الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وخروج أمير المؤمنين عليه‌السلام من داخل الدار محمرّ العين حاسراً ، حتى ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وقوله لها : يا بنت رسول الله ، قد علمت أنّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين ، فالله الله أن تكشفي خمارك ، وترفعي ناصيتك ، فوالله يا فاطمة ، لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أنّ محمداً رسول الله ، ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ، [ ولا ] دابّة تمشي على الأرض ، ولا طائراً في السماء إلا أهلكه الله.

ثم قال : يابن الخطّاب ، لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه ، اُخرج قبل أن اُشهر سيفي فاُفني غابر الاُمّة ، فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمان بن أبي بكر ، فصاروا من خارج الدار.

وصاح أمير المؤمنين بفضّة يا فضّة ، مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء ، فقد جاءها المخاض من الرفسة ، وردّ الباب ، فأسقطت محسناً.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فإنّه لاحقٌ بجدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيشكو إليه الحديث (١).

وفي علم اليقين في اُصول الدين : ثم إنّ عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه‌السلام فوافوا بابه مغلقاً ؛

فصاحوا به : اُخرج يا عليّ ، فإنّ خليفة رسول الله يدعوك ، فلم يفتح لهم الباب ؛ فأتوا بحطب فوضعوه على الباب ، وجاؤوا بالنار ليضرموه ، فصاح عمر ، وقال : والله ، لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنار ، فلمّا عرفت فاطمة عليها‌السلام أنّهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب ، فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم ، فاختبت فاطمة عليها‌السلام وراء الباب والحائط.

ثم إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ، ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى المسجد.

فحالت فاطمة عليها‌السلام بينهم وبين بعلها ، وقالت :

والله ، لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً ، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا

__________________

(١) البحار : ٥٣ / ١٨ ، بهجة قلب المصطفى : ٥٢٨ ح ٢٣ ، اعلموا أني فاطمة : ٨ / ٧١٦.

١٢١

أهل البيت ، وقد أوصاكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا !

وقال الله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ).

قال : فتركه أكثر القوم لأجلها ، فأمر عمر قنفذ ابن عمّه أن يضربها بسوطه ؛

فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف وكان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سماّه محسناً ، وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدى أبي بكر ، فلحقته فاطمة عليها‌السلام إلى المسجد لتخلّصه ، فلم تتمكّن من ذلك ؛ فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونجيب ، وهي تقول :

نفسي على زفراتها محبوسة

يا ليتها خرجت من الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنّما

أبكي مخافة أن تطول حياتي

ثم قالت : وا أسفاه عليك يا أبتاه ، وأثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن ، وأبو سبطيك الحسن والحسين ، ومن ربّيته صغيراً ، وآخيته كبيراً ، أجلّ أحبّائك لديك وأحبّ أصحابك عليك ، أوّلهم سبقاً إلى الإسلام ، ومهاجرةً إليك يا خير الأنام ؛ فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.

ثم إنّها أنّت أنّةً وقالت : وا محمّداه ، وا حبيباه ، وا أباه ، وا أبا القاسماه ، وا أحمداه ، وا قلّة ناصراه ، وا غوثاه ، وا طول كربتاه ، وا حزناه ، وا مصيبتاه ، وا سوء صباحاه ؛ وخرّت مغشيّة عليها ، فضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وصار المسجد مأتماً.

ثم إنّهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه‌السلام بين يدي أبي بكر ، وقالوا له : مدّ يدك فبايع ، فقال : ـ والله ـ لا اُبايع ، والبيعة لي في رقابكم.

فروي عن عديّ بن حاتم أنّه قال : ـ والله ـ ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حين اُتي به ملبّباً بثوبه ، يقودونه إلى أبي بكر ، وقالوا : بايع.

قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : نضرب الذي فيه عيناك.

قال : فرفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّي اُشهدك أنّهم أتوا أن يقتلوني ، فإنّي عبد الله وأخو رسول الله ، فقالوا له : مدّ يدك فبايع ، فأبي عليهم فمدّوا يده كرهاً فقبض عليّ عليه‌السلام أنامله ، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا ، فمسح عليها أبو بكر ، وهي

١٢٢

مضمومة ، وهو عليه‌السلام يقول وينظر إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ).

قال الراوي : إنّ علياً عليه‌السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين :

فإن كنت بالشورى ملكت اُمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب

وكان عليه‌السلام كثيراً ما يقول : وا عجباه تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالقرابة والصحابة ؟! (١).

وفي الملل والنحل : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة عليها‌السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها.

وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢).

وعن الوافي بالوفيات : قال صلاح الدين الصفدي الشافعي المتوفّى ٧٦٤ في ترجمة « النظام » في ذكر أقواله :

وقال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة ، حتى ألقت المحسن من بطنها (٣).

