عيون المعجزات

الشيخ حسين بن عبد الوهاب

عيون المعجزات

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الوهاب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة الداوري
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٥٢

الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر (ع) فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : يا سيدي ما ذنبي؟ فقال : حجبتك لأنك حجبت اخاك ابراهيم الجمال ، وقد أبى اللّه ان يشكر سعيك او يغفر لك ابراهيم الجمال ، فقلت : سيدي ومولاي من لي بابراهيم الجمال في هذا الوقت؟ وانا بالمدينة وهو بالكوفة فقال : اذا كان الليل فامض الى البقيع وحدك من غير ان يعلم بك أحد من اصحابك وغلمانك ، واركب نجيبا هناك مسرجا قال : فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث ان اناخه على بباب ابراهيم الجمال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : انا علي بن يقطين ، فقال ابراهيم الجمال من داخل الدار : ما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟ فقال علي بن يقطين : يا هذا ان امري عظيم وآلى عليه الاذن له ، فلما دخل قال : يا ابراهيم ان المولى (ع) ابى ان يقبلني او تغفر لي ، فقال : يغفر اللّه لك فالى علي بن يقطين على ابراهيم الجمال ان يطأ خده فامتنع ابراهيم من ذلك ، فالى عليه ثانيا ففعل ، فلم يزل ابراهيم يطأ خده وعلي ابن يقطين يقول اللهم اشهد ، ثم انصرف وركب النجيب واناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر (ع) بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله.

وروي عن محمد بن حسن المعروف بالقاضي الوراق عن احمد ابن محمد بن السمط ، قال : سمعت من اصحاب الحديث والرواة المذكورين ان موسى بن جعفر (ع) كان في حبس هارون

١٠١

الرشيد وهو في المسجد المعروف بمسجد المسيب من جانب الغربي بباب الكوفة لأنه قد نقل الموضع إليه من دار السندي بن شاهك ، وهي الدار المعروفة بدار ابن ابي عمرويه وكان موسى (ع) هناك ، وقد فكر هارون الرشيد في قتله بالسم ، فدعا بالرطب فأكل منه ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة وأخذ سلكا فغرقه بالسم في سم الخياط ، وأخذ رطبة من تلك العشرين الرطبة وجعل يردد ذلك السلك المسموم في اول رطبة الى آخرها حتى علم انه قد مكن السم فيها واستكثر من ذلك ، ثم اخرج السلك منها وقد قال لخادم له : احمل هذه الصينية الى موسى بن جعفر وقل له ان أمير المؤمنين اكل من هذا الرطب وتنغص لك ، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلته عن آخر رطبة لأني اخترته لك بيدي ولا تتركه يبقي منه شيئا ولا يطعم منه احدا ، فأتاه الخادم وابلغه الرسالة فقال له موسى ائتني بخلالة فأتاه بها وناوله اياها وقام بازائه وهو يأكل الرطب ، وكان للرشيد كلبة اعز عليه من كل ما في مملكته فجذبت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وفضة وجواهر منظومة حتى عادت الى موسى بن جعفر (ع) ، فبادر بالخلالة الى الرطبة المسمومة فغرزها ورمى بها الى الكلبة ، فأكلتها الكلبة فلم تلبث ان ضربت بنفسها الارض وعوت وتقطعت قطعا واستوفى موسى (ع) باقي الرطب وحمل الخادم الصينية وصار بها الى الرشيد ، فقال له : اكل الرطب عن آخره؟ قال : نعم ، قال : فكيف رأيته؟ قال ما انكرت منه شيئا ، ثم ورد عليه خبر الكلبة وانها تهرأت

١٠٢

وماتت ، فقلق هارون الرشيد لذلك قلقا شديدا واستعظمه ، فوقف على الكلبة فوجدها متهرئة بالسم ، فأحضر الخادم ودعا بالسيف وقال اصدقني عن خبر الرطب وإلا قتلتك ، فقال : يا امير المؤمنين اني حملت الرطب الى موسى بن جعفر ، فأبلغته كلامك وقمت بازائه فطلب خلالة فأعطيته فأقبل يغرز رطبة ويأكلها ، حتى مرت به الكلبة فغرز رطبة ورمى بها إليها فأكلتها واكل هو باقي الرطب وكان ما ترى ، فقال الرشيد : ما ربحنا موسى إلا ان اطعمناه جيد الرطب وضيعنا سمنا وقتلنا كلبنا ما في موسى حيلة ، ثم ان موسى بن جعفر (ع) بعد ثلاثة ايام دعا بمسيب الخادم وكان به موكلا فقال له : يا مسيب فقال : لبيك يا مولاي قال (ع) اني ظاعن في هذه الليلة الى المدينة مدينة جدي رسول اللّه (ص) لأعهد الى من فيها يعمل بعدي به ، قال المسيب : قلت يا مولاي كيف تأمرني والحرس معي على الابواب ان افتح لك الابواب واقفا لها؟ فقال (ع) يا مسيب أضعيف يقينك في اللّه عز وجل وفينا؟ قال : يا سيدي لا قال فمه قال المسيب : فقلت متى يا مولاي؟ فقال (ع) يا مسيب اذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثاها فقف وانظر ، قال مسيب فحرمت على نفسي الاضطجاع في تلك الليلة ولم ازل راكعا وساجدا ومنتظرا ما وعدني به ، فلما مضى من الليلة ثلثاها نحست وانا جالس ، واذا انا بمولاي يحركني برجله ففزعت وقمت قائما فاذا انا بتلك الجدران المشيدة والابنية وما حولها من القصور والحجر قد صارت كلها ارضا والدنيا من حواليها فض

