بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ج ـ بل حرّم الشارع كل ما يثير الشهوات ، فقد قال تعالى : ( ... ولا يضربن بأرجلهن ليُعلَمَ ما يخفين من زينتهن ) (١) ، فيعلم منه حرمة حتى صوت الخلخال وحتى التكسّر في المشية مما يوجب لفت نظر الرجال وتحريك شهواتهم.

د ـ تحريم الخلوة بالأجنبية ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشيطان » (٢).

ه‍ ـ تحريم الغناء الذي فسِّر به لهو الحديث الوارد في الآية القرآنية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً اُولئك لهم عذاب مهين ) (٣).

٤ ـ توعية المجتمع على نوع العقوبة الرادعة عن الفحشاء في الدنيا ، وبيان أنّ عذاب الله أشدّ في الآخرة ، وتطبيق هذه العقوبة أمام المؤمنين اذا وقعت الفحشاء في المجتمع ؛ ليرتدع الناس عن هذا الإثم ، كما ذكر ذلك القرآن الكريم. فيبيّن للناس حدّ الجلد والرجم والقتل والإلقاء من شاهق والإحراق بالنار ، وما الى ذلك من عقوبات ذكرها المشرّع الحكيم في القرآن والسنة. فمثلاً :

أ ـ حكم الزاني أو الزانية ( اذا لم يكونا محصنين ) هو الجلد مائة جلدة ، قال تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابَهما طائفة من المؤمنين ) (٤).

ب ـ حكم الزاني أو الزانية ( اذا كانا محصنين ) هو الرجم.

__________________

(١) النور : ٣١.

(٢) أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده : ج ٣ ، ص ٣٣٩.

(٣) لقمان : ٦.

(٤) النور : ٢.

٤٢١

ج ـ حكم اللائط والملوط به ( سواء كانا محصنين أو غير محصنين ) هو القتل للفاعل والمفعول به ، وطريقة القتل مخيّرة ( كما في الروايات ) بين القتل بالسيف أو الالقاء من شاهق أو الإحراق بالنار.

وبهذه التدابير (١) نكون قد صُنّا الإنسان من الوقوع في الحرام ، واذا وقع في الحرام فقد سددنا الطريق على العدوى بمرض الإيدز.

* * *

__________________

(١) أنّ التلفاز وما تقوم به فِرَقُه يؤثّر أثراً مهماً ورئيساً في توعية الشعب ، فعلى عاتق المسؤولين عنه تقع هذه المسؤولية الكبيرة أولاً وبالذات.

٤٢٢

٤٢٣

٤٢٤

قبل الدخول في محوري البحث لابدّ من معرفة ضابط المفطِّر ليكون ميزاننا في معرفة المفطِّرات في مجال التداوي أو الحالات المرضية ، ولهذا نرى أن نذكر مقدّمة لبحثينا وهي ضابط المفطِّرات.

ضابط المفطِّرات

إنّ أول مفطِّر أوجب القرآن الكريم الامساك عنه وكذا الروايات هو : ما يصدق عليه عنوان الأكل والشرب ، فقد ذكر القرآن الكريم ذلك بالمفهوم فقال : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتمّوا الصيام الى الليل ) (١).

فقد أجاز القرآن الكريم الأكل والشرب حتى يطلع الفجر ، ومعناه يحرم جواز الأكل والشرب في النهار الى الليل. وكذا ذكرت الروايات ذلك ، كما في صحيحة محمد بن مسلم قال : « سمعت الإمام الباقر عليه‌السلام يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث ( أو أربع ) خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

٤٢٥

في الماء » (١).

وقد ذكروا : أنَّ اجتناب الطعام والشراب يراد بهما اجتناب أكل الطعام واجتناب شرب الشراب الذي ذكر في الآية القرآنية ، وهذا الأمر من الوضوح بحيث انعقد عليه اجماع المسلمين (٢) وضرورتهم.

إنّما الكلام في اُمور اُخر منها :

١ ـ ما هو الأكل والشرب ؟

إنّ أكثر اللغويين أوكلوا أمر الأكل والشرب إلى وضوحه ، فقال الراغب (٣) في المفردات : الأكل تناول المطعم ، وقال الخليل (٤) : الأكل معروف ، وكذا قال الفيومي (٥) في المصباح المنير.

نعم ، ذكر الزبيدي في تاج العروس (٦) فقال : الأكل إيصال ما يمضغ الى الجوف ممضوغاً ...

وقال الرمّاني : الأكل حقيقة بلع الطعام بعد مضغه. قال : فبلعُ الحصاة ليس بأكل حقيقة.

