الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، والسلام عليك وعلى أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات (١).

العبد

عادل العلوي

قم المقدّسة ـ الحوزة العلميّة

__________________

(١) سماحة آية الله العلاّمة الأستاذ السيّد عادل العلوي.

ولد في مدينة الكاظميّة المقدّسة بين الطلوعين في السادس من شهر رمضان المبارك عام ١٩٥٥ م ـ ١٣٧٥ ه‍ ويتصل نسبه ب‍ (٣٨) واسطة إلى مولانا الإمام علي بن الحسين ( زين العابدين عليه‌السلام ).

والده العلاّمة آية الله السيّد علي بن الحسين العلوي ، من علماء الكاظميّة والنجف وبغداد ، تلقّى دروسه في العراق على يد والده المرحوم وعلى غيره ، وفي قم المقدّسة على يد كبار المراجع العظام والعلماء الأجلاء أمثال السيّد المرعشي النجفي قدس‌سره والسيّد محمد رضا الكلبايكاني قدس‌سره والشيخ محمد فاضل اللنكراني ( دام ظلّه ) والشيخ جواد التبريزي ( دام ظلّه ) وغيرهم.

يُعَد اليوم من المدرسين الكبار في حوزة قم المقدّسة ، يقوم بتدريس الكفاية إضافة إلى دروسه في خارج الفقه وكذلك المكاسب والفلسفة والكلام ، مضافاً إلى محاضرات في التفسير والأخلاق ، وكتب رسالته ( زبدة الأفكار في نجاسة أو طهارة أهل الكتاب ) التي نال عليها درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلاميّة ، مضافاً إلى شهادات الأعلام باجتهاده في الفقه والأصول ، وقد اشتهر بكثرة تأليفاته المتنوعة ، فهو يسعى إلى تأسيس موسوعة إسلاميّة بقلمه الشريف في شتّى العلوم والفنون تقع في (١٢٠) كتاب ورسالة ، وقد طبع منها (٦٤) كتاب ورسالة ، فضلاً عن المقالات ، هذا وقد عُرِف بخدماته الثقافيّة والإجتماعيّة ، مثل تأسيس مستوصف الإمام السجّاد الخيري والمؤسسة الإسلاميّة العامّة للتبليغ والإرشاد ، وجماعه العلماء والخطباء في الكاظميّة وبغداد ، ومكتبات عامّة ، وحسينيّات كحسينيّة الإمامين الجوادين عليهما‌السلام في مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام ، ولقد أجازه في الرواية ما يقرب عن عشرين من مشايخ الرواية كالآيات العظام : السيّد المرعشي النجفي قدس‌سره والسيّد الكلبايكاني قدس‌سره والشيخ الآراكي قدس‌سره والشيخ اللنكراني ( حفظه الله ) والسيّد عبد الله الشيرازي ( حفظه الله ) والسيّد محمّد الشاهرودي ( حفظه الله ) وغيرهم.

٢١

٢٢

المقدمة

بسمه تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ، اللهم صلِّ على الصديقة فاطمة الزكية حبيبة حبيبك ونبيك وأمُّ احبائك وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين ، اللهم كُن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر اللهم بدم اولادها اللهم كما جعلتها أمُّ أئمة الهدى وحليلة صاحب اللواء والكريمة عند الملاء الأعلى فصلِّ عليها وعلى امها صلاة تكرم بها وجه أبيها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقر بها اعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة وفي كل ساعة افضل التحية والسلام واردد عليّ منهم السلام انك جواد كريم.

وبعد فانه لا يخفى على المتتبع لسيرة وحياة أهل البيت عليهم‌السلام انه قد كُتِبَت فيهم الكثير من الكتب وبالخصوص في شخصية فاطمة عليها‌السلام ومعرفتها حيث دارت في مجمل بحوثها على طريقة السرد التأريخي او المقارنة الموضعية ـ بين حياتها سلام الله عليها وبين باقي النساء المؤمنات اللآئي ذكرهن القرآن الكريم ـ أو على طريقة الاستنتاج والتحليل الواقعي والموضوعي لجميع مواقفها الاسلامية التي اتخذتها خلال مسيرتها الحياتية والتي كانت مليئة بالدروس والعبر والعظات الإنسانية البليغة.