١٠٣

فظنت بمولاي انه قد اخرجني من الحبس الذي كان فيه ، فقلت : مولاي اين انا من الارض قال (ع) في مجلسي يا مسيب فقلت يا مولاي فخذ لي من ظالمي وظالمك ، فقال (ع) تخاف من القتل؟ فقلت : مولاي معك لا ، فقال (ع) : يا مسيب فاهدأ على جملتك فاني راجع إليك بعد ساعة واحدة ، فاذا وليت عنك فيعود مجلسي الى بنيانه ، فقلت : يا مولاي فالحديد لا تقطعه ، فقال (ع) : يا مسيب ويحك ، ألان اللّه تعالى الحديد لعبده داود فكيف يتصعب علينا الحديد قال مسيب ثم خطى بين يدي خطوة فلم ادر كيف غاب عن بصري ، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور الى ما كانت عليه واشتد اهتمامي بنفسي وعلمت ان وعده الحق ، فلم يمض إلا ساعة كما حد لي حتى رأيت الجدران قد خرت الى الأرض سجودا واذا انا بسيدي (ع) قد عاد الى مجلسه في الحبس وعاد الحديد الى رجله ، فخررت ساجدا لوجهي بين يديه فقال : ارفع رأسك يا مسيب واعلم ان سيدك راحل الى اللّه عز وجل ثالث هذا اليوم الماضي قلت له : مولاي واين سيدي علي الرضا (ع)؟ فقال (ع) : يا مسيب مشاهد عندي غير غائب وحاضر غير بعيد ، قلت : سيدي فإليه قصدت ، فقال (ع) قصدت واللّه كل منتجب للّه عز وجل على وجه الارض شرقها وغربها حتى محبي من الجن في البراري والبحار ومخلصي الملائكة في مقاماتهم وصفوتهم فبكيت ، فقال (ع) : لا تبك يا مسيب اننا نور لا يطفا ، ان غبت عنك هذا علي ابني بعدي هو انا ، فقلت : الحمد للّه؛ ثم ان سيدي (ع) في ليلة يوم

١٠٤

الثالث دعاني وقال : يا مسيب ان سيدك يصبح في ليلة يومه على ما عرفتك الى الرحيل الى اللّه عز وجل مولاه الحق تقدست اسماؤه ، فاذا دعوت بشربة ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخ بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون الوانا فخبر الطاغية بوفاتي ، واياك ان تظهر على الحديث احدا الا بعد وفاتي قال مسيب : فلم ازل اترقب وعده حتى دعا بشربة ماء فشربها ثم دعاني فقال لي : ان هذا الرجس سندي بن شاهق يقول : انه يتولى امري ويدفنني لا يكون ذلك ابدا ، فاذا حملت الى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدني بها ولا تعلوا على قبري علوا وتجنبوا زيارتي ولا تأخذوا من تربتي فان كل تربة محرمة ما خلا تربة جدي الحسين (ع) ، فان اللّه تعالى جعلها شفاء لشيعتنا واوليائنا ، قال مسيب : ثم رأيته (ع) يختلف الوانا وينتفخ بطنه ، ورأيت شخصا اشبه الاشخاص بشخصه جالسا الى جانبه في مثل شبهه ، وكان عهدي بسيدي علي الرضا (ع) في ذلك الوقت غلاما ، فاقبلت اريد سؤاله ، فصاح بي سيدي موسى (ع) : قد نهيتك يا مسيب فتوليت عنه ، ثم لم ازل صابرا حتى قضى وغاب ذلك الشخص ، ثم اوصلت الخبر الى الرشيد فوافى سندي بن شاهك فو اللّه لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون انهم يغسلونه ويحنطونه ويلفونه كل ذلك اراهم لا يصنعون به شيئا ولا تصل ايديهم إليه وهو (ع) مغسل مكفن محنط وحمل حتى دفن في مقابر قريش ولم يصل الى قبره الى الساعة.

