عيون المعجزات

الشيخ حسين بن عبد الوهاب

عيون المعجزات

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الوهاب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة الداوري
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٥٢

موكل بهما جاعل احد جناحيه تحتهما واظلهما بالآخر ، فاكب النبي (ص) يقبلهما حتى انتبها ، فحمل الحسن على عاتقه اليمنى والحسين على عاتقه اليسرى وجبرئيل (ع) معه ، حتى خرجا من الحظيرة والنبي (ص) يقول : لأشرفنكما اليوم كما شرفكما اللّه تعالى ، فتلقاه ابو بكر بن ابي قحافة فقال : يا رسول اللّه ناولني احدهما احمله واخفف عنك ، فقال : نعم المطية مطيتهما ونعم الراكبان هما ، وابوهما خير منهما ، حتى اتى (ص) المسجد فامر بلالا فنادى في الناس فاجتمعوا في المسجد ، فقام صلى اللّه عليه وآله على قدميه وهما على عاتقيه وقال : معاشر المسلمين الا ادلكم على خير الناس جدا وجدة ، قالوا : بلى يا رسول اللّه ، فقال : الحسن والحسين جدهما محمد سيد المرسلين وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء اهل الجنة ، أيها الناس الا ادلكم على خير الناس ابا واما ، قالوا بلى يا رسول اللّه ، قال الحسن والحسين (ع) ابوهما علي بن ابي طالب وامهما فاطمة سيدة نساء العالمين.

وفي رواية اخرى عن ابن عباس هذا الحديث الا انه قال : فحمل النبي الحسن وحمل جبرئيل الحسين (ع) والناس يرون ان النبي (ص) حمله.

ومن طريق الحشوية ، عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال : كان النبي (ص) يصلي ، فاذا سجد جاء الحسن والحسين (ع) فركباه ، فكان يطيل السجود الى ان ينزلا عنه ، فلما قضى النبي (ص) صلاته ضمهما إليه ، وقال من احبني فليحب هذين.

٦١

روي ان الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) خرج الى مكة ماشيا ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك ما تجده ، فقال له : اذا اتينا هذا المنزل يستقبلك اسود ومعه دهن فاشتر منه ولا تماكسه ، فساروا حتى انتهوا الى المنزل ، فاذا انا بالاسود ، فقال (ع) امض إليه واشتر منه الدهن ففعل ، فقال له الاسود لمن تأخذ هذا الدهن؟ فقال لمولاي الحسن بن علي ، فانطلق معه إليه وقال السلام عليك يا مولاي ، لم اعلم ان الدهن يراد لك فلست اقبل له ثمنا ، فاني مولاك ، ولكن ادع اللّه ان يرزقني ذكرا سويا يحبكم اهل البيت ، فان امرأتي حامل ، فقال (ع) انطلق الى منزلك فان اللّه قد وهب لك غلاما سويا ، وهو لنا شيعة ومحب ، فانطلق فوجد امرأته قد ولدت غلاما.

وروي ان ذلك المولود السيد الحميري شاعر اهل البيت (ع).

روت الشيعة باسرهم : ان حبابة الوالبية صارت الى الحسن والحسين عليهم السلام بعد امير المؤمنين (ع) فدعت لهما واثنت عليهما ، وقالت : لا اشك في امامتكما ، الا ان لكل امام حجة وبرهان ومعجزة ، وكان معها حجر فوضعته بين ايديهما ، فطبعا نقش خاتمهما (ع) فسبحت حبابة للّه تعالى وسجدت له سجدات الشكر.

في كتاب البصائر ، عن اسماعيل بن مهران عن عبد اللّه الكناني عن ابي عبد اللّه (ع) قال : خرج الحسن بن علي (ع)

٦٢

في بعض اسفاره ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بامامته ، فنزلوا في منزل تحت نخل يابس قد يبس من العطش ، ففرش للحسن تحت نخلة منهما وفرش الزبيري بجذائه ، قال : فرفع الزبيري رأسه الى النخلة وقال لو كان عليها رطب لاكلنا منه ، فقال له الحسن (ع) انك لتشتهي الرطب؟ قال نعم فرفع يده (ع) الى السماء ودعا بكلمات فاخضرت النخلة وحملت رطبا ، فقال الجمال الذي اكثروا منه سحر واللّه؛ فقال الحسن (ع) ليس هذا بسحر ، ولكن دعوة أولاد الأنبياء مستجابة ، فصعد احدهم النخلة وجنى من الرطب ما كفاهم.

