الأسرار الفاطميّة

الشيخ محمد فاضل المسعودي

الأسرار الفاطميّة

المؤلف:

الشيخ محمد فاضل المسعودي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6401-17-1
الصفحات: ٥٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

البعيد الذي رسمه الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات ، ومدى فاعليتها في بناء المجتمع الإسلامي. وعلى هذا الأساس تقاس سائر جوانب شخصية الزهراء عليها‌السلام (١).

٣ ـ قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي : اعلم ـ أيّدك الله بروح منه ـ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف ، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنف لهم برسول الله زيادةً على اتصالهم به بواسطة فاطمة عليها‌السلام. فبواسطتها زادهم الله تعالى فضل شرف وشرف فَضْل ، ونيل قدر وقدر نيل ، ومحلَّ علوّ وعلوَّ محلٍّ ، وأصل تطهير وتطهير أصل ... فانظر بنُور بصيرتك ـ أمدَّك الله بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية (٢) وترتيب مراتب عباراتها وكيفيَّة إشارتها إلى علوّ مقام فاطمة عليها‌السلام في منازل الشرف وسمو درجتها ، وقد بيّن ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها ، فإن الله عزّ وجل جعلها مُكتَنفةً من بين يديها ومن خلفها ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها. وحيث كان المراد من قوله « وأنفسَنا » نفس عليًّ مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعلها بينهما إذا الحراسة بالأحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبْناء في دلالتها (٣).

٤ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني : ومن ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة البتول ، البضعة الشبيهَة بالرسول ، وأوَّلهم بعد وفاته به لحوقاً ، كانت عن الدنيا ومُتعتها عازفةً ، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة (٤).

٥ ـ قال عبد الحميد ابن أبي الحديد : وأكرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتى خرج بها عن حدّ حبِّ الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : « انها سيدة نساء العالمين ، وإنها عديلة مريم بنت عمران ، وإنها إذا مرّت في الموقف نادى مناد من جهة العرش : يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم

__________________

(١) الزهراء : ١٢ ـ ١٣.

(٢) يعني قوله تعالى : قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ : ( آل عمران : ٦١ ).

(٣) مطالب السؤول : ٦ و ٧.

(٤) حلية الأولياء : ٢ / ٤٩.

١٠١

لتعبر فاطمة بنت محمد ». وهذا من الأحاديث الصحيحة ، وليس من الأخبار المستضعفة. وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة ؛ وكم قال لا مرّة : « يؤذيني ما يؤذيها ، ويغضبني ما يغضبها ، وإنها بضعة مني ، يريبني ما رابها »(١).

٦ ـ قال الاُستاذ توفيق أبو علم : كانت ـ رضي الله عنها ـ كريمة الخليفة ، شريفة الملكة ، نبيلة النفس ، جليلة الحس ، سريعة الفهم ، مرهفة الذهن ، جزلة المروءَة ، غرّاء المكارم ، فيّاحة نفّاحة ، جرئية الصدر ، رابطة الجأش ، حميَّة الأنف ، نائية عن مذاهب العجب ... وكانت في الذروة العالية من العفاف والتصادق ، طاهرة الذيل ، عفيفة المئزر ، عفيفة الطرف ... إنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء فمن تراه ... واكتفائها بشرفها كأنّها في عزلة بين أبناء آدم وحوّاء (٢).

٧ ـ قال الاُستاذ عباس محمود العقاد المصري : في كل دين صورةُ الاُنوثية الكاملة المُقدّسة يتخشَّع بتقديسها المؤمنون ، كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر واُنثى ؛ فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم العذراء ، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورةُ فاطمة البتول (٣).

٨ ـ قال الدكتور علي إبراهيم حسن : وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ ، نلمس فيها ألوان العظمة ، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة ، استمدّت كلٌّ عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر. وهي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتّصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش ، وتَتحدَّى الرجال ، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال ، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء ، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجأت ، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء ، وانما من صميم النفس ... (٤).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ١٩٣.

(٢) أهل البيت : ١٣٢ ، ١٣٣.

(٣) أهل البيت لتوفيق أبو علم : ١٢٨.

(٤) فاطمة الزهراء عليها‌السلام للعلامة دخيل : ١٧١.

١٠٢

٩ ـ قال العلامة الإربلي : فلنبدأ الآن بذكر فاطمة عليها‌السلام التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها ، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها ، واعتلى على الأنساب بعلوّ منارها ، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها ، فهي مشكاة النبوة التي أضاء لالاؤها ، وتشعشع ضياؤها ، وسحت بسحب الغرِّ أنواؤها ، وعقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء ، ومناصب آل وآلاء ، ومناسب سناً وسناء ، الكريمة الكريمة الأنساب ، الشريفة الشريفة الأحساب ، الطاهرة الطاهرة الميلاد ، الزهراء الزهراء الأولاد ، السيدة باجماع أهل السداد ، الخيرة من الخير : ثالثة الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، اُم الأئمة الغرر ، الصافية من الشوب والكدر ، الصفوة على رغم من ججد أو كفر ، الحالية بجواهر الجلال ، الحالّة في أعلى رتب الكمال ، المختارة على النساء والرجال ، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها السادة الأنجاب ، وارثي النبوة والكتاب ، وسلَّم وشرَّف وكرَّم وعظَّم (١).

