بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وأمّا الأراك فهو ليس حدّاً لعَرَفَة ، كما هو واضح.

وجوه الجبال المحيطة بعَرَفَات داخلة في الموقف :

قد يقال : إنّ الجبال المحيطة بعرفات بما أنّها حدّ لعرفات فهي خارجةٌ عن الحدود ، فلا يجوز الوقوف بها ، مثلها مثل الحدود التي ذكرت في الرواية لعرفة فإنّها خارجةٌ عن الحدود.

ولكن نقول : إنّ الروايات التي ذكرت حدود عَرَفَة مثل ( نَمِرَة وعُرَنة وثَويَّة وذي المجاز والأراك ) قد صرّحت بخروجها عن عَرَفَة ؛ للنهي الذي ورد في الوقوف بها أو الأمر بالاتّقاء.

أمّا الجبال المحيطة بعرَفَة فالمفهوم الارتكازي أنّ واجهاتها من عَرَفَة ، بالإضافة إلى وجود القرائن الكثيرة الدالّة على دخول واجهات الجبال في عرفة ، منها :

١ ـ موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : « سألت الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض ؟ فقال : على الأرض » (١).

وواضح أنّ فوق الجبل يكون محبوباً إليه ، إلاّ أنّ الأرض أحبّ إليه ، وهو معنى الجواز.

٢ ـ صحيح معاوية بن عمّار ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث قال : « وحدّ عَرَفَة من بطن عُرَنَة وثَويَّة ونَمِرَة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف » (٢). ومراده خلف الجبل الذي يكون وجهه إلى عرفات ، وهو يشمل كلّ ما يكون خلفه حتّى جهته التي تكون إلى عرفات.

__________________

(١) الوسائل : ج ١٠ ، الباب ١٠ من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح ٥.

(٢) المصدر السابق ، ح ١.

٢١

٣ ـ استحباب الوقوف في ميسرة الجبل : ومعنى ذلك ـ على أكثر تقدير ـ كراهة الوقوف على واجهة الجبل وهو معنى الجواز ، فقد روى معاوية بن عمّار في الصحيح عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « قف في ميسرة الجبل ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفات في ميسرة الجبل ، فلمّا وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون إلى جانبه ، فنحّاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيّها الناس ، إنّه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف ، ولكن هذا كلّه موقف ، وأشار بيده إلى الموقف » (١).

٤ ـ عدم وجود أيّ رواية ولو ضعيفة في النهي عن الصعود على واجهة الجبال ، سواء كانت في عَرَفَة أو المُزْدَلِفة أو منى ، وما ذاك إلاّ لأوضحيّة جواز الوقوف عليها ودخولها في الحدّ.

٥ ـ ما قاله الماوردي عن الشافعي : « حيث وقف الناس من عرفات في جوانبها ونواحيها وجبالها وسهولها وبطاحها وأوديتها ... إلخ » فإنّ هذا الكلام إذا ثبت تتمّ دليليّته بعدم الردع من قبل الإمام عليه‌السلام.

فتبيّن من هذه الأدلّة إجزاء الوقوف على واجهة الجبل المطلّة على عرفات أو منى أو مزدلفة على كراهيّة فيها.

ثانياً : حدود المزدلفة

ويقال لها : جُمَع ( كما في بعض مناسك الحجّ ). ويقال لها : المشعر الحرام ، أو المشعر اختصاراً ، أخذاً بقوله تعالى : ( فإذا أفَضْتُمْ مِنْ عَرَفات فاذْكُروا الله عِنْدَ المَشْعَرِ الحرام ) ولكن يُطلق المشعر على نفس المسجد القائم في المزدلفة ، ويؤيّده العنديّة المذكورة في الآية ، كما يطلق على جبل قُزَح أيضاً ، فقد ورد استحباب وطئ

__________________

(١) المصدر السابق : الباب ١١ ، ح ١.

٢٢

الصرورة المَشْعَر برجله.

فقد حُكي عن الشهيد الأوّل في الدروس : « والظاهر أنّه المسجد الموجود الآن » ، وورد استحباب الصعود على قُزَح ( بضمّ القاف وفتح الزاي المعجمة ) ، قال الشيخ الطوسي رحمه‌الله : « هو المشعر الحرام ، وهو جبلٌ هناك يستحبّ الصعود عليه وذكر الله عليه » (١).

وعلى هذا الذي تقدّم يكون إطلاق المشعر على المزدلفة كلّها إطلاقاً مجازيّاً من باب تسمية الشيء باسم الجزء.

وأمّا جُمَع التي ضُبِطَت في بعض مناسك الحجّ بضمّ الجيم وفتح الميم ، فقد ضُبِطَت عند الجغرافيّين والبلدانيين وأهل اللغة والمعاجم ، بفتح الجيم وسكون الميم ، فقد قال الشريف الرضي :

اُحِبُّكَ ما أقامَ منى وجَمْع

وما أرسى بمكّة أخشباها

وقد سمّيت بذلك لاجتماع الحجّاج فيها بعد الإفاضة من عرفات.

