الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ ، فأرسل اليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال لها : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمتْه ، فجعل يكتب كلّ ما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً. قال : ثم قال : أما إنّه ليس الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون » (١).

وفي حديث آخر قال له الراوي : فمصحف فاطمة ؟ فسكت طويلاً ثمّ قال : « إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة وسبعين يوماً وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها وكان علي عليه‌السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليها‌السلام » (٢).

وعن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام عن مصحف فاطمة ، فقال : « اُنزل عليها بعد موت أبيها. قلت : ففيه شيء من القرآن ؟ فقال : ما فيه شيء من القرآن. قلت فصفه لي ، قال : له دفّتان من زبرجدتين على طول الورق ، وعرضه حمراوين. قلت : جعلت فداك فصف لي ورقه ، قال : وروقه من درّ أبيض ، قيل له : كن فكان. قلت : جعلت فداك فما فيه ؟ قال : في خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة ، وفيه خبر سماءٍ سماءٍ ، وعدد ما في السموات من الملائكة ، وغير ذلك ، وعدد كلّ من خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم ، وأسماء من اُرسل إليهم ، وأسماء من كذّب ومن أجاب ، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولّين والآخرين ، وأسماء البلدان ، وصفة كلّ بلد في شرق الأرض وغربها ، وعدد ما فيها من المؤمنين ، وعدد ما فيها من الكافرين ، وصفة كلّ من كذّب ، وصفة القرون الاُولى وقصصهم ، ومن ولي من الطواغيت ومدَّة ملكهم وعددهم. وأسماء الأئمّة وصفتهم ، وما يملك كلّ واحدٍ واحدٍ ، وصفة كبرائهم ، وجميع من ترددّ في الأدوار.

قلت : جعلت فداك وكم الأدوار ؟ قال : خمسون ألف عام. وهي سبعة أدوار ، فيه

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ٨٠.

(٢) البحار : ٤٣ / ٨٠.

٤٢١

أسماء جميع ما خلق الله وآجالهم ، وصفة أهل الجنّة ، وعدد من يدخلها ، وعدد من يدخل النار ، وأسماء هؤلاء وهؤلاء ، وفيه علم القرآن كما اُنزل ، وعلم التوراة كما اُنزلت ، وعلم الإنجيل كما اُنزل ، وعلم الزبور ، وعدد كلّ شجرة ومدرة في جميع البلاد ».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : « ولمّا أراد الله تعالى أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها ، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل ، فهبطوا به وهي قائمة تصلّي ، فما زالوا قُيّاماً حتّى قعدت ، ولمّا فرغت من صلاتها سلّموا عليها وقالوا : السلام يقرئك السلام ؛ ووضعوا المصحف في حجرها ، فقالت : لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام ، ثمّ عرجوا إلى السماء. فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتّى أتت على آخره. ولقد كانت عليها‌السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس ، والطير والوحش ، والأنبياء والملائكة ».

قلت : جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيِّها ؟ قال : « دفعته إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلمّا مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين عليهما‌السلام ، ثم عند أهله حتّى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر. فقلت : إنَّ هذا العلم كثير ! قال : يا أبا محمد ، إنَّ هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوَّله ، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية ولا تكلّمت بحرف منه » (١).

وختاماً للبحث حول اسم المحدثة نذكر ما قاله العلامة الهمداني تعليقاً حول الروايات الواردة في هذا المقام حيث قال تحت عنوان فائدتان : إنَّ ما يستفاد من هذا الأخبار في شأن مصحف فاطمة سلام الله عليها في وجوه مختلفة :

منها : ما يدلُّ على أنَّ الله تعالى أرسل ملكاً أو يأتيها جبرئيل بعد قبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدّها عليه‌السلام ويكتب عليٌّ عليه‌السلام ، كما في الحديث الأوَّل والثاني من البحار.

ومنها : ما يدلّ على أنّ مصحف فاطمة عليه‌السلام كان موجوداً في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما

__________________

(١) دلائل الإمامة للطبري : ٢٧ ـ ٢٨.

٤٢٢

لاحظت في حديث « البصائر » بقوله عليه‌السلام : ولكنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطُّ عليّ عليه‌السلام.

ومنها : ما يدلُّ على أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إليها كما لاحظت في الحديث الثالث من « البصائر » بقوله عليه‌السلام : « إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها ». ويستفاد أيضاً أنّ مصحفها سلام الله عليها يشتمل على جميع الأحكام الشرعيّة من نصف الجلدة أو جلدة واحدة حتى أرش الخدش ، وأنّ فيه أسماء جميع الناس والكائنات جميعها من الشجر والمدر وغير ذلك كما في حديث « دلائل الإمامة » ، وفيه ذكر الحوادث المهمّة إلى يوم القيامة. ويستفاد أيضاً أنّه من مصادر علوم أهل البيت عليهم‌السلام وكانوا يرجعون إليه (١).

