بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

نستشفى بها هل ترد قدراً من الله ؟ فقال : إنّها من قدر الله » (١).

٥ ـ عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « سألته عن رقية العقرب والحية والنشرة ، ورقية المجنون والمسحور الذي يعذّب ؟ فقال : يا بن سنان ، لا بأس بالرقية والعوذة والنشرة إذا كانت من القرآن ، أوليس الله يقول : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمةً للمؤمنين ) ؟! أليس يقول الله جل ثناؤه : ( لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) ؟ وسلونا نعلمكم ونوقفكم على قوارع القرآن لكلِّ داء » (٢).

٦ ـ وعن محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام أنتعوذ بشيء من هذه الرقى ؟ قال : لا ، إلاّ من القرآن ، إنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : إنّ كثيراً من الرقى والتمائم من الإشراك » (٣).

٧ ـ وقد ورد في مسند احمد والسنن ، وأخرجه الحاكم عن أبي خزامة قال : « قلت يا رسول الله ، أرأيت رقىً نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي من قدر الله » (٤).

وغير هذه الروايات الكثيرة ، وواضح أنّ النهي عن التميمة والرقى هو في خصوص ما إذا لم ندرِ ماذا في وسط التميمة أو الرقية إذ لعلّ فيها شركاً وضلالاً ...

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٢ ، ب ١٤ من الاحتضار ، ح ١٢.

الرقى مفردها رقية ، وهي أن يستعان بها للحصول على أمر بقوى تفوق القوى الطبيعية ، وهو معنى التدخل الغيبي في بعض الأمور الذي قد يحصل نتيجة دعاء أو توسل.

التمائم مفردها تميمة ، وهي خرزة أو ما يشبهها كان الأعراب يضعونها على أولادهم للوقاية من العين ودفع الأرواح الشرّيرة.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٤ ، ب ٤١ من قراءة القرآن ، ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ج ٤ ، ب ٤١ من قراءة القرآن ، ح ٣.

(٤) عن القضاء والقدر ، أبو الوفاء محمد درويش ، ص ٥٠ طبعة ثانية ١٩٥٢ م ـ ١٣٧١ ه‍.

٣٨١

كما هو الظاهر من تعليق المشركين لها.

من الذي يأذن بالتداوي ومن الذي لا يحتاج إلى الإذن ؟

إنّ الإذن الذي نتكلم عنه هنا ـ سواء اُخذ من المريض نفسه أو اُخذ من وليه أو الحاكم الشرعي ـ إنّما نقصد به الموافقة على إجراء العملية والتخدير أو التداوي بصورة واعية ومدركة ، فيكون المريض على علم بآثار وأضرار ونتائج العمل الطبي والعلاج ، وذلك يحصل بشرح الطبيب للمريض شرحاً كافياً لذلك.

أمّا توقيع المريض على إجراء العملية من دون علمه بآثارها واضرارها ومدى نجاحها فهو أمر لا يجوز ، ولا يعتبر إذناً للعملية أو العلاج.

وهنا نتعرض في هذا البحث إلى معرفة الشخص الذي يعطي الإذن في التداوي. فنقول :

هناك حالات مختلفة يختلف فيها الفرد الذي يعطي الإذن في التداوي ، وهي :

١ ـ في الحالات المرضية التي يتعدّى ضررها إلى الآخرين ، مثل الأمراض المعدية والأمراض الجنسية والأمراض الجنونية التي تضر بالآخرين فإنَّ ولي الفقيه ـ المتمثّل في وزارة الصحة ـ هو الذي يؤخذ منه الإذن في المداواة والمتابعة وربما الحجر ، وهو الذي يحدد الواجب أو الاجبار في ذلك إنّ لم يطع الفرد الحكم الوجوبي.

٢ ـ في بعض الحالات الجنونية التي يضرُّ المجنون بنفسه لعدم وعيه وادراكه فأيضاً تقوم وزارة الصحة باعطاء الإذن في المعالجة أو اجبار المريض عليها.

٣ ـ في الحالات التي يقتصر فيها الضرر على نفس المريض فقط فلابدّ من

٣٨٢

أخذ إذنه في جواز المعالجة بشرط أن يكون بالغاً عاقلا رشيداً واعياً ولا يحتاج حالة إسعاف أولية ، لعدم وجود الخطر المحدق به أو ببعض أعضائه.

٤ ـ في حالة الطوارئ لانقاذ حياة المريض أو انقاذ عضو من اعضائه فيتمكن الطبيب في هذه الحالة من المباشرة والعلاج بدون إذن أحد ، وحتى لو هلك الإنسان أو تلف العضو فلا ضمان على الطبيب ، ولا عقاب إلاّ في صورة خطئه خطاً واضحاً بحيث يعد مفرطاً أو متعدّياً ، فإنّه في هاتين الحالتين يتحمّل الضمان والعقوبة.

