بلون الغار .. بلون الغدير

المؤلف:

معروف عبد المجيد


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-192-3
الصفحات: ١٨٣

بالحيّات المسمومةِ

وخنازير الوالي

وكلاب البرّيّهْ

أفّ للسلطان

إذا قام يهرّج في ذاكرة البشريّهْ ..!

أفّ للراعي

لو قام يجرجر شعباً في الأسواقِ

كما الأغنام

ويلجم ألسنة الصدقِ

ويقطعها

ويحزّ الأعناق على الظنّةِ

والتهمة

ويطبق قانون الهمجيّهْ

ويسوق النسوة للسبيِ

ويرهب أطفالاً

ويحارب شيخاً وصبيّ

ويؤلّف شعراً

ويجاهر بعداء نبيّ

أفّ للشعر إذا قام يجاهرُ

بعداء نبيّ .. !

فلتُكتَبْ بطلا يا ابنَ الطلقاءِ

لتُصبحْ ملكاً

٤١

فلقد تُوّجتَ أخيراً

وقتلت حسيناً

وغنمت البرنسَ

والدرع البتراءَ

ونعلاً .. !

وسلبت رقيةَ قرطا ذهبيّ

وذبحت حسيناً

وقطعت الإصبع من أجل الخاتمِ

وكأنك لص صربيّ .. !

ونزعتَ الأثواب عن النسوةِ

وكسوتَ قبائلنا شرفاً عربيّ .. !!

فلتلبسْ هندٌ في حفرتها

حلل الأيتام الأسرى

ولتتجمَّلْ يا ابنَ سليمِ الكلبيّ .. !

وجهه .. والمدَى

صوته .. والصدى

دمعه .. والندى

رحله .. والذئاب .. والردى

صدره .. والسهام .. والقدَرْ .. !

وجهه كان باسمَا

صوته ظل قادما

٤٢

دمعه الربابُ في السّما

قلبه كان عائما

كقارب علي أشعة القمرْ .. !

فأغرقته موجة من الرماحِ

والسيوفِ

والحجَرْ .. !

آهٍ ، وألفٌ ، واَمَدْ .. !

من الحسرة المتشعبة في

ذرات النفس كسيقان العنكبوتْ

كربلاءُ .. كربلاءْ

يا عَبرةَ الأرض وشهقةَ السماءْ

ومئذنة العرش ومبكى الأنبياءْ

ومحطّ المعجزات الخارقهْ

حيث يعبق أريج الورود المدمّاةِ

المدلآةِ

من عُرى قلوب الوالهين

أيّة ذكرى تلك موجعةٍ وساحقَهْ

ومشعلةٍ وحارقهْ .. !

وأيُّ ماضٍ لن يعود

وما كان ليعود

وأيّ خاطر كان ومرَّ

٤٣

كنشيد غجريْ

في حفل بربريٍّ وحشيّ

ثقل به دفتر الزمانْ

آهٍ لكَ ، ومنك .. !!

آهٍ لك أيها الجسد الملقَى مُجَدّلاً

على مسرح الفنون الجاهليَّهْ

بلا رأس ، ولا خشبةٍ

ولا نُظَّارةٍ ، ولا نَصّ .. !

وآهٍ منك أيها الرأس الدائرُ

في مدن اليبابْ

وضمائر الخرابْ

أربعين يوماً

أربعين جيلاً

أربعين آدماً

وأنت الذي لم تكن أبداً « بروتوسْ »

ولا طاعنَ الامبراطور القيصرْ

ولا حارق الخليل الحنيفْ

ولا مبلبل اللغة اللسانْ

في برج بابلْ

أو الصرح الذي لم يبنه « هامانْ » .. !

ولم تكن « الاسخر يوطّي » على

مائدة العشاء الأخيرْ .. !

٤٤

أيها النبأ الساطع في

صفحات السِّفر الأولِ

قبل الصفْرِ ..

