الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

قيل : انه وهب داود عليه‌السلام حيث عرضت عليه ذريته أربعين سنة من عمره فلما استوفىٰ أيّامه وحانت منيّته وانقضت مدة أجله وحمَّ حمامه جاءه ملك الموت يقبض نفسه التي هي وديعة عنده فلم تطب بذلك نفسه وجزع وقال : أن الله عرفني مدة عمري وقد بقيت منه أربعون سنة ، فقال : إنك وهبتها ابنك داود فأنكر أن يكون ذلك ، قال النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فجد فجهدت ذرَّيتَّه.

ونوح عليه‌السلام كان أطول الأنبياء عمراً ، أخبر الله تعالى عنه أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلما دنا أجله قيل له : كيف رأيت الدنيا ؟ فقال : كدار ذات بابين دخلت في باب وخرجت من باب. وهذا يدل بمفهومه علىٰ انه لم يرد الموت ولم يؤثر مفارقته.

وابراهيم عليه‌السلام : روي أنه سأل الله تعالىٰ أن لا يميتهُ حتىٰ يسأله عليه‌السلام فلما استكمل ايامه التي قُدِّرت له خرج فرأى ملكاً على صورة شيخ فانٍ كبير قد أعجزه الضعف وظهر عليه الخراف « أي فساد العقل من الكبر » ولعابه يجري على لحيته وطعامه وشرابه يخرجان من سبيله عن غير اختياره ، فقال له : يا شيخ كم عمرك ؟ فأخبره بعمر يزيد علىٰ عمر ابراهيم بسنة ، فاسترجع وقال : أنا أصير بعد سنة الىٰ هذه الحال فسأل الموت. فهؤلاء الأنبياء ممن عرفت شرفهم وعَلاء شأنهم وارتفاع مكانهم ومحلهم في الآخرة وقد عرفوا ذلك وابت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة. وفاطمة عليها‌السلام امرأة حديثة عهد بصبىٰ ذات أولاد صغار وبعل كريم لم تقض من الدنيا إرباً « أي حاجة » وهي في غضارة عمرها وعنفوان شبابها يعرّفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلوا موت أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتضحك طيّبة نفسها بفراق الدنيا وفراق بنيها وبعلها ، فرحة بالموت مايلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه وهذا أمر عظيم لا تحيطه الالسن بصفته ولا تهتدي القلوب الىٰ معرفته وماذاك إلا لأمر علّمه الله من أهل البيت الكريم وسراً وجب لهم به مزيّة التقديم فخصهم بباهر معجزاته وأظهر عليهم آثار علائمه وسماته وايدهم ببراهينه الصادقة ودلالاته ، والله أعلم حيث يجعل رسالته (١).

__________________

(١) كشف الغمة : ١ / ٣٥٥.

٨١

جوهرةُ القدس من الكنز الخفي

بدت فأبدَتْ عاليات الأحرف

وقد تجلىٰ في سماء العَظَمة

من عالم الاسماء أسمىٰ كلمة

بل هي أمُ الكلمات المحكمة

في غيب ذاتها نكاتٌ مبهمة

أمُّ الأئمة العقول الغُرِّ بل

أُمُّ أبيها وهو علةُ العللْ (١)

أليس ذلك من الفضائل العالية حيث كانت الزهراء عليها‌السلام حجة علىٰ الأنبياء باعتبار صبرها وفضلها. أما كونها عليها‌السلام حجة على الأئمة كما هي حجة علىٰ الأنبياء فهذا ما يتبين لنا من خلال عدة أحاديث مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، منها ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن الله تبارك وتعالىٰ انه قال : « يا أحمد ، لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما (٢) ».

أمّا الدليل الثاني : فنقول انه ورد في الحديث الشريف المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ما نصه « انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الاولىٰ » (٣).

يعني ما تكاملت نبوة نبي ـ والنبوة خلاصة التوحيد ـ إلا لمن أقر بفضلها ومحبتها والإقرار هو الشهادة على النفس والاعتراف منها للغير واقرار العقلاء على انفسهم جائز ، فهذه شهادة من الأنبياء لها بالفضل والمحبة والفضل يعني انها كانت لها زيادة في الفضائل على الأنبياء بل هي صاحبة الفضل عليهم بانه لم تكتمل نبوة نبي إلا بها عليها‌السلام.

