الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

البحث الرابع عشر

فلسفة أسماء فاطمة الزهراء عليها‌السلام

عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لفاطمة عليها‌السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء (١).

من الأمور المهمة التي أخذت جانباً وحيزاً واضحاً في الشريعة الإسلامية وأكد عليها الرسول الاعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من خلال أحاديثهم المباركة مسألة تسمية المولود بإسم مبارك يدل على معنى لائق وجميل وحسب ما ترتضيه النفس المؤمنة ويميل إليه الوجدان الانساني ذلك لأنّ الإسم الذي يمنحه الأب أو الأم للمولود يكون ذو أثر كبير ومهم في النفس الإنسانية حيث أثبتت البحوث العلمية المتأخرة التي قام بها علماء النفس والإجتماع أن للإسم أثراً بالغاً على منشأ تصرفات وسلوك الأفراد الذين يحملون ذلك الإسم ، وان كانت هذه المسألة تتفاوت في مدى تأثيرها على السلوك الفردي للإنسان من فرد إلى آخر إلا أنه في النتيجة النهائية يترك بعض الآثار المعينة الواضحة البرهان لذلك المعنى الذي يحمله الإسم ، على أن هذه الأمور الواضحة تدرك بأدنى تأمل لدى الإنسان الواعي الفطن الذي يدرك الكثير من الحقائق المعنوية قبل أن تطرق ذهنه وسمعه.

وعلى هذا الأساس نجد أن هناك تمايزاً واضحاً في الأسماء التي تطرح وتعطى لأي فرد ، حيث نجد أن الكثير من الأسماء التي حملها بعض الأفراد وان كانت ذات مغزى

__________________

(١) امالي الصدوق : ٤٧٤ ، ح ١٨ ، علل الشرائع : ١ / ١٧٨ ، الخصال : ٤١٤ ، ح ٣ ، روضة الواعظين : ١٧٩.

٣٨١

لطيف وأصيل وحسن إلا أنه المسمى بها غير متزه بل أنه مثلاً يدل على خلاف اسمه ، وهذا بخلاف ما نجده في بعض الأسماء التي تحمل معنى قبيح وصاحبها ذو أصالة وأخلاق حسنة وأفعال جميلة.

وهكذا نجد من خلال استقراء سيرة التاريخ في هذا المجال أن هناك الكثير من الأسماء اللامعة والتي يشير اليها المسلمون بالبنان مثل عبد الملك وهارون الرشيد والمتوكل على الله والواثق بالله أن بينهم وبين أسماءهم وألقابهم البون الشاسع ، فأسمائهم تدل على أنهم عاشوا في ملكوت التوكل والرشد والتقوى والوثوق بالله والإعتصام به بينما السيرة الذاتية لحياتهم وشخصياتهم تدل على خلاف ذلك ، فمثلاً لو طالعنا حياة هارون الرشيد ذلك الخليفة العباسي وكيف تصرف برعونة وحماقة مع الأحرار والسادة العلويين من ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخصوصا (١) وخاصة اجرامه بحق الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام نجد ان هذا الأمر واضح وبصورة جلية ، ولنعم ما قال الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني في رائعته التي يقول فيها :

الدين مخترم والحق مهتضم

وفي آل رسول الله مقتسم

إلى أن يقول ...

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا

مأمونكم كالرضا ان أنصف الحكم

إذا تلوا أية غنى خطيبكم

قف بالديار التي لم يعفها القدم

بينما إذا نظرنا إلى أهل بيت النبوة عليهم‌السلام نجد أن أسماءهم تدل على المعاني العالية المنال وفي نفس الوقت نرى أن السيرة الذاتية لحياتهم ومواقفهم وتصرفاتهم ذات دلالة واضحة على أسماءهم وألقابهم.

فحين نقرأ سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام نجد كل ألقابه وكناه منطلقة من صفاته الأصيلة الثابتة في أعماقه وفي جذوره المشرقة المضيئة بنور الله تعالى فهو الإمام العابد الزاهد الصادق القائد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، وهكذا في الحسن المجتبى والحسين الشهيد والساجد والباقر عليهم‌السلام أجمعين.

__________________

(١) راجع كتابنا العبد الصالح الإمام موسى بن جعفر.

٣٨٢

ومن هذا المنطلق نرى أن الرسول وأهل بيته عليهم‌السلام قد أكدوا ومن خلال الكثير من الروايات على ضرورة تسمية المولود بخير الاسماء وافضلها وذلك لما يتركه الاسم من البصمات الواضحة والاثار الجميلة على طبيعة تصرف الفرد وعلى ضوء ذلك المعنى الذي يحمله الإسم ، ولذلك جاءت الأحاديث لتؤكد على هذه المسألة وللفلسفة الرائعة لها ، حيث ورد الإستحباب المؤكد على ضرورة تسمية المولود بأحسن الأسماء حيث روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام أنه قال : « لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمد فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا » (١).

وقد أكد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذه التسمية بقوله : « من ولد له أربعة أولاد ولم يسمّ أحدهم بإسمي فقد جفاني » (٢).

وكان الديدن العام لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام على هذا الأمر والاهتمام به كل الإهتمام فهم عليهم‌السلام كانوا يحثوا المسلمين على تسمية أبناءهم وبناتهم بالأسماء التالية ( عبد الرحمن ـ وباقي أسماء العبودية ـ محمد ، أحمد ، علي ، حسن ، حسين ، جعفر ، طالب ، فاطمة ) (٣).