أما الشرب : فقال في مفردات الراغب (٧) : تناول كل مائع ماءً كان أو غيره.

وأرى أن الأكل في العرف يشترط فيه أن يكون للمأكول مضغ ويصل الى

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ١ ممّـا يمسك عنه الصائم ، ح ١.

(٢) راجع الشرح الكبير في هامش المغني : ج ٣ ، ص ٣٦.

(٣) مفردات الراغب : ص ٢٠.

(٤) معجم مقاييس اللغة : ج ١ ، ص ١٢٢.

(٥) المصباح المنير : ج ١ ، ص ١٠.

(٦) تاج العروس : ج ١ ، ص ١٩.

(٧) مفردات الراغب : ص ٢٥٧.

٤٢٦

الجوف عن طريق الحلق. أمّا الشرب فهو أيضاً إيصال ما يشرب الى الجوف عن طريق الحلق.

٢ ـ هل الأكل والشرب الذي يكون مفطراً ينحصر في الطريق العادي المتعارف ـ وهو طريق الفم ـ أو يشمل ما يكون من غير الطريق العادي ؟

فمثلاً : إذا شرب إنسان الماء من أنفه أو أدخل الطعام الى المعدة من أنفه فهل يكون مفطراً ؟

الجواب : أنّ الأكل والشرب متى صدق صدق عنوان المفطرية ، ولا خصوصية لكون الأكل والشرب من الطريق المتعارف بعد اطلاق الدليل ، وعلى هذا فلا دخل للفم في صدق عنوان الأكل أو الشرب إذا كان دخول الطعام أو الشراب الجوف عن طريق الحلق ، ولذلك لا يحتمل أيّ فقيه جواز شرب الخمر المحرّم من طريق الأنف بدعوى أنّ النهي عن شربه منصرف الى ما كان شربه عن طريق الفم.

٣ ـ هل يكون الأكل والشرب مفطراً إذا كان معتاداً ؟

أمّا إذا كان غير معتاد كالدواء غير المعدِّ للأكل والشرب وكعصارة الأشجار وبعض المساحيق الشبيهة بالتراب والطين فهل يكون مفطراً ؟

والجواب : قد ذكر الإمام الخوئي قدس‌سره : « أن المرتكز في اذهان عامّة الناس أنّه لا فرق في المأكول والمشروب بين المعتاد منهما كالخبز والماء ، وغير المعتاد كالحصى (١) والتراب والطين ومياه الأنهار وعصارة الأشجار ونحو ذلك ممّا لم يكن

__________________

(١) أقول : يمكن التشكيك في صدق الأكل على الحصى ، من حيث عدم امكان مضغها ، ولم تمضع وحينئذ

٤٢٧

معدّاً للأكل والشرب ، ولم ينسب الخلاف حتى الى المخالفين ما عدا اثنين منهم ، وهما الحسن بن صالح وأبو طلحة الأنصاري » (١).

أقول : وقد ذكر في المغني والشرح الكبير : عدم ثبوت ما نقل عن أبي طلحة الأنصاري (٢).

والدليل على هذا الارتكاز عند المسلمين هو اطلاق الآية القرآنية والروايات المفسِّرة لها ، فإنّ المفهوم منهما هو المنع من الأكل والشرب من غير ذكر للمتعلق ، ومن المعلوم ـ في علم الاُصول ـ أنّ حذف المتعلق يدلّ على العموم بعد صدق الأكل والشرب ، فلا فرق أصلاً بين الأكل والشرب في المعتاد ، كأن يقول : أكل محمد الخبز وشرب محمد الماء ، أو غير العتاد كأن يقول : أكل محمد الدواء أو التراب أو الطين ، أو شرب محمد الدواء أو السمّ أو عصارة الشجر.

وممّا يؤيّد هذا ما ذكر في مفطرية الغبار الداخل الى الحلق ـ كما ذكر ذلك النص ـ مع عدم كون الأكل للغبار متعارفاً.

إذن عُلم من ذلك أن الاعتبار في المنع بالدخول الى الجوف من طريق الحلق سواء كان متعارفاً أم لا إذا صدق عليه عنوان الأكل والشرب.

