تلخيص الكون والفساد

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد

تلخيص الكون والفساد

المؤلف:

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد


المحقق: جمال الدين العلوي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥١

أيضا كل واحد منهما يتقوم من فصلين أحدهما كيفية فاعلة والآخر منفعلة ، كانت تلك الكيفيتان ربما عرض لهما أن يكون أحدهما في اسطقس والاخرى في اسطقس آخر أمكن أيضا أن يكون هاهنا ضرب ثالث من الكون ، وهو أن يتكون واحد منهما من اثنين إذ أفسد كل واحد منهما الكيفية المضادة لذلك الاسطقس ، وبقيت الكيفية الخاصة ، مثال (١) ذلك إذا فسد من النار اليبوسة ومن الماء البرودة تكوّن الهواء ، لأنه يبقى من النار الحرارة ومن الماء الرطوبة وهما فصلا الهواء. وهذا ليس يتفق في كلها وإنما يتفق أن يتكون واحد من اثنين إذا كان ثالث الاثنين يتضادان بفصليهما فيتكون من النار والماء أرض وهواء ، ويتكون من الهواء والأرض ماء ونار ، وتتكوّن النار منهما موجود حسي فإن اللهيب إنما هو دخان مشتعل والدخان هو هواء وأرض. وأما التي تتضاد بفصل واحد وهي المتتالية فليس يمكن أن تتكون من اثنين منها واحد ، والسبب في ذلك أنه إذا فسد من هذا فصل ومن هذا فصل فإنه يبقى فصل واحد وإن فسد منها كلاهما فصل واحد بقي فصلان متضادان. وليس يمكن أن يكون جسم من هذه من فصل واحد ولا من فصلين متقابلين ، مثال ذلك أنه إذا فسد من النار اليبس ومن الهواء الرطوبة بقيت الحرارة مفردة فلم يمكن أن يحدث عنها شيء وإن فسد منهما جميعا الحرارة بقيت الرطوبة واليبوسة وذلك تركيب لا يكون منه شيء وهذا الكون هو أعسر من الأول وأسهل من الثاني ، أما أنه أعسر من الأول فلأنه في كيفيتين ،

__________________

١ ـ مثال : أ ؛ مثل؛ ب ، م.

١٠١

وأما / انه أسهل من الثاني فلأن الكيفيتين المتغايرتين فيه من شيئين وفي الثاني من واحد. ولذلك أما في الثاني فهو فساد لفصلين وكون لفصلين وأما في الثالث فهو فساد لفصلين وليس كونا لفصلين بل إنما هو تغير لأحدهما وتنقص للثاني ، ومثال ذلك انه إذا تكون من الماء والنار أرض فقد فسدت الحرارة التي في النار وبقيت البرودة للماء وفسدت رطوبة الماء وبقي يبس النار. فقد تبين من هذا على كم وجه يمكن أن يتكون كل من كل وعلى أي وجه ليس يمكن أن يتكون واحد من ثلاثة ولا واحد من اثنين متوالية بل من اثنين غير متوالية.

الفصل الثاني

٣٠ ـ قال :

وليس يقتصر على هذا النظر فيها فقط بل ننظر فيها (١) من وجوه أخر فنقول : إن كان شيء من الأجسام الطبيعية موضوعا لهذه ، فواجب أن يكون إما ليس واحد من هذه وإما واحد من هذه الأربعة كما ظن قوم في الماء والهواء وما أشبههما. فإن كان منها فقد يجب أن تكون إما واحدا منها وإما أكثر من واحد ، فإن كان واحدا كأنك قلت نارا او هواء او ماء او أرضا فإما أن يبقى ذلك الواحد عند ما يتغير إليه وإما أن لا يبقى ولا يثبت فإن لم يثبت وتنحى فليس بأسطقس ، وذلك أن الاسطقس من شأنه [أن] يثبت إذ كان جزء من الشيء الذي هو له أسطقس. وإن كان يثبت فقد يلزم عن ذلك أن يكون سائرها

____________________

١ ـ فيها منّي؛ في الأصل : فيه.

