الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وتصديقاً لهذا الكلام ترى في العالم ـ اليوم ـ ذرّيّة فاطمة الزهراء عليه‌السلام الذين هم ذرّيّة رسول الله عليه‌السلام منتشرين في بقاع العالم ، ففي العراق حوالي مليون ، وفي إيران حوالي ثلاث ملايين ، وفي مصر خمس ملايين ، وفي المغرب ، الأقصى خمس ملايين ، وفي الجزائر وتونس وليبيا عدد كثير ، وكذلك في الاُردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعوديّة ملايين ، وفي اليمن والهند وباكستان والأفغان وجزر أندونيسيا حوالي عشرين مليون ، وقلّ أن تجد في البلاد الإسلاميّة بلدة ليس فيها أحدٌ من نسل السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ويقدّر مجموعهم بخمسة وثلاثين مليوناً ، ولو اجريت إحصائيّات دقيقة وصحيحة فلعلّ العدد يتجاوز هذا المقدار (١).

ويؤيّد ما استفادة العلاّمة (ره) وغيره أخبار كثيرة وردت من الفريقين العامّة والخاصّة ، كما روى الحافظ الكنجيُّ الشافعيُّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرِّية كلِّ نبيٍّ في صلبه ، وإنَّ الله عزّ وجلّ جعل ذرّيَّتي في صلب علي بن أبي طالب ».

قلت : رواه الطبراني في معجمه الكبير ، في ترجمة الحسن. فإن قيل : لا اتِّصال لذرِّيَّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليٍّ عليه‌السلام إلا من جهة فاطمة عليها‌السلام ، وأولاد البنات لا تكون ذرِّيَّة لقول الشاعر :

بنونا بنو وبناتنا

بنوهنَّ أبناء الرجال الأباعد

قلت : في التنزيل حجَّة واضحة تشهد بصحّة هذه الدعوى ، وهو قوله عزَّ وجلَّ في سورة الأنعام : ( وَوَهَبْنَا لَهُ ( أي لإبراهيم ) إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ ( أي ذرِّيَّة نوح ) دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ( إلى أن قال ) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ) (٢). فعدَّ عيسى عليه‌السلام من جملة الذرِّيَّة الذين نسبهم إلى نوح عليه‌السلام وهو ابن بنت لا اتّصال له إلا من جهة امِّه مريم. وفي هذا أكدُّ دليل [ على ] أنَّ أولاد فاطمة عليها‌السلام ذرِّيَّة للنبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عقب له إلا من جهتها ... وقد قال عطاء ومن شايعه من المفسِّرين : الهاء من قوله ( ومن ذرِّيَّته ) راجعة إلى إبراهيم. ويحصل في هذا فائدة

__________________

(١) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد : ص ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥.

٤٠١

اُخرى لطيفة وهو أنَّه عدّ من جملة الذرّيّة الذين نسبهم إلى إبراهيم لوطاً ولم يكن من صلبه ، لأنَّ لوطاً ابن أخي إبراهيم ، والعرب تجعل العمّ أباً كما أخبر عزّ وجلّ عن ولد يعقوب حيث قال : ( نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ومعلوم أنّ إسماعيل عمّ يعقوب ولكن نزّله منزلة الأب ، فيحصل من هذا جواز انتساب أولاد عليّ عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإطلاق ، لأنّه أخوه وهو منه بمنزلة هارون من موسى ، كما نسب الله لوطاً إلى إبراهيم ، ولوط إنّما هو ابن أخيه ، وكذلك هنا ... ابن حصين عن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : كلّ بني اُنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل : يا فاطمة ، ما بعث الله نبيّاً إلا جعل له ذرِّيَّةً من صلبه ، وجعل ذرّيّتي من صلب عليّ ، ولولا عليٌّ ما كانت لي ذرّيّة (٢).

قال ابن أبي الحديد في ذيل كلام عليّ عليه‌السلام : « املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدَّني ، فإنّني أنفس بهذين ـ يعني الحسن والحسين عليهما‌السلام ـ على الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

فإن قلت : أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما أبناء رسول الله وولد رسول الله وذرّيّة رسول الله ونسل رسول الله ؟

قلت : نعم ، لأنّ الله سماهم أبنائه في قوله تعالى : ( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (٤) ، وإنما عنى الحسن والحسين ... وسمّى الله تعالى عيسى ذرّيَّة إبراهيم في قوله : (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ـ إلى أن قال ـ وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) ...

فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) (٥) ؟

قلت : أسألك عن اُبوَّته لأبراهيم بن مارية ، فكلُّ ما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين عليهما‌السلام. والجواب الشامل للجميع أنّه عنى زيد بن حارثة ، لأنّ

__________________

(١) كفاية الطالب : ٣٧٩.

(٢) البحار : ٤٣ / ١٠١.

(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٥.

(٤) آل عمران : ٦١.

(٥) الأحزاب : ٤٠.