وما قيل من عدم صدق الطعام والشراب ـ الوارد في صحيحة محمد بن مسلم (٣) عن الإمام الباقر المتقدّمة ) على الدواء وما يدخل الى الجوف إذا كان غير

__________________

يصدق عليها عنوان البلع ، وحينئذ فإن كان هناك دليل خاص يدلّ على مفطرية بلع الحصى ( كالاجماع من المسلمين ) فهو ، وإلاّ فلا يحصل به الافطار ( إذا قلنا : إنّ الافطار يحصل بالأكل والشرب لا بعنوان أعمّ منهما ) لعدم صدق الأكل العرفي على بلع الحصاة ، وقد تقدّم عن الرماني : بأن بلع الحصاة ليس بأكل حقيقي.

(١) مستند العروة الوثقى ، كتاب الصوم : ج ١ ، ص ٩٢.

(٢) المغني : ج ٣ ، ص ٣٦ ، وهامش المغني ( الشرح الكبير ) : ج ٣ ، ص ٣٧.

(٣) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ١ ممّا يمسك عنه الصائم ، ح ١.

٤٢٨

معتاد فيكون الطعام والشراب حينئذ مختصاً بالمتعارف منهما ـ يُبطله أنَّ الصحيحة في صدد بيان أن الطعام والشراب مضرٌّ بالصوم بخلاف الأفعال الخارجية من النوم والمشي والعمل وما شابه ذلك ، وأمّا ما هو المراد من الطعام والشراب هل هو مطلق المأكول والمشروب أو خصوص المعتاد منهما ؟ فليست الصحيحة بصدد بيانه حتى تدلّ على حصر المفطر في الطعام والشراب العاديين.

٤ ـ هل العبرة بوصول الطعام أو الشراب الى الجوف أو بدخوله عن طريق الحلق ؟

اقول : تقدم سابقاً أن ما يؤكل ويشرب لو وصل من طريق الأنف وهو طريق غير عادي للوصول الى الجوف ، وقد قلنا : إنّه مضرٌّ بصحة الصوم ، وعليه فلو فرضنا ثقباً تحت الذقن ـ مثلاً ـ بحيث يصل المطعوم أو المشروب الى الجوف من طريق الحلق فيكون مضرّاً بصحة الصوم.

ولكن هنا يكون التساؤل عن أمر آخر ، وهو ما إذا فتحنا ثقباً تحت الحلق أو في الصدر لأجل ايصال ما يؤكل أو يشرب الى الجوف فهل يضرّ هذا في صحة الصوم ؟

وقد اجاب على هذا الإمام الخوئي رحمه‌الله فقال : « وعلى أي حال فالمدار على الدخول في الحلق كيفما اتفق ، ومنه نعرف عدم البأس بالدخول في الجوف من غير هذا الطريق إلاّ أن يقوم عليه دليل بالخصوص ، فيقتصر على مورده كما في الاحتقان بالمائع. وأمّا ما عدا ذلك فلا ضير فيه لعدم كونه من الأكل والشرب في شيء كما لو صبَّ دواءً في جرحه أو شيئاً في اُذنه أو إحليله فوصل الى جوفه ... » (١).

__________________

(١) مستند العروة الوثقى ، كتاب الصوم : ج ١ ، ص ١٠٨.

٤٢٩

واستدلَّ رحمه‌الله بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في اُذنه الدهن ؟ قال عليه‌السلام : إذا لم يدخل حلقه فلا بأس » (١). وقال في موضع آخر : « فإن العبرة في صدق ذلك ( المفطرية ) بدخول المأكول أو المشروب في الجوف من طريق الحلق » (٢).

وقال في موضع آخر : « فحقيقة الأكل والشرب ليس إلاّ ادخال شيء في الجوف من طريق الحلق ... » (٣) ( ٤).

ولكن نقول :

١ ـ إنّ صدق الأكل والشرب وإن كان متوقفاً على مرور المأكول والمشروب عن طريق الحلق ـ وهو المعنى العرفي لهما ـ إلاّ أنَّ الآية القرآنية التي منعت بمفهومها عن الأكل والشرب لم تمنع عنهما بما أنّهما فعل من الافعال ، بل منعت عنهما بما أنّهما فعلان يوجبان وصول المأكول والمشروب الى الجوف ، فالمهم هو المنع من وصول الطعام والشراب الى الجوف الذي يكون عادةً بواسطة الأكل ، وعلى هذا فسيكون الأكل والشرب طريقاً مرآتياً لما يصل الى الجوف من الطعام أو الشراب (٥) ، ولهذا ذكرت صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة اجتناب الطعام والشراب.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ٢٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٥.

(٢) مستند العروة الوثقى ، كتاب الصوم : ج ١ ، ص ٩١.

(٣) مستند العروة الوثقى ، كتاب الصوم : ج ١ ، ص ٩٣.