وفي ذيل هذا الحديث اعلاه يقول المحقق البارع أبو الحسن النجفي ما نصه : ان المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من ادم فمن دونه حتى نفس خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين ، يعني ما بعث الله عز وجل أحداً من الأنبياء والأوصياء حتى أقروا بفضل الصديقة الكبرىٰ ومحبتها. ويؤيده ما ذكره السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان في مدينة المعاجز عنه عليه‌السلام ما تكاملت النبوة لنبي حتىٰ أقر بفضلها

__________________

(١) الانوار القدسية : للمرحوم الشيخ محمد حسين الاصفهاني.

(٢) الجنة العاصمة : ١٤٨ ، مستدرك سفينة البحار : ٣ / ٣٣٤ ، عن مجمع النورين : ١٤.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٠٥.

٨٢

ومحبتها (١).

وأيضاً ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت لم سميت فاطمة الزهراء « زهراء » ؟ فقال : لأنّ الله عز وجل خلقها من عظمته ... الىٰ ان يقول الله تعالىٰ للملائكة في ماهية نور فاطمة ما نصه .. فأوحىٰ الله إليهم : هذا نور من نوري اسكنته في سمائي ، خلقته من عظمتي ، أُخرجه من صلب نبي من انبيائي أفضله علىٰ جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون الىٰ حقي واجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحي (٢). وعن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : لولا ان أمير المؤمنين عليه‌السلام تزوجها لما كان لها كفوء الىٰ يوم القيامة علىٰ وجه الأرض آدم فمن دونه (٣). ولقد علق علىٰ هذا الحديث الشريف صاحب كتاب البحار العلامة المجلسي رحمه‌الله حيث قال : يمكن ان يستدل به ـ أي بالحديث أعلاه علىٰ كون علي وفاطمة عليهما‌السلام أشرف من سائر أولي العزم سوى نبينا صلى الله عليهم أجمعين. لا يقال : لا يدل علىٰ فضلهما علىٰ نوح وابراهيم عليهما‌السلام لاحتمال كون عدم كونهما كفوءين لكونها من أجدادها عليها‌السلام. لأنا نقول : ذكر آدم عليه‌السلام يدل علىٰ أن المراد عدم كونهم أكفاءها مع قطع النظر عن الموانع الاخر علىٰ انه يمكن أن يتشبث بعدم القول بالفصل (٤). وأيضاً هناك حديث يدل علىٰ أفضلية فاطمة الزهراء علىٰ الأنبياء وعلىٰ جميع البشر حيث ذكر المحدث الكبير العلامة الخبير الطبرسي رضي‌الله‌عنه : عن أبي جعفر عليه‌السلام : ولقد كانت عليها‌السلام مفروضة الطاعة علىٰ جميع من خلق الله من الجن والانس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة (٥). ونقف مع وجه آخر قد يمكن أن نثبت من خلاله حجية فاطمة عليها‌السلام علىٰ الأئمة ، وهو ما نستفيده من خلال الحديث المذكور في كون علي عليه‌السلام كفواً لفاطمة الزهراء عليها‌السلام ، حيث ورد في الحديث المذكور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لولا علي لم يكن لفاطمة

__________________

(١) ملتقىٰ البحرين : ٤٠.

(٢) البحار : ٤٣ / ١٩.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٠ و ١١.

(٤) البحار : ٤٣ / ١٠ ـ ١١.

(٥) دلائل الإمامة : ٢٨.

٨٣

كفو » (١).