وفيه عبد اللّه بن مسكان عن الحكم بن الصلت عن ابي جعفر (ع) قال : قال رسول اللّه (ص) خذوا بحجزة هذا الانزع ، يعني عليا (ع) ، من احبه هداه اللّه.

وفي رواية اخرى احبه اللّه ومن ابغضه ابغضه اللّه ومن تخلف عنه اذله اللّه تعالى ، ومنه سبطاي الحسن والحسين هما ابناي ومن الحسين أئمة الهدى عليهم السلام ، علمهم اللّه فهمي وعلمي وبراهيني ، فوالوهم واتبعوهم ولا تتخذوا وليجة من دونهم فيحل عليكم غضب من ربكم ، ومن يحلل عليه غضب من ربه فقد هوى (وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور).

الغلابي في كتابه يرفع الحديث الى صفية بنت عبد المطلب قالت : لما سقط الحسين بن فاطمة (ع) كنت بين يديها ، فقال النبي (ص) هلمي الي بابني ، فقلت : يا رسول اللّه انا لم ننظفه

٦٣

بعد ، فقال النبي (ص) أنت تنظفينه ان اللّه تعالى قد نظفه وطهره.

روي ان رسول اللّه (ص) قام إليه واخذه فكان يسبح ويهلل ويمجد.

عن ابي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه (ص) والذي نفسي بيده ان مهدي هذه الامامة الذي يصلي خلفه عيسى (ع) منا ، ثم ضرب بيده منكب الحسين (ع) وقال : من هذا من هذا.

عن المنهال بن عمر عن ابي ذر رحمه اللّه عن النبي : ما من احد ابغض فاطمة وذريتها الا كان عليه موضع قدميه حراما.

جعفر بن محمد بن عمارة عن ابيه عن الصادق (ع) عن ابيه عن جده (ع) قال جاء اهل الكوفة الى علي (ع) فشكوا إليه امساك المطر وقالوا له : استسق لنا فقال للحسين (ع) قم واستسق فقام وحمد اللّه واثنى عليه وصلى على النبي وقال : اللهم معطي الخيرات ومنزل البركات ارسل السماء علينا مدرارا ، واسقنا غيثا مغزارا واسعا غدقا مجللا سحا سفوحا ثجاجا تنفس به الضعف من عبادك وتحيي به الميت من بلادك امين رب العالمين ، فلما فرغ (ع) من دعائه حتى غاث اللّه غيثا نعته (ع) ؛ واقبل اعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال تركت الاودية والاكام يموج بعضهم في بعض.

٦٤

روي ان الحسين (ع) لما توجه الى العراق ، اتاه ابن العباس فناشده اللّه والرحم ان يكون هو المقتول بالطف قال : يا ابن عباس انا اقتل في يوم عاشورا في وقت كذا لا معقب لحكم اللّه تعالى.

حدث جعفر بن محمد بن عمارة عن ابيه عن عطاء بن السائب عن اخيه قال : شهدت يوم الحسين (ع) فاقبل رجل من تيم يقال له عبد اللّه بن جويرة وقال يا حسين فقال (ع) ما تشاء؟ فقال : ابشر النار فقال (ع) كلا اني اقدم على رب غفور وشفيع مطاع وانا من خير والى خير ، من أنت؟ قال : انا ابن جويرة؛ فرفع يده الحسين (ع) حتى رأينا بياض ابطيه وقال : اللهم جره الى النار ، فغضب ابن جويرة فحمل عليه فاضطرب به فرسه في جدول وتعلق رجله بالركاب ووقع رأسه في الارض ونفر الفرس ، فاخذ يعدو به ويضرب راسه بكل حجر وشجر ، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقي جانبه الآخر متعلقا في الركاب ، فصار لعنه اللّه الى نار الجحيم.