١٠ ـ وقال أيضاً : إن فاطمة عليها‌السلام هي سليلة النبوة ورضيعة دَرِّ الكرم والاُبوّة ، ودرَّة صدف الفخار ، وغرّة شمس النهار ، وذُبالة (٢) مشكاة الأنوار ، وصفوة الشرف والجود ، وواسطة قلادة الوجود ، نقطة دائرة المفاخر ، قمر هالة المآثر ، الزهرة الزهراء ، والغُرَّة الغرّاء ، العالية المحل ، الحالّة في رتبة آل عُلاء السامية ، المكانة المكينة في عالم السماء ، المضيئة النور ، المنيرة الضياء ، المستغنية باسمها عن حدِّها ووَسمها ، قُرّة عين أبيها ، وقرار قلب اُمِّها ، الحالية بجواهر عُلاها ، العاطلة من زخرف دنياها ، أمة الله وسيدة النساء ، جمال الآباء وشرف الأبناء ، يفخر آدم بمكانها ، ويبوح نوح بشدّة شأنها ، ويسموا إبراهيم بكونها من نسله ، وينجحُ إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله ، وكانت ريحانة محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بين أهله ، فما يجاريها في مَفْخر إلا مغلَّب (٣) ، ولا يباريها في مجد إلا مؤنَّب (٤) ، ولا يجحد حقَّها إلا مأفون (٥) ، ولا يصرف عنها وجه

__________________

(١) كشف الغمة : ١ / ٤٨٤.

(٢) الذُّبالة : الفتيلة.

(٣) علّبه : أثّر فيه وخدشه.

(٤) التأنيب : المبالغة في التوبيخ.

(٥) المأفون : الضعيف الرأي.

١٠٣

إخلاصه إلا مغبون (١).

١١ ـ قال العلامة الخبير ابن شهر آشوب (ره) : وقلنا الصدّيقة بالأقوال ، والمباركة بالأحوال ، والطاهرة بالأفعال ، الزكية بالعدالة ، والرضية بالمقالة ، والمرضية بالدلالة ، المحدَّثة بالشفقة ، والحرّة بالنفقة ، والسيِّدة بالصدقة ، الحصان بالمكان ، والبتول في الزمان ، والزهراء بالإحسان ، مريم الكبرى في الستر ، وفاطِمُ بالسرِّ. وفاطمة بالبرّ ، النوريَّة بالشهادة ، والسماوية بالعبادة ، والحانية بالزهادة ، والعذراء بالولادة ، الزاهدة الصفيّة ، العابدة الرضيَّة ، الراضية المرضيّة ، المتهجّدة الشريفة ، القانتة العفيفة ، سيدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، المحتجبة عن خزّان الجنان ، وصفيَّة الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين ، وواسطة العِقد بين سيِّدات نساء العالمين ، والمتظلِّمة بين يدي العرش يوم الدين ، ثمرة النبوّة ، واُم الأئمة وزهْرة فؤاد شفيع الاُمة ، الزهراء المحترمة ، والغرّاء المحتشمة ، المكرّمة تحت القبّة الخضراء ، والإنسيّة الحوراء ، والبتول العذراء ، ستّلاً النساء (٢) ، وارثة سيد الأنبياء ، وقرينة سيد الأوصياء ، فاطمة الزهراء ، الصدّيقة الكبرى ، راحة روح المصطفى ، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى ، وصاحبة شجرة طوبى ، ومن أُنزلِ في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى ، ابنة النبي ، وصاحبة الوصي ، واُم السبطين ، وجدَّة الأئمة ، وسيدة نساء الدنيا والآخرة ، زوجة المرتضى ، ووالدة المجتبى ، وابنة المصطفى ، السيدة المفقودة ، الكريمة المظلومة الشهيدة ، السيدة الرشيدة ، شقيقة مريم ، وابنة محمد الأكرم ، المفطومة من كل شرّ ، المعلومة بكل خير ، المنعوتة في الإنجيل ، الموصوفة بالبرّ والتبجيل ، درَّة صاحب الوحي والتنزيل ، جدُّها الخليل ، ومادحها الجليل ، وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل (٣).

١٢ ـ قال المحقق الشهير الحاج مُلاّ محمد باقر صاحب الخصائص الفاطمية : سبحانك اللهم فاطر السموات العلى ، وفالق الحب والنَّوى ، أنت الذي فطرت اسماً من

__________________

(١) المصدر : ٤٥٤.

(٢) أي سيّدتهنّ.

(٣) المناقب : ٣ / ٣٥٧ ، ٣٥٨.