(٤) لا بأس بالتنبيه إلى أن كلام الإمام الخوئي ; هنا يختلف عن فتواه في رسالته العملية ، فإنّه قد استشكل في صحة الصوم حتى فيما إذا وصِلَ المغذّي بالوريد مع عدم صدق الأكل والشرب قطعاً فكيف فيما إذا دخل الطعام الى المعدة لا عن طريق الحلق ؟ فهو أولى بالبطلان عنده من ناحية الاحتياط الوجوبي.

(٥) أقول : هذا الرأي ليس هو المشهور بين علماء الإمامية ، وليس هو الذي عليه الفتوى الآن وإن وجد مَن يقول به منهم من قدماء الأصحاب.

٤٣٠

وعلى هذا فإذا وصل المأكول والمشروب الى الجوف بلا أكل ولا شرب فيصدق عليه أنّه غير مجتنب للطعام والشراب ، وأنّه غير ممسك عنهما حتى يصح منه الصوم الذي هو عبارة عن الامساك عن اشياء أهمّها المأكول والمشروب.

٢ ـ أمّا الرواية التي استدل بها الإمام الخوئي رحمه‌الله فهي بصدد بيان أنَّ الدواء الذي صُبّ في الاُذن ما لم يدخل الى الحلق فهو لا يصل الى الجوف الذي يكون مقرّاً للطعام والشراب ، أو يكون الأكل والشرب مقدمة للوصول إليه ، بل يكون الدواء في الاُذن فلا يصدق عليه الأكل والشرب وهذا متين جداً ، لا بمعنى أن المفطِّر هو مختص بما دخل الطعام أو الشراب عن طريق الحلق.

٣ ـ إنّ الروايات ذكرت صدق الصوم بالاجتناب عن أشياء ، منها الطعام والشراب وحينئذ إذا لم يصدق على الإنسان أنّه اجتنب الطعام والشراب فهو مضرٌّ بالصوم وإن لم يصدق عليه أنّه أكل أو شرب.

توضيح وتتميم :

أنّ الذي يفهم من الروايات في الإضرار بصحة الصوم هو عبارة عمّا يدخل الى الجوف ممّا يكون الأكل والشرب مقدمة له ويصدق عليه أنّه لم يجتنب الطعام والشراب ، وحينئذ يكون الصوم الصحيح بالنسبة لهذا الأمر هو عدم وصول شيء خارجي الى هذا الجوف المعين ، ولا عبرة بخصوصية الأكل والشرب بما أنّه فعل من الأفعال ، ولهذا عدة قرائن هي :

١ ـ ما رواه سليمان بن حفصَ المروزي قال : « سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك مفطِّر مثل الأكل والشرب والنكاح » (١). ومثلية دخول التراب أو ماء المضمضة أو

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ٢٢ ممّا يمسك عنه الصائم ، ح ١.

٤٣١

الاستنشاق أو الرائحة الغليظة الحاملة لأجزاء المشموم الى حلقه أو أنفه للأكل هي في صورة الدخول الى الجوف وإن لم تكن أكلا.

٢ ـ صحيحة حماد عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه ؟ فقال عليه‌السلام : إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شيء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء » (١).

وواضح أنّ دخول ماء الوضوء الى الحلق لا يسمى شرباً (٢) ، وإنّما هو عبارة عن دخول قطرة أو أكثر من الماء الى الجوف.

٣ ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ( الإمام الكاظم عليه‌السلام ) قال : « سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصبّ في اُذنه الدهن ؟ قال عليه‌السلام : إذا لم يدخل الى حلقه فلا بأس » (٣).

٤ ـ موثّقة سماعة بن مهران قال : « سألته عن الكحل للصائم ؟ فقال عليه‌السلام : إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس » (٤).

وواضح من هاتين الروايتين أن المانع من الصوم هو دخول الدواء الحلق وصول طعم الكحل الى الحلق ، وهو ممّا لا يسمى أكلا ولا شرباً.

٥ ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ( الإمام الصادق أو الباقر عليهما‌السلام ) أنّه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة ؟ فقال عليه‌السلام : « إذا لم يكن كحلاً تجد له طعماً في حلقها فلا بأس » (٥).

وواضح أنَّ الطعم في الحلق هو أول الدخول الى الجوف فلا خصوصية

ــــــــــــــــ

(١) المصدر السابق : ب ٢٣ ، ح ١.

(٢) الشرب : الكرع بالأفواه ، فشربوا منه أي كرعوا بأفواههم ، مجمع البحرين.

(٣) الوسائل : ج ٧ ، ب ٢٤ ممّـا يمسك عنه الصائم ، ح ٥.

