زبدة التّفاسير - المقدمة

مؤسسة المعارف الإسلاميّة

زبدة التّفاسير - المقدمة

المؤلف:

مؤسسة المعارف الإسلاميّة


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٨

١
٢

٣
٤

مقدّمة التحقيق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين ، محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

التفسير في اللغة :

قال ابن منظور : «فسر الشيء يفسره بالكسر ، ويفسره بالضم ، فسرا ، وفسّره : أبانه. والتفسير مثله. ابن الاعرابي.

التفسير والتأويل والمعنى واحد : وقوله عزوجل : (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً).

الفسر : كشف المغطّى.

والتفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل.

والتأويل : ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر ...» (١).

وقال الراغب الأصفهاني : «الفسر : إظهار المعنى المعقول ، ومنه قيل لما ينبئ عنه البول : تفسرة ، وسمّي بها قارورة الماء ، والتفسير في المبالغة كالفسر.

والتفسير قد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها ، وفيما يختصّ بالتأويل ، ولهذا يقال : تفسير الرؤيا وتأويلها.

قال عزوجل : (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٢).

وقال الرازي : «الفسر : البيان» (٣).

__________________

(١) لسان العرب : مادة «فسر».

(٢) معجم مفردات ألفاظ القرآن : مادة «فسر» ، والآية : ٣٣ من سورة الفرقان.

(٣) مختار الصحاح : مادة «الفسر».

٥

التفسير في الاصطلاح :

وإذا فالتفسير في اللغة مأخوذ من الفسر : وهو : إظهار المعنى ، وكشف الغطاء والبيان.

ومنه التفسرة : وتعني ما يستدلّ بها على غيرها مما يرتبط بها. أي هي اسم لعملية الكشف عن الخفي بما هو ظاهر لوجود العلاقة بينهما.

ولفظ التفسير كغيره من الألفاظ التي أصبح لها معنى خاص في اصطلاح العلماء ، فهو (التفسير) اسم لعلم من أهم العلوم والمعارف الاسلامية ، وأكثرها أثرا في حياة الأمّة الفكرية والتشريعية والاجتماعية وغيرها من مجالات الحياة.

ومن استقراء التعاريف التي أوردها العلماء في كتبهم وتحديدهم لهوية هذا العلم وأهدافه ، نجد التقارب بين معناه في الاصطلاح ، ومعناه في اللغة.

وقد عرّفه العلماء بعبارات يختلف بعضها عن بعض أحيانا ، كما عرّفه البعض منهم بما عرّف به التأويل ، فلم يفرّق بينهما ، بينما فرّق فريق آخر من العلماء بين التفسير والتأويل تفريقا حدّيا ، بل واعتبر بعضهم عدم التفريق بينهما جهلا بالتفسير وبعلوم القرآن.

وقال السيوطي ناقلا عن الراغب تعريفه للتفسير : «وقال الراغب : التفسير أعم من التأويل ، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها ، وأكثر ما يستعمل التأويل في المعاني والجمل ، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية ، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها» (١).

وقال أبو طالب التغلبي : «التفسير بيان وضع اللفظ ، إمّا حقيقة ، أو مجازا ، كتفسير الصراط بالطريق ، والصّيّب بالمطر ، والتأويل تفسير باطن اللفظ ؛ مأخوذ من

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ١٦٧.

٦

الأوّل ، وهو الرجوع لعاقبة الأمر ، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد ، والتفسير إخبار عن دليل المراد ، لأنّ اللفظ يكشف عن المراد ، والكاشف دليل ؛ مثاله قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١) ، تفسيره أنّه من الرصد ، يقال : رصدته رقبته ، والمرصاد (مفعال) منه ، وتأويله التحذير من التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه ؛ وقواطع الأدلّة تقتضي بيان المراد منه ، على خلاف وضع اللفظ في اللغة» (٢).

