بلون الغار .. بلون الغدير

المؤلف:

معروف عبد المجيد


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-192-3
الصفحات: ١٨٣

وغريب أهل البيت قرة عيننا

كفؤِ الملوك وعِزِّ كلِّ مدفَّعِ

ومحمدٍ ذي النور يسطع حوله

هذا الملقب بالجواد ، القانعِ

وعليٍّ الهادي النقيّ المرتضى

الناصح المفتاح ، دونك أو .. فَعِ .. !

والخالص الحسن الكتوم لسرّهِ

العسكريّ الشافع المستودَعِ

والقائم المهديّ كاشف غمِّنا

بُقيا النبوة والدليلِ القاطعِ

يا غائباً ، طال الغياب ، وعيننا

تشتاق طلعتك البهية ، فاطلعِ

يا راجعاً بعد الذهاب ، قلوبنا

مُدت إليك ، كما الأيادي ، فارجعِ

يا كاشف الغم الجسيم ، شفاهنا

نادتك من وسط المظالم ، فاسمعِ

يا صاحب الأمر الحكيم ، إلى متى

تبقى الأمور بلا لواء جامعِ ؟!

والدار يغزوها الفساد مدمدماً

كالسيل يأتي من محيط مترَعِ

يا صاحب الدار التي ممّا بها

قد آذنَت بتشقق وتصدّعِ

٢١

عجّلْ بسيفك ، فالدواء بحدّه

للجور والكفر الذئوم الناقع

يا حجة الله ، الذي بظهوره

يتفرق الطاغوت بعد تجمّعِ

اظهرْ ، فليس الماء في قيعاننا

للظامئين سوى سرابٍ خادعِ .. !

مهما تبعتك يا عليُّ ، فعاجزٌ

من للكسيح وراء سهم مسرعِ .. ؟!

أنت الشهاب ، أبو الشهاب ، وكلكم

شهب تحلّق في الفضاء المهيَعِ

أنت الامير أبو الأمير ، وكلّكم

أُمراءُ عزّ في زمانٍ خانعِ

أنت الامام أبو الأئمة من لكم

خُلِقَ الوجود ، وما أنا بالصاقعِ .. !

أنت الشهيد أبو الشهيد ، وكلكم

شهداء حق في العصور مُضيَّعِ

بيد الاولى سلبوا الولاية عُنوةً

وتوارثوها ذات يوم مُفجعِ .. !

ويد الاولى في مكةٍ قد أُطلقوا

والأدعياءِ ذوي الدعيّ ابن الدعي

٢٢

والطامعين الطالبين مناصباً

والساقطين من اللئام الوُضَّعِ

القلبُ ضاق بقيحه وجراحهِ

والعين كمهاء بفيض الأدمعِ

فاذا شكوتُ ، فللذي يُشكى له

وإذا فزعتُ ، فحيدرٌ هو مفزعي

وهو الملاذ إذا المقابر بُعثرت

وسُئلتُ : هل من ناصر أو شافعِ .. ؟!

شايعتُ من رُدّتْ له الشمس التي

رُدّت ـ إذا حلَّ الغروبُ ـ ليوشعِ

فاذا مَدَحْتُ ، فمدحتي مبتورةٌ

إن لم تكن مقرونة بتشيّعي .. !!

٤ ـ ١١ ـ ١٩٨٨

٢٣
٢٤



الفضائل



اللحظ يفتك كالقنا ويجندلُ

والقتل في شرع الغرام محلّلُ

والصبّ يرضى بالبلاء ، وطبعهُ

والصبّ يرضى بالبلاء ، وطبعهُ

صبر على محن الهوى وتحمُّلُ

والموت وصل ، والفناء تواصِلٌ

والخلد عقبى ، والنعيم منازلُ

من ذاالذي بالقلب أغرى لحظَهُ

ورمى به ، فأصيب مني مقتلُ ..؟!

قد كنتَ أعزلَ يا فؤادي ، فانبرى

لك فارس العشق الجليلُ ينازلُ

ودعاك فاخترت السلامة مكرَهاً

أيصول في سوح المعارك أعزلُ ..؟!

فأتاك من حيث استكنت مباغتا

والخيل من فرط الحماسة تصهلُ

٢٥

شهر الأسنة ، والسهامُ تدافعت

والطبل يُقرع ، والسيوف تصلصلُ

حتى إذا نهض الغريم يصدّها

بشغافهِ ، حمّ القضاء العاجلُ ..!