وجاء التأكيد على هذه الأسماء من خلال عدة روايات أثبتت هذه المسألة المهمة كل ذلك لأجل تحصين الطفل من السخرية والإستهزاء من قبل الآخرين في حالة تسميته بأسماء ورد فيها الكراهة مثل الحكم ، خالد ، مالك ، حارث ، ولئلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة.

وبعد هذه المقدمة المهمة في مضمونها نصل إلى موضوع البحث الذي نريد الدخول فيه وهو أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) وفلسفتها ، فان اسمها من الباري عز وجل وهو الواضع لهذه المعصومة الشهيدة اسمها وكما سيتبين من خلال البحث ، وهنا في هذا المقام ينقدح لدينا عدة أسئلة مهمة مرتبطة بصميم بحث أسماءها ألا وهي :

١ ـ لماذا الباري عز وجل وضع الأسماء لفاطمة الزهراء عليها‌السلام ؟

٢ ـ وما فلسفة أسماءها ؟

__________________

(١) الكافي : ٢ : ١٨ ، باب الأسماء والكنى.

(٢) الكافي : ٦ : ١٩ ، باب الأسماء والكنى.

(٣) الكافي : ٦ : ١٩ ، باب الأسماء والكنى.

٣٨٣

٣ ـ وماهية المعاني لها ؟ ولِمَ التأكيد من قبل الله تعالى على أهمية أسماء الزهراء عليها‌السلام ؟

كل هذه الأسئلة لابد لنا من التوقف عندها والإلمام بمعرفتها من خلال مراجعة أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام واستظهارها وكيفية بيان معاني أسماء فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

أما كون أسماءها من الله تعالى وهو الذي سماها بفاطمة فيوجد في هذا المضار أحاديث كثيرة تبين هذه المنقبة لفاطمة ( سلام الله عليها ) ، فلقد ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمة عليها‌السلام : « شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأنت فاطمة ».

وجاء في حديث عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام « لفاطمة عليها‌السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل : فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدّثة والزهراء » (١).

وفي حديث آخر قال أبو الحسن عليه‌السلام : « ... فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة ».

أقول : فيتبين من خلال هذه الأحاديث وأحاديث أخرى أغفلنا من ذكرها لئلا يطول المقام بها إن أكثر أسماء فاطمة الزهراء عليها‌السلام هي من وضع الله تعالى وهو الذي سماها بهذه الأسماء المباركة ، ففي رواية يثبت الإمام عليه‌السلام أن للزهراء عليها‌السلام اسم واحد سماها به الله تعالى وفي رواية أخرى يثبت معصوم آخر أن للزهراء عليها‌السلام تسعة أسماء عند الله تبارك وتعالى ، كل ذلك نتيجة المقام السامي لفاطمة الزهراء عند الله تعالى ، وربما يوحي هذا الكلام أن هناك تعارض في عدد أسماء الزهراء عليها‌السلام ولكن بأدنى تأمل للروايات يظهر لنا أن هذا ناشئ من طبيعة حال السائل ، وعلى هذا الأساس انقدح في ذهننا الأسئلة المتقدمة الذكر وهو لماذا الباري عز وجل هو الذي سمى فاطمة بهذه الأسماء ؟ وما هي فلسفتها ؟ وما هي المناسبة بين ذات الزهراء وأسماءها التي أعطاها الله تبارك إياها ؟ وعليه كل الأسئلة المتقدمة سوف نجيب عليها من خلال

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٤٧٤ ح ١٨ ، علل الشرائع : ١ / ١٧٨ ، الخصال : ٤١٤ ح ٣ ، روضة الواعظين : ١٧٩ ، دلائل الإمامة : ١٠.

٣٨٤

هذا البحث بإجماله.

فنقول : إنما وضع الله أسماء فاطمة الزهراء عليها‌السلام منه لتكون علامة لشيء ما ، وهذا الشيء سوف يتضح لنا من خلال الأبحاث القادمة ، وربما تسأل أيها القارئ العزيز كيف يكون الإسم علامة للمسمى والمفهوم من العلامة هو الوسم والذي يظهر هذا من خلال مراجعة أفراد اللغة العربية ؟

والجواب على ذلك : أن بين الأسماء والمعاني الموضوع لها مناسبة ذاتية ، والواضع عندما يضع الإسم المعين للمسمى المعين يكون عالماً بالمناسبة وقادراً عليها ولوجود الحكمة والإتقان في وضع الأسماء لتلك المعاني ، ومن هنا كان الواضع لأسماء فاطمة الزهراء هو الله تعالى وذلك لوجود المناسبة والحكمة في ذات الزهراء عليها‌السلام ، وكذلك اقتضت حكمة الباري عز وجل ان تكون العلامة فيها مناسبة لها وهي ذات الزهراء في مادتها وصورتها حيث كانت دلالة فاطمة الزهراء ذاتية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع اسمها فكان التعبير من الله تعالى أدق في التعريف لذات الزهراء عليها‌السلام وأظهر في تميز ذاتها عن بقية الذوات.

فالله سبحانه وتعالى لم يهمل الحكمة ولم يظلمها ولم يضعها في غير ما جعلها مقتضية لها فمن شاء أن يطلعه على علل الأشياء وأسبابها علمه ذلك بتفهيمه أو بوضع القرائن له والامارات على ذلك وكما فعل ذلك مع أهل البيت عليهم‌السلام حيث هو الذي وضع أسماءهم وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي لأهل البيت عليهم‌السلام ، فالله تبارك وتعالى يحب أن تكون أسماء أهل البيت عليها‌السلام منه تعالى وكما قال الله تعالى : ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ).