وعن لسان الميزان : إنّ عمر رفس فاطمة عليها‌السلام حتى أسقطت بمحسن (٤).

وعن العقد الفريد : الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ، عليّ عليه‌السلام والعباس والزبير وسعد ابن عبادة ، فأمّا عليّ عليه‌السلام والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة عليها‌السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له :

إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ؛ فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟! قال : نعم ... (٥).

وعن معارف القتيبي : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي (٦).

__________________

(١) علم اليقين في اُصول الدين : ٦٨٦ للفيض الكاشاني.

(٢) ١ / ٥٧ للشهرستاني.

(٣) ٥ / ٣٤٧ ، عنه اعلموا أني فاطمة : ٨ / ٧١٥.

(٤) ١ / ٢٦٨.

(٥) ٥ / ١٢ ، عنه البحار : ٢٨ / ٣٣٩.

(٦) عنه المناقب لابن شهر اشوب : ٣ / ١٣٢.

١٢٣

وعن إثبات الوصية : ... فأقام أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوجّهوا إلى منزله ، فهجموا عليه ، وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً ، وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً ، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال : لا أفعل ، فقالوا : نقتلك ، فقال : إن تقتلوني فإنّي عبد الله وأخو رسوله ... (١).

وعن بيت الأحزان : قال المحدّث القمّي (ره) : وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى عمر نكزها بنعل السيف (٢).

وعن ملتقى البحرين : أخذت فاطمة عليها‌السلام باب الدار ولزمتها عن ورائها ، فمنعتهم عن الدخول ، ضرب عمر برجله على الباب ؛ فقلعت فوقعت على بطنها ( سلام الله عليها ) ، فسقط جنينها المحسن (٣).

وروي في علة وفاة الصديقة الطاهرة عليها‌السلام : ان عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجلٍ على بيتها سلام الله عليها (٤).

أقول : إنّ هذا الهجوم الشرس الذي قاده عمر وعصابته الأوباش والطلقاء والمنافقين على بيت الوحي والرسالة وهم الذين قال الله تعالى في حقهم : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) :

وقال عز ذكره : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) :

وكان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدخله حتى يستأذن من أهله ، ولكن الأوغاد دخلوه عنوة وبغير استئذان وكان عددهم « ٣٠٠ » نفراً كما في الرواية ، وكان في مقدّمتهم عمر ومعه الفتيلة ، أبو بكر ، عثمان ، خالد بن الوليد ، المغيرة بن شعبة ، أبو عبيدة بن الجرّاح ، سالم مولى أبي حذيفة ، قنفذ ابن عمّ عمر ـ وكان رجل فظاً ، غليظا ، جافياً من الطلقاء

__________________

(١) ١٤٣ ، عنه البحار : ٢٨ / ٣٠٨ ضمن ح ٥٠.

(٢) ١٦٠.

(٣) ٤١٨.

(٤) العوالم : ٢ / ٥٨.

١٢٤

ـ اُسيد بن خضير ، وسلمة بن سلامة بن وقش وكانا من بني عبد الله الأشل ، ورجل من الأنصار ، زياد بن لبيد ، وزيد بن أسلم ، وكان ممّن حمل الحطب مع عمر.

وكانت بداية هذا الهجوم كما جمعته من الروايات : ادخال قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثمّ دفعها برجله فكسرها ودخل.

أرسل أبو بكر إلى قنفذ : أن اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من أضلاعها ونبت مسمار الباب في صدرها ، ثمّ لطم عمر خدّها حتّى احمرّت عينها ، كما صرّح بهذا نفسه « صفقت خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها ». في رواية اُخرى : « قال عمر : فصفقت صفقة على خدّها من ظاهر الخمار ، فانقطع قرطها وتناثر إلى الأرض ».

ثمّ عمر رفس فاطمة عليها‌السلام ، ثمّ رفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، ورفع السوط فضرب بها ذراعها ، ثمّ ضربها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود ، ثمّ أخذ من خالد بن الوليد سيفاً فجعل يضرب على كتفها ، ثمّ ضرب المغيرة بن شعبة فاطمة عليها‌السلام حتّى أدماها ، ثمّ سلّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها‌السلام ، ثمّ لكزها قنفذ بنعل السيف بأمر عمر ، ثمّ ضرب قنفذ فاطمة بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف ، ثمّ ضرب عمر بطن فاطمة عليها‌السلام حتّى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها.

وهذا المشهد الدامي الذي تتفطّر منه السماوات والأرض ، وساعد الله قلب صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف بما جرى لاُمّه فاطمة عليها‌السلام يذكرنا أيضاً بما جرى على ولدها الإمام الشهيد الحسين عليه‌السلام حين داست خيول بني اُميّة لعنهم الله على جسده وصدره الشريف يوم عاشوراء.