١٠٢

بالفعل ذلك الشيء الموضوع ، فإن كان هواء كانت كلها هواء وإن كان ماء كانت كلها ماء. وإذا كانت كلها تتغير وكان التغير إلى الضد والموضوع إلى تلك الأضداد ثابت وموجود بالفعل ، فواجب أن يكون تغيرها إنما هو استحالة لا تكوّن ، وذلك شنيع. وأيضا فإنه إذا كانت مثلا النار نارا وهواء معا ، والماء ماء وهواء معا إذا قلنا مثلا أن الهواء هو الموضوع لجميعها لزم أن يوجد المتضادان في موضوع واحد ، وذلك أنه لما كان كل واحد منهما يتغير إلى ذلك الواحد الذي هو الهواء مثلا ومن ذلك الواحد ، وكان كل تغير إنما / يكون بمضادة إحداهما في المتغير (١) منه والثانية في المتغير إليه ، ولنضع أن الهواء هو ذلك الواحد الموضوع ، ولنضع أن المضادة التي بين الهواء والنار التي أحدهما في النار والثانية في الهواء هي حرارة في النار وبرودة في الهواء ويبوسة في النار ورطوبة في الهواء على ما هو موجود من أمرهما فإذا تغيرت النار إلى الهواء فإنما يكون ذلك بأن تتغير اليبوسة إلى تلك الرطوبة إذا كان الهواء شيئا رطبا والنار يابسة. وإذا كان ذلك كذلك فليس يمكن إذا تغير الهواء نارا ان تكون النار نارا وهواء معا ، لأنه يلزم أن يكون الشيء يابسا رطبا معا وذلك محال. وإذا كان ذلك كذلك فالشيء الموضوع لهما هو ضرورة شيء غير موجود بالفعل وهو الهيولى المشتركة. وهذا بعينه يلزم إن كان الموضوع لها أكثر من واحد منها وكذلك لا يمكن أيضا أن يكون هاهنا جسم آخر غيرها منه كونها ، كأنك قلت جسم متوسط بين الهواء والماء وبين الهواء والنار أغلظ من الهواء وأرق من الماء أو أرق

__________________

١ ـ المتغير : أ ؛ المتغاير : ب ، م.

١٠٣

من الهواء وأغلظ من النار لأنه يكون ذلك الجسم هواء ونارا معا وهواء وماء معا فيوجد فيه المتضادان معا على ما تبين إذا كان الموضوع واحدا منها ويلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما معا إذ كان أحد المتضادين الموجود بين اثنين من هذه هو عدم ، وذلك أن البرودة عدم الحرارة واليبوسة عدم الرطوبة. وإنما لزم ذلك لأنه إذا وضع متوسط ما بين طرفين متضادين ، ووضع المتوسط إنما يخالف بالأقل والأكثر لا أن له طبيعة غير طبيعتها فما وضع في هذا الرأي أنه إنما يخالفها باللطافة والغلظ ، فواجب أن يكون المتوسط من طبيعة الطرفين فيوجد فيه المتضادان معا وذلك محال. وهذا معنى قوله إنه إن كان هاهنا موضوع (١) بين الهواء والنار إنه يلزم أن يكون هواء ونارا معا وذلك إنه إن كان إنما يخالف النار بأنه أغلظ من النار هو نار غليظة وإن كان إنما يخالف الهواء بأنه الطف منه فهو هواء لطيف وقد كان نارا غليظة فهو نار غليظة وهواء لطيف وذلك مستحيل. وأيضا فإنه لا يمكن (٢) في هذا / الجسم المتوسط أن يكون في وقت من الاوقات قائما منفردا بنفسه كما يقول ذلك فيها قوم إنه قائم بنفسه وانه غير متناه وحاصر ومحيط. فنحن بين أحد أمرين إما أن نضع واحدا منها أي واحد اتفق عنصرا لكلها وتلزمنا هذه المحالات كلها ، وإما أن نضع أنه ولا واحد منها يمكن أن يكون بهذه الصفة وإن كان قد تبين أنه ليس جسم محسوس أقدم من هذه فواجب أن تكون كلها أول الأجسام المحسوسة.

___________________

١ ـ في الأصل موضوعا.

٢ ـ يمكن : أ ؛ يمكنه : ب ، م.

١٠٤

الفصل الثالث

وبالجملة فقد يجب أن يكون في هذه الأسطقسات إما أن لا يكون فيها تغير أصلا إلى واحد ، وإما أن يكون فيها تغير. فإن كان فيها تغير فإما أن يكون من بعضها إلى بعض كما قال أفلاطون إن الثلاثة لا تتغير إلى الأرض والأرض إليها من قبل المثلثات التي تبقى ، فضلا على ما قيل في السماء والعالم ، وإما أن يكون من كل واحد إلى كل واحد. لكن قد تبين فيما سلف أنه واجب أن يتغير كل واحد إلى كل واحد ضرورة وتبين مع ذلك على كم وجه يتخيل أنه ليس تغير بعضها إلى بعض في السهولة والسرعة سواء وإن التي تتضاد في كيفيتين أعسر من التي تتضاد في واحدة وتتفق في واحدة. والذي بقي هو أن يبين أنه ليس تغير كل واحد منها إلى كل واحد على أن يكون فيها ما هو اسطقس ومبدأ لكون الباقية حتى يكون تغير تلك الباقية عنه تركيبا وتغيره عنها انحلالا على جهة ما يوجد الأمر في المركبات مع الأسطقس. وذلك أنه قد تبين انه ليس تغير بعضها إلى بعض هو على أنّ واحدا منها موضوع لسائرها فالذي بقي أن يبين انه أيضا ولا واحد منها أسطقس للباقية ، أعني أنه ليس فيها مبدأ للتغير ونهاية بل تغير بعضها إلى بعض هو على وتيرة واحدة والموضوع لها هو شيء بالقوة. وإنما فحص هنا عن هذا الفحص لأن هذا قد قال به كثير من القدماء. والذين قالوا بذلك فرقتان : فرقة رأت أن الاسطقس هو لها واحد من الأسطقسات التي في الطرفين إما نار وإما أرض ، وفرقة رأت / أنه واحد من التي في الوسط إما ماء وإما هواء. فنقول ان القول بان الاسطقس لها هو إما نار او أرض شبيه بقول من قال انها