٩ ـ الزهراء

وهو من أشهر أسماءها وأشهرها شيوعاً عند الشيعة ، فنراهم كثيراً ما يسمون أسماء مواليدهم من الاناث بهذا الاسم المبارك اضافة إلى اسمها فاطمة ، وقد تقدم بنا الحديث في كيفية تطابق الإسم على المسمى وبيان فلسفته ، وكذلك الحال في هذا المقام ، ففاطمة سلام الله عليها سُميت بهذا الإسم ( زهراء ) لأن نورها الذي زهرت به السموات والأرض ولم يأت هذا الإسم اعتباطاً وإنما جاء ليعبر عن طبيعة ذاتها ، فنجد ومن خلال مطابقة الكثير من الروايات التي تروي مبدء نور فاطمة وخلقته ان لها نوراً يسطع من جبينها ومن وجهها المتلألئ بنور الله تعالى والذي كان من شأنه أن زهرت به السموات والأرض كرامةً من الله تعالى لها ولمقامها السامي عنده ، أما بيان هذا الاسم فانه لا يحتاج إلى كثير تأمل وخاصة بالنسبة للمطلع على الأسماء العربية ، فانها بسيطة ومفهومةً عندما تطرق الأذهان ، ومع ذلك نقف مع هذه الروايات التي تبين علة تسميتها الزهراء ففي حديث طويل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال :

__________________

(١) فاطمة بهجة قلب المصطفى : ص ١٧٦.

٤٢٣

« ثم أظلمت المشارق والمغارب ، فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة ، فتكّلم الله جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحاً ، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً ، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش ، فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء ، ولذلك سمّيت « الزهراء » لأنّ نورها زهرت به السموات (١) » ، الحديث.

وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ، لم سمّيت الزهراء « زهراء » ؟ فقال : « لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه‌السلام في النهار ثلاث مرّات بالنور ، كان يزهر نور وجهها الغداة والناس في فراشهم ، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة ، فتبيضُّ حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ، فيأتون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسألونه عمّا رأوا ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها‌السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها ، فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة ، فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة ، زهر نور وجهها عليها‌السلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس ، فتصفرُّ ثيابهم وألوانهم ، فيأتون النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسألونه عمّا رأوا ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها‌السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها‌السلام بالصفرة ، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها ، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس ، أحمرّ وجه فاطمة ، فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم ، فيعجبون من ذلك ويأتون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسألونه عن ذلك ، فيرسلهم إلى منزل فاطمة ، فيرونها جالسة تسبّح وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة ، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها‌السلام ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى ولد

__________________

(١) البحار : ٤٠ / ٤٤ ، ارشاد القلوب ، ٤٠٣ ، الفضائل لابن شاذان : ١٧٢.

٤٢٤

الحسين عليه‌السلام ، فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منّا أهل البيت إمام بعد إمام » (١).

وعن أبي هاشم العسكري قال : سألت صاحب العسكر عليه‌السلام : لم سمّيت فاطمة « الزهراء » عليه‌السلام ؟ فقال : « كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه‌السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيِّ » (٢).

وعن الحسن بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لم سمّيت فاطمة « الزهراء » ؟ قال : « لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة ، معلّقة بقدرة الجبّار ، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها ، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها ، لها مائة ألف باب ، على كلّ باب ألف من الملائكة ، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّيّ الزاهر في افق السماء ، فيقولون : هذه الزهراء لفاطمة » (٣).

وعن ابن عمارة ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فاطمة لم سمّيت « زهراء » ؟ فقال : « لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض » (٤).

وعن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراءَ ؟ فقال : « لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته ، فلمّا أشرقت أضاءت السموات والأرض بنورها ، و غشيت أبصار الملائكة ، وخرّت الملائكة لله ساجدين ، وقالوا : إلهنا وسيّدنا ، ما هذا النور ؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري ، وأسكنته في سمائي ، خلقته من عظمتي ، اُخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي ، اُفضّله على جميع الأنبياء ، واخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري ، ويهدون إلى حقّي ، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي » (٥).

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ١١ ح ٢ ، علل الشرائع ١ / ١٨٠ ح ٢.

(٢) البحار : ٤٣ / ١٦ ، المناقب : ٣ / ١١٠.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٦ ، المناقب : ٣ / ١١١.

