الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

في الروايات الشريفة علىٰ معرفة شروط هذه المعرفة ومن شروط هذه المعرفة هو القبول عن أهل البيت عليهم‌السلام في كل ما يقولونه من المعارف الربانية الحقة وفي كل ما يقولونه من الحق فهم حجج الله علىٰ الخلق ، فالراد عليهم كالراد علىٰ الرسول وعلىٰ الله تعالىٰ ، هذا البيان يظهر لنا ان معرفة مراتب التوحيد متوقف على المعارف الربانية التي جاء بها أهل البيت في بيان معنىٰ التوحيد والقبول عنهم في كل شيء يقولون به ، فانه من عرفهم فقد عرف الله تعالىٰ لانهم هم الادلاء عليه وعلى مرضاته وكل ما ثبت للائمة عليهم‌السلام فهو ثابت للزهراء عليها‌السلام فهي مشتركة معهم في كونها نورانية وكونها الصراط المستقيم وكذلك كونها الكلمات التي تلقاها آدم عليه‌السلام لتوبته واشتراكها في المباهلة معهم عليهم‌السلام وأيضاً اشتراكها في كونهم الشجرة الطيبة ونزول الملائكة عليهم في ليلة القدر واشتراكها معهم في بدء خلقها معهم قبل خلق آدم وعرض ولايتهم علىٰ الاشياء ... الخ. والاهم من هذا كله هو كونها عليها‌السلام الحجة علىٰ الأئمة وعلى معرفتها دارت القرون الاولىٰ وما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وعلىٰ هذا الاساس يكون كل من يقبل عنها الحق فهو من الموحدين وكل ما صدر منها لابد من الإيمان به وإلاّ الراد عليها كالراد علىٰ الله ورسوله. وعليه تكون فاطمة عليها‌السلام مرتبطة بتوحيد الله تعالىٰ ونعني بذلك أنه لابد من الإيمان بها والتصديق بكل ما صدر منها انه الحق وان توحيد أي مسلم أو مؤمن لا يكتمل حتىٰ يقر بفضلها ومحبتها وولايتها ، فيكون علىٰ هذا الأساس كل من رد عليها ولم يقبل منها الحق فهو مشرك أو منافق فهي اذن لها ارتباط بالاصل الأوّل من اصول الدين وهو التوحيد وهذا ثابت لها وللائمة من ولدها عليهم‌السلام وهذا ما وجدناه في قول الإمام الحسين عليه‌السلام عندما خرج في واقعة كربلاء حاملاً الطفل الرضيع وهو ينادي : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟

ومحل الشاهد هو هل من موحد يخاف الله فينا ، فالذي يكون موحداً لابد ان يخاف الله في كل شيء ويقف عند حدوده التي أمرنا بالوقوف عندها ، فانه من ملازمات التوحيد مخافة الله تعالى في عدم أذية الناس وخلق الله تعالى والذي

١٤١

لا يخاف الله تعالىٰ فهو ليس موحد فالذين ظلموا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكونوا موحدين لانهم لم يخافوا الله تعالىٰ في خلقه الذين خلقهم قبل كل شيء فما بالك ، فيهم عليه‌السلام حيث كانوا من الذين استخلصهم واصطفاهم الله تبارك وتعالىٰ علىٰ الخلق فيكون من باب الاولوية انه كل من ظلمهم كان من المشركين وكل من رد عليهم فقد أشرك بالله تعالىٰ من حيث لا يعلم لأنّ الله تعالى أمر الخلق بالاخذ عنهم والتسليم لهم وان الراد علهيم راد على الله والراد علىٰ الله مشرك وقد أخبر الله تعالىٰ عن حكم من أشرك فيهم حيث يقول الله تعالىٰ في كتابه ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ). يعني ما وضعوا أصناماً ظاهرة يعبدونهم من دون الله ويصلون لهم ولكنهم اتخذوا رجالا من دون ولي الله وحجة الله فأمرهم بخلاف ما أمر الله فأطاعوهم في خلاف أمر الله فعبدوهم من حيث لا يعلمون فرد عليه سبحانه فقال أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ، وقال الإمام الصادق عليه‌السلام حكاية عنهم هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون.

إذن لا يعرف الله احد من الخلق حق معرفته حتىٰ يأتي بالشروط التي تتوقف عليها المعرفة وهذه الشروط كلها معرفتهم عليهم‌السلام بما فيهم فاطمة الزهراء التي هي قطب الرحىٰ التي تدور عليها معرفة أهل البيت وكما وصفت لك وفسرت فاذا كان كذلك فكيف لا يقبل عنهم أي فرد ، وقد قبل عنهم لانه قبل العلم والمعرفة والتوحيد عنهم ولو لم يقبل لم يعلم ولم يعرف اذ لا يكون ذلك منه غيرهم عليهم‌السلام ، وعلىٰ هذا كانت فاطمة عليها‌السلام من هذه الجهة ومن خلال فقرة الزيارة الجامعة الكبيرة مرتبط بصميم التوحيد وهذا لا يظهر إلاّ لمن تمعن وتفحص ودقق في مأثورات أهل البيت عليهم‌السلام فافهم تغنم أنشاء الله.

اما ثاني الادلة التي نستطيع من خلالها الورود في مسألة ارتباط فاطمة بصميم التوحيد فهو ما جاءت وتظافرت به الروايات الشريفة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه الروايات تنقسم فيما نحن فيه الى أربعة طوائف :

١٤٢

١ ـ الطائفة الاولىٰ : اذاها عليها‌السلام هو أذىٰ الله تبارك وتعالىٰ.

٢ ـ الطائفة الثانية : رضاها عليها‌السلام هو رضىٰ الله تبارك وتعالىٰ.

٣ ـ الطائفة الثالثة : حبها عليها‌السلام هو حب الله تبارك وتعالىٰ.

٤ ـ الطائفة الرابعة : غضبها عليها‌السلام هو غضب الله تبارك وتعالىٰ.