وأخيراً كما قالت الزهراء عليها‌السلام الشهيدة المظلومة المضطهدة في ذلك اليوم : « أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل ، فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي ، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من اُذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم ».

١٢٥

هذا ما استطعنا أن نثبته من خلال الكتب التي روت لنا قصة السقيفة وظلم الزهراء عليها‌السلام ، أما ظلمها في فدك فسوف يأتينا في بحثنا حول فدك وندعوا الله تعالى ونتوسل إليه عن المظلومة أن يوفقنا لخدمتها ونيل شفاعتها والسير على هداها ، واللعنة الدائمة على ظالميها وقاتليها.

أمّا مصادر ما جرى على الصديقة فاطمة عليها‌السلام من الظلامات ، فهي :

١ ـ تاريخ اليعقوبي :٢ / ١١٦.

٢ ـ العقد الفريد : ٤ / ٢٥٩، ٥ / ١٣.

٣ ـ الإمامة والسياسة :١ / ١٩ و ٢٠.

٤ ـ لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، ٤ / ١٨٩.

٥ ـ الملل والنحل للشهرستاني :١/ ٥٧.

٦ ـ أنساب الأشراف : ١ / ٥٨٦.

٧ ـ الوافي بالوفيّات : ٥ / ٣٤٧.

٨ ـ الكنى والألقاب : ٣ / ٢١٩.

٩ ـ تاريخ أبو الفداء : ١/١٦٤.

١٠ ـ تاريخ الطبري : ٣ / ٢٠٢.

١١ ـ أعلام النساء: ٤ / ١١٤.

١٢ ـ إثبات الوصيّة : ١٢٣.

١٣ ـ قرّة العين للدهلوي : ٧٨.

١٤ ـ السيرة الحلبيّة : ٣ / ٣٦٢.

١٥ ـ ابن خيزران في غرره: ٢٧١.

١٦ ـ تلخيص الشافي : ٣ / ٧٦.

١٧ ـ صحيح البخاري : ٤ / ٩٦ ، ٥ / ١٧٧.

١٨ ـ شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٥ و ٤٦ و ٥٠ و ٥٦ ، ٦ / ١٠ ، ١١ / ١١٣ ، ١٤ / ١٩٣.

لقد تفجّرت قرائح شعراء أهل البيت عليهم‌السلام من خبر المسمار وآلمهم المصاب الجلل ، على مصيبة الزهراء عليها‌السلام عامّة ، وفي خبر المسمار خاصّة ، وظلّ خبر المسمار الدامي الذي نبت في صدر الزهراء البتول تتذاكره الشيعة جيلاً بعد جيل فبقيت ناراً في قلوبهم لا ينطفئ أوارها إلى يوم القيامة ومن الفقهاء العظام الذين ذكروا خبر المسمار :

السيد صدرالدين الصدر ; المتوفى سنة ١٣٧٣ ه‍ ق حيث قال ضمن قصيدته :

من سعى في ظلمها من راعها

من علا فاطمة الزهراء جارا

من غدا ظلماً على الدار التي

اتخذتها الإنس والجنُّ مزارا

طالما الأملاكُ فيها أصبحت

تلثمُ الأعتاب فيها والجدارا

١٢٦

ومن النار بها ينجو الورى

من على أعتابها اُضرَم نارا

والنبيّ المصطفى كم جاءها

يطلب الإذن من الزهراء مرارا

وعليها هجم القوم ولم

تك لاذت لا وعلياها الخمارا

لستُ أنساها ويا لهفي لها

إذ وراء الباب لاذت كي تَوارا

فتك الرجسُ على الباب ولا

تسألن عمّا جرى ثم وصارا

لا تسلني كيف رضّوا ضلعها

واسألنّ الباب عنها والجدارا

وسألن لؤلؤ قرطيها لما

انتثرت والعين لم تشكو إحمرارا

وهل المسمار موتور لها

فغدا في صدرها يطلب ثارا

وقال الشيخ الفقيه المحقّق محمد حسين الاصفهانى الغروي النجفي (ره) المتوفى سنة ١٣٦١ ه‍ :