وقبل التكوينْ

تمنح الظلام قمراً ونجوما

والسماء فردوسا

والأرض حُججا وأوصياءْ

والكونَ أوفياءْ

والسُدَّةَ حكماءْ

في زمن يحكمه البغاءُ

والرجال التي تحيضْ

والنعاج والدجاجْ

وأبراج المراقَبَةْ

وأحبار الأسفار المخضَّبهْ

الذين يشترون بآيات رأسك الرّيَّ

والشامَ ، والعراقَ

وبيتَ الله

والشموس الغاربَهْ .. !!

أجول وتبحر ذاكرتي

نحو « حوارين » الآراميَّهْ

لأرى اللاعب بالطنبور يصلّي

٤٥

في حجر امرأة روميّهْ

أثر معاقرة ومسامرةٍ

وقصيدة غزل غير عفيفْ .. !

والحُلمُ مخيف .. !!

والرؤيا تنذر بكلاب عاويةٍ

تتقافز فوق المنبرِ

وتؤمّ الأمَّةْ .. !

مرحى للضارب بالدفِّ

صديق القردة

وضجيعِ العَمَّهْ .. !!

مرحى لابن ابن أبيهِ

ومرحى لابن البوّال على عقبيهِ

وراعية المعزى

مرحى للملهاة إذا انقلبت محنَة .. !

مرحى لمن اختار النار على الجنَّةْ .. !

مرحى للناكتِ لثنايا السبطِ

أمام رسولِ الرومِ

كأنّ ثناياه المتلالئةَ بفمه الوضَّاءْ

لا تعدل حافر بغلٍ

لابن العذراءْ .. !

ـ يا عيسى .. يا ابنَ العذراءْ ـ !!

مرحى لتقاليد الأدبِ على

٤٦

مائدة الأمراءْ .. !

مرحى لسياسات الخلفاءْ .. !

مرحى لكَ .. يا ابنَ النصرانيَّةِ

وحفيدَ « مينيرقا » ..

وسليلَ « زيوسْ »

Dios, Dios

Santos, Santos

Dios, Santos..!!

راءٌ ، باءْ .. !

لو لم يأخذ ربي من ظهري عهداً

لسجدتُ لرأسك ياابنَ الزهراءْ .. !!

فقأت عيني ..

لاستدر عطف الشانئين

فازدادوا شنآنا .. !

وأخرجت شَطئي

فلم أعجب الزرّاع .. !

وصرخت .. فلم يُستجَبْ لي .. !

فجننت على ضفتك المسلوبِة

يا نيلْ ..

وزعقت أولول .. وأقولْ :

[ مسموح أن تبكي كليوباترا

انطونيو

٤٧

فوق ضفاف النيلْ

أما زينب فعليها الصمتْ

عليها أن ترقص للموتْ

وأخوها في الطفّ قتيلْ .. !

...

يا سيدتي ..

يا زينب يا سيدتي .. !

في قاهرتي

تجدين يزيداً يتحصن بالقلعَهْ

يسكر فيها ..

يتبول فيها ..

.... ويصلي فيها الجمعَهْ ..! ]

...

ليست في عنقي ليزيدٍ بيعَهْ .. !

كل رجال مدينتنا « ابنُ عقيلٍ »

وجميع نساء مدينتنا « طوعَهْ » .. !

[ يا ربي ..

لم يرتفع قلبي

ولم تَسْتَعْلِ عينايْ

ولم أسلك في العظائمْ

ولا في عجائبَ فوقي

٤٨

بل هَدَأتُ ، وسَكَّتُّ نفسي

كفطيم نحو اُمّهْ ..

نفسي نحوي كفطيم ! ]

هَلِّلُويا .. هلِّلُويا .. !!

فلماذا ارتجّت الأمم .. ؟

وتفكَّرَ الشعوب في الباطل

وكثرت الفروج على السروجْ .. ؟!