وأمّا تسميتها بالمزدلفة : وبدون أل على صيغة اسم الفاعل على زِنَة ( مُفْتَعِل ) فقد جاءت هذه التسمية من الازدلاف بمعنى التقدّم والإفاضة كما جاء في حديث معاوية بن عمّار ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « وإنّما سُمّيت مزدلفة لأنّهم ازدلفوا إليها من عرفات » (٢). ومقتضى مفاد هذا الحديث أن يكون لفظها بصيغة اسم المفعول ( مزدلَفة ) بفتح اللام لأنّها اسم مكان.

وأمّا حدود المزلفة : فقد ذكرت الروايات حدود المزدلفة « بما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسِّر » (٣).

وفي صحيح زرارة عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : « حدُّها ما بين المأزمين إلى

__________________

(١) شرح اللمعة الدمشقيّة : ج ٢ ، ص ٢٧٦.

(٢) الوسائل : ج ١٠ ، الباب ٤ من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح ٥.

(٣) المصدر السابق ، ح ١.

٢٣

الجبل إلى حياض محسِّر » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير : « حدّ المزدلفة من وادي محسِّر إلى المأزمين » (٢).

وفي خبر إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : قال : « سألته عن حدّ جَمْع ؟ قال : ما بين المأزمين إلى وادي محسِّر » (٣).

وفي صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث قال : « ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة » (٤).

شرح الحدود :

١ ـ المأزمان ـ بكسر الزاء وبالهمز ، ويجوز التخفيف بالقلب ألفاً ـ ، وهما جبلان بينهما مضيق يدلف إلى عرفات ، وهو حدّ المزدلفة من الشرق ، فقد ذكر الجوهري : « أنّ المأزم كلّ طريق ضيّق بين جبلَين ، ومنه سمّي الموضع الذي بين جمع وعرفة مأزمَين ».

وفي القاموس : « المأزم ، ويقال له : المأزمان مضيق بين جمع وعرفة ، وآخر بين مكّة ومنى ». وظاهرهما : أنّ المأزم اسمٌ لموضعٍ مخصوص وإن كان بلفظ التثنية.

٢ ـ حياض مُحَسِّر ( وادي محسِّر ) : محسِّر ـ بضمّ الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة وتشديدها ـ على زِنَة اسم الفاعل.

قال البلادي : « محسِّر : واد صغير يمرّ بين منى ومزدلفة وليس منها ، يأخذ من سفوح ثبير إلى الأثبرة الشرقيّة ، ويدفع إلى عرفة مارّاً بالحسينيّة ، ليس به

__________________

(١) المصدر السابق ، ح ٢.

(٢) المصدر السابق ، ح ٤.

(٣) المصدر السابق ، ح ٥.

(٤) المصدر السابق ، ح ٣.

٢٤

زراعة ولا عمران ، والمعروف منه ما يمرّ فيه الحاجّ على طريق بين منى ومزدلفة ، وله علامات هناك منصوبة » (١).

وقال ابن خميس في مجازه : « ومحسِّر : واد يُقبل من الشمال إلى الجنوب من فج يفصل بين منى وجبالها وبين مزدلفة وجبالها ، وهو منخفض يسيل عليه ما والاه منهما ، وما يسيل من منى أكثر ، وعرض وادي محسِّر خمسمئة وأربعون ذراعاً » (٢) ، أي ما يساوي (٢٧٠) متراً تقريباً.

وذكر في وجه تسميته بمحسِّر من التحسير ، أي الإيقاع في الحسرة ، أو الإعياء ، سُمّي به لأنّه قيل : إنّ أبرهة أوقع أصحابه في الحسرة أو الإعياء لمّا جهدوا أن يتوجّه إلى الكعبة فلم يفعل » (٣).

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من الحياض هي وادي محسِّر ، لا أنّه مكانٌ آخرٌ من المزدلفة ، وأنّ الحياض جمع حوض وهو الوادي الذي قد يكون فيه مجموعة حياض ، وقد تقدّم من الروايات التعبير ( بحياض محسِّر ) فيكون التعبير بوادي محسِّر بعد كلمة « الحياض » في بعض الروايات لبيان معنى الحياض.

ووادي محسِّر هو حدود مزدلفة من ناحية الغرب ، فضفّة وادي محسِّر الشرقيّة هي الحدّ الفاصل بين مزدلفة ومنى.

أقول : هذا التحديد الذي ذُكر هو تحديد للمزدلفة من ناحية طولها.