٥ ـ المغمى عليه ـ وقد يكون الاغماء مؤقتاً بدواء أو حادثة أو غير ذلك ، وقد يكون دائماً بسبب مرض معين ـ لا يحتاج إلى إذن منه ، بل الولي هو الذي يأذن في العلاج مراعياً مصلحة المريض.

٦ ـ المجنون ـ سواء كان جنونه دائمياً أو أدوارياً حال جنونه ـ يسقط اذنه في العلاج ويكون الولي هو الذي يؤخَذُ منه الإذن.

٧ ـ القاصر : سواء كان قصره بعدم بلوغه أو عدم رشده ، ومعلوم أن البلوغ الشرعي اكمال خمس عشرة سنةً هلالية ، أو خروج المني من الرجل ، أو الانبات للشعر الخشن على العارضين أو العانة ، وأمّا البلوغ في المرأة فهو إكمال تسع سنين هلالية ، وعادةً ما يكون الإنسان البالغ غير رشيد ، فحينئذ لا اعتبار بإذنه حتى يحصل له الرشد وهو ( معرفة ما ينفعه ممّا يضره في أمور حياته ) ، وعلى كل حال فإنَّ الإذن يؤخذ من الولي.

والدليل على الأمر الرابع : هو وجود وجوب شرعي على الطبيب لانقاذ حياة الإنسان من الهلاك ، كما أن هناك وجوب على الطبيب لانقاذ أي عضو من اعضاء الإنسان عن التعطيل إذا كان على وشك التعطيل والضياع.

وأمّا المغمى عليه والمجنون والقاصر : فقد اتفقت كلمات علماء الإسلام على

٣٨٣

أنّهم لا أهلية لهم حتى يُستأذنوا في شيء ممّا يرجع إلى مصلحة أنفسهم ، بل الذي يُستأذن هو الولي. والاذن من الولي يكون معتبراً ولازماً إلاّ في حالة ما إذا علمنا أن الولي يعمل بضرر المغمى عليه أو المجنون أو القاصر ، بحيث يكون عمله هذا مؤدّياً إلى هلاك الفرد ، فهنا يسقط إذن الولي وتصبح الحالة من حالات الطوارئ التي لا تحتاج إلى إذن من أحد.

٨ ـ ولي أمر المرأة عند ولادتها : فقد تدخل المرأة إلى المستشفى لأجل وضع الحمل ، ولكن قد تصاب بعسر الولادة ( حرج الجنين ) ، وهذا الأمر يستدعي إجراء عملية جراحية لانقاذ حياة الطفل ، فهنا هل يعتبر رضا المرأة والزوج مع العلم أن العملية هي لانقاذ الطفل فقط ، وأمّا المرأة فلا خوف عليها ، إذ يمكنها أن تلد طفلا ميتاً أو مصاباً نتيجة تأخره في الرحم ؟

الجواب : أنّ الاطباء إذا شخّصوا أن الطفل على وشك الهلاك إذا لم يسعف باجراءات لإنقاذه فيمكن هنا تطبيق حالة الطوارئ عليه ، وبما أنَّ المرأة لا تهلك بفتح بطنها ولا يمكن انقاذ الطفل إلاّ بذلك فيقع التزاحم بين حفظ الطفل الواجب ، وحرمة شق بطن الاُم إذا مانعت أو مانع زوجها ( الولي ) ، وبما أنَّ وجوب حفظ حياة الطفل أولى من حرمة إجراء عملية للمرأة بدون رضاها فيمكن للطبيب أن يجري العملية لانقاذ حياة الطفل بدون رضا المرأة أو زوجها أو بدون رضاهما معاً.

وقد تحتاج الزوجة إلى إجراء عملية مستعجلة ، ولا يوجد إلاّ طبيب رجل ، فهل من حقّ الزوج أن يرفض إجراء الطبيب الرجل للعملية بحجّة كشف العورة أمام الرجل أو لاي حجّة اُخرى ؟

الجواب : أنّ الضرورة إذا حصلت عرفاً فتجوز للمرأة أن تعرض نفسها أمام الرجل ، ولكن لا يجوز للرجل أن يجري العملية إلاّ برضا المرأة ، وتدل عليه صحيحة أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة المسلمة

٣٨٤

يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسر وإمّا جرح في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها ؟ قال عليه‌السلام أمّا إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت » (١).

ولكن لا بأس بالاشارة إلى أن رضا المرأة معتبر في إجراء العملية لها ما لم يصل الأمر إلى تطبيق حالة الطوارئ ، لكون الجنين أو اُمّه على وشك الهلاك.