٤٠٢

العرب كانت تقول : زيد بن محمّد ، على عادتهم في تبنّي العبيد ، فأبطل الله ذلك ونهى عن سنّة الجاهليّة ...

قيل لمحمّد ابن الحنفيّة : لِم يغرّر بك أبوك في الحرب ولم لا يغرّر بالحسن والحسين ؟ فقال : لأنّهما عيناه ، وأنا يمينه ، وهو يذبُّ عن عينيه بيمينه (١).

وروى الخطيب عن عبد الله بن عبّاس قال : كنت أنا وأبي العبّاسُ بن عبد المطّلب جالسين عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليُّ بن أبي طالب ، فسلّم فردّ عليه رسول الله : وبشَّ به وقام إليه واعتنقه وقبّل بين عينيه وأجلسه عن يمينه ، فقال العبّاس : يا رسول الله ، أتحبُّ هذا ؟ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمَّ رسول الله ، والله لله أشدُّ حباً له منّي ، إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيّتي في صلب هذا (٢).

وجرت مناظرة طويلة بين الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام وبين هارون الرشيد ، وفيه قال له هارون : لم جوَّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ؟ وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدُّكم من قبل اُمّكم ! فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ! ولم لا اُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت : لكنّه عليه‌السلام لا يخطب إليّ ولا اُزوِّجه. فقال : ولم ؟ فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك. فقال : أحسنت يا موسى.

ثم قال : كيف قلتم إنّا ذرّيَّة النبي ، والنبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى ، وأنتم ولد الابنة ولا يكون لها عقب ؟ فقلت : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة ، فقال : أو لا تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ؟ كذا اُنهي إليَّ ، ولست أغفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، فأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واوٌ إلا وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي

__________________

(١) شرح النهج : ١١ / ٢٦.

(٢) تاريخ بغداد : ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧.

٤٠٣

الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١). وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات. فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) (٢) ، من أبو عيسى ، يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب ، فقلت : إنّما الحقناه بذراري الأنبياء عليهم‌السلام من طريق مريم عليها‌السلام ، وكذلك اُلحقنا بذراري النبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل اُمّنا فاطمة عليها‌السلام.

أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات. قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا عليَّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وكان تأويل قوله عزّ وجلّ ( أَبْنَاءَنَا ) الحسن والحسين ( وَنِسَاءَنَا ) فاطمة ( وَأَنفُسَنَا ) عليّ بن أبي طالب. إنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم اُحد : « يا محمّد ، إنَّ هذه لهي المواساة من عليّ. قال : لأنّه منّي وأنا منه. فقال : جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله. ثمّ قال : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ عليّ » فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله عليه‌السلام إذ يقول : ( فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) (٤) ، إنّا معشر بني عمّك نفتخر بقول جبرئيل إنّه منّا. فقال : أحسنت يا موسى ـ الحديث (٥).

عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : يا أبا الجارود ، ما يقولون في الحسن والحسين عليها‌السلام ؟ قلت : ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قلت : بقول الله عزّ وجلّ في عيسى بن مريم : ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ( إلى قوله ) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي

__________________

(١) الأنعام : ٣٨.

(٢) الأنعام : ٨٤.

(٣) آل عمران : ٦١.

(٤) الأنبياء : ٦٠.

(٥) البحار : ٤٨ / ١٢٧.

٤٠٤

المُحْسِنِينَ ) ، وجعل عيسى من ذرّيّة إبراهيم ، قال : فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قال : قلت : احتججنا عليهم بقول الله تعالى : ( قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) الآية : قال : فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد ، فيقول : أبنائنا ، وإنّما هما ابنُ واحدٍ. قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : والله يا أبا الجارود لاُعطينَّكها من كتاب الله تسمّى لصلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يردُّها إلاّ كافر. قال : قلت : جعلت فداك ، وأين ؟ قال : حيث قال الله ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ( إلى أن ينتهي إلى قوله ) وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (١) ، فسلهم يا أبا الجارود ، هل حلّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نكاح حليلتهما ؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا والله وفجروا ، وإن قالوا : لا ، فهما والله ابناه لصلبه ، وما حرمتا عليه إلاّ للصلب (٢).

وعن عامر الشعبيّ إنّه قال : بعث إليّ الحجّاج ذات ليلة ، فخشيت ، فقمت وتوضّأت وأوصيت ، ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور وسيف مسلول ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام فقال : لا تخف ، فقد أمنتك الليلة وغداً إلى الظهر. وأجلسني عنده ، ثمّ أشار فأتي برجل مقيّد بالكبول والأغلال ، فوضعوه بين يديه فقال : إنّ هذا الشيخ يقول : إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ليأتينّي بحجّة من القرآن وإلا لأضربنّ عنقه.