أيضرَمُ النار بباب دارها

وآية النور على منارها

وبابها باب نبيّ الرحمة

وباب أبواب نجاة الاُمّة

بل بابها باب العليّ الأعلى

فثم وجه الله قد تجلّى

ما اكتسبوا بالنار غير العار

ومن ورائه عذاب النار

ما أجهل القوم فإنّ النار لا

تطفئ نور الله جلّ وعلا

لكنّ كسر الضلع ليس ينجبر

إلا بصمصام عزيز مقتدر

إذ رضّ تلك الأضلع الزكيّة

رزيّة لا مثلها رزيّة

ومن نبوع الدم من ثدييها

يعرف عظم ما جرى عليها

وجاوزوا الحدّ بلطم الخدّ

شلّت يد الطغيان والتعدّي

فاحمرّت العين وعين المعرفة

تذرف بالدمع على تلك الصفة

ولا تزيل حمرة العين سوى

بيض السيوف يوم ينشر اللوى

وللسياط رنّة صداها

في مسمع الدهر فما أشجاها

والأثر الباقي كمثل الدملج

في عضد الزهراء أقوى الحجج

ومن سواد متنها اسودّ الفضا

يا ساعد الله الإمام المرتضى

١٢٧

ووكز نعل السيف في جنبيها

أتى بكلّ ما أتى عليها

ولستَ أدري خبر المسمار

سل صدرها خزانة الأسرار

وفي جنين المجد ما يدمي الحشى

وهل لهم اخفاء أمر قد فشى

والباب والجدار والدماء

شهود صدق ما به خفاء

لقد جنى الجاني على جنينها

فاندكّت الجبال من حنينها

أهكذا يصنع بابنة النبيّ

حرصاً على الملك فيا للعجب

أتمنع المكروبة المفروحة

عن البكاء خوفاً من الفضيحة

تالله ينبغي لها تبكي دما

ما دامت الأرض ودارت السما

لفقد عزّها أبيها السامي

لاهتضامها وذل الحامي

أتستباح نحلة الصدّيقة

وارثها من أشرف الخليقة

كيف يردّ قولها بالزور

اذ هو ردّ آية التطهير

أيؤخذ الدين من الأعرابي

وينبذ المنصوص في الكتاب

فاستلبوا ما ملكت يداها

وارتكبوا الخزية منتهاها

يا ويلهم قد سألوها البيّنة

على خلاف السنّة المبيّنة

وردّهم شهادة الشهود

أكبر شاهد على المقصود

ولم يكن سدّ الثغور غرضا

بل سدّ بابها وباب المرتضى

صدّوا عن الحقّ وسدّوا بابه

كأنّهم قد آمنوا عذابه

أبضعة الطهر العظيم قدرها

تدفن ليلاً ويعفى قبرها

ما دفنت ليلاً بستر وخفا

إلا لوجدها على أهل الجفا

ما سمع السامع فيما سمعا

مجهولة بالقدر والقبر معا

يا ويلهم من غضب الجبّار

بظلمهم ريحانة المختار

إذن بعد معرفة بعض مقامات الزهراء عليها‌السلام وظلاماتها ، يأتي بيان قضية أصل يوم العذاب ، فالذي يرد على ذهن القاري قبل كل شيء كيف كان هذا التعبير من الإمام الصادق عليه‌السلام بأن ظلاماتهم عليهم‌السلام هي الأصل ليوم العذاب في الآخرة ؟ ولقد قلنا سابقاً ان الإمام عليه‌السلام باعتباره يمثل الإمتداد الطبيعي لخلافة الرسول الأكرم فهو إذن لا يتكلم

١٢٨

دون وجود مقدمات أولية يقينية عنده بحيث على ضوء هذه المقدمات يحكم بهذا الحكم العقائدي المهم.

أما ما ورد من القرآن الكريم وبيان كيف أن ظلمهم صار الأصل ليوم العذاب فهو على ما جاء في قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (١) حيث أثبتت هذه الآية المباركة ان كل من تسول نفسه في أذية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أذية أولياء الله تعالى ( حيث قالت الآية يؤذون الله أي أن الله تعالى لا تصل إليه الأذية وإنما تكون الأذية لأولياءه فيتأذى لهم ) سوف تكون له اللعنة في الدنيا وهي الطرد من رحمة الله تعالى وفي الآخرة إعداد العذاب الإلهي له وأذية رسول الله لها عدة صور فتارة تكون عبر سبه أجارنا الله تعالى وتارة أخرى عن طريق أذية ذريته وخاصة الصديقة الشهيدة فاطمة عليها‌السلام ، حيث ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من آذى فاطمة فقد آذاني ومن ظلمها فقد ظلمني ... الخ الأحاديث الواردة في أذى الزهراء وغضبها ، فلا شك عندئذ يكون كل من ظلمها وآذاها فقد آذى الله تعالى وآذى رسوله تكون النتيجة في ذلك اللعنة على ذلك الظلم والعذاب الأليم والمهين يوم القيامة ، وهذا معناه أنه كل من ظلمهم فهو في النار وتكون عندئذ ظلاماتهم الأصل ليوم العذاب في الآخرة.

وأما ما ورد من السنة الشريفة فلقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك ».

وهذا يعني أن غضب الله تعالى له عدة صور فمرة يكون غضبة تعالى على انسان معين في الدنيا فيظهر نقمته عليه ، ومرة أخرى في الآخرة وهو ما يعبر عنه بيوم العذاب في جهنم ، وعليه كل من غضبت عليه الزهراء عليها‌السلام فهو خالد في النار لا محالة بدليل الحديث فعليه تكون ظلامة الزهراء عليها‌السلام وأذيتها هو نوع من الأعمال التي تؤدي إلى غضبها وبالنتيجة سوف يكون الظالمين لها في النار فتكون عندئذ ظلامتها الأصل ليوم العذاب ، أما لماذا أن رضاها هو رضا الله تعالى وغضبها هو غضب الله تعالى

__________________

(١) الأحزاب : ٥٧.