على أن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم قد جاء ليمثل مجموعة السبل التي لابد من الكتاب أو المؤلف أن يجمعها ويصبها في قالب حسن وهو يعرض شخصية مثل شخصية الصديقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام ، حيث فيه الأسرار الغامضة التي جاءت على شكل عناوين لبعض هذه البحوث مثل : حقيقة السر المستودع ، أصل يوم العذاب ، فاطمة حجة الله الكبرى ، وأيضا فيه المقارنة الموضوعية ، والإستنتاج العلمي ، والتحليل المثمر ، وكما سيظهر لك من خلال قراءة هذه البحوث والمحاضرات.

٢٣

على أنني أُنبه القارئ العزيز أنني قد وضعت في الكتاب بعض المواضيع التي ذكرتها بعض الكتب من باب اتمام الفائدة في الكتاب على امل ان يكون شاملاً لكثير من القضايا الحساسة والعقائدية في حياة فاطمة سلام الله عليها ، وليرجع اليها الكاتب والخطيب والباحث حين تعوزه المصادر والكتب ، وقد توجت كل بحث في بدايته بقصيدة شعرية في حياة فاطمة عليها‌السلام لتكون محطات ادبية فاطمية يستفيد منها القارئ اثناء ترحاله من بحث إلى آخر ، لذا جاء هذا الكتاب ليمثل مصباحاً جديداً في معرفة فاطمة عليها‌السلام انشاء الله راجياً أن أكون قد أديت بعض الحق الذي عليّ في توضيح بعض القضايا العقائدية في شخصيتها الاسلامية الفذة ، والحمد لله رب العالمين.

محمد فاضل المسعودي

قم المقدسة

١٨ ذي الحجة ـ عيد الغدير المبارك (١)

١٤١٩ ه‍

__________________

(١) من اللطائف الجميلة والصدف الحميدة التي شاهدناها خلال الإنتهاء من العمل في هذا الكتاب المبارك إن شاء الله تعالى ، أننا تفألنا بالقرآن الكريم في يوم الإنتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليه وذلك يوم الغدير الأفعم ، فخرجت لنا الآية المباركة المختصّة بيوم الغدير ويوم تنصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام بالولاية العظمى ، وهي قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).

٢٤

التمهيد

( اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها

وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ... )

قبل الدخول في مضامين هذا الدعاء لابد من الإشارة إلى عدة أسئلة مهمة تتعلق بسند هذا الحديث ، وهل ورد فيه سند ؟ وفي أي كتاب مذكور ؟ وهل جاء هذا الحديث على لسان المعصوم أم لا ؟

كل هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها قبل الدخول في صميم هذا البحث ، فنقول : أن هذا الحديث لم نرَ له سنداً في أي كتاب من الكتب المتداولة ولم يروَّ عن أي معصوم من أهل بيت العصمة ، ولكن وجدناه مكتوباً في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفىٰ تحت عنوان ( دعاء التوسل بها عليها‌السلام ) حيث رواه مؤلف الكتاب الشيخ الهمداني بقوله : سمعت شيخي ومعتمدي آية الله المرحوم ملاّ عليّ المعصومي يقول في التوسل بالزهراء عليها‌السلام « الهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ... (١) ».

وأيضاً وجدنا هذا الدعاء ضمن الوصايا المهمة التي أوصىٰ بها آية الله المرعشي النجفي أبناءه بالمداومة على قراءته وبالخصوص ابنه الكبير حيث يقول : ( وأوصيه ـ أي ابنه الأكبر ـ بمداومة قراءة هذا الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه ... اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله ... » (٢).

__________________

(١) فاطمة بهجة قلب المصطفى ٢٥٢.

(٢) قبسات من حياة سيّدنا الأستاذ المرعشي النجفي رحمه‌الله : ص ١٢٤.

ولقد ذكر مؤلّف هذا الكتاب السيد العلوي : إنّ هذا الدعاء قد تلقّاه السيد المرعشي في ضمن الوصايا المهمة التي أعطاها الإمام المهدي (عج) للسيّد المرعشي في إحدى تشرفاته بلقاء الإمام (عج).

٢٥

فما أعظمه من دعاء بحيث يذكره السيد المرعشي النجفي رحمه‌الله في ضمن وصاياه المهمة التي أوصى بها ، وأي فضيلة لهذا الدعاء والتوسل بحق الزهراء عليها‌السلام كي يَكونَ من أهم الأدعية في قنوتات فرائض السيد المرعشي رحمه‌الله.

لابد له من كرامة عظيمة وأهمية جليلة بحيث لا يترك من الوقوف معه والإستضاءة من نوره وبيان مضامينهُ وتجليت حقائقه لكي نعرف فاطمة حق معرفتها وعلى القدر المتيسر منه.