(٤) المصدر السابق : ب ٢٥ ، ح ٢.

(٥) المصدر السابق : ب ٢٥ ، ح ٥.

٤٣٢

للأكل أو الشرب.

٦ ـ ما رواه الصدوق رحمه‌الله بسنده عن منصور بن حازم أنّه قال : « قلت للإمام الصادق عليه‌السلام الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم ؟ قال : لا. قلت : فيجعل الخاتم ؟ قال عليه‌السلام : نعم » (١).

وهذه الرواية كالصريحة في أنّ ما يضرّ بالصوم هو وصول شيء الى الجوف وإن لم يصدق عليه أنّه أكل أو شرب.

والخلاصة : أنّ الأدلّة القائمة على المفطِّرية بالنسبة لما يؤكل أو يشرب على قسمين :

١ ـ أدلّة خاصة تدلّ على اجتناب الأكل والشرب في الصوم ، كما إذا فهمنا من الآية القرآنية المجوّزة للأكل والشرب في الليل المنع منهما في النهار ، وهنا لا مانع من أن يكون الأكل والشرب مختّصاً بوصول الشيء الى الحلق.

٢ ـ أدلّة عامّة دلّت على وجوب اجتناب الطعام والشراب ، وهذا لا يتوقف على أن يكون اجتنابهما عن طريق الحلق ، بل يجب اجتنابهما مطلقاً ، لكن لا بمعنى أن لا ينظر إليهما ولا يمسّهما ولا يبيعهما ونحو ذلك ، بل يجتنبهما بحيث لا يصلا الى مستقرهما ـ وهو جوف الإنسان ( المعدة ) الذي يكون الطريق المتعارف له هو الحلق ـ وإن لم يصدق عنوان الأكل والشرب.

وأمّا الحلق الذي اُكِّد عليه في عدم وصول المأكول والمشروب إليه فهو باعتبار أنّه مبدأ الجوف ، ومنتهى العمل الاختياري للإنسان ، وما بعده يحصل بالاضطرار ولا يمكن وقفه أو منعه ، وحينئذ يكون المضرّ هو وصول الطعام والشراب الى الجوف بالاختيار ولا خصوصية للحلق الذي وهو مدخل لجوف

__________________

(١) المصدر السابق : ب ٤٠ ، ح ٣ ، وسند الصدوق الى منصور بن حازم فيه محمد بن علي ماجيلويه ، أمّا منصور فهو ثقة ثبت.

٤٣٣

الطعام والشراب ، خصوصاً إذا نظرنا الى الصوم الذي معناه الإمساك والذي يكون دخول الطعام الى مستقرّه بغير الحلق مضراً بصحته عرفاً. ولنا أن نعتبر في المولى الذي يمنع من دخول زيد الى الدار ، وقال : إياكم أن يصل زيد الى باب الدار فهل يكون دخول زيد الى الدار من غير الباب مفوِّتاً لغرض المولى ؟ وبالتأكيد يكون الجواب : نعم ، إنّه مفوّت لغرض المولى.

وحينئذ فما لم يصدق على المكلف أنَّه مجتنب للطعام والشراب فهو غير صائم ، كما إذا فتح له ثقباً الى المعدة بعد الحلق ليصل الطعام والشراب منه إليها ، وكذا إذا دخل الى جوفه الطين والكحل والدواء والدهن ، فإنّ كلّ هذه إذا حصلت لم يصدق عليها عنوان الأكل والشرب ، ولكن يصدق على صاحبها أنّه لم يمتنع من الطعام والشراب فهو مضرّ بصحة الصوم.

ويؤيّد هذا ما ذكره العلماء : « لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثم ردّه الى الفم وابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه ( عند الإمامية وهو قول أكثر الشافعية ) ، إلاّ إذا استُهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة الخارجية ، وكذا لو استاك وأخرج السواك من فمه وكان عليه رطوبه ثم ردّه الى الفم فإنَّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه ، إلاّ مع الاستهلاك على الوجه المذكور » (١).

يبقى شرب السجائر : الذي يكون له طعم في الحلق ويصل الى الجوف فتكون مضرّة في صحة الصوم ، لا من ناحية ادخال الهواء الى الرئتين الذي لا يصدق عليه الشرب الحقيقي ، لأنّ الشرب الحقيقي هو ما يشرب من المائعات ويكون مقرّه المعدة ، ولكنّ الإشكال من ناحية عدم صدق اجتناب الأكل للأجزاء

__________________

(١) راجع العروة الوثقى للسيد الكاظم الطباطبائي ، كتاب الصوم ، ومستمسك العروة الوثقى : ج ٨ ، ص ٢٥٣.