علاج الحالات الميؤوس منها :

إنّ تشخيص حالات اليأس من العلاج قد تصدر من نفس المريض الكامل الأهلية ، كما قد تحصل لدى الولي ، كما قد تطمئن قلوب الأطباء من عدم فائدة العلاج لهذا الإنسان الذي يعيش ساعاته الأخيرة ، فهل يحقّ :

١ ـ للرشيد أن يفهم الحاضرين بأنّه لا يريد إجراء أي نوع معين من التداوي بعد أن يتيقن عدم فائدة العلاج له ؟

٢ ـ وهل يحقّ للمولى أن يقرر ترك التداوي للمولّى عليه ( وهو فاقد الأهلية كالطفل والمجنون والصغير وغير الرشيد ) بحجّة انه قد قطع بعدم فائدة العلاج ؟

٣ ـ وهل يحقّ للأطباء في المستشفيات وغيرها أن يقرروا ترك التداوي بحجّة أنّها حالة ميؤوس منها ؟

ولنعرض هنا بعض الحالات التي قد تكون ميؤوساً منها :

١ ـ لو فرضنا أن رجلاً كبير السن قد اصيب بانواع من الشلل وجلطة القلب وتعطّلت الكلى عن العمل ، ولا أمل في تحسّن حاله ، فإذا اصيب مثل هذا الشخص بتوقف مفاجئ لضربان قلبه فهل يجوز عدم اسعافه ليلاقي حتفه ، أم لابدّ من استخدام اجهزة القلب أو التنفس الاصطناعي لاعادة عمل القلب مرّةً ثانيةً مع

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٤ ، ب ١٣٠ من مقدّمات النكاح ، ح ١.

٣٨٥

القطع بعدم تحسّنه أصلا ؟

٢ ـ رجل فقد وعيه بسبب من الأسباب ، وهو يعيش عن طريق التغدية الانبوبية عبر المعدة ، ويفرز بوله بواسطة الانابيب ، ومصاب بالتهاب رئويٍّ حادٍّ وجلطة في القلب ، ولا أمل في تحسن حاله في استعادته الوعي ، فإذا حدث له توقف في جهاز القلب فهل يترك من دون اسعاف أو لابدّ من اسعافه لاعادة حالة ضربان القلب ويبقى على الحالة الاُولى ؟

والجواب عن هذه الأسئلة : أنّنا نفرّق بين حالات ثلاثة :

١ ـ ترك علاجه وهو على قيد الحياة بحجّة أنَّ حالته ميؤوس منها.

٢ ـ ترك الاسعافات الأولية بعد توقف قلبه عن الحركة ، بحجة أن حالته ميؤوس منها.

٣ ـ اعطاء المريض الذي يدّعى أنّ حالته ميؤوس منها بعض الأدوية التي تؤدّي إلى توقف قلبه عن العمل.

أمّا الصورة الاُولى فينطبق عليها عنوان التفريط في حفظ حياة المريض ، وهو أمر محرم حتى إذا طلبه الرشيد الواعي ، بل يعتبر من الاعانة على القتل العمدي والظلم لنفس المريض.

وكذا الصورة الثالثة ، فإنّها عبارة عن قتل عمدي للمريض ، وهو ما يسمّى بقتل الرحمة الايجابي ، وهو أمر محرّم حتى إذا طلبه الرشيد الواعي.

أمّا بالنسبة للصورة الثانية فهو ما يسمّى بقتل الرحمة السلبي ، فهو لا ينطبق عليه الاعانة على القتل لاننا حسب الفرض قمنا بالعلاج حينما كان على قيد الحياة ، ولم نقم بعمل ايجابي يؤدّي إلى قتله وتوقف قلبه ، وإنّما توقف قلبه فجأةً فحصل الموت إلاّ اننا لم نقم بالاسعافات اللازمة لاحتمال عودته إلى الحياة بإرجاع دقات القلب ، فإن كان الأطباء قد قرروا اليأس من العلاج بعد الموت فهو أمر جائز ولا

٣٨٦

دليل على حرمته ، وكذا إذا كان الولي أو المريض يعدّ قوله من أهل الخبرة والاختصاص فإنّه لا حرمة في قراره بترك المعالجة إذا توقّف القلب عن الحركة فجأةً لتيقّنه بأنّ العلاج غير مفيد مع كونه من أهل الخبرة.