ونستفيد من خلال التأمل والتمعن في مدلولات هذه الروايات أنه لا معنى لارتباط أذية ورضىٰ فاطمة وغضبها بالله تعالىٰ اذا لم تكن معصومة بالعصمة المطلقة ، فالله تبارك وتعالىٰ جعلها معبرة عن غضبه ورضاه لكونها معصومة بالعصمة المطلقة الذاتية وإلاّ فان هكذا قول يكون في غاية الوهن والعبث وعدم الحكمة. فالله تبارك وتعالىٰ جعل فاطمة عليها‌السلام المعبرة عن غضبه ورضاه وعلىٰ لسان نبيه الاكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا يدل علىٰ انها عليها‌السلام معصومة وإلا فانه لا داعي ولا حكمة في كونها تمثل غضب ورضا السماء اذا لم تكن معصومة ولا تفعل إلاّ برضا الله تبارك وتعالىٰ. وعلىٰ كل حال فان جميع الروايات المروية عن لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاءت لتؤكد هذه الحقيقة وهي كون فاطمة لها ارتباط بالله تعالىٰ وتوحيده سواء كان هذا الارتباط تارة يأتي علىٰ هيئة غضب الله أو رضاه أو علىٰ هيئة حب الله تبارك وتعالىٰ أو أذاه. وإليك بعض النصوص التي بينت هذه الطوائف الأربعة من الروايات :

* جاء في تفسير قوله تعالىٰ ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) أنها نزلت في غصب حق أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأخذ حق فاطمة « أذاها » ، قد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (١).

أقول : يظهر من هذا الآية ان الله تبارك وتعالىٰ يتأذىٰ من فعل بعض القوم ومن المعلوم ان الله لا تصل إليه اذية أي بشر بالمعنىٰ وانما جعل بعض المؤمنين

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم ٥٣٣. عنه البحار ٤٣ / ٢٥ ح ٢٣ في تفسير الآية ٥٧ من الأحزاب ، وجاء في المناقب ٣ / ٢١٠ في رواية مقاتل : ( الَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ ) يعني علياً. ( وَالمُؤْمِنَاتِ ) يعني فاطمة ( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ).

١٤٣

والذين هم أهل بيت النبوة مظهر من مظاهر أذيته اذا تؤذوا هم عليهم‌السلام ، وهذا نص صريح في كونهم مرتبطين بالله ، فالغضب الإلهي يتجلّى في غضبهم كما أنّ غضبهم مرآة غضب الله ، وكذلك الحال في الرضا.

* وجاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « ان فاطمة بضعة مني ... وان الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها » (١).

* وورد عن تفسير الثعلبي باسناده عن مجاهد قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أخذ بيد فاطمة عليها‌السلام وقال :

« من عرف فاطمة فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » (٢).

* وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال :

« يا فاطمة ، ان الله ليغضب لغضبك ، ويرضىٰ لرضاك » (٣). وهذا الحديث يعتبر من أهم الاحاديث التي رواها العامة والخاصة ولقد وجدنا لهذا الحديث عدة أسانيد مختلفة سواء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة أو عن ائمة الهدىٰ عليهم‌السلام فتارة يكون الحديث عن الإمام الحسين عليه‌السلام واخرىٰ عن الصادق والباقر أو عن الإمام زين العابدين وهكذا نجده بأسانيد مختلفه ولكن المحتوى واحد والمضمون لا يختلف وهو ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها (٤).

* وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام هذا الحديث حيث قال جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « يا فاطمة ، ان الله تبارك وتعالىٰ ليغضب لغضبك ويرضىٰ لرضاك » ، وقد أثار هذا

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٠٣ ، ح ٢.

(٢) كشف الغمة : ١ / ٤٦٧ ، الفصول المهمة ١٢٨١ ، نور الابصار : ٥٢ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٢٨ ، ائمة الهدىٰ : ٨٢ ، الاحقاق : ١٠ / ٢١٢ ، ٢١٣.

(٣) المناقب : ٣ / ١٠٦ ومثله عن الحسين « ع » كشف الغمة ١ / ٤٥٨.

(٤) ولقد روي هذا الحديث في كتب مختلفة واسانيد معتبرة ومن هذا الكتب مقتل الخوارزمي ١ / ٥١ ، ومجالس المفيد ٩٤ وروضة الواعظين ١٨٠ ، تاريخ دمشق ١ / ١٥٩ ، وسيلة النجاة ٢١٢ ، وكنز العمال ١٢ / ١١١ ، ميزان الاعتدال ١ / ٥٣٥ ح ٢٠٠٢ ، غاية المرام : ٢٩٤ ، صحيفة الرضا ٩٠ / ح ٢٣.

١٤٤

الحديث بعض الشباب الذين كانوا في زمن الإمام عليه‌السلام ومنهم صندل الذي جاء إليه وقال له : يا ابا عبد الله ان هؤلاء الشباب يجيئونا عنك بأحاديث منكره.

فقال : له جعفر عليه‌السلام : وماذاك يا صندل ؟

قال : جاء عنك ، انك حدثتهم ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها !

قال : فقال جعفر عليه‌السلام : يا صندل ، ألستم رويتم فيما تروون : أن الله تبارك وتعالىٰ يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضىٰ لرضاه ؟! قال : بلى.

قال : فما تنكرون ان تكون فاطمة عليها‌السلام مؤمنة يغضب لغضبها ، ويرضىٰ لرضها ؟!. قال : فقال : « الله أعلم حيث يجعل رسالته » (١).