أمّا تحديد مزدلفة العرضي فيوجد جبلان كبيران مطلاّن على المزدلفة : أحدهما من الجهة الشماليّة يقال له جبل المزدلفة ، والآخر من الجهة الجنوبيّة ، وقد ذكرتهما صحيحة زرارة المتقدّمة عن الإمام الباقر عليه‌السلام بقولها : « إلى الجبل » ، والمراد به جنس الجبل هناك فيشمل الشمال والجنوب.

__________________

(١) معجم معالم الحجاز ، البلادي : ج ٨ ، ص ٤٢.

(٢) المجاز لابن خميس : ص ٣٠١.

(٣) جواهر الكلام : ج ١٩ ، ص ٢١.

٢٥

إذن تبيّن أنّ ما بين حدَّي مزدلفة طولا وما بين حدَّيها عرضاً من الشعاب والهضاب والقلاع والروابي ووجوه الجبال كلّها تابعةٌ لمشعر مزدلفة وداخلةٌ في حدودها ، فعن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : « ووقف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بجمع ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته ، فأهوى بيده وهو واقفٌ فقال : إنّي وقفت ، وكلّ هذا موقف » (١).

وعلى هذا التحديد لمزدلفة فلا يجوز الوقوف في المأزمَين وقبلها إلى عرفات ، ولا في وادي محسِّر وبعده إلى منى ، فإنّ هذه الحدود ليست من مزدلفة ، فلا يجزي الوقوف فيها ، وقد ورد في صحيح هشام بن الحكم عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال في حديث : « ولا تجاوز وادي محسِّر حتّى تطلع الشمس » (٢).

وصحيح الحلبي ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال في حديث : « ولا تجاوز الحياض في ليلة المزدلفة » (٣).

وقد جوّزت الروايات الارتفاع إلى المأزمَين الذي هو حدّ لمزدلفة خارجٌ عن المحدود عند الضرورة ؛ لازدحام الناس وضيق مزدلفة عليهم ، فقد روى سماعة في الموثّق قال ، قلت للإمام الصادق عليه‌السلام : « إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال : يرتفعون إلى المأزمَين » (٤).

ثالثاً : حدود مِنى

منى : ـ بكسر الميم والتنوين ـ ، سُمّيت بذلك لما يُمنى فيها من الدماء.

__________________

(١) الوسائل : ج ١٠ ، الباب ٨ من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح ٧.

(٢) المصدر السابق ، الباب ١٥ من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح ٢.

(٣) المصدر السابق ، الباب ٨ من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح ٣.

(٤) المصدر السابق ، الباب ٩ من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح ١.

٢٦

وقيل : إنّها سُمّيت لما يُمنى فيها من الدعاء.

وقيل : لِما رُويَ عن ابن عبّاس : « أنّ جبرئيل عليه‌السلام لمّا أراد أن يُفارق آدم عليه‌السلام قال له : تَمَنَّ ، قال : أتَمنَّى الجنَّة ، فُسُمِّيت بذلك لاُمنيته » (١).

وقيل : « سميت منى لأنّ جبرئيل أتى إبراهيم عليه‌السلام فقال له : تمنَّ على ربِّك ما شئت ». فسُمِّيَت مِنى ، واصطلح عليها الناس ، وفي الحديث : « أنّ إبراهيم تمنّى هناك أن يجعل الله مكان ابنه كبشاً يأمره بذبحه فديةً له » (٢). فأعطاه الله مُناه.

وقد اتّفقت الروايات على أنّ حدّ مِنى من جهة الطول من العقبة إلى وادي محسِّر ( على صيغة اسم الفاعل ) ، فقد ذكر في صحيح معاوية ، عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « حدّ منى من العقبة إلى وادي محسِّر » (٣).

وجمرة العقبة هي حدّ منى من جهة مكّة ، ووادي محسِّر حدّها من جهة مزدلفة ، وهذا الحدّ قد ذكره المؤرّخون والجغرافيّون أيضاً.

فقد قال الأزرقي في أخبار مكّة بسنده عن ابن جريح : « قال : قُلت لعطاء ابن أبي رباح أين مِنى ؟ قال : من العقبة إلى محسِّر ، قال عطاء : فلا أحبّ أن ينزل أحد إلاّ فيما بين العقبة ومحسِّر ... » (٤).

أقول : هذا الذي تقدّم هو حدّ لمِنى من ناحية الطول ، أمّا حدّها من ناحية العرض فهو ما بين الجبَلَين الكبيريَن بامتدادهما من العقبة حتّى وادي محسِّر ، وقد ذكر الفاسي في شفاء الغرام : « أنّ ما أقبل على مِنى من الجبال المحيطة بها من كِلا جانبَيها فهو منها ، وما أدبر من الجبال فليس منها » (٥).

__________________

(١) جواهر الكلام : ج ١٩ ، ص١٠٠.

(٢) راجع مجمع البحرين ، مادّة مِنى.

(٣) الوسائل : ج ١٠ ، الباب ٦ من أبواب إحرام الحجّ ، ح ٣.