التزاحم في العلاج

هل يجوز للطبيب أو أي مسؤول في المستشفى أن يرجّح مريضاً على غيره في الاستفادة من الآلات المعدّة للمرضى بحجّة أنّ هذا المريض شاب في مقتبل العمر وأنَّ ذاك شيخ كبير لا يقين بشفائه بخلاف الشاب المريض ؟ أي إذا كانت اجهزة العلاج كأجهزة القلب والتنفس الاصطناعي محدودة يحتاج إليها من ليست حالته مؤدّية إلى اليأس من البرء ، أو يحتاج إليها الشاب والشابة مع الشيخ والشيخة ، كما يحتاج إليها العالم والسياسي والغني مع غير العالم وغير السياسي وغير الغني ، فهل في هذه الحالة نقدّم من كانت حالته غير مؤدّية إلى اليأس من البرء ، أو نقدّم الشاب والشابة ، أو نقدّم العالم والسياسي والغني ونترك من كانت حالته ميؤوس منها أو كان شيخاً أو شيخة أو غير عالم وغير سياسي وغير غني مع تقدمهم في الدخول الى المستشفى واستخدام أجهزة العلاج ؟

الجواب : أنّ هذا أمر غير جائز شرعاً ؛ لما روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صحيحاً انّه خطب الناس في مسجد الخيف فقال : « نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم يسمعها ... إلى أن قال : المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم » (١). وبهذا المعنى روايات اُخر متعدّدة ، وقد روي هذا المعنى من طريق أهل السنة أيضاً.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٩ ، ب ٣١ من قصاص النفس ، ح ٢.

٣٨٧

ولو قيل : إنّ هذا الحديث الصحيح المتقدّم لا ينظر إلى هذه الحالة ، بل هو بصدد أن يقول : إنّ شخصاً مهمّاً إذا قتل شخصاً غير مهم فإنّه يقتص منه لأنّ الدماء متكافئة ، فإنّنا نقول كدليل على عدم جواز تقديم الأهم من الرجال على غيرهم : إنّه لا يوجد تزاحم أصلاً ؛ وذلك لأنّ الأسبق إلى المستشفى عندما استعمل جهاز العلاج ـ والمفروض عدم وجود غيره ، وقد جاء الآخر الأهم ـ فهنا لا يتوجّه وجوب انقاذه على المسؤول مع عدم وجود جهاز يمكن للمريض الجديد استعماله ، لأنّ الوجوب الجديد إنّما يتوجّه إلى المسؤول إذا كان قادراً على انقاذه من دون أن يؤدّي إلى هلاك شخص آخر ، وهنا المفروض لا قدرة على انقاذه بهذه الصورة فلا تكليف على المسؤول اصلاً.

فإن قيل : إنّ ترك المريض الجديد بهذه الحالة حتى يموت هو قتل له وهو غير جائز.

قلنا : إنّ الأمر يدور بين ترك هذا المريض على حالته حتى يموت ـ وهو ما يسمّى بالقتل السلبي ـ وبين أن نأخذ الجهاز من المريض القديم وننقذ حياة المريض الجديد ، فيموت المريض القديم ، وهو ما يسمّى بالقتل الايجابي المستند الى فعل المسؤول الذي سحب الجهاز من المريض القديم ، وهو أكبر جرماً من الأول ، بل نقول : إنّ ترك المريض الجديد من دون جهاز حتى يموت لا يسمى قتلاً ، ولا يستند إلى المسؤول غير القادر على اسعاف المريض.

فعلى هذا أنّ من سبق إلى المستشفى واستعمل ادوات العلاج يكون هو الأولى بها وان كان فقيراً أو غير عالم أو غير ذي منصب حكومي أو كان شيخاً أو غير ذلك ، ولا يجوز تقديم غيره عليه إذا جاء متأخراً بحيث يؤدّي الى عدم علاج الأوّل فيموت ، فإنّ هذا يعتبر من القتل العمدي الذي هو حرام شرعاً.

٣٨٨

نعم ، هناك أفراد قلائل يقوم عليهم النظام الاجتماعي ، ويعتبرون المنقذين للاُمّة من خطر الجهل والاستعمار والتخلّف ، فلهم على مجتمعهم الفضل الكبير والعميم بحيث يكون فقدانهم خسارة كبيرة للاُمّة الإسلامية جمعاء ، إنّ مثل هؤلاء لا يبعد جواز تقديمهم على غيرهم عند المزاحمة بالعنوان الثانوي ، فإنّ الأمر حينما يدور بين انقاذ حياة هذا الإنسان العظيم وذلك الشخص البسيط فإنّ الأمر يدور حقيقةً بين تلف شخص واحد أو تلف اُمة بتلف قائدها ، ولا يبعد أن لا يشمل الحديث المتقدّم تكافأ هذين الدمَّين ، بل إنّ أحد الدمَّين يكون دماء متعدّدة بخلاف الدم الآخر فإنّه دم واحد.

