطوبة لا من جهة ما هي ذات كمية فقط. ولو كان ذلك يوجد لها من جهة ما هي كمية لامكن ان تختلط جميع الأشياء. فالزيادة / التي توجد للاشياء المختلطة في جميع الاجزاء انما هي من قبل الصورة. فاما ان النمو هو للكمية بما هي ذات صورة فهو يستدل عليه بأن النامي

٥٢

يجب أن يكون هو الشيء الثابت ، والاجزاء لا تثبت الا من جهة ما هي ذات كيفية لا من جهة ما هي أجزاء ، اذ يظهر من امرها من جهة ما هي اجزاء انها في تغير دائم. فعلى هذا ينبغي ان يفهم قول الحكيم ، لا على ما فهمه منه (١) الاسكندر ، حين اراد ان يبيّن ان النمو في الصورة لا في المادة من اجل ان المادة متحركة والصورة ثابتة فان هذا ينفسد كما قال بانه يوجد في الاعضاء مادة ثابتة فيجب ان تكون نامية ، ولم يرد الحكيم ان النمو في الصورة دون المادة ولا في المادة دون الصورة ، وانما اراد ان النمو في جميع اجزاء النامي من جهة الصورة لا من جهة المادة ، وهي الجهة التي هو بها ذو اجزاء ، فان الجسم انما هو ذو اجزاء من قبل المادة ، والاجزاء سيالة من جهة ما هي اجزاء ثابتة من جهة ما هي ذات صورة. ولما كان النمو يوجد للنامي من جهة ما هو ثابت كان ذلك للاجزاء من جهة ما هي ذات صورة لا من جهة ما هي ذات اجزاء. وانت ترى ان بين هذا الفهم والفهم الأول من اقاويل الحكيم بونا بعيدا. ويشبه عندي ان يكون الذي يحل الشك بالجهة التي حله بها الاسكندر ان يكون ناقلا للشك لا حالاّ له لانه قد يبقى ان يقال فكيف ينمو العظم بتلك الرطوبة في جميع اجزائه وليس من شانه ان يختلط بها وكذلك في جميع الاعضاء الجامدة فان المختلط هو السيّال. ولذلك هو أولى إما ان يكتفى في جواب هذا الشك بما يجاوب به الحكيم. وإما ان يلتمس شيئا يجري من جوابه مجرى التتميم له. فانه يظهر ان النمو

__________________

١ ـ عنه : أ.

٥٣

يحتاج الى الاختلاط كما يقوله هو بعد هذا ، والا كان كونا لاجزاء اللحم والعظم على انفرادها عند ما ينقلب الغذاء عظما ولحما من العظم واللحم. فهذا الاختلاط انما هو فيه ضروري من هذه الجهة ، لا من جهة وجود النمو من جميع الاجزاء من غير تداخل ، فانه ان فرضنا ذلك لزم الا تكون النامية الا المختلطة فكيف نقول في نمو الشكل. وبالجملة في نمو العضو الآلي او / نقول ان العضو فيه قوة ممدّدة بالطبع الى جميع الاقطار فيعرض له عن ذلك تخلخل ما فتتشذب تلك الرطوبة الغذائية في جميع اجزائه ، اعني في جميع الثقب الصغار التي لا يمكن ان يوجد في اللحم ثقب اصغر منها عند ما تتمدد تلك الثقب ، فاذا امتلات من تلك الرطوبة استحالت تلك الرطوبة اجزاء لحمية [تحدث بالاجزاء اللحمية] التي بين تلك الثقب ، وهي الاجزاء [التي لا يمكن ان توجد اجزاء] لحمية اصغر منها وحدثت ايضا في تلك الاجزاء اللحمية الحادثة ثقب لا يمكن ان يوجد اصغر منها. فإذا تمدد العضو ايضا مرة ثانية تخلخلت جميع تلك الثقب فامتلأت بالرطوبة الغذائية وذلك بالقوة الغاذية وتشذب العضو / بها واستنقع كما يستنقع الفتيل بالزيت واستفرغ الحر بالماء. فاذا فعلت الحرارة فيها وعقدتها عادت لحما في اللحم وعظما في العظم تم تخلخل مرة ثانية هكذا حتى يتم نمو العضو. فاذن النمو انما يكون للنامي من جهة هذه القوة الذي هو بها ذو صورة وهذه القوة هي الصورة التي أراد أرسطو بقوله ان النامي إنما ينمو بصورته لا بمادته أي من قبل صورته لا من قبل المادة ولو لا وجود

٥٤

هذه القوة في النامي لكان النمو في جميع الاجزاء المحسوسة غير ممكن الا لو امكن ان يداخل جسم جسما. فاذن السبب الذي اعطاه ارسطو في ذلك هو عام في جميع الأشياء المختلطة [وغير المختلطة] والسبب الذي أتى به الاسكندر في ذلك هو خاص بالمختلطة ، ولذلك كان حل ذلك الشك ، من جهة ، حلا بامر عارض فلنرجع الى حيث كنا.

