الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه فهو صدقة ؛

قيل لهم : ليس ذلك بدليل على البرائة من الظلم والسلامة من الجور ، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصف ، وجدة الوامق ، ومقة المحق ؛ وكيف جعلتم ترك النكير حجّة قاطعة ودلالة واضحة ؟ وقد زعمتم أنّ عمر قال على منبره : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعة النساء ومتعة الحجّ ، أنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما ، فما وجدتم أحداً أنكر قوله ، ولا استشنع مخرج نهيه ، ولا خطأه في معناه ، ولا تعجب منه ولا استفهمه ، وكيف تقضون بترك النكير ، وقد شهد عمر يوم السقيفة ، وبعد ذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

الأئمة من قريش ثم قال في مكانه : لو كان سالم حيّاً ما يخالجني فيه شك حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى وسالم عبد لأمراة من الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه ، ثم لم ينكر ذلك من قريش قوله منكر ولا قابل إنسان بين قوليه ولا تعجب منه ؛ وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلاً على صدق قوله وثواب عمله ، فأما ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي والقتل والإستحياء والحبس والإطلاق فليس بحجة تشفي ولا دليل يغني ؛

قال : وقال آخرون : بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ النصوص ، ولو كانوا يقولون ويصفون ما كان سبيل الاُمة فيهما إلاّ كسبيلهم فيه وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوى عدة. قلنا : إنهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص ولكنهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة ادّعيا رواية وتحدثا بحديث لم يكن محالاً كونه ولا يمتنع في حجج العقول مجيئه وشهد لهما عليه من علته مثل علتهما فيه ؛ ولعل بعضهم كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في رهطه مأموناً في ظاهره ، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة ، ولا جرّب عليه غدرة ، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن وتعديل الشاهد ؛ ولأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج والذي يقطع بشهادته على

٤٦١

الغيب ، وكان ذلك شبهة على أكثرهم ، فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس واشتبه الأمر ، فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلاّ العالم المتقدم والمؤيد المرشد ؛ ولأنه لم يكن لعثمان في صدور العوام ، وفي قلوب السفلة والطغات ما كان لهما من الهيبة والمحبة ، ولأنهما كانا أقل استيثاراً بالفيء واقل تفكهاً بمال الله منه ، ومن شأن الناس إهمال السلطان ما وفر عليهم أموالهم ولا يستأثر بخراجهم ولم يعطل ثغورهم ؛ ولأن الذي صنع أبو بكر من منع العترة حظها والعمومة ميراثها قد كان موافقاً لجلة قريش ولكبراء العرب ، ولأن عثمان أيضاً كان مضعوفاً في نفسه مستخفاً بقدره لا يمنع ضيماً ولا يقمع عدواً ؛ ولقد وثب ناس على عثمان بالشتم والقذف والتشنيع والنكير لاُمور لو أتى عمر أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترؤا على اغتيابه فضلاً عن مباداته والإغراء به ومواجهته كما أغلظ عيينة بن حصين له :

فقال : أما إنّه لو كان عمر لقمعك ومنعك ؛ فقال عيينة : إنّ عمر كان خيراً إلي منك أرهبني فابقاني ، ثم قال : والعجب أنّا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصومه ، ما هو أقرب استناداً وأوضح رجالاً وأحسن اتّصالاً حتّى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخوا الكتاب وخصوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه وأكذبوا ناقليه وذلك أنّ كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه ويصدق ما وافق وضاه ، هذا آخر كلام الجاحظ ؛ ثم قال السيد رضي‌الله‌عنه : فإن قيل : ليس ما عارض به الجاحظ من الإستدلال بترك النكير ، وقوله كما لم ينكروا على أبي بكر فلم ينكروا أيضاً على فاطمة عليها‌السلام ولا غيرها من المطالبين بالميراث كالازواج وغيرهن معارضته صحيحة ؛ وذلك أن نكير أبي بكر لذلك ودفعه والإحتجاج عليه يكفيهم ويغنيهم عن تكلف نكير ولم ينكر على أبي بكر ما رواه منكر فيستغنوا بإنكاره ؛ قلنا : أوّل ما يبطل هذا السؤال أن أبا بكر لم ينكر عليها ما أقامت عليه بعد إحتجاجها بالخبر من التظلم والتألم والتعنيف والتبكيت وقولها على ما روي : والله لأدعون الله عليك ، ولا كلّمتك أبداً ، وما جرى هذا المجرى فقد كان يجب أن ينكره غيره فمن المنكر الغضب على المنصف وبعد فإن كان إنكار أبي بكر مقنعاً أو مغنياً عن إنكار غيره من المسلمين ،

٤٦٢

فإنكار فاطمة عليها‌السلام حكمه ومقامها على التظلم منه يغني عن نكير غيرها ، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه ، انتهى كلامه « رفع الله مقامه ».

الخامس : قال ابن أبي الحديد : اعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة عليها‌السلام أبا بكر كان في أمرين في الميراث والنحلة ، وقد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث ومنعها أبو بكر إيّاها أيضاً وهو سهم ذي القربى ؛ روى أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أنس ، أن فاطمة عليها‌السلام أتت أبا بكر فقالت : قد علمت الذي حرم علينا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ، ثم قرأت عليه قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) الآية : فقال لها أبو بكر : بأبي أنت وأمّي وولدي وولدك ، السمع والطاعة لكتاب الله ولحقّ رسوله وحقّ قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الّذي تقرأين ، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملاً ، قالت : أم لك هو لك ولاقربائك ؟ قال : لا ، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين.

قالت : ليس هذا بحكم الله تعالى ، فقال : هذا حكم الله فإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إليك في هذا عهداً صدّقتك وسلّمته كلّه إليك وإلى أهلك.

قالت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعهد إليّ في ذلك بشيء إلاّ أنّي سمعته يقول لمّا أنزلت هذه الآية : ابشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى ، قال أبوبكر : لم يبلغ من هذه الآية أن أسلم اليكم هذا السهم كلّه كاملاً ولكن لكم الغنى الّذي يغنيكم ويفضل عنكم ، هذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك وأنظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم ؟ فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر ، فقال لها مثل ما قال لها أبو بكر فتعجبت فاطمة عليها‌السلام من ذلك وتظنّت قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه. ثم قال : قال أحمد بن عبد العزيز :

حدثّنا أبو زيد بإسناده إلى عروة قال : أرادت فاطمة عليها‌السلام أبا بكر على فدك وسهم ذي القربى تأبى عليها وجعلهما في مال الله تعالى.

ثمّ روي عن الحسن بن عليّ عليه‌السلام : أنّ أبا بكر منع فاطمة عليها‌السلام وبني هاشم سهم ذي القربى وجعلها في سبيل الله في السلاح والكراع. ثمّ روي بإسناده عن محمّد بن

٤٦٣

إسحاق قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام قلت : أرأيت علياً عليه‌السلام حين ولّى العراق وما ولّى من أمر الناس ، كيف صنع في سهم ذي القربى ؟ قال : سلك بهم طريق أبي بكر وعمر ، قلت : كيف ولم وأنتم تقولون ، ما تقولون : أما والله ما كان أهله يصدرون إلاّ عن رأيه ، فقلت : فما منعه ، قال : يكره أن يدعى عليه من مخالفة أبي بكر وعمر. انتهى ما أخرجه ابن أبي الحديد بن كتاب أحمد بن عبد العزيز.