١٠٤

اسمك ، واشتققته من نورك ، فوهبت اسمك بنورك حتى يكون هو المظهر لظورك ، فجعلت ذلك الاسم جرثومة لجملة أسمائك ، وذلك النور اُرومة (١) لسيِّدة إمائك ، وناديت في الملأ الأعلى : أنا الفاطِرُ وهي فاطمة ، وبنورها ظهرت الأشياء من الفاتحة إلى الخاتمة. فاسْمُها اسْمك ، ونورها نورك ، وظهورها ظهورك ، ولا إله غيرك ، وكل كمالٍ ظلّك ، وكل وجودٍ ظلّ وجودك ، فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية ، واختصصتها بالخصائص الفاطمية ، مَفْطومةً عن الرعونات (٢) العُنصريَّة ، ونزَّهتها عن جميع النقائص ، مجموعةً من الخصائل المرضيَّة بحيث عجزت العقول عن إدراكها ، والناس فطموا عن كُنْه معرفتها ، فدعا الأملاك في الأفلا ك بالنوريَّة السماوية ، وبفاطمة المنصورة ... اُم السبطين وأكبرُ حجج الله على الخافقين ، ريحانه سدرة المنتهى ، وكلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، وستر الله المرخى ، والسعيدة العُظمى ، والمريم الكبرى ، والصلواة الوسطى ، والإنسيَّة الحوراء التيم بمعرفتها دارت القرون الاُولى.

وكيف اُحصي ثناها وإنَّ فضائلها لا تُحصى ، وفواضلها لا تقضى ؟! البتولُ العَذْراء ، والحُرّة البيضاء ، اُم أبيها ، وسيدة شيعتها وبنيها ، ملكة الأنبياء ، الصدِّيقة فاطمةُ الزهراء ، نعم ما قال :

خجلاً من نور بهجتها تتوارى الشمس في الاُفق

وحياءً من شمائلها يغطَّى الغصن في الورق (٣)

١٣ ـ قال المحقق البارع السيد كاظم القزويني : فاطمة ، وما أدراك من فاطمة ! شخصية إنسان تحمَّل طابع الاُنوثة لتكون آية على قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب ، فإن الله تعالى خلق محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكون آية قُدْرته في الأنبياء ، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون علامةً وآيةً على قُدْرة الله في إيداع مخلوق اُنثى تكون كُتلة من الفضائل ، ومجموعةً من المواهب فلقد أعطى الله تعالى فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة ، وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأيَّة اُنثى أن تبلغ تلك

__________________

(١) الاُرومة : أصل الشجرة.

(٢) الرُّعونة : الاسترخاء ، الحمق ، والمراد هنا الأول.

(٣) الخصائص الفاطمية : ١.

١٠٥

المنزلة ، فهي من فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض ، ونزلت في حقّهم آياتٌ محكمات في الذكر الحكيم تتلى آناء الليل وأطراف النهار منذ نزولها إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم القيامة. شخصية كلما ازداد البشر نضجاً وفهماً للحقائق واطّلاعاً على الأسرار ظهرت عَظمة تلك الشخصية بصورة أوسع ، وتجلت مَعانيها ومزاياها بصورٍ أوضح. إنّها فاطمة الزهراء ، الله يثني عليها , ويرضى لرضاها ، ويغضب لغضبها ، ورسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينوَّه بعظمتها وجلالة قدرها ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ينظر إليها بنظر الإكبار والإعظام ، وأئمة أهل البيت عليه‌السلام ينظرون إليها بنظر التقديس والإحترام (١).

ت ـ مقامها عليها‌السلام يوم القيامة

إن أفضل مقام تعطى فاطمة عليها‌السلام يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبرى والذي من خلال هذه المنزلة يظهر قدر ومقام فاطمة عند الله تعالى يوم القيامة وأمام الخلائق جميعاً ، فلقد ورد في تفسير فرات ... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله عز وجل : يا بنت حبيبي ، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟

فتقول : يا رب ! أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم ، فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : ـ والله ـ يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء ، فاذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل :

يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟

فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ؛ فيقول الله : يا أحبائي

__________________

(١) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد : ١٣ و ١٤.

١٠٦

ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة ، انظروا من ردَّ عنكم غيبة في حب فاطمة ، خذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : ـ والله ـ لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق ، فإذا صاروا بين الطبقات ، نادوا كما قال الله تعالى : ( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) فيقولون : ( فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ).

قال أبو جعفر عليه‌السلام : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ).

١٠٧

الأمر الثاني

ظلامات فاطمة الزهراء عليها‌السلام

نبذوا العهد والكتاب وما جا

ءَ به في الوصيّ خلف الظهور

عدلوا عن أبي الهداة الميامي‍

نِ إلى بيعة الأثيم الكفور

قدموا الرجس بالولاية للأمر

على أهل آية التطهير

لستَ تدري لم أحرقوا الباب بالنا

رِ أرادوا إطفاء ذاك النور

لستَ تدري ما صدر فاطم ما المس‍

‍مار ما حال ضلعها المكسور

ما سقوط الجنين ما حمره العين

وما بال قرطها المنثور

دخلوا الدار وهي حسرى بمرأى

من عليّ ذاك الأبي الغيور

واستداروا بغياً على أسد الله

فأضحى يقاد قود البعير

ينظر الناس ما بهم من معين

وينادي وماله من نصير

والبتول الزهراء في إثرهم تع‍

‍ثر في ذيل بردها المجرور

بأنينٍ يوهيم الصفا بشجاه

وحنين يذيب صمّ الصخور

ودعتهم : خلّوا ابن عمي عليّاً

أو لأشكو إلى السميع البصير

ما رعوها بل روعوها ومرّوا

بعلي ملبّباً كالأسير

بعض هذا يريك ممّن تولّى

بارز الكفر ليس بالمستور

١٠٨

تمهيد :