وقال الأصبهاني في تفسيره : «اعلم أنّ التفسير في عرف العلماء : كشف معاني القرآن ، وبيان المراد ؛ أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره ، وبحسب المعنى الظاهر وغيره ، والتأويل أكثره في الجمل ، والتفسير إمّا أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو البحيرة والسائبة والوصيلة ، أو في وجيز يتبين بشرح ، نحو : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (٣) ، وإمّا لكلام متضمّن لقصة لا يمكن تصويره إلّا بمعرفتها ، كقوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (٤) ، وقوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (٥)» (٦).

وقد عرّفه الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي بقوله : «التفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل» (٧).

وعرّفه السيّد أبو القاسم الخوئي بقوله : «التفسير هو إيضاح مراد الله تعالى من كتابه العزيز ، فلا يجوز الاعتماد فيه على الظنون والاستحسان ، ولا على شيء لم

__________________

(١) سورة الفجر ، الآية : ١٤.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٤٣ و ٨٣ و ١١٠.

(٤) سورة التوبة ، الآية : ٣٧.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ١٨٩.

(٦) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ١٦٨.

(٧) مجمع البيان : ١ / ٣٩.

٧

يثبت أنّه حجّة من طريق العقل ، أو من طريق الشرع للنهي عن اتباع الظنّ ، وحرمة إسناد شيء إلى الله بغير إذنه» (١).

أمّا الشهيد الصدر فقد عرّف التفسير بقوله : «فتفسير الكلام ـ أي كلام ـ معناه الكشف عن مدلوله ، وبيان معناه الذي يشير إليه اللفظ» (٢).

وبعد أن عرّف الشهيد الصدر التفسير عرض اتجاهين لتعريف التفسير وتحديد دلالته.

الاتجاه الأوّل : وهو الاتجاه السائد عند الأصوليين الذي لخصه بقوله رحمه‌الله : «... وبتعبير آخر أن من أظهر معنى اللفظ يكون قد فسّره ، وأمّا حيث يكون المعنى ظاهرا ومتبادرا بطبيعته ، فلا إظهار ولا تفسير.

وسيرا مع هذا الاتجاه ، لا يكون التفسير إلّا اظهار أحد محتملات اللفظ ، وإثبات أنّه هو المعنى المراد ، أو إظهار المعنى الخفي غير المتبادر ، وإثبات أنّه هو المعنى المراد ، بدلا من المعنى الظاهر المتبادر ، وأما ذكر المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ ، فلا يكون تفسيرا.

وهذا الرأي يمثّل الرأي السائد عند الأصوليين» (٣).

أمّا الرأي الثاني فهو الرأي الذي تبناه هو رحمه‌الله بقوله : «ولكن الصحيح : هو أن ذكر المعنى الظاهر قد يكون في بعض الحالات تفسيرا أيضا ، وإظهارا لأمر خفي ، كما أنّه في بعض الحالات الاخرى لا يكون تفسيرا ؛ لأنّه يفقد عنصر الخفاء والغموض ، فلا يكون إظهارا لأمر خفي أو إزالة لغموض» (٤).

وبعد هذا العرض لمفهوم التفسير ، وتعريفه في اللغة والاصطلاح يتضح لنا

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن : ٤٢١.

(٢) علوم القرآن : ٦٦.

(٣) علوم القرآن : ٦٦ ـ ٦٧.

(٤) علوم القرآن : ٦٧.

٨

معنى التفسير وأهمّيته في الفكر الاسلامي ، فهو عبارة عن بيان المحتوى القرآني الذي يحتاج إلى بيان ، وكشف المراد منه ، سواء أكان ذلك بيان معنى لمفردة لفظية أو جملة.

وبيان المحتوى القرآني ومراد الله تعالى من كتابه ، مسألة من أهم المسائل ، وأكثرها أثرا في حياة الامّة الاسلامية.