وروي في جامع الأصول : من سنن أبي داود ، عن جبير بن مطعم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما قسم لبني هاشم قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير أنه لم يكن يعطي منه قربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يعطيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه. وروى مثله بسند آخر ، عن جبير بن مطعم ؛

ثمّ قال : وفي اُخرى له والنسائي : لمّا كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطلب.

ثمّ قال : وأخرج النسائي أيضاً بنحو من هذه الروايات من طرق متعددة بتغيير بعض ألفاظها وإتفاق المعنى.

وروي أيضاً ، عن أبي داود بإسناده ، عن يزيد بن هرمز : أنّ ابن الزبير أرسل إلى ابن العباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه ؟

فقال له : لقربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قسّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم ، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا ورددناه عليه وأبينا أن نقبله. وروي مثله عن النسائي أيضاً وقال : وفي اُخرى له مثل أبي داود ، وفيه : وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم ويقضي عن غارمهم ويعطي فقيرهم وأبي أن يزيدهم على ذلك. وروى العياشي في تفسيره : رواية ابن عبّاس ورويناه في موضع آخر.

وروى أيضاً : عن أبي جميلة ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهم‌السلام ، قال : قد فرض الله الخمس نصيباً لآل محمد عليهم‌السلام فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم ، حسداً وعداوة ، وقد قال الله : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ؛ والأخبار من طريق أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك أكثر من أن تحصى ؛ وسيأتي

٤٦٤

بعضها في أبواب الخمس والانفال إن شاء الله تعالى ؛

فإذا اطّلعت على ما نقلناه من الأخبار من صحاحهم ، نقول : لا ريب في دلالة الآية ، على اختصاص ذي القربى بسهم خاص ؛ سواء كان هو سدس الخمس كما ذهب إليه أبو العالية ، وأصحابنا ، ورووه عن أئمتنا عليهم‌السلام وهو الظاهر من الآية كما اعترف به البيضاوي وغيره ؛ أو خمس الخمس لإتّحاد سهم الله وسهم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر الله للتعظيم كما زعم ابن عباس ، وقتادة وعطا ؛

أو ربع الخمس ، والأرباع الثلاثة الباقية للثلاثة الاخيرة ، كما زعمه الشافعي ؛

وسواء كان المراد بذي القربى أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته ، وبعده الإمام من أهل البيت كما ذهب إليه أكثر أصحابنا ، أو جميع بني هاشم كما ذهب إليه بعضهم وعلى ما ذهب إليه الاكثر يكون دعوى فاطمة عليها‌السلام نيابة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام تقيّة أو كان المراد بني هاشم وبني المطلب كما زعمه الشافعي ، أو آل عليّ ، وعقيل وآل عبّاس ، وولد الحارث بن عبد المطلب ، كما قال أبو حنيفة. وعلى أي حال فلا ريب أيضاً في أن الظاهر من الآية تساوي الستّة في السهم ، ولم يختلف الفقهاء في أنّ إطلاق الوصيّة والإقرار لجماعة معدودين يقتضي التسوية لتساوي السنة ، ولم يشترط الله عزّ وجلّ في ذي القربى فقراً أو مسكنة بل قرنه بنفسه وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للدلالة على عدم الإشتراط ؛ وأما التقييد إجتهاداً فمع بطلان الإجتهاد الغير المستند إلى حجة فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفع التقييد لدلالة خبر جبير وغيره على أنّه لم يعطيها ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطيهم ، وقد قال أبو بكر في رواية أنس : لكم الغنى الّذي يغنيكم ويفضل عنكم ؛ فما زعمه أبو بكر من عدم دلالة الآية على أنّ السهم مسلم لذي القربى ووجوب صرف الفاضل من السهم عن حاجتهم في مصالح المسلمين مخالف للآية والأخبار المتفق على صحّتها ؛ وقد قال سبحانه في آخر الآية : ( إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا ) ؛ واعترف الفخر الرازي في تفسيره بأن من لم يحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإيمان ، وقال تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ؛ وقال : هم الفاسقون ، وقال هم الظالمون ، فاستحق بما صنع ما يستحقه الراد على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤٦٥

السادسة : ما دلت عليه الروايات السالفة وما سيأتي في باب شهادة فاطمة عليها‌السلام ، من أنّها أوصت أن تدفن سراً ، وأن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر لغضبها عليهما في منع فدك وغيره من أعظم الطعون عليهما ؛ وأجاب عنه قاضي القضاة في « المغني » بأنه قد روي أنّ أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة عليها‌السلام وكبر أربعاً ، وهذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء في التكبير على الميّت ولا يصح أنّها دفنت ليلاً ؛ وإن صحّ ذلك فقد دُفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلاً وعمر دُفن ليلاً ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفنون بالنهار ويدفنون بالليل ؛ فما في هذا ما يطعن به بل الاقرب في النساء أنّ دفنهنّ ليلاً أستر وأولى بالسنة.

وردّ عليه السيّد الأجلّ في الثاني : بأن ما ادّعيت من أنّ أبا بكر هو الذي صلّى على فاطمة عليها‌السلام وكبر أربعاً ، وإنّ كثيراً من الفقهاء يستدلون به في التكبير على الميت فهو شيءٌ ما سمع إلاّ منك وإن كنت تلقّيته عن غيرك فممن يجري مجراك في العصبيّة وإلاً فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير خالية من ذلك ، ولم يختلف أهل النقل في أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صلّى على فاطمة عليها‌السلام إلاّ رواية شاذّة نادرة وردت بأن العباس صلّى عليها.

روى الواقدي : بإسناده ، عن عكرمة ، قال : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة عليها‌السلام ؟ قال : دفناها بليلٍ بعد هدأة. قال : قلت : فمن صلّى عليها ؟ قال : عليّ عليه‌السلام.

وروى الطبرسي ، عن الحرث بن أبي أسامة ، عن المدايني ، عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة عليها‌السلام عُمِل لها نعش قبل وفاتها فنظرت وقالت : سترتموني ستركم الله. قال أبو جعفر محمد بن جرير : والثبت في ذلك أنّها زينب ؛ لأن فاطمة عليها‌السلام دفنت ليلاً ولم يحضرها إلاّ العباس وعليّ عليه‌السلام ، والمقداد والزبير.

وروى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه : عن الزهري ، قال : حدّثني عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاشت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستّة أشهر فلما توفيت دفنها علي عليه‌السلام ليلاً وصلّى عليها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وذكر في كتابه هذا أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهما‌السلام دفنوها ليلاً وغيّبوا قبرها.

٤٦٦

وروى سفيان بن عيينة ، عن عمرو عن الحسن بن محمد : أنّ فاطمة عليها‌السلام دفنت ليلاً وروى عبد الله بن أبي شيبة ، عن يحيى بن سعيد العطار ، عن معمر ، عن الزهري : مثل ذلك ؛ وقال البلاذري في تاريخه : إن فاطمة عليها‌السلام لم ترَ مبتسمة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها ؛ والأمر في هذا أوضح وأظهر من أن يطنب في الإستشهاد عليه ، وبذكر الروايات فيه ، فأما قوله ولا يصح ، أنّها دفنت ليلاً ، وإن صحّ فقد دفن فلان وفلان ليلاً فقد بينّا أنّ دفنها ليلاً في الصحّة كالشمس الطالعة ، وأن منكر ذلك كدافع المشاهدات ولم نجعل دفنها ليلاً بمجرد ، وهو الحجّة.