جاء الدين الإسلامي الحنيف ليمثل عصارة الأديان السماوية المتعددة وخلال الفترات المتعاقبة حيث قدم النظام الأشمل والأكمل للحياة وعلى كافة المستويات سواء الإجتماعية أو الإقتصادية أو السياسية وهذا ما نراه واضحاً جلياً في أدنى تأمل للنظرية الإسلامية المتمثلة في طرفي العقيدة والشريعة ، وكان من جملة ما أكدت عليه الرسالة السماوية المتمثلة في بعثة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو حرمة الظلم ومعاونة الظالمين ذلك ان الله تبارك وتعالى قد حرم على نفسه الظلم وكما ورد في الحديث القدسي : « يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ».

فالإسلام دين المساواة والعدل ولا يرضى بالظلم والبغي ، حيث أنزل الله تعالى في كتابه الكريم الكثير من الآيات القرآنية المباركة التي تدل دلالة قطعية واضحة البرهان على ضرورة العدل بين الرعية وعدم البغاء والظلم فيما بينهم ، حيث اعتبرت هذه الضرورة من الواجبات المهمة على كافة الأصعدة والمجالات الحياتية ، فنرى من خلال مراجعة الأحكام الشرعية التي أقرتها الشريعة الإسلامية أن الكثير منها قد لوحظ فيه عدم الظلم للآخرين والتعدي على حقوقهم ، كل هذه التأكيد لكي تسير الإنسانية في الطريق الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى لها ولكي تصل إلى شاطئ الأمان والكمال وضمن الأهداف المحددة من خلال الرسالة المحمدية السمحاء.

ونجد من خلال استقراء القرآن الكريم أن أكثر الآيات القرآنية الواردة في المقام قد تكون صريحة في تحريم الظلم سواء كان ذلك بذكر لفظة الظلم بصورة مباشرة أو عن طريق ذكر نقيضه الذي هو العدل وكما سيتبين من خلال مطالعة الآيات القرآنية التالية :

١٠٩

* حيث جاء قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) (١) ليؤكد على حقيقة اختصت لها الشيعة مع بعض الفرقة الدينية الأخرى ألا وهي مسألة العدل حيث أقرت الشيعة بأن من أصول الدين هو العدل وهو أن الله ليس بظالم ولا يظلم أحداً فهو العدل لهذا نجد في هذه الآية القرآنية أن الله قد حرم على نفسه الظلم فلا يظلم عباده بل هو المفيض عليهم رحمته الربانية ونعمته الإلهية.

* وجاء قوله تعالى ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) (٢) ليؤكد على مسألة أخرى بحيث انها من الأهمية قد ذكرها الله تعالى ليذكر بها البشرية بأن الظالمين ليس لهم نصير ولا تنصرهم السماء وبنفس الوقت قد أكد الله في آية أخرى وطلب من المؤمنين بأن لا ينصروا الظالمين بأي شكل من الأشكال ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٣).

وهكذا جاءت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة حاملة بين طياتها التأكيد على هذا الأمر المهم والضروري لتكامل البشرية.

وقد يرد وينقدح سؤال مهم في ذهن كل إنسان واعي وفاهم للأمور الإسلامية أنه إذا كان هذا الحال في حرمة الظلم وعدم معونة الظالمين فما المفهوم من الظلم وأي ضابطة نرجع اليها في معرفة الظلم وتعريفه معناه ؟

فنقول ان الظلم من الأمور التي يدرك الذهن ويفهمها بأدنى تأمل ذلك أنه من الأمور الفطرية والعقلية هو قبح الظلم وأنه يأباه العقل والناس جميعاً مشتركين في هذه المسألة أعني قبح الظلم ، ومع ذلك كله نعطي بعض التعاريف للظلم لكي لا يرد أي استيضاح حوله في حالة عدم فهم معناه.

* الظلم لغة : أما لغة فقد جاء في لسان العرب (٤) : الظلم وضع الشيء في غير موضعه. وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد ، ويقال ظلمه يظلمه ظلماً ومظلمة ، فالظلم

__________________

(١) النساء : ٤٠.

(٢) الحج : ٧١.

(٣) هود : ١١٣.

(٤) لسان العرب لابن منظور : ١٥ / ٢٢٦.

١١٠

مصدر حقيقي وهو ظالم وظلوم والظلمة هم المانعون أهل الحقوق حقوقهم ، والظلامَة ما تُظلمهُ وهي المَظْلمة. وتظالم القوم : ظلم بعضهم بعضاً وفي المفردات للراغب الاصفهاني (١) : والظلم عند أهل اللغة وكثيرون أهل العلم : وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه.