٤٣٤

المتكوّنة من الدخان المسحوب الى الحلق وما بعده التي تمنع من صدق اجتناب الطعام.

ولعلّه لما تقدم فقد استشكل الإمام الحكيم قدس‌سره على من قال بأنّ المدار صدق الأكل والشرب ، فقال :

« بأنّ الأدلّة لم تختص بالمنع عن الأكل والشرب ، بل مثل الصحيح السابق ـ المتضمن لوجوب الاجتناب عن الأربع وغيره ـ دالّ على المنع عمّا هو أعم من الأكل والشرب ... ، مضافاً الى أنّه يستفاد ممّا ورد في المنع عن الاحتقان بالمائع وصبّ الدهن في الاُذن إذا كان يصل الى الحلق ، وما ورد في الاستنشاق إذا كان كذلك ، وما ورد في مفطرية الغبار ـ أنّ المعتبر في الصوم عدم الايصال الى الجوف مطلقاً ، وحينئذ يشكل صبّ الدواء في الجرح إذا كان يصل الى الجوف ، بل في المختلف استقرب فيه الافطار مستظهراً له من المبسوط ، وكذا تقطير المائع في الاُذن ، وعن أبي الصلاح الجزم بمفطِّريته ... » (١) (٢).

وممّا يتفرّع على المفطِّرات في مجال التداوي اُمور :

١ ـ الحقن بواسطة المستقيم أو الإحليل :

ولا ضرورة لحصر البحث فيهما ، بل لابدّ من البحث فيما يدخل من أحد السبيلين ( القبل والدبر ) كتنظيف الرحم والتحاميل والحقن الشرجية وما شابه ذلك ومما يحتاج الى العلاج والدواء لرفع المرض ، فهل يكون هذا منافياً لصحة الصوم ؟

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى : ج ٨ ، ص ٢٣٨.

(٢) أقول : نحن لم نقل بقاعدة المنع ممّا يصل الى الجوف مطلقاً ، ولكن قلنا بالمنع ممّا يصل الى الجوف الذي يكون الأكل والشرب طريقاً عاديّاً إليه ولم يصدق على فاعله اجتناب الطعام والشراب وإن لم يصدق عنوان الأكل والشرب.

٤٣٥

الجواب : وردت صحيحة علي بن جعفر عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام مصرّحةً بالجواز فقال : « سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان ؟ قال : لا بأس » (١).

أقول : هذه الرواية جوّزت إدخال الدواء للصائم ، وبما أنَّ ادخال الدواء على نحوين : الأول : ادخال الدواء الجامد في القبل والدبر ، والثاني : ادخال الدواء المائع كذلك فقد يتوهّم بأنّها جوّزت الصور كلها ، ولكن بما أنّه قد وردت الروايات المعتبرة التي تنهى الصائم عن الاحتقان بالمائع ، بل وتجوّز الاحتقان بالجامد ، فقد ذهب جمع من الفقهاء الى التفصيل في أن المنهيّ عنه هو ادخال الدواء المائع في الجسم ، وهو ما يسمى بالاحتقان الذي عُبّر عنه في مجمع البحرين « إيصال الدواء الى باطنه من مخرجه بالمحقنة ».

وبهذا نعرف أنّ المنهيّ عنه في الصوم هو فقط إيصال الدواء المائع الى الباطن من طريق المخرج.

أمّا الحقن بالجامد وهو ما يسمّى التحاميل فلا بأس به في الصوم ، سواء كانت في القبل أو الدبر.

فمن الروايات : صحيحة ابن أبي نصر عن أبي الحسن ( الإمام الرضا عليه‌السلام ) « انه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان ؟ فقال عليه‌السلام : الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (٢).

بناءً على أنّ معنى الاحتقان منصرف الى ادخال الدواء المائع ، وعلى تقدير الاطلاق وشمول الاحتقان للجامد فهو مقيّد بموثّقة الحسن بن فضال ، قال : « كتبتُ الى الإمام الرضا عليه‌السلام ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم ؟

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ١.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٤.

٤٣٦

فكتب عليه‌السلام : لا بأس بالجامد » (١) (٢).