قال (١) : ومما يشك ان النمو لما كان من الشيء الذي هو بالقوة الشيء النامي وهو بالفعل شيء آخر ، مثال ذلك ان الغذاء هو بالقوة لحم وهو بالفعل خبزا وغير ذلك ، كان واجبا فيه الا يكون بالفعل جزء من النامي ، حتى تفسد الصورة الموجودة فيه بالفعل وتتكون فيه صورة النامي ، مثل ان تفسد صورة البدن وتتكون صورة اللحم. ولما كان الامر هكذا في النمو فقد يقال ان. كان هذا الجزء المتكون منفصلا من النامي ومميزا عنه عند ما يتكون ، فهذا كون في / الجوهر لا تغير في النمو ، واذا لم / يكن النمو كونا فعلى اي جهة يمكن ان يكون النمو؟ وهو يجيب عن هذا [بان] النمو انما يكون بالاختلاط الذي ينقلب فيه الوارد على الشيء الى طبيعة الشيء الذي ورد عليه. وهذا هو الفرق بين هذا الاختلاط والاختلاط الذي يكون عنه كون المركبات من الاسطقسات على ما سياتي بعد. ومثل هذا الاختلاط اذا خلطت ماء بالتراب او برطوبة فقهر التراب طبيعة الماء فعاد الكل ترابا او تزيد. وكذلك اذا ورد الغذاء على الرطوبة احالته الى طبيعتها مع

________________

١ ـ مودينا وأكسفورد.

٥٥

انها تزيد به كميتها فكون الغذاء لحما بالفعل بعد ان كان لحما بالقوة إنما يكون بعد الاختلاط وهذا الفرق بينه وبين التكون. ومثال ذلك انك اذا أوقدت نارا على انفرادها كان ذلك تكونا ، واذا زدت نارا متكونة إضراما بان تضع عليها حطبا حتى يعظم ، فان ذلك شبيه بالنمو. وينبغي ان تعلم أنه كما ان التكون المطلق ليس يوجد للجسم المطلق والا لزم ان يكون التكون من غير موجود اصلا ، وانما يكون تكون جسم من جسم آخر غيره ، مثال ذلك انه ليس يحدث حيوان على الاطلاق ليس هو انسانا ولا واحدا من الحيوانات الجزئية؛ كذلك الامر في الكمية التي تحدث في النامي ليست كمية مطلقة فتكون من غير كمية وانما تكون كمية ما حادثة عن كمية أخرى غيرها (١). ولذلك كان واجبا أن يكون الحادث في النامي الذي هو لحم او عظم او عضو آلي مركب من هذه انما يحدث بان يكون الغذاء الوارد عليه كمّا بالفعل لا كمّ لحم ولا عظم بالفعل بل بالقوة. والفرق بين النمو والاغتذاء انما هو من جهة هذه الكمية الحادثة وذلك انه متى كان الحادث في الحس انما هو لحم فقط ، قيل فيه انه اغتذاء ، ومتى كان الحادث لحما ذا كمية محسوسة قيل فيه انه نمو ولذلك امكن في الشيء ان يغتذي الى آخر العمر مع انه في تنقص ولم يمكن فيه النمو في جميع العمر. فالغذاء اذن والنمو أما في الموضوع فشيء واحد ، وأما بالجهة فمختلفان؛ وذلك انه متى كان الغذاء الوارد عليه بالقوة لحما ذا كمية محسوسة فهو من هذه

___________________

١ ـ غيرها : أ ؛ غيره : ب

٥٦

الجهة نمو ، ومتى كان انما هو بالقوة / لحم فقط غير محسوس الكمية كأنك قلت صورة مجردة فقط وان كان لا بد هنالك من كمية لكنها غير محسوسة فانه (١) من هذه الجهة اغتذاء (٢). فمتى كان الغذاء الوارد (٣) على النامي ليس بالقوة إلا صورة فقط غير ذات كمية بالفعل بل بالقوة لم تصر بذلك صورة الشيء النامي أعظم ، ومتى كان بالقوة صورة ذات كمية كان نموا. فهذا هو الفرق بين النمو والاغتذاء ، واما الاضمحلال فإنما يكون إذا لم تقو صورة النامي أن تقلب جميع أجزاء / الغذاء إلى جوهره أو تحيله إلى ذاتها بل تحيل الأغذية الرطوبة الطبيعية التي في الاعضاء الى جوهرها حتى تنقص بذلك كمية تلك الرطوبة الطبيعية بعكس الامر في النمو ، اعني في إحالة تلك الرطوبة الاغذية وهذا الضعف يعرض لها بالطبع شيئا شيئا وقليلا قليلا مع طول العمر ، اعني ان تضعف تلك الرطوبة عن احالة جميع اجزاء الاغذية الواردة عليه حتى يحيل كثيرا من اجزائها الى اغذية فيقع الاضمحلال في الكم والصورة باقية بعينها كما كان النمو والصورة باقية بعينها. ومثال ذلك اذا خلطت ماء بشراب شيئا شيئا حتى تجعل الشراب مائيا / فإنه حينئذ يقع اضمحلال كثير من اجزاء تلك الرطوبات التي في الابدان ، اعني اذا انقلبت الى طبيعة كثير من اجزاء الاغذية وتخرج عن البدن كما ينقلب الشراب في هذا المثال الى طبيعة

___________________

١ ـ فانه : أ؛ فان : م. ب.

