الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

إسرائيل ؟! فأشارت الىٰ عيسىٰ في المهد فقالوا لها ( كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا ) فأنطق الله عيسى عليه‌السلام فقال ( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ).

إذن عندما جاءت إلى بني إسرائيل تحمل الطفل الكل شمتوا بها وانقلبوا عليها كما قال القرآن الكريم في ذلك « يا أخت هارون » يعني شماته ... والقرآن الكريم حكىٰ جانب من شماتتِهم فمريم عرفت انه ليس في بني إسرائيل لها ناصر ولا يذكر القرآن الكريم إنَّ هناك من وقف مع مريم وانبرى للدفاع عنها مثلاً حتى يقول إنها كانت إمرأة طاهرة تاريخها نظيف ، هذه كانت صاحبة معجزات في أحضان نبي فلابد أن نرى القضية قبل أن نحكم عليها بهذه السرعة ، فمن هذا القبيل لم يوجد رجل دافع عنها فاذاً كان هكذا موقفهم معها فأين يوجد الكفوء لها حتى تتزوج به وتكون ولادتها طبيعية فاذن لا يوجد كفوء لها يشاركها المعجزة والكرامة ويتحمل إلى جانبها مسؤولية السماء فالأكثرية بل الكل كانوا أناس غير ملتزمين والدليل على ذلك إنَّنا نجد أيضاً ، بعض أنصار الأنبياء جرحوا الأنبياء ، أصحاب موسى عليه‌السلام مثلا وهكذا فما كان هناك كفوء. بينما توفر الكفوء لفاطمة عليها‌السلام ألا وهو سيد الأوصياء وأمير الموحدين علي إبن أبي طالب أي نفس الرسول الاكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما أخبر بذلك القرآن ، فتوفر الكفوء اذن دلالة علىٰ عدم الحاجة الىٰ المعجزه ، هذا ما نتصوره في الجواب الأوّل.

بنت النبي الذي لولا هدايتُهُ

ما كان للحق لاعين ولا أثرُ

هي التي وَرِثت حقاً مفاخِرَهُ

والعِطرُ فيه الذي في الورد مدَّخرُ

تزوجت في السما بالمرتضىٰ شرفاً

والشمسُ يقرنها في الرتبةِ القمرُ

٢ ـ أما بالنسبة لمريم وانها ولدت نبياً ولم تلد فاطمة نبياً فهذا يُرد عليه بأن ولادة الانبياء في بني اسرائيل حتى وان كانت ولادتهم طبيعية أو غير طبيعية لا يدل ذلك أن الأنبياء من بني اسرائيل أفضل من أهل البيت عليهم‌السلام فلقد ثبت بالادلة القاطعه ان أهل البيت لا يدانيهم آل من الآل سواء آل عمران أو آل لوط ... وغيرهم ممن ذكرهم القرآن

٢٢١

الكريم فهؤلاء لا يصلون ولا يرتقون الىٰ منزلة أهل البيت عليهم‌السلام وهذا مسلم به وحتى أن حديث الكساء يشير الىٰ ذلك الأمر ، هذا الحديث الذي اعترف به أحقد من عليها ـ أي علىٰ الشيعة ـ ألا وهو ابن تيميه في كتابه منهاج السنة الذي ثنّىٰ ركبتيه وشد الأحزم لنقض كل فضائل أهل البيت عليهم‌السلام وحتى الرواية التي يجدها تحمل فضيلة فإنه ينكرها من الأساس فيكون بذلك مخالف لاسلوب العلماء والذين يريدون التخلص مثلاً من رواية بإسقاط سندها وضعفه عن القيام بالحجية. إذن فحديث الكساء الشريف أثبت أفضلية أهل البيت عليهم‌السلام من بقية الآل وهذا بالحقيقة يجعل هذا الحديث يتألق في سماء العقيدة والمعرفة فإنه يدل علىٰ أن أهل البيت خُلق الكون لأجلهم ، إذن لمّا ولدت مريم عيسىٰ عليه‌السلام فإنّ فاطمة ولدت حسناً وحسيناً ولا يقاس بهم لا نبي من أنبياء بني إسرائيل ولا وصي وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « علماء أُمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل » فيه دلالة واضحة علىٰ ذلك لأنه لو أخذنا وفسرنا أن علماء أُمتي هم الأئمة عليهم‌السلام بالخصوص فيكون الأفضلية لفاطمة عليها‌السلام من هذه الجهة وأضف إلى ذلك أنّ عيسى بن مريم عليه‌السلام وكما وردت الروايات في ذلك إنَّه سوف يصلي خلف الإمام المهدي « عج » عند ظهوره الشريف وأضف الىٰ ذلك أنَّه أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام كان يقينهم ثابت ووصل مرحلة لا يصل إليها أحد من أنبياء بني اسرائيل أليس القرآن الكريم يقول في حق نبي من الأنبياء ( أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) يعني لم يصل الىٰ مرحلة الاطمئنان القلبي الراسخ الذي هو عبارة عن اليقين الحقيقي ، أمّا علي وأولاد علي عليهم‌السلام « لو كشف لي الغطاء ما إزددت يقيناً ».