تحدّث الوحي عن مسألة البيان القرآني بقوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١) ، وبقوله : (... وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢).

وهكذا يوضّح القرآن أن بيان ما كان غامضا من القرآن ، لا يتضح إلّا ببيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو من مهامه ، وأنّ الله سبحانه قد بيّنه له ، وكشف غوامضه.

قال الشيخ الطوسي في تفسيره لقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) :

«والبيان إظهار المعنى للنفس بما يتميّز به من غيره ، بان الشيء يبين ، إذا ظهر ، وأبانه غيره ، أي أظهره بيانا وإبانة ، ونقيض البيان الإخفاء والإغماض.

وقال قتادة : ثمّ إنّ علينا بيانه ، معناه : إنّا نبيّن لك معناه إذا حفظته» (٣).

مناهج التفسير :

للمفسّرين ثلاث مناهج في تفسير القرآن الكريم ، هي ما يلي :

الأوّل : تفسير القرآن بالمأثور فقط. فقد ذهب عدّة من المفسّرين إلى أنّه

__________________

(١) القيامة : ١٧ ـ ١٩.

(٢) النحل : ٤٤.

(٣) التبيان ١ : ١٩٦ ـ ١٩٧.

٩

ليس باستطاعتنا الوصول إلى كنه معاني آيات القرآن ، لأنّ في القرآن محكما ومتشابها ، وخاصّا وعامّا ، ومطلقا ومقيّدا ، ونصّا وظاهرا ، وظاهرا وباطنا. فأنّى للعقل البشريّ الناقص استكناه مغزى الآيات القرآنيّة؟ وليس أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، كما جاء في الرواية. وأنّ تعيين معنى بالضبط لآية من آي القرآن ، وأنّه مراد لله عزوجل ، بحاجة إلى دليل وحجّة شرعيّة ، وأنّى لنا ذلك؟

فالواجب إذن تفسير القرآن بالأحاديث المأثورة من دون اعتماد على العقل ومستنبطاته. ومن هؤلاء العلّامة المحدّث السيّد هاشم البحراني قدس‌سره في تفسيره البرهان ، والسيوطي في تفسيره الدرّ المنثور.

الثاني : التفسير بالرأي. وهو تفسير القرآن اعتمادا على العقل وما يتوصّل إليه الفكر البشري في توضيح آية وتفسيرها ، مستعينا في ذلك بالقرائن والشواهد وملابسات الآية. وكان هذا دأب عدّة من المفسّرين في صدر الإسلام.

وقد أثار هذا النوع من التفسير النقاش الحادّ آنذاك ، فبين مسوّغ له لا يراه ممنوعا منه شرعا ، وبين منكر له يراه غير مسموح به شرعا ، وأنّه يؤول إلى تفسير كلام الله تعالى بما لا يحرز رضاه به. وفي الروايات المنع الأكيد والنهي الشديد عنه ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» (١).

الثالث : تفسير القرآن بالقرآن. وفي هذا النوع من التفسير يستعين المفسّر في شرح آية وتفسيرها بآية اخرى مشابهة لها في الحكم والملابسات ، لكنّها أكثر وضوحا وشمولا من الاولى. وهذا من باب تطبيق الأشباه والنظائر بعضها على بعض. خذ لذلك مثالا :

قال تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ

__________________

(١) إتحاف السادة المتّقين ١ : ٢٥٧ ، و ٤ : ٥٢٦.

١٠

وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) (١). فقوله تعالى : (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) يفسّره قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً) إلى قوله : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ ...) (٢). أي : أنّ ما بين يديه هو التوراة والإنجيل.

من يفسّر القرآن؟

إن الحديث عن منهج التفسير في مدرسة أهل البيت ، والطرق والأساليب التي توصل إلى معرفة القرآن ، والكشف عن معانيه ، يقودنا إلى مسألة مهمة وأساسية تتعلّق بفهم القرآن ، واكتشاف معانيه السامية وأحكامه العظيمة في مختلف المجالات الفكرية والتشريعية والتربوية وغيرها ، وهذه المسألة هي : «من المخوّل بفهم القرآن وتفسيره؟».