١٠٥

كلها تكون من النار او من الأرض ، على أن النار او الأرض موضوعة لهما [بالفعل] وذلك أنه في كلى القولين يلزم أن تكون كلها نارا او أرضا. إلا أن في ذلك القول تكون كلها نارا بالفعل او أرضا بالفعل ، وفي هذا القول تكون كلها نارا متغيرة او أرضا متغيرة. وكذلك يلزم هذه الشناعة من قال أن الأسطقس لها هو أحد المتوسطات ، فإما أن يكون فيها متوسط يتغير إلى الطرفين ولا تتغير الأطراف بعضها إلى بعض على ما يراه قوم من أن الهواء يتغير إلى الماء وإلى النار ولا تتغير النار إلى ماء ، كذلك يظهر أنه غير ممكن على هذه الجهة وذلك ان الهواء إذا تغير إلى النار فبينهما ضرورة مضادة إحداهما في النار والأخرى في الهواء ولتكون المضادة التي في النار يبوسة والتي في الهواء رطوبة وكذلك أيضا إذا فرضناه يتغير إلى الماء فبينهما أيضا مضادة وهذه المضادة يلزم أن تكون غير المضادة التي بينه وبين النار وإلا كان الماء هو النار بعينه فلتكن هذه المضادة اما في الهواء فحرارة واما في الماء فبرودة. وإذا كان ذلك كذلك فيكون الهواء حارا رطبا. إلا أنه لما كان يضاد النار باليبس وجب أن يوافقها بما ضادّ به الماء وهي الحرارة ، فتكون النار حارة يابسة ضرورة وكذلك يلزم أن تكون الرطوبة التي ضاد به النار أن يوافق بها الماء إذا تغير إليه فيكون ثابتا في التغير ومشتركة لهما. ويوجد في النار مضادتان وهما الرطوبة والبرودة ، وقد كانت في النار الحرارة مقابلتها واليبوسة ، فواجب أن تكون النار تتغير إلى الماء لأن الأشياء التي بينها مضادة فواجب أن يتغير بعضها لبعض. ولما كان أيضا الهواء على هذا الرأي أسطقسا لجميعها وجب أيضا أن يتغير إلى الأرض فيكون بينه وبين الأرض مضادة أخرى. ولما كان الهواء حارا رطبا وكان يضاد الماء

١٠٦

بالحرارة والنار بالرطوبة فواجب أن يضاد الأرض بالكيفيتين جميعا / وهي الرطوبة والحرارة فتكون الأرض باردة يابسة لانه إن ضادها بأحد الكيفيتين كانت الأرض إما نارا او ماء فإن كانت الأجسام أكثر من أربعة وجب أن تكون المضادة أكثر من اثنين وذلك أنه واجب أن يكون للمضادة الواحدة جسمان ، وللإثنين أربع. وكلما زاد جسم زادت مضادة ووجد في كل واحد منهما مضادة واحدة فلنضع ان جسما خامسا يضاد الأرض بالسواد والبياض على أن يكون السواد في الأرض والبياض في ذلك الجسم وإذا كان ذلك كذلك فذلك الجسم يوافق الأرض في البرودة واليبوسة فهو أبيض بارد يابس والأرض سوداء باردة يابسة ولان الأرض توافق كل واحدة من الثلاثة بما ضادت به ذلك الجسم الخامس فكلها موجود فيها السواد فيكون النار يضاد ذلك الجسم الخامس بالسواد والبياض. فمن هنا يظن أنه إن كانت الأطراف متناهية ومحدودة انه ليس يمكن الا تتغير الأطراف بعضها إلى بعض. وسواء كان المبدأ هو أحد المتوسطات أو أحد الأطراف فيلزم ضرورة أن يكون بعضها من بعض دورا. فإن قال قائل انه قد يمكن ان يكون التغير من بعضها إلى بعض على استقامة (١) ولا يعود التكون دورا ، مثل أن تتغير الأرض إلى الهواء والهواء إلى الماء والماء إلى النار والنار إلى جسم خامس والخامس إلى سادس وكذلك إلى غير نهاية من غير أن ينعطف ويعود دورا ، فقد يلزمه أن يكون ذلك الجسم الخامس وذلك السادس أو أي جسم أشرنا إليه يعود فيتغير من الذي قبله بالبرهان المقدم. لكن لننزل انه لم يتبين

__________________

١ ـ ورقة ساقطة من مخطوط مودينا.