ويظهر من هذا الحديث ان مسألة انكار أحاديث أهل البيت في قضية فاطمة الزهراء وان رضاها رضا الله ورسوله كانت موجودة من زمن الأئمة عليهم‌السلام ، وكذلك توجد نقطة مهمة ونكتة خافية وهي ان الرسول انما تحدث بهذه الاحاديث في فاطمة عليها‌السلام ليؤكد علىٰ مسألة مهمة وهو ان فاطمة عليها‌السلام سوف تظلم وتؤذىٰ من بعده ، لذا سوف ترضىٰ عن بعض المسلمين وتغضب على البعض الاخر فلذلك أعطىٰ الرسول الاعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظابطة كلية في مسألة تقييم بعض الشخصيات في زمن فاطمة عليها‌السلام ألا وهي ضابطة الرضا والغضب بالنسبة لفاطمة ، فكأنما يشير إلى ما سيجري عليها من الظلم من بعده.

اذن تبين لنا من خلال تفسير الآية المباركة ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ ... ) وبيان بعض الاحاديث الشريفة حول رضا فاطمة وغضبها وانهما مقرونان برضا الله وغضبه ، انها عليها‌السلام مرتبطة بصميم التوحيد وهنا يرد هذا السؤال المهم في ما نحن فيه ألا وهو ما الثمرة من هذا الارتباط ؟ أو بعبارة أخرىٰ ما الفائدة في ارتباط غضب فاطمة ورضاها بالله تعالىٰ ؟ والجواب يظهر من خلال متابعة القرآن الكريم والاحاديث التي

__________________

(١) كنز العمال : ١٣ / ٦٧٤ ح ٣٧٧٢٥ ، الحاكم في مستدركه : ٣ / ١٥٣ ميزان الاعتدال : ١ / ٥٣٥ ح ٢٠٠٢ ، التذكرة لابن الجوزي : ٣٢٠ ، كفاية الطالب ٣٦٣ أسد الغابة : ٥ / ٥٢٢ ، ذخائر العقبىٰ : ٣٩ / ينابيع المودة : ١٧٣ ، ١٩٨ الاصابة : ٤ / ٣٧٨ ، خصائص السيوطي : ٢ / ٢٦٥ ، الكامل في الرجال : ٢ / ٧٦٢ ، اسعاف الراغبين : ١٨٧ عنهم ، العوالم : ١ / ١٥٤.

١٤٥

رويناها لك من خلال الكتب المعتبرة والذي نراه وحسب فهمنا القاصر ان بعض الثمرات هي :

١ ـ أن كل من آذى فاطمة فقد آذى الله ورسوله لذا سوف يستحق اللعنة بنص القرآن الكريم ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ ... ) هذا في الدنيا.

٢ ـ اعداد العذاب الالهي للذين يؤذون الله تعالى في ذرية رسوله ( وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ).

٣ ـ ونستفيد من بعض الروايات ان الله تعالى ليغضب لغضب المؤمن فكيف بإبنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

٤ ـ اعطاء ضابطة مهمة من الناحية التأريخية وهي كل من ثبتت أذيته لفاطمة في حياتها لابد من لعنه والبراءة منه وكل من سار علىٰ منوال الظالمين للزهراء في حقها ورضايتهم علىٰ فعل الظالمين فهم مع الظالمين يجب لعنهم في الدنيا والبراءة منهم. وكثيرة هي الثمرات في هذا الارتباط وفي الذي سردناه لك كفاية لمن يرجوا الوصول الىٰ حقيقة الامور.

فاطمة عليها‌السلام وعلاقتها بالنبوة

من القضايا المهمة التي يهمنا البحث عنها هو ارتباط فاطمة الزهراء عليها‌السلام بمقام النبوة الخاتمية ومن يمثل هذه الخاتمية أعني بذلك شخص رسول الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولابد لنا ونحن نرتوي من الماء العذب لفاطمة عليها‌السلام واللآلئ المتناثرة في حياتها ان نقف مع مقامها والارتباط الوثيق لهذا المقام بالنسبة للنبوة ، والذي ينقدح في الذهن القاصر لصاحب هذا القلم ان هناك عدة أدلة وشواهد تثبت ان لفاطمة ارتباط وثيق بالنبوة ، وهذا الارتباط تارة يتمثل علىٰ نحو الابوة لهذه الصديقة الطاهرة وتارة أخرىٰ على شكل حب لهذه النسمة الطيبة ومرة اخرىٰ علىٰ الارتباط العقائدي لها عليها‌السلام ، وسوف نعطي عدة شواهد وادلة علىٰ ذلك ، ومن خلال استقراء واستنطاق بعض الكتب الروائية والتاريخية التي تروي لنا قضية الزهراء وارتباطها بشخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من

١٤٦

جهة وبمقام النبوة من جهة أخرىٰ ، أما كيف يكون هذا الارتباط بالنبوة ومقامها ، فنقول : وردت عدة شواهد على هذه المسألة من القرآن الكريم ولكن نكتفي علىٰ شاهد قرآني واحد وهو الآية ٥٧ من سورة الاحزاب ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا ... ) فهذه الآية الشريفة وكما تبيّن لنا لها ارتباط بمسألة أذىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نعلم انه ورد في الحديث الشريف عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت ، وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آذىٰ مؤمنا فقد آذاني ، فهذه الأحاديث تثبت مسألة أذى رسول الله ولقد حدثنا التاريخ كيف ان القوم عندما بعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة كيف آذوه وطردوه من دياره والأكثر من ذلك نجد ان الكثير من النصوص عند العامة والخاصة قد بينت ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد آذوه القوم بعد مماته في إبنته فاطمة عليها‌السلام فعلىٰ هذا الاساس ومن هذا المنطلق قد صدرت عدة أحاديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبين وتؤكد علىٰ حقيقة ثابتة ولا ينكرها إلا معاند أو منافق وهي أنهم قد آذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذريته ، فكانت الاحاديث المروية عنه تمثل الدعامة العظمىٰ لارتباط أقرب الناس إليه وهي فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولا نقصد من ارتباط الصديقة الطاهرة عليها‌السلام به مجرد لانه والدها كلا بل هناك أمور غيبية قد ذكرت بعض الروايات اسرارها وكما بينا في بعض أحاديثنا كحديث الاقرار بفضل فاطمة جميع الأنبياء وانه ما تكاملت نبوة نبي حتّى أقرّ بفضلها ومحبتها ... ممّا يدل على ارتباطها بالنبوّة العامّة كارتباطها بالنبّوة الخاصّة ... وغير ذلك من الأحاديث في هذا المضمار ، وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مال إليها وأحبها فأزداد ما عند فاطمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسب زيادة ميله، وأكرمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم حتى خرج بها عن حد الآباء للأولاد ، فقال بعض الخاص والعام مراراً لا مرة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : إنها سيدة نساء العالمين ... وإنها إذا مرت في الموقف نادىٰ منادٍ من جهة العرش : يا أهل الموقف : غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وهذا من الاحاديث الصحيحة (١). وعليه لابد من ذكر بعض