(٤) معاني الأخبار : ٦٤ ح ١٥ ، دلائل الإمامة : ٥٤.

(٥) البحار : ٤٣ / ١٢.

٤٢٥

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لمّا خلق الله آدم وحوّاء تبخترا في الجنّة ، فقال آدم لحوّاء : ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا. فأوحى الله إلى جبرئيل عليه‌السلام : ائت بعبديّ الفردوس الأعلى. فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنّة ، وعلى رأسها تاج من نور ، وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها ، فقال آدم : حبيبي جبرئيل ! من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها ؟ فقال : هذه فاطمة بنت محمد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان ، قال : فما هذا التاج الذي على رأسها ؟ قال : بعلها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ... قال : فما القرطان اللذان في اُذنيها؟ قال : ولداها الحسن والحسين. قال آدم : حبيبي جبرئيل ! أخُلقوا قبلي ؟ قال : هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة » (١).

في الدّرّ كوَّنها الباري وصوَّرها

من قبل إيجاد خلق اللوح والقلم

وتوِّجت تاج نور حوله دررٌ

يضي كالشمس أو كالنجم في الظلم

لله أشباح نور طالما سكنوا

سرَّ الغيوب فسادوا سائر الاُمم

قال العلامة المقرَّم : اشتهرت الصدّيقة بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع في غرّتها ، حتّى إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر الكوكب لأهل الأرض ، وإن حضرت للإستهلال أوَّل الشهر لا يرى نور الهلال لغلبة نور وجهها على ضيائه (٢) ...

وعن سلمان الفارسّي (ره) مرفوعاً قال : كنت جالساً عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد إذا دخل العبّاس بن عبد المطّلب ، فسلّم ، فردّ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورحّب به ، فقال : يا رسول الله بما فضّل الله علينا أهل البيت عليّ بن أبي طالب والمعادن واحدة ؟ فقال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذن أُخبرك يا عمّ ، إنّ الله خلقني وخلق عليّاً ولا سماء ولا أرض ولا جنّة ولا نار ولا لوح ولا قلم. فلمّاً أراد الله عزّ وجلّ بدو خلقنا تكلمّ بكلمة فكانت نوراً ، ثمّ تكلمّ بكلمة ثانية فكانت روحاً ، فمزج فيما بينهما واعتدلا ، فخلقني وعليّاً منهما.

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ٥٢.

(٢) وفاة الزهراء : ١٥.

٤٢٦

ثمّ فتق من نوري نور العرش ، فأنا أجلّ من العرش. ثمّ فتق من نور عليّ نور السماوات ، فعليٌّ أجلّ من السماوات. ثمّ فتق من نور الحسن نور الشمس ، ومن نور الحسين نور القمر ، فهما أجلّ من الشمس والقمر. وكانت الملائكة تسبّح الله تعالى وتقول في تسبيحها : « سبّوح قدّوس من أنوارها ما أكرمها على الله تعالى » ! فلمّا أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة ، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها ، فقالت الملائكة ، إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه ، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلا ما كشفت عنّا. فقال الله عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي لأفعلنّ ؛ فخلق نور فاطمة الزهراء عليها‌السلام يومئذ كالقنديل ، وعلّقه في قرط العرش ، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ، من أجل ذلك سمّيت فاطمة « الزهراء ». وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه ، فقال الله : وعزّتي وجلالي ، لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها ... ».

إذن قد تبين من هذه الأخبار والأحاديث الشريفة الوجه من تسميتها بالزهراء فتارة لاشراق نورها للإمام علي عليه‌السلام وأخرى لأن الأرض والسموات العلى زهرت من نورها ، وتارة أخرى نتيجة عبادتها ودخول نورها إلى بيوتات المدينة وإشعاع هذا النور على جميع الناس آنذاك.

خجلاً من نور بهجتها

تتوارى الشمس بالشفق

وحياءً من شمائلها

يتغطى الغصن بالورق

١٠ ـ البتول

جرت عادة الباحثين والكاتبين حول حياة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها عند التعرض لاسمها المبارك ( البتول ) البحث حول قانون العلية والمعلولية كقانون وسنة ربانية جعلها البارئ عز وجل منذ الخلقة الاولى ، فنجد أنه لا يوجد معلول دون علة مؤثرة فيه أو لا توجد أسباب إلا ولها مسبب حقيقي ، وبعبارة أخرى لا