١٠٧

ذلك ، ولنسلم انها لا تعود فتتغير دورا وإن كان قد تبين ، ولنبين أنه لا يمكن أن يمر التغير فيها على استقامة فإنه إذا بان امتناع ذلك وجب أن يعود دورا لأن التغير الدائم إن لم يكن مستقيما فهو ضرورة دورا. فأقول أنه إن كانت النار تتغير إلى جسم خامس والخامس إلى سادس ولا يعود التغير ، فقد يجب أن يكون بين النار وذلك الجسم مضادة ثالثة احدى فصليها في النار فيكون في النار ثلاثة فصول وكذلك في كل واحدة مما قبل النار. ولنزل ان الفصل الثاني منهما هو الذي في الجسم / الخامس غير موجود في واحد مما قبل النار ، إذ قد سلمنا لهم أن الجسم المتأخر لا يتغير إلى ما قبله ، وإن فرضنا جسما سادسا لزم أن يكون بينه وبين الخامس مضادة رابعة تكون إحدى فصليها في الخامس وفي كل ما قبله فيكون في كل واحد من الخمسة أربعة فصول. وكذلك كل ما زدنا جسما زادت الفصول فيما قبله فإذا كانت الأجسام غير متناهية [لزم أن توجد في كل واحد منها فصول غير متناهية]. وإذا كان ذلك كذلك فليس يمكن كون واحد منهما ولا فساده لأن كونه لا ينقضي إلا بانقضاء ما لا نهاية له ، وما لا نهاية له غير منقض ، فكونه وفساده غير منقض فيلزم عن ذلك الا يكون فيها تغير أصلا من هذه الجهة. ومن جهة اخرى ، وذلك أنها لما كانت غير متناهية من الطرفين وجب ألا يتغير واحد منهما حتى يتغير قبلها أشياء لا نهاية لها وذلك غير منقض أيضا إذا كانت المضادات قبل الاسطقس الواحد الغير متناهية غير مضادة للمضادة الذي بعده الغير متناهية أيضا وجب أن تكون متفقة فتكون فصول الاجسام التي قبله هي بعينها [فصول] الأجسام التي بعده فتكون تلك الأجسام واحدة بالنوع. وإنما يلزم ذلك لانه إذا كان الطرفان يضادان

١٠٨

الوسط ولا يتضادان فهما يضادان بمضادة واحدة والشيئان اللذان يضادان شيئا واحدا بمضادة واحدة هما من نوع واحد.

الفصل الرابع

ولما فرغ من معاندة الآراء التي يمكن أن يقال فيها أن بعض الاسطقسات لا تتغير إلى بعض عاد إلى معاندة من يقول أنه ولا واحد منها يتغير إلى الآخر ، فجعل قوله قائله ١ [كذا] ابن دقليس إذ كان هو أشهر من يقول بهذا فقال :

وإنا لا نوجب من قول من يقول أن الاسطقسات كثيرة ويقول مع هذا إنها غير متغيرة بعضها إلى بعض لانها متعادلة ومتساوية في القوة ، وذلك أن الأشياء المتعادلة والمتساوية إما أن تكون متساوية في الكمية او في الكيفية المتضادة على طريق النسبة مثل أن هذا الشيء يسكن كما هذا يبرد / إلا ان هذا التساوي الذي يوجد على طريق النسبة إنما يقال له تشابه لا تساوي ، ولذلك ليس نرى أن ابن دقليس عنى هذا النوع من التساوي ، وهو يعدله على أنه لم يستعمل هذا النوع من التساوي وذلك أن بهذا النوع فقط من التساوي يمكن أن يدعي مدع أنها تبقى غير متغيرة. فاما بالنوعين الاولين فلا يمكن أن تنحفظ ، وذلك ان التعادل الذي يوجد لها من قبل الكمية او من قبل الكيفية إنما يوجد لها من جهة ما هي من جنس واحد مشتركة في مادة واحدة. وإذا كان التغير لها إنما هو من جهة ما هي مختلفة لا من جهة ما هي متفقة فلا معنى لذلك التعادل إذ كان إنما هو من باب الاتفاق

_______________

١ ـ من الأصل : قابله.

١٠٩

وذلك أنه إن قلنا ان أوقية واحدة من الماء تساوي في الكمية عشرة اوقية من الهواء فذلك لا يكون إلا بأن يتصور هاهنا شيء موضوعا لها مشتركا ، كانك قلت إذا امتد وتخلخل صار هواء وإذا تكاثف وانقبض صار ماء. ومثل هذا التعادل لا يفيد شيئا فتكون المختلفة غير متغايرة ، لان هذا التعادل إنما هو من جهة الاتفاق لا من جهة الاختلاف. وإن قلنا انها متعادلة من جهة الكيفية المشتركة كما يظهر في قول ابن دقليس انه يريد بهذا المعنى مثل ان يقول ان الحرارة التي في جزء من النار مساوية للحرارة التي في عشرة أجزاء من الهواء ، فمن البين ان هذا النوع من التساوي إنما يوجد من جهة ما هي مشتركة في هيولى واحدة من جنس واحد فإن الأقل والأكثر والمتساوي هي من جنس واحد. وإذا كان ذلك [كذلك] فليس هذا النوع من التعادل والتساوي مغنيا في ثباتها لان تغير النار إلى الهواء إنما هو بأن هذه يابسة وهذا رطب. فمن هذه الجهة قد كان ينبغي لمن يقول انها غير متغيرة ان يروم إعطاء التعادل بينها ، وهذا التعادل إنما يوجد لها في الكل لا في الأجزاء. ولذلك نقول نحن إنها غير متغيرة بالكلية متغيرة بالأجزاء.