٢ ـ اغتذاء : أ؛ اغتذى : م. ب.

٣ ـ الوارد : أ؛ الواحد : م. ب.

٥٧

الماء.

فقد تبين من هذا القول كيف يكون النمو وفي ما ذا يكون وبما ذا يكون ، وانحلت كذلك جميع الشكوك الواردة عليه وما الفرق بين الاغتذاء والنمو وكيف يقع الاضمحلال.

الجملة السادسة

وهذه الجملة فيها فصلان :

الفصل الأول : يخبر فيه بالضرورة الداعية في هذا العلم الى التكلم في المماسة والفعل والانفعال والمخالطة قبل التكلم في الكون.

الفصل الثاني : يتكلم فيه في المماسة.

الفصل الأول

١٦ ـ قال :

ولما كان القصد الأول في هذا الكتاب ان نفحص عن الاجسام الأربعة التي تسمى اسطقسات هل / هي اسطقسات ام لا ، وان كانت اسطقسات فهل هي غير متكونة بعضها من بعض حتى لا يكون لها اول اقدم منها ، ام هي متكونة بعضها من بعض ، وإن كانت متكونة بعضها من بعض فهل فيها اول لا

٥٨

يتكون من شيء ، ام كل واحد منها متكون عن صاحبه ، كان واجبا ان نقدم قبل هذه المفاحص الأشياء التي تقال على غير تحصيل من الامور المضطرة اليها عند جميع من قال بالكون والاستحالة ، وهي المماسة والفعل والانفعال والمخالطة. فإن القدماء قد اضطرهم طبيعة الامر الى التكلم في هذه المعاني وذلك انهم صنفان : إما قائل بان الاسطقسات اكثر من واحد ، وإما قائل بأن الاسطقس واحد. فأما من قال ان الاسطقسات اكثر من واحد ، كانت هذه الاجسام الأربعة هي التي منها تتولد الأشياء عندهم مثل ما يقول ابن دقليس ، او كانت هذه الأربعة انما تتولد عن الاسطقسات عندهم مثل قول انكساغورش وديمقراطيس الذين يجعلون هذه الأربعة مركبة من المتشابهة الاجزاء او من الاجزاء الغير منقسمة وقد يقولون بالاجتماع والافتراق ، والاجتماع والافتراق هو بوجه ما مخالطة وان كان ما يقولون من ذلك غير محصل ، ومن قال بالمخالطة لزمه القول بالفعل والانفعال والمماسة. واما من قال بان الاسطقس واحد فإنه وإن لم يلزمه القول بالمخالطة فانه يلزمه القول بالفعل والانفعال. ولذلك اصاب ديوجانيس اذ قال أنه لو لم يكن هاهنا موضوع واحد لما امكن ان ينفعل شيء عن شيء ، وذلك انه ليس من طبيعة البارد ان ينقلب حارا ولا في طبيعة الحار ان ينقلب باردا ، بل واجب ان يكون موضوعا يقبل الامرين فلأن كل من جعل الاسطقس واحدا جعل مضادته [واحد قد يلزمه أن يكون الفعل

٥٩

من قبل المضادة والانفعال من قبل [...] (١)] واحدا واذا كان هنالك فعل فهنالك مماسة. فلهذا يجب ان نلخص القول في هذه الثلاثة قبل القول في صفة الكون ، ونبدأ اولا بالمتقدم منها بالطبع وهي التماس ثم الانفعال ثم المخالطة ، لأن ما انفعل او فعل فقد مس وما خالط فقد انفعل وقد مس.

الفصل الثاني

١٧ ـ قال :

وكما أن كل واحد من سائر الاسماء يقال على أنحاء فمنها اسماء مشتركة ، ومنها ما يقال بتقديم / وتأخير ، كذلك الامر في اسم التماس. ولكن الذي يقال منه بغير استحالة (٢) ولا بمجاز وبأمر عام إنما هو في كل ما كان له وضع ، والوضع انما يكون لما له مكان. ولذلك قد يقال في الاعظام / التعاليمية بوجه ما إنها تماس بعضها بعضا وذلك ان الاجسام ليس يمكن أن تتوهم مجردة من المكان على ما شأن صاحب علم التعاليم أن يجردها من سائر الاعراض ، فإن الجسم انما هو في مكان بأبعاده لا بغير ذلك من اعراضه ، فالمكان أمر لازم للاجسام التعاليمية ، سواء كانت مفارقة على ما يراه قوم بالوجود والقول ، او كانت مفارقة بالقول فقط. وهذا التماس المقول في الاعظام هو مقول بمعنى

___________________

١ ـ [...] غير مقروءة.

٢ ـ استعارة؟.

٦٠