فقلت : يجب أن تحلّ قيده فإنّه إذا أحتجّ فإنّه لا محالة يذهب ، وإن لم يحتجّ فإنّ السيف لا يقطع هذا الحديد. فحلّوا قيوده وكبوله ، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير ، فحزنت بذلك وقلت : كيف يجد حجّة على ذلك من القرآن ؟ فقال له الحجّاج : ائتني بحجّة من القرآن على ما ادّعيت وإلا أضرب عنقك. فقال له : انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك ، فقال : انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك ، فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ( إلى

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) البحار: ٤٣ / ٢٣٣.

٤٠٥

قوله ) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ). ثم سكت. وقال للحجّاج : اقرأ ما بعده ، فقرأ : ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) ، فقال سعيد : كيف يليق ههنا عيسى ؟ قال : إنّه كان من ذرّيّته ، قال : اين كان عيسى من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنة فنسب إليه مع بُعده ، فاحسن والحسين أولى أن ينسبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع قربهما منه. فأمر له بعشرة آلاف دينار وأمر بأن يحملوها معه إلى داره ، وأذن له في الرجوع.

قال الشعبيُّ : فلما أصبحت قلت في نفسي : قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلَّم منه معاني القرآن ، لأنّي كنت أظنّ أنّي أعرفها فإذا أنا لا أعرفها ، فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه يفرّقها عشراً عشراً ويتصدّق بها ، ثم قال : هذا كلّه ببركة الحسن والحسين عليهما‌السلام ، لئن كنّا أغممنا واحداً لقد أفرحنا ألفاً وأرضينا الله ورسوله (١).

٤ ـ الطاهرة

من الأسماء الجميلة والتي تدل على معنى يصبو إليه كل مؤمن هو الطهارة الباطنية والظاهرية ، حيث سميت به فاطمة سلام الله عليها ، وقد دلت عدة روايات مهمة في هذا الباب على مدى طهارتها عليها‌السلام هذا بالإضافة إلى الشواهد الأخرى التي أيدت هذه المسألة عنها عليها‌السلام من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بل هي المحور الذي يدور عليه أهل البيت عليهم‌السلام ، وأفضل دليل على طهارتها هو آية التطهير ، فهي سلام الله عليها مطهرة نقية مبرءة من كل الأرجاس الظاهرية والباطنية وإليك بعض الأحاديث والشواهد التي تدل على أنها طاهرة سواء الطهارة الظاهرية أو الباطنية.

فلقد ورد عن أبي جعفر ، عن آبائه : قال : إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الطاهرة » لطهارتها من كلّ دنس ، وطهارتها من كلِّ رفث ، وما رأت قطّ يوماً حمرة

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ٢٢٩.

٤٠٦

ولا نفاساً (١).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : إنَّ الله حرَّم النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيَّة ، لأنَّها طاهرة لا تحيض (٢).

ولقد بيّن العلامة المولى محمد علي الأنصاري وجه الطهارة عن أهل البيت : بما فيهم فاطمة سلام الله عليها حيث قال : ووجه الطهارة في جميع ما ذكر منهم من حيث الحكمة أنّ منشأ النجاسة ونحوها إنّما هو جهة النفسانيّة ، وليس في تلك الأنوار الإسفهبديّة جهة النفسانيّة بالمرّة ولو مثقال ذرّة. وما ورد في طهارة أجسادهم الشريفة إنّما هو محمول على أجزائها الظاهريّة والباطنيّة من كلِّ حيثيّة ، وإلا فظواهر الأجساد طاهرة من كلِّ مسلم أيضاً فلا يكون لهم حينئذ فضل من هذه الجهة ... (٣).

أما قضية سد الأبواب بالنسبة للمسجد النبوي الشريف إلاّ لأهل البيت عليهم‌السلام في زمن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهي أفضل شاهد على طهارتهم الظاهرية والباطنية.

وقال العلامة الأميني (٤) رحمه‌الله إشارة إلى هذا المسألة : إنَّ سدَّ الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيره عن الأدناس الظاهريّة والمعنويّة ، فلا يمرُّ به أحد جنباً ، ولا يجنب فيه أحد. وأمّا ترك بابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وباب أمير المؤمنين عليه‌السلام فلطهارتهما عن كلِّ رجس ودنس بنصِّ آية التطهير ، حتّى إنَّ الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما ...

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إنّ مسجدي حرام على كلّ حائض من النساء وكلّ جنب من الرجال إلاّ على محمد وأهل بيته عليهم‌السلام علي وفاطمة والحسن والحسين (٥) ( صلوات الله عليهم أجمعين ). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا لا يحلُّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلُّوا (٦) ...

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ١٩ ، ١٦. مصباح الأنوار على ما في العوالم : ٢٢٢ مخطوط.

(٢) المناقب : ٣ / ١١٠. التهذيب : ٧ / ٤٧٥. بشارة المصطفى : ٣٠٦.

(٣) اللمعة البيضاء : ٢٤.

(٤) الغدير : ٣ / ٢١١.

