الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وسبعون حرفا ، وحرف واحد عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم (١) (٢). وايضا عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : « ان الله عز وجل جعل اسمه الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فاعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفاً واعطى نوحاً منها خمسة عشر حرفاً واعطى منها ابراهيم ثمانية احرف واعطى موسى منها اربعة احرف واعطى عيسى منها حرفين وكان يحي بهما الموتى ويبرئ بهما الاكمة والابرص واعطى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنين وسبعين حرفا و احتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما نفس العباد » (٣).

أقول : يظهر من الحديثين ان اسم الله الاعظم انه قد استفاد منه الأنبياء عليهم‌السلام في استخدام ولايتهم التكوينية لاعمال المعجزات والكرامات وقضاء حاجات الناس وحسب ما ترتضيه المشيئة الالهية وعلى هذا الاساس نفهم ان محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهار مما استأثرهم به الله تعالى هو اعطاءهم اسمه الاعظم وبقابلية أكبر واكثر من الأنبياء السابقين وأوصيائهم.

اذن الرسول الأعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته كانت لديهم هذه الولاية التكوينية ويستخدمونها بما عندهم من اسم الله الاعظم وبما فيهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام باعتبارها ام الأئمة ووعاء الإمامة وأم ابيها وكونها حجة الله الكبرى على الأنبياء والأوصياء من ابناءها عليهم‌السلام وسيأتينا كيفية اعمال فاطمة لهذه الولاية والشواهد عليها من خلال الاحاديث الشريفة.

الولاية التكوينية إنما تكون باذن الله تعالى

هذه بعض الأحاديث المأثورة تبين إنَّ إعمال الولاية التكوينية إنما يكون باذن الله تعالى ، وانها وقعت لأهل بيت النبوة هذه الولاية واستخدموها كما يظهر ذلك من

__________________

(١) أي لا يقع من هذه الامور او غيرها إلا بارادة الله وقدرته سبحانه.

(٢) الكافي : ١ / ٢٨٦ ، بصائر الدرجات ٤ / ٢٢٨ ح ١.

(٣) بصائر الدرجات : ٤ / ٢٢٩.

٢٦١

الاحاديث الاتية :

١ ـ عن ابي بصير قال دخلت على ابي عبد الله عليه‌السلام وابي جعفر عليه‌السلام وقلت لها : انتما ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال نعم. قلت : فرسول الله وارث الأنبياء علم كلما علموا ؟ فقال لي : نعم. فقلت : انتم تقدرون على ان تحيوا الموتى وتبرؤا الاكمه والابرص فقال لي : نعم باذن الله ثم قال : ادن مني يا ابا محمد فمسح يده على عيني ووجهي وابصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار. قال : اتحب ان تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا. قلت : اعود كما كنت قال فمسح عيني فعدت كما كنت. قال علي : فحدثت به ابن ابي عمير. فقال : اشهد ان هذا حق كما ان النهار حق.

٢ ـ عن محمد بن الفضل عن ابي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : قلت له أسالك فداك عن ثلاث خصال أنفي عني فيه التقية قال : فقال ذلك لك ، قلت : أسالك عن فلان بن فلان قال : فعليهما لعنة الله بلعناته كلاهما ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم قلت الأئمة يحيون الموتى ويبرؤن الاكمه والابرص ويمشون على الماء قال : ما اعطى الله نبيا شيئا قط إلاّ وقد اعطاه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعطاه ما لم يكن عندهم.

قلت : وكل ما كان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد اعطاه امير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : نعم ثم الحسن والحسين عليهما‌السلام ثم بعد كل امام اماما إلى يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في كل سنة وفي كل شهر ثم قال : أي والله في كل ساعة.

٣ ـ عن علي بن معيد يرفعه قال : دخلت حبابة الوالبية على ابي جعفر عليه‌السلام محمد بن علي عليهم‌السلام قال : يا حبابة مالذي ابطاك ، قالت : قلت : بياض عرض لي في مفرق راسي كثرت له همومي ، فقال : يا حبابة ادنيني به قال : فدنوت منه فوضع يده في مفرق رأسي ، ثم قال : ائتوا لها بالمرأة فأتيت فنظرت فاذا شعر مفرق راسي قد اسود فسررت بذلك وسر أبو جعفر عليه‌السلام بسروري.

٤ ـ وعن علي ابن ابي حمزة عن ابي بصير قال حججت مع ابي عبد الله عليه‌السلام فلما كنا في الطواف قلت له : جعلت فداك يابن رسول الله يغفر الله لهذا الخلق ؟ فقال : يا ابا بصير ان اكثر من ترى قردة وخنازير ، قال : قلت له ارنيهم قال : فتكلم بكلمات ثم أمَّر

٢٦٢

يده إلى بصري فرايتهم قردة وخنازير فهالني ذلك ثم أمَّر يده على بصري فرايتهم كما كانوا في المرة الاولى ثم قال : يا ابا محمد انتم في الجنة تحبرون وبين اطباق النار تطلبون فلا توجدون والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا واحد.

٥ ـ وعن أبي بصير قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام تريد ان تنظر بعينك إلى السماء. قلت نعم فمسح يده على عيني فنظرت إلى السماء.