وفي كتاب الوصايا المنسوب الى ابي الحسن علي بن محمد بن

١٠٥

زياد الصيمري وروي عنه من جهات الصحيحة : ان السندي بن شاهك حضر بعد ما كان بين يديه السم في الرطب ، وانه (ع) اكل عشر رطبات فقال له السندى تزداد؟ فقال (ع) له : حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه فيما امرت به ، ثم انه احضر القضاة والعدول قبل وفاته بايام واخرجه إليهم وقال : ان الناس يقولون ان ابا الحسن موسى في ضنك وضر ، وها هو ذا لا علة به ولا مرض ولا ضرر ، فالتفت عليه السلام فقال لهم : اشهدوا علي اني مقتول بالسم منذ ثلاثة ايام ، اشهدوا اني صحيح الظاهر ولكني مسموم وسأحمر في آخر هذا اليوم حمرة ، فمضى عليه السلام كما قال في آخر اليوم الثالث في سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة ، وكان سنه (ع) اربعا وخمسين سنة ، اقام منها مع ابي عبد اللّه (ع) عشرين سنة ومنفردا بالامامة اربعا وثلاثين سنة.

(وصارت الامامة للمولى ابي الحسن)

علي بن موسى الرضا (ع)

بالنص عليه من ابيه (ع) وقام بامر اللّه عز وجل مقام ابيه (ع) واتبعه المؤمنون.

وكان اسم أمه يكتم رضي اللّه عنها وروي ان اسمها أمّ البنين.

وروي عن هاشم بن أحمد قال : قال لي ابو ابراهيم موسى جعفر (ع) قد قدم رجل نخاس من مصر ، فامض بنا إليه

١٠٦

فمضينا فاستعرض عدة جوار من رقيق عنده فلم يرتضهن ، فقال لي : سله عما بقي عنده فسألته فقال : لم يبق الا جارية عليلة فتركناه وانصرفنا ، فقال (ع) لي : عد إليه وابتع تلك الجارية منه بما يقول ، وهو يقول لك ثمانين دينارا فلا تماكسه ، قال : فاتيت النخاس فكان كما قال (ع) وباعني الجارية بما ذكره ، ثم قال لي النخاس فاني اخبرك اني اشتريت هذه الجارية من اقصى المغرب ، فلقيتني امرأة من اهل الكتاب فقالت لي : من هذه الجارية التي معك؟ قلت جارية اشتريتها لنفسي ، فقالت : ما ينبغي ان تكون هذه الجارية الا عند خير اهل الارض ولا تلبث عنده الا قليلا حتى تلد غلاما يدين له شرق الارض وغربها ، فحملتها إليه (ع) ولم تلبث الا قليلا حتى حملت بابي الحسن علي الرضا (ع) وكان اسمها يكتم.

«ومن دلائله وبراهينه (ع)»

حدث العباس بن محمد بن الحسين مرفوعا الى نصر بن قابوس قال : كنت عند ابي ابراهيم (ع) وعلي (ع) ابنه صبي صغير يدرج في الدار ، فقلت له : ارى عليا جائيا وذاهبا فقال هو اكبر ولدي واحبهم علي ، وهو ينظر معي في كتاب الجفر ولا ينظر فيه الا نبي او وصي.

وعن صفوان بن يحيى قال : مضى ابو ابراهيم (ع) يتكلم ويفتي فخفنا عليه ، فقيل له قد اظهرت امرا عظيما وانا نخاف

١٠٧

عليك هذا الغوي الطاغية هارون ، فقال : ليجهد جهده فلا سبيل له الي ، قال : ثم وردت الاخبار من جهة الثقات ان يحيى ابن خالد بن برمك قال لهارون : هذا علي بن موسى قد قعد وادعى الامر لنفسه ، فقال : ما يكفينا ما صنعنا بابيه أتريدون ان اقتلهم كلهم.

عن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضل : ولما نزل بالبرامكة النوازل كان الرضا (ع) واقفا بعرفات يدعو ثم طأطأ رأسه حتى كادت جبهته تصبب ، فأمه الرجل ، ثم رفع راسه فسئل عن ذلك فقال : اني كنت ادعو على هؤلاء القوم يعني البرامكة بما قد فعلوا وقد استجاب اللّه اليوم لي ، فلما انصرفنا لم نلبث الا اياما حتى ورد الخبر بقتل جعفر وحبس ابيه واخيه وتغيرت احوالهم فلم يجبر اللّه لهم كسرا وتفانوا.