إذن ولادة مريم لعيسىٰ بالمعجزة الربانيّة وإنَّه كان نبياً لا يدل أفضليتهما من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام وعليه كل الأدلة المطروحة حول ذلك مردودة ، وهذا لا يعني إنَّنا نطعن بشخصية مريم أو نريد أن نقلل من شأنها بل اتخذناها عظيمة من العظيمات وقسنا عليها عظماء الأمة.

والثمرة في هذا البحث من الناحية العقائدية وحسب ما نتصوره أنَّه عندما ثبت أنَّها سيدة نساء العالمين وأنها أفضل النساء من الأولين والآخرين فإنَّه سوف يكون ظلمها وعدم رعاية حقها من قبل الذين ظلموها والذين رضوا بذلك ذا وبال عليهم

٢٢٢

في الدنيا بلعنهم والبرائة من ظلمهم وأفعالهم بحقِّ سيدة نساء العالمين وفي الآخرة الخزي والعذاب الأليم ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ). وأيضا الثمرة في ذلك هو أننا بقدر معرفتنا بمقامات أولياء الله تعالىٰ ـ ومنهم فاطمة عليها‌السلام ـ والتي ورد البحث عليها وعلىٰ طلب المزيد منها ، نزداد عند ذلك معرفة بالله تعالىٰ لأنَّه من عرفكم فقد عرف الله تعالىٰ لأنَّهم هم الدالّين عليه وعلى عظمته ، وهذا ثابت للزهراء عليها‌السلام كما ثبت للأئمة عليهم‌السلام.

وكذلك أنَّه متىٰ ما عرفنا أنَّه فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين عرفنا عند ذلك انَّ لها مقاماً سامياً وكرامةً ربانيَّة ، وخاصَّة نحنُ نؤمِن بأنَّها كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق بما فيهم الملائكة والجنَّ والأنبياء وإنَّه ما تكاملت نبوة نبي حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، كلّ ذلك له الأثر الكبير في أنَّ يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها‌السلام ويدخل حبها في قلوبنا وفي صميم عقائدنا ونزداد تفاعلاً مع ظلاماتها وما جرىٰ عليها من الظلم والعدوان وعظيم المحن التي مرت عليها. وأخيراً نختم هذا البحث بما ورد من كلمات الأعلام حول ثبوت كونها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين والأمر لا يخلو من فائدة فيما نحن فيه ، وإليك أقوال المحدثين :

* قال ابن أبي الحديد : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مال إليها وأحبّها ، فازاد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله ، وأكرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إكراماً عظيماً أكثر ممّا كان الناس يظنّونه ، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتّى خرج بها عن حدّ الآباء للأولاد ؛ فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحدٍ « إنها سيّدة نساء العالمين ، وإنّها عديلة مريم بنت عمران ، وإنّها إذا مرّت في المواقف ناد منادٍ من جهة العرش : « يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، وهذا من الأحاديث الصحيحة (١) ...

* وقال شهاب الدين الآلوسيُّ : عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « أربع

__________________

(١) « شرح النهج » : ٩ / ١٩٣.

٢٢٣

نسوة سادات عالمهنّ : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وأفضلهنّ عالماً فاطمة » ... والّذي أميل إليه أنّ فاطمة البتول أفضل النساء المتقدّمات والمتأخرات من حيث إنّها بضعة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ومن حيثيّات أخرى أيضاً ، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضليّة غيرها عليها من بعض الجهات ، وبحيثيّة من الحيثيّات ...