وقال الفيروزآبادي (٢) والظلم يقال في مجاوزة الحق ويقال في الكثير والقليل.

أما عرفاً : فالظلم معناه بخس النسا أشياءهم وحقوقهم والاعتداء على الغير بأي صورة كانت سواء قولاً أو عملاً.

وأما شرعاً : الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (٣) والظلم أصله الجور ومجاوزة الحد ومعناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (٤) وهكذا يتبين لمن يقصد السؤال في معرفة الظلم ويدقق في مقولات علماء اللغة وغيرهم من أهل الشرع واللغة وأهل المعرفة في هذا المقام ، ولنعم ما قال الحكيم أرسطو في هذا المقام حيث أطلق هذه الكلمات ليعبر عن طبيعة الفطرة الإنسانية في هذه المسألة ( الظلم من طبع النفوس ، وانما يصدها عن ذلك إحدى علتين : إما علة دينية لخوف مَعَادِ أو علة سياسية لخوف سيف ). فيكون مقال القائل أن النفوس لا تظهر هذا الظلم للعلتين المتقدمتين ، ولكن نقول إذا فقدتا هاتين العلتين فماذا سيكون الحال ، قطعاً عند ذلك يسقط الواعز النفسي للإنسان فيكون من أعتى الظالمين.

إذن بعد هذه المقدمة التي ارتأينا أن نقدمها لكي يتضح الحال والمقام في الظلم وقبحه وحرمته ندخل في هذا الفصل لكي نعيش القصة والحديث التأريخي الذي لا يزال يأكل بنفوس المسلمين وإلى وقتنا الحاضر ألا وهو حدث ظلامات فاطمة الزهراء بضعة النبي الهادي المختار تلك التي لم يترك في المسلمين آنذاك من أهله ومن ذريته إلا هذه الميمونة الطاهرة ذو النسل المبارك اُم الحسنين عليهما‌السلام.

__________________

(١) المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهاني : ٣١٥.

(٢) بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي : ٤ / ٢٣٠.

(٣) صحيح البخاري بشرح العسقلاني : ٥ / ٩٥.

(٤) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني : ١٢ / ٢٣٨.

١١١

فتعال معي أيها القاري العزيز لنروي لك تلك الظلامات ونغوص في أعماق التاريخ لنجد ما يطالعنا به القوم من الظلامات التي أطبقت عليها الخاصة والعامة على ثبوتها وصدورها ولكن اتباع الأهواء والصدود عن الحق هو الذي جعل الكثير منهم يأخذ هذه الأحداث مأخذاً تاريخياً ليس فيه أي فائدة وليس له أي علاقة لا بأصول الدين ولا بالعقيدة وانما هو مجرد حدث لا يضر من عرفه ولا ينفع من جهله ، وأنى لهم بالمعرفة الحقة والنور المستبين ذلك أن ( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) فهلم بنا لكي نقف مع هذه الدراسة التي أفاضها لنا التاريخ ونحققها بعمق وتركيز على كل جوانبها وحسب ما تسعنا قابليتنا المحدودة في معرفة كوامن الأسرار ونزيح ما استتار في ظلم التاريخ عن هذه الظلامات عن غبار جعل الكثير من أبصار وبصائر الذين يدعون الصلة بالرسول الأكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة الإسلام انهم يحبون ويوالون الرسول في كل شيء ولكن ...؟!!

ولنقف بدقة متناهية مع هذه الظلامات ونعرض جميع الأسئله الواردة في المقام ونعرضها على كتاب الله الغريز باعتباره المصدر الأول لكل سؤال ولكل استفهام من أي من كان ، ونعرضها على سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الذي ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ ... إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ).

ونستنطق بهذه الأسئلة العقل ليكون القارئ العزيز على ثقة بما يتطلع إليه ويصل إلى مقام الإطمئنان الذي تصبو إليه النفس الإنسانية.

وقبل كل شيء ينقدح سؤال مهم ألا وهو هل اُخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما سيجري على أهل بيته من بعده أم لم يُخبر ؟

والجواب نجده واضحاً من خلال مطالعة كتب التأريخ والحديث حيث ورد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل أنه قال في قضية الإسراء والمعراج لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل الله تعالى « إن الله مختبرك ـ أي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في ثلاث ينظر كيف جدك ؛ قال : أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك ، فما هن ؟

إلى أن يقول الإمام الثالثة ...

وأما الثالثة : فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل : أما أخوك علي فيلقى من اُمتك

١١٢

الشتم والتضعيف والتوبيخ والحرمات والجهد والظلم وآخر ذلك القتل.

فقال : يا رب ، سلمت وقبلت ، ومنك التوفيق والصبر. وأما ابنتك فتظلم ، وتحرم ، ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها ، وتضرب وهي حاملة ، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب ، قلت إنا لله وإنّا إليه راجعون قبلت يا رب وسلمت ومنك التوفيق والصبر (١).