ضمان الطبيب

هل يضمن الطبيب ما إذا أتلف المريض أو أتلف العضو الذي عالجه أم لا ؟

والجواب : هو التفصيل باختلاف حالات الطبيب :

الحالة الاُولى : قد يكون الطبيب قاصراً في عمله من حيث عدم تمكّنه من العلاج مطلقاً أو لهذه الحالة المستعصية ، وأقدم على العلاج ، ففي هذه الحالة يكون ضامناً لما يتلف بواسطة علاجه ، إذ يكون في هذه الحالة كالجاهل الذي يقدم على معالجة المرضى ، فهو بالاضافة إلى ضمانه يكون عمله محرماً أيضاً ( أي مستحقاً العقوبة الجزائية والعقوبة في الآخرة ). ودليل الضمان على الطبيب في هذه الصورة هو شمول قاعدة الضمان لكلّ متلف بغير حقّ وإذن ، خصوصاً فيما نحن فيه ( الدماء ) الذي ورد فيها « انه لا يبطل دم امرئ مسلم » (١). والضمان هنا لا فرق فيه بين الإذن من المريض في المعالجة وعدمه ، أَخَذَ الطبيب البراءة من المريض أم لا ، وذلك

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٩ ، ب ٤٦ من أبواب القصاص ، ح ٢ ، وب ١٠ دعوى القتل وما يثبت به ، ح ٥.

٣٨٩

لأنّ في هذه الحالة يوجد نهي شرعي عن الاقدام على التطبيب ، فإذا خالف الطبيب النهي الشرعي يأتي الضمان المستند إلى اتلافه عرفاً وتأتي الحرمة ، لكن الضمان هنا بشرط جهل المريض بقصور الطبيب ، ولا يفرق هنا بين حالة الطوارئ وعدمها في الضمان والحرمة.

نعم ، إذا أذن المريض للطبيب الجاهل القاصر في عمله مع علم المريض بجهله وقصوره يسقط الضمان هنا ، إذ ينسب تلف النفس أو العضو الى نفس المريض ، وهو أقوى من المباشر ، ولكن تبقى الحرمة على الطبيب فيستحق العقوبة من قبل ولي الأمر وفي الآخرة حيث خالف النهي الشرعي عن مزاولة العمل.

الحالة الثانية : وقد يكون الطبيب حاذقاً ، لكنه عالج طفلا أو مجنوناً بغير إذن الولي وكانت الحالة غير محسوبة من الطوارئ الذي يسقط فيها الإذن ، فهذا الطبيب حتى لو لم يكن قاصراً يكون ضامناً لما يحدث من ضرر على هذا الطفل أو المجنون ؛ وذلك لأنّ الولاية لما لم تكن موجودة للطبيب ، ولم يأت الإذن من الولي فيكون تصرف الطبيب فيما لم يكن له التصرف تعدّياً ، وقد تولّد التلف من هذا التعدي ، فهو ضامن لقاعدة الضمان على كل متلف ، وكذا الحكم لو عالج الطبيب مملوكاً بدون إذن مالكه أو مع ممانعته.

ولا داعي للتنبيه على عقوبة هذا الطبيب ، سواء أصاب في عمله أو أخطأ ، لأنّه غير مأذون في العمل شرعاً ، إلاّ في حالات الطوارئ فإنّ الطبيب إذا كان حاذقاً فهو مأذون شرعاً في المعالجة وإن لم يكن إذن من المريض أو وليه ، فإن حصل في هذه الحالة تلف من دون تعدٍّ أو تفريط فهو غير ضامن أيضاً ، وطبعاً أنّ الذي يقرر أنّ هذا التلف هو بتعدٍّ أو تفريط أو ليس كذلك هو لجنة من الأطباء.

٣٩٠

الحالة الثالثة : وقد يكون الطبيب حاذقاً ، لكنّه قد عالج البالغ العاقل الرشيد من دون إذنه ، أو مع ممانعته ولم تكن حالته محسوبة من الطوارئ ، فالطبيب في هذه الحالة يكون متعدّياً بعمله فيكون ضامناً ، لأنّه من الواضح جداً أن الإنسان أولى بنفسه من غيره ، فقيام الطبيب بعمل على جسم المريض من دون إذنه يكون تعدّياً وظلماً ، فيكون الطبيب ضامناً لما يحدث من ضرر أو تلف ، وحتى مع عدم صورة الضرر والتلف يكون هذا الطبيب مستحقّاً للعقوبة الجزائية وللعقوبة في الآخرة.

الحالة الرابعة : وقد يكون الطبيب حاذقاً ، لكنّه يقصّر في عمله ، فيكون ضامناً لتقصيره الذي يؤول إلى التفريط في العمل ، وكل إنسان أضر غيره بتقصيره بعد أن تعهّد بطبابته فهو ضامن ، حيث ينسب التلف إليه ، وهذا لا ينافي ما سيأتي من تجويزنا للطبيب الحاذق المباشرة للمريض حتى بدون إذن كما في حالة الطوارئ ، فإنّه إحسان محض قد يجب من باب المقدّمة لحفظ النفس المحترمة ، كما في خبر ابان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « كان المسيح عليه‌السلام يقول : إنّ التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة ؛ وذلك أنّ الجارح أراد فساد المجروح والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه ، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطراراً ، فكذلك لا تحدّثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا ، ولا تمنوها أهلها فتأثموا ، وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأى موضعاً لدوائه وإلاّ أمسك » (١).