إذ البضعيّة من روح الوجود وسيّد كلّ موجود ، لا أراها تقابل بشيء ، وأين الثريّا من يد المتناول ؟ ومن هنا يعلم أفضليّتها على عائشة رضي الله تعالى عنها الذاهب إلى خلافها الكثير محتجّين بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء » ...

وأنت تعلم ما في هذا الإستدلال ، وأنّه ليس بنصّ على أفضليّة الحميراء على الزهراء ، أمّا أوّلاً ، فلأنّ قصارى ما في الحديث الأوّل على تقدير ثبوته إثبات أنّها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين ، وهذا لا يدلُّ على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام ، ولعلمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها لا تبقي بعده زمناً معتدّاً به يمكن أخذ الدين منها فيه لم ـ يقل فيها ذلك ، ولو علم لرُبمّا قال : خذوا كلّ دينكم عن الزهراء ... على أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض » يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة كما لا يخفى. كيف لا ، وفاطمة رضي الله تعالى عنها سيّدة تلك العترة (١).

* وقال العلاّمة المجاهد السيّد شرف الدين رحمه‌الله : تفضيلها على مريم عليها‌السلام أمر مفروغ عنه عند أئمة العترة الطاهرة وأوليائهم من الإماميّة وغيرهم ، وصرّح بأفضليّتها على سائر النساء حتّى السيّدة مريم كثير من محقّقي أهل السنّة والجماعة كالتقيّ السبكيّ ، والجلال السيوطيّ ، والبدر ، والزركشيّ ، والتقّي المقريزيّ ، وابن أبي داود ، والمناوي فيما نقله عنهم العلاّمة النبهاني في « فضائل الزهراء » ص ٥٩ من كتابه « الشرف المؤبَّد » ، وهذا هو الّذي صرّح به السيّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيّة ونقله عن عدّة من أعلامهم ، وذلك حيث أورد تزويج فاطمة بعليّ في سيرته

__________________

(١) تفسير روح المعاني : ٣ / ١٥٥.

٢٢٤

النبويّة (١) حتّى مريم رضي الله عنها ، كما اختاره المقريزيّ والزركشيّ والحافظ السيوطيّ في كتابه « شرح النقابة » و « شرح جمع الجوامع » بالأدلّة الواضحة الّتي منها أنّ هذه الأمّة أفضل من غيرها ، والصحيح أنّ مريم ليست بنبيّة بل حكي الإجماع على أنّه لم يتنبأ امرأة قطّ. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « مريم خير نساء عالمها ، وفاطمة خير نساء عالمها » (٢) رواه الترمذّي. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا بنيّة ، ألا ترضين أنّك سيدّة نساء العالمين ؟ قالت : يا أبت فأين مريم ؟ قال : تلك سيدّة نساء عالمها » رواه ابن عبد البرّ. وقد أخرج الطبراني بإسناد على شرط الشيخين ، قالت عائشة : « ما رأيت أحداً قطّ أفضل من فاطمة غير أبيها » (٣) ...

وروي المجلسيُّ « ره » قال : قال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقرّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون ». وفي رواية مقاتل والضحّاك وعكرمة عن ابن عباس : « وأفضلهنّ » (٥). وعن محمد بن سنان ، عن المفضّل قال : قلت لأبي عبد الله عليها‌السلام : أخبرني عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فاطمة : « إنّها سيّدة نساء العالمين » أهي سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (٦). وعن الحسن بن زياد العطّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، أسيّدة نساء عالمها ؟ قال : ذاك مريم ، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين (٧).

__________________

(١) هامش النصّ والاجتهاد : المورد ، ١١٤.

(٢) إنما قال « عالمها » لأنّ عالمها أفضل من عالم مريم كما صرّح به المؤلف آنفاً. « فاطمة مهجة قلب المصطفى ٩٥ ».

(٣) « السيرة الحلبيّة » : ٢ / ٦.

(٤) البحار : ٤٣ / ٤٩ ، وقد تقدم ، والآية في آل عمران ، ٤٢.

(٥) العوالم : ١١ / ٤٦ ، ٤٩.

(٦) نفس المصدر السابق.

(٧) « العوالم » : ١١ / ٤٩ ، ٥١.

٢٢٥

وقال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما ، وأمّهما أفضل نساء أهل الأرض (١).

وفي الحديث : إنّ آسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران ، وخديجه يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنّة (٢).