وأما إن قال شخص ما إن الواضع لأسماء فاطمة هو غير الله تعالى وبغض النظر عن الرواية الواردة في المقام والشواهد والقرائن الأخرى ؟

فالجواب عليه : أنه لو قلنا بأن الواضع غير الله تعالى لم يكن هناك محذور في أن الألفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية لأن الوضع لا يمكن إلا ممّن له قوة المعرفة التي تنقص عن المعرفة بالمناسبة واعتبارها ، ويدل على هذا إنّا وجدنا في اللغة واشتقاق الألفاظ بعضها من بعض ونظمها على ما يوافق الحكمة ما يبصر العقول مع ما عرفنا

٣٨٥

من قصورنا عن أكثر أسرارها ولا يكون ذلك إلا ممن يقدر على المناسبة ويعرف كمال حسنها وشرفها على عدمها وإذا كان قادراً على العلم بها وعلى معرفتها بأنّها أكمل وأدلّ على المطلوب وأوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصاً في الكمال وعدولاً إلى الإهمال عن الحكمة لأن الأسماء في الحقيقة صفات المسمّيات فلو لم يكن بين الصفة وموصوفها مناسبة ذاتية ومطابقة حقيقة لكانت صفة فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) التي تطلب بها تمييزها تصلح أن تكون لغيرها وإذا صلحت لغيرها كان تميزها بها مما يزيد في الإلتباس وعدم المعرفة.

وعلى كل حالٍ فإن البحث في هذا المقام لطويل وشائك فالذي نريد القول به والنتيجة التي نريد استعراضها وإظهارها هو أن الواضع هو الله تبارك وتعالى لأسماء فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وانما وضعها لتكون العلامات المميزات والصفات المعينات لفاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولكي يتبين معرفة الحال في المقام أكثر نقول : ان المراد من هذه الأسماء الأعم من اللفظية والمعنوية لأن العلامة والتمييز يحصل بكل منهما ، والحاصل أن أسماءها ( سلام الله عليها ) التي اشير اليها في الرواية المتقدمة الذكر سواءً كانت من الاسماء الصفاتية او اللفظية فإنها مشتقة من أسمائه تعالى يعني اشتقها سبحانه وتعالى من أسمائه وهذا معنى ما روي عن علي بن الحسين عليه‌السلام حيث قال : حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : « قال الله يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسماً من اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسماً من اسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عمّا يعّرهم ويشينهم شققتُ لها اسماً من اسمي ... ».

وهذا يعني أنها فيض وجودها ونورها من فيض نور الله تبارك وتعالى ونسبتها إلى الله تعالى من حيث وجودها ومبدأ نورها وصفاتها ( سلام الله عليها ) وبأبسط تأمل لهذا الحديث يظهر أنه سبحانه وتعالى يريد بالإسم ما هو أعم من اللفظ ولو أراد خصوص اللفظ فقط يعني اسم فاطمة لما قال تعالى وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض ولو أراد خصوص المعنى لما علقه بالألفاظ ولكنه تعالى يريد الأسماء

٣٨٦

المعنوية والأسماء اللفظية وهو المفهوم من أحاديثهم الكثيرة وكما سيتبين لنا من خلال اظهار معاني أسماء فاطمة ( سلام الله عليها ) فافهم تغنم (١).

معاني أسماء فاطمة الزهراء عليها‌السلام

عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء (٢).

على ضوء هذا الحديث سوف يكون كلامنا حول أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) حيث نأخذ كل اسم من اسماءها وحسب تسلسله ووروده في الحديث المبارك ومن خلال ذلك نقف مع أقوال أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك وبيان أقوال العلماء في هذه الأسماء المباركة.

١ ـ فاطمة عليها‌السلام

إن الظاهر من خلال استقراء أحاديث أهل بيت العصمة ( سلام الله عليهم ) أن أول اسم سميت به بضعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو فاطمة ، وهذا على القطع اليقيني ثابت ولا يعتريه الشك ولا الشبهة ولذا ورد في كثير من أحاديث أهل البيت التأكيد على هذا الإسم وإكرامه وإعطائه الهيبة اللائقة به حيث كان لاسم فاطمة ( سلام الله عليها ) وقع كبير في نفوس ومحبي أهل البيت وخصوصا في نفوس أهل البيت عليهم‌السلام وكان له المنزلة العظمى كما يظهر من الروايات والأخبار الصحيحة المسندة.

__________________

(١) المراد من الأسماء المعنوية أي المعاني التي تدل عليها الأسماء الظاهرية لفاطمة ( عليها‌السلام ).

(٢) امالي الصدوق : ٤٧٤ ، ح ١٨ ، علل الشرائع : ١ / ١٧٨ ، الخصال : ٤١٤ ، ح ٣ ، روضة الواعظين : ١٧٩.

٣٨٧

فلقد روي عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا مغموم مكروب ، فقال لي : يا سكونيّ ما غمّك ؟ فقلت : ولدت لي ابنة ، فقال : يا سكونيُّ على الأرض ثقلها ، وعلى الله رزقها ، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك ، فسري والله عني ، فقال : ما سميتها ؟ قلت : فاطمة. قال : آه آه آه ثمّ وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم قال : أمّا إذا سمَّيتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها (١).

وعن بشار المكاري قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بالكوفة وقد قدم له طبق طبرزد (٢) وهو يأكل ، فقال : يا بشار أدن فكل. فقلت : هنّاك الله وجعلني فداك ، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريق ! أوجع قلبي وبلغ منّي ، فقال لي : بحقي لما دنوت فأكلت.