وكان سبب مفارقة ابي محمد الحسن (ع) دار الدنيا وانتقاله الى دار الكرامة على ما وردت به الاخبار ، ان معاوية بذل لجعيدة بنت الاشعث زوجة ابي محمد (ع) عشرة آلاف دينار وقطاعات كثيرة من شعب سور وسوار الكوفة ، وحمل إليها سما فجعلته في طعام فلما وضعته بين يديه ، قال : انا للّه وانا إليه راجعون والحمد للّه على لقاء محمد سيد المرسلين ، وابي سيد

٦٥

الوصيين ، وأمي سيدة نساء العالمين ، وعمي جعفر الطيار في الجنة ، وحمزة سيد الشهداء (ع) ودخل عليه اخوه الحسين (ع) فقال : كيف تجد نفسك؟ قال : انا في آخر يوم من الدنيا واول يوم من الآخرة ، على كره مني لفراقك وفراق اخوتي ، ثم قال استغفر اللّه على محبة مني للقاء رسول اللّه وامير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة (ع) ، ثم اوصى إليه وسلم إليه الاسم الاعظم ومواريث الأنبياء (ص) ، التي كان امير المؤمنين (ع) سلمها إليه؛ ثم قال : يا اخي اذا مت فغسلني وحنطني وكفني واحملني الى جدي حتى تلحدني الى جانبه ، فان منعت من ذلك فبحق جدك رسول اللّه (ص) وابيك امير المؤمنين وامك فاطمة (ع) الزهراء ان لا تخاصم احدا ، واردد جنازتي من فورك الى البقيع حتى تدفنني مع أمي (ع) ؛ فلما فرغ من شأنه وحمله ليدفنه مع رسول اللّه (ص) ، ركب مروان بن الحكم طريد رسول اللّه (ص) بغلة ، واتى عائشة فقال لها : يا أم المؤمنين ان الحسين يريد ان يدفن اخاه الحسن مع رسول اللّه ، واللّه ان دفن معه ليذهبن فخر ابيك وصاحبه عمر الى يوم القيامة ، قالت : فما اصنع يا مروان؟ قال الحقي به وامنعيه من ان يدفن معه ، قالت : وكيف الحقه؟ قال : اركبي بغلتي هذه فنزل عن بغلته وركبتها ، وكانت تثور الناس وبني أميّة على الحسين (ع) وحرضهم على منعه مما هم به ، فلما قربت من قبر رسول اللّه (ص) وكان قد وصلت جنازة الحسن (ع) ؛ فرمت بنفسها عن البغلة

٦٦

وقالت : واللّه لا يدفن الحسن هاهنا ابدا او تجز هذه وأومأت بيدها الى شعرها ، فاراد بنو هاشم المجادلة ، فقال الحسين (ع) اللّه اللّه لا تضيعوا وصية اخي واعدلوا به الى البقيع ، فانه اقسم عليه ان انا منعت من دفنه مع جده (ص) ان لا اخاصم فيه احدا وان ادفنه بالبقيع مع أمه (ع) ، فعدلوا به ودفنوه بالبقيع معها (ع) فقام ابن عباس وقال يا حميراء ليس يومنا منك بواحد يوم على الجمل ويوم على البغلة ، اما كفاك ان يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل يوم على هذا ويوم على هذا ، بارزة عن حجاب رسول اللّه تريد اطفاء نور اللّه واللّه متم نوره ولو كره المشركون ، انا للّه وانا إليه راجعون ، فقالت : له إليك عني واف لك وقومك.

وروي ان الحسن (ع) فارق الدنيا وله تسع واربعون سنة وشهرا ، اقام مع رسول اللّه (ص) سبع سنين وستة اشهر ، وباقي عمره مع امير المؤمنين (ع).

وروي انه دفن مع أمه (ع) سيدة نساء العالمين في قبر واحد.

امامه أبي عبد اللّه الحسين (ع)

ثم انفرد ابو عبد اللّه الحسين (ع) بالامامة ، وقام بامر اللّه عز وجل.

٦٧

وروي عن امير المؤمنين (ع) ان جبرئيل (ع) هبط على رسول اللّه واخبره عن اللّه عز وجل ، ان فاطمة (ع) تلد ابنا وامر اللّه ان يسميه الحسين ، ويعرفه ان الامة الطاغية تجتمع على قتله فيقاتلونه ، فعرف رسول اللّه (ص) امير المؤمنين وفاطمة (ع) ، فقالت لا حاجة لي فيه ، قال اللّه ان يعفيني من ذلك ، فاوحى اللّه عز وجل إليه ان يعرفها ان يعوض الحسين (ع) من القتل ، ان يجعل له الامامة ومواريث النبوة لولده وعقبه من بعده الى يوم القيامة ، فقال امير المؤمنين وفاطمة (ع) رضينا بحكم اللّه تعالى وما اختاره لنا.