عن محمد بن عيسى ، مرفوعا الى محمد بن مهران قال : قال رأيت علي بن موسى الرضا في مسجد المدينة ، وهارون الغوي المعروف بالرشيد يخطب فقال (ع) : انا واياه ندفن في بيت واحد وانه لا يحج بعده احد منهم.

روي عن الحسن بن علي الوشاء المعروف بابن ابنة الياس قال شخصت الى خراسان ومعي حلل وشيء للتجارة ، فوردت مدينة مرو ليلا وكنت اقول بالوقف على موسى بن جعفر (ع) ، فوافق موضع نزولي غلام اسود كأنه من اهل المدينة فقال لي : يقول لك سيدي وجه الي بالحبرة التي معك لا كفن بها مولى لنا

١٠٨

قد توفي ، فقلت له : ومن سيدك؟ قال : علي بن موسى الرضا ، فقلت : ما معي حبرة ولا حلة الا وقد بعتها في الطريق ، فمضى ثم عاد الي فقال لي بلى قد بقيت الحبرة قبلك ، فقلت له : اني ما اعلمها معي ، فمضى وعاد الثالثة فقال : هي في عرض السفط الفلاني ، فقلت في نفسي : ان صح قوله فهي دلالة ، وكانت ابنتي قد دفعت لي حبرة وقالت ابتع لي بثمنها شيئا من الفيروزج والسيح من خراسان ونسيتها ، فقلت لغلامي : هات هذا السفط الذي ذكره فاخرجه الي وفتحته فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه فدفعتها إليه وقلت : لا اخذ لها ثمنا ، فعاد الي وقال : تهدي ما ليس لك دفعتها إليك ابنتك فلانة وسألتك بيعها وان تبتاع لها بثمنها فيروزجا وسيحا فابتع لها بهذا ما سألت ، ووجه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان ، فعجبت مما ورد علي وقلت واللّه لاكتبن له مسائل انا شاك فيها ، ولأمتحننه بمسائل سئل ابوه (ع) عنها واثبت تلك المسائل في درج ، وعدت الى بابه والمسائل في كمي ومعي صديق لي مخالف لا يعلم شرح هذا الامر ، فلما وافيت بابه رأيت العرب والقواد والجند يدخلون إليه ، فجلست ناحية داره وقلت في نفسي : متى انا اصل الى هذا وانا متفكر وقد طال قعودي وهممت بالانصراف ، اذ خرج خادم يتصفح الوجوه ويقول اين ابن ابنة الياس الفسوي؟ فقلت ها انا ذا فأخرج من كمه درجا وقال هذا جواب مسائلك وتفسيرها ، ففتحته واذا فيها المسائل التي في كمه وجوابها وتفسيرها ، فقلت : اشهد اللّه ورسوله على نفسي انك حجة اللّه ،

١٠٩

واستغفر اللّه واتوب إليه ، وقمت فقال لي رفيقي : الى اين تسرع؟ فقلت : قد قضيت حاجتي في هذا الوقت وانا اعود للقائه بعد هذا.

وروي انه كان من ثقات المأمون غلام يقال له صبيح الديلمي وكان يتولى الرضا (ع) حق ولايته ، حدث عنه هرثمة بن اعين قال : قال لي صبيح الست تعلم اني ثقة المأمون في سره وعلانيته؟ قلت : بلى ، قال : اعلم يا هرثمة ان المأمون دعاني ودعا بغلام من ثقاته على سره وعلانيته في الثلث الاول من الليل ، فدخلنا إليه وقد صار ليله نهارا من كثرة الشموع بين يديه ، وبين يديه سيوف مسلولة مسمومة ، ثم دعا بأنفس من ثقات غلمانه واخذ على كل واحد منا العهد والميثاق بلسانه ولم يكن بحضرته احد غيرنا ، وقال : هذا العهد لازم لكم ان كنتم تفعلون ما آمركم به ولا تخالفون منه شيئا ، فقلنا : نعم ، فقال : ياخذ كل واحد منكم من هذه الاسياف سيفا بيده وامضوا حتى تدخلوا على علي ابن موسى في حجرته ، وان وجدتموه قاعدا او قائما فلا تكلموه ، واجعلوا اسيافكم عليه واضربوه بها حتى ترضوه وتخلطوا لحمه بدمه وعظمه ، ثم القوا عليه بساطه وامسحوا اسيافكم وصيروا الي ، فقد جعلت لكل واحد منكم عشر بدر وعشر ضياع منتحية ، والحظوة عندي ما حييت وبقيت ، قال : فاخذنا الاسياف ودخلنا عليه (ع) في حجرته ، فوجدناه مضطجعا يقلب طرفه ويده ويتكلم بكلام لم نعقله ، فبادر الغلمان بالاسياف