٣١ ـ قال :

وقد يلزم ابن دقليس شناعات كثيرة في مذهبه مما يرى وفي غير ذلك. أما اولا فإنه لا يكون النمو على رأيه إلا زيادة على النامي وتراكما فقط وذلك / انه يقول ان النار إنما تنمو بالنار والأرض بالارض والاثير بالاثير. وهذا إنما هو زيادة لا نمو ، فإن النمو إنما يكون بطريق الاستحالة على ما تبين. وأصعب من هذا عليه واشنع أن يقول لم كانت الأشياء المتكونة بالطبع يوجد لها التكون إما دائما وإما

١١٠

على الأكثر ، وذلك ان ما يكون من تلقاء نفسه ومن الاتفاق الذي يجعله هو سببا قريبا لحدوث الأشياء فإنه إنما يكون سببا لما يحدث على الأقل. فما السبب عنده يا ليت شعري في أن يكون من الإنسان أبدا إنسان دائما ومن الحنطة حنطة لا زيتونة وما السبب في ان صارت أعظام المتكونات من الاسطقسات محدودة في نوع نوع وجنس جنس. وذلك ان الاجتماع الذي يكون على طريق الجزاف كما يقول ليس يكون سببا لحدوث هذه الأشياء الذي يخص كل واحد منها ضربا من التركيب والنسبة توجد دائما في واحد واحد منها ومحفوظا. ولا يمكنه أيضا أن يقول أن سبب هذا التركيب الخاص بموجود موجود هو الاسطقسات ولا المحبة ولا العداوة وذلك ان المحبة إنما هي عنده سبب الاجتماع والعداوة سبب الافتراق فاما الأسطقسات فهي المجتمعة والمفترقة ، فلم يقل إذن شيئا في (١) أمر طبيعة الأشياء [...] فإن وجود هذه الأشياء إنما هو على جهة الأفضل والأولى لا على جهة الاختلاط والجزاف الذي يحمده هو. ومن الشنيع أيضا أن تكون الأسطقسات والمحبة عنده أقدم من الآلهة. وذلك أن الآلهة عنده هي الكرة السماوية ، وهي مركبة عنده من الاسطقسات واجتماعها عن المحبة ولذلك يذم العداوة إذ كانت عنده مفسدة للآلهة ومفرقة لها. وقد يلزم أن تكون المحبة مفرقة وذلك أنها إذا كانت سبب اختلاط الأسطقسات فهي السبب في زوال فصولها وذلك تفريق لا جمع. وكذلك أيضا لم يأت في أمر الحركة بشيء ولا قال في طبيعتها قولا فإنه ليس يكفي معرفة طبيعتها أن يقال ان

_________________

١ ـ [سبب اختلاط واجتماع] غير واضحة.

١١١

العداوة والمحبة يحركان حتى يقال ما الحركة التي تحركها العداوة وما الحركة التي تحركها المحبة. فقد كان يجب أن يقال في ذلك إما قولا مستقصى / وإما قولا مقنعا. وأيضا فلما كنا نجد لكل واحد من الأسطقسات حركة قسرية فيوجد لكل واحد منها ضدها وهي الحركة الطبيعية وذلك ان الحركة الطبيعية هي أقدم. وإذا كان ذلك كذلك ، وكنا نجد النار والأرض إنما يجتمعان عند ما تتحرك الأرض إلى فوق وتهبط النار إلى أسفل ، ويفترقان عند ما تصعد النار وتهبط الأرض ، والصعود للأرض والهبوط للنار قسري. فإن كانت العداوة هي سبب الافتراق في الأشياء على ما يقوله هذا الرجل والمحبة سبب للاجتماع ، فالمحبة التي يمدحها ويقدمها هي سبب الحركة القسرية المتأخرة والعداوة سبب الحركة الطبيعية المتقدمة. فالعداوة إذن أولى بأن تكون سببا في المحبة ، وذلك شنيع عنده ، فان لم تكن المحبة ولا العداوة سببا لهاتين الحركتين ، فليسا سببا لحركة اصلا. وإذا لم يكونا سببا للحركة فليس هنالك حركة أصلا. وأيضا فإنا نقول إن العالم لما كان قد تبين أنه يتحرك في هذا الوقت عن وجود حركة العداوة عنده ، وفي القديم عن وجود حركة المحبة عنده بحركة واحدة وعلى مثال واحد ، فليس يمكن أن تكون العداوة ولا المحبة سببا لهذه الحركة لأن هاتين الحركتين اللتين سببهما العداوة والمحبة هما حركتان متغايرتان لا يجتمعان معا في موضوع واحد في وقت واحد بل توجد هذه حينا ، وهذه حينا. فإذن المحرك للحركة الواحدة في زمان تحريك العداوة وزمان تحريك المحبة ليس هو المحبة ولا العداوة ومن الشنيع قوله إن النفس يكون من الاسطقسات ، وذلك أنه لا سبيل إلى أن يوفي أسباب افعال النفس وانفعالاتها من الاسطقسات

١١٢

لا من واحد منها ولا أكثر من واحد ، مثل العلم والجهل والذكر والنسيان وغير ذلك من أفعال النفس. وأيضا إن كانت النفس كما يقول قوم نارا او خلطا من النار ومن سائر الاسطقسات ، فواجب أن يوجد فيها إما عوارض النار ولواحقها وإما لواحق الجسمين ، إلا أنه ليس شيء من انفعالاتها / منسوبا إلى انفعالات الأجسام. لكن النظر في هذه الأشياء ليس من هذا الكتاب. فلنرجع إلى حيث كنا فيه من الاسطقسات وننظر كيف تتولد منها سائر الأشياء.