* وروي السّيد الشبّر رحمه‌الله عن النبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فاطمة خير نساء أمتي إلاّ ما ولدته مريم ». ثمّ قال : وأحسن توجيهاته على تقدير صحّته أن تكون فيه « إلاّ » بمعنى الواو كما ذكره أهل العربيّة ، وحمّلوا عليه قوله تعالى ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) ، ويكون المعنى أنّها خير نساء أمتّي وخير نساء أمّة ما ولدته مريم وهو عيسى ؛ وخصّص تلك الاُمّة بالذكر لكثرة النساء الصالحات العابدات فيها دون أمم سائر الأنبياء (٤).

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) البقرة : آية ١٥٠.

(٤) « مصابيح الأنوار » ٢ / ٣٩٣ ، ٣٩٤.

٢٢٦

٢٢٧

٢٢٨

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي

شجونٌ تستهلُ لها الدموعُ

وتُحرَقُ من لواعِجها الضلوعُ

وقفتُ علىٰ البقيعِ فسالَ طرفي

وقلبي فالدموعُ هيَّ النجيعُ

كأنَّ مصيبةَ الزهراءِ بيتٌ

بقلبي للأسىٰ وهوَّ البقيعُ

أمثلَ البضعةِ الزهراءِ تُجفىٰ

ويُعفي قبرُها وهوَّ الرفيعُ

ويغصُب حقُّها جهراً وتؤذىٰ

بحيثُ وصيةُ الهادي تضيعُ

تُصدُّ عن البكاءِ علىٰ أبيها

فتُحبسُ في محاجرها الدموعُ

وتَقتطِعُ الأراكةَ حين تأوي

لظلِّ غصونها كفٌ قطيعُ

ويُحرقُ بيتُها بالنارِ حقداً

ويُهتَكُ سترُها وهو المنيعُ

ويُكسرُ ضلعها بالبابِ عصراً

فيسقط حملُها وهو الشفيعُ

ويدمي صدرِها المسمارُ كسراً

فينبعُ بين ثدييها النجيعُ

ويُنثرُ قرطُها لطماً ويلوىٰ

عليها السوطُ والسيفُ الصنيعُ (١)

وحمرةُ عينها للحشرِ تبقىٰ

بها من كفِّ لاطمِها تشيعُ

تنوحُ فتسمع الشكوىٰ وتدعو

وما في المسلمين لها سميعُ

مصائبُ بالفظاعةِ قد تناهت

وكلُّ مصيبةٍ خطبٌ فظيعُ

قضت الماً من الزهراءِ فيها

حشاشةُ قلبِها وهو المروعُ

__________________

(١) السيف : الصقيل.

٢٢٩

٢٣٠

البحث الثامن

فاطمة الزهراء عليها‌السلام العلة الغائيّة

( يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ؛ ولولا فاطمة لما خلقتكما ) (١).

هذا الحديث من الأحاديث المأثورة التي رواها جابر بن عبد الله الانصاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تبارك وتعالى ومن المعلوم أن كلام الله تعالى جاء على قسمين أحدهما ما ورد في القرآن الكريم والاخر ما جاء على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون ان يكون له وجود في القرآن الكريم وهو ما يعبر عنه بالاحاديث القدسية التي خاطب بها الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد جمعت كثير من الكتب هذه الاحاديث القدسية مثل كتاب كلمة الله وكتاب الاحاديث القدسية عند الفريقين وغيرهما من الكتب والذي يهمنا في المقام هذا الحديث القدسي الذي جاء ليثبت للصديقة فاطمة عليها‌السلام كرامة أخرى ، ومنقبة عظمى وذلك من خلال التمعن في مدلولات هذا الحديث المبارك.

يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك

والخطاب هنا من الباري عز وجل لرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المعلوم لدينا أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له عدة اسماء وردت على لسان القرآن الكريم مثل « محمد » صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) ومثل أحمد ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ، وكذلك ياسين ، وغيرها من الأسماء التي جاءت بتعابير مختلفة ،

__________________

(١) الجنة العاصمة : ١٤٨ ، مستدرك سفينة البحار : ٣ / ٣٣٤ عن مجمع النورين : ١٤ ، عن العوالم : ٤٤.