روي ان فاطمة عليها السلام حملت بالحسين (ع) ستة اشهر ، وكانت ولادته مثل ولادة رسول اللّه (ص) وولادة امير المؤمنين والحسن (ع) ، ولما ولد الحسين (ع) هبط جبرئيل في الف ملك يهنون النبي (ص) فمروا بملك يقال له فطرس في جزيرة من جزائر البحر بعثه اللّه تعالى في امر ، فابطأ فكسر جناحه وزيل عن مقامه فهبط الى تلك الجزيرة فمكث فيها خمسمائة عام ، وكان صديقا لجبرئيل (ع) ، فلما مضى قال له اين تريد؟ قال ولد للنبي (ص) ابن في هذه الليلة ، فبعثني اللّه فيمن ترى من الملائكة مهنيا ، فقال : أفلا تحملني معك إليه؟ فلعله يدعو لي ويسأل اللّه تعالى اقالتي ، فحمله جبرئيل عليه فلما هنأه هو والملائكة ونظر النبي (ص) الى فطرس ، فقال : يا جبرئيل من هذا من بين الملائكة الهابطين مقصص

٦٨

الجناح؟ فاخبره بقصته ، فالتفت إليه رسول اللّه (ص) وقال له بعد ان دعا له قم وامسح بجناحك على المولود فمسح جناحه على الحسين (ع) فرده اللّه تعالى الى حالته الاولى ، فلما نهض قال له النبي (ص) الى اين يا فطرس؟ قال الى مكاني الذي كنت فيه ، قال له : ان اللّه قد شفعني فيك فالزم ارض كربلا واخبرني بكل من يأتي الحسين (ع) زائر الى يوم القيامة.

وروي ان ذلك الملك يسمى في السماء عتيق الحسين (ع).

وروي ان الحسين (ع) لما عزم على النهوض الى العراق ، واراد الخروج ، بعثت إليه أمّ سلمة من قال له اني اذكرك اللّه ان لا تخرج الى العراق ، فاني سمعت رسول اللّه يقول يقتل ابني الحسين (ع) بالعراق ، واعطاني من التربة في قارورة ، فقال الحسين (ع) اني خارج واللّه واني لمقتول لا محالة فاين المفر من القدر المقدور ، واني لاعرف اليوم والساعة التي اقتل فيها والبقعة التي ادفن فيها كما اعرفك يا أمّ سلمة ، فحضرته فقال (ع) يا أمّ سلمة فان احببت ان اريك مضجعي ومضجع اصحابي ومكانهم فعلت؟ فقالت : قد شئت فتكلم بالاسم الاعظم ، فانخفضت له الارض حتى اراها المكان والمضجع ومد يده (ع) وتناول من التربة واعطاها ، فخلطتها بما كان عندها ، وقال لها : اني اقتل يوم عاشورا وهو يوم السبت.

وروي يوم الجمعة وهو الاصح على ما رواه اصحاب الحديث.

وخرج محمد بن الحنفية يشيعه عند توجهه الى العراق ، وقال

٦٩

له عند الوداع : اللّه اللّه يا ابا عبد اللّه في حرم رسول اللّه ، فقال (ع) له ابى اللّه الا أن يكن سبايا وقبض (ع) يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة سنة سبع وخمسون سنة ، منها مع رسول اللّه (ص) سبع سنين ومع امير المؤمنين (ع) ثلاثون سنة ، وباقي عمره كان مع اخيه (ع) منفردا بالامامة.

وروى اصحاب الحديث انه (ع) اوصى الى ابنه علي ابن الحسين زين العابدين (ع) وسلم إليه ، الاسم الاعظم ومواريث الأنبياء ونص عليه بالامامة بعده.

روي عن عالم اهل البيت (ص) ان اللّه تعالى اهبط الى الحسين اربعة آلاف ملك ، هم الذين هبطوا على رسول اللّه (ص) يوم بدر ، وخير بين النصر على اعدائه ولقاء جده فاختار لقاه ، فامر اللّه تعالى الملائكة بالمقام عند قبره ، فهم شعث غبر ينتظرون قيام القائم من ولده صاحب الزمان عليه السلام.

(امامة زين العابدين عليه السلام)

ولما صارت الامامة للسجاد ذي الثفنات زين العابدين (ع) وكنيته ابو محمد ، قام بها بامر اللّه تعالى على مشقة شديدة صعبة ، وصارت الامامة مكتومة مستورة الا عمن اتبعه من المؤمنين ، وكانت أمه شهربانويه بنت يزدجرد آخر ملوك العجم ،

٧٠

ومولده ومنشأه مثل مولد آبائه (ع) وكان امير المؤمنين (ع) يقول الحسين (ع) احسن الى شهربانويه فانها مرضية ، فمثل لك خير اهل الارض بعدك ، وكان (ع) يصلي في يوم وليلة الف ركعة.