إذن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم ما سيجري على بضعته الطاهرة وما يكون مآل الأمور من بعده ، ويعلم من الذي سوف يكون الظالم لها ولبعلها ولذلك نجده في أكثر من مرة يوصي الزهراء وأمير المؤمنين بالصبر بما سيجري عليهم من بعده ، ولقد جاء في المأثور الروائي أنه طالما أخبرهم بذلك وخصوصاً عند قرب وفاته حيث أخبر الصديقة الشهيدة عليها‌السلام بأنها ستظلم من بعده وانها أول الناس لحوقاً به من أهل بيته بعد أربعين يوماً من وفاته وقيل بإثنين وسبعين يوماً ، وهكذا تظافرت الروايات الكثيرة في إثبات هذه المأساة للزهراء من بعد أبيها ، أما من الذي يظلمها حقها ؟ فهذا ما ترويه قصة سقيفة بني ساعدة وإليك ما جرى في تلك الواقعة الأليمة لأهل بيت النبوة والتي كانت مفتاح الظلم الذي سنه الخليفة الأول والثاني على أهل البيت عليهم‌السلام.

* عن عبد الله بن عبد الرحمان قال : ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي : ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة ، فينثال الناس يبايعون ، فعرف أن جماعة في بيوت مسترون ، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون ، حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه‌السلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ ، أو لأحرقنّه على ما فيه.

فقيل له : إنّ فاطمة بنت رسول الله ، وولد رسول الله ، وآثار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ؛ وانكر الناس ذلك من قوله ، فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم أتروني فعلت ذلك ؟!

__________________

(١) الدمعة الساكبة : ٦٩ ، كامل الزيارات : ٣٣٢ ، البحار : ٢٨ / ٦١.

١١٣

إنما أردت التهويل ؛ قال : وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت : « لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم ، تركتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازةً بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ، ولم تؤمّرونا ، ولم تروا لنا حقّاً ، كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم ؛ والله ، لقد عقد له يؤمئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنّكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم ، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة (١).

* عن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه أنه قال : وكان علي بن أبي طالب عليه‌السلام لما رأى خذلان الناس له ، وتركهم نصرته ، واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر ، طاعتهم له ، وتعظيمهم له ، جلس في بيته ؛ فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنّه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الأربعة معه ؛ وكان أبو بكر أرقّ الرجلين ، وارفقهما ، وادهاهما ، وأبعدهما غوراً ؛ والآخر أفظّهما وأغلظهما ، وأخشنهما ، وأجفاهما ، فقال : من نرسل إليه؟

فقال عمر : أرسل إليه قنفذاً ـ وكان رجلاً فظّاً غليظا جافياً من الطلقاء ، أحد بني تيم ـ فأرسله وأرسل معه أعواناً ، فانطلق فاستأذن ، فأبى عليّ عليه‌السلام أن يأذن له.

فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ، وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه.

فانطلقوا ، فاستأذنوا ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : أحرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذنٍ ؛ فرجعوا ، فثبت قنفذ ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فحرجتنا أن ندخل عليه البيت بغير إذن منها ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء ؛ ثم أمر أناساً حوله ، فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله ، وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم‌السلام ، ثم نادى عمر حتى اسمع علياً : والله لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، أو لأضرمنّ عليك بيتك ناراً ، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر ، وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدّته.

__________________

(١) الاحتجاج : ١ / ١٠٥ ، الإمامة والسياسة : ١٢ ، بلاغات النساء : ٤ / ١١٤.

١١٤

ثم قال لقنفذ : إن خرج وإلاّ فاقتحم عليه ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً : فانطلق قنفذ ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وبادر علي إلى سفيه ليأخذه ، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثّروا عليه فضبطوه ، وألقوا في عنقه حبلاً أسود ؛ وحالت فاطمة عليها‌السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها ؛ فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ؛ فالجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها (١).

* وفي كتاب سليم بن قيس ، في حديث طويل ، قال : فلما كان الليل حمل علي فاطمة عليهما‌السلام على حمار وأخذ بيدي إبنيه الحسن والحسين عليهما‌السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أتاه في منزله ، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غبرنا الأربعة ، فإنّا حلقنا رؤوسنا ، وبذلنا له نصرتنا ، وكان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته ؛ فلما رأى علي عليه‌السلام خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته ، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر ، وطاعتهم له ، وتعظيمهم إياه لزم بيته ، فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الاربعة ، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً ، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما ؛ فقال [ له ] أبوبكر : من نرسل إليه ؟

فقال عمر : نرسل إليه قنفذاً ، وهو رجل فظّ غليظ جافّ من الطلقاء ، أحد بني عديّ بن كعب ، فأرسله إليه ، وأرسل معه أعواناً ، فانطلق فاستأذن على علي عليه‌السلام ، فأبى أن يأذن لهم.

فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ، وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن لنا ؛ فقال عمر : اذهبوا فإن أذن لكم ، وإلاّ فادخلوا [ عليه ] بغير إذن !!

فانطلقوا فاستأذنوا ؛ فقالت فاطمة عليها‌السلام : أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير

__________________

(١) ١ / ١٠٦ الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي.