(٤) مجلّة العرب ، السنة الثامنة : ج ١ ، ص ٧٨ ـ ٨٠ ، عن هداية السالكين : ص ١٦٤.

(٥) المصدر السابق ، عن هداية السالكين : ص ١٦٣.

٢٧

وقد قال النووي في المجموع : « واعلم أنّ منى شِعبٌ ممدودٌ بين جبلَينَ : أحدهما ثبير ، والآخر الصابح قال الأصحاب : ما أقبل على مِنى من الجبال فهو منها ، وما أدبر فليس منها » (١).

أقول : كأنَّ مِنى لا تحتاج إلى أن تحدّد من ناحية العرض ؛ لوجود هذَين الجبلَين الكبيرين المفروض أنّهما حدٌّ للمنطقة ، فكأنّ السؤال في الروايات عن حدٍّ خاصٍّ من ناحية مكّة ومزدلفة فذكرته الروايات.

العقبة هل هي من مِنى ؟

الجواب : بقرينة اتّفاقهم على أنّ ( محسِّراً ) ليس من مِنى ، وإنّما هو حدّ لها فكذلك العقبة ، لاقترانها هي الأُخرى بأداة التحديد وهي ( من ) ، ولكن حكى عن بعض الفقهاء : أنّ العقبة من مِنى وليست حدّاً لها.

وسُمّيت بالعقبة لأنّها مدخل مِنى من الغرب ، وسُمّيت الجمرة هنا بجمرة العقبة.

مشكلة الذبح :

وعلى ما تقدّم من حدود مِنى تواجهنا مشكلة حاليّة بناءً على ما اتّفقت عليه الإماميّة من وجوب الذبح في مِنى ، لأنّ المذبح الذي أوجدته الحكومة السعودية يكون خارج مِنى حسب العلامات التي نصبت هناك ، وتمنع الحكومة الذبح في غير هذه الأماكن التي أعدّتها للذبح حتّى في الأيّام الأُخرى بعد يوم النحر وأيّام التشريق ، فهل من مخرج لهذه المشكلة العويصة ؟

وتشتدّ هذه المشكلة على الناس فيما إذا علمنا أنّ الذبح خارج مِنى لا يجزي ، إذ ليس المورد من موارد التقيّة ، فإنّ مورد التقيّة فيما إذا كان المكلّف غير معروف المذهب ، فلا يعمل بما هو الحقّ عنده خوفاً من الظالم ، والواقع القائم الآن بخلافه

__________________

(١) المصدر السابق ، عن هداية السالكين : ص ١٦٤.

٢٨

تماماً ، لأنّ المكلّف معروف المذهب ، ومعلوم أنّه لا يعتقد صحّة الذبح خارج مِنى ، وأنّه يريد الذبح في مِنى ، إلاّ أنّ المنع الحكومي الناشئ من أنّ من يخالف ويشقّ عصا طاعة وليّ الأمر لا يجوز إقراره على مخالفته من أيِّ مذهب كان.

وعلى هذا يكون المورد إذا كان هناك إجبار على الذبح في المسلخ على المكلفّ من باب ارتكاب أخفّ المحظورَين وأقلّ الضررَين ( يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُريُد بِكُمُ العُسْرَ ) ، ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَج ) ، فهو من باب قوله عليه‌السلام : « لَئِن أفطر يوماً ثمّ أقضيه أحبّ إليَّ من أن تضرب عنقي » ، وأمّا إذا لم يكن إجبارٌ على الذبح وذَبَحَ خارج مِنى فهو لا يجزي أيضاً.

وعلى هذا فيجب القضاء على المكلف لهذا النسك إذا تمكّن بعد ذلك في بقيّة أيّام ذي الحجة ، أو أن يخلف ثمنه عند عدل ليشتري له هدْياً ويذبحه في شهر ذي الحجّة.

فهل توجد طريقة للتخلّص من هذه المشكلة وتقول بالاكتفاء بالذبح في المذبح الحالي الذي هو خارج مِنى ؟

الجواب : توجد عندنا روايات معتبرة تقول : إذا ازدحمت مِنى بالناس ارتفعت إلى وادي محسِّر ، فيكون وادي محسِّر حكمه حكم مِنى ، وحينئذ يكون الذبح في المذبح الحالي مجزياً.

ففي معتبرة سماعة قال : « قلت للصادق عليه‌السلام : إذا كثر الناس بمِنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال : يرتفعون إلى وادي محسِّر ... » (١).

فهل يمكن الاكتفاء بهذه الرواية للذبح خارج الحدّ والوقوف كذلك ؟

إذا كان الجواب بالإيجاب فتنحلّ مشكلة مهمّة.

خلاصة لكلّ البحث :

الخلاصة هي : أنّ نَمِرَة ـ التي هي بطن عُرَنَة ـ هل من عرفات أو لا ؟ وكذا مسجد

__________________

(١) الوسائل : ج ١٠ ، الباب ١١ من أبواب إحرام الحجّ ، ح ٤.