١١٠

إليه ووضعت سيفي ناحية وانا قائم انظر إليه (ع) حتى فعل به الغلمان ما امرهم به المأمون ، ثم القوا بساطه ومسحوا اسيافهم وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال لهم : ما الذي صنعتم؟ قالوا : ما امرتنا به وكنت اظن انهم سيقولون اني ما ضربت معهم بسيفي ولا تقدمت إليه ، فقال : ايكم كان المسرع إليه بالسيف؟ فقالوا : صبيح الديلمي ، ثم قال : لا تعيدوا شيئا مما كان وما فعلتم فتبخسوا حظكم عندي وتتعجلوا الفناء وتخسروا الآخرة والأولى ، فلما كان في تبلج الفجر خرج المأمون وجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلل الازرار واظهر وفاته (ع) وجلس للتعزية ، فقبل ان يصل إليه الناس قام حافيا يمشي الى الحجرة لينظر إليه (ع) وانا بين يديه ، فلما دخل عليه في حجرته سمع همهمة فارعد ثم قال : من عنده؟ فقلنا : لا علم لنا ، فقال : اسرعوا وانظروا ، قال صبيح : فاسرعت الى البيت واذا انا بمولاي (ع) جالسا في حجرته مواصلا تسبيحه ، فارتعد المأمون وانتفض ثم قال : غدرتموني لعنكم اللّه ثم التفت الي من بين الجماعة وقال يا صبيح ، قلت : لبيك يا مولاي وسقطت لوجهي ، فقال لي : قم بوجهك اللّه وقل له يريدون ان يطفئوا نور اللّه بافواههم واللّه متم نوره ولو كره الكافرون ، ثم رجعت الى المأمون ووجهه كقطع الليل المظلم ، فقال يا صبيح : ما وراءك؟ قلت : يا امير المؤمنين وجدته جالسا في محرابه وناداني باسمي وقال لي : كيت وكيت ثم شد المأمون ازراره ولبس ثيابه وقال : قولوا كان قد غشي عليه وقد افاق من غشوته قال هرثمة : فاكثرت للّه حمدا

١١١

وشكرا ودخلت على مولاي الرضا (ع) ، فلما رآني قال يا هرثمة : لا تحدث بما حدثك به صبيح الديلمي الا من امتحن اللّه قلبه بمحبتنا وبولايتنا فقلت : نعم يا مولاي ثم قال (ع) يا هرثمة واللّه ما ضرنا كيدهم.

حكى الحسين بن حمدان الحضيني روى قال : حدثني زيد ابن محمد القمي قال : حدثني عبيد اللّه بن جعفر الملالي قال : كنت مع هرثمة بن أعين وفي جملة حين خرج مع المأمون ومع مولانا الرضا (ع) من مرو الى طوس ، فحضرت وفات الرضا (ع) وغسله ودفنه وشاهدت ما كان جرى في ذلك ، وسألت هرثمة عن الشيء الذي سم به الرضا (ع) قال هرثمة : كنت بين يدي المأمون ليلة الى ان مضى من الليل اربع ساعات ، بعد الأربع الساعات قرع انسان بابي فكلمه بعض غلماني فقال له : قل لهرثمة اجب سيدنا الرضا (ع) فقمت مسرعا واخذت ثيابي علي واسرعت إليه (ع) ، فدخل الغلام بين يدي ودخلت وراءه ، واذا بسيدنا الرضا (ع) في صحن الدار جالسا فقال لي : يا هرثمة قلت : لبيك يا سيدي ومولاي قال : اجلس واسمع وع هذا فان رحيلي الى اللّه عز وجل ولحوقي بآبائي وجدي رسول اللّه (ص) قرب ، وقد بلغ الكتاب اجله ، وقد عزم هذا الطاغية على سمي في عنب ورمان مفرك ، فاما العنب فانه يغمر السلك في السم ثم يجريه في العنب ليخفى ، واما الرمان فهو يطرح السم فيه وهو مفتون ويخلطه به ، وانه سيدعوني في هذا اليوم المقبل ويقدم