١٢٩

وكيف أصبحت بهذا المقام ما تجده عزيزي القارئ في البحث الذي يثبت كيفية أن الزهراء مرتبطة بأصول الدين وخاصة بالعدل فراجع بحثنا فيه.

ومن هنا انقدح في المقام السؤال المهم الذي يقول : ماذا تقولون في الأمم السابقة الذين كانوا قبل فترة رسول الله فانه لا شك أن لهم إما الجنة أو النار فكيف صارت ظلامات الزهراء عليها‌السلام وأهل بيتها هم الأصل ليوم العذاب ونحن نعلم أن الأمم السابقة لم تكن موجودة في زمن الرسول وما بعده ؟

الجواب : وبيان ذلك يمكن أن يستفاد من الذي استنبطه بعض محققي علمائنا من حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام ولننقل ملخص كلامه مع الحديث المذكور قال رحمه‌الله (١) : إن أحكام الله تعالى إنما تجري على الحقائق الكلية والمقامات النوعية فحيث ما خوطب قوم بخطاب ونسب اليهم فعلٌ دخل في ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء واُولي الألباب كل من كان من سنخ اُولئك القوم وطينتهم ، فصفوة الله حيث ما خوطبوا بمكرمة أو نسبوا إلى أنفسهم مكرمة يشمل ذلك كل من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والأولياء وكل من كان من المقربين إلا بمكرمة خصوا بها دون غيرهم وكذلك إذا خوطبت شيعتهم ومحبوهم بخير أو نسب اليهم خير أو خوطب أعداؤهم ومخالفوهم بسوء أو نسب اليهم سوء يدخل في الأول كل من كان من سنخ شيعتهم وطينة محبيهم وفي الثاني كل من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأولين والآخرين وذلك لأن كل من أحبه الله ورسوله أحبه كل مؤمن من ابتداء الخلق إلى انتهائه وكل من أبغضه الله ورسوله أبغضه كل مؤمن كذلك وهو يبغض كل من أحبه الله ورسوله فكل مؤمن في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من شيعتهم ومحبيهم وكل جاحد في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من مخالفيهم ومبغضيهم ، قال رحمه‌الله وقد وردت الإشارة إلى ذلك في كلام الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث المفضل بن عمرو وهو الذي رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن المفضل ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بما صار علي بن أبي طالب صلوات الله عليه

__________________

(١) البرهان : ١ / ٨.

١٣٠

قسيم الجنة والنار ؟ قال : لأن حبّه إيمان وبغضه كفر وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل الكفر فهو عليه‌السلام قسيم الجنة والنار لهذه العلة ، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه.

قال المفضل : قلت يا بن رسول الله فالأنبياء والأوصياء هل كانوا يحبونه وأعدائهم يبغضونه ؟

فقال : نعم.

قلت : فكيف ذلك ؟ قال : أما علمت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم خيبر لأُعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يده ؟ قلت : بلى قال : أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أتى بالطائر المشوي قال : اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معي هذ الطير وعنى به علياً ؟ قلت : بلى قال : أيجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصيائهم من يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ؟ فقلت : لا. قال : فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لا يحبون حبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه ؟ قلت : لا. قال : فقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب محبين وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبته مبغضين قلت : نعم ، قال : فلا يدخل الجنة إلا ما أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار ، قال المفضل : فقلت له : يا بن رسول الله فعلي بن أبي طالب يُدخل محبه الجنة ومبغضه النار أو رضوان ومالك ؟ فقال : يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسوله وهو روح إلى الأنبياء عليهم‌السلام وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام ؟

قلت : بلى قال : أما علمت أنه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته واتباع أمره ووعدهم الجنة على ذلك وأوعد من خالف ما أجاب إليه وأنكره النار ؟

قال : بلى. قال : فليس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل ؟ قلت : بلى قال : أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام منه ؟ قلت : بلى قال : أوليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته ؟ قلت : بلى.

قال : فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنة والنار عن رسول الله ورضوان ومالك

١٣١

صادران عن أمره بأمر الله تعالى. يا مفضل خذها فإنه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلا إلى أهله.