وأيضاً ورد عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لولا يخلق عليّاً لما كان لفاطمة كفو (٢). وهذا يعني أن أكثر المقامات التي كانت للامام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام هي ثابتة للصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، فهما في منزلة واحدة من الإيمان والتقوى ، وإلاّ لما كان كل منهما كفواً للاخر ؟ وعليه تكون فاطمة حجة علىٰ الأئمة عليهم‌السلام كما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام الحجة علىٰ الأئمة عليهم‌السلام ، فلقد ورد في عدة أحاديث ان علي عليه‌السلام سيد الأوصياء وخيرهم وأفضلهم لذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « منا خير الأنبياء وهو أبوك ـ والكلام مع فاطمة عليها‌السلام ـ ومنا خير الأوصياء وهو بعلك (٣) ». وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين أنه قال : « والله لأتكلمن بكلام لا يتكلم به غيري إلا كذاب : ورثت نبي الرحمة ، وزوجتي خير نساء الأمة ، وأنا خير الوصيين » (٤). والذي نريد القول به من هذا الكلام أن الإمام علي عليه‌السلام كان خير الأوصياء وافضلهم فلقد ورد في شرح نهج البلاغة في أن أمير المؤمنين كان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة. قال ابن أبي الحديد : وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده ان يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه ، وتمر علىٰ صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك فلا يقوم حتىٰ يفرغ من وظيفته ، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة بعير لطول سجوده ، وإذا تأملت دعواته ومناجاته وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما يتضمنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزته والاستخذاء له ، عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص ، وفهمت من أي قلب خرجت وعلىٰ أي لسان جرت ، وقيل لعلي بن الحسين عليهما‌السلام وكان الغاية في العبادة : أين عبادتك من عبادة جدك ؟ قال : عبادتي من عبادة جدي كعبادة جدي من عبادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥). فيظهر من هذا الحديث وأحاديث أخرى أن الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان متميز عن باقي

__________________

(١) مصباح الانوار : ١٣٣ ، كشف الغمة ١ / ٤٧٢ ، فردوس الأخبار : ٣ / ٤١٨ ح ٥١٧.

(٢) ينابيع المودة : ١٧٧ ، ١٨١.

(٣) ينابيع المودة : ٤٣٦ ، منتخب الاثر : ١٩٢.

(٤) البحار : ٤٣ / ١٤٣.

(٥) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٠.

٨٤

الأئمة عليهم‌السلام من ناحية مدىٰ تصديه لشؤون الإمامة والولاية وتحمل المشاق للدفاع عن حريم الرسالة المحمدية ، وإلاّ فالأئمة عليهم‌السلام جميعاً من ناحية الانوار متحدين فهم كلهم نور واحد ولكن الاختلاف كان من جهة تصديهم لشؤون الخلافة والمشاق التي تحملوها ، وعليه تكون الصديقة الزهراء عليها‌السلام كفو للامام أمير المؤمنين فهي أم الأوصياء وروح النبوة وبضعة الرسول ، وزوجة خير الأوصياء. وعلى ضوء هذه الاحاديث وعلى أساس أحاديث أخرىٰ اغمضنا النظر عليها لئلا يطول المقام بنا ، كانت فاطمة الزهراء وبدليل الاولوية وفحوىٰ الخطاب الحجة علىٰ الأنبياء والأئمة ، ونقول ليس فقط ما تكاملت نبوة نبي فحسب بل ما تكاملت الإمامة في امامتها ولا تكامل العلماء في علمهم وإلاّ الادباء في أدبهم والحكماء في حكمهم والاتقياء في تقواهم وكل كامل في كمال حتىٰ يقر بفضلها ويؤمن بمحبتها فهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الاولىٰ والاخرىٰ (١). فاذاً كانت فاطمة حجة وما تزال حجة علىٰ الأئمة عليهم‌السلام.

وحبها من الصفات العالية

عليه دارت القرون الخالية

بابي فاطم وقد فطمت

باسمها نار حشرها ولظاها

هي والله كوثر قد اعدت

لبنيها وكل من والاها

هي عند الله اعظم خلق

وبها دار في القرون رحاها

وهكذا كانت فاطمة الزهراء عليها‌السلام بهذه الوجوه وادلة اخرىٰ الحجة على الأنبياء والأوصياء وبهذا المعنىٰ الذي وضحناه تبين لنا عِظم مقام فاطمة عليها‌السلام وعلو قدرها عند الباري عز وجل ونكتفي بهذا البيان حول الوقوف علىٰ قول الإمام الحسن العسكري « فاطمة حجة علينا ».