فيقال : فقد دفن فلان وفلان ليلاً بل مع الإحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة الّتي هي كالمتواتر أنها عليها‌السلام أوصت بأن تدفن ليلاً حتى لا يصلي عليها الرجلان ، وصرّحت بذلك وعهدت فيه عهداً بعد أن كانا استاذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلمّا طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه فكلّما أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك وألحّ عليها فأذنت لهما في الدخول ثمّ أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما ؛ فلمّا خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه‌السلام : قد صنعت ما أردت ، قال : نعم ؛ قالت : فهل أنت صانع ما آمرك ؟ قال : نعم ؛ قالت : فإنّي أنشدك الله لا يصليا على جنازتي ، ولا يقوما على قبري ، وروي أنه عليه‌السلام عمى على قبرها ، ورشّ أربعين قبراً في البقيع ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه ، وأنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما للصلاة عليها ، فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلاً ، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه ، لم يكن فيه حجّة ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

ومما يدل من صحاح أخبارهم على دفنها ليلاً ، وأن أبا بكر لم يصلّ عليها ، وعلى غضبها عليه وهجرتها إيّاه :

ما رواه مسلم في « صحيحة » وأورده في « جامع الاصول » في الباب الثاني من كتاب الخلافة والإمارة من حرف الخاء عن عائشة ـ في حديث طويل ـ بعد ذكر مطالبة فاطمة عليها‌السلام أبا بكر في ميراث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفدك وسهمه من خيبر ؛ قالت : فهجرته فاطمة عليها‌السلام ، فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي عليه‌السلام ولم يؤذن بها

٤٦٧

أبابكر ؛ قالت : فكان لعلّي وجه من الناس حياة فاطمة عليها‌السلام فلمّا توفيت فاطمة عليها‌السلام انصرفت وجوه الناس عن عليّ ، ومكثت فاطمة عليها‌السلام بعد رسول الله ستة أشهر ثم توفيت ، وروى ابن أبي الحديد : عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، قال : قالت فاطمة عليها‌السلام لأبي بكر : إنّ اُمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاني فدك ، فقال : يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله ما خلق الله خلقاً أحب إلي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبيك ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك ، والله لئن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري ، أتراني اُعطي الأسود والأحمر حقّه وأظلمك حقّك وأنت بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ هذا المال لم يكن للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولّيته كما كان يليه ، قالت : والله لا كلمتك أبداً قال : والله لا هجرتك أبداً قالت : والله لادعون الله عليك قال : والله لأدعون الله لكِ ؛ فلّما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها ، فدفنت ليلاً وصلى عليها العباس بن عبد المطلب ، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إثنتان وسبعون ليلة ، ومما يؤيّد إخفاء دفنها ، جهالة قبرها والإختلاف فيه بين الناس إلى يومنا هذا ، ولو كان بمحضر من الناس لما اشتبه على الخلق ولا اختلف فيه.

السابعة : ممّا يرد على الطعون على أبي بكر في تلك الواقعة.

أنّه مكّن ازواج النبيّ التصرّف في حجراتهنّ بغير خلاف ولم يحكم فيها بأنّها صدقة ، وذلك يناقض ما منعه في أمر فدك وميراث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن انتقالها إليهنّ إمّا على جهة الإرث أو النحلة والأوّل مناقض لروايته في الميراث ؛ والثاني يحتاج إلى الثبوت ببيّنة ونحوها ولم يطالبهنّ بشيء منها كما طلب فاطمة عليها‌السلام في دعواها وهذا من أعظم الشواهد لمن له أدنى بصيرة على أنّه لم يفعل إلاّ عداوة لأهل بيت الرسالة ولم يقل ما قال إلاّ إفتراء على الله وعلى رسوله !!

ولنكتف بما ذكرنا ، فإن بسط الكلام في تلك المباحث ممّا يوجب كثرة حجم الكتاب وتعسّر تحصيله على الطلاّب ؛ فانظر أيّها العاقل المنصف بعين البصيرة فيما اشتمل عليه الأخبار الكثيرة التي أوردوها في كتبهم المعتبرة عندهم ، من حكم سيدة النساء صلوات الله عليها مع عصمتها وطهارتها باغتصابهم للخلافة ، وأنّهم اتباع الشيطان وأنّه ظهر فيه حسيكة النفاق ، وأنّهم أرادوا إطفاء نور الدين وإهماد سنن سيد

٤٦٨

المرسلين صلوات الله عليه وآله وأنّهم آذوا أهل بيته واضمروا لهم العداوة وغير ذلك ممّا اشتملت عليه الخطبة الجليلة فهل يبقى بعد ذلك شك في بطلان خلافة أبي بكر ونفاقه ونفاق أهل بيته ؟!

ثمّ أنّها عليها‌السلام حكمت بظلم أبي بكر في منعها الميراث صريحاً بقولها عليها‌السلام لقد جئت شيئاً فريّاً ، ودعت الأنصار إلى قتاله فثبت جواز قتله ، ولو كان إماماً لم يجز قتله. ثمّ انظر إلى هذا المنافق كيف شبّه أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وأخا سيد المرسلين وزوجته الطاهرة بثعالة شهيده ذنبه وجعله مريّاً لكل فتنة !

ثمّ إلى موت فاطمة صلوات الله عليها ساخطة على أبي بكر ، مغضبة عليه منكرة لإمامته وإلى انكار أبي بكر كون فدك خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كونه مخالفاً للآية والإجماع وأخبارهم وإلى أنّه انتزع فدك من يد وكلاء فاطمة عليها‌السلام وطلب منها الشهود مع أنّها لم تكن مدعية ، فحكم بغير حكم الله وحكم الرسول وصار بذلك من الكافرين بنص القرآن وإلى طلب الشاهد من المعصومة وردّ شهادة المعصومين الذين أنزل الله تعالى فيهم ما أنزل وقال فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال ، ومنعها الميراث خلافاً لحكم الكتاب وافترائه على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما شهد الكتاب والسنة بكذبه فتبوء مقعده من النار وظلمه عليها صلوات الله عليها في منع سهم ذي القربى خلافاً لله تعالى ومناقضة لما رواه حيث مكن الازواج من التصرف في الحجر وغيرهما ممّا يستنبط من فحاوي ما ذكر من الأخبار ولا يخفى طريق استنباطها على أولي الابصار.

٤٦٩

احتجاج فاطمة الزهراء عليها‌السلام

على القوم لمّا منعوها فدك (١)

روى عبدُ الله بن الحسن عليه‌السلام بإسناده عن آبائه عليهم‌السلام أنَّه لمّا أجْمع (٢) أبو بكر علىٰ مَنْع فاطمة عليها‌السلام فَدَكَ ، وبَلَغَها ذلك ، لاثت خمارها على رأسها (٣) ، واشتملت بجلبابها (٤) ، وأقبلت في لُمَةٍ (٥) مِن حَفَدَتِها (٦) ونساء قومها ، تَطَأ ذُيوُلهَا (٧) ، ما تَخرِمُ مِشْيَتهُا مِشية رَسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) ، حَتَّىٰ دَخَلَتْ علىٰ أبي بكرٍ ـ وهو في حَشْدٍ (٩) من المهاجرين

__________________

(١) قال العلامة المجلسي رضي‌الله‌عنه في البحار ج ٨ / ص ١١٤ ، ط الكمباني : ولنوضح الخطبة الغرّاء عن سيّدة النساء صلوات الله عليها ، الّتي تحيَّر من العجب منها والاعجاب بها أحد الفصحاء والبلغاء ، ونبني الشرح على رواية ، « الاحتجاج » ونشير أحياناً إلى الروايات الأخر.