٤٢٧

يوجد أي شيء دون أن تكون له علة مؤثرة فيه ، وعلى هذا الأساس نجد أن الكثير قد طعنوا في اسمها الذي نحن بصدد الوقوف معه في هذه الصفحات حيث يقتضي اسم البتول مخالفة قانون العلية كل ذلك لما لهذا الإسم ( البتول ) من معنى مؤثر وفاعل على طبيعة الحياة البشرية ، ولو أن هؤلاء الذين وقفوا موقف التعنت لهذه الكرامة ولهذا المقام السامي وتأملوا في مراجعة القوانين الكونية والسنن الإلهية لوجدوا أن هناك الكثير من هذه القوانين قد خُرقت وبتأييد من الله تعالى وهذا ما نجده من خلال مراجعة القرآن الكريم باعتباره المصدر الأول للتشريع الإسلامي ولقضايا المهمة التي ربما لا يوجد لها حل ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) أي لا يوجد شيء من الأمور التي تعرض لنا في الحياة إلا وله أساس ومعرفة وبيان من القرآن الكريم ، أما مَنْ الذي يستطيع إدراك هذا البيان ومعرفته المعرفة الحقة فهذا ما نراه واضحاً بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من بعده : ثم من بعد ذلك نرجع إلى الذين أوصى بهم الأئمة بالعودة اليهم بعد غيبة القائم عجل الله تعالى فرجه « وأما الحوادث الواقعة في زمن الغيبة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم » ، إذن لابد بالنتيجة النهائية أن نرجع إلى القرآن الكريم ونرى هل ان هناك قوانين شذ عنها الكثير من الناس وحسب ما ارتضاه تبارك وتعالى ؟

( نعم ) بهذا القول سوف يجيبنا القرآن الكريم فثمة هناك شواهد واضحة البرهان جلية البيان ، صريحة في معناها متقدة في مغزاها أثبتت من خلال واقعيتها مدى صحة مدركيتها فهذه النار التي جعلت لإبراهيم عليه‌السلام برداً وسلاماً وخالفت قوانين الطبيعة في سلوكها وخاصيتها المحرقة وهذه شجرةٌ من يقطين أنبتت ليونس عليه‌السلام بعد أن نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم ، مع العلم بأن حبة اليقطين تحتاج إلى مدة غير قصيرة ، حتى تثبت وتورق وتستر بورقها جسم إنسان أو غير إنسان ، وهكذا نجد في شذوذ الكثير من المسائل عن القوانين والسنن الإلهية ، فهذه مريم مخالفة في ولادة عيسى عليه‌السلام من غير أب مسألة قانون التناسل البشري الطبيعي ، وكذلك هناك طوائف عديدة وأمثلة واضحة تدل دلالة صريحة على أنه هناك الكثير من القوانين قد خرقت بقدرة الله تعالى باعتباره هو مسبب الأسباب الطبيعي بل هو الجاعل لهذه السنن القدرة بهذه

٤٢٨

الكيفية كل هذا المقال الذي قلنا به وبيّنا الشيء اليسير منه لكي نرجع إلى قضية فاطمة سلام الله عليها في كونها بتول منقطعة عن الحيض ، فهل هذا اختلاف وتغير في قانون الطبيعة أم هي كرامة من الله تعالى لها ؟

وهل لهذه مسألة وجه يخرج عنه المتحير فكره إلى الصحيح من البيان ؟ نعم نقول في فاطمة عليها‌السلام كانت بتول بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وسبق أن قلنا أن هذه المسألة لم تكن الفريدة من نوعها ، بل توجد شواهد قرآنية عليها ومن خلال أبسط استقراء للقرآن الكريم نرى هذا الشيء الواضح.

أما بيان البتول والوقوف عليها ، وبيان الوجه في ذلك فهذا ما سيظهر لنا من خلال مراجعة كتب اللغة والحديث والتاريخ لنرى كيف كانت فاطمة سلام الله عليها بتول بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات واضحة.

أما بيان معنى هذه الكلمة من خلال مراجعة كتب اللغة فيظهر من خلال هذه الكتب أنه سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة رضوان الله عليها بنت سيدّنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم قيل لها : البتول ؟ فقال : لا نقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الاُمّة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً. وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله عزّ وجلّ ... وقيل : تبتيل خلقها انفراد كلِّ شيء عنها بحسنه لا يتّكل بعضه على بعض. قال ابن الأعرابيّ : المبتّلة من النساء : الحسنة الخلق ، لا يقصر شيء عن شيء لا تكون حسنة العين سمجة الأنف ، ولا حسنة الأنف سمجة العين ، ولكن تكون تامّة (١).

وقال ابن الأثير : وامرأة بتول : منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم : وبها سمّيت مريم اُمُّ المسيح عليهما‌السلام. وسمّيت فاطمة « البتول » لانقطاعها من نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً. وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى (٢).