١١٥

إذن ، فرجعوا ، وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء !! ثم أمر اُناساً حوله أن يحملوا الحطب ؛ فحملوا الحطب ، وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناها عليهم‌السلام ثم نادى عمر ـ حتى اسمع علياً وفاطمة عليهما‌السلام : ـ والله ـ لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، وإلا أضرمت عليك [ بيتك ] النار.

فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا عمر ، ما لنا ولك ؟

فقال : افتحي الباب ، وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم ؛

فقالت : يا عمر ، أما تتقي الله تدخل على بيتي ؟ فأبى أن ينصرف ، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثم دفعه فدخل ، فاستقبلته فاطمة عليها‌السلام وصاحت : يا أبتاه ، يا رسول الله فرفع عمر السيف ـ وهو في غمده ـ فوجأ به جنبها ، فصرخت يا أبتاه ! فرفع السوط فضرب به ذراعها ... (١).

* وروي عن زيد بن أسلم أنه قال : كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه ، قال : وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛

فقالت فاطمة : أتحرق علياً وولدي ؟ قال : إي ـ والله ـ أو ليخرجنّ وليبايعنّ (٢).

* وروي عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن جدّه : ما أتى عليّ يوم قطّ أعظم من يومين أتيا عليّ : فأمّا اليوم الأول : فيوم قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمّا اليوم الثاني : فوالله إنّي لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه ، إذ قال له عمر : يا هذا ، ليس في يديك شيء مهما لم يبايعك عليّ ؛ فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك ، فإنّما هؤلاء رعاع.

فبعث إليه قنفذ ، فقال له : اذهب فقل لعليّ : أجب خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع ، فقال لأبي بكر : قال لك : ما خلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحداً

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ٣ / ٥٨٣.

(٢) نهج الحق وكشف الصدق : ٢٧١.

١١٦

غيري.

قال : ارجع إليه فقل : أجب فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه ، وهؤلاء المهاجرين والأنصار يبايعونه وقريش ، وإنما أنت رجل من المسلمين ، لك ما لهم ، وعليك ما عليهم ؛ فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع ، فقال : قال لك : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي وأوصاني أن ـ إذا واريته في حفرته ـ لا أخرج من بيتي حتى اُؤلّف كتاب الله ، فإنّه في جرائد النخل ، وفي أكتاف الإبل ، قال عمر : قوموا بنا إليه.

فقام أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وقنفذ ، وقمت معهم.

فلمّا انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة ( صلوات الله عليها ) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشكّ أن لا يدخل عليها إلا بإذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره ـ وكان من سعف ـ ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً عليه‌السلام ملبّباً.

فخرجت فاطمة عليها‌السلام فقالت : يا أبابكر ، أتريد أن ترمّلني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنّ جيبي ، ولآتينّ قبر أبي ، ولأصيحنّ إلى ربّي ؛

فأخذت بيد الحسن والحسين عليهما‌السلام وخرجت تريد قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فقال علي عليه‌السلام لسلمان : أدرك ابنه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّي أرى جنبتي المدينة تكفيان ؛ والله إن نشرت شعرها ، وشقّت جيبها ، وأتت قبر أبيها ، وصاحت إلى ربّها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [ وبمن فيها ] ، فأدركها سلمان رضي‌الله‌عنه ، فقال :

يا بنت محمد ، إنّ الله إنّما بعث أباك رحمة ، فارجعي.

فقالت : يا سلمان ، يريدون قتل عليّ ، ما على عليّ صبر ، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري ، وأشقّ جيبي ، وأصيح إلى ربّي ، فقال سلمان : إنّي أخاف أن تخسف بالمدينة ، وعليّ عليه‌السلام بعثني إليك ، ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك ، وتنصرفي.

فقالت : إذاً أرجع ، وأصبر ، وأسمع له وأطيع.

قال : فأخرجوه من منزله ملبّا ، ومرّوا به على قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فسمعته يقول :

١١٧

ي‍ ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي ) (١) إلى آخر الآية.

وجلس أبو بكر في سقيفة بني ساعدة ، وقدم عليّ ، فقال له عمر : بايع.

فقال له عليّ عليه‌السلام : فإن أنا لم أفعل، فمه ؟ فقال له عمر : إذاً أضرب والله عنقك.

فقال له عليّ عليه‌السلام : إذاً ـ والله ـ أكون عبد الله المقتول ، وأخا رسول الله ؛

فقال عمر : أمّا عبد الله المقتول فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فلا ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ.

فبلغ ذلك العباس بن عبد المطّلب فأقبل مسرعاً يهرول ، فسمعته يقول :

ارفقوا بابن أخي ، ولكم عليّ أن يبايعكم ، فأقبل العبّاس وأخذ بيد عليّ ، فمسحها على يد أبي بكر، ثم خلّوه مغضباً ، فسمعته يقول ـ ورفع رأسه إلى السماء ـ :

اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم ، وهو قولك في كتابك ( إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ )(٢).

قال : وسمعته يقول : اللهمّ وإنّهم لم يتمّوا عشرين ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ ثم انصرف (٣).