فهذه الرواية لا تنافي الضمان الذي كان منشؤه هنا هو التقصير ( التفريط ) من الطبيب الذي هو من باب الاسباب ، والـمُسَبَّب ـ وهو الضمان ـ يتبع سببه كما في تأديب الزوجة والصبي ونحوهما ، بل هنا أولى لوجود التفريط.

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ح ٥٤٥.

٣٩١

الحالة الخامسة : وقد يكون الطبيب عارفاً ( حاذقاً ) وقد اذن له المريض في العلاج ولم يقصّر الطبيب في علاجه ، ولكن آل العلاج إلى التلف في النفس أو الطرف ، فهل يضمن الطبيب ؟ يوجد خلاف في هذه الحالة ، قال ابن ادريس : لا يضمن ، حيث نشك في الضمان فالأصل عدمه ، ولأنّ التطبيب صاراً سائغاً فهو لا يستتبع ضماناً.

وقال آخرون بالضمان ، لقاعدة مباشرة الاتلاف ( الضمان على المتلف ) وأمّا الإذن في العلاج فهو ليس إذناً في الإتلاف ، والإذن في العلاج جاء بالجواز الشرعي ، والجواز الشرعي لا ينافي الضمان كما في ضرب الطفل للتأديب ، فإنّه جائز ، ولكن إذا حدث تلف فالضمان موجود على الضارب.

وقد يقال : إنّ الطبيب لم يتلف العضو عمداً ، وهذا صحيح ، إلاّ أنّه يرفع عن الطبيب القصاص فقط مع الحرمة.

وقد وردت بعض الأخبار تؤيّد الضمان ، منها : ما رواه السكوني عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه ، وإلاّ فهو ضامن » (١).

بتقريب : أنّ المراد من الولي من له الولاية ، وهو يشمل نفس الأمر أيضاً.

ومنها : ما ورد في تضمين الختّان القاطع لحشفة الغلام ، فقد روى السكوني أيضاً عن جعفر عن أبيه أن علياً عليه‌السلام : « ضمن ختّاناً قطع حشفة غلام » (٢). وهذا داخل في الجرح الشبيه بالعمد ، فيكون الضمان من مال الطبيب ، لقصد الطبيب الفعل دون القتل ، وواضح أنَّ الدية فيه على الجاني.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٩ ، ب ٢٤ من موجبات الضمان ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ح ٢.

٣٩٢

الحالة السادسة : وقد يكون الطبيب عارفاً ، وقد اُذِنَ له في العلاج من قبل المريض أو وليه ولم يقصّر في علاجه ، وقد أخذ الابراء من التلف قبل العلاج فهل يضمن الطبيب ؟ هنا خلاف على قولين :

الأول : القول بالبراءة من الضمان عند التلف ، ونسب هذا إلى المشهور لرواية السكوني عن الإمام الصادق عليه‌السلام المتقدّمة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه ، وإلاّ فهو ضامن ».

وهذه الرواية تشير إلى أن عدم الضمان هو من أجل البراءة الذي يوجب سقوط الفعل عن اقتضاء الدية ، وليس معناه اسقاط الدية ليقال : إنّه إسقاط ما لم يجب. فالنتيجة عدم ثبوت الدية في صورة أخذ البراءة ، وثبوتها في صورة عدم أخذ البراءة لأنّ القتل أو التلف مستند إليه ، والإذن هو في الفعل لا في التلف أو القتل ، فلا موجب لسقوط الضمان.

ثمّ إنّ هناك دليلا آخر على عدم الضمان في هذه الحالة ، وهو : أنّ العلاج ممّا تمسّ الحاجة إليه ، فلو لم يشرع الابراء تعذر العلاج ، وإذا شرع الابراء فلا ضمان. مضافاً إلى شمول المعتبرة القائلة : « المسلمون عن شروطهم » لما نحن فيه ، حيث إنّ الطبيب قد اشترط عدم ضمانه إذا حصل التلف.

الثاني : هناك قول ضعيف بعدم براءة الطبيب من الضمان حتى إذا تبرّأ منه ، وذلك لأنّه اسقاط للحقّ قبل ثبوته. وهذا القول باطل ؛ لما تقدّم في القول الأول من أنّ البراءة من الضمان ليس معناه إسقاط الدية حتى يقال : إنّه اسقاط لما لم يجب ، بل معناه أنّ فعل الطبيب يسقط عن اقتضائه للدية.

الحالة السابعة : وقد لا يتولّى الطبيب العلاج بنفسه ، بل يقول : أظنّ أنّ هذا الدواء نافع لهذا الداء ، أو يقول : لو كنت أنا لفلعت كذا ، ونحو ذلك ممّا لم تكن فيه مباشرة منه ، وقد فعل المريض العاقل المختار أو وليه ذلك اعتماداً على القول

٣٩٣

المتقدّم ، فالمتّجه هنا عدم الضمان ؛ وذلك لأنّنا نشك في الضمان في هذه الحالة والأصل عدم الضمان ( البراءة ) ، ولأنّنا نحتمل أنّ الموت أو التلف الذي حصل قد حصل بغير العلاج ، وبغير الأخذ بقول الطبيب.