هلّلويا .. هلّلويا .. !!

ولماذا قطعوا كفّ العبّاسِ

وناشوا عبدالله بسهمٍ

مزّق نَحْرَهْ .. ؟

ولماذا باعوا الكوفَةَ

والفسطاطَ

وفتحوا مكةَ سوقا حُرَّهْ .. ؟

ولماذا قتلوني عطشاً

ولماذا باعوا ماء بحيرة طبريَّهْ .. ؟

ولماذا جعلوا من غزّةَ

راقصةً غجريَّهْ .. ؟

ولماذا جعلوني أرطن بالعبريَّهْ .. ؟!

هلّلويا .. هلّلويا .. !!

ورجوتكَ من ساعتها

وإلى الآنْ ..

٤٩

وإلى الدهرْ .. !

ومن الأعماق صرخت إليكْ

كالفرس الصاهل ظُهر العاشرْ

يفتح للثوار معابرْ

نحو الحريّة في الأفق النادرْ

ووقفت أناجيك تقدس وجهكْ

فتقبّلْني كدماء لا تسقطْ

أَصعِدني .. أَصعِدني

حتى لا أفقد ذاكرتي

او ألتاثَ ، وقد صلّى الصبحَ خليفتُنا

أربع ركعاتٍ

وتهيّأَ لثمانٍ لمن ازدادْ .. !!

وارفع عن ليل وجودي

وندى الحلم على أرض سجودي

شبح العاتية الرعويَّهْ

تلك الأمويَّهْ

فلقد أسرتني بحديد الظلمِ

ونار الطغيانْ

الف شهرٍ

الف عامٍ

.... الف قرنٍ

.. الف دهرٍ .. وزمانْ

٥٠

الف موتٍ .. ومَعادْ

الف سوقٍ .. ومزادْ

...

سيفي لم يُصنعْ للأغمادْ .. !

...

فان ازدادت طرفة عين أخرى

فلتشهد أني لست بمزدادْ

لست بمزدادْ ..

لستُ .. بمزدادْ .. !!

١١ ـ ٢ ـ ١٩٩٤

٥١
٥٢



الظليمة .. !

يخنقون الورود في فصل التجلِّي

ويبيدون الغصون وهي تصلّي

فاستمرّوا .. !

إنه العطر رشّته على الكون الشدائدْ

واجتباه الربيع من كمد الروض

واصطفته الخدود من دموع الخَرائدْ

واستدار للشرق يعزف للفجرِ

ويسترخى على صدر القصائدْ

واستمروا ..

يفرح القلب بالرحيلِ .. ويبقى

وهج عينيه برقاً

يغمر اللهفةَ في النظرةِ

والعَبرةِ .. شدْواً

ويسترعى سيوف الغيبِ للثأر

ويستدعي السواعدْ

واغرزوا في ملاءات النهار رماحاً

٥٣

وسهاما أخرى

والصَقوا الحلكةَ في وجه الليلِ

وجبهات النجومِ

وناموا عن صلاةٍ

تنشر الحبَّ

وصدقَ النيّةِ

والأملَ العلويَّ

وتكبيراً

ورُدّوا طارق الوحي

وسدوا طاقة النورِ

وأبوابَ المساجدْ .. !

عارفا .. كنتُ

وكشف السِّتر أدماني

ودمي خمرةُ نساك الخراباتِ

واملاكٍ يقرآن زيارة المذبوحِ

في صحن الرزايا ..

لم أحبّذ لعبة العكسِ

وظل الظلِّ في قعر المرايا ..

بل تجولت بنفسي

حول نفسي

وهززت رفاتي

٥٤

وطرقتُ البابَ

واجتزت الحجابَ

وصولاً للذي تخفيه ذاتي .. !

فتبدّت في تجلِّي النور أشباح الخفايا .. !

