بلون الغار .. بلون الغدير

المؤلف:

معروف عبد المجيد


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-192-3
الصفحات: ١٨٣



موتة المثال

أموت مثل شجرهْ .. !

ممتدةِ الجذور في الخواءْ

هاربةِ الأغصان في الفضاءْ

جامحةِ الصهيل في السماءْ

يتيمةِ الأوراق والثمار والنباههْ

محرومةِ الرجوع والبداءْ .. !

مفجوعةٍ .. كآههْ .. !

مطمورةٍ دهراً ..

وسبعةً ..

وعَشرهْ ..!

أرجوكَ يا زمانَ الصخر والرعاهْ

أرجوك يا زمانَ الخوفْ

أنْ تمنح الجوَّالَ زاداً.

وقطرةً من المياهْ

تقيهِ موت الصَّيْفْ .. !

٦١

حلمٌ ، ووردةٌ ، وأغنيهْ

وهَدْأةٌ ، وحكمةٌ ، وأمسيَهْ

وفضلُ أُمْنيَهْ .. !

لاحتفي بمقدم القمرْ

وأنثرَ الميلادَ فوق مأتم الشَّجَرْ

وأكشفَ الترابَ عن قلوب من حَجَرْ .. !

.. الحزنُ ، والتمزقُ الحثيثُ ، والسفَرْ

..... الوعرُ ، والرمالُ ،

والصخورُ في النفوسْ .. !

مَنْ لي بضخَّةٍ من المطَرْ .. ؟!

لأَمسحَ الأستارَ عن عيون زاويهْ

كنبتةِ الصبَّار في مقابر المجوسْ

كسكتةِ الشتاء تحت ظُلة الشموسْ

كموتة النجوم فوق مخدع العروسْ

من لي بدرع صُلبةٍ .. وقاسيَهْ .. ؟

لا عبُرَ الحرابَ والسيوفَ

والأحقادَ ، والتروسْ ..

والضَّجَّةَ الخرقاءَ في خداع الهاويَهْ .. !

البحرُ في خيالي ..

والموجُ باحتضارِ الأفْقِ لا يبالي ..

يا شاطيءَ المُحالِ .. !

٦٢

أسير نحوك الهُوينا ..

.... دونما وصولْ

أموتُ كالكسيحِ ..

كالشهيدِ

كالخيولْ

أموتُ موتةَ المِثَالِ .. !!

وتُوصد العيونُ والآبارُ

تصمتُ المياهْ .. !

ويُرفعُ المفتاحُ كي يظلَّ دائماً

رهينَ جعبة الالَهْ .. !

وأنمحي أنا .. كرصعةِ مضيئةٍ

ضلت طريقَها السحريَّ

نحو وجنةِ الليالي ..

و « زينبٌ » مدهوشةٌ قُبالي

تستقطعُ المياهَ من مسارب العرَقْ

وتجدلُ الأفراح في مواسم الأرقْ

لتُلبِسَ الخريفَ في

خمائل العيالِ .. !!

أموتُ موتةَ الصحراءِ والعطشْ

وصفرةِ الوجوهِ في صراعها ..

٦٣

مع الشحوبِ ..

والخِدَادِ ..

والنَّمَشْ

أموت مرّتَيْنْ ..

والماءُ في الأنهارِ .. في دلالِ مشركٍ

ينأى مع المدى المخيفِ

ساحباً في إثْرهِ اليَدينْ ..

أموتُ ..

موتَةَ « الحُسَينْ » .. !!

٢٥/٧/١٩٩٤

٦٤



غريب الغرباء

ـ عندما تنهمر الدموع في محضر ثامن الائمة عليه‌السلام ـ

قطار الليل يحملني

على زوج من القضبانْ ..

كنجم طائر يسري

ويعرج في دجىٰ الأكوانْ ..

يحرك فيّ أشواقي

ويحرق فيّ أعماقي

ويُحيي فيّ ما قد كانْ .. :

( جفاني الأهل والخلّانْ ..

وعشاقي ..

أعيش مقطّع الأغصانْ ..

وحيداً بين أوراقي ..