قال : فدنوت فأكلت ، فقال لي : حديثك ، قلت : رأيت جلوازاً (٣) يضرب رأس إمرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها : « المستغاث بالله ورسوله » ولا يغيثها أحد. قال : ولم فعل بها ذلك ؟ قال : سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت : « لعن الله ظالميك يا فاطمة » فارتكب منها ما ارتكب.

قال : فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع. ثم قال : يا بشار ، قم بنا إلى مسجد السهلة فندعوا الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة. قال : ووجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان وتقدم إليه بأن لا يبرح إلى أن يأتيه رسوله ، فان حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا. قال : فصرنا إلى مسجد السهلة ، وصلى كل واحد منّا ركعتين ، ثم رفع الصادق عليه‌السلام يده إلى السماء وقال : أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال : فخر ساجداً لا أسمع منه إلا النفس ثم رفع رأسه فقال : قم فقد أطلقت المرأة.

قال : فخرجنا جميعاً ، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٥ / ١٠٠ باب ٨٧.

(٢) نوع من التمر سمي به لشدة حلاوته تشبيهاً بالسكر الطبرزد.

(٣) الجلواز الشرطي الذي يخف في المجيء والذهاب بين يدي الأمير.

٣٨٨

إلى باب السلطان ، فقال له عليه‌السلام : ما الخبر ؟ قال : قد اُطلق عنها ، قال : كيف كان اخراجها ؟ قال : لا أدري ولكنني كنت واقفاً على باب السلطان ، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها : ما الذي تكلمت ؟ قالت : عثرت فقلت « لعن الله ظالميك يا فاطمة » ففعل بي ما فعل. قال : فأخرج مائتي درهم وقال : خذي هذه واجعلي الأمير في حل : فأبت أن تأخذها ، فلما رأى ذلك منها دخل وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج فقال : انصرفي إلى بيتك فذهبت إلى منزلها.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أبت أن تأخذ المائتي درهم ؟ قال : نعم ، وهي والله محتاجة اليها ، قال : فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال : اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام ، وادفع إليها هذه الدنانير ، قال : فذهبنا جميعاً ، فأقرأناها منه السلام ، فقالت : بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام ، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها قال : فصبرنا حتى أفاقت ، وقال : أعدها عليَّ ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثاً ، ثم قلنا لها : خذي ، هذا ما أرسل به إليك ، وأبشري بذلك ، فأخذته منا وقالت : سلوه أن يستوهب أمته من الله ، فما أعرف أحداً توسّل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم‌السلام (١).

أقول : الذي يظهر من خلال التأمل في هذه الرواية أن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام كانوا يتأثرون أشد التأثر عندما يسمعون اسم فاطمة وخصوصا ما جرى عليها من الظلم والعدوان بعد وفاة أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك نرى كيف أن الإمام ألقى اهتمامه البالغ بهذه المرأة التي لعنت ظالمي فاطمة الزهراء ودعى له الدعاء الذي على أثره أطلق الله سراحها ، وكذلك كيف أكرمها بالسبعة دنانير لأنها موالية ومؤمنة بالتولي لأهل البيت والتبري من أعدائهم.

وورد عن سليمان الجعفري أنه قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء (٢).

__________________

(١) البحار : ٤٧ / ٣٧٩ ـ ٣٨١.

(٢) سفينة البحار : ١ / ٦٦٢.

٣٨٩

وأيضاً عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عليه‌السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قرب وفاته : « ألا ان فاطمة بابها بابي ، وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله » قال عيسى ( الراوي للحديث ) : فبكى أبو الحسن عليه‌السلام طويلاً وقطع بقية كلامه وقال : هُتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمّه ـ صلوات الله عليها (١).

هذه هي بعض الأحاديث التي بينت كرامة اسم فاطمة عند الأئمة : أما معنى فاطمة وتسميتها بهذا الإسم المبارك فلا يخلو من أسباب ومناسبات فهلم معي إلى طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم سيدتنا فاطمة الزهراء ووجه التسمية وبيان معاني اسمها المبارك وأقوال العلماء فيه.

وعن يونس بن ظبيان انه قال له الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام : أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيدي ، قال : فطمت من الشرّ.قال : ثم قال : لولا أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام تزوّجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه (٢).

وعن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن محمد بن زياد مولى بني هاشم قال : حدّثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجيّة بن إسحاق الفزاريَّ قال : حدّثنا عبد الله بن الحسن بن حسن قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام : لم سميّت فاطمة فاطمة ؟ قلت : فرقاً بينه وبين الأسماء. قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ، ولكنّ الاسم الذي سميّت به ، أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه ، فعلم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتزوَّج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله ، فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى « فاطمة » لما أخرج منها وجعل في ولدها ، ففطمهم عمّا طمعوا ؛ فبهذا سمّيت فاطمة « فاطمة » لأنّها فطمت طمعهم. ومعنى فطمت : قطعت (٣).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) الليلة : فاطمة ، والقدر :

__________________

(١) البحار : ٢٢ / ٤٧٧.

(٢) كشف الغمة : ١ / ٤٦٣.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٣ ح ٧ ، علل الشرائع : ١ / ١٧٨ ح ٢.

٣٩٠

الله ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنّما سمّيت « فاطمة » لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها (١).

وقال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة : شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأنت فاطمة (٢).