وقال الطريحي : والبتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قيل : سمّيت بذلك لانقطاعها إلى الله وعن نساء زمانها فضلاً ، وعن نساء الاُمّة فضلاً وحسباً وديناً (٣).

__________________

(١) لسان العرب : مادة بتل.

(٢) النهاية : مادة بتل.

(٣) مجمع البحرين : مادة بتل.

٤٢٩

وَورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « سمّيت فاطمة بتولاً لأنّها تبتّلت وتقطّعت عمّا هو معتاد العورات في كلِّ شهر ، ولأنّها ترجع كلّ ليلة بكراً. وسمّيت مريم بتولاً لأنّها ولدت عيسى بكراً » (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وإنّما سمّيت فاطمة « البتول » لأنّها تبتّلت من الحيض والنفاس ... » (٢).

وعن عليّ عليه‌السلام قال : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل : ما البتول ؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول : إنَّ مريم بتول ، وفاطمة بتول ؟ فقال : البتول التي لن تر حمرةً قطّ ، أي لم تحض ، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء » (٣).

وعن عائشة قال : إذا اقبلت فاطمة كانت مشيتها مشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت لا تحيض قطُّ ، لأنّها خلقت من تفّاحة الجنّة ، ولقد وضعت الحسن بعد العصر ، وطهرت من نفاسها ، فاغتسلت وصلّت المغرب (٤) ...

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ ابنتي فاطمة حوراء ، إذ لم تحض ولم تطمث » (٥).

وروى الحافظ أبو بكر الشافعي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إبنتي حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث ... » (٦) ... الخ.

وروى ابن عساكر عن أنس بن مالك عن ام سليم قالت : لم تر فاطمة ( رضي الله عنها ) دماً في حيض ولا في نفاس (٧).

وروى الطبري عن أسماء بنت عُميس قالت : قبلت : ( أي ولدت ) فاطمة بالحسن فلم أرَ لها دماً في حيض ولا نفاس ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أما علمت أن ابنتي طاهرة ، لا يرى لها دمٌ في طمث ولا ولادة » (٨).

__________________

(١) احقاق الحق : ١٠ / ٢٥ ، المناقب المرتضوية ١١٩.

(٢) ينابيع المودة : ٢٦٠.

(٣) معاني الأخبار : ٦٤.

(٤) أخبار الدول : ٨٧ ، احقاق الحق : ١٠ / ٢٤٤.

(٥) ذخائر العقبى : ٢٦.

(٦) تاريخ بغداد : ٣ / ٣٣١.

(٧) التاريخ الكبير لابن عساكر : ١ / ٣٩١.

(٨) نزهة المجالس : ٢٢٧.

٤٣٠

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة ، لأنها طاهرة لا تحيض » (١).

وفي كتاب « مولد فاطمة عليها‌السلام » لابن بابويه ، يرفعه إلى أسماء بنت عميس قالت : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كنت شهدت فاطمة إنَّ فاطمة خلقت حوريّة في صورة إنسيّة (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن آبائه : قال : « إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد « الطاهرة » لطهارتها من كلِّ دنس ، وطهارتها من كلّ رفث ، وما رأت قطّ يوماً حمرةً ولا نفاساً » (٣).

أقول : يظهر من التأمل في كلمات أصحاب الصحاح من أهل اللغة والبيان أنهم حملوا معنى الانقطاع بالنسبة للفظ البتول محملاً جيداً وفسروه بأنه انقطاع عن نساء زمان فاطمة سلام الله عليها من ناحية العفة والفضل والدين والحسب ، وكذلك حملوه على الزهد عن الدنيا وانقطاعها سلام الله عليها عن الدنيا وهذه المعاني التي حملوا اسم البتول عليها وان كانت جيدة ومفيدة وواضح من خلال السليقة العربية ومفاهيمها إلا واقع الحال والمقام لا يساعد على هذا الحمل ولا يظهر فيه نتيجة وجود مرجحات وشواهد وقرائن واضحة لمن أراد استقصاءها في معنى اسم البتول ، وخير شاهد على هذه القرائن هو ما قدمناه من الروايات الواردة في المقام من الخاصة والعامة ، فهي أفضل دليل على أن المراد من كلمة واسم البتول هو ما أطلقت وبينت الروايات الشريفة ، فالمقول الذي نقول به ونرجحه على كلمات أهل اللغة في معنى البتول في انه هذا الاسم ظاهر في التي لم تر حمرة قط ولم تحض أبداً وهو الذي يساعد عليه المقام فتأمل في هذه الروايات المباركة.

أما ما يظهر من كلمات بعض الذين وقفوا موقف المتحير ولا يجد أي طريق لحل هذه المعضلة والتي حسب آرائهم انها مخالفة لنظام العلل والمعاليل والأسباب ، وان

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ١٦.