(٢) أي أحكم النيّة والعزيمة عليه.

(٣) أي عصبته وجمعته يقال : لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثاً ، أي شدَّها وربطها.

(٤) الجلباب ، بالكسر : يطلق على الملحفة والرداء والازارة ، والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة والثوب كالمقنعة تغطّي بها المرأة رأسها وصدرها وظهرها. والأول هنا أظهر.

(٥) اللُمة ، بضم اللام وتخفيف الميم : الجماعة. قال في النهاية : « في حديث فاطمة عليها‌السلام أنَّها خرجت في لمة من نسائها ، تتوطَّأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته ، أي في جماعة من نسائها. قيل : هي ما بين الثالثة إلى العشرة ، وقيل : اللُّمة : المثل في السن والتَّربْ ». وقال الجوهري : « الهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه ، وهو مما اُخذت عينه كسَهٍ ومُذ ، وأصلها فُعلَة من الملائمة وهي الموافقة ». انتهى. أقول : ويحتمل أن يكون بتشديد الميم ، قال الفيروزآباديُّ : « اللُّمَّة بالضم : الصاحب والاصحاب في السفر والمونس ، للواحد والجمع ».

(٦) الحَفَدة ، بالتحريك : الأعون والخدم.

(٧) أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها وتضع عليها قدمها عند المشي. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدد الثياب.

(٨) في بعض النسخ « من مشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». والخرم : الترك والنقص والعدول. المشية بالكسر : الاسم من مشى يمشي مشيا ، أي لم تنقص مشيتها من مشيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً كأنّه هو بعينه. قال في النهاية : « فيه : ما خرمت من صلاة رسول الله شيئاً ، أي ما تركت. ومنه الحديث : لم أخرم منه حرفاً ، أي لم أدع ».

(٩) الحشد ، بالفتح وقد يحرّك : الجماعة. وفي الكشف : « إنَّ فاطمة عليها‌السلام لمّا بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها ، وأقبلت في لميمه من حفدتها ونساء قومها ، تجرّ أدراعها ، وتطأ في ذيولها ، ما تخرم من مشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى دخلت على أبي بكر وقد حشد المهاجرين

٤٧٠

والأنصار وغيرهم فَنيطَتْ دونها مُلاءَةٌ (١) ، فجلست ، ثُم أنَّت أنَّه أجهش القوم (٢) لها بالبكاء. فارتج المجلس (٣) ثم أمهلت هَنيّةً (٤) حتى اذا سكن نشيج القوم (٥) ، وهدَأت فورتهم (٦) ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله ، فعاد القوم في بكائهم ، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت عليها‌السلام :

الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدَّم ، من عموم نعم ابتدأها (٧) ، وسبوغ آلاءٍ أسداها (٨) ،وتمام مننٍ والاها (٩) ، جمَّ عن الاحصاء عددها (١٠) ، ونأىٰ عن الجزاء أمَدُها (١١) ، وتفاوت عن الإدراك أبدها (١٢) ، ونَدَبهم

__________________

والأنصارٍ ، فضُرب بينهم بريْطة بيضاء ـ وقيل : قبطيِّة ـ فأنَّت أنَّةً أجهش لها القوم بالبكاء ، ثمَّ أمهلت طويلاً حتى سكنوا من فورتهم ، ثمَّ قالت : ابتدئُ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم ».

(١) الملاءَة ، بالضم والمدّ : الريطة والازار ، ونيطت بمعنى علَّقت ، أي ضربوا بينها عليها‌السلام وبين القوم ستراً وحجاباً. والريطة ، بالفتح : الملاءَة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لِفْقَين ، أوهي كلُّ ثوب ليّن رقيق ، والقبطيَّة ، بالكسر : ثياب بيض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر ، وقد يضمُّ لأنَّهم يغيّرون في النسبة.

(٢) الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء كالصبيّ يفزع إلى اُمه وقد يتهيّأ للبكاء ، يقال : جهش إليه ـ كمنع ـ وأجهش.

(٣) الارتجاع : الاضطراب.

(٤) أي صبرت زماناً قليلاً.

(٥) النشيج : صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبيّ بكاءه في صدره.

(٦) هدأت ـ كمنعت ـ أي سكنت. وفورة الشيء : شدته ، وفار القدر أي جاشت.

(٧) أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها. ويحتمل أن يكون المراد بالقديم الإيجاد والفعل من غير ملاحظة معنى الابتداء فيكون تأسيساً.

(٨) السبوغ : الكمال. والآلاء : النعماء ، جمع ألىٰ ، بالفتح والقصر وقد يكسر الهمزة. وأسدى وأولى وأعطى بمعنى واحد.

(٩) والاها ، أي تابعها بإعطاء نعمة بعد اُخرى بلا فصل.

(١٠) جمَّ الشيء أي كثر. والجم : الكثير ، والتعدية بعن لتضمين معنى التعدي والتجاوز.

(١١) الأمد بالتحريك : الغاية « و » المنتهي ، أي بعد عن الجزاء بالشكر غايتها. فالمراد بالأمد إمّا الأمد المفروض إذ لا أمد لها على الحقيقة ، أو الأمد الحقيقى لكل حد من حدودها المفروضة ، يحتمل أن يكون المراد بأمدها ابتداؤها ، وقد مر في كثير من الخطب بهذا المعنى. وقال في النهاية : « في حديث الحجّاج قال للحسن : ما أمدك ؟ قال : سنتان من خلافة عمر. أراد أنه ولد لسنتين من خلافته. وللإنسان أمدان : مولده وموته » انتهى. وإذا حمل عليه يكون أبلغ. ويحتمل على بعد أن يقرأ بكسر الميم ، قال الفيروزآبادي : « الآمد : المملوُّ من خير وشرّ ، والسفينة المشحونة ».

(١٢) التفاوت : البعد. والأبد : الدهر ، والدايم ، والقديم الازليُّ. وبعده عن الإدراك لعدم الانتهاء.

٤٧١

لاستزادتها بالشكر لا تصالها (١) ، واستحمد إلى الخلايق بإجزالها (٢) ، وثنّى بالندب إلى أمثالها (٣). وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها (٤) ، وضمن القلوب موصولها (٥) ، وأنار في الفكر معقولها (٦). الممتنع من

__________________

(١) يقال : ندبه لإمر وإليه فانتدب ، أي دعاه فأجاب. واللام في قولها « لاتصالها » لتعليل الندب ، أي رغَّبهم في استزاده النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غير منقطعة عنهم. وجعل اللام الاُولى للتعليل والثانية للصلة بعيد. وفي بعض النسخ : « لإفضالها » فيحتمل تعلقه بالشكر.

(٢) أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم ، يقال : أجزلت له من العطاء ، أي أكثرت ، وأجزاك النعم ، كأنه طلب الحمد ، أو طلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم. وعلى التقديرين التعدية بإلى لتضمين معنى الانتهاء أو التوجه ؛ وهذه التعدية في الحمد شايع بوجه آخر ، يقال : أحمد إليك الله ، قيل ، أي أحمده معك ، وقيل : أي أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها. ويحتمل أن يكون « استحمد » بمعنى تحمَّد ، يقال : فلان يتحمَّد عليَّ ، أي يمتن ، فيكون إلى بمعنى على ، وفيه بُعد.