وقال عليّ عليه‌السلام : إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الله فطم من أحبّها عن النار (٣).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبّيها عن النار.

وقال الصادق عليه‌السلام : تدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قال : فطمت من الشرّ. ويقال : إنّما سمّيت فاطمة لأنّها فطمت عن الطمث (٤).

وعن محمد بن مسلم الثقفي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لفاطمة عليها‌السلام وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّاً فتقول : إلهي وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدك الحقُّ وأنت لا تخلف الميعاد ، فيقول الله عزّ وجلّ : صدقت يا فاطمة ، إنيّ سمَّيتك فاطمة ، وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقُّ وأنا لا أُخلف الميعاد ـ الحديث (٥).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لمّا ولدت فاطمة عليها‌السلام أوحى الله عزّ وجل إلى ملك فانطلق به لسان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّاها فاطمة ، ثم قال : إنّي فطمتك بالعلم ، وفطمتك عن الطمث. ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق (٦).

أقول : أما معنى قوله « فطمتك بالعلم » يعني أرضعتك بالعلم أو قطعتك عن الجهل

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ٦٥.

(٢) البحار : ٤٣ / ١٥.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٦ ، المناقب لابن شهر اشوب : ٣ / ١١٠.

(٤) البحار : ٤٣ / ١٦.

(٥) البحار : ٤٣ / ١٤ ـ ١٥ ، الجواهر السنية : ٢٤٧ ، المختصر : ١٣٢.

(٦) البحار : ٤٣ / ١٣ ـ ١٤ ، الكافي : ١ / ٤٦ ح ٦ ، المحجة البيضاء : ٤ / ٢١٢.

٣٩١

بسبب العلم ، وهذا كناية عن كونها في بدو فطرتها عالماً بالعلوم الربانية.

وقال المولى محمد عليّ الأنصاري رحمه‌الله : وقد تلخّص منها ( أي الأخبار ) وجوهٌ متعدّدة لتسميتها عليها‌السلام بتلك التسمية : مثل فطم نفسها بالعلم ، وفطمها عن الشرّ ، وفطمها عن الطمث ، وفطم ذرّيَّتها وشيعتها من النار ، وكذلك فطم من تولاّها وأحبّها منها ، وفطم الأعداء عن طمع الوارثة في الملك ، وعن حبّها ، ونحو ذلك. ولا منافاة بين الأخبار ، لأنّ الفطم معنى يصدق مع كلّ من الوجوه المذكورة ؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعدادات الذاتيّة ، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة ؛ وكلّ هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية ، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، الذي هو مخالف للقواعد الظاهريّة اللفظيّة ، لأنَّ فاطمة مشتقٌّ من الفطم بمعنى الفصل ، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع ، يقال : فطمت المرضع الرضيع فطماً ، من باب ضرب ، فصلته عن الرضاع ، فهي فاطمة ، والصغير فطم بمعنى المفطوم. وأفطم الرجل : دخل في وقت الفطام ، مثل أحصد الزرع ، إذا حان حصاده. وفطمت الحبل : قطعته. وفطمت الرجل عن عادته : إذا منعته عنها. وليس الفطم مخصوصاً بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه ، بل هو مطلق الفصل عن الشيء ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرّغ منه ، فيكون معنى « فاطمة » فاصلة أو قاطعة أو مانعة ، وكلُّ منها معنى كلّيٌّ وماهيّة مطلقة يصدق مع القيود الكثيرة ، فسمّيت من عند الله بها.

ويلزم في تحقّق معنى الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول له ، مثلاً إذا كانت الاُمُّ فاطمة لطفلها ، فهي فاصلة ، والطفل مفصول ، واللبن مفصول عنه ، والغذاء مفصول به. فيكون معنى فاطمة أنّها تفطم نفسها ولو بسبب قابليّتها الذاتيّة عن الجهل بالعلم ، وعن الشرّ بالخير ، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة ، وتفطم ذرّيّتها وشيعتها ومن تولّيها وأحبّها من النار بالجنّة ، وتفطم أعداءَها عن طمع الوراثة باليأس عنها ، وعن حبّها ببغضها. فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوهٌ متعدّدة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتّى توجب تعدّد معاني اللفظ. بل هي لحاظات خارجيّة باعتبارها وقعت التسمية.

٣٩٢

مثلاً لو كان مجيء زيد من جهة أغراض مخلتفة وأسباب متعدّدة ، فقيل : « جاء زيد » ، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملاً في المعاني التعدّدة. نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلى فطم الأعداء أو الأحبّاء بمعنى كونها ذات فطم من المبنيّ للفاعل ـ كما هو كذلك ـ أي ذات فاطميّة ، وفي فطمها عن الشرّ بمعنى ذات فطم من المبنيّ للمفعول أي ذات مفطومية لزم المحذور المذكور ، ، ولكن على التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور. ويمكن جعلها بمعنى ذات الفطم مطلقاً من باب النسبة فيكون جامداً يستوي فيه المذكّر والمؤنثّ ... نعم ، يمكن جعل فاطمة في جميع الوجوه بمعنى المفعول ، أي المفطومة ، من باب الصفة بحال المتعلّق بلحاظ المآل والحقيقة ؛ أو جعله بمعنى ذات الفطم ، من المصدر المبنيّ للفاعل أو المفعول لكن على سبيل القضيّة الكلّيّة لا الجزئيّة ، كما لا يخفى.

وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه التسمية إشارة إلى عدم انحصاره في شيء ؛ أو كون معناها معنىً كلّيّاً يشمل على وجوه كثيرة ، فيحتمل احتمالاً ظاهراً أن يكون ملحوظاً في وجه التسمية اُمور على حدة أيضاً كفطمها على الأخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة ، وعن الأحوال الخبيثة بالأحوال الطيّبة الزكيّة ، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة ، وعن الظلمانيّة بالنورانيّة ، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة ، وعن عدم العصمة بالمعصوميّة ، وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانيّة والروحانيّة والنفسانيّة ولوازمها الظاهرّية والباطنيّة ، فيلزم حينئذٍ أن تكون لها العصمة الكبرى في الدنيا والآخرة والاُولى. فتكون حينئذ معصومة تقيّة نقيّة وليّة صدّيقة مباركة طاهرة إلى آخر الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية. وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر الصادقيّ عليه‌السلام إمّا من جهة اشتمالها من حيث المعنى على سائر الأسماء أيضاً ؛ أو من جهة صدور التسمية بها من جانب الله سبحانه بلا واسطةٍ كما يشعر به قوله عليه‌السلام : لفاطمة تسعة أسماء عند الله (١) ...

وقال العلامة الهمداني (٢) في بيان اسم فاطمة ( صلوات الله وسلامه عليها ) ما نصه : هذا الإسم سواء كان من عند الله عزّ وجل أو بإلهام من الله تعالى كما لاحظت في

__________________

(١) اللمعة البيضاء : ٣٧ ـ ٣٩.

(٢) فاطمة بهجة قلب المصطفى : ١٥٢.

٣٩٣

الأخبار الماضية ، لم يكن للعلامة تمييز المسمّاة به عن غيرها فحسب ، كما في أسامي سائر الناس التي لم تراع المناسبة غالباً بينها وبين الأعيان والذوات ، بل في هذا الجعل وهذه التسمية الإلهيّة حكمةٌ وسرٌّ وتناسب عميق بين الإسم والمسماة به. وإنّ مادّة « فطم » على أيّ وجه فرضت فيها فاعلاً أو مفعولاً ، كانت بمعنى القطع والفصل على نحو الإطلاق ، ولا يختصّ بأحد الوجوه السابقة من الشرّ والطمث والجهل والخطأ وسوء الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك ، لأنّها ( سلام الله عليها ) متَّصفة بجميع المكارم ، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص ، فتناسب الاسم لها ـ فاعلاً ـ لكونها ( سلام الله عليها ) فطمت نفسها وذرّيّتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار ، وتناسبه لها ـ مفعولا ـ لأنَّها ( سلام الله عليها ) مفطومة عن معرفتها الناس فهو وصف المتعلّق.

فمن الذي يبلغ معرفتها ؟! هيهات ! ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العلماء ، وحصرت الخطباء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الاُدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنها ، ودرك درجة من سموّ رفعتها.

هي قطب دائرة الوجود ونقطةٌ

لمّا تنزّلت اُكثرت كثراتها

هي أحمد الثاني وأحمد عصرها

هي عنصر التوحيد في عرصاتها

ومن عرف فاطمة عليها‌السلام حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر (١). والتشابه من وجوه :

الأول : إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة ، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها ، وكذلك البضعة الأحمديّة والجزء المحمّديّة عليها‌السلام مجهولة قدرها ، محفيّة قبرها.

والثاني : كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلُّ أمر حكيم ، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل ، والمؤمن والكفار.

والثالث : كما صارت ليلة القدر ظرفاً لنزول الآيات والسور ، فهي ( سلام الله عليها )

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ٦٥.

٣٩٤

صارت وعاءً للإمامة والمصحف.

الرابع : إنّ ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء ، وكذلك ولايتها مرقاةٌ لوصولهم إلى النبوَّة الرسالة والعظمة (١).

والخامس : إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات ، وكذلك التوسّل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليّات (٢).

والسادس : إنّ ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، وكذلك هي ( سلام الله عليها ) خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.

هي مشكاة نور الله جلّ جلاله

زيتونة عمَّ الورى بركاتها

وهي ( سلام الله عليها ) كما قال الباقر عليه‌السلام عنصر الشجرة الطيّبة التي هي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصلها وفرعها عليُّ عليه‌السلام.

فلاحظ هذا الحديث وتدبّر فيه ، ثم ارجع البصر كرَّتين حتى يظهر لك المعارف والحكم وسرّ « لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليٌّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » وسرّ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليُّ ، أنفذ ما أمرتْك به الزهراء عليها‌السلام » وسرُّ قول عليّ عليه‌السلام : « يا بقيَّة النبوّة » ، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمود ، ولا اخضرَّ له عود. ولنعم ما قال الازُريُّ رحمه‌الله :

نحن من باري السماوات سرٌّ

لو كرهنا وجودها ما براها

بل بآثارنا ولطف رضانا

سطح الأرض والسماء بناها

وبأضوائنا التي ليس تخبو

حوت الشمس ما حوت من سناها

وممّا ينبغي لفت النظر إليه هو أنَّ المعصومين يهتمون بهذا الإسم الشريف اهتماماً شديداً ، ويكرمونه إكراماً عظيماً ، وإذا سمعوا به يبكون ويتأسّفون ، ويحبّون التي سمّيت به ، ويحبُّون بيتاً كان فيه اسم فاطمة ، وهم يتوسّلون به. فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه‌السلام فإنّه ذيّله بالقسم والتأكيد بقوله : والله فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.