(٥) سنن البيهقي : ٧ / ٦٥.

(٦) سنن البيهقي : ٧ / ٦٥.

٤٠٧

فزبدة المخض من هذه كلّها أنّ إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله ممّا خصّ به مبتنٍ على نزول آية التطهير النافية عنهم كلّ نوع من الرجاسة.

وقال العلامة الشيخ السعيد جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني رحمه‌الله : وروي الصدوق في كتاب « من لا يحضره الفقيه » عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلاً أنّه قال : « إنّ فاطمة ( صلوات الله عليها ) ليست كأحد منكنّ ، إنّها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحوريّة ... » ولا يخفى ما في هذه الروايات من المنافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر فاطمة عليها‌السلام بذلك. ووجه الجمع حمل أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها عليها‌السلام على إرادة تعليم المؤمنات ، وهو نوع من التجوُّز في الخطاب شائع ، ولعلَّ المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها ممّا ينافي ظهوره بلاء التكليف (١).

وفي ختام هذا البحث ينبغي أن تلاحظ ما جاء في غسلها ووصيّتها عليها‌السلام قبل الوفاة ، وهو أدلّ دليل وأقوى حجّة على أنّها كانت طاهرة ميمونة في حياتها وبعد مماتها ، ولم يحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة ، مع أنك تعلم أنَّه ممّا لا خلاف فيه تنجُّس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه ، ولأجل ذلك لابد أن يغسَّل الميّت حتّى يطهَّر بدنه وينظَّف جسمه ، إلا أنَّ سيِّدة النساء عليه‌السلام أوصت أن لا يكشفها أحد ، وأن تدفن بغسلها قبل الوفاة.

روى أحمد في مسنده عن اُمِّ سلمى ( زوجة أبي رافع ) قالت : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه ، فكنت اُمرِّضها ، فأصبحت يوماً كأمثل من رأيتها في شكواها تلك ، قالت : وخرج عليٌّ لبعض حاجته ، فقالت : يا اُمَّه اسكبي لي غسلاً. فسكبت لها غسلاً ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغسل ، ثم قالت : يا اُمَّه أعطيني ثيابي الجدد ، فأعطيتها ، فلبستها ، ثم قالت : يا أمّه قدّي لي فراشي وسط البيت ، ففعلت ؛ واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدّها ، ثم قالت : يا امّه إنّي مقبوضة الآن وقد تطهّرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبُضت مكانها ، قالت : فجاء عليٌّ فأخبرنه (٢).

__________________

(١) منتقى الجمان : ١ / ٢٢٤.

(٢) مسند أحمد : ٦ / ٤٦١ ، وكذلك ورّد هذا الخبر في كتب مختلفة للعامّة والخاصّة ، منها «

٤٠٨

وقال في « كشف الغمّة » : واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة على نقله مع كون الحكم على خلافة عجيب ، فإنَّ الفقهاء من الطرفين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في موضع ليس هذا منه ... ولعلَّ هذا أمر يخصُّها عليها‌السلام. نعم إنّها عليها‌السلام كأبيها في طهراتها كما تقدّم عن الصادق عليه‌السلام إنّه لمّا سئل : هل اغتسل عليٌّ حين غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : النبّي طاهر مطهّر ولكن اغتسل عليٌّ عليه‌السلام وجرت به السنة.

٥ ـ الزكية

ومعنى هذا الاسم مماثل ومرادف للمباركة ، والذي يقتضي الحال ان الزكاة هي النمو والزيادة في الشيء على وجه ما بحيث يكون ذا أثر واضح نتيجة تلك الزيادة التي تطرأ عليه ، فالزهراء زكية من جهة أن الله تعالى قد جعل ذرية الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ازدادت ونمت عن طريق الرحم الطاهر للزهراء سلام الله عليها فلقد كثر وبانت ذرية الرسول من جهتها سلام الله عليها وهذا يقتضي أن تكون الزهراء هي المنبع الذي عن طريقه كثرة ذرية رسول الله ، فهي الزكية بكثرة بركتها على شيعتها ويمن المراجعة في هذا الموضوع في باب اسمها المباركة فإنه كما هي مباركة فهي زكية بسبب اخلاصها وحبها لله تعالى وتفانيها في ذات الله.

٦ ـ الراضية

من الأمور المهمة والتي تكون ذا أهمية كبيرة في معرفة درجة ايمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالى ، فمقام الرضا يحتاج إلى معرفة ويقين حتى يصل إليه الإنسان ويكون من الراضين بما قسم الله تعالى حتى يصل في النهاية إلى مرحلة إيمانية

__________________

الاصابة » لابن حجر في ترجمتها عليها‌السلام ، و « حلية الأولياء » : ٢ / ٤٣ ، و « كشف الغمّة » : ١ / ٥٠٢ ، و « المناقب » لابن شهر آشوب : ٣ / ٣٦٤ ، و « المستدرك » للمحدِّث النوريّ : ١ / ١٠٤ في نوادر الغسل.