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد والقول كله له : ٩ / ١٩٣ ، عنه اعلموا اني فاطمة : ٤ / ٥٥.

١٤٧

النصوص التي تبين لنا مقام فاطمة من الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

* فلقد جاء في حديث طويل عن سعد بن أبي وقاص انه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : فاطمة بضعة مني ، من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني ، فاطمة أعز الناس عليّ (١).

* وروي النسائي باسناده عن المسور بن محزمة ، قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو علىٰ المنبر يقول « فاطمة هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ، ومن آذىٰ رسول الله فقد حبط عمله » (٢).

* وروىٰ أحمد بأسناده عن المسور ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما قبضها وأنه تنقطع يوم القيامة الانساب والاسباب إلا نسبي وسببي » (٣).

* وروي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان فاطمة شعرة مني ، فمن آذىٰ شعرة مني فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذىٰ الله ، ومن آذىٰ الله لعنه الله ملء السماوات والأرض (٤).

* عن عبد الله بن زبير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : انها ـ فاطمة ـ بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها (٥). وكثيرة هي الاحاديث التي تروي لنا ارتباط الزهراء وظلمها وأذيتها برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولئلا يطول المقام بنا ولا نخرج عن هذا الكتاب نكتفي بهذه الاحاديث ونقول :

إنّ كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لا ينطق عن الهوىٰ إن هو إلا وحي يوحىٰ هذا يدل علىٰ انه ليس غضبه بإعتبار انه والدها ، لا وانما غضب النبوة ومقامها السامي الذي تمثل السماء ونحن نعلم أيضاً انه أذىٰ فاطمة ايضاً هو أذىٰ الله تبارك وتعالىٰ ، وإلا

__________________

(١) مجالس المفيد : ٢٥٩ ، أمالي الطوسي : ح ١ ، ٢٤ ، بشارة المصطفىٰ : ٨٥.

(٢) الخصائص : ٣٥.

(٣) مسند أحمد ٤ / ٣٣٢.

(٤) كشف الغمة ١ / ٤٦٧.

(٥) مسند أحمد ٤ / ٥ ، صحيح الترمذي ٥ / ٦٩٨ ح ٣٨٦٩ ، الصواعق المحرقة : ١١٤ ، لسان العرب : ١ / ٧٥٨ ، النهاية : ٥ / ٦٢.

١٤٨

لا معنىٰ ان يغضب الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لانه أباها الشخصي فقط لانه في مثل هذه الحالة سوف تكون العصبية لها باعتبار القرابة وانما يؤكد الرسول من خلال هذه الاحاديث علىٰ حقيقة مهمة جداً وهي مسألة عصمة فاطمة عليها‌السلام لانها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذياً له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ كل حال لذا ثبتت لها العصمة من خلال أقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقها عليه‌السلام. ويظهر ايضاً من خلال الحديث المروي في حق فاطمة عليها‌السلام عن أبي جعفر عليه‌السلام يقول : « ولقد كانت عليها‌السلام مفروضة الطاعة علىٰ جميع من خلق الله من الجن والانس ، والطير والوحوش والأنبياء والملائكة » الحديث (١). وأيضاً الحديث الذي يقول « ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقرَّ بفضل فاطمة عليها‌السلام وحجيتها » حيث نستفيد من هذين الحديثين ان فاطمة عليها‌السلام كانت مرتبطة بنبوة الأنبياء السابقين قبل نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهي ـ أي النبوة ـ لم تكتمل في أي نبي من الأنبياء حتى أقر بفضل فاطمة وحجيتها ، وهذا يدل انها كانت مفروضة الطاعة علىٰ جميع الأنبياء وكما تبين لنا من خلال البحوث المتقدمة في هذا الأمر.

فاطمة عليها‌السلام والعدل الإلهي

يعتبر العدل من الأصول الإعتقادية التي يمتاز بها الشيعة الامامية عن غيرهم من المذاهب الاخرىٰ ، فمسألة العدل عندهم قد دخلت كل الأصعدة الحياتية المهمة وهذا يعود الىٰ وجود العدل في كل أفعال الله تعالىٰ فهو ـ أي الله تعالىٰ ـ قد جعله من أسماءه الحسنىٰ فعندما يأخذ الشيعة الامامية العدل ويعتبرونه من اصول الدين لم يكن هذا جزافاً وانما كان علىٰ اساس وأصل متين استمدوه من القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم الذي بذر فكرة العدل في قلوب وأرواح الناس ثم سقاها ونماها فكرياً وفلسفياً وعملياً واجتماعياً انه القرآن الكريم الذي طرح مسألة العدل من حيث مظاهرها المختلفة العدل التكويني ، والعدل التشريعي ، والعدل الاخلاقي ، والعدل الاجتماعي ... الخ.

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٢٨.