__________________

(١) ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتى أقرّ بفضلها ومحبَّتها ، ملتقى البحرين ، للمرندي : ٣٩.

(٢) راجع فرائد السمطين : ١ / ٣٨.

٣٩٥

وأيضاً إنّه عليه‌السلام ـ إذا وعكه الحمّى ( وقبل وجعها آلمها ) استعان بالماء البارد ، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار : فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله : لعلّ النداء كان استشفاعاً بها صلوات الله عليها للشفاء. قال المحدِّث القمّي : إنّي أحتمل قويّاً كما أنّه أثّر الحمّى في جسده اللطيف كذلك أثّر كتمان حزنه على اُمّه المظلومة في قلبه الشريف ، فكما أنّه يطفي حرارة جسده بالماء ، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيّدة النساء ، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفُّس الصعداء ، فإنَّ تأثير مصيبتها صلوات الله عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار آلم من حزّ الشفار ، وأحرّ من جمرة النار (١).

٢ ـ الصِّدِّيقَة

وهو ثاني الأسماء المباركة لفاطمة الزهراء الذي هو معروف على لسان أهل البيت : ، وقد سماها به الله تبارك وتعالى إجلالاً وإكراماً لمقامها السامي ولما وصلت إليه من التصديق بكل ما اتاه الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والصديقة صيغة مبالغة في الصدق والتصديق أي انها سلام الله عليها كثيرة الصدق ، ولقد ورد في كتاب تاج العروس معنى التصديق والصدق حيث قيل ان الصِدِّيق أبلغ من الصدوق ، وقيل : انه الكامل في الصدق الذي يصدق قوله بالعمل ، البار ، الدائم التصديق ، وقيل : انه من لم يكذب قط ، وقيل : من صدق بقوله واعتقاده ، وحقق صدقه بفعله ، وأياً كان منها معنى الصديق فان فاطمة الزهراء سلام الله عليها تنطبق عليها جميع الأقوال فهي سلام الله عليها كانت المداومة على التصديق بما يوجبه الحق جلّ وعلا حيث كانت المصدقة بكل ما أمر الله به وبأنبيائه ولا يدخلها في أي شيء من ذلك أي شكٍ كان وكانت المصداق الأفضل ـ مع أوليائه المعصومين ـ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) (٢). وقوله تعالى : ( مَّا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ

__________________

(١) بيت الأحزان : ١٠٠.

(٢) سورة الحديد : ١٩.

٣٩٦

الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) (١) ، حيث فسرت كلمة صديقة في هذا الآية المباركة بأنها تصدق بآيات ربها ، ومنزلة ولدها وتصدقه فيما أخبرها به ، بدلالة قوله تعالى : ( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ) ، وقيل : لكثيرة صدقها وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها.

وعلى كل حال فإن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت الصديقة الطيبة التي صَدَّقَتْ بالله ورسوله وبما جاء به من عند الله تعالى وكانت المؤمنة بكل عقائدها الربانية والتي كانت تعمل على ضوء تلك العقائد والمعتقدات ولقد جاءت الروايات الكثيرة لكي تؤكد على هذه الحقيقة الواضحة للزهراء عليها‌السلام فلقد ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل : يا عليُّ ، إنّي قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك ، فأنفذها ، فهي الصادقة الصدوقة ، ثم ضمّها إليه وقبَّل رأسها ، وقال : فداك أبوك يا فاطمة (٢).

وعن مفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من غسَّل فاطمة عليها‌السلام ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكأنّما استضقت ( استفظعت ) ذلك من قوله ، فقال لي : كأنَّك ضقت ممّا أخبرتك به ، فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك ، فقال : لا يضيقنَّ فإنّها صدّيقة لم يكن يغسّلها إلا صدّيق ، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلاّ عيسى ؟ (٣) ـ الحديث.

وكذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال لعليّ عليه‌السلام : أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهنَّ أحد ولا أنا : أوتيت صهراً مثلي ولم اُوت أنا مثلي ، واُوتيت زوجةً صدّيقةً مثل ابنتي ولم اُوت مثلها زوجة ، واُوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم اُوت من صلبي مثلهما ، ولكنّكم منّي وأنا منكم (٤).

وجاء عن علي بن جعفر ، عن أخيه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « إنَّ فاطمة عليها‌السلام صدّيقة شهيدة ». والصدّيقة فعّيلة للمبالغة في الصدق والتصديق ، أي كانت كثيرة التصديق لما

__________________

(١) المائدة : ٧٥.

(٢) البحار : ٢٢ / ٤٩١.

(٣) الوسائل : ٢ / ٧١٤ ـ ٧١٥.

(٤ ) الرياض النضرة : ٢ / ٢٠٢ على ما في الغدير : ٢ / ٣٠٥.

٣٩٧

جاء به أبوها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت صادقةً في جميع أقوالها ، مصدّقةً أقوالها بأفعالها ، وهي معنى العصمة ، ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصّة والعامّة ، والروايات المتواترة من الجانبين (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى (٢).

٣ ـ المباركة

وهو ثالث الأسماء التي وردت عن لسان المعصوم عليه‌السلام لفاطمة الزهراء سلام الله عليها عند الباري عز وجلّ : والظاهر من خلال سيرتها عليها‌السلام وما تركت من ذرية طيبة من بعدها أن مسألة البركة واضحة البرهان في حياتها الواقعية ، حيث نجد أن ذرية كل رسول من ولده وخصوصاً الذكور إلا نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كانت ذريته من ابنته المباركة فاطمة سلام الله عليها ، وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي في حياة الرسول وأهل بيته عليهم‌السلام.