(٣) أي بعد أن أكمل لهم النعم الدينوية ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم الاُخروية أو الأعم منها ومن مزيد النعم الدنيوية. ويحتمل أن يكون المراد بالندب إلى أمثالها أمر العباد بالإحسان والمعروف وهو إنعام على المحسن إليه ، وعلى المحسن أيضاً ، لأنه به يصير مستوجباً للأعواض والمثوبات الدنيوية والاُخروية.

(٤) المراد بالاخلاص جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى ، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة ، وعدم التوسل بغيره تعالى في شيء من الاُمور ؛ فهذا تأويل كلمة التوحيد ، لأن من أيقن بأنه الخالق والمدبر وبأنه لا شريك له في الإلهية فحق له أن لا يشرك في العبادة غيره ، ولا يتوجه في شيء من الاُمور إلى غيره.

(٥) هذه الفقرة تحتمل وجوهاً :

الأول : أن الله تعالى ألزم وأوجب على القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركيبه تعالى وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك مما يؤول إلى التوحيد.

الثاني : أن يكون المعنى : جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكملة مدرجاً في القلوب بما أراهم من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ، أو بما فطرهم عليه من التوحيد.

الثالث : أن يكون المعنى لم يكلف العقول الوصول إلى منتهى دقايق كلمة التوحيد وتأويلها ، بل إنما كلف عامة القلوب بالإذعان بظاهر معناها وصريح مغزاها ، وهو المراد بالوصول.

الرابع : أن يكون الضمير في « موصولها » راجعاً إلى القلوب ، أي لم يلزم القلوب إلاّ ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة والدقايق المستنبطة منها ، أو مطلقاً ؛ ولولا التفكيك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأوّل ، بل مطلقاً.

(٦) أي أوضح في الأذهان ما يتعقل من تلك الكلمة بالتفكُّر في الدلايل والبراهين. ويحتمل إرجاع الضمير إلى القلوب. والفِكر بصيغة الجمع ، أي أوضح بالتفكر ما يعقلها العقول. هذا يؤيّد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة.

٤٧٢

الأبصار رؤيته (١) ، ومن الألسن صفته (٢) ، ومن الأوهام كيفيته ، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها (٣) ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ امتثلها (٤) ، كونها بقدرته ، وذرأها بمشيتهِ ، من غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها إلاّ تثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته (٥) ، وإظهاراً لقدرته ، وتعبداً لبريته (٦) ، وإعزازاً لدعوته (٧). ثمَّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادةً لعباده عن نقمته (٨) ، وحياشةً منه إلى جنته (٩). أشهد أن أبي محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتَبَلَهُ (١٠) ، واصطفاه قبل أن ابتَعَثَهُ ، اذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة (١١) ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآيل

__________________

(١) يمكن أن يقرأ « الأبصار » بصيغة الجمع ، والمصدر ، والمراد بالرؤية العلم الكامل والظهور التامّ.

(٢) الظاهر أنَّ الصفة هنا مصدر ، ويحتمل المعنى المشهور بتقدير ، أي بيان صفته.

(٣) « لا من شيء » أي مادة.

(٤) احتذى مثاله : اقتدى به. « وامتثلها » أي تبعها ولم يتعدَّ عنها ، أي لم يخلقها على وفق صنع غيره.

(٥) لأن ذوي العقل ينتبَّهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها والمنعم بها واجب وأنَّ خالقها مستحق للعبادة ، أو بأنَّ من قدر عليها بقدر على الإعادة والانتقام.

(٦) أي خلق البريّة ليتعبّدهم ، أو خلق الأشياء ليتعبد البرايا بمعرفته والاستدلال بها عليه.

(٧) أي خلق الأشياء ليغلب ويظهر دعوة الأنبياء إليه بالاستدلال بها.

(٨) الذود والذياد ، بالذال المعجمة : السوق والطرد والدفع والإبعاد.

(٩) حشت الصيد أحوشه : إذا جئته من حواليه لتصرفه على الحبالة ، ولعل التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عما يوجب دخول الجنة.

(١٠) الجبْل : الخلق ، يقال : جبلهم الله أي خلقهم ، وجبله على الشيء أي طبعه عليه ، وعلى المعنى أنَّه تعالى سماه لأنبيائه قبل أن يخلقه * ؛ ولعل زيادة البناء للمبالغة تنبيها على أنه خلق عظيم. وفي بعض النسخ بالحاء المهملة ، يقال : احتبل الصيد ، أي أخذه بالحبالة ، فيكون المراد به الخلق أو البعث مجازاً ، وفي بعضها « قبل أن اجتباه » أي اصطفاه بالبعثة ، وكلّ منها لا تخلو من تكلف.

* قال السيوطي في « الاتقان » ج ٢ / ص ١٤١ : اخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال : خمسة سموا قبل أن يكونوا : محمد : ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ...

(١١) لعل المراد بالستر ستر العدم ، أو حجب الأصلاب والأرحام. ونسبته إلى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الاحوال من موانع الوجود وعوائقه ويحتمل ان يكون المراد انها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم إذ هي إنّما تلحقها بعد الوجود. وقيل : التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات.

٤٧٣

الأمور (١) ، وإحاطةً بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور (٢) ، ابتعثه الله تعالى إماماً لأمره (٣) وعزيمةً على إمضاء حكمه ، وإنفاذاً لمقادير حتمه (٤). فرأى الامم فرقاً في أديانها ، عكَّفاً على نيرانها (٥) عابدةً لأوثانها منكرةً لله مع عرفانها (٦). فأنار الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظلمها (٧) وكشف عن القلوب بُهَمها (٨) ، وجلى عن الابصار غُممها (٩) وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية (١٠) ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم ، ثمَّ قبضه الله إليه قبض رأفةٍ واختيار (١١) ورغبةٍ وايثار بمحمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١٢) عن تعب هذه الدار في راحةٍ ، قدْ حفَّ بالملائكة

__________________

(١) على صيغة الجمع أي عواقبها ، وفي بعض النسخ بصيغة المفرد.

(٢) أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الامور الممكنة ، المقدورة وأمكنتها ويحتمل ان يكون المراد بالمقدور المقدر ، بل هو أظهر.

(٣) أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجلها.

(٤) الإضافة في « مقادير حتمه » من قبيل اضافة الموصوف إلى الصفة ، أي مقاديره المحتومة.

(٥) تفصيل وبيان للفرق بذكر بعضها ، يقال : عكف على الشيء ـ كضرب ونصر ـ أي أقبل عليه مواظباً ولازمه فهو عاكف ، ويجمع على عُكَّف بضم العين وفتح الكاف المشددة كما هو الغالب في فاعل الصفة نحو شُهَّد وغُيَّب. والنيران جمع نار وهو قياس مطرد في جمع الأجوف نحو تيجان وجيران.

(٦) لكون معرفته تعالى فطرية ، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه.

(٧) الضمير في « ظلمها » راجع إلى الامم ، والضميران التاليان له يمكن ارجاعهما اليها وإلى القلوب والابصار. والظلم بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظلمة ، استعيرت هنا للجهالة.

(٨) البهم : جمع بهمة بالضم ، وهي مشكلات الامور.