* * *

٣٩٤

٣٩٥

٣٩٦

أسباب مرض الإيدز وانتقاله في العالم

إنّ سبب المرض وانتقاله في بعض نقاط العالم يختلف عن سببه وانتقاله في نقاط اُخرى منه ؛ وتوضيح ذلك :

أ ـ في الغرب كان سبب مرض الايدز هو اللواط بنسبة ٧٠ %.

ب ـ في ألمانيا وفرنسا كان سبب المرض هو نقل الدم بعد فحصه.

ج ـ في أفريقيا وشرق آسيا كان سبب المرض هو الزنا ، كما اكتُشف في بيوت الدعارة.

د ـ سبب المرض في الجنين هو انتقال المرض من الحامل الى الجنين بنسبة ١٠ % في آخر مدة الحمل.

ه‍ ـ في البلدان الاسلامية ، تقول التقارير والابحاث : إنّ المرض جاء من نقل الدم الذي استورد من بريطانيا وأميركا والدول الغربية ، ثم بعد الاتصال الجنسي بين الزوجين ينتقل المرض الى الآخرين.

و ـ قد يكون سبب المرض هو تبادل الحقن الملوثة بين الافراد ، وحتى حقن الوشم والحجامة (١).

__________________

(١) من خصائص فيروس الإيدز :

٣٩٧

طرق حصر العدوى :

لقد حصر العلماء طرق العدوى في ثلاثة اُمور :

أ ـ طريق الاتصال الجنسي بين افراد الجنس الواحد أو الجنسين ، وهذا يمثِّل

__________________

١ ـ ضعيف جداً.

٢ ـ لا يقاوم الجفاف.

٣ ـ لا يقاوم ارتفاع درجة الحرارة.

٤ ـ إذا اُصيب به انسان فلن يفارقه حتى يدخله القبر.

٥ ـ لم يثبت الفيروس على شكل أو صورة معينة ، فهو يتطور تطوراً سريعاً ؛ ولذلك لم يتوصل العلماء الى علاج لهذا المرض.

٦ ـ إذا دخل هذا الفيروس الى البدن فإنه يختفي بسرعة داخل بعض الخلايا ( وهذه هي مرحلة الكُمُون ) ويأخذ في التكاثر تدريجاً وفي تدمير هذه الخلايا ، فينقص عددها شيئاً فشيئاً ، حتى يصل المصاب الى مرحلة لا يتمكن من مقاومة الجراثيم أو الخلايا الضارة ( كالخلايا السرطانية ) وحينئذ يحدث ما هو معروف من مرض نقص المناعة المكتسب.

٧ ـ إنّ المرحلة التي يدخل فيها الفيروس الى البدن وحتى ظهور الاعراض المميزة لمرض الايدز تختلف من إنسان لآخر ، ففي الاطفال تكون قصيرة نسبياً ( أقل من سنتين ) ، وفي البالغين تتراوح ما بين ( ٧ ـ ١٠ ) سنوات ، وهذه المدة تقصر إذا حدثت أمراض اُخرى ، أو كانت التغذية سيئة ، أو حصل حمل لدى المرأة ؛ ولذا يكون متوسط المدة في أفريقيا خمس سنوات ( لما فيها من سوء التغذية وأمراض اُخرى كالملاريا ) في حين يكون متوسط المدة في الدول المتقدمة عشر سنوات ( بفضل التغذية الجيدة والعلاج للامراض المرافقة ).

٨ ـ يكون الشخص المصاب معدياً طوال هذه المدة التي دخل فيها الفيروس الى البدن.

٩ ـ إنّ هذا الفيروس يموت فوراً اذا تعرض للشمس أو للهواء أو للمطهرات ( كالديتول ) وحتى الصابون ، ولكن اذا بقي في الدم وفي بعض الافرازات فيمكن ان يبقى مدة طويلة ، فاذا بقي في مكان مثلج ( تجميد المني مثلاً ) فانه يعود ولو بعد عشر سنوات.

١٠ ـ وجدت حالة غريبة في اميركا خلاصتها : أنّ طفلةً حملت الفيروس من اُمها وتُؤُكِّد من ذلك ، وفي السنة الثالثة اختفى الفيروس من دمها تماماً ، واُجري الفحص عدة مرات ـ وفي أفضل المراكز الطبية ـ ولكنهم لم يجدوا للفيروس أثراً ، هذه الحالة حيّرت الاطباء في كيفية القضاء عليه.