وهذا الحديث وان لم يكتب له سند في كتب الحديث ، ولكن جاء مضمونه مطابقاً لكثير من الروايات الشريفه المأثورة في حق الصديقة الكبرى فاطمة عليها‌السلام ، وعلى مضمونه وحقائقه توجد أدلة وشواهد تؤكد حقيقته وان لم يرد في كتب الأدعية ، ولكن يكفي في نقله على ما استفدناه من الكتابين المذكورين اللذين ذكرا هذا الدعاء ، ومن باب التسامح في أدلّة السنن يهون الخطب في سنده ، وعلى ضوء ما نفهمه من هذا الدعاء سوف يكون حديثنا حوله في بحثين :

البحث الأول : التوسل والإستغاثه بالزهراء عليها‌السلام.

البحث الثاني : حقيقة السر المستودع في فاطمة عليها‌السلام.

٢٦

٢٧
٢٨

التوسل بفاطمة عليها‌السلام

للخطيب الشيخ محسن الفاضلي

توسَّلت بالحوراء فاطمةَ الزّهرا

لتلهمني حتى أقولَ بها شِعرا

فجاء بحمدِ الله ما كنت أبتغي

فأبديتُ للمعبودِ خالقي الشّكرا

أجل هي روح المصطفى كُفءُ حيدرٍ

وأمُّ أبيها هل ترى مثلَه فخرا

أو المثلِ الأعلى بكلَّ خصالها

جلالاً كمالاً عفّةً شرفاً قدرا

حوت مَكرُماتٍ قطُّ لم يحو غيرُها

فمن بالثّنا منها ألا قُلْ لَنا أحرىٰ

وسيلتُنا والله خيرُ وسيلةٍ

بحقًّ كما وهي الشفيعةُ في الأخرىٰ

أيا قاتل اللهُ الذي راعها وقد

عليها قسىٰ ظلماً وروّعها عصْرا

وسوّد متنيها وأحرقَ بابَها

وأسقطها ذاكَ الجنينَ على الغبرا

أيا مَن تواليها أتنسىٰ مُصابَها

وتَسلو وقد أمست ومقلتُها حمرا

من الضّربِ ضرِب الرّجس يومِ تمانعت

بأن يذهبوا بالمرتضىٰ بعلِها قَسرا

وعادت تعاني هظمَها ومصابَها

بفقدِ أبيها وهي والهفتا عَبرىٰ

الى أن قضت روحي فداها ولا تَسل

عن أحوالها واللهُ من كلِّنا أدرىٰ

٢٩
٣٠

البحث الأوّل

حقيقة التوسل والاستغاثة بالزهراء عليها‌السلام

منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ أن خلق آدم وحواء جعل لهم وسيلة يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن أبينا آدم عليه‌السلام عندما أذنب بترك الأولى قد توسَّل إلى الله تعالى بغفران ذنبه « تركه الاولى » وكان من جملة ما توسل به الكلمات التي تلقاها من الله تعالى وتاب بها عليه تبارك وتعالى ولقد فسرت هذه الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١) ، إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى والأسماء هي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فتوسل آدم عليه‌السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته.

به قد أجاب الله آدم إذ دعا

ونُجي في بطن سفينة نُوحُ

قومُ بهم غفرت خطيئة آدم

وهُمُ الوسيلة والنجوم الطُلَّع (٢)

وعلى هذا الأساس كان التوسل بأولياء الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة عليها عند المسلمين بل يتعدى ذلك إلى غير المسلمين فنحن نجد ان الكثير من الديانات الأخرى غير الإسلامية تتوسل بشيء ما للتقرب إلى الله تعالى أو إلى الآلهة التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزىٰ ليقربونهم إلى الله زلفى وكما صرح بذلك القرآن الكريم في بعض آياته ، وعلى كل حال فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالى :

__________________

(١) البقرة : ٣٧.

(٢) البرهان : ١ / ٨٦ ، مجمع البيان ١ / ٨٩.

٣١

( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) ، حيث كان القرآن موافقاً في هذه المسألة للعقلاء أنفسهم وهذا ما نجده في طلب حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما زعيم أو رئيس أو حتى رجل كريم ... وهذا ليس من الشرك في شيء ، فهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلى الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولاً إلى الصحة والسلامة ، وما الطبيب الحقيقي إلاَّ الله تعالى فهل هذا يعتبر شركاً بالله عز وجل ؟ ويدل على هذا الأمر ما روي في قصة أبناء يعقوب على لسان القرآن الكريم عندما أدركوا انهم قد ارتكبوا ذنوباً كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب قائلين : ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (٢) على أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران لهم من قبل رب العالمين ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ).