«ومن دلائله وبراهينه (ع)»

ما روى اصحاب الحديث الى رشيد الهجري ويحيى ابن أمّ الطويل ، انهما قالا : لما ادعى محمد بن الحنفية الامامة بعد الحسين (ع) وقال : انا احق بالامامة فاني ولد امير المؤمنين (ع) وقد كان اجتمع إليه خلق كثير ، اقبل زين العابدين (ع) يعظه ويذكره ما كان من رسول اللّه (ص) في الاشارة الى ولد الحسين ، وان الوصية وصلت إليه من ابيه (ع) ، فلم يقبل محمد بن الحنفية وانتهى الامر الى ان اخذ علي بن الحسين بيده وقال : فنحاكم الى الحجر الاسود فانطق اللّه سبحانه الحجر الاسود وشهد لعلي بن الحسين (ع) بالامامة ، ورجع محمد بن الحنفية عن خلافه.

وفيه (ع) قال الفرزدق واشار بيده إليه شعرا :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

من جده دان فضل الأنبياء له

وفضل امته دانت له الامم

٧١

هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله

بجده انبياء اللّه قد ختموا

هذا ابن فاطمة الزهراء ويحكم

وابن الوصي علي خيركم قدم

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف من أنكرت والعجم

اللّه شرفه قدما وفضله

جرى بذاك له في لوحه القلم

يقضي حياء ويقضي من مهابته

ولا يكلم الا حين يبتسم

ينشق نور الدجى من نور غرته

كالشمس ينجاب عن اشراقها الظلم

مشتقة من رسول اللّه نبعته

طابت عناصره والخيم والشيم

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم ملجا ومعتصم

مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهم

في كل يوم ومختوم به الكلم

ان عد اهل التقى كانوا أئمتهم

او قيل من خير اهل الارض قيل هم

من يعرف اللّه يعرف اولية ذا

والدين من بيت هذا ناله الامم

روي عن ابي خالد كنكر الكابلي انه قال : لقيني يحيى ابن أمّ الطويل ، وهو ابن داية زين العابدين (ع) ، فاخذ بيدي وصرت معه إليه (ع) فرأيته جالسا في بيت مفروش بالمعصقر ، مكلس الحيطان عليه ثياب مصبغة ، فلم اطل عليه الجلوس فلما ان نهضت ، قال لي : صر الي في غد ، فخرجت من عنده وقلت ليحيى ادخلتني على رجل يلبس المصبغات وعزمت ان لا ارجع إليه ، ثم اني فكرت في ان رجوعي إليه غير ضائر ، فصرت إليه في غد فوجدت الباب مفتوحا ولم أر احدا ، فهممت بالرجوع فناداني من داخل الباب فظننت انه يريد غيري ، حتى صاح بي يا كنكر ادخل وهذا اسم كانت أمي سمتني به ولا علم احد به

٧٢

عيري ، فدخلت إليه فوجدته جالسا في بيت مطين على حصير من البردي ، وعليه قميص كرابيس وعنده يحيى ، فقال لي : يا ابا خالد اني قريب العهد بعروس ، وان الذي رايت بالامس من راي المرأة ولم ارد مخالفتها ، ثم قام (ع) واخذ بيدي وبيد يحيى ابن أمّ الطويل ومضى بنا الى بعض الغدران ، وقال : قفا ، فوقفنا ننظر إليه فقال : بسم اللّه الرحمن الرحيم ومشى على الماء حتى رأينا كعبه يلوح فوق الماء ، فقلت : اللّه اكبر اللّه اكبر أنت الكلمة الكبرى والحجة العظمى صلوات اللّه عليك ، ثم التفت إلينا (ع) وقال : ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة (ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) : المدخل فينا من ليس منا ، والمخرج منا من هو منا ، والقائل ان لهما في الاسلام نصيبا اعني هذين الصنفين ، فلما قربت ايامه (ع) احضر ابنه ابا جعفر محمد الباقر (ع) واوصى بحضرة جماعة من شيعته وخواصه الوصية الظاهرة ، ونص عليه بالامامة وسلم إليه بعد ذلك الاسم الاعظم ومواريث الأنبياء؛ وكان فيما قاله في امر ناقته ان يحسن إليها ولا يحمل عليها ، وان تكون في الحظيرة وكان (ع) حج عليها عشرين حجة ما قرعها بخشبة.