( من مقالة للدكتور محمد علي البار في مجمع الفقه الاسلامي في دورته التاسعة ).

٣٩٨

أخطر الطرق وأكثرها شيوعاً ، وتصل نسبة الاصابة عن هذا الطريق الى ٨٠ %.

ب ـ الدخول الى الدم ، سواء كان بنقله أو بالحقن بالإبر ، وبخاصة المخدرات ، أو الجروح النافذة وزراعة الاعضاء ، وحتى العمليات الجراحية اذا لم تكن الادوات معقمة تعقيماً جيداً.

ج ـ عن طريق الاُم المصابة الى جنينها ( أمّا أثناء الحمل أو أثناء الولادة ) (١).

ومن حسن الحظ أنّ الطريقين الأخيرين أمكن السيطرة عليهما بعد التعرف على أساليب الكشف عن الفيروس بالطرق السريعة والحديثة.

مميزات اُخرى للمرض ومخاطره :

١ ـ يعتبر مرض الايدز من أخطر الامراض التي أصابت البشرية ، وقد نُعت في بعض التعبيرات بأنّه طاعون القرن العشرين ، وقد اُصيب به أكثر من سبعة عشر مليوناً ، ويتوقع في السنوات الستّ الآتية أن يتصاعد الرقم الى

__________________

(١) ذكر هذه الطرق الدكتور احمد رجائي الجندي في مقالة ( رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الايدز ) ولكن الدكتور محمد علي البار عندما قرر هذا البحث في الدورة التاسعة لمجمع الفقه الاسلامي المنعقد في ( ابو ظبي ) ـ ما بين ١ ـ ٦ من ذي القعدة لسنة ١٤١٥ ه‍.ق ـ ذكر شيئاً خطيراً إذ قال : لقد ثبت أن انتقال العدوى قد يكون بسوائل الجسم كالعرق ، فالفيروس موجود في جميع الافرازات حتى اللعاب ، وفي سائل النخاع الشوكي ، وفي لبن الاُمّ ، وحتى في الميت عندما يغسّل وهو مصاب بمرض الايدز ، فتخرج منه افرازات يحتمل انتقال الفيروس منها الى المغسِّل.

والذي يحلّ المسألة هو ما جاء في توصيات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت ـ ما بين ٢٣ ـ ٢٥ من جمادى الآخرة لسنة ١٤١٤ ه‍.ق الموافق ٦ ـ ٨ كانون الاول ١٩٩٣ م ـ وقد جاء فيها : « انما تنتقل العدوى بصورة رئيسة باحدى الطرق التالية » ( وذكر الطرق المتقدمة ). وعلى هذا فان القول الصحيح هو عدم حصر طرق العدوى فيما تقدم من الصور ، بل تكون تلك الصور صوراً رئيسة لنقل العدوى ، اما غيرها فكثير ، فقد نقل الدكتور محمد علي البار انتقال المرض من طفل صغير الى أخيه ولا يعرف سبب الانتقال بالضبط.

٣٩٩

أربعين مليوناً.

٢ ـ إنّ جميع دول العالم فيها إصابات ، ولا يوجد شعب محصّن ضد هذا المرض.

٣ ـ إنّ أعداد المصابين بهذا المرض في زيادة مستمرة ، ومعظم الحالات هي بين الذكور ، اذ تصل الى نحو ٧٥ %.

٤ ـ إنّ عمر المصابين يتراوح بين ١٥ ـ ٤٩ سنة ، وهو عمر الانتاج والعمل.

٥ ـ إنّ هذا المرض أكثر انتشاراً في أفريقيا « التي فيها من الاصابات ما يربو على تسع ملايين إصابة ، توفّي منهم مليونان » وجنوب شرق آسيا « التي فيها من الاصابات نحو مليوني إصابة » والهند حيث يكثر الفقر ويقلّ الوازع الديني ، وتكون الدعارة مصدراً للرزق أو تجارةً يقوم بها تجار الموت.

٦ ـ من مضاعفات الإصابة بمرض الإيدز : انتشار كثير من الامراض التي كان العالم على وشك اعلان التخلّص منها ، مثل حالات السلّ الرئوي.

المشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز

كان ما تقدم توطئةً لهذ البحث ، وسنتعرّض الى تساؤلات نشأت عند الفرد والمجتمع يطلب فيها تحديد حكمها الشرعي ، ويمكن تلخيصها بما يأتي :

أولاً : ما هو حكم عزل المصاب بالإيدز ؟

ثانياً : ما هو حكم تعمّد نقل العدوى ؟

ثالثاً : ما هي حقوق المصاب وواجباته ؟

رابعاً : ما حكم زواج حاملي فيروس الايدز ؟

خامساً : ما حكم المعاشرة الجنسية بالنسبة للمصاب بمرض الايدز ؟

سادساً : ما حكم حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة ؟

٤٠٠