وعلى هذا الأساس كان التوسل أمراً دينياً قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله البشرية وقد جاء الإسلام ليؤكد على ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال إتخاذ الوسيلة التي نتوسل بها إلى الله تعالى ، ولم نجد من وقف ضد هذا الأمر ـ أي التوسل ـ إلاّ ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري ، وتلاه في عقائده الباطلة والتي لا تمتلك دليل منطقي برهاني محمد بن عبد الوهاب الذي أسس أضل واطغى جماعة على الدين الإسلامي ألا وهي الوهابية العمياء فأعتبر التوسل بأولياء الله تعالى من الأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين بدعة ـ تارة ـ وعبادة للأولياء أنفسهم تارة أخرىٰ.

وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات العقلائية في هذا المضمار وخصوصاً نحن نؤمن بأن القرآن الكريم قد أكد على حقيقة اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة ، وليس هذا على ما يدعيه محمد بن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الشرك بالله تعالى ، والقرآن الكريم نفسه أكد على ضرورة اتخاذ الوسيلة إلى الله تعالى.

والتوسل يكون على قسمين أو صورتين :

__________________

(١) المائدة : ٢٥.

(٢) يوسف : ٩٧.

٣٢

١ ـ التوسل بالأولياء أنفسهم ، كأن نقول : ( اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تقضي حاجتي ).

٢ ـ التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى كأن نقول ( اللهم أني أتوسل إليك بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي ).

أما الوهابية فإنهم يُحرمون الصورتين معاً ، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية وتؤكدان جواز الصورتين معاً (١). فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد على هذه الحقيقة حقيقة جواز التوسل بأولياء الله تعالى حيث يقول : « إن رجلاً ضريراً أتىٰ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أُدُع الله يعافيني.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن شئتَ دعوت ، وأن شئت صبرت وهو خير ؟

فقال : فادعُه ـ فأمره ـ ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء : اللهم أني اسئلك واتوجِّه إليك بنبيك نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي لتقضى ! ، اللهم شفعه فيَّ.

قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ.

ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة السند وقد أثبتته كتب العامة قبل الخاصة حتى ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث ثقة (٢).

أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في ألفاظه يظهر معناه واضحاً جلياً. حيث دل على ان الإنسان له أن يتوسل إلى الله تعالى بالذين جعلهم أدلاء على مرضاته وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم خاتمهم نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته ، والتوسل يكون بحرمتهم وكرامتهم وحقهم على الله تعالى. أما التوسل بالأنبياء وبحقهم فهذا ما جاء على لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أُم أمير المؤمنين حيث يقول الحديث « لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس عند رأسها

__________________

(١) الوهابية في الميزان : ١٦٣.

(٢) سنن ابن ماجة : ١ / ٤٤١ ، الوهابية في الميزان ١٦٤.

٣٣

فقال : رحمك الله يا أمي بعد أمِّي ثم دعا رسول الله أسامَة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه ، ثم قال : والله الذي يُحي ويميت وهو حَيٌّ لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي (١).

أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه ، فقد روىٰ جمع من المحدثين ان اعرابياً دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : « لقد أتيناك وما لنا بعيرٌ يئط ـ أي مثل صوت البعير ـ ولا صبي يغط ـ وهو صوت النائم ـ ثم أنشأ يقول :

أتيناك والعذراء تدمىٰ لبانُها

وقد شغلت أم الصبيِّ عن الطفلِ

ولا شيء ممِّا يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامي والعلهز الفسْلِ

وليس لنا إلا إليك فرارُنا

وأين فرارُ الناس إلا إلى الرسلِ

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يَجُر رداءه ، حتى صعد المنبر فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا غيثاً ... فما ردا النبي حتى ألقت السماء ...

ثم قال : لله دَرُّ أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قولَهُ ؟

فقام علي بن أبي طالب عليهما‌السلام وقال : كأنك تريدُ يا رسول الله ـ قَولَهُ :

وأبيض يُستسقىٰ الغمامُ بوجهه

ثِمال اليتامى عصمَةٌ للأراملِ

يطوف به الُهلاِّك من آل هاشمٍ

فهم عنده في نعمةٍ وفواضلِ

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجل فانشد علي عليه‌السلام أبياتاً من القصيدة ، والرسول يستغفر لأبي طالب على المنبر ، ثُمِّ قام رجل من كنانة وأنشد يقول :

لك الحمد والحمد ممن شكر

سقينا بوجه النبي المَطَر (٢)

ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة التي يتوسل بها بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وأشهد أن الله لا ربًّ غيرُه

وانك مأمون على كل غائبِ

وانك أدنى المرسلين وسيلة

إلى الله يابن الأكرمين الاطائب

__________________

(١) كشف الإرتياب : ٣١٢ ، حلية الأولياء : ١٢١ ، وفاء الوفا ٣ : ٨٩٩.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٨٠ ، السيرة الحلبية : ٣ / ٢٦٣.