٢٩

إبراهيم القديم الذي يكون في نَمِرَة ؟

فإن قلنا : إنّها خارجةٌ من عرفات ـ كما هو ظاهر الروايات التي شرحت لنا حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذا بقيّة الروايات التي أخرجت نَمِرَة عن حدود عرفات ـ تواجهنا مشكلة أنّ الوقوف في عُرَنَة ليس من الزوال إلى الغروب.

وإن قلنا : إنّ نَمِرَة من عرفات ـ كما هو رأي يقال ـ تخلّصنا من هذه المشكلة ، ولكن تبقى مشكلة ثانية ، وهي مخالفة ظاهر الروايات ، بل صريح بعضها ، وأقوال أهل الخبرة الذين حدّدوا عرفات بإخراج نَمِرَة من عرفات ؛ لأنّها بطن وادي عُرَنَة ، وهذا الوادي كلُّه حدّ عرفات من جهة الغرب ، وقد صرّحت الروايات بالارتفاع عنه.

أقول : ألا نحتمل وجود منطقة في داخل عرفات كانت تسمّى نَمِرَة قد صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ووضع رحله ؟ وأمّا قرية نَمِرَة التي هي بطن عُرَنَة فهي خارجةٌ عن حدّ عرفات ، فإن ثبت ذلك انحلّت مشكلة عدم وجوب الوقوف من أوّل الزوال إلى الغروب في عُرَنَة. ويكون حكاية حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مطابقة لوجوب الوقوف في عرفة من أوّل الزوال إلى الغروب ، وأمّا الموقف الذي يُذكر في الروايات فالمراد به الوقوف في سفح الجبل الذي يستحبّ فيه الدعاء والوقوف.

وإن لم يثبت ذلك فلابدّ من القول بعدم وجوب الوقوف من الزوال إلى الغروب ، بل الواجب هو الوقوف بعد الظهر بساعة إلى الغروب.

وأمّا بالنسبة للمزدلفة فلا يوجد خلاف في حدودها ، وقد وقع تعيين هذه الحدود طبقاً لما قرّره الشارع المقدّس بين المأزمين ووادي محسِّر ، وأمّا التحديد العرضي فهو الجبلان المطلاّن عليها من الجبهة الشماليّة والجنوبيّة.

وأمّا مِنى فأيضاً لا يوجد خلاف في حدّها الذي هو من وادي محسِّر إلى العقبة طولا وما بين الجبلين المطلّين عليها عرضاً ، وقد تعرّضنا لمشكلة الذبح التي هي مشكلة معاصرة ؛ لوجود المذابح خارج مِنى ، والحكومة السعودية تمنع من الذبح في مِنى ، وأوجدنا حلاًّ قد يكون مقبولاً من الناحية الفنّيّة.

٣٠

٣١

٣٢

إنّ المقصود بأدنى الحِلِّ : هو أقرب الأماكن الى حدود الحرم من خارج الحدود ؛ ولهذا تعرف المنطقة التي تقع داخل حدود الحرم ب‍ ( الحرم ) ، لما لها من أحكام خاصة تقديساً لمكّة.

وتعرف المنطقة التي تقع خارج الحدود ب‍ ( الحِلّ ) ؛ لأنّ الله تعالى حلّل فيها ممارسة ما حرّم داخل الحدود.

وقد انعكس ذكر ( الحلّ والحرم ) في الشعر العربي ، كما ورد في قول الفرزدق مادحاً الإمام علي بن الحسين ( زين العابدين ) عليه‌السلام :

هذا الذي تعرفُ البطحاء وطأته

والبيتُ يعرفه والحلّ والحرمُ

وقد جعل الشارع المقدّس أدنى الحِلِّ ميقاتاً للعمرة المفردة على نحو الرخصة بالتفصيل الآتي :

لقد ذكر الفقهاء ( رضوان الله عليهم ) : أنّ القارن أو المفرِد أو المتمتّع بعد إتمام حجّة التمتع ، أو مَنْ كان بمكّة ليس بحاجٍّ ، أو مَنْ تعدَّى المواقيت ـ التي وقَّتَها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإحرام وأراد الدخول الى مكّة ـ إذا أراد إتيان العمرة المفردة فميقاته أدنى الحِلّ بلا خلاف في ذلك.

ومعنى ذلك : هو أن يخرج المعتمر ـ مثلاً ـ الى خارج حدود الحرم المحدّد في الروايات بأنّه : « بريد في بريد » فيحرم منه.

وقد ذكر الفقهاء استحباب أن يحرم المعتمر من الجعرانة أو الحديبيّة أو

٣٣

التنعيم ، للتصريح بها في الروايات ، وللتأسّي ، فمن الروايات :

١ ـ ما عن معاوية بن عمار في الصحيح عن الإمام الصّادق عليه‌السلام قال : « اعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث عمر متفرقات : عمرة ذي القعدة ، أهلّ من عسفان وهي عمرة الحديبية ، وعمرةٌ أهلَّ من الجحفة وهي عمرة القضاء ، وعمرة من الجعرانة بعدما رجع من الطائف من غزوة حنين » (١).