٦ ـ وعن ابي عوف عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : دخلت عليه فالطفني وقال ان رجلا مكفوف البصر أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادع الله ان يرد علي بصري فدعا الله له فرد عليه بصره ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادع الله لي ان يرد علي بصري قال فقال الجنة احب اليك ام ان يرد عليك بصرك قال يا رسول الله وان ثوابها الجنة فقال ان الله اكرم من ان يبتلي عبده المؤمن بذهاب بصره لا يثيبه الجنة.

٧ ـ وعن جميل بن دراج قال : كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام فدخلت عليه امرأة فذكرت انها تركت ابنها بالملحفة على وجهه ميتا قال لها : لعله لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك واغتسلي وصلي ركعتين وادعي وقولي يا من وهبه لي ولم يك شيئا جدد لي هبته ثم حركيه ولا تخبري بذلك احدا قال ففعلت فجائت فحركته فاذا هو قد بكى.حدثنا احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن المغيرة قال مر العبد الصالح عليه‌السلام بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون وقد ماتت بقرة لها فدنا منها ثم قال لها ما يبكيك يا امة الله قالت يا عبد الله ان لي صبيانا ايتاما فكانت لي بقرة معيشتي ومعيشة صبياني كان منها فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي ولا حيلة لنا فقال لها يا امة الله هل لك ان احييها لك قالت فالهمت ان قالت نعم يا عبد الله قال فتنحى ناحية فصلى ركعتين ثم رفع يديه يمينه وحرك شفتيه ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا او ضربها برجله فاستوت على الأرض قائمة فلما نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت صاحت عيسى بن مريم ورب الكعبة قال فخالط الناس وصار بينهم ومضى عليه‌السلام وعلى آبائه الطاهرين (١).

__________________

(١) راجع بصائر الدرجات : ٦ / ٢٨٩ ، ٢٩٣.

٢٦٣

أقول : يظهر من هذه الأحاديث المأثورة ان أهل البيت عليهم‌السلام كانوا يعملون الولاية التكوينية بما اعطاهم من علمه وبأذنه تعالى ، وذلك لكونهم ورثوا علوم جميع الأنبياء ، بل ان الذي عندهم افضل واعلى رتبة ودرجة في العلم الرباني ، وعلى هذا الاساس فان الولاية التكوينية لهم ثابتة ولا ينكرها إلاّ معاند او ليس له حظ من العلم إلاّ قليلا ، فهم عليهم‌السلام تارة يستخدمون هذه الولاية عن طريق اسم الله الاعظم فيتصرفون في التكوينات وتارة من خلال ما عندهم من العلوم الربانية التي ورثوها من الأنبياء والأوصياء السابقين بل من الذي ورثوه من جدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذا نرى في الزيارات الواردة في حقهم هذه العبارات الواضحة البيان بل هي مطلقة في كل شيء يرثونه من الأنبياء حيث تقول هذه الزيارات « السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله تعالى ، السلام عليك يا رواث نوح نبي الله السلام عليك ياوارث موسى كليم الله السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ... » الخ. فدلالة قوله عليه‌السلام يا وارث أي مطلق الوراثة سواء المادية او المعنوية ، اذن فهم ورثة الأنبياء في كل ما أعطاهم الله تبارك وتعالى.

وأيضاً استخدم أهل البيت عليهم‌السلام الولاية التكوينية من خلال كرامات ومعجزات بل ازدادوا عليهم بأنهم ورثوا كل ما عند نبي عن الاخر زيادة ، وهكذا الحال في كل أهل البيت الذي عصمهم وامنهم الله من الزلل ، ومن هنا كانت فاطمة الزهراء عليها‌السلام عندها الولاية التكوينية حيث ثبتت لها من خلال عدة امور منها :

* انها حليلة سيد الأوصياء امير المؤمنين علي عليه‌السلام فهي كفو له وهو كفو لها وهذا يقتضي كونها عندها من المقامات ما لامير المؤمنين علي عليه‌السلام إلاّ ما خصه الله تعالى من الولاية التي يتصدي بها لخلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن المعلوم ان امير المؤمنين عنده هذه الولاية أعني الولاية التكوينية وقد أعطت الكثير من الكتب الشواهد العديدة على هذه القضية ويكفي شاهد على ذلك في قضية رده الشمس ، وهل هذا الا تصرف تكويني من خلال اسم الله الاعظم ، وعليه المقام ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام.

* انها حجة الله الكبرى على الخلق بما فيهم الأنبياء والأوصياء ويدل على ذلك الحديث المروي نصه : « ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وعلى معرفتها

٢٦٤

دارت القرون الاولى » ، فاذا كانت النبوة لا تكتمل لنبي من الأنبياء حتى يقر بفضلها ومحبتها ، فمن باب الاولوية ان كل مقام من المقامات المعنوية والمادية التي كانت ثابتة للأنبياء كانت ثابته ايضا للصديقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام إلاّ ما خرج بالدليل مثل النبوة الخاصة بكل نبي ، وايضا بينا في حديث « نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة عليها‌السلام حجة الله علينا » قضية انها حجة الله الكبرى فما كان ثابت للائمة من الولاية التكوينية فهو ثابت لها عليها‌السلام ، هذه بعض الادلة بصورة اجمالية ولو كان لنا تقصي المسألة لاحتجنا إلى كتاب خاص في هذه المسألة ، واعطى لك شاهدين على ثبوت الولاية التكوينية لفاطمة عليها‌السلام واترك لك مراجعة المطولات في هذه القضية ...

* « عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن سلمان الفارسي : انه استخرج أمير المؤمنين من منزله ، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر ، فقالت : خلوا عن ابن عمي ، فوالذي بعث محمداً بالحق لئن لم تخلوا عنه لانشرن شعري ولاضعن قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رأسي ولاصرخن إلى الله ، فما ناقة صالح بأكرم على الله من والدي. قال سلمان : فرأيت والله اساس حيطان المسجد تقلعت من اسفلها ، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها فقلت يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث اباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من اسفلها ، فدخلت في خياشيمنا » (١).

* وفي مشارق انوار اليقين ص ٨٦ مثل هذا الحديث ولكن باختلاف وهو : « ثم رفعت جنب قناعها إلى السماء ، وهمت ان تدعو فارتفعت جدران المسجد عن الأرض وتدل العذاب ...

وأخيرا اختم هذا الموضوع بقول الإمام الخميني قدس‌سره الذي يرى ثبوت الولاية التكوينية للصديقة الطاهرة فاطمة حيث يقول ما نصه :

« وثبوت الولاية والحاكمية للامام عليه‌السلام لاتعني تجرده عن منزلته التي هي له عند الله ، ولا تجعله مثل من عداه من الحاكم فان للامام مقاماً محموداً ودرجة سامية

__________________

(١) المناقب : ٣ / ١١٨.

٢٦٥

وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وان من ضروريات مذهبنا ان لائمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وبموجب ما لدينا من الروايات والاحاديث فان الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام كانوا قبل هذا العالم انواراً فجعلهم الله بعرشه محدقين ، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلاّ الله وقد قال جبرئيل ، كما ورد في روايات المعراج لو دنوت انملة لاحترقت ، وقد ورد عنهم عليهم‌السلام : ان لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ومثل هذه المنزلة موجودة لفاطمة الزهراء عليها‌السلام لا بمعنى انها خليفة أو حاكمة أو قاضية ، فهذه المنزلة شي آخر وراء الولاية والخلافة والأمرة ، وحين نقول : ان فاطمة عليها‌السلام لم تكن قاضية أو حاكمة أو خليفة فليس يعني تجردها عن تلك المنزلة المقربة كما لا يعني ذلك انها امرأة عادية من أمثال ما عندنا » (١).

__________________

(١) الحكومة الاسلامية : ٥٢.

٢٦٦

٢٦٧

٢٦٨

ألقاب بنت المصطفى كثيرة

نظّمت منها نبذة يسيرة

سيدة إنسية حوراء

نوريّة حانية عذراء

كريمة رحيمة شهيدة

عفيفة قانعة رشيدة

شريفة حبيبة محترمة

صابرة سليمة مكرمة

صفيّة عالمة علمية

معصومة مغصوبة مظلومة

ميمونة منصورة محتشمة

جميلة جليلة معظمة

حاملة البلوى بغير شكوى

حليفة العبادة والتقوى

حبيبة الله وبنت الصفوة

ركن الهدى وآية النبوّة

شفيعة العصاة أُمُّ الخيرة

تفّاحة الجنّة والمطهّرة

سيِّدة النساء بنت المصطفى

صفوة ربّها وموطن الهدى

قرَّة عين المصطفى وبضعته

مهجة قلبه كذا بقيّته

حكيمة فهيمة عقيلة

محزونة مكروبة عليلة

عابدة زاهدة قوّامة

باكية صابرة صوّامة

عطوفة رؤوفة حنّانة

البرّة الشفيقة الأنّانة

والدة السبطين دوحة النبيّ

نور سماويّ و زوجة الوصي

بدر تمام غرَّة غرّاء

روح أبيها درَّة بيضاء

واسطة قلادة والوجود

درّة بحر الشرف الجود

وليّة الله وسرّ الله

أمينة الوحي وعين الله

مكينة في عالم السماء

جمال الآباء شرف الأبناء

درّة بحر العلم والكمال

جوهر العزّة والجلال

قطب رحى المفاخر السنيّة

مجموعة المآثر والعليّة

مشكاة نور الله والزجاجة

كعبة الآمال لأهل الحاجة

ليلة قدر ليلة مباركة

ابنة من صلّت به الملائكة

قرار قلب أُمِّها المعظّمَة

عالية المحلّ سرّ العظمة

مكسورة الضلع رضيض الصدر

مغصوبة الحقّ خفيّ القبر (١)

__________________

(١) الجنة العاصمة : ٦٦ ـ ٦٨ ، عنه بهجة قلب المصطفى : ٢٩.

٢٦٩

٢٧٠

البحث العاشر

فاطمة عليها‌السلام أم أبيها

عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنه قال

إن فاطمة عليها‌السلام كانت تكنى : أُم أبيها (١)

نقف مع هذه الحديث لكي نستلهم منه المعاني الرائعة والجميلة التي تضمنها بين طياته ، فكلمة أُم أبيها كلمة عذبة أفضل ما تفوهت به حنجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما قال مرحباً بأُم أبيها ، فهذه الكلمة رغم أنها صغيرة ولكنها في نفس الوقت كبيرة مملوءة بالحب والأمل والعطف وكل ما في القلب البشري من الرقة والعذوبة ، لذا نرى لابد من تسليط الأضواء على هذه الكلمة لكي نستخلص روائع الفكر من هذا الحديث الشريف الذي قلده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابنته فاطمة فجعل جيدها يشع نوراً لمن أراد أن يستضيء من نور معرفته.