١٤٩

والقرآن الكريم يصرح بان نظام الوجود مبني علىٰ أساس العدل والتوازن على أساس الاستحقاق والقابلية ، وعلىٰ هذا الاساس توجد عدة آيات قرآنية تؤكد علىٰ مسالة العدل سواء كان ذلك عن طريق ذكر المقابل للعدل أي الظلم وتأتي الآية القرآنية تنفي الظلم أي تقر العدل بالنتيجة أو عن طريق ذكر القرآن ان هناك يوم حساب يحاسبون فيه الناس ليكون العدل هو الاساس الذي سوف تكون عليه المحاسبة ، وهكذا يذكر القرآن الكريم آيات العدل في كل مظاهرها الوجودية ، وسنورد هنا بعض الآيات القرآنية التي تعتبر الفاعلية الالهية والتدبير الالهي قائماً على أساس العدل حيث يقول الباري عز وجل في هذا المضمار ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) (١). أو أن العدل هو المعيار لله سبحانه في موضوع الخلقة ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ ) (٢). وعلق علىٰ هذه الآية الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « بالعدل قامت السماوات والأرض » واهتم القرآن الكريم اهتماماً استثنائياً بالعدل التشريعي أي مراعاة أصل العدل دائماً في النظام الاعتباري والتشريع القانوني ، وقد صرح ذلك في الكتاب المعجز بان الهدف من ارسال الأنبياء وبعثة الرسل انما هو قيام النظام البشري وارساء الحياة الانسانية علىٰ أساس العدل والقسط : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (٣).

واضافة إلىٰ ذلك فان الاصل الكلي الذي نسبه القرآن إلى كل الأنبياء بخصوص النظام التشريعي ولا سيما في الشريعة الاسلامية هو ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) وفي مكان آخر يقول ( ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ ). ويعتبر القرآن الكريم الإمامة والقيادة عهداً الهياً ينبعث عنه النضال ضد الظلم والتلاؤم مع العدل ، ويقول القرآن الكريم في موضوع لياقة إبراهيم عليه‌السلام للامامة والقيادة : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي

__________________

(١) آل عمران : آية ١٨.

(٢) الرحمن : آية ٧.

(٣) الحديد : آية ٢٥.

١٥٠

جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١).فعندما أختار الله ابراهيم إماماً ، إستفهم ابراهيم هل تشمل هذه الموهبة الالهية نسله ؟

فأجيب بأن الإمامة عهد إلهي والظالمون لا نصيب لهم فيه ، يعني مقتضىٰ العدالة الربانية هكذا تكون مع الظالمين. وإذا دققنا النظر في القرآن الكريم وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل في كل الافكار القرآنية من التوحيد الىٰ المعاد ومن النبوة الىٰ الإمامة والزعامة ومن الآمال الفردية الىٰ الاهداف الاجتماعية ، فالعدل في القرآن قرين التوحيد وركن المعاد وهدف لتشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة ومعيار كمال الفرد ومقياس سلامة المجتمع (٢). اذن بعد هذه المقدمة في العدل يأتي السؤال في هذا المقام الذي نحن فيه وهو هل ان الله جل جلاله أعطىٰ الىٰ اولياؤه الكثير من المناصب والمقامات الروحانية وعلىٰ كل المستويات بالعدل أو جزافاً اعطاهم اياها ؟

فمثلاً مقام فاطمة الزهراء عليها‌السلام وحجيتها على الأئمة وعلى جميع الأنبياء والجن والانس ، ومقام شفاعتها يوم القيامة وانها تشفع بالجنة هل أعطىٰ الله تعالى هذه المقامات بالعدل لها فتكون عندئذ مرتبط بالعدل الالهي أم لا ؟

وهذا السؤال يحتاج الى ذكر مسألة مهمة وهي تعريف العدل سواء لغوياً أم اصطلاحياً وبعد ذلك نرىٰ مدىٰ انطباق هذا الموضوع وعلىٰ ضوء التعريف في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام ومدىٰ ارتباطها بالعدل الالهي.

العدل في اللغة : العدل من أسماء الله سبحانه ، العدل هو الذي لا يميل به الهوىٰ فيجور في الحكم ، وهو في الاصل مصدر سُمّي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لانه جعل المسمىٰ نفسه عدلاً وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل.

والعدل : الحكم بالحق ، فيقال هو يقضي بالحق ويعدل وهو حكم عادل : ذو معدلة في حكمه (٣). اما تعريف العدل في الاصطلاح فلقد وردت فيه عدة تعاريف ولكن الذي يهمنا فيما نحن فيه التعريف الذي يقول : « هو رعاية الاستحقاق في افاضة الوجود

__________________

(١) البقرة : آية ١٢٤.

(٢) العدل الالهي : ٤٦.

(٣) لسان العرب مادة عدل.

١٥١

وعدم الامتناع عن الافاضة والرحمة حيث يتوفر امكان الوجود أو امكان الكمال ». وعلىٰ أساس هذا التعريف يتبين لنا ان الموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابليتها لاكتساب الفيض الالهي من مبدأ الوجود ، فكل موجود وفي أي رتبة من الوجود يملك استحقاقاً خاصاً من حيث قابليته لاكتساب الفيض ، ولما كانت الذات الالهية المقدسة كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة علىٰ الاطلاق فهي تعطي ولا تمسك ولكنها تعطي لكل موجود ما هو ممكن له من وجود أو كمال وجود ، فالعدل الالهي ـ حسب هذه النظرية ـ يعني ان أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله المقدار الذي يستحقه وبامكانه ان يستوفيه (١). وعلىٰ هذا الاساس تكون الزهراء عليها‌السلام مستحقة للعدل الالهي في افاضة الكمال لها وفي كل المقامات المعنوية والروحية ، فكونها عليها‌السلام حجة علىٰ الأنبياء وعلىٰ جميع البشر وانه ما تكاملت نبوة نبي حتىٰ أقر بفضلها وكذلك كونها صاحبة الشفاعة الكبرىٰ يوم القيامة وغيرها من المقامات التي أعطاها الله تعالىٰ اياها كل ذلك لانها كانت مستحقة لكل هذا الكمال ، أما كيف كانت مستحقة لذلك فهذا ما نفهمه من خلال الزيارة الواردة في حقها « السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك صابرة لما امتحنك » فعلىٰ أساس هذا الامتحان وكونها صابرة نجد ان الله تعالىٰ وجدها مستحقة للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، وعليه تكون الحكمة الالهية للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، حيث تكون الحكمة الالهية في وضع الزهراء في مقامها السامي انما هو بالامكان اللائق لها وبالعدل الالهي استحقت ذلك فتكون عليها‌السلام حينئذ مرتبطة بالعدل الالهي من حيث كونها مستحقة للافاضات الربانية وكما تبين لك من خلال الاحاديث الواردة في شأنها عليها‌السلام. هذا من جهة ومن جهة أخرىٰ ان مُوالاتُنا لفاطمة عليها‌السلام هل هي من العدل الالهي أم لا ؟