__________________

(١) فاطمة الزهراء ليلة القدر « للسيّد عادل العلوي ».

٨٥

٨٦

٨٧
٨٨

الشيخ حبيب شعبان*

أيا منزلَ الاحباب ما لكَ موحشاً

بزهرتكَ الأرياحُ أودت بما تسفي

تَعفيتَ يا ربعَ الاحبةِ بعدهم

فذكرتني قبرَ البتولةِ إذ عفَي

رمتها سهامُ الدهرِ وهيَ صوائبٌ

بشجوٍ إلى أن جُرّعت غصصَ الحتفِ

شجاها فراقُ المصطفى واحتقارُها

لدى كلِّ رجسٍ من صحابتهِ جِلفِ

لقد بالغوا في هضمِها وتحالفوا

عليها وخانوا الله في محكمِ الصحفِ

فآبت وزندُ الغيظِ يقدحُ في الحشا

تعثرُ بالأذيالِ مثنية العطف

وجائت إلى الكرارِ تشكو اهتضامَها

ومدت اليهِ الطرفَ خاشعةَ الطرف

أبا حسنٍ يا راسخ العلمِ والحجى (١)

إذا فرت الابطالُ رعباً من الزحف

ويا واحداً أفنى الجموعَ ولم يزل

بصيحته يسومونني ما لا اطيق من الخسف

ويلطم وجهي نَصبَ عينيكَ ناصبُ

العداوةِ لي بالضرب مني يستشفي

فتُغضي ولا تُنضي حسامَكَ آخذاً

بحقي ومنهُ اليومَ قد صفرت كفّي

لمن اشتكي إلاّ اليكَ ومَن بهِ

الوذُ وهل لي بعدَ بيتِكَ من كهف

وقد أضرموا النيرانَ فيه وأسقطوا

جنيني فوا ويلاهُ منهم ويا لهفي

وما برحت مهضومةً ذاتَ علةٍ

تأرقُها البلوى وظالمها مُغفي

إلى أن قضت مكسورةَ الضلعِ مسقِطاً

جنينٌ لها بالضربِ مسودّة الكتف

__________________

(*) الشيخ حبيب شعبان من شعراء أهل البيت يمتاز شعره بالمتانة والسلاسة. ولد في النجف سنة ١٢٩٠ ه‍ تقريباً.

أما وفاته فقد سافر إلى الهند في سنة ١٣٢٥ وانقطعت اخباره إلى سنة ١٣٣٦ ه‍ وردت اخبار وفاته هناك. ترجمه السيد جواد شبر في ادب الطف وعلي الخاقاني في شعراء الغري.

(١) الحجى : العقل والفطنة.

٨٩
٩٠

البحث الرابع

أصل يوم العذاب

في ظلامات فاطمة الزهراء عليها‌السلام

* لماذا هذا البحث ( أصل يوم العذاب ... ).

قال المفضل للإمام الصادق عليه‌السلام : يا مولاي ما في الدموع ثواب ؟ قال : ما لا يحصى إذا كان من محقّ. فبكى المفضل ( بكاءاً ) طويلاً ويقول : يا ابن رسول الله إنَّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم ، فقال له الصادق عليه‌السلام : ولا كيوم محنتنا بكربلاء وإن كان يوم السقيفة واحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمرّ ، لأنّه أصل يوم العذاب (١).

من منطلق هذه الرواية التي رواها المفضل عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، واستناداً إلى كلام الإمام المعصوم الذي هو معصوم الكلام ، والذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ، حيث يعتبر كلام الإمام المعصوم من الادلة الشرعية الاربعة : القرآن الكريم والسنة والعقل والاجماع فهو داخل ضمن السنة النبوية الشريفة ، باعتباره يمثل الامتداد الحية لها كان عنوان هذا البحث مستمداً من هذه الرواية والتي تروي قصة مظلومية فاطمة الزهراء سلام الله عليها والذي بَيَّن فيه الإمام الصادق عليه‌السلام عِظم ومرارة مصيبة أهل البيت عليهم‌السلام عند هجوم القوم على دار أمير المؤمنين سلام الله عليه بأعظم تعبير يجعل المؤمن الباحث عن الحقيقة والعقيدة والصحيحة يقف عنده كثيراً

__________________

(١) نوائب الدهور : ٣ / ١٩٤ ، الهداية الكبرى : ٤١٧.