(٩) جلوت الأمر : أوضحته وكشفته. والغمم : جمع غمة. يقال : أمر غمَّة ، أي مبهم ملتبس ، قال الله تعالى : ( ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ) قال أبو عبيدة : مجازها ظلمة وضيق ، وتقول غممت الشيء إذا غطيته وسترته.

(١٠) العماية : الغواية واللجاج ، ذكره الفيروزآبادي.

(١١) واختيار ، أي من الله له ما هو خير له ، أو باختيار منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورضاً ، وكذا الايثار ، والأول أظهر فيهما.

(١٢) لعلّ الظرف متعلق بالايثار بتضمين معنى الضنة أو نحوها ، وفي بعض النسخ : « محمد » بدون الباء فتكون الجملة استينافيه ، أو مؤكدة للفقرة السابقة أو حالية بتقدير الواو. وفي بعض كتب المناقب القديمة « فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وهو أظهر. وفي رواية كشف الغمَّة : « رغبة بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تعب هذه الدار » وفي رواية أحمد بن أبي طاهر : « بأبي عزَّت هذ الدار » ولعلَّ المراد دار القرار ، ولو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة. وعلى التقادير لا يخلو من تكلف.

٤٧٤

الأبرار ورضوان الرَّبِّ الغفار ، ومجاورة الملك الجبار. صلى الله على أبي نبيِّه وأمينه على الوحي ، وصفيه وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه رحمة الله وبركاته.

ثمَّ التفت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه (١) وحملة دينه ووحيه ، واُمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الاُمم (٢) ، وزعمتم حقٌ لكم (٣) لله فيكم ، عهد قدمه اليكم ، وبقيةٌ استخلفها عليكم (٤) : كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينةٌ بصائرُهُ (٥) ، منكشفة سرائره (٦) ، متجليةٌ ظواهره ، مغتبطةٌ به أشياعه (٧) ، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤدٍ إلى النجاة إسماعه (٨). به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة (٩) ، وشرايعه المكتوبة.

__________________

(١) قال الفيروزآبادي : « النَصب بالفتح : العلم المنصوب ، ويحرك. وهذا نصب عيني ، بالضم والفتح » انتهى. أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه وهو خير الضمير. و « عباد الله » منصوب على النداء.

(٢) أي تؤدون الأحكام إلى ساير الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) أي زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم ، وتلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق. ويمكن أن يقرأ على الماضي المجهول. وفي إيراد لفظ الزعم إشعار بأنهم ليسوا متصفين بها حقيقة وإنما يدّعون ذلك كذباً. ويمكن أن يكون « حقٌ لكم » جملة اُخرى مستأنفة ، أي زعمتم أنكم كذلك وكان يحق لكم وينبغي أن تكونوا كذلك لكن قصرتم. وفي بعض النسخ : « وزعمتم حقٌ له فيكم وعهد » وفي كتاب المناقب القديم : « زعمتم أن لا حق لي فيكم ، عهداً قدّمه إليكم » فيكون « عهداً » منصوباً باذكروا ونحوه * وفي الكشف : « إلى الاُمم حولكم ، لله فيكم عهد ».

* وفي الإحتجاج المطبوع : « زعيم حقِّ له فيكم وعهدٍ ... » فلا يحتاج إلى التكلف.

(٤) العهد : الوصية. وبقية الرجل : ما يخلفه في أهله. والمراد بهما القران ، أو بالاوَّل ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته ، وبالثاني القرآن ، وفي رواية أحمد بن أبي طاهر : « وبقيَّة استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله » فالمراد بالبقية أهل البيت عليهم‌السلام ، وبالعهد ما أوصاهم به فيهم.

(٥) البصائر : جمع بصيرة وهي الحجّة.

(٦) المراد بانكشاف السرائر وضوحها عند حملة القرآن وأهله.

(٧) الغبطة أن يتمنى المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها منه ، تقول : غبطته فاغتبط. والباء للسببية أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه. وتلك الفقرة غير موجودة في ساير الروايات.

(٨) على بناء الإفعال ، أي تلاوته. وفي بعض نسخ الاحتجاج وساير الروايات : « استماعه ».

(٩) المراد بالعزائم : الفرائض ، وبالفضائل : السنن ، وبالرخص : المباحات بل ما يشمل المكروهات ، وبالشرايع ما سوى ذلك من الاحكام كالحدود والديات والأعم ، وأما الحجج والبينات والبراهين فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض ، ويمكن تخصيص كل منها ببعض ما يتعلق باُصول الدين لبعض المناسبات. وفي رواية أبي طاهر : « وبيناته الجالية وجمله الكافية »

٤٧٥

فجل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس (١) ونماء في الرزق (٢) ، والصيام تثبيتاً للإخلاص (٣) ، والحجّ تشييداً للدين (٤) ، والعدل تنسيقاً للقلوب (٥) ، واطاعتنا نظاماً للملة ، وإمامتنا أمانا من الفرقة ، والجهاد عزاً للإسلام ، والصبر معونةً على استيجاب الأجر (٦) ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة ، وبر الوالدين وقايةً من السخط (٧) ، وصلة الارحام منماةً للعدد (٨) ، والقصاص حصناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين

__________________

فالمراد بالبينات : المحكمات ، وبالجمل : المتشابهات ، ووصفها بالكافية لدفع توهم نقص فيها لإجمالها فإنها كافية فيما اُريد منها ، ويكفي معرفة الراسخين في العلم بالمقصود منها فإنهم المفسرون لغيرهم. ويحتمل أن يكون المراد بالجمل العمومات التي يستنبط منها الأحكام الكثيرة.

(١) أي من دنس الذنوب ، أو من رذيلة البخل ، إشارة إلى قوله تعالى : ( تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ).

(٢) إيماء إلى قوله تعالى ( وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ ) ، على بعض التفاسير.

(٣) أي لتشيد الإخلاص وإبقائه أو لإثباته وبيانه. ويؤيد الأخير أن في بعض الروايات : « تبييناً ». وتخصيص الصوم بذلك لكونه أمراً عدمياً لا يظهر لغيره تعالى ، فهو أبعد من الرياء وأقرب الى الإخلاص. وهذا أحد الوجوه في تفسير الحديث المشهور : « الصوم لي وأنا أجزي به » وقد شرحناه في حواشي الكافي وسيأتي في كتاب الصوم إن شاء الله تعالى.

(٤) إنما خص التشيد به لظهوره ووضوحه وتحمل المشاق فيه وبذل النفس والمال له ؛ فالإتيان به أدل دليل على ثبوت الدين ؛ أو يوجب استقرار الدين في النفس لتلك العلل وغيرها مما لا نعرفه. ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في الأخبار الكثيرة من أن علة الحج التشرف بخدمة الإمام وعرض النصرة عليه وتعلم شرايع الدين منه ، فالتشييد لا يحتاج إلى تكلف. وفي العلل ورواية ابن أبي طاهر : « تسليةً للدين » فلعل المعنى تسلية للنفس بتحمل المشاق وبذل الأموال بسبب التقيد بالدين ؛ أو المراد بالتسلية الكشف والإيضاح فإنها كشف الهم ؛ أو المراد بالدين أهل الدين. أو اُسند إليه مجازاً. والظاهر أنه تصحيف « تسنية » وكذا في بعض نسخ العلل ، أي يصير سبباً لرفعة الدين وعلوّه.