لا شك ولا ريب عندما يطلب الله تعالى منا ان نكون مع الزهراء عليها‌السلام في التولية والتبرئة من اعدائها هو عين العدل الالهي لأنّ الله تعالىٰ وعلىٰ لسانه في القرآن

__________________

(١) العدل الالهي : ٧١.

١٥٢

الكريم اعتبر أذىٰ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأسباب المؤدية الىٰ اللعنة والعذاب الأليم وباعتبار كونها عليها‌السلام من لحم رسول الله بل هي نساء رسول الله المعبر عنهم « بنسائنا » في آية المباهلة وأيضاً رضاها رضىٰ رسول الله وغضبها غضب الله ورسوله وإضافة الىٰ ذلك انها مستحقة حسب وجودها وللفيوضات الربانية كل ذلك يعتبر من العدل الإلهي فتكون عندئذ عليها‌السلام مرتبطة بصميم العدل الإلهي وإن موالاتنا لها عين العدل الذي أمرنا الله تعالىٰ ونكون له ملازمين له في كل الحالات.

فاطمة عليها‌السلام وعلاقتها بالإمامة

تشكل الإمامة أصلاً مهماً من الأصول الخمسة الدينية عند الشيعة الإمامية بعد التوحيد والنبوة والعدل ، ولقد تظافرت الروايات الشريفة علىٰ التأكيد علىٰ هذه المسألة المهمة في الدين الاسلامي فضلاً عن القرآن الكريم الذي أكد أيضاً علىٰ مسألة إثبات الإمامة من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بل نقول ان من أراد الإطلاع على هذه القضية فعليه مراجعة الكتب الكلامية التي أثبتت هذه المسألة المهمة ، ولقد تطرقنا الىٰ هذه المسألة ـ أي الإمامة ـ في هذا الكتاب باعتبارها لها إرتباط عميق بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وربما سائل يسأل كيف يمكننا أن نعرف أن الزهراء لها ارتباط بصميم الإمامة ؟ وهذا سؤال مهم علىٰ ما أتصوره ولابد من خلال استقراء الكتب الروائية وحياة الصديقة الطاهرة وقراءة بعض النصوص واستنطاقها نجد أن هناك عدة أمور يمكن من خلالها إثبات هذا الارتباط الوثيق للزهراء بالإمامة التي جعلها الله تبارك وتعالىٰ أما ماهية هذه القضية من خلال إثباتها عن طريق الروايات أو الزيارات الواردة فهذا ما يتوقف بيانه علىٰ إبراز بعض الأدلة والشواهد التي تؤيد هذه القضية تارة وتدعمها تارة أخرىٰ.

أولاً : أما الأدلة التي نستطيع من خلال اثبات ارتباط فاطمة بصميم الدين فهذا ما يتبين لنا من كونها عليها‌السلام الحجة علىٰ الأنبياء فضلاً عن الأئمة عليهم‌السلام. إما كونها الحجة علىٰ

١٥٣

الأنبياء فهذا ما أثبته الحديث المروي الذي يقول فيه الإمامة : « ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الأولىٰ » ولا نريد الوقوف مع مفهوم هذا الحديث علىٰ أي شيء يدل فلقد تبين لك كيف انها لابد من الإقرار بفضلها ومحبتها من قبل الخلق أجمعين فضلاً عن الأنبياء ، وإما كونها الحجة علىٰ الأئمة فهذا ما تبين لنا من خلال شرح الحديث الوارد عن الإمام الحسن العسكري الذي يقول فيه « نحن حجج الله علىٰ خلقه وجدتنا فاطمة عليها‌السلام حجة الله علينا » فراجع شرح هذا الحديث في كتابنا هذا وسوف يتبين لك الحال في هذا الأمر وهذا يكون أفضل شاهد علىٰ كونها مرتبطة بصميم الإمامة ولهذا يحتاج الىٰ تمعن في هذا الأمر وتدقيق عميق حتىٰ نصل الىٰ مداركه ومدلولاته.

ثانيا : إن الزهراء عليها‌السلام كانت الرحم الطاهر لحمل الإمامة فهي أُم الأئمة الأطهار وهي والدة الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة واللذان كانا إمامان قاما أو قعدا ، فقد حملت بهما من خلال الارتباط السماوي بأمير المؤمنين حيث زوجها الله تبارك وتعالىٰ من أمير المؤمنين وكما ورد في الحديث الذي يقول « زوج النور من النور » وهذا يشهد به الموالي والمخالف في قضية زواج الزهراء عليها‌السلام ، أما كونها رحم طاهرة ، فهذا ما أثبتته الآية الكريمة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فضلاً عن الزيارة الشريفة الواردة في حق الإمام الحسين عليه‌السلام والتي يقول فيها الإمام عليه‌السلام « أشهد إنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لك تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ... » فهذه الزيارة اضافة الى آية التطهير تثبت كونها عليها‌السلام الرحم الطاهر للأئمة عليهم‌السلام ومن جهة شاهد علىٰ كونها مرتبطة بصميم الإمامة بالنكتة التي بيناها لك من حيث هي أُم الأئمة عليهم‌السلام.