وقد نقل عن طريق أبناء السنّة ، عن ابن عباس : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء من قابل ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة التي مع حجّته » (٢).

أقول : وظاهر الروايتين جواز الإحرام من عسفان ، وهو يبعد عن مكّة مرحلتين ( ٤٨ كيلومتراً ) تقريباً ، وهو ليس ميقاتاً ، وليس من أدنى الحِلّ.

ولكن الإمام الخوئي رحمه‌الله ذكر ما يلي : « أنّ الذي يظهر من الروايات الصحيحة والتواريخ المعتبرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما اعتمر بعد الهجرة عمرتين ، وإنّما عبّر في الصحيحة المتقدمة بثلاث عمر باعتبار شروعه في العمرة والإحرام لها ، ولكنّ المشركين منعوه من الدخول الى مكّة ، فرجع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما صالحهم في الحديبية ، واعتمر في السنة اللاحقة قضاءً عما فات عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أصحابه ، فسُمّيت بعمرة القضاء ، كما صرّح بذلك في صحيحة أبان ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « اعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمرة الحديبية وقضى الحديبية من قابل ، ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة » (٣).

وفي صحيحة صفوان أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحرم من الجعرانة (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٠ ، باب ٢ من أبواب العمرة ، ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة : ج ١٠ ، باب ٢ من أبواب العمرة ، ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة : ج ١٠ ، باب ٢ من أبواب العمرة ، ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة : ج ٨ ، باب ٩ من أقسام الحجّ ، ح ٦.

٣٤

فالذي يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحرم من مسجد الشجرة للعمرة ، ورفع صوته بالتلبية من عسفان ( وهو معنى أهلّ ) وهي العمرة التي منعه المشركون من الدخول الى مكة وصالحهم في الحديبيّة ، ورجع من دون إتيان مناسك العمرة ، ثم في السنة اللاحقة اعتمر وأحرم من مسجد الشجرة ، وأهلّ ورفع صوته بالتلبية من الجحفة فسُميت بعمرة القضاء ، وأمّا الجعرانة فالظاهر من الصحيحة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحرم منها لظهور قوله : « وعمرة الجعرانة » في أن ابتداء العمرة كان من الجعرانة ، لا أنه أحرم قبل ذلك ورفع صوته بالتلبية من الجعرانة ، كما صرح بذلك في صحيحة أبان المتقدمة. فالمستفاد من الصحيحة جواز الإحرام للعمرة المفردة من الجعرانة اختياراً وإن لم يكن من أهل مكّة كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، كما يجوز الإحرام من أدنى الحِلّ ، ولكن يختص ذلك بمن بدى له العمرة في الأثناء » (١).

أقول : وعلى هذا الذي تقدم فستكون هذه الرواية دليلا على جواز الإحرام من الجعرانة ، التي هي أقرب الحلِّ الى الحرم فقط.

٢ ـ ما عن جميل بن دراج في الصحيح ، قال : « سألت الإمام الصادق عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية ؟ قال عليه‌السلام : تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة ، قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة » (٢).

وكان صُنْعُ عائشة ، كما ذكره ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب معاوية بن عمار ، فقال :

« ... إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلها ـ البطحاء ـ حين بعث عائشة مع أخيها عبد الرحمان إلى التنعيم ، فاعتمرت لمكان العلّة التي أصابتها ؛ لأنّها قالت

__________________

(١) مستند العروة الوثقى : ج ٢ ، ص٣٩١ - ٣٩٢ ، كتاب الحج ، تقريرات الإمام الخوئي ، بقلم السيد رضا الخلخالي.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٨ ، باب ٢١ من أقسام الحجّ ، ح ٢.

٣٥

لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ترجع نساؤك بحجّة وعمرة معاً ، وأرجع بحجّة ؟ فأرسل بها عند ذلك ... » (١).

٣ ـ روى ابن بابويه في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن الإمام الصّادق عليه‌السلام : « مَنْ أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر فليعتمر من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما » (٢).

وهذه الرواية تشمل جميع مواضع الحرم لقوله عليه‌السلام : « أو ما أشبههما » ، كما أنها مطلقة من حيث كون العمرة مسبوقة بالحجّ أم لا ، فحينئذ لا ينبغي الريب في هذا الحكم.

أقول : تبيّن من هذه الروايات : أنّ ثلاثة مواقيت قد فضِّلت في إحرام العمرة المفردة على بقية نقاط أدنى الحِلّ ، وهي :

١ ـ الحديبية. ٢ ـ الجعرانة. ٣ ـ التنعيم.