(٥) التنسيق : التنظيم. وفي العلل : « مسكاً للقلوب » أي ما يمسكها. وفي القاموس : « المُسكة بالضم : ما يتمسك به وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب ، والجمع كصرد. والمسك محركة : الموضع يمسك الماء ». وفي رواية ابن أبي طاهر والكشف : « تنسُّكاً للقلوب » أي عبادةً لها ، لأن العدل أمر نفساني تظهر آثاره على الجوارح.

(٦) إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات.

(٧) أي سخطهما أو سخط الله تعالى ، والأول أظهر.

(٨) المنماة : اسم مكان أو مصدر ميمي أي يصير سبباً لكثرة عدد الأولاد والعشاير ، كما أن قطعها يذر الديار بلاقع من أهلها.

٤٧٦

تغييراً للبخس (١) ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس (٢) ، واجتناب القذف حجاباً عن اللَّعنة (٣) ، وترك السرقة إيجاباً للعفة (٤) ، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية ، ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنه ( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ).

ثمَّ قالت : أيّها الناس ! اعلموا أنّي فاطمة ، وأبي محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أقول عوداً وبدءاً (٥) ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً (٦) : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ (٧) عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم (٨) بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (٩) ) (١٠) فإنَّ تعزوه (١١) وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزِّي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فبلَّغ الرسالة صادعاً بالنذارة (١٢) مائلاً عن مدرجة

__________________

(١) في ساير الروايات : « للبخسة » ، أي لئلا ينقص مال من ينقص المكيال والميزان إذ التوفية موجبة للبركة وكثرة المال ؛ أو لئلا ينقصوا أموال الناس ، فيكون المقصود أن هذا أمر يحكم العقل بقبحه.

(٢) أي النجس أو ما يجب التنزه عنه عقلاً ، والأوّل أوضح في التعليل ، فيمكن الاستدلال على نجاستها.

(٣) أي لعنة الله ، أو لعنة المقذوف ، أو القاذف ، فيرجع إلى الوجه الأخير في السابقة ، والأول أظهر ، إشارة إلى قوله تعالى : ( لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ).

(٤) أي لاولة عن التصرف في أموال الناس مطلقاً ، أو يرجع الى ما مر ، وكذا الفقرة التالية. وفي الكشف بعد قوله « للعفة » : « والتنزه عن أموال الأيتام ، والإستيثار بفيئهم إجارة من الظلم ، والعدل في الاحكام إيناساً للرعية ، والتبري من الشرك إخلاصاً للربوبية ».

(٥) أي أوّلاً وآخراً ، وفي رواية ابن أبي الحديد وغيره « أقول عوداً على بدء ». والمعنى واحد.

(٦) الشطط بالتحريك : البعد عن الحقّ ومجاوزة الحدَّ في كل شيء. وفي الكشف : « ما أقول ذلك سرفاً ولا شططاً ».

(٧) أي لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية ، بل عن نكاح طيب ، كما روى عن الصادق عليه‌السلام. وقيل : أي من جنسكم من البشر ، ثمَّ من العرب ، ثمَّ من بني إسماعيل.

(٨) أي على إيمانكم وصلاح شأنكم.

(٩) التوبة : آية ١٢٨.

(١٠) أي رحيم بالمؤمنين منكم ومن غيركم ، والرأفة : شدة الرحمة ، والتقديم لرعاية الفواصل. وقيل : رؤوف بمن رآه ، رحيم بمن لم يره. فالتقديم للاهتمام بالمتعلق.

(١١) يقال : « عزوته إلى أبيه » أي نسبته إليه ، أي إن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي وأخا بن عمِّي ، فالاخوة ذكرت استطرداً ، ويمكن ان يكون الانتساب أعمَّ من النسب ومما طرأ أخيراً ، ويمكن ان يقرأ « وآخاً » بصيغة الماضي ، وفي بعض الروايات : « فإن تعزِّروه وتوقروه ».

(١٢) الصدع : الإظهار تقول : صدعت الشيء ، أي أظهرته ، وصدعت بالحقَّ إذا تكلمت به جهاراً ، قال الله تعالى : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ). والنذارة بالكسر : الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف.

٤٧٧

المشركين (١) ، ضارباً ثبجهم (٢) ، آخذاً بأكظامهم ، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة (٣) ، يكسر الأصنام وينكت الهام (٤) حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرَّى اللَّيل عن صبحه (٥) وأسفر الحق عن محضه (٦) ، ونطق زعيم الدين (٧) ، وخرست شقاشق الشياطين (٨) ، طاح وشيظ النفاق (٩) ، انحلَّت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الإخلاص (١٠) في نفر من البيض الخماص (١١) ، وكنتم على شفا

__________________

(١) المدرجة : المذهب والمسلك. وفي الكشف : « ناكباً عن سنن مدرجة المشركين » وفي رواية ابن أبي طاهر « مائلاً على مدرجة » أي قائماً للرد عليهم ، وهو تصحيف.

(٢) الثبج بالتحريك : وسط الشيء ومعظمه ، والكظم بالتحريك : مخرج النفس من الحلق ، أي كان صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يبالي بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة.

(٣) كما أمره سبحانه : ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ). وقيل : المراد بالحكمة : البراهين القاطعة ، وهي للخواص وبالموعظة الحسنة : الخطابات المقنعة والعبر النافعة ، وهي للعوام ، وبالمجادلة التي هي أحسن : إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدمات المشهورة والمسلمة ، وأمَّا المغالطات والشعريات فلا يناسب درجة أصحاب النبوات.

(٤) النكت : إلقاء الرجل على رأسه ، ويقال : طعنه فنكته. والهام جمع الهامة ، بالتخفيف فيهما ، وهي الرأس والمراد قتل رؤساء المشركين ، وقمعهم وإذلالهم ، أو المشركين مطلقاً وقيل : أريد به إلقاء الأصنام على رؤوسها ، ولا يخفي بعده لا سيما بالنظر إلى ما بعده. وفي بعض النسخ : « ينكس الهام » وفي الكشف وغيره : « يجذَّ الأصنام » ومن قولهم : جذذت الشيء : كسرته. ومنه قوله تعالى : ( فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا ).

(٥) الواو مكان حتى كما في رواية ابن أبي طاهر أظهر : و « تفرّى الليل » أي انشق حتى ظهر ضوء الصباح.

(٦) يقال : « أسفر الصبح » أي أضاء.

(٧) زعيم القوم : سيِّدهم والمتكلم عنهم. والزعيم أيضاً الكفيل. والإضافة لاميَّة ، ويحتمل البيانية.

(٨) خرس بكسر الراء. والشقاشق جمع شقشقة بالكسر ، وهي شيء كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج. وإذا قالوا للخطيب : ذو شقشقة فإنما يشبَّه بالفحل. وإسناد الخرس إلى الشقاشق مجازيٌّ.

(٩) يقال : طاح فلان يطوح ، إذا هلك أو أشرف على الهلاك وتاه في الارض وسقط. والوشيظ بالمعجمتين : الرذل والسفلة من الناس ، ومنه قولهم : إياكم والوشايظ. وقال الجوهري : « الوشيظ : لفيف من الناس « ليس » أصلهم واحدٍ « اً » أو بنو فلان وشيظة في قومهم أي هم حشو فيهم. والوسيط بالمهملتين : أشرف القوم نسباً وأرفعهم محلاً : وكذا في بعض النسخ وهو أيضاً مناسب.

(١٠) يقال : فاه فلان بالكلام ـ كقال ـ أي لفظ به ، كتفوَّه. وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد. وفيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم.