وصارت دارنا قفراءَ

من فلّ ومن ريحانْ ..

ومن صبح وإشراقِ

تزاحمني بها الغربانْ

٦٥

من البابِ ..

إلى الطّاقِ ..

فلا أرنو سوى الدنيا

غدت قبراً بأحداقي .. )

وعند الباب خلّفني

عليلاً .. ليس من راقِ ..

يفيض السم من حلقي

وخلفي يضحك الساقي .. !

وساقي عظمة عرجاءُ

تلتفّ علي ساقي

أمام عيادة الرحمانْ .. !

وليَّ الله ، يا من عند حضرتهِ

يزول الهمّ والكربهْ ..

وتُمحى ظُلمة الآثامِ

تحت جلالة القبّهْ ..

إليك أتيت شيعياً

لارفع عندك التوبهْ ..

شهيدَ الظلمِ ، والسلطانُ

لفّ مراسه الدامي على الرقبهْ .. !

أبا الغرباء ..

٦٦

يا من متَّ في الغربهْ ..

« رضاً » قد عشتَ ، مرضيّا

بمهجة عابد رطبهْ ..

يبللها ندى الايمانْ

فتورق روحنا الجدبهْ ..

وتعلن ثورةَ العصيانْ

على الاشباح ، والدبَبَهْ .. !

غريباً جئتُ ، يجذبني نداء غريبْ

كئيباً ، هدّني حزني ، وأيّ كئيبْ .. !!

شربت الدمع في مهدي

وفي صغري جَلسْتُ بمأتمي المنصوبْ

وجاء العمر بشبابٍ

به ضُرٌّ يمزقني

ويستعصي على « أيوبْ » !

فجئت أزور من يشفي

ـ باذن الله ـ أدوائي

ويسمع دعوة المكروبْ ..

سألت « ثلاثتي » ورجعت مقروراً

أرش الطيبْ ..

على آثار من ذهبوا

وأرقب عودة المحبوبْ .. !

٢٤ ـ ٣ ـ ١٩٨٧

٦٧
٦٨

اربعة عشر

تحدّرتْ دمَعاتي

سيلاً على الوجناتِ

يا ويلتي حين آتي

للفصل بعد المماتِ

الأمر أمر خطيرُ

والذنب ذنب كبيرُ

والدرب درب عسيرُ

تحفّه سيئاتي

كم ذا أزلّ وأخطا

كمارقٍ حين شطَّا

أو غافل يتمطّى

مستغرقاً في سُباتِ

قد لازمتني الذنوبُ

فكيف منها الهروبُ

وكيف عنها أؤوبُ

لفطرتي ولذاتي ؟!

قايضتُ تبنا بتبرِ

كأبلهٍ ليس يدري

وضاع في القصف عمري

والنزق والمنكراتِ

إبليسُ كان دليلي

فجدَّ في تضليلي

حتى فقدتُ سبيلي

وخضتُ في التّرهاتِ

٦٩

قامت قيامة نفسي

ولم تغب بعدُ شمسي

وقفت قدّام رمسي

لأذرف الحسراتِ

يا عين وجودي زيدي

على التعيس الطريدِ

يا ليتني من تليدِ

غُيّبتُ في الحافراتِ

أين الصراط السّويُّ

يا أحمدٌ يا نبيُّ

يا فاطمٌ ، يا عليُّ

يا حبّذا من هُداةِ

فتّشتُ عنكم جميعا

لما غدوت جذوعا

وجدتُ فيكم شفيعا

ففرّجوا كرباتي

سعوتُ نحو الامامهْ

مُسربَلاً بالندامهْ

وغارقاً في الأثامَهْ

خُلْواً من الحسناتِ

إنّي هُرعت إليكم

لحاجة لي لديكم

مني السلام عليكم

وأفضل الصلواتِ

كم ذا أضلّ وأشقى

والخطب أَوفي وشقَّا

حَلَّ العذابُ وحَقَّا

إن لم تجيبوا شكاتي

٧٠

يا ربّ : عاصٍ .. وتابا

فافتحْ لعبدك بابا

قد ضلّ سعيي وخابا

إن لم تُقلْ عثراتي .. !!