فعليه كل الذي يجري في حق أمير المؤمنين يجري في الزهراء عليها‌السلام لأنهما كل واحد كفو للآخر وأضف إلى ذلك أن هناك الكثير من الروايات تفيد هذا المضمون ، وأيضاً موجود في الآثار الشريفة أنه لو اجتمع الناس على ولاية علي عليه‌السلام ـ أو حبه ـ لما خلق الله النار ، فيكون مضمون هذا الحديث إضافة إلى أحاديث أخرى بهذا المضمون أن أصل يوم العذاب مثلما هو ثابت في ظلامات فاطمة عليها‌السلام كذلك هو ثابت في حق غصب الخلافة من أمير المؤمنين ، والذي نريد القول به من خلال هكذا مبحث أنه الناس منقسمون في قضية الصديقة الشهيدة إلى قسمين إما اشتراكهم في نصرتها وإما اشتراكهم في ظلمها ، فمن نصرها فهو من الفائزون برضا الله تعالى لأن نصرتها هو رضاً لها ورضاها رضا الله تبارك وتعالى ، وإما من لم ينصرها فهو مع الظالمين ومشترك في ظلمهم للصديقة الشهيدة ويكون بالنتيجة خالد في النار.

فكانت ظلاماتها ( سلام الله عليها ) هي الأصل والأساس الذي جعله الله تعالى في يوم القيامة لورود الظالمين إلى نار جهنم ، وكما بينا ذلك من خلال الحديث المتقدم ، وكذلك غصب خلافة أمير المؤمنين أيضاً هي الأصل ليوم العذاب لأنه كما ورد أنه لو اجتمع الناس على ولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما خلق الله النار ، ولكن بما أنه لم يجتمع الناس على ولاية أمير المؤمنين فالنار موجودة ولها وقود من الناس والحجارة اُعدت للظالمين ومن ولاهم ونصرهم.

١٣٢

١٣٣

١٣٤

محمد حسن سميسم (١)

مَنْ مبلغٌ عني الزمانَ عتابا

ومقرّع مني لهُ أعتابا

دهرٌ تعامىٰ عن هداهُ كأنما

أصحابُ أحمدَ أشركوا مذْ غابا

نكصوا علىٰ الأعقابِ بعدَ مماتهِ

سيرونَ في هذا النكوصِ عقابا

سل عنهُم القرآنَ يشهدُ فيهمُ

إنْ كنتَ لم تفقهْ لذاك جوابا

فكأنهم لم يشهدوا خمّاً ولا

بدراً ولا أحداً ولا الأحزابا

وبخيبرٍ مَنْ راحَ يرقلُ باللوا

مَنْ قدَّ مرحبَ مَنْ أزالَ البابا

ومن اشترىٰ إلاهُ نفسَ محمدٍ

في نفسهِ لما دُعي فأجابا

مَنْ في الصلاةِ يرىٰ الصلاة فريضةً

من نالَ خاتمُه الشريفُ جوابا

من بابُ حطة غيرُ حيدرةٍ ومَنْ

لمدينةِ المختارِ كانَ البابا

أعجبتَ ممنْ أخّروا مقدامهمْ

بعدَ النبيِّ وقدموا الأذنابا

قدْ أضمروها للوصي ضغائناً

مذْ دحرجوها للنَّبي دبابا

لينفّروا العضباءَ عن قطبِ الهدىٰ

حتىٰ يعود الدينَ بعدُ يبابا

نسبوا لهُ هجراً لحذفِ كتابِهِ

فكأنهم لا يسمهونَ كتابا

ما كانَ ينطقُ عن هواهُ وإنما

وحيُ تلقاهُ النبيُّ خطابا

يا بابَ فاطمَ لاطرقَتَ بخيفةٍ

ويدُ الهدىٰ سدلتْ عليكَ حجابا

أو هي عليكَ أما علمتَ بفاطمٍ

وقفت وراكَ تناشُد الأصحابا

لهفي عليكَ أما استطعتَ تصدُّهم

لما أتاكَ بنو الضلالِ غضابا

أو مارققتَ لضلعِها لما انحنىٰ

كسراً ومنهُ تزجرُ الخطابا

أفهل درىٰ المسمارُ حين أصابها

من قبلها قلبَ النبيِّ أصابا

عتبي علىٰ الأعقابِ أُسقطَ محسنٌ

فيها وما انهالتْ لذاكَ ترابا

__________________

(١) زعيم أسرة آل سميسم من أصحاب الفضل والأدب والسخاء وله ديوان شعر مخطوط أكثره في أهل البيت. ولد شاعرنا سنة ١٢٧٩ ه‍ و توفي ١٣٤٣ ه‍.

١٣٥
١٣٦

البحث الخامس

فاطمة الزهراء عليها‌السلام وعلاقتها بأصول الدين

تمر الكثير من الأفكار والنظريات علىٰ ذهن الإنسان ومنها ما يجد طريقاً واضحاً الىٰ فكر الإنسان وعقله فتكون عندئذ عقائد ثابتة وراسخة وعلىٰ ضوء ما تمليه عليه الاستدلالات العقلية والبراهين المنطقية ، ومن هنا كانت العقيدة لها معنىٰ في حياة الإنسان فهي مشتقة من المصدر عقد الذي يعني الاحكام والشد والربط لفكرة معينة في ذهن الإنسان وفكره بعد عرضها عليه والاستدلال عليها الاستدلال الصحيح المطابق للبراهين السليمة ، فالعقيدة اذن عبارة عن ذلك الشيء الذي يتصل بذهن الإنسان وروحه وفكره ، فهو يعني التقبل أي تقبل ، أي نظرية للأنسان وربطها بذهنه واحكام صلتها بروحه وفكره وعليه يكون عندئذ معنىٰ العقيدة.