ثالثاً : نجد من خلال استقراء القرآن الكريم ومتابعة آياته الشريفة أن الزهراء عليها‌السلام تكون مشتركة ومرتبطة بالإمامة من خلال عدة آيات قرآنية اثبت اشتراكها مع الأئمة عليهم‌السلام منها كونها الصراط المستقيم ومشتركة معهم عليهم‌السلام فلقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال :

١٥٤

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الله جعل علياً وزوجته وأبناؤه حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في أمتي ، من أهتدىٰ بهم هُدي الىٰ صراط مستقيم » (١). وأيضاً عن رسول الله أنه قال : « اهتدوا بالشمس فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر ، فاذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة ، فاذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين ، فقيل يا رسول الله ما الشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدان ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الشمس أنا ، والقمر عليّ ، والزهرة فاطمة ، والفرقدان الحسن والحسين عليهما‌السلام » (٢).

قوله تعالىٰ : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (٣).

* أخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس قال : سألت رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : سأل بحقّ محمَّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ ، فتاب عليه (٤).

قوله تعالىٰ : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ... ) (٥).

* قال محبّ الدّين الطبريّ : لما نزل قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) الآية ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هؤلاء الأربعة (٦).

* عن أبي سعيد رضي‌الله‌عنه : لمّا نزلت هذه الآية ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال : « اللّهُمّ هؤلاء أهلي ». أخرجه مسلم والترمذيّ (٧).

قوله تعالىٰ : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ... ) (٨).

* عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا شجرةٌ ، وفاطمة فرعها ، وعليٌ لقاحها ، وحسن وحسين ثمرها ، ومحبيّهم (٩) من أمَّتي أوراقها. ثمّ قال : هم في جنّة عدن والّذي بعثني

__________________

(١) شواهد التنزيل للحافظ الاسكافي الحنفي ١ / ٥٨ ، ٥٩.

(٢) شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني الحنفي ١ / ٥٨ ، ٥٩.

(٣) البقرة : آية ٣٧.

(٤) « الدر المنثور » ١ / ١٤٧.

(٥) آل عمران : آية ٦١.

(٦) « ذخائر العقبى » : ٢٥ ، ٢٤.

(٧) « ذخائر العقبىٰ » ٢٥ ، ٢٤.

(٨) ابراهيم : آية ٢٤.

(٩) كذا ، والصواب « محبّوهم ».

١٥٥

بالحقّ (١).

* وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا شجرةٌ ، وعليٌّ القلب ، وفاطمة اللقاح ، والحسن والحسين الثمر ، وشيعتنا الورق ، وحيث يُنبت الشجر تساقط ورقها ، ثم قال : في جنَّة عدن والّذي بعثني بالحقّ (٢).

وقوله تعالى : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ... ) (٣).

* عن عكرمة : هم النبيُّ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٤).

قوله تعالى : ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (٥).

* عن عبد الله بن مسعود : يعني جزيتهم بالجنّة اليوم بصبر عليِّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين في الدنيا علىٰ الطاعات وعلىٰ الجوع والفقر ، وبما صبروا علىٰ المعاصي وصبروا علىٰ البلاء لله في الدنيا ، أنَّهم هم الفائزون والناجون من الحساب (٦).

قوله تعالىٰ : ( كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ... ) (٧).

* عن موسىٰ بن القاسم ، عن عليّ بن جعفر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قوله الله عزّ وجلّ « كمشكاة فيها مصباح » قال : المشكاة فاطمة ، والمصباح الحسن ، والحسين الزجاجة « كأنَّها كوكبٌ دُرّيّ » قال : كانت فاطمة كوكباً دُرّياً من نساءِ العالمين « يوقدُ من شجرة مباركةٍ » الشجرة المباركة إبراهيم « لا شرقيَّة ولا غربيَّة » لا يهوديَّة ولا نصرانيَّة « يكادُ زيتها يضيء » قال : يكاد العلم أن ينطق منها « ولو لم ـ تمسسه نار ، نور علىٰ نُور » قال : فيها إمام بعد إمام ( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) قال : يهدي الله عزّ وجلّ لولايتنا من يشاء (٨).

__________________

(١) شواهد التنزيل : ١ / ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٢) شواهد التنزيل : ١ / ٣١٢ ، ٣١٣.

(٣) الاسراء : آية ٥٧.

(٤) شواهد التنزيل : ١ / ٣٢٤.

(٥) المؤمنون : آية ١١.

(٦) المصدر : ٤٠٨.

(٧) النور : آية ٣٥.

(٨) المناقب لابن المغازليّ : ٣١٧.

١٥٦

قوله تعالىٰ : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ... ) (١).

* عن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه ، عن جدَّه قال : أبو الحمراء خادم النبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا نزلت هذه الآية كان النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب عليّ وفاطمة عند كل صلوة فيقول : الصلاة ـ رحمكم الله ـ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٢).

قوله تعالىٰ : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ... ) (٣).

* عن السدّيّ : نزلت في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ ، زوّج فاطمة عليّاً ، وهو ابن عمّه وزوج ابنته ،كان نسباً وكان صهراً (٤).

قول تعالىٰ : ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) (٥).

* قال النّبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلت : يا جبرئيل من أزواجنا ؟ قال : خديجة. قال : ومن ذرياتنا ؟ قال : فاطمة. وقرَّة أعين ؟ قال : الحسن والحسين. قال : واجعلنا للمتّقين إماماً ؟ قال : عليُّ بن أبي طالب (٦).

قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٧).

* عن أبي سعيد الخدريّ رضي‌الله‌عنه قال : نزلت في خمسة : في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، أخرجه أحمد في المناقب وأخرجه الطبرانيّ (٨).

قوله تعالىٰ : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ـ ) (٩).