٢٣١

وفيما نحن فيه جاء الخطاب للرسول باسم أحمد ، حيث توجه إليه الخطاب الالهي ليقول له لولاك يا رسول الله لما خلقت الموجودات التي هي متيسرة في الافلاك ، والافلاك هنا معناها كل الموجودت التي تدور حياتها ووجودها في الكون سواء نعلم بوجودها أم لا نعلم ، فعلة خلق الموجودات هو لأجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام وهذا ما أكدته كثير من الاحاديث المأثورة في هذا المقام منها عن النبي « لما خلق الله آدم أبو البشر نفخ فيه من روحه التفت آدم إلى يمنة العرش فاذا في النور خمسة أشباح سُجداً ورُكّعاً.

قال آدم : يا رب ! هل خلقت أحداً من طين قبلي ؟ قال : لا ، يا آدم ؛

قال : من هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟

قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من اسمائي لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ، ولا العرش ولا الكرسي ، ولا السماء ولا الأرض ، ولا الملائكة ولا الأنس ولا الجن ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا العالي وهذا علي وانا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الاحسان وهذا الحسن ، وانا المحسن وهذا الحسين آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم الا أدخلته ناري ولا أُبالي يا آدم ، هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أُنجيهم ، وبهم أهلكهم فاذا كان لك الي حاجة فبهؤلاء توسل فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحن سفينة النجاة. من تعلق بها نجا ، ومن حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت (١).

أقول : يظهر من هذا الحديث عدة أمور مهمة تتطابق في مدلولاتها مع الحديث القدسي الذي نحن بشأن توضيحه ، فأنوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام مخلوقة قبل وجود آدم ، وأكد الحديث على أن علة خلق آدم هو من أجل هذه الانوار ـ حيث قال الله تعالى لادم : لولاهم ما خلقتك بل تجاوز الأمر إلى أن كل الموجودات هي مخلوقة بسببهم فالعرش والجنة والنار والكرسي والسماء والأرض والملائكة والإنس والجن كلهم لن يوجدوا لولا وجود انوار أهل البيت بما فيهم جدهم رسول

__________________

(١) فرائد السبطين : ١ / ٣٦ ح ١ ، عنه غاية المرام : ٥ ح ١ ، ح ١٥ ح ١ أرجح الطالب : ٤٦١.

٢٣٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك نجد في حديث الكساء المتقدم الذكر في كتابنا هذا انه يصف علة ايجاد الأفلاك هو لأجل أهل البيت عليهم‌السلام حيث يقول الله تعالى «يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فُلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء عليهم‌السلام (١) أي إني لأجل حبهم وأنوارهم خلقت هذه الأفلاك ».

اذن يظهر من هذه الامور ومن خلال عدة احاديث مأثورة ان الأفلاك والموجودات ما خلقت لولا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا احمد لولاك لما خلقت الافلاك » وهذه العبارة مطابقة لمضمون كثير من الاحاديث الولائية سواء كانت من كتب الخاصة أو العامة. وبعبارة أخرى لتوضيح المطلب :

أولاً : حينما نسأل ، لماذا خلق الله الكون « الافلاك » ؟ فإن الجواب يأتي من القرآن الكريم وهو أن الله خلق الكون والحياة من أجل الإنسان ، لأنه قال : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ... ) ، وقال : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ... وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) وسخر كل شيء في السموات ، وكل شيء في الأرض ، وسخرها في خدمة الإنسان ، لأنه حينما يقول : سخرها ، فإن ذلك يعني أنه جعلها ، في خدمة الإنسان مسخرة له ، يتصرف بها كيف يشاء ... مثل تسخير القمر ، والبحر للانسان ، فمن القمر ، ننتفع بالضوء ، ومن البحر ننتفع بالماء ... وكما ان القمر يحمل السفن الفضائية على ظهره ، كذلك البحر يحمل السفن الشراعية على ظهره أيضاً.

إذاً : فالجواب على السؤال المتقدم : لماذا خلق الله الافلاك والكون ، والحياة ؟

أقول : الجواب ، خلقها من أجل الإنسان ، كما صرح بذلك القرآن الكريم ، في أكثر من مائة آية كلها تؤكد المعنى ، وتصب اهتماما في هذا الجانب ، بكلمة : سخر ... وجعل ... الخ.

وثانياً : نسأل ، لماذا خلق الله الإنسان ؟ ويأتي الجواب من القرآن أيضاً : إنه للعبادة ، ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٢).

__________________

(١) راجع حديث الكساء الشريف.

(٢) سورة الذاريات : الآية ٥٦.