٣٤

فمرنا بما يأتيك يا خير مُرسلٍ

وان كان فيما فيه شيبُ الدوائِب

وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ

بِمُضض فتيلاً عن سواد بن قاربِ (١)

أما التوسل بأولياء الله تعالى فهذا ما اثبتته الكتب الكثيرة وخاصة الموجودة في كتب العامة حيث ورد في كيفية استقساء المسلمون بعم النبي « العباس » واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة ، لما اشتَدَّ القحط فسقاهم الله تعالى به ، وأخصبت الأرض ـ فقال عمر هذا ـ والله ـ الوسيلة إلى الله والمكان منه.

وقال حسّان :

سأل الأمام وقد تتابع جد بنا

فسقى الغمام بغُرّة العَّباسِ

عم النبي وصفو والِدهِ الذي

وَرث النبي بذاك دون الناس

أحيى الإله به البلاد فأصبحت

مخضرة الأجانب بعد اليأس

ولما سقي الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين (٢).

أقول : بعد هذا البيان يظهر لنا ان التوسل بالأولياء الصالحين مما جرت به السنة الشريفة فضلا عن القرآن الكريم نفسه ، وعلى هذا الأساس جاء هذا الدعاء المروي عن علمائِنا الأفاضل :

« اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ... والذي يظهر من خلال استقراء الروايات المأثورة في حق الزهراء أن هذا الدعاء وارد في حق التوسل بالصديقة الطاهرة الزهراء عليها‌السلام فتارة نجد بعض الأحاديث تبين كيفية التوسل بالزهراء وتارة أخرى تبين كيفية الاستغاثة بالصديقة الشهيدة سلام الله عليها.

فقد ورد عن لسان العلامة المتبحر المجلسي ما نصه : وجدت نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه :

هذا الدعاء رواه محمد بن بابويه رحمه‌الله ، عن الأئمة عليهم‌السلام وقال : ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة الإجابة وهو ...

( يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد ، يا قرة عين الرسول ، يا سيدتنا ومولاتنا ، إنّا

__________________

(١) الدرر السنية : ٢٧ زيني دحلان ، التوصل إلى حقيقة التوسل : ٣٠٠.

(٢) تاريخ اُسد الغاية في معرفة الصحابة : ٣ / ١١١.

٣٥

توجهنا واستشفعنا ، وتوسلنا بك إلى الله ، وقدمناك بين يدي حاجتنا ، يا وجيهة عند الله أشفعي لنا عند الله ... ) (١).

وروي في كيفية التوسل بالزهراء ، أن تصلي ركعتين ، فاذا سلمت فكبر الله ثلاثاً ، وسبح تسبيح الزهراء عليها‌السلام واسجد وقل مائة مرة : يا مولاتي ، يا فاطمة أغيثيني ، ثم ضع خدّك الأيمن ، وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك ، ثم خدك الأيسر على الأرض وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات ، أذكر حاجتك تقضى(٢). أما صلاة الاستغاثة بالبتول فهو نفس العمل السابق إضافة إلى ذلك تقول في السجود :

( يا آمناً من كلّ شيء وكل شيء منك خائف حذر ، أسألك بأمنك من كل شيء وخوف كلّ شيء منك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي ومالي وولدي حتى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً ، إنك على كل شيء قدير ).

والدعاء الذي افتتحنا به البحث يؤكد على مسألة مهمة أخرى وهي حق فاطمة عليها‌السلام والذي يهمنا في هذا المقام هو معرفة حق فاطمة وما المقصود منه ، والذي نراه بعد تتبع بعض روايات أهل البيت عليهم‌السلام أنّ حق أهل البيت عظيم وحقوقهم كثيرة ، ولكن الأهم من هذا كله هو معرفة الحق الأكبر ، والذي عبرت عنه الروايات حق المعرفة ، وبعبارة أخرى اهم حق هو معرفة كونهم عليهم‌السلام مفترضوا الطاعة وهذا ما أشارت إليه الكثير من الروايات المروية في المقام.