وللجواب عن هذا السؤال ، نعرض أهم النظريات التي تحدّث عن ذلك :

١ ـ النظرية التي ترى أنّ القرآن لا يفسره إلّا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله باعتباره المخاطب به ، وهو وحده يدرك ما فيه من معان ومضامين ، وهو مذهب الحشوية والمجبّرة ، كما ذكر الشيخ الطوسي ذلك.

٢ ـ النظرية القائلة أنّ القرآن لا يفسّره إلّا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام باعتبارهم هم الحجّة على الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووفق هاتين النظريتين يتوقّف دور العقل والاجتهاد في فهم القرآن.

٣ ـ النظرية التي تذهب إلى أن القرآن خطاب عربي مبين ، وأن كلّ من عرف

__________________

(١) آل عمران : ٣.

(٢) المائدة : ٤٤ ـ ٤٧.

١١

لغة العرب يستطيع أن يفهم القرآن.

٤ ـ النظرية التي تذهب إلى أن القرآن خطاب إلهي موجه إلى البشرية جميعها ، بلغة عربية فصيحة ، وبالاعتماد على العنصر اللغوي وأدوات علمية اخرى نستطيع أن نفهم القرآن وفق ظهوره اللغوي ، كما نستطيع أن نستنبط الكثير من معانيه عن طريق العقل والتدبر ، غير أنّ هناك بعض المعاني والمفاهيم التي يحتاج الناس في بيانها إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام الذي ورث علوم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا بدّ فيها من الرجوع إليه ؛ فهو المرجع من بعده وأنّ بيانه هو الحجة عند الخلاف في فهم القرآن ، وبذا يكون فهم القرآن والاستنباط منه عملا علميا جائزا لغير النبي والإمام صلوات الله عليهما ، إذا كان قد توفرت لديه الوسائل العلمية التي تؤهله لفهم القرآن ، وهذه النظرية هي النظرية العلمية السائدة لدى مفسري وفقهاء الشيعة الإمامية ، وفي ذلك تحدّث الشيخ الطوسي مبينا بطلان النظريات الاولى والثانية والثالثة ، وإثبات النظرية الرابعة ، وقد صرّح بذلك عند تفسيره الآية الكريمة : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).

قال : هذه الآية الكريمة تدلّ على أشياء :

أحدها : على بطلان التقليد ، وصحة الاستدلال في اصول الدين لأنّه حثّ ودعاء إلى التدبر ، وذلك لا يكون إلّا بالفكر والنظر.

الثاني : يدلّ على فساد مذهب من زعم أن القرآن لا يفهم معناه إلّا بتفسير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من الحشوية والمجبّرة ؛ لأنّه تعالى حثّ على تدبره ليعملوا به. (٢)

__________________

(١) النساء : ٨٢.

(٢) التبيان في تفسير القرآن ٣ : ٢٧٠.

١٢

ونخلص من دراسة هذا الرأي وغيره (١) ، أنّ المنهج الشيعي الإمامي في التفسير يثبّت مبدأ أن القرآن يمكن أن يفسّره غير النبي أو الإمام ، يفسر ما لم يرد فيه بيان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام من بعده ، وأن المأثور الثابت الصحة هو المرجع والمقياس في التفسير والتأويل.

هذه خلاصة ما أردنا توضيحه في هذه العجالة ، وهي إشارة عابرة إلى بعض ما يتعلّق بالتفسير من المسائل المطروحة قديما وحديثا ، وتحقيق هذه المسائل ودراستها علميّا بحاجة إلى تفصيل لسنا بصدده فعلا. والمطالع الكريم يمكنه الاستزادة في ذلك بمراجعة ما كتب حول هذا الموضوع مبسوطا.