١٩٩١

٧١
٧٢

إلّا الصوم .. !!

ـ نفحات مستوحاة من أدعية شهر رمضان ـ

ـ ١ ـ

شهر عظيم أتى بالفضْل والكرَمِ

والذكْرِ والقدرِ والآيات والحِكَم

هلّ الهلالُ ، وعمّ النور ، وامتلأتْ

جوانب الأرض بالالاء والنِّعَمِ

ـ ٢ ـ

إلهي هبْ لنا منك اليقينا

ووفقنا لصوم الصائمينا

ونبّهنا عن الغفلات ليلا

لنُكتَبَ في عِدادِ القائمينا

بفضلك يا إله العالمينا

ـ ٣ ـ

أقلْني من خطيئاتي

وجنّبني هوى ذاتي

وباعدني من التمويـ

ـه ـ ربّي ـ والسفاهاتِ

٧٣

ـ ٤ ـ

سبحان من خلق الوجودَ بأسرِهِ

إذْ قال : كُنْ .. كان الوجودُ بأمرهِ

المطلَقُون هم الحلولُ بأسرِهِ

أما الأسيرُ فمن مضى عن أمرِهِ

والكلّ حار بأسْرِهِ في أمرهِ .. !

ـ ٥ ـ

عصيتك يا ربي وحِلمُك غرّني

وعفوك أغراني ووصلُك من جفا

ذنوبي أناختني فكن لي مخفّفا

فاني بآثامي قصدتك آسفا

ـ ٦ ـ

شهر جودٍ كلُّه رمضانُ

فيه خير وافر وامتنانُ

يا إلهي تائب جاء يسعى

فأعِنْهُ ، إنك المستعانُ

ـ ٧ ـ

أعنّي على الصوم يا مستعانْ

وجنِّب فؤادي صروف الزمانْ

ضللتُ وَشَقَّ طريقُ الأمانْ

فمهّده يا هاديَ الضائعين

بفضلك يا أرحم الراحمين

٧٤

ـ ٨ ـ

أنا عائدٌ عمّا جنيتُ وأرتجي ..

عفوَ العفوّ ورحمةَ الرحمانِ

إنِّي المُسيء ، وأنت أقدر من عفا

لا تخذل المضطرَّ في رمضانِ

ـ ٩ ـ

وفِّق يا ربّ لمرضاتكْ

واقسمْ لي سهما في الرحمهْ

نوِّر لي النَّجْدَ بآياتكْ

واكشف بمحبتك الغُمَّهْ

ـ ١٠ ـ

أنا عاجز ، لكنْ أنتَ مقتدرُ

وأنا فقير .. للجود مفتقرُ

يا مالكاً للأكوان ... يا مَلِكا

أنا قانع بالكفاف مستترُ

ـ ١١ ـ

عبدٌ مطيعٌ ذليل النفس ناجاكا

فامنحه يا عاطياً من فضل نُعماكا

ذنبي ثقيل ووزري نُؤت تحتهما

يا غافرَ الذنب .. من أدعوه إلّاكا ؟!

٧٥

ـ ١٢ ـ

زيّنتني بِسِترك الوارفِ

وسترتني بِخِرقَةِ العارفِ

إني بقدسك لائذ أحتمي

فنجّني .. يا عصمةَ الخائفِ

ـ ١٣ ـ

أمتثـــلُ لما ترضَــى

وأصــوم لـك الفَرْضــا

لــم أبغِ بـه عَرَضَــا

بــلْ وجهكَ يــا ربَّـاه

يــا باقـــي يــا اللهْ

ـ ١٤ ـ

يا ربّ نامت عيونُ

وعبدك المستكينُ

يعبّ من ( عمَّ ) خمراً

في جفنة هي ( نون )