(٢) البحار : ٤٣ ، ص ٧.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٩.

٤٣١

قضية أن فاطمة سلام الله عليها لا ترى الدم ولا الحيض وأمثال هذه القذارة ، فحسب قولهم انها مخالفة لحديث الإمام الصادق عليه‌السلام حيث قال : « أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها فجعل لكل شيء سبباً » وذلك من جهة خروجها عن هذا النظام الأكمل في الطبيعة فنقول : قد تبين الحال من خلال مراجعة القرآن الكريم وان الكثير من الشواهد القرآنية تدل دلالة قطعية على أن الله تعالى قد تصرف في ملكه وقهر الكثير من القواعد المطردة في الطبيعة الكونية « ذلت لقدرتك الصعاب وتسببت بلطفك الأسباب » « ويا مسبب الأسباب من غير سبب ».

وقد علق المحقق الهمداني (١) على هذه المسألة ببيان واضح ذو فائدة جلية ومضامين عالية وغير مخالفة لما هو الأساس من هذه المسألة حيث قال :

توجد في القرآن الكريم طائفة من القصص والوقائع والحوادث لا يساعد عليها جريان العادة المشهورة في عالم الطبيعة على نظام العلّة والمعلول المعهودة ، كحمل مريم سلام الله عليها ، فإنّها مع أنّه لم تمسسها بشر حملت بولدها عيسى عليه‌السلام ، وكحمل سارة بإسحاق عليه‌السلام مع أنّها كانت عجوزاً ، وكحمل امرأة زكريّا بيحيى مع أنّها كانت عاقراً ، وأمثال ذلك في المعجزات وخوارق العادات التي يثبتها القرآن لعدّة من الأنبياء الكرام كمعجزات نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد عليهم‌السلام ، فإنّ كلَّ ذلك امور خارقة للعادة.

فبعد هذا البيان يظهر للقارئ الكريم بطلان ما يقال : إنّ الحيض في النساء من لوازم الخلقة ، فخلوّ المرأة عنه نقص ، وإنّ العادة الشهريّة علامة وسبب للولادة ؛ لأنّا نقول : ليس الخروج من مضايق الطبيعة نقصاً بل ربما يكون كرامة يا لها من كرامة ! على أنّ الحيض بنفسه قذارة ورجس ، كما قال الله عزّ وجلّ ( قُلْ هُوَ أَذًى ) أي قذارة يتأذّى منها ، فإنّ المرأة حين حدثت لها العادة الشهريّة تنفعل وتخجل وتنكسر ولا ترضى أن تصرّح بها لكلّ أحد وإن كان أمسَّ الناس إليها من الرجال والنساء ، وقد تحدث فيها ضعف ، ومن ذلك سقطت عنها في هذه الأيّام الصلاة والصوم ، وحرم عليها اللبث في

__________________

(١) فاطمة بهجة قلب المصطفى : ١٦٠ ـ ١٦١.

٤٣٢

المساجد ، وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفقه ، حتّى حين حاضت صارت ناقصة الإيمان كما نبّه عليه الإمام عليٌّ عليه‌السلام بقوله : « فأمّا نقصان إيمانهنَّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في أيّام حيضهنَّ » (١).

فعلى هذا : إنّ الله عزّ وجلّ تفضّل على سيّدة النساء فاطمة البتول العذراء سلام الله علهيا بالولادة الكاملة من دون رؤية هذه القذارة. وهذا فضيلة سامية لها ، وتطهير زائد في ذاتها سلام الله عليها. وإنّ الله عزّ وجلّ لا يرضى أن تتلوّث سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين بهذه القذارة أو غيرها ظاهرة كانت أو باطنة ، كما قال في حقّها : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ؛ وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا حميراء ، إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميّين ، لا تعتلّ كما يعتللن (٢).

__________________

(١) نهج البلاغة : خطبة ٧٨.

(٢) البحار : ٤٣ / ١٦.

٤٣٣

٤٣٤

٤٣٥

٤٣٦

لبعض أشراف مكة (١)

ما لعيْني قدْ غابَ عنها كراها (٢)