وعليه لابد لكل انسان مؤمن من عقائد علىٰ المستوىٰ النظري ومن ثم يأتي المستوىٰ التطبيقي لهذه العقائد وهو ما يتم بالتصديقات علىٰ المستوىٰ الخارجي لهذه العقائد ، فالعقائد تحدد شكل الإنسان وشاكلته « قل كل يعمل علىٰ شاكلته » وتشكل هيئته الباطنية وحقيقته الواقعية وهذه العقائد هي التي تحفزه علىٰ العمل الصالح وتحدد إتجاهه في الحياة وعلى ضوء ذلك يأتي العمل الصالح الذي يبرهن علىٰ الإيمان الذي يعتقده الفرد المؤمن. وعلىٰ هذا الاساس إذا كانت العقيدة صائبة ومطابقة للواقع كانت عندئذ طريقة الإنسان المؤمن في الحياة طريقة صحيحة وصائبة وعلىٰ ضوء تلك العقيدة التي يؤمن بها والتي كانت صائبة ومطابقة للواقع ، اما اذا كانت عقيدته فاسدة باطلة فان ذلك سوف ينعكس علىٰ طبيعة سيرته وطريقة حياته في الواقع الخارجي سوف يؤدي ذلك الىٰ الضياع والابتعاد عن الطريق الصحيح الذي خطه الشرع المبين ، ومن هذا المنطلق كان اهتمام الاسلام بتصحيح العقيدة قبل أي شيء آخر ، أي تصحيح عقيدة كل انسان مسلم ، مؤمن بالله تعالىٰ. والسؤال الذي ينقدح في المقام اذا

١٣٧

كان الاسلام يهتم اهتماماً كبيراً بتصحيح العقيدة فهذا يعني ان هناك موانع تمنع من تصحيح العقيدة وتقف حاجز في طريق استقرارها في النفس الانسانية فعليه فلابد لنا قبل ذكر الامور التي تصحح العقيدة من ذكر موانع تصحيح هذه العقيدة فما هي هذه الموانع ؟

موانع تصحيح العقيدة

ان في عقيدة كل انسان مؤمن يريد الاجابة علىٰ سؤال ما يخطر بذهنه ان يرجع الىٰ القرآن الكريم أولاً باعتبارة المصدر الأول للمسلمين ، ومن بعد ذلك يرجع الىٰ السنة الشريفة للرسول وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، ولذا لنستنطق القرآن ونستخبره عن الآيات التي أثبتت موانع تصحيح العقيدة الاسلامية فنجد منه أولا هذه الآية المباركة التي أخبرت عن الموانع التي تقف في طريق تثبيت هذه العقيدة حيث قالت الآية المباركة ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ ) (١). أي هناك عاملين ينشأ عنهما خطأ الإنسان في آرائه وعقائده :

أحدهما : اتباع الظن.

والآخر : اتباع الهوىٰ.

كما ان هناك أموراً أخرىٰ وردت في الروايات الشريفة باعتبار مواضع زلل الفكر ، كالتعصب والتقليد والاستبداد واللجاجة إلا ان هذه الامور تعود كلها الىٰ الاهواء النفسية أي : أنَّ كل ما جاء في الروايات الشريفة بهذا الشأن هو في الحقيقة تفسير وبيان للآية الكريمة الانفة الذكر. فنظراً الىٰ هذه المقدمة ، نستعرض موانع تصحيح العقيدة على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة ، وهذه الموانع كما سبقت الاشارة اليها هي :

١ ـ الظن.

٢ ـ الاهواء النفسية.

٣ ـ التعصب.

٤ ـ التقليد.

٥ ـ الاستبداد.

٦ ـ اللجاجة.

__________________

(١) سورة النجم : ٢٣.