__________________

(١) كرأي الشهيد محمد باقر الصدر في دروسه الاصولية. انظر : دروس في علم الأصول : المجلد الأوّل ، الحلقة الثانية ، الدليل الشرعي ٢١٦.

١٣

ترجمة المؤلّف

اسمه :

المولى فتح الله بن المولى شكر الله الشريف الكاشاني (١).

ولادته ونشأته :

لم يذكر محلّ ولادته ولا تاريخها ، ولا كيفيّة نشوئه ، ولكن الظنّ الغالب ـ بقرينة أنّه من مدينة كاشان ، ومقبرته أيضا في هذا البلد ـ أنّه ولد في كاشان ، ونشأ فيها أيضا.

والجدير بالذكر أنّه قدس‌سره كان حييّا جدّا ، متعفّفا عمّا في أيدي الأثرياء وذوي المناصب العظيمة والجاه الكبير ، زاهدا ، ورعا. ولم يكن حريصا على حطام الدنيا ، ولا من الّذين يتحذلقون في الكلام ، ويتملّقون ويتشدّقون بأفواههم في مدح الظّلام ، والفسقة واللئام ، طمعا في أخذ الصلات والجوائز. وذكر في لباب الألقاب (٢) أنّ هذا هو السبب الأصلي في عدم اشتهار المؤلّف بين عامّة النّاس ، وخفاء ذكره.

الإطراء والثناء عليه :

١ ـ قال العلّامة الخبير الميرزا عبد الله أفندي الأصفهاني ـ من أعلام القرن الثاني عشر ـ في كتابه رياض العلماء (٣) : فاضل نبيل ، وعالم كامل جليل ، فقيه ،

__________________

(١) نسبة إلى مدينة كاشان ـ معرّبها : قاسان ـ ، من المدن القديمة الواقعة في وسط إيران. وأهلها شيعة إماميّة ـ كمدينة قم وسبزوار وطبرستان ـ منذ أقدم الأيّام.

(٢) ص : ٨١.

(٣). ٤ : ٣١٨.

١٤

متكلّم ، مفسّر ، نبيه. وهو من علماء دولة السلطان شاه طهماسب الصفوي ومن بعده أيضا من الملوك الصفويّة ، وكان من تلامذة علي بن الحسن الزواري (١) المفسّر المشهور ، ويروي عن الشيخ علي الكركي بتوسّطه ، وله مؤلّفات جياد سيّما في التفسير ، فإنّ له فيه يدا طولى.

٢ ـ قال السيّد محسن الأمين العاملي رضى الله عنه في أعيان الشيعة (٢) : محدّث ، جليل ، مفسّر ، فاضل ، من علماء دولة الشاه طهماسب الصفوي ، وتلاميذ عليّ بن الحسن الزواري.

٣ ـ قال عمر رضا كحّالة في معجم المؤلّفين (٣) : محدّث ، مؤرّخ ، فقيه ، مفسّر ، أخذ عن ابن الحسن الزواري.

٤ ـ قال عادل نويهض في معجم المفسّرين (٤) : مفسّر ، محدّث ، له اشتغال بالتاريخ ، من فقهاء الشيعة الإماميّة.

٥ ـ قال الشيخ عبّاس القمّي رحمه‌الله في الفوائد الرضويّة (٥) ـ بتعريبنا ـ : محدّث كامل ، عالم جليل ، مفسّر ، فاضل ، شارح كتاب نهج البلاغة ، والاحتجاج للطبرسي ...

٦ ـ قال الملّا حبيب الله الكاشاني في لباب الألقاب (٦) : تشهد مؤلّفاته بأنّه كان : عالما ، فاضلا ، جامعا للمعقول والمنقول ، وفقيها كاملا في اللغات والأدبيّات والأصول.