وانجلى السر لبصر أصبح اليوم حديداً

بعد ما انبلجت خيوط الصبح من دلج العشايا

جذبةٌ .. !

يده تراءت .. !

فتطاولتُ وأمسكتُ بحبلٍ

وتبصّرتُ بكحلٍ

لم أعد من هذه الدنيا

ولا هاتي البرايا ..

في فمي نبعٌ

وفي عينيَّ بستانٌ

وفي كفيَّ للنعمة طعم ودنانٌ

والفضاء الواسع الرحبُ تناءىٰ

وترامى

فانمحى البَعْدَ .. صُعُوداً ..

واختفى البُعْدُ. وُجُوداً ..

وزالت من زواياه الزوايا ..

ذُهل الحزنُ

وجفّت من محيطاتي همومي

٥٥

ولمستُ القاعَ .. ؟!

هل قاعٌ .. ؟!

وتحسستُ السقف ..

اَسَقْفً .. ؟!

.. ليس هذا ..

إنه الماضي

غزا قولي بنذرٍ من تشابيه البقايا ..

هاهنا عشقٌ

ومعشوقٌ

والعلاقات تَعَرَّت في كمالِ الوصلِ

وانطفأت شرارات الخطايا ..

وتجمّعْتُ على هيكل خُلد وصفاء

بعد ما كنت عظاماً

وقتاما

وتصاويرَ فناءٍ

وشظايا .. !

كم تجملتُ ..

فقد كنت قبيحَا. !

وتنافستُ ..

فلم أخْلُدْ كسيحَا

وتداويت بعشب العشقِ

٥٦

فازددتُ جروحَا .. !

فترجَّعتُ ..

فأصعدْتُ ذبيحَا ..

فتوسلتُ بنصل بين أضلاعِ ( الحسينِ )

فهمَّت تحتويني عن يمين العرش طوبى

وأحاطتني عصافير البشائرْ .. !

يائساً .. كنتُ ..

وقلبي كان مشقوقاً كصدري

ورجائي كان مصدوعاً كعمري

لم أكن أدري بأنّ ( الرمزَ )

في احرفِ ( عَشْرِ ) .. !

فتناولت يقيني ..

وتتبعت الوفدَ إلى ( الطَّفِّ )

لأعرف روحي

وهي عطشى فوق شطآن الخناجرْ ..

مسرعاً كنتُ .. كخيل جَمَحَتْ

فتعثرت بطفل كحّل الآفاق من دمهِ

ونحرُ الطفل يسقي الأرض نبضاً

ومِهاداً ..

ومحيّاه تجلَّى بالبراءاتِ

وصلَّى بين أشلاء المجاوزْ .. !

مُغمداً سيفيَ ... كنتُ

٥٧

فجرَّدْتُ ..

وملت بخيلي نحو أرض الكربِ

أُبلَى .. !

ضارباً من لحميَ المنهوشِ فسطاطاً

على هلع الحرائرْ .. !

واضعاً حتْفي على كفِّي

أشدُّ الشمسَ ..

يا شمسُ أعينينا

وكوني في زمان القهر والخذلان ناصرْ .. !

فتحيّرت لوجه فوق رمح

كسفَ الشمسَ

وأرسى نوره الخلابَ في حَدَق المنائرْ

أشرق الله ( بكوفانَ ) على الرمحِ

جهاراً ..

علّها تحيا ..

وتستيقظ هاتيك الضمائرْ .. !

زاهداً كانَ ..

كما كان أبوهُ ..

وخصفُ النعلِ خيرٌ

عندما تأبى الأمارَهْ .. !

إنَّ للبيعة عبئاً يثقل الأعناقَ

٥٨

أنتم ناقضوها .. !

فاستمرّوا ..

وانْسَخوا الآياتِ في غار حراء

وافتحوا في الكعبة العصماءِ

بيتاً للدعارهْ .. !!

٣ ـ ٣ ـ ١٩٩٥

٥٩
٦٠