* قال الزَّمخشريُّ : إنَّها لمّا نزلت ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) قيل : يا رسول الله مَنْ قرابتك هؤلاء الَّذين وجبت علينا مودَّتهم ؟ قال : عليّ وفاطمة

__________________

(١) طه : آية ١٣٢.

(٢) شواهد التنزيل : ١ / ٣٨١. والآية في الأحزاب : آية ٣٣.

(٣) الفرقان : آية ٥٤.

(٤) المصدر : ٤١٤.

(٥) الفرقان : آية ٧٤.

(٦) شواهد التنزيل : ١ / ٤١٦.

(٧) الأحزاب : آية ٣٣.

(٨) ذخائر العقبى : ٢٤.

(٩) الشورى : آية ٢٣.

١٥٧

وابناهُما ... وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مات علىٰ حبّ آل مُحمّد مات شهيداً. ألا ومن مات علىٰ حبِّ آل مُحمّد مات مغفوراً له. ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مغفوراً له. ألا ومن مات علىٰ حبِّ آل محمّد مات تائباً. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان. ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد بشَّره ملك الموت بالجنَّة ثمَّ منكرٌ ونكير. ألا ومن مات علىٰ حبِّ آل محمَّد يزفُ إلى الجنة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها. ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنَّة. ألا ومن مات على حبِّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد مات على السنَّة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله. ألا ومن مات على بغض آل محمَّد مات كافراً. ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمَّ رائحة الجنَّة (١).

* قوله تعالى : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) (٢).

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : يعني وليَّ علي وحمزة وجعفر وفاطمة والحسن والحسين ووليّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ينصرهم بالغلبة على عدوّهم (٣).

* قوله تعالى : ( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) (٤).

عن عبد الله بن عبّاس قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة عليه‌السلام (٥).

* قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (٦).

عن ابن عبّاس قال : نزلت في النبيِّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٧).

__________________

(١) الكشّاف : ٣ / ٤٦٧.

(٢) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : آية ١١.

(٣) شواهد التنزيل : ٢ / ١٧٤ ، ١٩٤ ، ١٩٧.

(٤) الذاريات : آية ١٧.

(٥) شواهد التنزيل : ٢ / ١٧٤ ، ١٩٤ ، ١٩٧.

(٦) الطور : آية ٢١.

(٧) شواهد التنزيل : ٢ / ١٧٤ ، ١٩٤ ، ١٩٧.

١٥٨

قوله تعالى : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) (١).

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) قال : عليٌّ وفاطمة ، ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ) قال : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) قال : الحسن الحسين (٢).

* قوله تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣).

إنَّ رجلاً جاء إلى النبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا إليه الجوع ، فبعث إلى بيوت أزواجه فقلن : ما عندنا إلاَّ الماء. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لهذه الليلة ؟ فقال عليٌّ عليه‌السلام : أنا يا رسول الله. فأتىٰ فاطمة فأعلمها ، فقالت : ما عندنا إلاّ قوت الصبية ولكنّا نؤثر به ضيفنا. فقال عليٌّ عليه‌السلام : نوِّمي الصبية وأنا أُطفئ للضيف السراج. ففعلت وعشَّى الضيف. فلمّا أصبح أنزل الله عليهم هذه الآية : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (٤).

عن ابن عباس في قول الله ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) قال : نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٥).

* قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) (٦).

قال أبو الفضل شهاب الدين السيّد محمود الآلوسيُّ : وماذا عسى يقول امرؤ فيهما يعني عليّاً وفاطمة عليهما‌السلام سوى أنّ عليّاً مولى المؤمنين ووصيُّ النبيُّ ، وفاطمة البضعة الأحمديَّة والجزء المحمَّديِّ ، وأمَّا الحسنان فالرَّوح والريحان وسيِّدا شباب أهل الجنان.

وليس هذا من الرفض ، بل ما سواه عندي هو الغيّ. ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنَّه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين ، وأنَّما صرَّح عزّ وجلّ بولدان مخلَّدين رعاية

__________________

(١) الرحمن : آية ١٩ ـ ٢٢.

(٢) الدر المنثور : ٧ / ٦٩٧.

(٣) الحشر : آية ٨.

(٤) شواهد التنزيل : ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٥) شواهد التنزيل : ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٦) الدهر : آية ٨.

١٥٩

لحرمة البتول وقرَّة عين الرسول (١).

* قوله تعالى : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ) (٢).

عن عبد الله بن عجلان السكونيِّ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : بيت عليٍّ وفاطمة من حجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسقف بيتهم عرش ربِّ العالمين ، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي ، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً وفي كلِّ ساعة وطرفة عين ، والملائكة لا ينقطع فوجهم ، فوج ينزل وفوج يصعد (٣).

رابعاً : من خلال الروايات الشريفة نجد ان الزهراء عليها‌السلام مرتبطة ومشتركة مع الأئمة الذين يمثلون الدعامة الكبرى للإمامة في كثير من الامور وهذا ما نجده من خلال الروايات الشريفة التي اثبتت هذه المسألة ومنها :

في خلقتها النورانيّة

* عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّه قال : لمّا خلق الله تعالى آدم أبو البشر (٤) ونفخ فيه من روحه ، التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجَّداً وركَّعاً ، قال آدم : يا ربِّ هل خلقت أحداً من طين قبلي ؟ قال : لا ، يا آدم ، قال : فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الَّذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك ، لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماءٍ من أسمائي ، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ، ولا العرش ، ولا الكرسي ، ولا السماء ، ولا الأرض ، ولا الملائكة ، ولا الانس ، ولا الجنَّ. فأنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العالي وهذا عليٌّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا الحسين ، آليت بعزَّتي أنَّه لا يأتيني أحد

__________________

(١) روح المعاني : ٢٩ / ١٥٨.

(٢) القدر : آية ٣ ـ ٤.

(٣) تأويل الآيات : للعلامة السيّد شرف الدين النجفيّ : ٢ / ٨١٨.

(٤) كذا.

١٦٠