١٣٨

اما الظن فهو من أخطر العوامل التي تؤدي بأفكار الغالبية في العالم الىٰ مهاوي العقائد الباطلة الفاسدة ، وأول ما يوصي به القرآن الكريم لتصحيح العقيدة هو تجنب الاعتماد علىٰ هذا المنزلق ، ويؤكد علىٰ اتباعه بعدم بناء عقائدهم وآرائهم علىٰ دعائم الظن والشك والتسليم بشيء دونما التأكد من صحته وثبوته فيقول سبحانه عز وجل في صريح كلامه : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١). ففي نظر القرآن الكريم أنه لا يحق لمسلم أن يقضي شيئاً أو يجعله مداراً لعلمه ما لم يثبت له انه قطعي وثابت. فلو أمعنا النظر في العقائد والآراء المتناقضة بين الناس في المجتمعات المختلفة وطرحناها على سياق البحث والتحليل الجذري لانتهينا بلا عناء الىٰ أن أغلب هذه العقائد فاقدة للاسس العلمية جذرياً وإنها لا تستند إلاّ الىٰ الظن أو الىٰ الشك وأن أهل الدنيا كانوا وما زالوا يقتفون أثر الظن في المسائل العقائدية وخاصة في أصولها ولهذا نرىٰ القرآن يعلن بصراحة بان من اتبع الاكثرية فقد ضل ومن ذلك قوله تعالى : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢).

وهكذا في بقية الموانع الاخرىٰ لتصحيح العقيدة الاسلامية وفي قبال ذلك ينقدح لنا كيفية الوصول الىٰ شرائط تصحيح العقيدة الاسلامية كالتأني والتجربة والتمركز وتبادل النظر وكل الامور التي لها دخل في الحصول علىٰ الاستدلالات الصحيحة للحصول علىٰ العقيدة الاسلامية الصحيحة وعلىٰ ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة ، فمن هنا كان لابد لنا ان ندخل في معرفة عقيدتنا في فاطمة الزهراء ومدىٰ ارتباط حياتها بكل ما تملكه الكلمة من معنىٰ في أصول ديننا وعقائدنا والسؤال الذي يطرح في المقام وعلىٰ ضوء الاستدلالات هل ان فاطمة عليها‌السلام وظلاماتها وحياتها الشخصية والغيبية له ارتباط بأصول الدين ، وبحيث هذا الارتباط يكون ناشئ من وعي وفهم للعقائد التي أمرنا الله تعالىٰ بالإيمان بها ام لا ؟

وعلىٰ هذا الاساس كان لابد لنا من الوقوف مع الزهراء عليها‌السلام ونرىٰ مدىٰ ارتباطها بأصول الدين ، وهل هناك ارتباط لها بالتوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد ، أم

__________________

(١) الاسراء : ٣٦.

(٢) الانعام : ١٦.

١٣٩

يتجاوز الأمر الىٰ أبعد من ذلك ؟ أم لا يوجد ارتباط ؟ وما الثمرة في ذلك والفائدة من هذا البحث ؟ كل هذه الأسئلة سوف نحاول الاجابة عليها خلال هذا البحث الذي له من الاهمية العظمىٰ في حياة الفرد المؤمن الموالي لأهل بيت العصمة عليهم‌السلام.

فاطمة عليها‌السلام

وعلاقتها بالتوحيد

توجد عدة أدلة وشواهد تدل بالدلالة المطابقية أو الالتزامية علىٰ أن فاطمة الزهراء عليها‌السلام لها ارتباط وثيق بتوحيد الله ، وعلىٰ ضوء هذه الادلة والشواهد التي سنقدمها بين يدي القارئ العزيز يتبين لنا أن لمعرفة فاطمة عليها‌السلام دور كبير في عقيدة الفرد المؤمن ، وأما اثبات هذا الارتباط وكيفية ثبوته بصميم التوحيد فهذا ما يتوقف معرفته وثبوته علىٰ مقدمات نرىٰ من الضرورة فيما نحن فيه التذكير بها والتمعن في مدلولاتها لكي نصل وعلىٰ ضوءها ـ أي المقدمات ـ الىٰ اثبات هذا الأمر. أما نوعية هذه الادلة والشواهد فتارة تكون عبارة عن نص ورد في حديث أو ورد في زيارة لأئمة أهل البيت أو من خلال فقرة معينة من الاحاديث التي تروي لنا ، ادعيتهم عليهم‌السلام ، وعلىٰ هذا الحال تكون هذه الادلة مبثوثة وموزعة علىٰ كتب الادعية والزيارات والأحاديث الشريفة لأهل البيت العصمة عليهم‌السلام.

وعلىٰ هذا الأساس نجد أول الادلة التي نستطيع اثبات ارتباط فاطمة عليها‌السلام بصميم التوحيد ما ورد في زيارة ائمة أهل البيت عليهم‌السلام بالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة والمروي سند معتبر عن الإمام علي الهادي عليه‌السلام حيث تطالعنا هذه الزيارة بالفقرة التالية « من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحّده قبل عنكم » ومحل الشاهد الاستدلال من هذه الفقرة هو قوله عليه‌السلام من وحَّده قبل عنكم حيث ورد في تفسير هذه الفقرة أنه من لم يوحد الله لم يقبل عنكم أو بالعكس من لم يقبل عنكم لم يوحد الله تعالىٰ فهو علىٰ ذلك يكون من المشركين لأن معرفة الله تعالىٰ حق المعرفة مشروط وعلىٰ ما ورد

١٤٠