* ولقد ورد عن عبد الرحمان بن عوف ، عن أبيه ، قال : دخلت على أبي بكر أعوده ـ في احتضاره ـ فاستوى جالساً ... فقال إنّي لا آسى على شيء إلا على ثلاث وددت أنّي لم أفعلهنّ : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته ، وأن اُغلق على الحرب ، وددت أنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدة أو عمر ، فكان أميراً وكنت وزيراً ... (٤).

ويؤيد هذا المعنى ما روي في حديث احتضار أبي بكر عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ... حيث يقول :

فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت : هل شهد موت أبيك غير أخيك عبد الرحمان وعائشة وعمر ؟ [ قال : لا. قلت : ] وهل سمعوا منه ما سمعت ؟!

قال : سمعوا منه طرفاً فبكوا ، وقالوا : يهجر ! فأمّا كلمّا سمعت أنا فلا.

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

(٢) الأنفال : ٦٥.

(٣) تفسير العياشي : ٢ / ٦٦ ح ٧٦ ، البرهان : ٢ / ٩٣ ح ٤ ، الاختصاص : ١٨١.

(٤) لسان الميزان : ٤ / ١٨٩ ، ١٧ ج ٢٨ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٨ مثله.

١١٨

قلت : والذي سمعوا منه ما هو ؟ قال : دعا بالويل والثبور ؟!

فقال له عمر : يا خليفة رسول الله ، مالك تدعو بالويل والثبور ؟ قال : هذا محمد وعلي يبشّراني بالنار ، بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة ، وهو يقول « [ لعمري ] لقد وفيت بها فظاهرت على وليّ الله أنت وأصحابك ، فأبشر بالنار في أسفل السافلين ». فلمّا سمعها عمر خرج وهو يقول : إنّه ليهجر !

قال : لا ـ والله ـ لا أهجر [ أين تذهب ] قال عمر : أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار ! قال : الآن أيضاً ؟!

أولم اُحدثك أنّ محمّداً ـ ولم يقل رسول الله ـ قال لي وأنا معه في الغار : إنّي أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر » ، قلت : فأرنيها ، فمسح وجهي ، فنظرت إليها ، فاستيقنت عند ذلك أنّه ساحر ! [ فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنّه ساحر ! ].

فقال عمر : يا هؤلاء إنّ أباكم يهجر ! واكتموا ما تسمعون منه ، لا يشمت بكم أهل هذا البلد ثم خرج وخرج أخي [ وخرجت عائشة ] ليتوضأ وللصلاة ، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا. فقلت له ـ لمّا خلوت به ـ : يا أبه ، قل : لا إله إلاّ الله ، قال : لا أقولها أبداً ، ولا أقدر عليها حتّى [ أرد النار ] فأدخل التابوت. فلمّا ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له : أيّ تابوت ؟! فقال : تابوت من نار ، مقفّل من نار ، فيه اثنا عشر رجلاً : أنا وصاحبي هذا ، قلت : عمر ؟! قال نعم [ فمن أعني ] ، وعشرة ، في جبّ في جهنّم عليه صخرة ، إذا أراد الله أن يسعّر جهنّم رفع الصخرة ، قلت : تهذي ؟! قال : لا والله ، ما أهذي ، لعن الله ابن صهّاك ، هو الذي صدّني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين ، لعنه الله ، ألصق خدّي بالأرض ، فألصقت خدّه بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتّى غمّضته ... (١).

أما حديث إسقاط الجنين ـ محسن عليه‌السلام ـ فهناك عدة كتب تروي لنا هذه القصة إضافة إلى كسر الضلع وإضرام النار فلقد روي عن محمد بن عمار بن ياسر قال :

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٨٢٠.

١١٩

سمعت أبي يقول ـ في حديث ـ :

قال : وحملت بالحسن عليه‌السلام فلمّا رزقته ، حملت بعد أربعين يوماً بالحسين عليه‌السلام ، ثم رزقت زينب ، واُم كلثوم ، وحملت بمحسن.

فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها ، وإخراج ابن عمّها أمير المؤمنين عليه‌السلام وما لحقها من الرجل ؛

أسقطت به ولداً تماماً ، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها ( صلوات الله عليها ) (١).

وقال المجلسي في البحار ... عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل :

وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأُمّ كلثوم وفضّة ، وإضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة عليها‌السلام إليهم ، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله ؟ والله متمّ نوره ، وانتهاره لها ، وقوله : كفّي يا فاطمة ، فليس محمد حاضراً ، ولا الملائكة آتيةً بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما عليٌّ إلا كأحدٍ من المسلمين ، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر ، أو إحراقكم جميعاً.

فقالت وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك ، وارتداد اُمّته علينا ، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل :

فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة ، حمقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة وأخذت النار في خشب الباب ، وإدخال قنفذ يده ( لعنه الله ) يروم فتح الباب ؛ وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود ؛ وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر ، وإسقاطها إيّاه ، وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد ؛ وصفقه خدّها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : وا أبتاه ، وارسول الله ابنتك فاطمة تكذَّب ، وتضرب ، ويقتل جنين في بطنها.

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٢٦.

١٢٠