ـ ١٥ ـ

يا إلهي يا أمانَ الخائفين

أنت حصني .. يا مغيثَ اللاجئين

جلّ ذنبي .. يا ملاذ التائبين

فاستجب لي .. يا مجيب السائلين

٧٦

ـ ١٦ ـ

موافقةُ الأبرار توفيقُ

ورفاقةُ الأشرار لا تُغني

والصومُ في رمضانَ ترقيقُ

للنفس والروح والذّهنِ

فأْوني برحمتك لدار القرارْ

يا مجيب الداعين بالأسحارْ

ـ ١٧ ـ

يا من لا يحتاج إلى السؤالْ

يا عالماً بما في نفوس الخَلْقِ

اهدني لصالح الأعمالْ

وضاعف بالصيام رزقي

يا باقياً .. وكلُّ ما سِواك زَوَالْ

ـ ١٨ ـ

يا نوراً يا منور القلوبْ

يا ضياءَ النورْ

يا ساطعاً أبداً .. بلا غروبْ

نور على نورْ

لبّيك إنّ الملك لكْ

لبّيك لا شريك لكْ

٧٧

ـ ١٩ ـ

جرحي وجرحك ( يا عليُّ ) كلاهما

جرح .. وجرحك فاق كلّ جراحي

صمتت جراحي ، وانمحت أصداؤها

لكنّ جرحك دائم الافصاحِ

يا صاحب الفتكات ياليث الوغى

يا من دُهيت بضربة ابن سِفَاحِ

واحرَّ قلبي ( يا عليُّ ) مآتمي

لن تنتهي طُولَ المدى ونُواحي .. !

ـ ٢٠ ـ

( عليٌّ ) من النور ، لمَّا خُلقْ

تَبدَّت معالمُ هذا الوجودْ

وكبَّر صوتٌ عَلاَ في الأُفُقْ

فكان الركوعُ وكان السجودْ

ـ ٢١ ـ

اشتقَّ ربك مِنْ عُلاَهُ عُلاكا

فعلَوْتَ ، لا يَعلو عُلاكَ سواكَا .. !!

ـ ٢٢ ـ

فقيرٌ لفضلك ياذا الكرَمْ

تفضَّلْتَ بالجود ياذا النِّعَمْ

فأنزِلْ علينا الرضا والهُدى

وجنِّبْ محبّيك شرّ العِدَا

وعجِّلْ بفيضك ياذا الندى

٧٨

ـ ٢٣ ـ

إليكَ برئْتُ من ذنبي وعيبي

وعدتُ عن الذي تأباه لي

أنا عبد ، ونعم الربُّ ربّي

فمن يبغي سوى المولى وَلِي .. !!

ـ ٢٤ ـ

ما بال العاصي قد آبا

بالصوم عن الذنب وتابا .. ؟!

فإذا ما استَعطفَ خالقَه

ودعاه بما شاء ، أجابا .. !

هو شهر الله ، ومائدةٌ

تمتد بما لذَّ وطابا

ـ ٢٥ ـ

طاب المديحُ بطهَ

والكونُ شعَّ ضياءْ

كم حزتَ فضلاً وجاها

يا خاتم الأنبياءْ

صلّوا على بدر التّمامْ

وآله .. خيرِ الأنامْ

ـ ٢٦ ـ

يا ساترَ العيبِ

يا قابل التَّوْبِ

٧٩

أقوم الليلَ بكَّاءَا

وأذكر ما بدا منِّي

تشبّ النار في عيني

ولا أشتاق إطفاءَا

يا غافرَ الذنبِ

رحماك يا ربِّ

ـ ٢٧ ـ

يا ليلةَ القدرِ فيكِ الخيرُ موفورُ

نَزَل الكتاب وجاء الوحيُ والنورُ

يا خيرَ من ألف شهر ، يا مؤلَّهَةً

أنتِ السلام ، وفيكِ الأمر مقدورُ

ـ ٢٨ ـ

الححتُ في طلبي وطال رجائي

يا سامعاً عند السجود دعائي

يا مُنْجياً ذَا النونِ ، كنتُ مغاضبا

فرجعتُ عن إثمي وعن أخطائي

سبحانك اللهم إنك قادر

وسواك في عجز وفي إقواءِ

ـ ٢٩ ـ

ألهمتني الصبرَ الجميلْ

ومنحتني الشكر الجزيلْ

ورزقتني بالصوم خيراً

لا يستحيل ، ولا يزولْ

٨٠