١١٢

الي الرمان والعنب ويسألني اكله فاكله ، ثم ينفذ الحكم ويتم القضاء ، فاذا انا مت فسيقول لك المأمون انا اغسله بيدي ، فاذا قال ذلك فقل له اني قد قلت فلا يتعرض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني ، فانه ان فعل ذلك عاجله من العذاب ما أخر عنه حل به أليم ما يحذر فانه سينتهي عن ذلك ، قلت : نعم سيدي قال : واذا خلا بينك وبين غسلي فسيلحظ من موضع عال مشرف على موضع غسلي ، لينظر ولا تتعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا قد ضرب في جانب الدار ابيض ، فاذا رايت ذلك فادخلني في ثوبي الذي انا فيه من ورائه ولا تكشف الفسطاط فتهلك ، فانه سيشرف عليك ويقول لك يا هرثمة أليس زعمتم ان الامام لا يغسله الا امام مثله؟ فمن يغسل علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة ونحن بطوس وهو بها ميت ، فاذا قال لك فاجبه ما يغسله احد غير الذي ذكرته ، فاذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدروجا في اكفاني فضعني على نعشي واحملني ، فاذا اراد ان يحفر قبري فانه سيجعل قبر ابيه هارون قبلة لقبري ولكن لا يكون ذلك واللّه ، فاذا ضربوا المعاول فانها ستنبو عن الأرض ولا يحفر لهم منها شيء ولا كقلامة ظفر ، فاذا اجتهدوا في ذلك فقل لهم عني امرني ان أضرب معولا واحدا في قبلة هارون ، فاذا ضربت رأيت قبرا محفورا في وسطه ضريح ، فاذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني حتى يفور من ضريحه ماء أبيض يمتلي به ذلك القبر الى وجه الأرض ثم يضطرب فيه حوت بطوله ، فاذا اضطرب فلا تنزلني حتى إذا غاب الحوت

١١٣

وغار الماء فانزلني في قبري ولا تدعهم يحثون علي ترابا ، فان القبر ينطبق من نفسه ويمتلي ، قال : قلت نعم يا سيدي ، قال : ثم قال لي احفظ ما عهدت به إليك واعمل به ولا تخالفه ، فقلت : اعوذ باللّه من أن أخالف لسيدي أمرا ، قال هرثمة : ثم خرجت باكيا حزينا من عنده (ع) فلم أزل كالحبة على المقلا لا يعلم ما في نفسي إلا اللّه تعالى ، ثم دعاني المأمون فدخلت عليه فلم أزل قائما الى ضحوة النهار ، ثم قال لي يا هرثمة امض الى ابي الحسن واقرئه مني السلام وقل له تصير إلينا او نصير إليك؟ فان قال لك بل أصير إليه فتسأله أن يقدم مصيره إلي قال هرثمة : فجئت فلما اطلعت على سيدي (ع) قال : يا هرثمة أليس قد حفظت ما اوصيتك به؟ قلت بلى ، قال قدموا إلي نعلي فقد علمت ما رسلت به ، فقدمت نعله ومشى إليه فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما وعانقه وقبل بين عينيه واجلسه الى جانبه على سريره وأقبل يحادثه ساعة طويلة ، ثم قال لبعض غلمانه : يأتي بعنب ورمان قال هرثمة : فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر ورأيت انتفاضا في جسدي وكرهت أن يتبين ذلك مني فرجعت القهقرى حتى خرجت فرميت بنفسي في موضع من الدار ، فلما قرب زوال الشمس حسست بسيدي (ع) قد خرج من عنده ورجع الى داره ، ورأيت الامر قد خرج من عند المأمون باحضار الأطباء ، فقلت : ما هذا؟ قيل علة عرضت للرضا (ع) وكان الناس على شك وانا كنت على يقين لما علمته منه (ع) ، فلما كان في بعض الليل في الثلث الثاني ، ارتفع الصياح وسمعت

١١٤

الواعية من الدار فأسرعت فيمن أسرع فاذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محلل الأزرار قائما على قدميه ينتحب ويتباكى ، فوقفت فيمن وقف وأنا أحس بنفسي تكاد تفيض ، ثم أصبحنا وجلس المأمون للتعزية ثم قال : ومضى الى الموضع الذي فيه سيدنا الرضا (ع) وقال اصلحوا لنا موضعا فاني أريد أن أغسله فدنوت منه وقلت خلوة يا أمير المؤمنين فأخلى نفسه فأعدت عليه ما قال سيدي الرضا (ع) بسبب الغسل والكفن والدفن فقال : لست أعرض في ذلك فشأنك يا هرثمة ، فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط الأبيض قد انتصب في جانب الدار فصار (ع) في داخله ، فوقفت من ظاهره وكل من في الدار دوني وانا أسمع التكبير والتهليل وتردد الأواني وصوت مصب الماء وتضوع الطيب الذي لم أشم مثله طيبا قال هرثمة : فاذا انا بالمأمون قد أشرف علي من عالي داره فقال : يا هرثمة أليس زعمتم ان الامام لا يغسله إلا إمام مثله فأين محمد ابنه وهو الساعة بالمدينة وهذا بطوس من أرض خراسان؟ قال هرثمة : فقلت ما يغسله غير من ذكرته ، فسكت عني ثم ارتفع الفسطاس واذا بسيدي (ع) مدرجا في أكفانه فوضعته على نعشه ثم حملناه ، فصلى عليه المأمون والناس ، ثم جئنا الى موضع القبر فوجدتهم يضربون بالمعاول من فوق قبر هارون الرشيد ليجعلوه قبلة لقبره والمعاول تلبو عنه حتى ما قطعوا من تلك الأرض شيئا ، فقال المأمون : ويحك يا هرثمة أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟ فقلت يا أمير المؤمنين ان الرضا (ع) أمرني أن أضرب