ثمّ إنّ هذا المنع للحقن بالمائع هل معناه وجود الحرمة التكليفية للصائم إذا أوجدها من دون عذر ، وعدم الحرمة إذا كانت بعذر ، أو أنّها تبطل الصوم أيضاً ؟

أقول : اختلف الفقهاء على قولين ، ولكنّ الصحيح هو القول الثاني ؛ وذلك لظهور النهي الوارد في باب المركبات الارتباطية في الارشاد الى المانعية ( كما أنَّ الأمر في المركبات ظاهر في الارشاد الى الجزئية أو الشرطية ) فإنّ النهي الذي هو ظاهر في الحرمة ينقلب في باب المركبات الى ظهور ثانوي وهو البطلان والفساد نظير النهي عن لبس جلد ما لا يؤكل لحمه في الصلاة (٣).

وعلى هذا فلا فرق في مفطرية الحقنة بين الاختيار والاضطرار لمعالجة مرض ، لاطلاق الدليل ، بل الظاهر من النصّ هو الثاني كما لا يخفى.

وبهذا يعرف حكم ما لو احتقن المريض عن طريق الإحليل ، فانه لا يضرّ بالصوم.

وكذا لا يضرّ بالصوم ادخال الطبيب يده للفحص أو لتنظيف الرحم وما شابه ذلك ، سواء كان ذلك مصاحباً لمائع أم لا ، لعدم صدق الاحتقان الذي يبطل الصوم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٢. وهذا الحديث له سند آخر ينقله الشيخ الطوسي قدس‌سره تكون عبارته أصرح في جواز الجامد إذ قال بدل « اللطف » التلطف من الاشياف.

(٢) ذهب الأطباء المختصون ( الدكتور محمد علي البار والدكتور حسّان شمسي پاشا ) : الى « أن حقن السوائل الى داخل الامعاء حيث يتم الامتصاص يؤدّي الى الافطار وافساد الصوم » هذا القول ليس مبنياً على ما ذكرناه من الأدلّة الشرعية ، بل انهما يرون أن الجوف هو من الحلق الى الشرج وهذا ماء دخل الجوف فيكون مفطراً.

(٣) على أن قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن أبي نصر : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » ولا يحتمل فيه حرمة الاحتقان في الصوم المندوب ، لجواز أن يبطله الإنسان بالأكل وغيره من المفطرات إذن لا مناص من دلالة عدم الجواز في الصحيحة على البطلان دون الحرمة التكليفية.

٤٣٧

نعم ، وردت موثقّة حنان بن سدير أنّه سأل الإمام الصادق عليه‌السلام عن الصائم يستنقع في الماء ؟ قال : « لا بأس ، لكن لا ينغمس. والمرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمل الماء بقبلها » (١).

ولكن بما أن التعليل لم يقل أحد من علماء الإمامية بكونه مفطراً ولم يفهم مشهور الفقهاء من النهي الحرمة أيضاً فيحمل النهي على الكراهة.

حكم الاحتقان عند أهل السنة في المستقيم أو الاحليل :

قد ذكر مشهور السنة قاعدة يدخل تحتها الحقن في المستقيم والإحليل ويدخل غيرهما من السوائل الى داخل الجسم ، وهي : « أنّ كل ما دخل الى جوف الإنسان أو تجوّف فيه ـ كمداواة الجائفة أو المأمومة ـ فهو مفطّر » وقد استدلّوا على ذلك بقولهم : « لأنّه واصل الى الجوف باختياره فأشبه الأكل ». « ولأن الدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطره كجوف الإنسان » (٢).

نعم ، ذهب الإمام مالك الى عدم كون ما يدخل الى الجوف مفطراً إلاّ أن يصل الى الحلق ولا يفطر إذا داوى الجائفة أو المأمومة ، واختلف عنه في الحقنة (٣).

أقول : لنا أن نتسائل عن دليل القاعدة التي ذكرها مشهور علماء أهل السنّة ، فإنّ كان ما ذكر « من أن كل ما وصل الى الجوف باختياره يكون شبيهاً بالأكل فيكون مفطّراً » فقد نوقش هذا الدليل بأنّ هذه القاعدة هي من تدقيق الفقهاء التي لا يدلّ عليها كتاب ولا سنة ولا قياس.

وإن كان دليل القاعدة هو ما ذكر « من أنَّ الدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطره كجوف البدن » فقد نوقش أيضاً بعدم صحة هذا الكلام ، فإنّ الواصل الى

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، باب كراهية الارتماس في الماء للصائم ، ح ٥.

(٢) المغني : ج ٣ ، ص ٣٧ ، وراجع الشرح الكبير في هامش المغني.

(٣) المصدر السابق.

٤٣٨

الدماغ لا يغذيه ، على أنّ قاعدتهم تعمّ المغذّي وغيره من دخول سلاح الى الجائفة أو المأمومة ممّا لا يعدّ طعاماً ولا شراباً ، ولا ما في معناهما حتى يقاس عليهما (١).