وروي انه (ع) كان قائما في صلاته اذ وقع ابنه (ع) وهو صغير ، في بئر كانت في داره بعيدة القعر ، فصرخت أمه واقبلت تضرب بنفسها الارض حوالي البئر وتقول يا ابن رسول اللّه غرق ابنك محمد ، وكل من في الدار يسمع كلامها وزين

٧٣

العابدين (ع) لا ينثني عن الصلاة وهو يسمع اضطراب ابنه محمد في قعر البئر ، فلما لم ينفتل عن الصلاة قالت جزعا ما اقسى قلبك؛ فاقبل (ع) على صلاته ولم ينثن عنها الا بعد اتمامه ثم اقبل الى البئر ومد يده (ع) الى قعرها وكان لا يصل إليه الا حبل طويل ، فاخرج محمدا على يده يناغي ويضحك لم يبتل ثوبه بالماء ، فضحكت أمّ محمد لسلامة ابنها وبكت لما قالته لزين العابدين (ع) ، فقال لا تثريب عليك لو علمت اني بين يدي جبار لو ملت بوجهي لمال بوجهه عني لما بدرت منك تلك الكلمة.

وقبض عليه السلام في سنة خمس وتسعين من الهجرة وسنه تسع وخمسون سنة ، وروي سبع وخمسون سنة ، ودفن في البقيع في قبر ابي محمد الحسن بن علي (ع).

وروي ان ناقته خرجت الى البقيع فضربت بجرانها الارض ، ولم تزل دموعها تجري من عينيها ، فبعث ابو جعفر الباقر (ع) بمن ردها الى موضعها ، فعادت الى البقيع واقيمت فلم تقم حتى ماتت ، فامر ابو جعفر فحفر لها بالقرب ودفنت.

(امامة الباقر محمد عليه السلام)

ولما صارت الامامة بعده لابنه الباقر ابي جعفر محمد بن علي (ع) قام بامر اللّه سبحانه واتبعه المؤمنون.

٧٤

روى عن ابي جعفر الباقر (ع) انه قال : كانت أمي أمّ عبد اللّه بنت الحسن جالسة عند جدار فتصدع الجدار ، فقالت بيدها : لا وحق المصطفى ما اذن اللّه تعالى لك في السقوط حتى أقوم ، فبقي الجدار معلقا حتى قامت وبعدت ثم سقط ، فتصدق عنها ابي زين العابدين (ع) بمائة دينار.

وكان مولد ابي جعفر (ع) قبل ان يقبض الحسين (ع) بسنتين واشهر في سنة ثمان وخمسين ، وكان مولده ومنشؤه مثل مواليد آبائه (ع) وكان ممن حضر الطف مع الحسين.

(ومن دلائله وبراهينه)

روي عن محمد بن مسلم قال : كنت مع الباقر (ع) في طريق مكة ، اذ بصرت بشاة منفردة مع الغنم تصيح الى سخلة لها قد انقطعت عنها ، وتسرع السخلة ، فقال (ع) أتدري ما تقول هذه الشاة لها؟ قلت : لا يا مولاي ، فقال (ع) تقول لها : اسرعي الى القطيع ، فان اخاك عام اول تخلف عني وعن القطيع في هذا المكان فاختلسه الذئب فاكله ، قال محمد بن مسلم : فدنوت الى الراعي فقلت ارى هذه الشاة تصيح سخلتها فلعل الذئب اكل قبل هذا سخلة لها في هذا الموضع؟ قال قد كان ذلك عام اول فما يدريك؟.

روي عن ابي بصير وكان ضريرا وقيل اكمه قال : قلت

٧٥

لابي جعفر الباقر (ع) انتم ورثة رسول اللّه (ص)؟ فقال لي : نعم رسول اللّه وارث الأنبياء (ص) ونحن ورثته وورثتهم ، فقلت تقدرون ان تحيوا الموتى وتبرءوا الاكمه والابرص؟ فقال : نعم باذن اللّه تعالى ثم قال ادن مني فدنوت منه (ع) فمسح على عيني فابصرت السماء والارض وكل شيء كان في الدار ، فقال (ع) أتحبّ ان تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم او تعود الى حالك ولك الجنة خالصة ، فقلت الجنة احب الي فمسح يده على عيني فرجعت كما كانت ، ثم قال (ع) نحن جنب اللّه جل وعز ، نحن صفوة اللّه ، نحن خيرة اللّه ، نحن امناء اللّه ، نحن مستودع مواريث الأنبياء (ص) ، نحن حجج اللّه ، نحن حبل اللّه المتين ، نحن صراط اللّه المستقيم ، قال اللّه تعالى (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) نحن رحمة اللّه على المؤمنين ، بنا يفتح اللّه وبنا يختم اللّه ، من تمسك بنا نجا ومن تخلف عنا غوى ، نحن القادة الغر المحجلين ، ثم قال (ع) فمن عرفنا وعرف حقنا واخذ بامرنا فهو منا وإلينا.