الجملة الثالثة

وهذه الجملة فيها فصلان.

الفصل الأول : يخبر فيه عن جهة حدوث المركبات عن الاسطقسات.

الفصل الثاني : يبرهن فيه أن جميع المركبات هي من الاسطقسات الأربع.

الفصل الأول

٣٢ ـ قال :

اما من ظن [أن] للأسطقسات التي منها قوام الأشياء وتركيبها هيولى مشتركة ، وإنها تتغير بعضها إلى بعض ، فقد يجب عليه متى اعترف بالهيولى المشتركة أن يعترف بتغير بعضها إلى بعض ، ومتى اعترف بالتغير أن يعترف بالهيولى. وأما من لم يعترف بتكون بعضها من بعض وجعل تولد سائر المركبات منها فإنهم ليس يمكنهم أن يأتوا

١١٣

بجهة صحيحة في كيفية تولد المركبات من هذه البسائط ، مثل تولد اللحم والعظم ، وتولد البسائط عن المركبات على جهة الانحلال. إذ كان ليس يمكنهم أن يقولوا في ذلك إلا جهة واحدة وهي جهة تركيب الحائط من اللبن والحجارة وانتزاع اللبن والحجارة من الحائط. وهذا الوجه يلزمه شناعات كثيرة إحداها ما تقدم وهو أن يكون الاختلاط تركيبا لأجزاء صغار إلا انها غير محسوسة فيكون ما هو اختلاط عند إنسان ليس هو اختلاط عند من هو أحدّ بصرا منه؛ والثانية انه يلزمهم ألا يكون كل جزء من اللحم يتولد منه ماء ونار وهواء وسائر الباقية كما هو المحسوس من أمرها وذلك أنه ليس كل جزء من أجزاء الحائط يخرج منه لبن وحجارة بل اللبن يخرج من موضع منه والحجارة من موضع آخر. فإن كان تولد المتولدات عنها تركيبا فإما الا يتولد عن كل جزء من أجزاء اللحم ماء وأرض وإما أن يتولد فيجوز أن يداخل جسم جسما ولو كان انحلال المركبات إلى الاسطقسات بهذه الجهة لم يكن ضرورة الكون استحالة / ولا كان بالجملة يوجد شيء في باب الكيف بل كل جزء كما يقول أرسطو من لحم يمكن أن يتولد منه نار وسائر الباقية مثلما أن الجزء من الشمع ممكن فيه على السواء أن يقبل شكلا مخروطا وشكلا مستديرا وشكلا مستقيم الأضلاع ، وإن كان هذا إمكانا على جهة القبول وذلك إمكان على جهة الانحلال. وأما من يقول بتغير الاسطقسات بعضها إلى بعض فقد يظن انه أيضا يدخل عليه شك أكثر من هذا الشك ، اما أولا فإن أولئك قد يمكنهم بجهة ما أن يقولوا كيف تتولد المركبات منها وأما هؤلاء فلما كانوا يضعون تكوّن هذه الاسطقسات بعضها إلى بعض إنما هو من قبل الهيولى المشتركة فقد يعسر عليهم

١١٤

أن يأتوا بضرب آخر من التكون للحم والعظم فإنه إن كان اللحم منها جميعا أو من أكثر من واحد منها ، كأنك قلت من الماء والنار فلا يخلو أن يكون الماء والنار موجودين في اللحم بالفعل فيكون تركيبا كما قال أهل المذهب الأول ، واما أن يكون حدوثه بفساد كل واحد منهما فيكون الحاصل الباقي منهما إنما هو الشيء المشترك بينهما وهو المادة الاولى الموجودة بالقوة وذلك مستحيل. وهذا الشك إنما كان يلزم من قال ان حدوث الأجسام المركبة من الاسطقسات يكون على جهة التغير لو كانت فصول الاسطقسات الأول ، مثل الحرارة والبرودة لا يقبلان الأقل والأنقص ، فإنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يكون كل تغير يوجد لهما لا يحصل عنه الا أحدهما او هيولى لو أمكنت فيها المفارقة. وأما إذا قلنا أن الحار والبارد قد (١) يكونان بإطلاق ويكونان أزيد وأنقص فنحن نقول إن الذي يحدث ليس هو باردا على الإطلاق ولا حارا على الإطلاق ولا شيئا هو أيضا بالقوة حار ولا بارد بل نقول أنه حار وبارد معا على جهة ما نقول ذلك في المتوسطات حار بالاضافة إلى البارد المطلق الذي في الغاية وبارد بالاضافة / إلى الحار الذي في الغاية. فاما على أي جهة يكون ذلك ، فهي الجهة التي تبين وجودها وهي جهة الاختلاط ، فإن الاختلاط ليس كونا مطلقا ولا هو أيضا استحالة. وعلى هذه الجهة ليس هو تغير أحد الضدين إلى الثاني ولا تغيرهما إلى الهيولى بل يكون حدوث المركبات عن الأسطقسات على جهة الاختلاط وحدوث الأسطقسات من المركبات على جهة الانحلال وإنها بالقوة