ولقد ورد في صحاح اللغة العربية أن معنى كلمة أُم هو الأصل كما هو معروف في لسان القرآن الكريم حيث عبر عن مكة المكرمة ب‍ ( أُمَّ الْقُرَىٰ ) أي أصل القرى في الجزيرة العربية ، ومنها انطلقت روح الحياة لكي تغذي القرى ومن حولها وتقوم برعايتها ، وذلك لما لها من مكان وموقع جغرافي في قلب الجزيرة العربية مما جعلها قطب الرحى لبقية القرى ... وعلى هذا الأساس نفهم معنى هذا الحديث « أُم أبيها » حيث نستطيع تفسيره بأن فاطمة عليها‌السلام كانت مصدر ذرية رسول الله ومنبع نسله وهذا ينطبق ويتماشى مع تفسير الكوثر الذي هو مصدر ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أقول : إن في التأمل في حياة فاطمة عليها‌السلام واستقراء حياتها في ظل رعاية أبيها رسول

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٢٩ ، المناقب لابن المغازلي : ٣٤٠ ح ٣٩٢ ، أُسد الغابة : ٥ / ٥٢٠ ، الإستيعاب : ٤ / ٣٨٠ ، تهذيب التهذيب : ١٢ / ٤٤٠.

٢٧١

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نجد عدة معاني وتفاسير تجعل هذا الحديث وهذه الكلمة أُم أبيها كنظرية ولها تطبيقات عديدة في حياة الصديقة الطاهرة عليها‌السلام وعلى هذا الاساس نرى الوقوف مع هذا الحديث مما يزيدنا معرفة في فاطمة عليها‌السلام ويجعلنا نتقرب من الأسرار التي كانت تحيط بحياتها الشخصية وإليك بعض التفاسير والمعاني الرائعة لهذه الكلمة :

* ان التدقيق في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ابنته فاطمة عليها‌السلام يجعلنا نفهم معنى أُم أبيها حيث أن الزهراء عليها‌السلام كانت تقوم بمداراة أبيها رسول الله ورعايته أفضل ما تكون المراعاة بالنسبة لأم لولدها وفي قبال ذلك كان الرسول يحترمها كما يحترم الولد أمه ، وهذا تجده جلياً وواضحاً في سيرته الشريفة وعلاقته بالبضعة الطاهرة عليها‌السلام حيث كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينادي بالزهراء عندما تقبل عليه : مرحباً بأم أبيها ، ويقدم لها ضروب الإحترام وألوان التعظيم ، حتى وصل الأمر إلى أن يقوم لها إجلالاً وتعظيماً ويأخذ يدها ويقبلها ثم يجلسها إلى جانبه ويقبل عليها بكليته ، وكان إذا يقبلها يقول : أشم منها رائحة الجنة.

* إن رسالة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابد لها من امتداد يمثلها في كافة جوانبها ويعطيها التفسير الصحيح ، وهذا لم نجده إلا من خلال الإمتداد الطبيعي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتمثل في ذريته من فاطمة عليها‌السلام ، لذا كان الرسول يقول : « حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً » أي إن الحسين ابني وامتدادي الطبيعي فهو قرة عيني وثمرة فؤادي وفي نفس الوقت أنا من حسين ، وعليه فإن هذا الحديث يحدد المفهوم الذي أراده من هذا الحديث أي بدقة متكاملة وبتمعن نرى أن هذا الأمر يعني استمرار الرسالة السماوية وإحياء معالم الدين والعقيدة انما هو بوجود الحسين وذرية فاطمة من الأئمة المعصومين ، لذلك قيل ان الدين الإسلامي محمدي الوجود حسيني البقاء وهذا ما نراه في التضحية التي قدمها الحسين يوم عاشوراء حيث أرخص الغالي والنفيس لإحياء شجرة الرسالة المحمدية في كل جوانبها فغذاها بدمه ودم عيالاته من الأطفال والشباب والشيوخ والنساء حتى الطفل الرضيع ، وعلى هذا الأساس يكون معنى أُم أبيها ان استمرار الإسلام وبقاء رسالة السماء وحفظ القرآن الكريم وعقائده مناهجه إنما يكون بواسطة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ومن خلال ذريتها ، وهذا ما كان يراه الرسول

٢٧٢

في فاطمة من خلال تطلعه إلى آفاق المستقبل الذي سيكون لولد فاطمة فكان يُكرمها ويحترمها ويقول لها مرحباً بأُم أبيها.

* ولعل وجه تكنيتها بأُمّ أبيها هو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعاملها عليها‌السلام معاملة الولد أُمه. وانها تعامله معاملة الأُم ولدها كما ان التاريخ يؤيد ذلك والأخبار تعضده ، ففي الأخبار الكثيرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل يدها ويخصها بالزيارة عند كل عودة منه إلى المدينة المشرفة ويودعها منطلقاً عنها في كل أسفاره ورحلاته ، وكأنه يتزود من هذا النبع الصافي عاطفة لسفره كما يتزود الولد المؤدب من أُمه ، ونلاحظ من جهةٍ أخرى ان فاطمة الزهراء عليها‌السلام تحتضنه وتضمد جروحه وتخفف من آلامه كالأم المشفقة لولدها ، وبالجملة كل ما يجده الولد في أُمه من العطف والرقة والشفقة والأنس فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجده في فاطمة وكأنها أُمه (١).