__________________

(١) عالم ، فاضل ، مفسّر ، له مؤلّفات ، منها : تفسير القرآن بالفارسيّة ، وشرح نهج البلاغة ، وترجمة كشف الغمّة فرغ منها سنة ٩٣٨ ه‍ ، وغيرها. انظر الفوائد الرضويّة : ٢٧٥.

(٢). ٨ : ٣٩٣.

(٣). ٨ : ٥١.

(٤). ١ : ٤١٧.

(٥) ص ٣٤٥.

(٦) ص ٨١.

١٥

مشايخه وتلاميذه :

قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة (١) : هو تلميذ المفسّر الجليل أبي الحسن عليّ بن الحسن الزواري الّذي كان تلميذ المحقّق الكركي (٢). ويروي أيضا عن ضياء الدين محمد بن محمود ، عن المقدّس الأردبيلي ، كما ذكره الحسين بن حيدر بن قمر المجاز عن الشاه مرتضى في ١٠٠٥ ه‍. يروي عنه الشاه مرتضى بن الشاه محمود الكاشاني والد المحقّق الفيض ... انتهى.

والمحقّق الأردبيلي قدس‌سره توفّي عام ٩٩٣ ه‍ ، أي : بعد المؤلّف بخمسة أعوام.

مؤلّفاته وآثاره القيّمة :

للمترجم له عدّة مؤلّفات في التفسير وغيره ، نذكرها فيما يلي :

١ ـ ترجمة القرآن بالفارسيّة ، قال في الذريعة : «ترجمة القرآن بالفارسيّة للمفسّر المولى فتح الله بن شكر الله الكاشاني ، وهذه الترجمة قد كتبت على هامش القرآن» (٣).

٢ ـ تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين. شرح نهج البلاغة باللغة الفارسيّة. هكذا

__________________

(١) أعلام القرن العاشر : ١٧٧.

(٢) هو : نور الدين عليّ بن عبد العالي ، مروّج المذهب والملّة ، وشيخ المشايخ الأجلّة ، محيي مراسم المذهب الأنور ، شيخ الطائفة في زمانه ، وعلّامة عصره وأوانه ، العالم الربّاني ، والفقيه الصمداني. مؤلّفاته : جامع المقاصد في شرح القواعد ، الرسالة الجعفريّة ، صيغ العقود والإيقاعات ، نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ، شرح الشرائع ، شرح الألفيّة ، رسائل في الرضاع والخراج وأقسام الأرضين. توفّي في يوم الغدير سنة ٩٤٠ ه‍.

(٣) الذريعة ٤ : ١٢٧ رقم (٦٠٣)

١٦

ذكره في الروضات (١) وكشف الحجب (٢) ولباب الألقاب (٣) والذريعة (٤) ، وذكر السيّد محسن الأمين العاملي (٥) رحمه‌الله في ثبت مؤلّفاته شرح نهج البلاغة ، وتنبيه الغافلين وتذكرة العارفين على حدة. وكذا ذكر في هديّة العارفين (٦) ومعجم المؤلّفين (٧). وفي الذريعة أنّ الكتاب طبع بطهران سنة (١٣١٣ ه‍) مع فهرس لطيف. وأوّل الشرح : الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

٣ ـ خلاصة المنهج. مختصر من منهج الصادقين ، فارسيّ كأصله.

وفي الذريعة (٨) أنّه طبع في سنة (١٢٧٥ ه‍) ، وأنّ نسخته موجودة في الخزانة الرضويّة وغيرها.

٤ ـ زبدة التفاسير. وهو هذا الكتاب الّذي بين يديك ، نزفّه إلى المكتبة الإسلاميّة وتراثها العلميّ الزخّار ، وسيأتيك الكلام عنه.

٥ ـ شرح الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله. قال في الذريعة : «كشف الاحتجاج في ترجمة احتجاج الطبرسي ، للمولى الأديب المفسّر الملّا فتح الله بن شكر الله القاساني ، المتوفّى ٩٨٨ ، كتبه للشاه طهماسب الصفوي ، فارسيّ سلس ، أوّله : افتتاح اين مقال همايون فال عديم المثال ، كه حسن فصاحت وجمال بلاغتش بزيور بدايع مناقب آل أطهار ...» (٩).