٢ ـ الدهان التي تستطعم في الحلق بواسطة المسام الجلدية :

وقبل التكلّم في هذه الصورة هناك تساؤلات حول ما قد يصل الى الجسم عبر الجلد ـ سواء طُعِم في الحلق أم لا ـ كالحقن في الجلد وفي العضلة وما يوضع من الأدوية التي يمتصها الجسم عبر الجلد ، فهل تكون مضرّة بصحة الصوم ؟

والجواب عن ذلك : أنّ الروايات المتقدّمة حاصرة لصحة الصوم باجتناب الأكل والشرب والنساء والارتماس في الماء ، واضيف إليها ما ثبت إضراره بالصوم كالاحتقان بالمائع كما تقدّم وغيره كالكذب على الله ورسوله الذي لم نتعرض له هنا لعدم مناسبته البحث ، أمّا هذه العناوين المتقدّمة فلم يرد فيها ما يدلّ على إضراره بالصوم وحرمته ، ولذا لا يمكن الحكم ببطلان الصوم لذلك. على أن التدهين الذي كان مستعملا في السابق للاوجاع والرضوض التي تحصل للإنسان لم يأت فيه أيّ دليل على كونه مضرّاً بالصوم. كما أنّ الاستنقاع بالماء للرجل الذي يوجب امتصاص الجلد شيئاً من الماء قد ورد فيه النص بالجواز ، ولكن منع من رمس الرأس ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام كما في صحيحة الحلبي قال : « الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه » (٢).

وهناك روايات دلّت على جواز دخول الرجل الحمام على كراهية فيه للضعف الذي ينشأ من ذلك ، ونحن نعلم أن دخول الحمام يوجب امتصاص الجسم شيئاً من الماء لا محالة. فقد ورد في صحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه‌السلام : « أنّه سأل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ؟ فقال عليه‌السلام : لا بأس

__________________

(١) راجع هامش المغني : ج ٣ ، ص ٣٨.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٧ ، ب ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٧.

٤٣٩

ما لم يخش ضعفاً » (١).

ثمّ إنّ بعض الأدهان ـ كما قيل ـ تستطعم في الحلق بواسطة المسام الجلدية ، فهل تكون مضرّةً بالصوم ؟

الجواب : أنّنا إذا فرضنا التعبد بما ورد في الشرع واتّباعه من دون أن يكون لنا دخل في الزيادة أو النقيصة في التشريع فنقول : لم يرد نصّ على أن كل ما طعم في الحلق ولو بواسطة المسام الجلدية فهو مفطّر ، نعم ، ورد مفطّرية الأكل والشرب ممّا وصل طعمه الى الحلق بواسطة وصول الطعام الى الحلق مباشرةً (٢).

وأمّا غير ذلك فلا يمكن الحكم بمفطريته للفرق الواسع بين الأكل والشرب وبين ما وصل طعمه الى الحلق بواسطة المسام الجلدية ، إلاّ إذا قلنا : إنّ ملاك إفطار الأكل والشرب هو التغذي وصول طعم الشيء الى الحلق ولو عن طريق المسام الجلدية يكون مغذّياً ، فيكون مفطراً ، إلاّ أنّ هذا بعيد غاية البعد وفي إثباته خرط القتاد.

٣ ـ التطعيم بواسطة الأوعية الدموية أو العضل مما يصل طعمه الى الحلق :

وقبل أن نتكلم في هذه الصورة هناك تساؤل حول ما يصل الى الجسم بواسطة الأوعية الدموية أو العضل ولم يصل طعمه الى الحلق ، فإنّ هذه الصورة لا يصدق عليها عنوان المفطِّر لعدم صدق الأكل والشرب ، ولم يدلّ دليل على مفطريتها عند الإمامية. نعم ، تقدم عند مشهور أهل السُنَّة أنَّ هذا يشبه الأكل ، فيكون مفطّراً عندهم ، ولكن تقدم مناقشة ذلك وانه لم يرد فيه قرآن ولا سنة ولا قياس.

__________________

(١) المصدر السابق : ج ٧ ، ب ٢٧ ممّا يمسك عنه الصائم ، ح ١.

(٢) وعلى ما ذكرنا يكون وصول الطعام والشراب الى الجوف ( المعدة ) مضرّاً بصحة الصوم وإن لم يكن عن طريق الحلق ؛ لعدم صدق الاجتناب عن الطعام والشراب التي ذكرته صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

٤٤٠