* ونقل المولى الأنصاري (ره) : إنَّ النكتة في هذه التكنية إنما هي محض إظهار المحبة ، فإن الإنسان إذا أحبّ ولده أو غيره وأراد أن يظهر في حقّه غاية المحبَّة قال : « يا أمّاه » في خطاب المؤنّث ، ويا « أباه » في خطاب المذكَّر ، تنزيلاً لهما بمنزلة الأُمّ والأب في المحبّة والحرمة على ما هو معروف في العرف والعادة (٢).

أو أنَّ الله عزّ وجلّ لمّا شرّف وكرّم أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتكنيتهنّ بأُمَّهات المؤمنين صرن في معرض أن يخطر ببالهنَّ أنَّهن أفضل النساء حتى من بضعة المصطفى فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولأجل ذلك كنّاها أبوها بأُمّ أبيها صوناً لهذه الخواطر والوساوس ، يعني يا نساء النبي إن كنتنّ أمّهات المؤمنين ، ففاطمة عليها‌السلام أُمُّ النبيّ ، أُمّ المصطفى ، أُمُّ الرسول ، أُمُّ أبيها.

ويمكن أن يراد بهذه التكينة معنىً أدق وأعمق من الأول والثاني وإن كان الأول هو الأظهر ، وهو : أنَّ أُمّ كلِّ شيء أصله ومجتمعه كما صرَّح به أهل اللغة كأُم القوم وأُمّ الكتاب وأُم النجوم وأُم الطرق وأُم القرى وهي مكّة شرّفها الله تعالى ، وأُم الرأس وأُم الدماغ و ... فعليه يمكن أن يقال : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد منها أنَّ ابنتي فاطمة هي أصل شجرة

__________________

(١) فاطمة بهجة قلب المصطفى : ٢٠٤.

(٢) اللمعة البيضاء : ٥٠.

٢٧٣

الرسالة وعنصر النبوَّة ، كما قال الباقر عليه‌السلام : الشجرة الطيّبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرعها عليّ عليه‌السلام وعنصر الشجرة فاطمة عليها‌السلام وثمرتها أولادها ، وأغصانها وأوراقها شيعتها (١). وكما أنّه لولا العنصر يبست الشجرة وذهبت نضرتها ، فكذلك لولا فاطمة لما اخضرّت شجرة الإسلام ، فإنّ الشجرة تسمو وتنمو بتغذيتها من أصلها. وشجرة الشريعة الحنيفيّة قد سمعت ونمت بمجاهداتها ودفاعها من إمامها وبعلها الشريف المظلوم ومجاهدات أولادها وتضحيّاتهم ، لا سيّما شبليها الكريمين ، فإنّ الحسن عليه‌السلام بصلحه أبقى شجرة الإسلام ومنعها من الاصطدام والحسين عليه‌السلام بإبائه عن البيعة وبذل مهجته الشريفة سقاها وربّاها ، ولولا صلح الحسن وقيام الحسين عليهما‌السلام ليبست شجرة الإسلام وما قام لها عود ولا اخضرّ لها عمود. ولا يخفى أنّ أصل الحسن والحسين عليهما‌السلام أمّهما فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولولاها لم يكن أبوها وبعلها وبنوها عليهم‌السلام كما تقدم في صدر الكتاب.

ولتمام البحث فاستمع لم يتلى من بعض الأخبار في هذا المعنى : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا شجرة ، وفاطمة أصلها ، وعليٌّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها (٢).

وعن المفضَّل بن محمد الجعفيّ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ) (٣) قال : الحبَّة فاطمة عليها‌السلام ، والسبع السنابل سبعة من ولدها ، سابعها قائمهم ... (٤).

وقال بعض أهل التحقيق : سرُّ التعبير عنها عليها‌السلام بالحبّة يحتمل وجهين :

الأول : إمّا كناية عن أنها هي المقصود أولاً وبالذات ، وإما أن تكون مجرى هذه الأمانات الإلهيّة ومظاهر التوحيد الحقيقيّ صلوات الله عليها ، ووجه التشبيه أنّ من لم يكن من الزرّاع عنده حبّه فهو آيس من تحصيل الزراعة ، فأصل النظر عنه دائماً إلى الحبّة فقطُّ وإلا فالنتيجة منها غير حاصلة ، وكذلك وجود الزهراء صلوات الله عليها

__________________

(١) مجمع البحرين : مادة شجر.

(٢) ميزان الاعتدال : ١ / ٢٣٤ ، على ما في إحقاق الحق : ٩ / ١٥٢.

(٣) البقرة : ٢٦١.

(٤) تفسير نور الثقلين : ١ / ٢٨٢.

٢٧٤

هي المصدر والأصل لهذه الأنوار الإلهية ، رزقنا الله حبّها وشفاعتها.