٤٠٩

عالية جداً ، وكما ورد في دعاء كميل « وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً » أي أن الإنسان المؤمن يطلب من الله تعالى أن يوصله إلى مقام الرضا منه جل وعلا في كل ما يقسمه له سواء من خير أو غير ذلك ، ومع هذا كله فلقد ورّد في عدة أحاديث مروية عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام أن رأس طاعة الله تعالى الصبر والرضا عن الله تبارك وتعالى.

فلقد جاء في الحديث الشريف عن علي بن الحسين عليه‌السلام أنه قال : « الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره ، لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له » (١) لأنه سبحانه وتعالى كما ورد في بعض الأخبار ـ عند حسن ظن عبده المؤمن به ، إضافة إلى أن الله سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته ، وان خفيت تلك المصلحة على العبد لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده.

وجاء في حديث آخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل (٢).

فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخرى يظهر مقام الزهراء سلام الله عليها العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالى بكل ما قدر لها من خير وبلاء ، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة سلام الله عليها ، فبملاحظة اسمها هذا ـ الراضية ـ باعتبار أنه اسم معروفة به عند الله تعالى والله لا يعطي هذا الإسم إلا لمن حاز على مرتبة شريفة وسامية ، فبملاحظة أمور أخرى في حياتها سلام الله عليها يتضح ويظهر انها عليها‌السلام كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها ، وكما ورد على لسان المعصوم عليه‌السلام « نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » والحجة لا يكون على الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي على الآخرين وإلا لا يكون حجة على غيره.

إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال أبسط تأمل لحياتها وما جرى عليها

__________________

(١) اصول الكافي : ٢ / ٦٦.

(٢) اصول الكافي : ٢ / ٦٦.

٤١٠

من الظلم والأذى ، وبما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها.

وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر ان هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة سلام الله عليها وبين اسمها الراضية ، فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء الله تعالى وبين الصدّيق الذي يكون عند الله بهذا المقام ، فلقد روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « قال الله عز وجل : عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي أكتبه ، أكتبه يا محمد من الصدّيقين عندي » (١).

وتمام هذا الحديث منطبق على سيرتها الذاتية عليها‌السلام فهي كانت راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على ما جرى عليها من الظلم والهوان ، وكانت شاكرة لله تعالى فالشكر يدل على الرضا ، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخرى لها هو الراضية ، إذن الرضا يؤدي بالعبد إلى درجة الصديقين ، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها ، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل البراهين على أنها كانت صديقة سلام الله عليها.

أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية ، وكما قلنا أن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية بما قدر الله لها ، فعن علي بن أعبد قال : قال لي عليٌّ رضي‌الله‌عنه : ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت من أحبَّ أهله إليه ؟ قلت : بلى. قال : إنَّها جرَّت بالرحى حتّى أثّر في يدها ، واستقت بالقربة حتّى أثّر في نحرها ، وكنست البيت حتّى اغبرَّت ثيابها ، وأوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، وأصابها من ذلك ضرٌّ ، فأتي النبيَّ عليه‌السلام خدم ، فقلت : لو أتيت أباك فسألته خادماً. فأتته فوجدت عنده حدّاثاً ، فاستحيت فرجعت ، فأتاها من الغد ، فقال : ما كان حاجتك ؟ فسكتت ، فقالت : أُحدِّثك يا رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جرّت عندي

__________________

(١) اصول الكافي : ٢ / ٦٨.

٤١١

بالرحى حتّى أثَّر في يدها ، وحملت القربة حتّى أثّر في نحرها وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، [ و ] أوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فلمّا جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فستخدمك خادماً يقيها حرّ ما هي فيه.

قال : اتّقي الله يا فاطمة ، وأدّي فريضة ربِّك ، واعملي عمل أهلك ، إن أخذت مضجعلك فسبِّحي ثلاثاً وثلاثين ، واحمدي ثلاثاً وثلاثين ، وكبِّري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة ، فهي خير لك من خادم. فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ؛ ولم يخدمها (١).

ولقد ذكر المولى محمد علي الأنصاري شارح الخطبة ، في مسألة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث قال : وإطلاق الرضيّة لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطلبت منه خادمة وقالت : لا اُطيق على شدائد أشغال البيت ، فعلَّمها النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسبيح فاطمة وبشَّر لها بثوابه : فقالت ثلاثاً : رضيت عن الله ورسوله. فرجعت إلى بيتها فقالت : طلبت من أبي خير الدنيا ، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة الشرف والفضيلة. أو لرضاها عنه تعالى في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الإنتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة (٢).