أكبرتُ جرحي واستطبت نزيفه

ودم الجراح لمن هوى لا يُغسَلُ

وكتمت ما بي ، وامتثلت تلذذاً

متجاهلاً عذلا ، أمثلي يُعذَلُ ؟!

وأنا الذي عشق الذي في شأنه

الآي فاضت والكتاب المنزَلُ ..!

يا ابن الأولى بزّوا البطاح مناقباً

وأبا الاولى ورثوا العلم وفُضّلوا

إن عدّدوا النبلاء ، أنتم أنبلُ

أو عدّدوا الفضلاء ، أنتم أفضلُ

أهلاً بمولدك السعيد ومرحباً

عيد أتانا بالبشائر يرفلُ

وكأنّ وجهك قد أطلّ ، وأشرقت

أنوارُ قدسك ، فاستضاء المحفِلُ

تسمو وتعلو يا عليّ وترتقي

وتنالُ أرفع ما يُلَقّى نائلُ

٢٦

ما حزتَ من حظ عظيم في العلا

ما حازه إلّا نبيٌّ مرسلُ ..!

شرفٌ على حسبٍ على نسبٍ علَى

مجد ، ومجدُ الهاشميّ مُؤَثَّلُ

يا كعبة الميلاد تيهي وافخري

هذا الوليدُ به الكمال مكمَّلُ ..!

حتى إذا فُطم الرضيع وجدتَهُ

قد شب من نبع النبوة ينهلُ

فاذا أتى أمرُ السماء محمداً

صدع الفتى ، وأقرَّ : أني أقبلُ

قالوا : صبيٌّ ، قلت : أحكمُ قومهِ

وقيل : ثان ، قلت : كلاَّ ..أولُ ..!

وهو الوزير ، هو الوصيُّ ، هو الخليـ

فة ، والأمير ، هو الامام العادلُ

من ظلَّ في بيت الرسالة قائماً

لما أغارت أبطن وقبائلُ

عادوا وقد عَميَتْ قلوبُهمُ التي

ضَلّت وباتت في الضلالة توغلُ

يا بعلَ فاطمةٍ ، وقد زُوّجتَها

من فوق سبع ، والشهود تُهلّلُ

٢٧

الخاطب الباري ، وحورُ العين حو

ل العرش في حلل السنا تتمايلُ

نور ونور زُوِّجا ، ما النور؟ قيـ

ل : هما ، ونورُ كليهما لا يأفلُ ..!

يا سيف بدرٍ يا مفلق هامهم

سقطوا وحولهم النساء تولول

أقبلت في أحد وغيرك أدبروا

ولووا أعنّة خيلهم ، وتسَلّلُوا ..!

وبرزت للصنديد عابرِ خندق

بئس القتيل ، ونعم هذا القاتلُ

يا ليث خيبرَ ، والحصونُ تمنعت

فدككتها ، وهوى يخرّ المعقلُ

يا راية الفتح المظفر ، مكة

خرجت إليك ، كماالحبيب ، تهرول

أنت المؤذن والأذانُ ومن حملْـ

تَ « براءةً » ، يُفدىٰ المؤدّي الحاملُ ..!

وُلّيتَ في يوم الغدير بآية

شهد الحجيج بها ، فكيف تُؤوَّلُ ؟!

أنت الوليّ ، ومن سواك معطلٌ

عنها ، وإجماع السقيفة باطلُ

٢٨

أفهكذا تأتي الخلافةُ فلتةً

وعن الأئمة ـ في الخفاء ـ تُحوَّلُ ..؟!

أين الشهامة والدماثة والندى

ونبيهم ـ من دون دفن ـ مُهمَلُ ..؟!

يا من له الأفلاك قد خُلقت ، وجلّـ

الخالق المبدي المعيد الأولُ ..!

يا أيها النبأ العظيم ، ومن به اخـ

تلفوا ، وعنه استفسروا وتساءلوا

يا حجة الباري ، وباب الله كن

لي شافعا ، فأجوز منك وأدخلُ

يا أيها الصدّيق ، والفاروق ، والـ

لقب الأصيل يُفاد منه فيُنحَلُ ..؟!