الثاني : أنَّ الزراعة أصلاً وحقيقة هي تلك الحبّة مع إضافات أخرى أعملت فيها ، فتصور بصرة أخرى ، وإنما الفرق بينهما الإجمال والتفصيل ، وإلا هي مادة وأصلاً. فعلى هذا تكون الأنوار المقدّسة هي المتشعّبة والمشتقّة من هذه الحبّة الإلهية (١) ...

* إن النبي كان يكشف عن مكانة فاطمة في الإسلام ، في كل كلمة يقولها لفاطمة ، وكل صنيع يصنعه لها. وهنا أراد النبي الكريم ، أن يبيّن عظمة فاطمة الزهراء ، وأنها تختلف عن نسائه اختلافاً كبيراً ، أي أن مكانة الزهراء تفوق مكانة نساء النبي لأنها معصومة ... وهنّ لسن بمعصومات ... ولأنها مطهرة من الرجس ، وهن لسن مطهرات من الرجس ... ففاطمة زعيمة آية التطهير ، بينما لم تدخل واحدة من نساء النبي في آية التطهير ، حتى أم سلمة على جلالة قدرها ، لما اقتربت من الكساء والنبي يقرأ قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢).

وكان تحت الكساء يومها محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام ـ أقول : لما اقتربت أم سلمة من طرف الكساء ، وقالت : وأنا منهم يا رسول الله ـ روحي فداك ـ ؟ قال : لا ... لست منهم ، ولكنك على خير ، أو إلى خير.

وفي يوم المباهلة نجد النبي لم يخرج معه من النساء سوى فاطمة في حين أن آية المباهلة واضحة بقولها : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ).

أقول : ولما خرج النبي إلى مباهلة النصارى ، لم يخرج معه سوى الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليهم‌السلام فالحسن والحسين يمثلان الأبناء ، وفاطمة تمثل النساء ، وعلي يمثل نفس النبي ، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل على أن فاطمة سيدة النساء ، ولو كانت واحدة من نساء النبي في مستوى فاطمة لأخرجها معه ، ولكنه ـ أي الرسول ـ لم يجد

__________________

(١) القطرة للسيد أحمد المستنبط : ١٥٨.

(٢) اعلموا أني فاطمة : ٢ / ٧٢٣ ـ ٧٣١.

٢٧٥

في نسائه ، ولا في نساء بني هاشم ولا في نساء الخلافة ، واحدة تقوم مقام الزهراء ، فاطمة بنت محمد ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ. والذين يحاولون إدخال زوجات النبي في أهل البيت ، عليهم أن يتفكروا في أمر آية المباهلة لتستبين لهم جادة الحق والصواب كالشمس الصافية المشرقة.

ولتأصيل هذا المعنى ، وتأكيده اقرأوا معي إذا شئتم أول سورة التحريم ، وهو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) (١) ، والتعبير واضح جداً.

فحينما يقول : تبتغي مرضاة أزواجك ، فإن معنى ذلك أن رضى زوجات النبي لا قيمة له أمام رضا الله سبحانه وتعالى لأن رضا أزواج النبي خاضع للهوى ، وليس لموازين الإيمان ، وهذا ليس انتقاصاً لنساء النبي وإنما هو الواقع ، والحقيقة فنساء النبي لسن معصومات وما فيهن واحدة يمكن أن تصل إلى مستوى فاطمة ، لذلك يقول القرآن في استنكار شديد ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ).

علماً بأن النبي لا يحرّم ما أحل الله له في التشريع الإسلامي الحنيف ، وإنما كانت القضية ، مسألة خاصة تتعلق بشيء من السمن والعسل أهدي إلى زوجة النبي زينب بنت جحش ، وحدث أن كان النبي عندها ، فقدمت له من ذلك الطعام شيئاً يسيراً فأكله النبي ، غير أن غيرة عائشة وبعض نسائه أدت إلى أن تقوم اثنتان من نساء النبي ـ كما ورد في سورة التحريم ـ وهما عائشة وحفصة ، أن تقوما بمظاهرة ضد الرسول الأعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبدأت المظاهرة بقول عائشة وحفصة للنبي إننا نشم من فمك رائحة كريهة ، فتعجب النبي أن تكون رائحة فمه كريهه وهو الذي كانت حبات عرقه تتضوع عطراً ، بل كان جسمه يفوح بعطر الجنة كما جاء ذلك في سيرته الذاتية ، وأحواله الشخصية ... ولكن لا بأس ، إذا كان هذا الطعام الذي أكلته ـ هكذا قال النبي ـ فيه رائحة غير جيدة فقد حرمته على نفسي أي أن النبي حرّم ذلك الطعام الذي هو

__________________

(١) التحريم : ١.

٢٧٦

عند زوجته زينب بنت جحش ولم يحرم كل أنواع العسل ... ولذلك قلت لكم ـ آنفاً ـ إن التحريم كان خاصاً به ولم يكن عاماً وشاملاً ، لأن النبي لا يحرم ما أحل الله : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ). ومحل الشاهد هنا ، هو قول الحق سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ). وهذا يدل بوضوح ، على أن رضا أزواج النبي لا وزن ولا قيمة له أمام رضا الله سبحانه وتعالى.

هذا بالنسبة لرضا أزواج النبي ونسائه ... أما بالنسبة لفاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ فالأمر يختلف اختلافاً جذرياً. يقول النبي : « إن الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ».

ويقول : يا فاطمة إن الله ليرضى لرضاك ويغضب لغضبك.