٧ ـ المرضية

وهذا اسم آخر لفاطمة الزهراء سلام الله عليها ، والذي يظهر من خلال التأمل والتدبر في السيرة الذاتية لها أنه هناك احتمالان ، في معنى كونها مرضية ، أحدهما هو كون جميع أعمالها وأفعالها وأقوالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها مرضية عند الله تبارك وتعالى فهي رضي الله عنها ورضت عنه ، فهي راضية مرضية راضية عن

__________________

(١) مسند فاطمة عليها‌السلام للحافظ البوطي : ١١٠.

(٢) اللمعة البيضاء : ٩٢.

٤١٢

الباري عز وجل ومرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر.

والإحتمال الآخر أنها سلام الله عليها كانت مرضية ، من جهة ما أعطاها الله تبارك وتعالى من المقامات النورانية التي بها فضلها على غيرها وكذلك ، ومن خلال ما أعطاها تبارك وتعالى من الذرية الكثيرة حيث جعل منها الأئمة الهاديين ، وكذلك هي مرضية سلام الله عليها من جهة أن لها مقام الشفاعة الكبرى وكما ورد في أحاديث مجيئها يوم القيامة وكيفية شفاعتها لشيعتها ومحبيها ، وهذا ما بحثناه في الفصل الخاص الذي بيناه فيه مقاماتها سلام الله عليها ، وأياً كان تفسير معنى المرضية سواء كان الاحتمال الأولى أو الثاني ، فعن فاطمة سلام الله عليها قد حازت وفازت بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية فهي راضية مرضية أعمالها عند الله عز وجل ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ).

٨ ـ المحَدَّثة

ونقف هنا في هذا الصفحات مع اسم آخر لفاطمة سلام الله عليها والذي نستفيده من خلال مراجعة مصادر اللغة إن هذا الإسم ومن دون تحريك حرف الدال نحتمل فيه اما أن تكون الدال المشدّدة مكسورة واما أن تكون الدال المشددة فيه مفتوحة. وعلى الاحتمال الأول يكون معنى هذا الإسم أنها سلام الله عليها كانت تُحدث امها خديجة عليه‌السلام وهذا ما يظهر من خلال مراجعة بعض الروايات ، حيث أنها سلام الله عليها كانت تحدث أمها وهي في بطنها ، وكما ورد عندما سئل رسول الله من زوجته خديجة اثناء دخوله عليها قائلاً لها من تتحدثين قالت : الجنين الذي في بطني يؤنسني ويحدثني.

وعلى الإحتمال الثاني وهو الأصح على ما يظهر من بعض الأحاديث في المقام ( وسوف تأتينا خلال البحث ) يكون معنى المُحدّثة هو أنها سلام الله عليها كانت تحدثها الملائكة وتؤنسها وخصوصا بعد فقد أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وهنا سؤال يطرح نفسه في المقام وينقدح في ذهن القارئ وهو هل من الممكن أن

٤١٣

تكون الملائكة تحدث بعض الناس مع أن المعلوم أن الوحي انقطع بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي حالة تكون تحديث الملائكة وامكان وقوعه ولو على غير نحو الوحي هل يقع هذا مع فاطمة سلام الله عليها ؟

وللإجابة على هذا السؤال لابد لنا من مراجعة القرآن الكريم ونستقرأه في هذه المسألة وامكان وقوعها في الأمم السابقة باعتبار أن القرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين في عرض الأشياء عليه.

فنجد من خلال عدة آيات قرآنية كثيرة جداً ثبتت هذه الحقيقة وهي أن الملائكة يمكن أن تتحدث مع البشر ، فهذا صريح القرآن يثبت هذه الحقيقة الواضحة البرهان والتي لا يبقى معها شك وإليك بعض هذه الآيات القرآنية التي ثبتت هذه المسألة :

١ ـ قال الله تعالى ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا ... ) (١).

٢ ـ ( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ ... ) (٢).

ان الظاهر من خلال التأمل في الآتين المباركتين أن مريم سلام الله عليها تحدثت مع الملائكة ، وهذا من أفضل الأدلة على مسألة تحدث الملائكة مع أُناس ليسوا بأنبياء فإن مريم سلام الله عليها لم تكن بنبي ولم تكن إمام بل هي أُم نبي من أنبياء الله تعالى ، ومع ذلك فالملائكة تحدثت معها.

٣ ـ قوله تعالى : ( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ... ) (٣).

٤ ـ وقوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٤). وقوله تعالى : ( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) (٥). ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) (٦). ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ

__________________

(١) سورة مريم : آية ١٦ ـ ٢١.

(٢) آل عمران : ٤٣.

(٣) هود آية : ٧١ ـ ٧٣.

(٤) القصص : ٧.

(٥) سورة مريم : آية ١١.

(٦) فصلت : ١٢.

٤١٤

إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ) (١). ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) (٢). ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا ) (٣). ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٤). ( إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ) (٥).

اذن يظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى ، نعم الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء بل هو شأن آخر من الوحي.

فالوحي لغة الإعلام الخفي السريع ، واصطلاحاً الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لاعلامهم ألوان الهداية والعلم ، وانما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ولذا عبر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي (٦).