_________________

١ ـ هنا ينتهي الساقط من مخطوط مودينا.

١١٥

تلك. ولكن ليس معنى بالقوة هاهنا هي الهيولى الاولى ، إذ كانت المركبات التي هي بالقوة ماء ونارا وأرضا وهواء مثل اللحم والعظم شيئا موجودا بالفعل ولا أيضا على جهة وجودها بالقوة في الاسطقسات ، بل على جهة مقابلة>ليس وجود الأسطقسات بعضها في بعض بالقوة بل على جهة متوسطة<تشبه وجود الأجزاء في المتصل ، أعني كونها أجزاء بالقوة حتى إذا انقسم المتصل صارت أجزاء بالفعل. إلا أن الفرق بينهما أن هذه أجزاء من باب الكمية وتلك أجزاء من باب الكيفية. وأما الوجه الذي به يكون الاختلاط وما الأشياء المختلطة فقد قيل فيما تقدم. واما كيف يكون الاختلاط للأشياء المتضادة فإنه يكون كما قيل إذا لم يكن احدهما غالبا للآخر ولا كانت قوة كل واحد منهما مساوية للآخر. فإنه إن كانت قوة أحدهما غالبة على الإطلاق للآخر كان ذلك فسادا للمغلوب وكونا للغالب ، ومتى كانت قوة كل واحد منهما مساوية لصاحبه لم يحدث هنالك صورة واحدة على ما تبين في الرابعة من الآثار ، وكان فسادا لكليهما فقط ، ومتى كانت قوة أحدهما ليست غالبة على الإطلاق بل غالبة مغلوبة تولد بينهما شيء وسط إلا أنه يكون ضرورة أميل إلى طبيعة الغالب مثل أن يكون في حرارته أزيد من برده او في برده أزيد من حرارته. ولذلك كان هذا الوسط مع انه أميل إلى أحد الطرفين له عرض ما قابل للاقل والأكثر. ومن هنا يظهر لك امتناع وجود المزاج المعتدل الذي وضعه جالينوس ، اعني الاعتدال الذي بحسب الاطراف التي في الغاية لا الاعتدال الذي بحسب أطراف / مزاج النوع فإن هذا هو الذي ينظر فيه صاحب [صناعة] الطب.

١١٦

الفصل الثاني

٣٣ ـ قال :

ولما كانت جميع الأجسام المتولدة من الأسطقسات في المكان الأوسط الذي هو مكان الأرض ، فواجب أن يكون الأرض جزء منها ، لأن الأشياء التي هي بالطبع في موضع ما هي ضرورة اما ذلك الجسم الموجود في ذلك الموضع او شيء غالب عليه ذلك الجسم. ولذلك وجب أن تكون الأجسام الموجودة في المكان الوسط إما أرضا وإما أرضية. ولما كانت الأرض ليس يمكن لموضع بينها أن تقبل الشكل والانحصار من غيرها وكان الماء هو الذي يمكن فيه ذلك ، كان واجبا أن يكون الماء أيضا جزء من الأشياء المتكونة. وأيضا فإن المتكون لما كان بالاختلاط ، والاختلاط إنما يكون بالرطوبة وجب أيضا لذلك أن يكون الماء جزء من الأشياء المتولدة على جهة الاختلاط. وإذا وجد في جميع المركبات هذان الأسطقسان ، فواجب أن يوجد الاسطقسان الآخران فيها أيضا اللذان هما أضداد لهذين وهما النار والهواء ، والا لم يوجد>في<هذين في المركبين بحال الانقص. مثال ذلك أنه إن لم يكن في المركب شيء حار فلن يوجد فيه بارد الا في الغاية فلذلك ما يجب إذا وجد الماء والأرض في المركبات لا على كيفياتها التي هي في الغاية بل انقص ان يوجد فيها الضدان الآخران اللذان منها انكسرت كيفياتها الأول في المركبات ، أعني الهواء والنار فالأسطقسات الأربعة ضرورة موجودة في كل مركب.