وعراها من عبرةٍ ما عراها

ألدارٍ نعمتُ فيها زماناً

ثم فارقتُها فلا أغشاها

أمْ لحيٍّ بانوا باقمارِ ثمِّ

يتجلّىٰ الدُجىٰ بضوءِ سناها

حاشَ لله لستَ أُطمعُ نفسي

آخرَ العمرِ في اتّباع هواها

بل بكائي لذكرِ مَنْ خصَّها الله

تعالىٰ بلطفهِ واجتباها

ختمَ الله رسلَهُ بأبيها

واصطفاهُ لوحيهِ واصطفاها

وحباها بالسيّدينِ الزكيين

الامامينِ منهُ حينَ حباها

ولَفكريْ في الصاحبينِ الّلذينِ

استحسنا ظلمَها وما راعياها

منعا بعلَها مِنَ العهدِ والعقدِ

وكانَ المنيبَ والأوّاها

واستبدّا بأمرةٍ دبّراها

قبلَ دفن النبيِّ وانتهزاها

وأتتْ فاطمٌ تطالبُ بالأرثِ

من المصطفىٰ فما ورثاها

ليتَ شعري لِم خولفت سننُ

القرآنِ فيها والله قد أبداها

نُسختْ آيةُ المواريثِ منها

أمْ هما بعد فرضها بدّلاها

قالا أبوكِ جاءَ بهذا

حجةً من عنداهمْ نصباها

قالَ للأنبياءِ حكمٌ بأن لا

يورثوا في القديم وانتهراها

أفبنتُ النبىِّ لم تدرِ إنْ كا

ن نبيُّ الهدىٰ بذلك فاها

بضعةٌ من محمدٍ خالفتْ ما قالَ

حاشا مولاتِنا حاشاها

سمعتْهُ يقولُ ذاكَ وجاءت

تطلبُ الارثَ ضلة وسفاها

هيَ كانتْ لله أتقىٰ وكانتْ

افضلُ الخلقِ عفّةً ونزاها

أو تقولُ النبيّ قدْ خالفَ القر

آنَ ويحَ الأخبارِ ممن رواها

سلْ بإبطالِ قولهم سورةَ النمل

وسلْ مريمَ التي قبلَ طهَ

__________________

(١) * : يقول السيد الأمين في المجالس السنية ص ١٠١ ج ٥ وجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي ويظهر أنها لبعض أشراف مكة.

(٢) الكرىٰ : النعاس.