وروي مرفوعا الى ابي بصير وكان ضريرا انه قال : كنت مع الباقر (ع) في الطواف ببيت الحرام ، فسمعت كثرة الضجيج فقلت له يا مولاي ما اكثر الحجيج واكثر الضجيج؟ فقال لي ابو جعفر الباقر (ع) : يا أبا بصير ما اقل الحجيج واكثر الضجيج؟ أتحبّ ان تعلم صدق ما اقوله وتراه بعينك؟ قلت له وكيف لي بذلك يا مولاي؟ فقال (ع) ادن فدنوت منه فمسح بيده على عيني فدعا بدعوات فعدت بصيرا ، فقال لي : انظر يا ابا بصير

٧٦

الى الحجيج فنظرت فاذا اكثر الناس فردة وخنازير والمؤمن بينهم مثل الكوكب اللامع في الظلمات ، فقلت : صدقت يا مولاي ، ما اقل الحجيج واكثر الضجيج ، ودعا بدعوات فعدت ضريرا فقلت يا مولاي لو اتممت علي النعمة برد بصري لرجوت ان اكون به سعيدا ، فقال لي ابو جعفر (ع) ما بخلنا يا ابا بصير وان اللّه عز وجل لم يظلمك ، وانا جان لك وخشينا فتنة الناس ، وان يجهلوا فضل اللّه علينا ويجعلونا اربابا من دون اللّه ، ونحن له مسلمون.

وعن الفضل بن يسار ، قال : سمعت ابا جعفر (ع) يقول ان الامام منا يسمع الكلام في بطن أمه ، واذا وقع الى الارض رفع له عمود من نور يرى به اعمال عباد اللّه سبحانه.

وروي ان حبابة الوالبية بقيت الى امامة ابي جعفر (ع) فدخلت عليه فقال : ما الذي ابطأ بك يا حبابة؟ قالت : كبر سني وابيض راسي وكثرت همومي فقال (ع) ادن مني ، فدنت منه فوضع يده في مفرق رأسها ودعا لها بكلام لم تفهمه ، فاسود شعر رأسها وعاد حالكا وصارت شابة فسرت بذلك وسر ابو جعفر (ع) لسرورها ، فقالت : بالذي اخذ ميثاقك على النبيين اي شيء كنتم في الاظلة؟ فقال : يا حبابة نورا قبل ان يخلق اللّه آدم (ع) نسبح اللّه ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ولم تكن قبل ذلك ، فلما خلق اللّه تعالى آدم اجرى ذلك النور فيه.

٧٧

(خبر الخيط المعروف)

رواه لي الشيخ ابو محمد بن الحسن بن محمد بن نصر : يرفع الحديث برجاله الى ابن محمد جعفر البرسي مرفوعا الى جابر قال : لما افضت الخلافة الى بني أميّة سفكوا في ايامهم الدم الحرام ولعنوا امير المؤمنين (ع) على منابرهم الف شهر ، واغتالوا شيعته في البلدان وقتلوهم واستأصلوا شأفتهم ، ومالأهم على ذلك علماء السوء رغبة في حطام الدنيا ، وصارت محنتهم على الشيعة لعن امير المؤمنين (ع) ، فمن لم يلعنه قتلوه ، فلما فشا ذلك في الشيعة وكثر وطال ، اشتكت الشيعة الى زين العابدين (ع) وقالوا : يا ابن رسول اللّه (ص) اجلونا عن البلدان وافنونا بالقتل الذريع ، وقد اعلنوا لعن امير المؤمنين (ع) في البلدان وفي مسجد رسول اللّه (ص) وعلى منبره ، ولا ينكر عليهم منكر ولا يغير عليهم مغير ، فان انكر واحد منا على لعنه قالوا هذا ترابي ورفع ذلك الى سلطانهم ، وكتب إليه ان هذا ذكر أبا تراب بخير ضرب وحبس ثم قتل ، فلما سمع ذلك (ع) نظر الى السماء قال سبحانك ما اعظم شانك ، انك امهلت عبادك حتى ظنوا انك اهملتهم ، وهذا كله بعينك اذ لا يغلب قضاؤك ولا يرد تدبير محتوم امرك ، فهو كيف شئت وانى شئت لما أنت اعلم به منا؛ ثم دعا بابنه محمد بن علي الباقر (ع) فقال : يا محمد قال لبيك قال : اذا كان غدا فاغد الى مسجد رسول اللّه (ص) وخذ الخيط