ويقول في حديث ثالث : « رضا فاطمة من رضاي وسخطها من سخطي ». والويل لمن غضبت عليه فغضبها يعني غضب الله ، وإذا غضب الله على أحد أحل به نقمته ، وجنّبه رحمته.

يقول : الله عزّ وجلّ : ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ) (١).

ونحن نعرف أن فاطمة ماتت وهي غاضبة وواجدة على أبي بكر وعمر ، كما جاء في صحيح البخاري ، فما أدري كيف تكون المعادلة ... إذا كان غضب فاطمة ، هو غضب الله ، وأن الله ليرضى لرضا فاطمة ، ويغضب لغضبها ، ثم تموت الزهراء ، وهي واجدة ـ غاضبة ـ على أبي بكر وعمر ، فالقرآن يقول بصراحة : إن الذي يحلل عليه غضب الله يكون من الهالكين : ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ).

والعجيب أن هذه الأحاديث كلها موجودة في صحيح البخاري وفي كتب الصحاح الأخرى ، وكلها تؤكد أن الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ... وأن فاطمة ماتت وهي واجدة على أبي بكر و عمر ... ماتت ولم تكلمهما كلمة واحدة ... ماتت ودفنت في الليل ولم يحضر أبو بكر ولا عمر تجهيزها ولا الصلاة عليها ... وهذه قضية معروفة

__________________

(١) طه : ٨١.

٢٧٧

لدى المسلمين كافة. أما لماذا يرضى الله لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ، فواضح جداً وذلك أنها طاهرة نقية ، معصومة لا تتعامل مع الخطأ في قول ولا فعل وهي التي كانت تقول : « أيها الناس إعلموا أني فاطمة ، وأبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

أقول : حقاً عوداً وبدءاً ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً ... » فلا غلط في قولها ... ولا شطط في فعلها على الإطلاق.

* حادثتان تكشفان حقيقة حديث النبي :

والذي يهمني هنا هو ذكر حادثتين اثنتين فقط ، لأنهما تسلطان الضوء على الحديث الذي نحن بصدده ، إضافة إلى كون الحادثتين اللتين سأذكرهما ، تعكسان صورة واضحة وجلية تكشف لنا عن حقيقة حديث مرحباً بأُم أبيها.

الحادثة الأولى هي المؤاخاة ، فقد آخى النبي بين كل أصحابه لينزع الغل من بعض القلوب ، ويجعلهم صفاً واحداً في مواجهة العدو ، كأنهم بنيان مرصوص ... فقال : هذا أخو هذا ، وفلان أخو فلان ، حتى لم يبق أحد سوى علي ظل واقفاً إلى جوار النبي فأخذ النبي بعضده وقال له : أنت أخي أو قال : « وهذا أخي ... » ... وهنا تجدر الملاحظة بدقة متناهية ، حيث أن النبي اختار علياً من دون أصحابه ليكون أخاً له دون غيره.

إذن اجعلوا هذه الحادثة ، عالقة في أذهانكم ثم تعالوا معي إلى الحادثة الثانية : وهي لما نزلت آية الحجاب : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) (١).

قال طلحة : أيريد محمد أن يمنعنا من النظر إلى بنات عمنا ، أما والله لئن مات محمد لنتزوجن نساءه ، ونجول بين خلاخيلهن ...!! ...

حقاً إنه عجب يثير الهم يجلب الحزن ، أن نسمع مثل هذا الكلام من طلحة وهو من العشرة المبشرين بالجنة ( ... ) ولا أعتقد أن بوابة الجنة سوف تنخلع أمامه ليدخل الجنة من أعرض الأبواب. هذا الذي لا يتورع من إظهار الهوى والغرام لزوجات النبي وهن أمهات المؤمنين. ولم يحفظ حرمة رسول الله. ولكن ما علينا بطلحة ، لنتركه يعيش مع غرامه الباطل فإن عذاب جهنم كان غراماً. ولنرجع إلى الحادثة الثانية ،

__________________

(١) الأحزاب : ٥٣.

٢٧٨

وهي حين نزلت آيات الحجاب ، وظهر من بعض المنافقين مثل الكلام الذي قد مرّ نزلت آية تقول : ( مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ) (١).

ثم جاء آية ثانية تتحدث عن مكانة زوجات النبي وأنهن بمثابة الأمهات لكم أيها المؤمنون قالت الآية : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (٢).

وهذا يعني أن عائشة أُم المؤمنين وأن زينب بنت جحش أُم المؤمنين ، ومارية القبطية أُم المؤمنين ، وحفصة أُم المؤمنين ، وخديجة الكبرى أُم المؤمنين ... فأثارت هذه الآية سؤالاً عريضاً على الشفاه السؤال هو : إذا كانت كل واحدة من زوجات النبي أُماً للمؤمنين ... فاطمة أُم من ؟ وهنا جاء الجواب على لسان الرسول الأمين الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث قال « فاطمة أُم أبيها ... » ومن ذلك الحين أصبحت فاطمة أُم أبيها ، وصار الرسول يناديها بأُم أبيها ، فيقول : مرحباً بأُم أبيها.