وقبل الدخول في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ومدى دلالات هذه الأحاديث على هذا الإسم لفاطمة سلام الله عليها نراجع كتب اللغة لنرى مدى انطباق معنى المباركة أو البركة على حياتها الشخصية وما تركته في هذه الدنيا.

فلقد ورد في معنى كلمة البركة هي النماء والزيادة ، وعن الزجاج المبارك ما يأتي من قبله الخير الكثير (٣).

وقيل : ان البركة : هي النماء والسعادة والزيادة (٤).

وقال الراغب : ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحبس ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل ـ لكل ما يشاهد منه زيادة محسوسة هو مبارك فيه وفيه بركة.

__________________

(١) مرآة العقول : ٥ / ٣١٥.

(٢) البحار : ٤٣ ، ١٠٥.

(٣) لسان العرب : مادة برك.

(٤) تاج العروس : مادة البركة.

٣٩٨

ولا شك ولا ريب ومن خلال استقراء حياة فاطمة عليها‌السلام قبل وبعد وفاتها هي الخير الكثير الذي ورد فيه قوله تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ، ولقد انطبقت عليها هذه المعاني لكثرة بركتها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أهل بيته وعلى شيعة أمير المؤمنين ، فأي بركة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل فاطمة والتي على معرفتها دارت القرون الاولى ، وأي بركة أكبر وأفضل من بركة فاطمة سلام الله عليها على الشيعة وخاصة في هذه الحياة الدنيا حيث كانت الوعاء الأكبر للإمامة التي مثلت أفضل مصاديق الولاية الكبرى وأي بركة أفضل منها عندما تأتي يوم القيامة وتخلص شيعتها ومحبيها من عذاب النار.

ولقد طفحت كتب السيرة والتاريخ دلالة على كثرة بركة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وكذلك الكتب الروائية والكلامية والتفسيرية حيث أظهرت من خلال طيات صفحاتها هذه الصفة الواردة فيها ، فاقرأ معي ما كُتب حول بركة الزهراء سلام الله عليها فيما ورد عن عبد الله بن سليمان قائلاً ... ( قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نكّاح النساء ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صغب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر زمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان ) (١).

ولقد ورد في تفسير سورة الكوثر ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) أن الكوثر هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، والكوثر معناه الخير الكثير.

ويعني ذلك أن لكثرة ذرية رسول الله من جهة إبنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها خاطب القرآن الرسول الأكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه له الكوثر كرامة من الله تعالى له.

قال العلامة الطباطبائي رحمه‌الله : إنّ كثرة ذرّيّته هي المراده وحدها بالكوثر الذي اُعطيه النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو المراد بها الخير الكثير ، وكثرة الذرّيّة مرادة في ضمن الخير الكثير ، ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) خالياً عن الفائدة.

وقد استفاضت الروايات أنّ السورة إنّما نزلت فيمن عابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأبتر بعد ما مات ابنه القاسم وعبد الله ، وبذلك يندفع ما قيل : إنّ مراد الشانئ بقوله ( أبتر ) المنقطع عن

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ٢٢.

٣٩٩

قومه أو المنقطع عن الخير ، فردّ الله عليه بأنّه هو المنقطع من كلّ خير. ولما فيه قوله ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) من الامتنان عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيء بلفظ المتكلّم مع الغير الدالّ على العظمة ، ولما فيه من تطبيب نفسه الشريفة أكّدت الجملة بانّ ، وعبّر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك.

وبالجملة لا تخلو من دلالة على أنَّ ولد فاطمة عليها‌السلام ذرّيَّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا في نفسه من ملامح القرآن الكريم ، فقد كثّر الله تعالى نسله بعد كثرة لا يعادلهم فيها أيُّ نسل آخر ، مع ما نزل عليهم من النوائب ، وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة (١).

وقال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ، والقول الثالث : الكوثر أولاده. قالوا : لأنّ هذه السورة إنما نزلت ردّاً على من عابه عليه‌السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ، ثم العالم ممتليٌّ منهم ولم يبق من بني اُميّة في الدنيا أحدٌ يعبأ به ! ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام والنفس الزكيّة وأمثالهم (٢).

وقال أيضاً : إنّا إذا حملنا الكوثر على كثرة الأتباع أو على كثرة الأولاد وعدم انقطاع النسل كال هذا اخباراً عن الغيب ، وقد وقع مطابقاً له ، فكان معجز (٣).

وقال الآلوسيُّ في تفسير : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) ، الأبتر : الذي لا عقب له حيث لا يبقى منه نسل ولا حسن ذكر ، وأمّا أنت فتبقى ذرّيّتك ... عليه دلالة على أنّ أولاد البنات من الذرّيّة (٤).

وقال العلامة القزوينيّ : ووجه المناسبة أنّ الكافر شمت بالنبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين مات أحد أولاده وقال : إنّ محمداً أبتر ، فإن مات مات ذكره. فأنزل الله هذه السورة على نبيّه عليه‌السلام تسلية له ، كأنّه تعالى يقول : إن كان ابنك قد مات فإنّا أعطيناك فاطمة ، وهي وإن كانت واحدة وقليلة ولكنَّ الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.

__________________

(١) الميزان : ٢٠ / ٣٧٠ ـ ٣٧١.

(٢) التفسير الكبير : ٣٢ / ١٢٤.

(٣) التفسير الكبير : ٣٢ / ١٢٨.

(٤) روح المعاني : ٣٠ / ٢٤٧.

٤٠٠