١١٥

معولا واحدا في قبلة قبر أبيك لا أضرب غيره ، قال : فاذا ضربت يا هرثمة يكون ما ذا؟ فقلت : انه أخبرني ان لا يجوز قبر أبيك قبلة لقبره ، وانني اذا ضربت هذا المعول الواحد ارى القبر محفورا من غير يد تحفره ، وبان الضريح من وسطه ، فقال المأمون : سبحان اللّه ما أعجب هذا الكلام ولا عجب من أمر أبي الحسن فاضرب حتى نرى ، فضربت في قبلة قبر هارون فانكشف القبر محفورا وبان الضريح في وسطه والناس ينظرون ، فقال : انزله يا هرثمة فقلت إن الرضا (ع) أمرني أن لا أنزله حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء يكون فيه حوت ، فاذا غاب الحوت وغار الماء وضعته على جانب القبر وخليت بينه وبين ملحده ، فقال : فافعل يا هرثمة ما أمرت به قال هرثمة : فانتظرت ظهور الماء والحوت إلى أن ظهر فاضطرب الحوت غاب ثم غار الماء والناس ينظرون ، ثم وضعت النعش على جانب القبر وسجف من فوقه سجاف أبيض لم ينشره أحد ثم أنزل الى قبره (ع) بغير يد أخذته منا ومنهم ، وحضر المأمون وأشار الى الناس أن أحثوا التراب عليه بأيديكم ، فقلت لا تفعل ذلك ، قال المأمون : ويحك فمن يملأه؟ قلت أمرني الرضا (ع) ان لا يطرح عليه التراب فان القبر يمتلي من نفسه وينطبق ويتربع على وجه الارض ، فأشار المأمون الى الناس أن كفوا ، فرموا ما في أيديهم من التراب ثم امتلى القبر وانطبق وتربع على وجه الأرض ، فانصرف المأمون وانصرفنا فدعاني وأخلى مجلسه ثم قال : يا هرثمة واللّه لتصدقني عما أخبرك غير ما قتله لي ، فقلت :

١١٦

يا أمير المؤمنين عما تسألني؟ فقال : يا هرثمة هل أسر إليك بشيء غير هذا؟ قلت : نعم ، فقال : ما هو؟ قلت خبر العنب والرمان ، فأقبل المأمون يتلون ألوانا بصفرة وحمرة وسواد ثم مد بنفسه كالمغشي عليه وسمعته يقول في غشوته : ويل للمأمون من اللّه ، ويل للمأمون من محمد رسول اللّه ، ويل للمأمون من امير المؤمنين علي ولي اللّه ، وويله من فاطمة وويله من الحسن والحسين ، وويله من علي بن الحسين ، وويله من محمد بن علي ، وويله من جعفر بن محمد ، وويله من موسى بن جعفر ، هذا واللّه الخسران المبين حقا ، يقول هذا القول ويكرره ، فلما رأيته قد طال ذلك منه توليت عنه وجلست في جانب من الدار ، قال هرثمة : فجلس المأمون ودعاني فجئت إليه وهو كالسكران ، فقال لي : واللّه ما أنت بأعز علي منه ولا جميع من في الأرض ، وو اللّه لأن بلغني عنك انك أعدت حرفا مما سمعته منه ورويته ليكونن هلاكك أهون علي مما لم يكن ، قال هرثمة : فقلت يا أمير المؤمنين ان ظهر ذلك مني فأنت في حل من دمي ، فقال : لا واللّه او تعطيني عهدا وميثاقا انك تكتم هذا ولا تذيعه؟ قال : فأخذ مني العهد والميثاق وأكدهما علي ، قال : فلما وليت عنه صفق بيديه ثم سمعته يقول : (يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللّه وهو معهم اذ يبيّتون ما لا يرضى من القول وكان اللّه بما يعملون محيطا) وهذا الخبر الذي رواه الحسين بن حمدان من كتاب الأنوار.