(١١) البيض : جمع أبيض وهو من الناس خلاف الاسود. والخماص بالكسر : جمع خميص ؛ والخماصة تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوِّه من الطعام ، يقال : فلان خميص البطن من

٤٧٨

حفرةٍ من النار (١) ، مُذقة الشارب ، ونهزة الطامع (٢) ، وقبسة العجلان (٣) ، وموطئَ الاقدام (٤) ، تشربون الطرق (٥) ، وتقتاتون الورق (٦) ، أذلةً خاسئين (٧) ، « تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم » (٨). فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد اللتيا والتي (٩) ، وبعد أن مني بِبُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب (١٠) ، « كلما

__________________

أموال الناس ، أي عفيف عنها. وفي الحديث : « كالطير تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً ». والمراد البيض الخماص إما أهل البيت عليهم‌السلام ويؤيده ما في كشف الغمة : « في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً » ، ووصفهم بالبيض لبياض وجوههم ، أو هو من قبيل وصف الرجل بالاغر ؛ وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلّة الاكل ولعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل. أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان رضي‌الله‌عنه وغيره ، ويقال لأهل فارس : بيض ، لغلبة البياض على ألوانهم وأموالهم ، إذا الغالب في أموالهم الفضة ، كما يقال لأهل الشام : حمر ، لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم ؛ والأول أظهر. ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان ، وبالبيض الخماص الكمل منهم.

(١) شفا كل شيء : طرفه وشفيره ، أي كنتم على شفير جهنم مشرفين على دخولها لشرككم وكفركم.

(٢) مذقة الشارب : شربته. والنهزة بالضم : الفرصة ، أي محل نهزته. أي كنتم قليلين أذلاء يتخطفكم الناس بسهولة.

(٣) القبسة بالضم : شعلة من نار يقتبس من معظمها. والإضافة إلى العجلان لبيان القلة والحقارة.

(٤) وطي الاقدام مثل مشهور في المغلوبية والمذلة.

(٥) الطرق بالفتح : ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتعبر.

(٦) الورق بالتحريك : ورق الشجر. وفي بعض النسخ : « تقتاتون القد » وهو بكسر القاف وتشديد الدال : سير يقد من جلد غير مدبوغ. والمقصود وصفهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل لعدم اهتدائهم إلى ما يصلحهم في دنياهم ، ولفقرهم وقلة ذات يدهم ، وخوفهم من الاعادي.

(٧) الخاسئ : المبعد المطرود.

(٨) التخطف : استلاب الشيء وأخذه بسرعة ؛ اقتبس من قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ). وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إن الخطاب في تلك الآية لقريش خاصة ، والمراد بالناس ساير العرب أو الاعم.

(٩) اللتيا بفتح اللام وتشديد الياء : تصغير التي ، وجوز بعضه فيه ضم اللام ، وهما كنايتان عن الداهية الصغيرة والكبيرة.

(١٠) يقال : مني بكذا ـ على صيغة المجهول ـ أي ابتلي. وبهم الرجال ـ كصرد ـ : الشجعان منهم ، لأنهم لشدة بأسهم لا يدري من أين يؤتون. وذؤبان العرب : لصوصهم وصعاليكهم الذين لا مال لهم ولا اعتماد عليهم. والمردة : العتاة المتكبرون المجاوزون للحد.

٤٧٩

أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله » ، أو نجم قرن للشيطان (١) ، وفغرت فاغرةٌ من المشركين (٢) قذف أخاه في لهواتها (٣) ، فلا ينكفئُ (٤) حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه (٥) ، مكدوداً في ذات الله (٦) ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله سيد أولياء الله (٧) ، مشمِّراً ناصحاً (٨) ، مجداً كادحاً (٩) ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون فاكهون آمنون (١٠) ، تتربصون بنا الدوائر (١١) ، وتتوكَّفون

__________________

(١) نجم الشيء ـ كنصر ـ نجوماً : ظهر وطلع. والمراد بالقرن : القوّة. وفسر قرن الشيطان باُمته ومتابعيه.

(٢) فغر فاه ، أي فتحه ؛ يتعدى ولا يتعدى. والفاغرة من المشركين : الطائفة العادية منهم تشبيهاً بالحية أو السبع. ويمكن تقدير الموصوف مذكراً على أن يكون التاء للمبالغة.

(٣) القذف : الرمي ، ويستعمل في الحجارة ، كما أن الحذف يستعمل في الحصا ؛ يقال : هم بين حاذف وقاذف. واللهوات بالتحريك : جمع لهاة وهي اللحمة في أقصى سقف الفم.وفي بعض الروايات : « في مهواتها» بالميم وهي بالتسكين : الحفرة وما بين الجبلين ونحو ذلك. وعلى أي حالٍ المراد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلما أراده طائفة من المشركين أو عرضت له داهية عظيمة بعث علياً عليه‌السلام لدفعها وعرضه للمهالك. وفي رواية الكشف وابن أبي طاهر :«كلما حشوا ناراً للحرب ونجم قرن للضلال». قال الجوهري :« حششت النار : أوقدتها ».

(٤) انكفأ ، بالهمزة : أي رجع ؛ من قولهم : كفأت القوم كفأ : إذا أرادوا وجهاً فصرفتهم عنه إلى غيره فانكفؤا ، أي رجعوا.

(٥) الصماخ ، بالكسر ، ثقب الاذن ، والاذن نفسها. وبالسين كما في بعض الروايات لغة فيه. والاخمص : ما لا يصيب الأرض من باطن القدم عند المشي. ووطي الصماخ بالاخمص عبارة عن القهر والغلبة على أبلغ وجه ، وكذا اخماد اللهب بماء السيف استعارة بليغة شايعة.

(٦) المكدود : من بلغه التعب والأذى. وذات الله : أمره ودينه وكلّ ما يتعلق به سبحانه. وفي الكشف : « مكدوداً دؤوباً في ذات الله ».

(٧) بالجر صفة الرسول ، أو بالنصب عطفاً على الأحوال السابقة ، ويؤيد الأخير ما في رواية ابن أبي طاهر « سيداً في أولياء ».

(٨) التشمير في الأمر : الجدّ والإهتمام فيه.

(٩) الكدح : العمل والسعي.

(١٠) قال الجوهري : « الدعة : الخفض ، تقول منه : ودع الرجل فهو وديع أي ساكن ، ووادع أيضاً ، يقال : نال فلان المكارم وادعاً من غير كلفة ». وقال : « الفكاهة بالضمِّ : المزاح ، وبالفتح مصدر فكه الرجل ـ بالكسر ـ فهو فكه : إذا كان طيب النفس مزاجاً والفكه أيضاً : الأشر والبطر » وقرئ ( وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ) أي أشرين ، وفاكهين أي ناعمين. والمفاكهة : الممازحة. وفي رواية ابن أبي طاهر : « وأنتم في بلهنية وادعون آمنون » قال الجوهري : « هو في بُلهنيةٍ من العيش أي سعة ورفاهية ، وهو ملحق بالخماسي بألفٍ في آخره ، وإنّما صارت ياء لكسرة ما قبلها » وفي الكشف : « وأنتم في رفهنية » وهي مثلها لفظاً ومعنى.

(١١) صروف الزمان وحوادث الأيام والعواقب المذمومة ، وأكثر ما تستعمل الدائرة في تحول النعمة إلى الشدة. أي كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا ، وزوال النعمة عنا.

٤٨٠