أمّا الجحفة فهي ميقات أبعد من أدنى الحِلّ بكثير ، يمرّ بها ـ الآن ـ حجّاج البحر القادمون عن طريق ميناء ينبع من مصر وغيرها ، وحجّاج البّر القادمون من الأردن عن طريق العقبة. وقد رأينا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهلَّ منها ، وكذا عسفان التي تبعد عن مكة مرحلتين.

ولا بأس بالإشارة الى أنَّ هذه المواقيت الثلاثة هي رخصة لا عزيمة ، كما ذكر ذلك صريحاً شيخ الطائفة وصاحب الجواهر قدس‌سرهما (٣).

وبهذا يكون من الجائز الخروج الى أحد المواقيت كالجحفة ويلملم والعقيق وغيرها للإحرام منها ، وذلك للروايات الدالة على أنَّ هذه المواقيت لأهلها ولمن أتى عليها من غير أهلها ، فقد روى صفوان بن يحيى في الصحيح عن الإمام أبي

__________________

(١) المصدر السابق ، باب ٣ من أقسام الحج ، ح ٤.

(٢) المصدر السابق ، باب ٢٢ من المواقيت ، ح ١.

(٣) جواهر الكلام : ج ١٨ ، ص ١١٩.

٣٦

الحسن الرضا عليه‌السلام فكتب : « ... أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقَّت المواقيت لأهلها ، ومن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا تجاوز الميقات إلاّ من علّة » (١).

والذي نريد أن نبحثه الآن هو تفصيل المواقيت الثلاثة ، وهي : ( الحديبية ، الجعرانة ، التنعيم ) ، وما أشكل على موضع التنعيم من كونه أبعد من موضعه الحالي والجواب عنه ، فنقول :

١ ـ الحديبية

الحديبية : ـ بضمّ الحاء المهملة ، ففتح الدال المهملة ، ثمّ ياء مثنّاة تحتانية ساكنة ، ثمّ باء موحّدة ، ثم ياء مثنّاة تحتانية ، ثمّ تاء التأنيث ـ هي في الأصل اسم بئر خارج الحرم على طريق جدّة عند مسجد الشجرة ، التي كانت عندها بيعة الرضوان ، التي نزل فيها القرآن : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ... ) (٢).

وقال الخطّابي في أماليه : سُمّيت بالحديبية لشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع ، وبين الحديبية ومكة مرحلة وفي الحديث : « إنّها بئر ». وبعض الحديبية في الحِلّ وبعضها في الحرم وهو أبعد الحلّ من البيت ... وعند مالك بن أنس انها جميعها من الحرم (٣).

ضبط الكلمة :

لقد استعملت الياء المثناة المفتوحة بالتخفيف والتشديد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ٨ : باب ١٥ من ابواب المواقيت ، ح ١.

(٢) الفتح : ١٨.

(٣) معجم معالم الحجاز لعاتق بن غيث البلادي : ج ٢ ، ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

٣٧

وفي كشف اللثام : قال السهيلي : « والتخفيف أعرف عند أهل العربية ، وقال أحمد بن يحيى : لا يجوز فيها غيرُه وكذا عن الشافعي ». وقال أبو جعفر النحاس : « سألت كل من لقيت ممن أثق بعلميته من أهل العربية عن الحديبية فلم يختلفوا على أنها مخففة. وقيل : إنَّ التثقيل لم يُسمع من فصيح » (١).

وقال في الحدائق الناضرة : « قال ابن ادريس في السرائر : الحديبية اسم بئر خارج الحرم يقال : الحديبية بالتخفيف والتثقيل ، وسألت ابن العطار النوهي ؟ فقال : أهل اللغة يقولونها بالتخفيف ، وأصحاب الحديث يقولونها بالتشديد ، وخطّه عندي بذلك ، وكان إمام اللغة ببغداد » (٢).

وفي تهذيب الأسماء عن مطالع الأنوار : « ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين ، وأمّا عامّة الفقهاء والمحدّثين فيشدّدونها » (٣).

وتعرف منطقة الحديبية ـ اليوم ـ ب‍ « الشميسي » بالتصغير ، وتقع غربي مكة المكرمة في الحِلّ على طريق مكة جدة القديم ، بينها وبين علمي الحرم المكي مسافة قليلة ، وبين العلمين ومكة حوالي اثنين وعشرين كيلو متراً.

٢ ـ الجعرانة

ضبطها : « بكسر الجيم وإسكان العين المهملة وتشديد الراء المهملة المفتوحة » كما عن الجمهرة. وعن الأصمعي والشافعي : « بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء. قيل : العراقيون يثقّلونه ، والحجازيون يخفّفونه » وحكي عن ابن ادريس : بفتح الجيم وكسر العين وتشديد الراء أيضاً ، فالراء فيها تخفف وتشدّد

__________________

(١) كشف اللثام.