وأورد صاحب كتاب « رياحين الشريعة » جملة من الألقاب والكنى للسيّدة الكبيرة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وعلى بعلها وبنيها ، وهي : ابنة الصفوة ، إحدى الكبر ، أُرومة العناصر ، أعزّ البريّة ؛ أُمّ الأئمّة المعصومين ، أُمّ الأبرار ، أُمّ الأخيار ، أُمّ الأزهار ، أُمّ الأطهار ؛

أُمّ الأنوار ، أُمّ البدريّين ، أُمّ البررة ، أُمّ البريّة ، أُمّ البلجة ، أُمّ التقى ، أُمّ الحسن :

أُمّ الحسين ، أُمّ الخيرة ، أُمّ الرأفة ، أُمّ الرواق الحسيبة ، أُمّ الريحانتين ، أُمّ السبطين ؛

أُمّ العطيّة ، أُمّ العُلا ، أُمّ العلوم ، أُمّ الفضائل ، أُمّ الكتاب ، أُمّ المحسن ، أُمّ المؤمنين ؛

أُمّ الموانح ، أُم النجباء ، أُمّ النقى ، أُمّ النورين ، أمة الله ، آية الله ، آية الله العظمى.

باكية العين ، البتول ، برزخ النبوّة والولاية ، بضعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بقيّة النبوّة ، بهجة الفؤاد ، بهجة بيضاء بضّة. تفّاحة الفردوس ، التقيّة ؛ ثالثة الشمس والقمر ، ثمرة النبوّة ، جرثومة المفاخر ، جمال الآباء ، الجميلة الجلية ، حاملة البلوى ، الحانية ، الحبّة النابتة حبّها خير العمل ، حبيبة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حجاب الله المرخى ، حجّة الله الكبرى ،

__________________

(١) الأحزاب : ٥٣.

(٢) الأحزاب : ٦.

٢٧٩

الحرّة ، الحصان ، حظيرة القدس ، الحوراء خامسة أهل العبا ، الخيرة من الخير ، درّة التوحيد ، الدرّة المنضدة ، الدعوة المستجابة ، الذروة الشامخة ، ذريعة الشيعة ، الراضية ، ربيبة مكّة ، الرشيدة ، ركن الدين ، روح بين جنبي المصطفى ، ريحانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. زجاجة الوحي ، الزكيّة زوجة وليّ الله الأعظم ، الزهراء ، زين الفواطم ، ستر الله الكبرى ، سفينة النجاة ، سلالة الرضوان ، سلالة الفخر ، سماء الكواكب الدريّة ، السيّدة ، سيّدة بنات آدم عليه‌السلام ، سيّدة الأوّلين والآخرين ، سيّدة نساء الجنّة ، سيّدة نساء هذه الأُمّة ، سيدة النسوان ، شرف الأبناء ، شفيعة الأُمّة ، الشفيعة يوم القيامة ، الشمس المضيئة ، الشهيدة ، الصائمة في النهار ، الصابرة في المحن ، صاحبة الأحزان الطويلة ، صاحبة الجنّة السامية ، صاحبة المصحف ، الصادقة في السرّ والعلن ، الصدف الفخّار ، الصدّيقة ، الصدّيقة الكبرى ، صفوة الشرف ، صلوة الوسطى ؛ امن الشفاعة ، الطاهرة ، الطاهرة في الأفعال ، الطاهرة الميلاد ، ظلّ الله الممدود ، العابدة التقيّة ، العارفة بالأشياء ، العالمة بما كان وما يكون ، عالية الهمّة ، عديلة مريم الكبرى ، العذراء ، عروة الوثقى ، العفيفة ، عقيلة الرسالة ، عيبة العلم ، عين الحجّة ، عين الحياة الغرّة الغرّاء ، الفاضلة الفضلى ، فخر الأئمّة ، فلذّة كبد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، القائمة في الليل ، القانتة ، القانعة ، والقدوة المسدّدة ، قرار القلب ، قرّة عين الخلائق ، قلادة الوجود ، الكئيبة ، الكريمة في النفقة ، كلمة الله التامّة ، كلمة التقوى الكلمة الطيّبة ، الكوثر ، الكوكب الدرّي. ليلة القدر ، المباركة ، مبشّرة الأولياء ، المتعوبة في الدنيا ، المتهجّدة ، محترقة القلب ، المحدّثة ، المرضيّة ، مريم الكبرى ، المزوّجه في الملأ الأعلى ، مشكوة الأنوار ، المضطهدة ، المظلومة ، معدن الحكمة ، المعروفة في السماء ، معصّبة الرأس ، المعصومة ، المغصوبة حقّها ، مقتولة الجنين ، مكسورة الضلع ، الممتحنة ، الممنوعة إرثها ، المنصورة ، المنعوتة في الإنجيل ، المنهدّة الركن ، الموصوفة بالبرّ والتبجيل ، موطن الرحمة ، مهجة العالم ، مهجة قلب المصطفى ، الميمونة ، ناحلة الجسم ، الناطقة بالشهادتين عند الولادة ، النبيلة ، نجمة إكليل النبوّة ، نخبة أبيها ، النعمة الجليلة ، نور الأنوار ، النوريّة ، والدة الحجج ، والدة الحسن والحسين عليه‌السلام ، الوالهة الثكلى ، الوحيدة الفريدة ، وديعة الرسول ، وعاء المعرفة ، وليّة الله العظمى ، الوليدة في الإسلام ، ينابيع الحكمة ، ينبوع العلم.

٢٨٠