حيث فسرت حق الأئمة تارة بأنهم حجة الله على الخلق والباب الذي يؤتى منه والمأخوذ عنه ، وأنهم مفترضوا الطاعة ، وهكذا بالنسبة للأئمة عليهم‌السلام ، أمّا الصديقة الشهيدة ، فحقها كبير على الناس وخصوصاً الأنبياء ، حيث ورد أنه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، وكذلك ورد أنها مفترضة الطاعة على جميع البشر وهذا حقها الأكبر

__________________

(١) البحار : ١٢ / ٢٤٧.

(٢) البلد الأمين : ١٥٩ ، البحار : ١٠٢ / ٢٥٤ ح ١٣ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٣٣١ ح ٣ مثله.

٣٦

على الناس حيث يقول الحديث :

« ولقد كانت عليها‌السلام مفروضة الطاعة ، على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير ، والوحش ، والأنبياء ، والملائكة » (١). على أنه كلما ثبت من حقوق للأئمة عليهم‌السلام فهو ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام وخصوصا نحن نعلم انه ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام انه قال : ( نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ).

اذن من خلال هذا الموضوع نفهم ان لحقيقة التوسل بالصديقة الشهيدة عليها‌السلام لقضاء الحاجات بوجاهتها عند الله دوراً مهماً في ترسيخ عقيدة الإنسان المؤمن بها حيث بعد قضاء الحاجة على يديها يجد المؤمن ايماناً راسخاً بها هذا من جهة ، وان حقيقة التوسل بها يضعنا أمام جملة من الحقائق لابد من الوقوف معها والتأمل في مغزاها من جهة اُخرى.

وأوَّل هذه الحقائق المنزلة العظيمة والجليلة والفريدة التي كانت تتمتع بها بضعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما جعلها موئلاً لكل مستغيث ومقصداً لكل طالب حاجة ضاق بحاجته ذرعاً وهو لا يدري باب من يطرق حتى تقضى حاجته وتجاب استغاثته ، فاذا بالإمام الصادق عليه‌السلام يقول لنا : عليكم بالزهراء ، استغيثوا بإسمها ونادوا مولاتكم فاطمة ، وحينئذ تقضى حاجتكم ، وتنالون مطلبكم ويكفي في مقام بيان منزلتها انها كانت المرجع لأبيها حيث كنّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باُمّ أبيها ، وانها كانت بضعة منه فمن أغضبها فقد أغضبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكفي في منزلتها أيضاً أنها سيدة نساء أهل الجنة ،بل سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وأنها أم الأئمة المعصومين وانها حليلة سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وأما الحقيقة الثانية التي أثبتتها أحاديث التوسل بالصديقة الشهيدة ، هو مسألة الشفاعة ، ولما لها من الأهمية الكبرى في حياة الفرد المؤمن ، حيث نجد مسألة الشفاعة لها دور كبير في بعث الأمل في روح المذنبين وأن لهم أملاً يظهر خلال الدنيا على نحو التوسل وفي الآخرة على نحو الشفاعة وهذا ما أكده القرآن الكريم في كثير من آياته

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٢٨.

٣٧

حيث يقول سبحانه وتعالى : ( يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ ) (١) ، ( وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) (٢) ، ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا ) (٣). فإذا كان الله سبحانه وتعالى يأذن لبعض عباده بأن يشفعوا لغيرهم من الناس فمن أولى من بضعة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الخصوصية.

والحقيقة الأخرى التي كشفت عنها روايات التوسل والإستغاثة بالصديقة الشهيدة هي مسألة تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، ذلك التسبيح الذي علمه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابنته بأن تكبر الله سبحانه أربعاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين ، عندما جاءته والإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام تشكو له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجهادها ونصبها ومعاناتها في عمل البيت ، فطلبت منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعينها بخادمة تكون معواناً لها ، فكان أن علمها هذا التسبيح الذي عملت به سلام الله عليها وعنها أخذ المؤمنون يسبحون به ويتعبدون بعد كل صلاة ، وكأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد ان تصبح الزهراء عليها‌السلام حاضرة في كل صلاة يؤديها مؤمن ، إذ كلما تَعَبَّد بهذا التسبيح متعَبِد تذَكَّر الزهراء ومكانتها من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن الله سبحانه وتعالى.

__________________

(١) طه آية ١٠٩.

(٢) سبأ آية ٢٣.

(٣) مريم آية ٨٧.

٣٨

٣٩
٤٠