٤٣٧

فهما ينبئان عنْ إرث يحيىٰ

وسليمانَ مَن أراد انتباها

فَدعتْ واشتكت إلى الله من ذا

كَ وفاضتْ بدمعِها مقلتاها

ثمَّ قالتْ فنحلةٌ ليَ من والديْ

المصطفىٰ فلمْ يُنحلاها

فأقامت بها شهوداً فقالوا

بعلُها شاهدٌ لها وابناها

لم يجيزوا شهادةَ ابنيْ رسولِ الله

هادي الأنام إذ ناصباها

لم يكن صادقاً عليٌ ولا فا

طمةٌ عندَهمْ ولا ولداها

كانَ أتقىٰ لله منهمْ فلانٌ

قَبُحَ القائلُ المحالَ وشاها

جرّعاها من بعدِ والدِها

الغيض مراراً فبئسَ ما جرعاها

ليتَ شعري ما كانَ ضرَّهما

الحفظُ لعهدِ النبيِّ لو حفظاها

كانَ إكرامُ خاتمِ الرُّسل الها

ديْ البشيرِ النذيرِ لو اكرماها

ولو ابتيعَ ذاك بالثمنِ الغا

لي لما ضاعَ في اتّباعِ هواها

ولكان الجميلُ أنْ يُقطعاها

فدكاً لا الجميلُ أنْ يقطعاها

أترىٰ المسلمينَ كانوا يلومو

نَهما في العطاء لو أعطياها

كانَ تحتَ الخضراء بنتُ نبيٍّ

صادقٍ ناطقٍ أمينٍ سواها

بنتُ مَنْ أُمُّ مَنْ حليلةُ مَنْ

ويلٌ لمن سنَّ ظلمها وأذاها

قل لنا أيها المجادلُ في القولِ

عن الغاصبين إذْ غصباها

أهما ما تعمّداها كما قلتَ

بظلمٍ كلاّ ولا اهتضماها

فلماذا إذْ جُهزّتْ للقاءِ

لله عند المماتِ لم يحضراها

شيعتْ نعشها ملائكةُ الرحمن

رفقاً بها وما شيّعاها

كان زهداً في أجرها أم عناداً

لأبيها النبيِّ لم يتبعاها

أم لأنَّ البتولَ أوصتْ بألا

يشهدا دفنها فما شهداها

أغضباها وأغضبا عندَ ذاك الله

ربِّ السماء إذ أغضباها

وكذا أخبر النبي بأنَّ

الله يرضىٰ سبحانه لرضاها

لا نبيّ الهدىٰ أُطيعَ ولا

فاطمة أكرمت ولا حسناها

ولأيِّ الاُمور تدفن سراً

بضعة المصطفىٰ ويعفىٰ ثراها

٤٣٨

البحث الخامس عشر

فدك عنوان الولاية

قد تعرض الكثير من الباحثين والمحققّين لقضية فدك وكتبت أقلامهم الشريفة في ما يتعلق بها من أمور عقائدية وولائية أفضل وأروع الكتب والتحقيقات سواء كانت هذه المؤلفات من الأفذاذ من العلماء الدينيين وكتّاب الشيعة المخلصين أو الذين تنورت بصيرتهم بنور الإيمان من جمهور العامة ، حيث تعتبر هذه الكتب من روائع التراث الاسلامي عبر مرّ السنين والدهور ، وفي خضم الأحداث إلى وقتنا الحاضر ولا زال الجهّال بحقائق الأمور يتغافلون ويتناسون هذه الحقيقة الواضحة البرهان في ارث الزهراء عليها‌السلام خاصة والولاية لعلي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامة ، ويدافعون عن الباطل ويمدهم الشيطان بطغيانهم لحرف المسلمين عن الطريق المستقيم ، والمحجة البيضاء بولاية عليّ و أولاده الأئمة الاطهار عليهم‌السلام.

فمن هذا المنطلق كان لابدلنا من وقفة يسيرة من عنوان الولاية والحق السليب من أهل بيت النبوة عليهم‌السلام تلك هي فدك التي جاءت لتعبر عن معاني الولاء أو البراءة بالنسبة للذين يقفون في سدة الحكم الإسلامي إذ إبان رحلة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفدك قرية بالحجاز ، بينهما وبين المدينة يومان ، وقيل : ثلاثة ، أفاءها الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنة « سبع » صلحاً ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل خيبر وفتح حصونها ، ولم يبق إلا ثلاث واشتد بهم الحصار ، راسلوا رسول الله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل ، وبلغ ذلك من أهل فدك ، فأرسلوا الىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك ، فهي مما لم يوجف عليه بِخيل ولا ركاب ، فكانت خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيها عين خوارة ونخيل كثير ، وهي التي أقطعها رسول الله فاطمة صلوات الله عليها (١) ولقد نزلت الآيات القرآنية الكريمة على قلب الرسول الأكرم كي تثبت حقيقة خالدة على مر العصور ألا وهي منح فاطمة الزهراء فدكا

__________________

(١) معجم البلدان : ٤ / ٢٣٨ ، لسان العرب : ١٠ / ٢٠٣.

٤٣٩

وعلى لسان القرآن الكريم ، لذلك تعتبر فدك منحة ربانية قبل أن تكون هدية نبوية ، حيث جاء قوله تعالى : ( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (١). ليكون دليلاً على أنّ قوله تعالى ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) هو كون فدك للصديقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام ، ولقد أيدت هذا القول الكثير من الكتب الواردة في تفسير قوله تعالى ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) منها كشف الغمة (٢) وتفسير العياشي (٣) وكتاب تأويل الآيات (٤) وتفسير مجمع البيان (٥) وتفسير فرات (٦) ، حيث أجمعت جميع هذه الكتب أنّ فدك هبة من الله تعالى في القرآن الكريم وعلى لسان الرسول لفاطمة عليها‌السلام ، والذي يظهر من جميع هذه الكتب ان فدك لفاطمة ولعقبها من بعدها أي للائمة عليهم‌السلام ، ولقد غصبت فدك ظلماً وعدواناً بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما الشاهد على كونها هبة من الله تعالى ما روي في تفسير الإمام الرضا عليه‌السلام ، في مسألة اصطفاء أهل البيت في الكتاب العزيز في اثني عشر موطناً ... قال عليه‌السلام : والآية الخامسة : قول الله عز وجل : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) ؛ خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها ، واصطفاهم على الأمة ؛ فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أدعوا إليَّ فاطمة ، فدعيت له : « فقال ، قالت : لبيك يا رسول الله. فقال : هذه فدك ، هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة ، دون المسلمين ، قد جعلتها لك لما أمرني الله تعالى به ، فخذيها لك ولولدك » (٧).

__________________

(١) الحشر : آية ٦ ـ ٧.

(٢) ج ١ / ص ٤٧٦.

(٣) ٢ / ٢٨٧ ح ٥٠.

(٤) ١ / ٤٣٥ ح ٥ ، البرهان : ٣ / ٢٦٤ ح ٣.

(٥) ٦ / ٤١١.

(٦) ٢٣٩ / ح ٣٢٣ ، ٣٢٢ / ح ٤٣٧.

(٧) عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٣٣ ضمن ح ١ ، البرهان : ٢ / ٤١٥ ح ٢ ، غاية المرام : ٣٢٣ ح ٢١٩ ، نور الثقلين : ٥ / ٢٧٥.

٤٤٠