١١٧

٣٤ ـ قال :

ومما يدل على ذلك الغذاء الذي يغتذى به النبات. فإنه يظهر ان النبات إنما يتغذى بالماء والأرض ، ولذلك صار الأبارون يخلطونهما عند الزراعة. وإذا كان فيه الماء والأرض ففيه الاسطقسان الباقيان. وإذا كان الحيوان مغتذ بالنبات ففيه أيضا الاسطقسات كلها والمغتذي أيضا ظاهر من انه إنما يتم له الاغتذاء بالحرارة الفاعلة التي فيه من المادة الواردة عليه ، فإن الحرارة تتنزل من الغذاء الوارد عليها / منزلة الصورة من الهيولى. ولهذا وجب للنار من بين سائر الاسطقسات أن يظن بها أنها تغتذي من غيرها من الأسطقسات مع ان كل واحد منها يستحيل إلى ضده ، أعني من جهة ان نسبتها من سائر الاسطقسات نسبة الصورة من الهيولى إذ كانت حاوية لجميع الاسطقسات على ما قيل في السماء والعالم ، وذلك انها حاوية من قبل أنها تتحرك إلى الموضع الحاوي ، وهو مقعر فلك القمر. والحاوي يتنزل منزلة الصورة من قبل انه الذي اليه تنتهي الحركة وهذه هي حال الصورة.

فقد تبين من هذا أن جميع الأجسام مركبة من جميع هذه الأربعة الاجسام المسماة أسطقسات.

الجملة الرابعة

وهذه الجملة فيها فصلان :

الفصل الأول : يبين فيه جميع الأسباب العامة لما يكون ويفسد. الفصل الثاني : يبين فيه على أي جهة يوجد ضرورة الاتصال في الكون.

١١٨

الفصل الأول

٣٥ ـ قال أرسطو :

ولما كانت هاهنا امور كائنة فاسدة وذلك فيما دون فلك القمر ، فقد ينبغي أن نبين كم عدد المبادي المشتركة العامة لجميع ما يكون ويفسد ، وما هي ، فإن بوقوفنا على ذلك يكون وقوفنا على أسباب واحد واحد من الجزئيات التي تكون وتفسد أسهل إذ كان المسير من العامة إلى الخاصة هو الطريق الأعرف بالطبع عندنا على ما قيل في غير هذا الموضع فنقول :

إن المبادي في الاجسام الغير متكونة والاجسام الكائنة واحدة بالعدد متفقة بالجنس ، وإن كانت مقولة بتقديم وتأخير. وهي بالجملة ثلاثة المادة والصورة والفاعل وذلك أن هذين السببين لا يكفيان في الامور الكائنة الفاسدة دون السبب الفاعل المحرك كما لا يكفيان في الاجسام الأزلية إلا أن هذه هي في الاجسام الأزلية والأجسام الكائنة الفاسدة كما قلنا غير متفقة إلا بالجنس المقول / بتقديم وتأخير فإنها لو كانت مقولة بالجنس المتواطئ (١) للزم (٢) في جميعها أن تكون كائنة فاسدة والسبب الذي يجري مجرى الهيولى للأجسام الكائنة الفاسدة هو الشيء الذي فيه إمكان أن يوجد الشيء

_______________

١ ـ المتواطئ : أ ؛ المتوسط : ب ، م.

٢ ـ ساقطة من نسخة مودينا ورقتان.

١١٩

والا يوجد والأشياء التي يمكن فيها (١) أن توجد وألا توجد هي الأمور الكائنة الفاسدة لان الأشياء [توجد] على ثلاثة اضرب بعضها موجود دائما وبعضها معدوم دائما وبعضها موجود في وقت معدوم في آخر وهذه غير كل واحدة من ذينك. وذلك أن ما كان موجودا دائما فليس يمكن فيه أن يعدم في وقت من الاوقات وما كان معدوما دائما فليس يمكن فيه أيضا أن يوجد في وقت من الأوقات. وإذا كانت الأشياء الكائنة الفاسدة بهذه الحالة ، فالاشياء التي بهذه الحال هو الموجود لها الأمران ، فالاشياء الكائنة الفاسدة احد اسبابها ضرورة هو الشيء القابل للإمكان ولما كان الشيء القابل للإمكان هو السبب الهيولاني فأحد أسباب الكائنة الفاسدة هو السبب الهيولاني ضرورة. وأما السبب الذي يجري مجرى الخلقة والصورة وهو الغاية في الكون فينبغي أيضا أن يكون سببا ثانيا لهذا السبب وكذلك أيضا السبب الثالث ينبغي أن يضاف اليها ، وهو السبب الفاعل الذي اغفل القدماء ذكره. فإن منهم من اكتفى بالسبب الذي على طريق الصورة عن هذا السبب قالوا إن للأشياء صورة وماهيات مفارقة وإن كون هذه الأمور المحسوسة هو عن المادة القابلة وعن هذه الصورة الفاعلة المفارقة وأنها هي التي تحرك (٢) صور هذه الأشياء المحسوسة في المواد بمنزلة أفلاطون؛ ومنهم من اكتفى بالسبب الهيولاني فقط وهو الحار والبارد والرطب واليابس فقال إن صور هذه الأشياء إنما تحدث عن اختلاط هذه وامتزاجها من قبل ذاتها فقط لا من قبل محرك لها من خارج قالوا

___________________

١ ـ فيها : أ ؛ فيه : ب ، م.

٢ ـ تحرك : أ ؛ تتحرك : ب ، م.

١٢٠