قال سبحانه ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ... ) (٧).

وقال الله تعالى ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٨).

وهذه الآية الأخيره حددت معنى الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين أما الآيات الاخرى المتقدمة الذكر فلها معاني أُخر للوحي ، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته الآيات

__________________

(١) المائدة : ١١١.

(٢) الأنفال : ١٢.

(٣) النحل : ٦٨.

(٤) القصص : ٧.

(٥) طه : ٣٨.

(٦) موجز علوم القرآن : ١١٠.

(٧) النساء : ١٦٣.

(٨) الشورى : آية ٥١.

٤١٥

الآنفة الذكر ، فلا محالة أن تكون قد حُدثت من قبل الملائكة كما دل القرآن على إمكان وقوع ذلك كما حدث مع أُم موسى وكيفية إيحاء الله تعالى لها.

وثمة شواهد أخرى تدل على أنها كانت محدثة من قبل الملائكة ، وهذا ما نجده في المأثور الروائي الذي نقل إلينا عبر الرواة والمحدثون.

فعن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّما سمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين (١). فتحدّثهم ويحدّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين (٢).

وعن عبد الله بن الحسن المؤدّب ، عن أحمد بن علي الاصفهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن اسماعيل بن بشّار قال : حدّثنا عليُّ بن جعفر الحضرميّ بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمد بن أبي بكر لمّا قرأ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) (٣) ولا محدَّث ، قلت : وهل يحدِّث الملائكة إلاّ الأنبياء ؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبيّة وكانت محدّثة ، وأُمُّ موسى بن عمران كانت محدَّثة ولم تكن نبيّة ، وساره امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبيّة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت محدَّثة ولم تكن نبيّة (٤).

وجاء في الكتاب القيم ( الغدير الذي يعتبر من أهم الكتب التي ألفت في حق ولاية أهل البيت عليهم‌السلام ) حول مسألة الأناس المحدثون حيث قال : « أصفقت الاُمّة الإسلامية على أنّ في هذه الاُمّة كما لدى الاُمم السابقة اُناسٌ محدَّثون ـ على صيغة المفعول ـ

__________________

(١) إشارة إلى الآية : ٤٢ من سورة آل عمران.

(٢) البحار : ٤٣ / ٧٨.

(٣) الحج : ٥٢.

(٤) البحار : ٤٣ / ٧٩.

٤١٦

وقد أخبر بذلك النبيُّ الأعظم كما ورد في الصّحاح والمسانيد من طريق الفريقين العامة والخاصّة ، والمحدَّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهَم له ويُلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقايق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه. فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الاُمّة مطبق عليه بين فرق الإسلام ، بيد أنَّ الخلاف في تشخيصه. فالشيعة ترى عليّاً أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدَّثين ... »(١).

وقال رحمه‌الله : « إنّ في هذه الاُمّة اُناسٌ محدَّثون كما كان في الاُمم الماضية ، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدَّثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصّة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصدّيقة كريمة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محدّثة ، وسلمان الفارسيّ محدَّثاً ، نعم كلُّ الأئمّة من العترة الطاهرة محدَّثون ، وليس كلّ محدَّث بإمام ، ومعنى المحدَّث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصّلة في الأحاديث. هذا ما عند الشيعة ليس إلا » (٢).

وورد عن العلامة المناوي في ذيل الحديث الذي جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول مسألة تحديث الملائكة مع الناس ما نصه : « قد كان فيما مضى قبلكم من الاُمم اُناس محدَّثون ». قال القرطبيُّ : الرواية بفتح الدال ، اسم مفعول جمع محدَّث بالفتح أي ملهم ، أو صادق الظنّ ، وهو من اُلقي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى ، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، أو من إذا رأى رأياً أو ظنّ ظنّاً أصاب ، كأنّه حدَّث به واُلقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له. وهذه كرامةٌ يكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء (٣).

إذن يظهر من الأحاديث والأقوال المأثورة عن الخاصة والعامة أن مسألة تحديث

__________________

(١) الغدير : ٥ / ٤٢.

(٢) الغدير : ٥ / ٤٩.

(٣) فيض القدير : ٤ / ٥٠٧.

٤١٧

الملائكة لأناس ليسوا بأنبياء متسالمة وما شذ عنها إلا من يدعي الزور والبهتان ضد الشيعة ، فالأُمم الماضية وقع فيها هذا الأمر وهذا ما ظهر لنا من خلال القرآن الكريم حيث أوحى الله إلى الحواريين وإلى الملائكة وإلى النحل وإلى أم موسى ...