٩١

ويدقق فيه طويلاً ليرى لماذا عبَّر عنه الإمام عليه‌السلام بهذا القول العظيم بأنه أصل يوم العذاب ، لا شك ولا ريب ان كلام الإمام الصادق عليه‌السلام لا يأتي اعتباطا وعبثاً دون أن تكون هناك مقدمات أولية يقينية عنده بحيث تؤدي بالأمر إلى أن تصل فيه النتيجة النهائية وعلى ضوء هذه المقامات المهمة أن تكون المظلومية العظمى لأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبالخصوص اُم أبيها فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي الاساس والأصل ليوم الحسرة أو كما عبر عنه الإمام عليه‌السلام بيوم العذاب.

لذا جاء هذا البحث أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها باعتبارها قطب الرحى الذي تدور حوله محورية أهل البيت عليهم‌السلام والذي اعتمدنا في تسميته هذه على رواية المفضل عن لسان الإمام الصادق عليه‌السلام لكي لا نخرج حتى في تسميتنا لأي شيء عن تسميات وتعبيرات أهل البيت عليهم‌السلام.

وسيكون بحثنا في هذا الموضوع عن مقدمات مهمة ، وخصوصيات قيمة مرتبطةٌ بصميم البحث وتكون هي المحور والاساس للنتيجة النهائية للبحث ، وخصوصاً ما يتعلق بمقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما لها من الأثر الكبير على عظم ومرارة مظلوميتها سلام الله عليها فانه كلما كان المقام سامي وعظيم للانسان المؤمن فانه بالنتيجة والقطع اليقيني سوف تكون ظلامته ومظلوميته عظيمة وكبيرة وعلى قدر ايمانه ومقامه الرفيع.

وكذلك سوف يكون هناك بحث مهم وعلى ضوء القرآن والسنة لبيان هذه المقامات وكذلك اظهار مظلومية أهل البيت وبالأخص الزهراء سلام الله عليها على ضوء السنة الشريفة وآراء ومعتقدات العلماء الأبرار إلى أن نصل إلى مسألة ارتباط هذه المظلوميات بصميم عقائدنا وبالنتيجة كيفية تعبير الإمام الصادق عليه‌السلام بأن مظلومية أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك الوقت وحتى وقتنا هذا هي الأصل ليوم العذاب.

ما معنى أصل يوم العذاب ؟

وأصل الشيء الاساس الذي بُنيَ عليه ذلك الشيء وقد يكون أصل الشيء المنطلق له أو أسفله وحسب التعريفات اللغوية التي وردت في تعريفه ، ومن هنا نقف مع رواية