٢٣٣

والعبادة لا تتحقق إلاّ بشروط ، ومن أهم تلك الشروط :

(أ) معرفة الطريق. وكشف الوسيلة ... ووجود القائد ، لأنه من دون القائد ، لا يمكن الإنطلاق في اتجاه صحيح ، ولذلك صار القائد ، ملازماً لكل زمان ومكان ، ولكل الناس ، لانه من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية.

إذاً فالعبادة ، تتوقف على وجود القائد ، الإمام المعصوم ... ومعنى ذلك : أن فقدان القائد ، يعني فقدان العبادة ، وإذا فقدت العبادة ، انتفت الحكمة من وجود الإنسان ، واذا انتفت الحكمة من وجود الإنسان ، ولم يعد لوجود الافلاك معنىً ، لأن الافلاك انما وجدت بوجود الإنسان الذي يعبد الله ، ولذلك عندما تقوم الساعة ، وينتهي دور الإنسان في الحياة ، فإن الكواكب ، والنجوم ، والافلاك كلها تتمزق شذر مذر ، وينتهي دورها : وحملت الأرض والجبال ، فدكتا ، دكة واحدة ، ويقول : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ) (١) ويقول القرآن الكريم : ( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ ). ( وَإِذَا النُّجُومُ .. ).

وعليه فمن كل ما تقدم ، نخرج بالنتيجة التالية : وهي أن الله سبحانه ـ لولا الحبيب المصطفى ـ لم يخلق الكون ، ولا الافلاك ... ولأنّ هذه الحكمة ، لا تسقط بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما تستمر الحكمة ، من خلال الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام أجمعين.

وعلى هذا الأساس كان خلق السماوات والأرض وما بينهما لاجل الإنسان وليعبد الله تعالى بعد معرفة الإنسان بان الله تعالى خلقه بقدرته لذلك وانه سيبعثه يوم القيامة لتجزى كل نفس بما كسبت ومن الضروري الذي ثبت في محله ان الدين الذي رضى به الله تعالى واتمه واكمله لعباده هو الذي قال فيه تعالى ـ ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ).

هذا هو الدين القيم الذي ارسل به رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) ، فظهر مما ذكرنا اجمالا معنى قوله « لولاك ما خلقت الأفلاك » وذلك لكونه سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ورسولا إلى الناس جميعا بهذا

__________________

(١) سورة طه : الآية ١٠٥.

٢٣٤

الدين المبين ، وفي ذلك يقول سيدنا الأستاذ آية الله السيد عادل العلوي ما نصه :

« فغاية الخلق هو الرسول الاعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو الصادر الأوّل ـ لقاعدة الأشرف كما في الفلسفة ـ وقد ورد في الخبر الشريف ـ كما تقدم ذلك ـ أول ما خلق الله نور محمد فهو العلة التامة بعد علة العلل وهو الله سبحانه (١).

ولولا عليّ لما خلقتك

أي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لولا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب لما خلقتك ، وربما يظهر من هذا الكلام بعض التشويه لمن ليس له الباع الطويل لفهم ودراية احاديث أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن بأبسط تأمل وتدقيق في معاني هذا الكلام ينحل لنا هذا اللغز المحير ، فالرواية المتقدمة في علة خلق الموجودات تبين ان لولاهم ما خلقتك يا آدم ، أي ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام علي عليه‌السلام مشتركين في نفس الأمر لكون الإمام علي هو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما عبرت عنه آية المباهلة « انفسنا » فلا يتوهم المتوهمين في عدم تأويل وبيان هذا الأمر وتوجد نكته مهمة في هذا المقام متعلقة بأسرار البسملة ليست بقابلة للتقرير والتحرير ، حيث قيل في هذا المقام ان الوجود ظهر من باء بسم الله الرحمن الرحيم وكما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة وقيل « بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود ». وقال أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي عليه‌السلام « والله ! لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من « شرح » باء بسم الله الرحمن الرحيم ». وقال ايضاً « انا النقطة تحت الباء » لانه كنقطة بالنسبة إلى التعين الأوّل الذي هو النور الحقيقي المحمدي لقوله ـ أي رسول الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ « أول ما خلق الله نوري المسمى بالرحيم » ولقوله « أنا وعلي من نور واحد » لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالباء وعلي عليه‌السلام كالنقطة تحتها ، لأنّ الباء لا تعين إلا بالنقطة ، كما أن النبي لا يتكمل إلا بالولاية ، ومن هنا كان لولا علي لما خلقتك يا رسول الله فأفهم تغنم والله الهادي إلى

__________________

(١) راجع فاطمة ليلة القدر : ١٤.