٧٨

الذي نزل به جبرئيل على رسول اللّه فحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا فيهلكوا جميعا ، قال جابر : فبقيت متعجبا من قوله لا ادري ما اقول فلما كان من الغد جئته وقد كان قد طال علي ليلي حرصا لأنظر ما يكون من امر الخيط ، فبينما انا بالباب اذ خرج (ع) فسلمت عليه فرد السلام وقال ما غدا بك يا جابر ولم تكن تأتينا في هذا الوقت؟ فقلت له لقول الامام (ع) بالامس خذ الخيط الذي اتى به جبرئيل (ع) وصر الى مسجد جدك (ص) وحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا فتهلك الناس جميعا قال الباقر (ع) واللّه لو لا الوقت المعلوم والاجل المحتوم والقدر المقدور ، لخسفت بهذا الخلق المنكوس في طرفة عين بل في لحظة ، ولكنا عباد مكرمون لا نسبقه بالقول وبامره نعمل يا جابر ، قال جابر : فقلت يا سيدي ومولاي ولم تفعل بهم هذا؟ فقال لي أما حضرت بالامس والشيعة تشكو الى ابي ما يقولون من الملاعين؟ فقلت : يا سيدي ومولاي نعم ، فقال : انه امرني ان ارعبهم لعلهم ينتهون وكنت احب ان نهلك طائفة منهم ويطهر اللّه البلاد والعباد منهم ، قال جابر : فقلت سيدي ومولاي كيف ترعبهم وهم اكثر من ان يحصوا؟ فقال الباقر (ع) امض بنا الى مسجد رسول اللّه لاريك قدرة من قدرة اللّه التي خصنا بها وما من به علينا من دون الناس ، فقال جابر : فمضيت معه الى المسجد فصلى ركعتين ثم وضع خده في التراب وتكلم بكلام ، ثم رفع راسه واخرج من كمه خيطا دقيقا فاح

٧٩

منه رائحة المسك ، فكان في المنظر ادق من سم الخياط ، ثم قال لي : خذ يا جابر إليك طرف الخيط وامض رويدا واياك ان تحركه ، قال : فاخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقال (ع) قف يا جابر فوقفت ، ثم حرك الخيط تحريكا خفيفا ما ظننت انه حركه من لينه ، ثم قال (ع) ناولني طرف الخيط فناولته وقلت : ما فعلت به يا سيدي؟ قال : ويحك اخرج فانظر ما حال الناس؟ قال جابر : فخرجت من المسجد واذا الناس في صياح واحد والصائحة من كل جانب ، فاذا بالمدينة قد زلزلت زلزلة شديدة واخذتهم الرجفة الهدمة ، وقد خربت اكثر دور المدينة وهلك منها اكثر من ثلاثين الفا رجالا ونساء دون الولدان ، واذا الناس في صياح وبكاء وعويل وهم يقولون انا للّه وانا إليه راجعون ، خربت دار فلان وخرب اهلها ، ورأيت الناس فزعين الى مسجد رسول اللّه (ص) وهم يقولون كانت هدمة عظيمة ، وبعضهم يقول قد كانت زلزلة وبعضهم يقول كيف لا تخسف وقد تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فظهر فينا الفسق والفجور وظلم آل الرسول (ص) ، واللّه ليتزلزل بنا اشد من هذا واعظم او نصلح من انفسنا ما افسدنا ، قال جابر : فبقيت متحيرا انظر الى الناس حيارى يبكون فابكاني بكاؤهم وهم لا يدرون من أين أتوا ، فانصرفت الى الباقر (ع) وقد حف به الناس في مسجد رسول اللّه (ص) وهم يقولون : يا ابن رسول اللّه أما ترى ما نزل بنا فادع اللّه لنا؟ فقال (ع) : افزعوا الى الصلاة والدعاء والصدقة ، ثم اخذ (ع) بيدي وسار

٨٠