(٢) الحدائق الناضرة للشيخ يوسف البحراني : ج ١٤ ، ص ٤٥٥ ـ ص ٤٥٦.

(٣) عن كتاب الحج ، تقريرات آية الله العظمى السيد الشاهرودي : ج ٢ ، ص ٢٩٤.

٣٨

لاستعمالين موثقين.

وهي موضع بين مكّة والطائف من الحِلِّ ، بينها وبين مكّة ثمانية عشر ميلاً على ما ذكره الباجي ، وتقع شمال شرقي مكة المكرمة ، وفيها علما الحدّ ، ومنها أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمرته الثالثة على ما نصت عليه الروايات ، وفيها مسجده الذي صلّى فيه وأحرم منه عند مرجعه من الطائف بعد فتح مكة ، ويقع هذا المسجد وراء الوادي بالعدوة القصوى ويعرف بالمسجد الأقصى لذلك ، ولوجود مسجد آخر بُني من قبل أحد المحسنين يعرف بالمسجد الأدنى. وبالقرب من مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بئر واسعة عذب ماؤها. وهي اليوم قرية صغيرة تبعد عن مكة في الشمال الشرقي لها بحوالي أربعة وعشرين كيلو متراً ، وفيها المسجد الذي أقامته الحكومة السعودية محرماً ، شرقي أرض المسجد القديم دونما فصل بينهما .. (١) ولكن مؤلف معجم معالم الحجاز ذكر عن الجعرانة : « ومن قال : إنها ـ الجعرانة ـ بين مكة والطائف فقد أخطأ ، فهي شمال مكة ، مع ميل إلى الشرق ولا لزوم في ذكر الطائف في تحديدها أبداً ، إذ هي لا تبعد عن مكة بأزيد من (٢٩) كيلو متراً » (٢).

الجعرانة وموقعها الجغرافي :

ذكر مؤلف مختصر معجم معالم مكّة التاريخية : أنَّ « جبل الستار يقع قُرب الجعرانة من الجنوب ، وهو الجبل الذي يُشرف على علميْ طريق نجد من الشمال ، والذاهب من مكة الى نخلة يجعل الستار على يساره عن قرب ، والجعرانة ـ اليوم ـ قرية صغيرة في صدر وادي سَرِف » (٣).

__________________

(١) هداية الناسكين : ص ٨٩ ، تحقيق الدكتور عبد الهادي الفضلي.

(٢) معجم معالم الحجاز ( عاتق بن غيث البلادي ) : ج ٢ ، ص ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٣) مختصر معجم معالم مكة التاريخية : ص ١٥.

٣٩

٣ ـ التنعيم

التنعيم : ـ بفتح التاء الفوقانية المثناة ـ « بلفظ المصدر ، سُمي به موضع على ثلاثة أميال من مكة أو أربعة ... به مسجد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ومسجد الإمام زين العابدين عليه‌السلام ومسجد اُمّ المؤمنين عائشة ، وسمي بالتنعيم لأنّ جبلا اسمه نعيم يقع عن يمينه ، وعن شماله يقع جبل آخر اسمه ناعم ، واسم الوادي نعمان ، وهو أقرب أطراف الحِلّ الى مكة ، كما هو واضح الآن » (١).

والتنعيم يقع في الشمال الغربي لمكّة المكرّمة ، بينها وبين سَرِف ـ الذي فيه قبر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على طريق مكة المدينة المارِّ بوادي فاطمة ( المعروف قديماً بمرِّ الظهران ).

وقد ذكر مؤلف مختصر معجم معالم مكة التاريخيّة موقع التنعيم فقال : « واد ينحدر شمالا بين جبال بشم شرقاً ، وجبل الشهيد جنوباً ، فيصب في وادي ياج وهو ميقات لمن أراد العمرة من المكّيّين ، وتسمى عمرته : عمرة التنعيم ، أي مكان الاعتمار ؛ وذلك تمييزاً لها عن عمرة الجعرانة ، وكان يسمى نعمان ، قال محمد بن عبد الله النميري :

فلم تر عيني مثل سرب رأيتهُ

خرجنَ من التنعيم معتمرات

مررنَ بفخٍّ ثمّ رُحْنَ عشية

يلبين للرحمن مؤتجرات

تضوَّع مسكاً بطنُ نعمان إذ مشت

به زينبٌ في نسوةٍ عطرات (٢)

وقد ذكر في المختصر المتقدّم : « وقد توهّم البعض أنّ نعمان الوارد هنا هو

__________________

(١) كتاب الحج للسيد آية الله العظمى الشاهرودي : ج ٢ ، ص ٢٩٥ بتصرّف. أقول : سيأتي أنّ جبل نعيم جنوب شرق التنعيم ( مسجد العمرة ) وجبل ناعم يكون من ناحية الشرق.

(٢) مختصر معجم معالم مكة التاريخية : ص ٩ ـ ١٠.

٤٠