٩٢

المفضل التي رواها عن الإمام الصادق عليه‌السلام لكي نفهم كيف يجري الحال مع هذه الرواية ، فالسؤال المطروح فيما نحن فيه يقتضي أن نفهم أن أصل يوم العذاب هل يقصد به الاساس الذي بني عليه ظلم أهل البيت عليهم‌السلام من ذلك الحين أو أنه يقتضي ـ الاصل ـ معناه يوم القيامة الذي سوف يكون فيه الاساس لعذاب الذين ظلموا أهل البيت عليهم‌السلام فيكون الجزاء جهنم خالدين فيها أبداً ؟ أما الشق الأوّل الذي يقصد به ويقول ان أصل يوم العذاب هو ذلك اليوم الذي سُلبت فيه الخلافة من أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ يوم السقيفة ـ وإضرام النار على باب بيت أمير المؤمنين وفاطمة عليهما‌السلام ... وقتل محسن بالرفسة ، حيث أسس الظلم والعذاب على أهل البيت عليهم‌السلام ولم يروّ الراحة والاطمئنان من يوم ظلم فاطمة إلى واقعة كربلاء وقتل أهل البيت وتشريدهم إلى ظهور الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) فان العذاب موجوع والاذى مبثوث لكل من ولاهم واتبعهم من شيعتهم وعلى هذا الاساس يكون أصل يوم العذاب هو اليوم الذي أسس الظلم على أهل البيت عليهم‌السلام في هذه الحياة الدنيا ، وهذا القول الذي يقول ان يوم العذاب هو يوم الظلم الذي جرى على أهل بيت النبوة بعيد عن المتفاهم العرفي ولا يساعد عليه الحال لأنّ هناك فرق بين أن تقول يوم الظلم ويوم العذاب لانه الظلم وارد في الحياة الدنيا أما العذاب فيكون له يوم خاص وكما عبر عنه القرآن يوم التغابن ويوم القيامة ... فلذا الظاهر من خلال الرواية ان يوم العذاب ليس هو يوم الظلم الذي جرى على أهل بيت النبوة عليهم‌السلام لأنّ العذاب لا يطلق على هكذا حالٍ وانما يطلق على يوم القيامة الذي سوف يكون فيه العذاب للظالمين أما ما الذي يصح ان يعبر منه فهذا ما يمكن ان نقول به هو يوم المصائب ويوم المحن الابتلاءات والظلامات اذن يكون هذا القول منتفي في كون يوم العذاب هو اليوم الذي أسس فيه الظلم لأهل بيت النبوة.

وعلى الشق الثاني من معنى الأصل ليوم العذاب يكون معناه ان يوم القيامة سوف يكون فيه العذاب والخزي للذين أخذوا الخلافة من أصحابها الحقيقيين وظلموا الزهراء عليها‌السلام وأضرموا النار على بيت أمير المؤمنين وقتلوا المحسن بن علي عليه‌السلام بالرفسة ، فتكون هذه الظلامات هي الاساس والاصل ليوم العذاب في نار جهنم

٩٣

للذين فعلوا ذلك الظلم العظيم وكما عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى ( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

وعليه الذي على ما احتمله ان الصحيح عندي هو المعنى الوارد في تفسير الاصل ليوم العذاب يعني ان أساس يوم العذاب في القيامة سوف يكون بسبب هذا الظلامات من ظلامة يوم السقيفة واحراق النار وقتل محسن بالرفسة وغير ذلك من الظلامات ذلك لأن هناك عدة أدلة وشواهد تثبت هذه المسئلة وايضاً نفهم هذا من خلال عدة روايات شريفة وشواهد تاريخية بينت هذه المسألة ، وهناك قرينة في المقام تثبت هذا المعنى وهي الرواية نفسها حيث نستفيد منها ان المفضل يسأل الإمام عليه عليه‌السلام ويقول ان يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم ... حيث عبر عن يوم القيامة بيوم القصاص الذي سوف تكون فيه جهنم عذاباً للظالمين ، واضافة إلى ذلك قال المفضل ان يوم محنتكم وهذا يدل على ان هناك فرق بين ان نقول يوم العذاب ويوم المحنة ... وايضاً هناك قرينة متصلة في الرواية الشريفة نفسها حيث توجد تكملة لهذه الرواية التي يرويها المفضل حيث تقول : « ويأتي محسن مخضباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وهما جدتاه ... وفاطمة تبكي وتصيح وتقول : هذا يومكم الذي كنتم توعدون ... فيأخذ رسول الله محسناً على يديه رافعاً له إلى السماء وهو يقول : إلهي وسيدي صبرنا في الدنيا احتساباً وهذا اليوم الذي تجد كل نفس ما عملت من خيراً محضراً وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ».

فعلى أساس هاتين القرينتين نحتمل احتمالاً قوياً ان أصل يوم العذاب المقصود به هو يوم القيامة الذي سوف يكون فيه نار جهنم للظالمين أشد عذاباً وأكبر تنكيلاً.