__________________

(١) روضات الجنّات ٥ : ٣٤٥.

(٢) كشف الحجب : ٣٥٨ رقم (٢٠١٤). وفي ص : ١٤٣ رقم (٧١٠) انّه ترجمة نهج البلاغة.

(٣) لباب الألقاب : ٨١.

(٤) الذريعة : ٤ : ٤٤٧ رقم (١٩٩٢)

(٥) أعيان الشيعة ٨ : ٣٩٣.

(٦) هديّة العارفين ١ : ٨١٥.

(٧) معجم المؤلّفين ٨ : ٥١.

(٨) الذريعة ٧ : ٢٣٣ رقم (١١٣٠)

(٩) الذريعة ١٨ : ٧ رقم (٤١٦)

١٧

٦ ـ منهج الصادقين في إلزام المخالفين. ذكر في الذريعة (١) : أنّ اسم الكتاب : منهج الصادقين في تفسير القرآن المبين وإلزام المخالفين ، وأنّه مطبوع ، وذكر في خطبته أنّه أورد كثيرا من الأخبار العامّة إلزاما لهم. وقد فرغ من بعض أجزائه ـ يعني : سورة الأنفال ـ سنة أربع وثمانين وتسعمائة.

وفي الروضات : «تفسير كبير مشهور بالفارسيّة ، يقرب من مائة وسبعين ألف بيت ، بل يدخل في حيّز مائة وثمانين كما نقل عن تصريح مؤلّف الكتاب ، ووضعه في خمس مجلّدات ، قد تعرّض فيه لحجج كلّ طائفة من الآيات القرآنيّة ، وأورد فيه النكات العربيّة ونحوها أيضا ، جيّدة الفوائد».

وهذا الكتاب من أهمّ مؤلّفات المترجم له ، وطبع مرّات عديدة ، منها الطبعة الحديثة في عشرة أجزاء. وهو تفسير جيّد لطيف ، مشهور لدى المتكلّمين باللغة الفارسيّة ، يستفيد منه العلماء وعامّة الناس.

وهذه مؤلّفات المترجم له في تفسير القرآن الكريم. وهو يدلّ على عناية الله تعالى بشأن المترجم له وتوفيقه إيّاه لكتابة هذه الكثرة في التفسير. وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على مدى اهتمامه بالكتاب الكريم ، وعمله الجادّ ، ومثابرته العظيمة في هذا المضمار.

هذا ما وصل إلينا من مؤلّفات المترجم له قدس‌سره وذكره أصحاب المعاجم.

أضف إلى ذلك أنّه رحمه‌الله استنسخ كتاب الاستبصار للشيخ الطوسي قدس‌سره تامّا مع مشيخته ، وفرغ من كتابته في ثامن شعبان سنة ٩٧٣ ، كما في طبقات أعلام الشيعة (٢).

__________________

(١) الذريعة ٢٣ : ١٩٣ رقم (٨٦٠٥)

(٢) طبقات أعلام الشيعة ـ أعلام القرن العاشر ـ : ١٧٧.

١٨

وفاته ومدفنه :

توفّي رحمه‌الله في عام ٩٨٨ ه‍ ، كما ذكرت ذلك غالبيّة المصادر الّتي ترجمت له ، عدا الكنتوري في كشف الحجب والأستار (١) ، وكذا في مشيخة السيّد حسين بن حيدر بن قمر الكركي فقد ذكر فيها أنّه توفّي سنة ٩٩٧ ه‍.

ودفن خارج بلد كاشان ـ كما في لباب الألقاب ـ.