ومضى (ع) في سنة اثنتين ومائتين من الهجرة ، وكان

١١٧

مولده (ع) في سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد مضى الصادق (ع) بخمس سنين ، وأقام بعد أبيه (ع) بالامامة تسع عشر سنة ، وقبض (ع) سنة وتسع وأربعون سنة وشهور.

(وصارت الامامة للمولى التقي أبي)

(جعفر محمد بن علي بن موسى عليه السلام بالنص

عليه من ابيه (ع) وهو أبو جعفر الثاني وقام

بأمر اللّه مقام ابيه (ع) واتبعه المؤمنون)

روي ان اسم أمه سبيكة وانها كانت افضل نساء اهل زمانها.

وروي انه (ع) ولد ليلة الجمعة لأحد عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان خمس وتسعين ومائة ، وكان مولده ومنشأه مثل مولد آبائه (ع).

«ومن دلائله وبراهينه (ع)»

روى عبد الرحمن بن محمد عن كلثم بن عمران قال : قلت للرضا (ع) ادع اللّه أن يرزقك ولدا ، فقال (ع) : انما ارزق ولدا واحدا وهو يرثني ، فلما ولد أبو جعفر (ع) قال الرضا (ع) لأصحابه : قد ولد لي شبيه موسى بن عمران (ع) فالق

١١٨

البحار ، وشبيه عيسى بن مريم (ع) قدست أم ولدته فلما ولدته طاهرة مطهرة ، قال الرضا (ع) : يقتل غصبا فيبكي له وعليه اهل السماء ، ويغضب اللّه تعالى على عدوه وظالمه فلا يلبث الا يسيرا حتى يحل اللّه به الى عذابه الأليم وعقابه الشديد ، وكان طول ليله يناغيه في مهده.

عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا (ع) قد كنا نسألك عن الامام بعدك قبل ان يهب اللّه لك ابا جعفر وكنت تقول : يهب اللّه لي غلاما وقد وهب اللّه لك وأقر عيوننا ولا ارانا اللّه يومك ، فان كانت الحادثة فالى من نفزع؟ فاشار بيده الى ابي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت : جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين : فقال (ع) وما يضره ذلك؟ قد قام عيسى (ع) بالحجة وهو ابن سنتين ، ولما قبض الرضا (ع) كان سن ابي جعفر (ع) نحو سبع سنين ، فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد وفي الامصار ، واجتمع الريان بن الصلت وصفوان بن يحيى ومحمد ابن حكيم وعبد الرحمن بن الحجاج ويونس بن عبد الرحمن وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم ، في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من المصيبة ، فقال لهم يونس بن عبد الرحمن : دعوا البكاء من لهذا الامر والى من نقصد بالمسائل الى ان يكبر هذا ، يعني ابا جعفر (ع) فقام إليه الريان بن الصلت ووضع يده في حلقه ولم يزل يلطمه ويقول له : أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك ، ان كان امره من اللّه فلو انه كان ابن

١١٩

يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه ، وان لم يكن من عند اللّه فلو عمر الف سنة فهو واحد من الناس هذا مما ينبغي ان يفكر فيه ، فاقبلت العصابة عليه تعذله وتوبخه ، وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والامصار وعلمائهم ثمانون رجلا ، فخرجوا الى الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا ابا جعفر (ع) ، فلما وافوا اتوا دار ابي جعفر الصادق لأنها كانت فازعة ودخلوها وجلسوا على بساط كبير ، وخرج إليهم عبد الرحمن بن موسى فجلس وقام مناد وقال : هذا ابن رسول اللّه فمن اراد السؤال فليسأله فسئل عن اشياء اجاب عنها بغير الواجب ، فورد على الشيعة ما حيرهم وغمهم واضطربت الفقهاء وقاموا وهموا بالانصراف وقالوا في انفسهم : لو كان ابو جعفر (ع) يكمل جواب المسائل لما كان من عبد اللّه ما كان ومن الجواب بغير الواجب ، ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال هذا ابو جعفر فقاموا إليه باجمعهم واستقبلوه وسلموا عليه ، فدخل (ع) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وامسك الناس كلهم ، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائله فاجاب عنها بالحق ففرحوا ودعوا له واثنوا عليه وقالوا له : ان عمك عبد اللّه افتى بكيت وكيت فقال : لا إله الا اللّه يا عم انه عظيم عند اللّه ان تقف غدا بين يديه فيقول لك لم تفت عبادي بما لم تعلم وفي الامة من هو اعلم منك ، وكان اسحاق بن اسماعيل ممن حج في جملتهم في تلك السنة ، قال اسحاق : فاعددت له في رقعة عشر مسائل وكان لي حمل فقلت في نفسي ان أجابني عن

١٢٠