وربما يرد علينا في ما نحن فيه اشكال وهو اذا كانت ظلامات أهل البيت عليهم‌السلام من السقيفة واحراق بيت فاطمة وقتل محسن ... الخ هو الاساس وأصل يوم العذاب في القيامة فماذا تقول في الذين كانوا قبل هذه الظلامات وقبل زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أي الامم الاخرى ـ فانهم ما كانوا يعلمون ذلك فكيف توجه هذه المسألة ؟

نقول : انه لا ضيرَ في ذلك ولا يقدح فيما نحن فيه ذلك لكون عندنا رواية تقول انها ـ

٩٤

أي الصديقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام ـ كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة (١) ، فاذا كان هكذا حالها فبالنتيجة تكون الحجة على جميع من خلق الله تعالى وخصوصاً انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ـ أي المتقدمة على هذا الزمان ـ وعليه لو كان الأنبياء والمؤمنين قبل بعثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاضرين في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكانوا قسمين إما راضين بما فعل القوم من الظلم بحق فاطمة وبعلها وبنيها وإما لم يكونوا راضين. فان كانوا راضين كانت لهم جهنم مقراً ومقاما وان لم يكونوا راضين بظلمها كانت لهم الجنة دار سرور ونعيم وعلى هذا الاساس يتضح كيف يكون ظلم أهل البيت وخصوصا الصديقة الشهيدة فاطمة عليها‌السلام الاساس ليوم العذاب هذا من جهة. ومن جهة أخرى نحن نعلم ان هناك أحاديث وردت على لسان أهل بيت العصمة مفادها ان الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها فمن كانت فاطمة راضية عنه رضا عنه الله تبارك وتعالى ولا شك ولا ريب أن رضا الله يرضاه الأنبياء والمؤمنين السابقين على زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكونوا عندئذ راضين عمن رضيت عنه فاطمة وغاضبين على من غضبت عليه لانها مظهر رضا الله تعالى وغضبه وعليه يكون الاصل ثابت.

اذن ونحن نقف مع هذا البحث ومدى ثبوتيته لابد لنا من أن نقدم بعض الأمور التي يتوقف عليها عِظَم هذه المسئلة التي نحن بصددها ، وهذه الامور هي :

الأمر الأول : مقامات الزهراء عليها‌السلام.

الأمر الثاني : ظلامات الزهراء عليها‌السلام.

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٢٨.

٩٥

الأمر الأول

مقامات الزهراء عليها‌السلام وفيه :

أ ـ مقامها عند الله تعالى

ب ـ مقامها عند الملائكة

ج ـ مقامها عند الأنبياء والنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

د ـ مقامها عند الأئمة عليهم‌السلام

ه‍ ـ مقامها عند العلماء والمحدثين

ت ـ مقامها يوم القيامة.

٩٦

١ ـ مقامها عليها‌السلام عند الله تعالى

إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء عليها‌السلام هو مقام الرضا أي ان الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته عليهم‌السلام لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة.

وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالى ، إذ لا معنى ان يرضى الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلةً وكرامةً عليه ، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلى الشواهد القرآنية الكثيرة على هذه المسألة ، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية ان الكثير من الاصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما ، وكذلك الحال في الغضب ، وعلى هذا الاساس تكون فاطمة كريمة عند الله تعالى لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك » (١).

وكذلك ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين » (٢).

ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز وجل :

« يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار » (٣).

فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالى بحيث يقسم الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها ، وهذا الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر

__________________

(١) المناقب : ٣ / ١٠٦.

(٢) كنز الفوائد : ١ / ١٥٠.

(٣) سفينة البحار : ٢ / ٣٧٥.

٩٧

ورد في شفاعة الزهراء عليها‌السلام في يوم القيامة واعطاء الكرامة العظمى لها آنذاك.

ومن المقامات الأخرى لها عليها‌السلام هو علة الايجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل : « يا أحمد ! لولاك لم خلقت الأفلاك ، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما »(١).

ولا نريد الوقوف مع هذا الحديث الآن بل نترك بحثه إلى الفصول القادمة من هذا الكتاب ، وكثيرة هي المناقب والمقامات التي لها عند الله تعالى.

ب ـ مقامها عليها‌السلام عند الملائكة

في حديث طويل ... « ... فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر ، الذي قد أشرقت به السموات والأرض ؟ فأوحى الله إليها : هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي ، وزوجة وليّي وأخو نبيّي وأبو حججي على عبادي ، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة »(٢).