مُصحف فاطمة

وعلى هذا الأساس كان مصحف فاطمة سلام الله عليها ، هذا المصحف الذي أثاروا عليه الأقويل الباطلة التي ليس لها أي حقيقة وأي برهان سوى أنهم اعتبروا إطلاق هذا المصحف على أنه قرآناً غير القرآن الموجودة حالياً وأنه عند الشيعة يخفونه تقية ، وأمثال هذا الدعاوي الباطلة والتي لا تمت إلى الدين بصلةٍ وكل دليلهم الذي اعتمدوا عليه هو أن لفظ المصحف يطلق على القرآن لذلك قالوا بأن مصحف فاطمة قرآن غير هذا القرآن الكريم المتداول الآن.

أما القول الصحيح في هذا المقام فبعد معرفة أن فاطمة سلام الله عليها كانت محدّثة دون أن تكون نبية وحسب ما ورد من الإستدلال على هذه المسألة ، فإن حديث الملائكة لها كان يكتب من قبل الإمام علي عليه‌السلام أو من قبل فاطمة نفسها سلام الله عليها وهذا ما يظهر من الأحاديث الآتية ، أما مضمون هذا المصحف وماهيته وكيف نعطي القول الفصل فيه فهذا ما سيتبين من خلال بيان معنى لفظ المصحف ، وماهية مضمون هذا المصحف وما فيه من العلم والأحاديث والأمور الغيبية.

أما لفظ المصحف في صحاح اللغة :

ورد في كتاب لسان العرب : المُصحف والمصحف الجامع للصُّحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أُصحِف والكسر والفتح فيه لغة.

وفي المصباح المنير : والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه ... والجمع صُحُف بضمتين وصحائف ... والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها.

وفي أقرب الموارد : المصحف اسم مفعول ... وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود ... وفيه لغتان أخريات وهما المِصحف والمصَحف جمع

٤١٨

مصاحف.

إذن يظهر من هذه المعاني التي وردت في صحاح اللغة أن المصحف ما جمعت فيه الصحف وليس كما يدعى أنه قرآن غير هذا القرآن الموجود.

وهناك شواهد أخرى تثبت هذه الحقيقة حيث ورد في حديث عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : وأن عندنا لمصحف فاطمة عليها‌السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها. قال : قلت : هذا والله العلم (١).

إن هذا الحديث يعطي دلالة واضحة على أن مصحف فاطمة سلام الله عليها يختلف اختلافاً كبيراً عن ما موجود في القرآن من جهة مضمونه ، وقد علق العلامة السيد محسن العاملي (ره) على هذه المسألة بقوله : « لا يخفى أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد قد نسخ المصاحف الشريفة ، فنفى هذا الإيهام وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها ، ولعل أحد محتوياته ، ثم إن بعضها دال على أنه من إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي عليه‌السلام » (٢).

وعلق العلامة الخطيب محمد كاظم القزويني (ره) على هذه الرواية بقوله : « وليس معناه أن القرآن الموجود بين أيدينا ناقص ، وأن مصحف فاطمة مكمل له ، كلا وألف كلا ، وليس معناه أن الله أنزل على فاطمة عليها‌السلام قرآناً وكل من ادعى غير هذا فهو إما جاهل أو معاند مفتر كذاب » (٣).

أقول : يظهر من أقوال علماء الشيعة الإمامية وعلى ما ورد في أحاديث أهل البيت أن مسألة مصحف فاطمة قد تسالمت عليه الشيعة ، ويؤمنون به ، ويعتبرونه من المواريث التي تركتها فاطمة سلام الله عليها لابناءها الأئمة المعصومين ، ولا يظهر هذا المصحف إلا بظهور الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه باعتباره الوريث الشرعي لجدته الزهراء سلام الله عليها.

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٥٦.

(٢) أعيان الشيعة : ١ / ٩٧.

(٣) فاطمة من المهد إلى اللحد : ٨٣.

٤١٩

مصحف فاطمة في الأحاديث الشريفة

في حديث عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد حتّى إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش » (١).

وفي حديث طويل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها‌السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث ، مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها. قال : قلت : هذا والله العالم ... (٢) ».

وفي حديث آخر : « وخلَّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ، ولكنَّه كلام من كلام الله أنزل عليها ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطُّ علي » (٣).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قيل له : إنّ عبد الله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلا ما عند الناس ، فقال : « صدق والله ما عنده من العلم إلا ما عند الناس ، ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أفيدري عبد الله أمسك بعير أو مسك شاة ؟ وعندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما فيه حرف من القرآن ، ولكنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطّ علي عليه‌السلام ، كيف يصنع عبد الله إذا جاءه الناس من كلّ فنّ يسألونه ، أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه » ؟ (٤).

وعن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « تظهر زنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة ، وذلك لأنّي نظرت في مصحف فاطمة. قال : فقلت : وما مصحف فاطمة ؟ فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على فاطمة من وفاته

__________________

(١) ٣ ـ ٩ ـ راجع بصائر الدرجات : ١٥١ ـ ١٦١.

(٢) بصائر الدرجات : ١٥١ ـ ١٦١.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) نفس المصدر السابق.

٤٢٠