٢٣٥

الحق ، وعلى هذا الاساس فانه لابد للرسالة السماوية من حجج وائمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما أثبت هذا في محله من علم الكلام. لأنّ الأرض لا تخلو من حجة وامام في كل زمان ، وأنه « من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » وهذا علي عليه‌السلام امام واب الأئمة المعصومين عليهم‌السلام كلهم خلقوا من أجل هذا الدين الحنيف الذي روحه العبودية لله رب العالمين برسالة رسوله وخلافة هؤلاء الأئمة الامناء على الدين ، وصفوة الله وخزان علمه ... عليه‌السلام.

اذن العلة التامة كما قلنا في كمالاتها وصفاتها التي هي مظهر لاسماء الله وصفاته هو رسول الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا الإنسان الكامل والمخلوق الاتم ـ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لابد لمثل هذه العلة النورانية والكلمة الالهية التامة من معلول يشابهه ويناسخه لقانون العلة والمعلول كما هو ثابت في الفلسفة والحكمة المتعالية ويكون عندئذ هو نفسه وهو أمير المؤمنين اسد الله الغالب علي بن ابي طالب عليه‌السلام ومما يدل على ذلك هو آية المباهلة ، فيظهر من هذا كله معنى ولولا علي لما خلقتك.

ولولا فاطمة لما خلقتكما

وذلك لكون فاطمة عليها‌السلام أم ابيها فهي جمعت الكمالات المحمدية وكانت مظهراً للصفات الربوبية وهي بقية النبوة ولولاها لما قام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للدين عمود ولا أخضر له عود وبنورها زهرت السماوات العلى.

وكذلك كونها ام الأئمة. وهي الوعاء الطاهر لذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي الكوثر الذي لا ينقطع عطاؤه ... ومنها الامتداد العلوي لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، فاذا عرفنا ذلك أدركنا عظمة الزهراء وحكمة وجودها لأنّ صلاح العالم كله انما يكون وينطلق من ابناءها ويكفي دليلا على ذلك ، ان يكون صلاح العالم ، واصلاح الدنيا اليوم ، بواحد من ابناء فاطمة عليها‌السلام وهو الإمام المهدي عليه‌السلام يقول الرسول الاعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « المهدى من ولد فاطمة ».

اذاً فإن فاطمة الزهراء ، هي الصديقة الكبرى ، وهي الكوثر المتدفق بالعطاء ، وهي

٢٣٦

أم الأئمة الطاهرين ، ولولاها ، لانعدمت الحكمة ، من وجود الإسلام ، وتكوين الحضارة ، لأن الحضارة إنما قامت بأبناء فاطمة أخذاً من الإمام الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين والباقر والصادق ... ومروراً بالإمام الكاظم ، والرضا والجواد ، وانتهاءً بالإمام الهادي ، والعسكري والإمام الحجة المنتظر عليهم افضل الصلاة وأزكى السلام.

ومن هنا جاء في تعريف فاطمة ، أنها ليلة القدر ... وأن الذي يعرف حقها ، وقدرها يدرك ليلة القدر ، ويستوعب مفهوم هذه الليلة العظيمة التي نزل فيها القرآن هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان ، ولا يتحقق هذا المعنى من وجود الهداية ، والبينات إلاّ بوجود الأئمة المعصومين ، من أبناء فاطمة ... (١).

والنتيجة هي : أنه لولا فاطمة ، لما كان هناك حكمة من وجود الاسلام ، وعلى هذا الاساس ، ومن هذا المنطلق ، تنتفي حكمة البعثة ، وإذا لم يبعث النبي ، لم يوجد الوصي ، وهكذا نجد أن هذه المسألة على عمقها ، فإنها واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار ، ولذلك جاء هذا الحديث القدسي ، جامعا ، معبراً ، قال : « يا أحمد ـ لولاك ، لما خلقت الافلاك ، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة ، لما خلقتكما ... ».

__________________

(١) اعلموا اني فاطمة : ٨ / ٥٢٢.

٢٣٧

٢٣٨

٢٣٩

٢٤٠