وهذا يعني انها عليها‌السلام لها مقام النور الزاهر عند الملائكة فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل ذلك سميت بالزهراء.

ج‍ ـ مقامها عليها‌السلام عند الأنبياء والنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام الذي يقول : ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ، حيث يظهر من هذا الحديث ان لها مقام سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتى أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها

__________________

(١) ملتقى البحرين : ١٤ ، فاطمة بهجة قلب المصطفى : ٩ ، عن كشف اللآلي.

(٢) تأويل الآيات : ١ / ١٣٧ / ح ١٦ ، البرهان : ١ / ٣٩٢ ح ٥.

٩٨

ومحبتها ، واللطيف هنا انما الأقرار يكون عند من له الحق على الآخرين ، وعليه يكون الأنبياء أقروا لله تعالى ـ لأنه هو صاحب الحق عليهم ـ بفضلها ومحبتها ، أما عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن مقامها عند الرسول لاحتجنا إلى مجلدات في هذا الأمر ولكن على ما يسعنا المقام نقول : ان مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخرى يقول لها اُم أبيها ، وأخرى بضعة مني ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها عليها‌السلام يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال في حقها : « من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » (١).

وأيضاً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومن أنصفك فقد أنصفني ، ومن ظلمك فقد ظلمني ، لأنك منّي وأنا منك ، وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبيّ ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إلى الله أشكو ظالميك من امتي » (٢).

د ـ مقامهاعليها‌السلام عند الأئمةعليهم‌السلام

ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام أنه قال :

« نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » (٣) وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة عليها‌السلام وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري عليه‌السلام أكبر شهادة عظمى بحقها ، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف.

ويظهر من خلال حديث اخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم‌السلام حيث

__________________

(١) كشف الغمة : ١ / ٤٦٧ ، الفصول المهمة : ١٢٨ ، نور الأبصار : ٥٢ ، ونزهة المجالس : ٢ / ٢٢٨.

(٢) كشف الغمة : ١ / ٤٩٨.

(٣) تفسير أطيب البيان : ٣ / ٢٢٦.

٩٩

خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أنه قال : « وفي ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي أسوة حسنة ... » (١) فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أن له اسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب.

وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت الزهراء عليها‌السلام مع الأئمة فيها من حيث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه‌السلام لتوبته واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل على أنها كانت قطب الرحى الذي دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية التطهير ... الخ من المناقب والمقامات العالية لها عليها‌السلام ولقد تظافرت الروايات الشريفة على هذه المقامات.

ه‍ ـ مقامها عليها‌السلام عند العلماء والمحدثين

١ ـ قال ابن صبّاغ المالكي : ولنذكر طرفاً من مناقبها التي تشرف هذا النّسب من نسبها ، واكتسى فخراً ظاهراً من حسبها ، وهي فاطمة الزهراء بنت مَنْ أنزل عليه : سبحان الذي أسرى ، ثالثة الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، الطاهرة الميلاد ، السيّدة بإجماع أهل السَّداد (٢).

٢ ـ قال الاُستاذ عبد الزهراء : ونحن حين نتناول الحديث عن الزهراء عليها‌السلام بصفتها غرس النبوَّة ، وشجرة الإمامة ، فإنّما تنكشفُ لنا أبعادُ الرِّسالة الإسلامية بطابع تجسيدي نلمسه في كل جانب من جوانب شخصيَّتها عليها‌السلام ونحن نتابعها ، ففي قرانها بعليِّ بن أبي طالب عليه‌السلام تنجلي لنا الصورة الحيَّة التي رسمها الإسلام للقرآن الذي ارتضاه خالق هذا الوجود ، وفي مواقفها البطولية بعد وفاة أبيها يتكشَّف لنا المدى

__________________

(١) البحار : ٥٣ / ١٧٩ و ١٨٠ ، غيبة الطوسي : ١٧٢ ، الاحتجاج : ٢ / ٢٧٧ ، الزام المناصب : ١ / ٤٣٩.

(٢) الفصول المهمة : ١٤٣.

١٠٠