ورثاه بعضهم بقطعة مليحة في تاريخ وفاته بالفارسيّة ، وهي :

مفتي دين متين كاشف قرآن مبين

واقف سرّ قدر عالم أسرار قضا

هادي وادي تفسير كه در حلّ كلام

خاطرش بود ز اسرار يقين پرده گشا

ملكي ذات وفلك مرتبة فتح الإسلام

كه بد از قوّت أو رأيت إسلام بپا

قدوه أهل فقاهت كه بمصباح دروس

همه را بود بارشاد بحقّ راهنما

كرد پرواز بشهباز سبك جنبش عزم

دل وسعت طلبش تا كه از اين تنگ فضا

فقها را چه ملاذى بجز آن قدوه نبود

بهر تاريخ نوشتند ملاذ الفقها

و «ملاذ الفقهاء» يطابق ٩٨٨ بحساب الحروف الأبجديّة ، وهو تاريخ وفاته رضى الله عنه فرحمه‌الله تعالي برحمته الواسعة ، وتغمّده بمغفرته ، وأفاض على تربته المقدّسة شآبيب الرحمة والرضوان ، وأنار مرقده بأنوار القرآن.

التعريف بالكتاب :

تفسير ثمين ، ألّفه رحمه‌الله بعد تفسيريه الفارسيّين ؛ منهج الصادقين ، وخلاصة المنهج.

وقد وفّقه الله سبحانه وتعالى أن يفسّر كلّ القرآن من أوّله إلى آخره ، وفرغ

__________________

(١) ص ٢٠٨ رقم ١٠٦٦. حين ذكره خلاصة المنهج للمؤلّف رحمه‌الله ، والجدير بالذكر أنّه لم يذكر زبدة التفاسير.

١٩

منه سنة ٩٧٧ ه‍. وهو تفسير ـ في أغلب الموارد ـ بالمأثور ، ينهج فيه نهج الشيخ الطوسي والطبرسي قدس‌سرهما في تفسيريهما ؛ التبيان ، ومجمع البيان ، فيذكر شأن نزول الآيات ، ويردفه بروايات الخاصّة والعامّة الواردة في تفسير الآية ، وقد ذكر رحمه‌الله في مقدّمته أنّه اعتمد على التفاسير الأربعة التالية :

١ ـ التبيان للشيخ الطوسي.

٢ ـ مجمع البيان للطبرسي.

٣ ـ أنوار التنزيل للبيضاوي.

٤ ـ الكشّاف للزمخشري.

وذكره الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ١٢ : ٢٣ رقم ١٣٥.

النسخة المعتمدة في التحقيق :

اعتمدنا في عملنا على النسخ المخطوطة المحفوظة في خزانة مكتبة آية الله المرعشي النجفي رحمه‌الله في قم ، والمودعة تحت الأرقام : ٢٤٢ ، ٢٨٩ ، ١٦٥٢ ، ٢١٧٥ ، والّتي بمجموعها تمّ هذا التفسير الثمين.

تمّت كتابة النصف الأوّل منه في ثاني شهر صفر سنة ١٠٧٠ ه‍ على نسخة المؤلّف ، وفرغ محمد بن نظام الدين المدعوّ ب «أمين» في العشر الأوّل من شعبان سنة ١٠٧٣ ه‍ من كتابة سورة مريم إلى آخر التفسير على نسخة المؤلّف أيضا.

أمّا المجلّد الثاني فقد كتبه حسن بن ميرزا بيك الرونجي وفرغ منه يوم الاثنين ١٤ محرّم سنة ١٠٧٢ ه‍ ، وكتب عبد الوهّاب بن تاج الدين حسن بن شمس الدين النصف الثاني من الكتاب وفرغ منه يوم الثلاثاء ١٩ ذي الحجّة سنة ١١٧١ ه‍.

وكان مجموع صفحات الكتاب ١٥٢٠ صفحة ، احتوت كلّ صفحة على ٢٦ سطرا بقياس ٥ ١٠ سم.

٢٠