يا صاحب الأعراف ، والنجوى ، وسو

رةِ هل أتى ، فضل تليه فضائلُ

شمس تُردّ ، وراية تُعطى ، وحو

ض سائغ صافٍ وعذبٌ سلسلُ

أنت الصراط المستقيم ، ومن يحيـ

د عن الصراط مكابر ومضلِّلُ

أنت القسيم ، لمن أحبك جنّةٌ

ولمن قلاك جهنم وسلاسلُ

٢٩

يا أيها السِّفر المبين ، ومن له

علمُ الكتاب ، وجلّ من لا يبخلُ ..!

لم أختلقْ فضلاً ، ولكن أُنزلت

سور الكتاب به ، وعزَّ القائلُ ..!

بحر من الآلاء ليس يحدّه

حدٌّ ، فلا شطٌّ له أو ساحلُ

تحلوا المدائح في الأمير ، وتكتسي

ثوباً من النور البهيّ ، وتجمُلُ

يا والد الحسنين ، مدحك شاقني

فمضيتُ ، يحفزني الرضيُّ ودعبلُ

نالا بمدحك جنتين ، فليتني

بعضَ الذي نالا أنول وأحصلُ

حسبي عليٌّ موئلاً يوم الزحا

مِ ، إذا دعا الداعي وعزّ الموئلُ

فاذا وجدتُ صحيفتي مسودَّةً

وعلمتُ أنّ السيئاتِ الأثقلُ

ناديتُ من أحببته متحسّراً

ودموعُ عيني في خشوع تهطلُ

فلعله يمحو الذنوبَ بحبّه

والعفوُ من عند الحبيب مُؤَمَّلُ ..!

١٩٩٣

٣٠



فاجعة عاشوراء



طغى الحزن سيلاً فغطّى الحمى

ودمع المحبين أمسى دَمَا

يعود المحرّم في كل عامٍ

فنبكي عليك لحدّ العمى

فأنت المجدّل فوق الرمالِ

وأنت القتيل ، قتيل الظما

وماء الفرات صداق اللتي

تفوق بمن أنجبت مريما

نعبّ الدموع فلا نرتوي

وقد أغلقوا دوننا زمزما

فديتك يا أعظم الأعظمِينَ

ومن أصعد المرتقى هَاشما

تفضلْتَ فخراً على العالمين

بأصل وجذع وفرع سَمَا

فأنت الحسين وسبط الرسولِ

به حُزْتَ مَحتدك الأكرما

٣١

أبوك عليٌّ وصيُّ النبيّ

وأمّك من سُمّيَت فاطما

هما الأعليان ، هما الفاطمانِ

وخيرُ البريّة طرّاً .. هُما

مدحتك شعرا ، فتاه القريضُ

بمدحك ، ثم ارتقى سُلَّمَا

إلى المجد يا أمجد الأمجدينَ

وبزّ الكواكبَ والأنجما

وأزهرتِ المفردات اللواتي

صحون ، وكنّ مدًى نُوَّما

فواحدة قد غدت وردةً

وأخرى غدت جنبها برعما

ولكنّ دمعي بذكر المصابِ

تحدَّر كالغيث لمّا هَمَى

فناح قصيدي كمثل الثكالي

وقافيتي أصبحت مأتما ..!

طلبتَ النصيرَ ، فأعدمتَهُ

سوى قلة باركتها السما

وما كنتَ فظاً ولا مستبداً

ولا كنتَ وغداً ولا واغما

٣٢

وكم من مُوَالٍ دعاك لتأتي

أتيتَ ، ولكنه احجَمَا

فهذا أراد بها منصباً

وذاك أراد بها درهما

وذلك جعجع حتى تؤوبَ

وآخرُ من خلفه همهما

فما هنتَ نفسا ولا لنت عزماً

وظَلْتَ أمامهمُ قائما

تذود عن الدين رغم الحتوفِ

وتقصم ظهراً أتى قاصما

تغلغلت في صفهم مفرداً

فمن لم تنله أتى مُرغما

وضنّوا عليك بماء الفرات

فجرّعتهم مثله علقما

ومن بايعوك بدون وفاء

أضاعوا السواعد والمعصما

تصدّ المكابر والغاشما

ومن ؟! إنّها فئة قد بغت

تضم المنافق والآثما

وتحوي الطليق سليل الطليقِ

ربيبَ الثعابين ، والأرقما

٣٣

وتطوي الجناح على حاقدٍ

وطالب ثأر أتىٰ ناقما

يروم الاريكة والصولجانَ

ويبغي الخلافة ، لكنّما .. !

إذا نالها فاسق حقبةً

فلن تستقيم له دائما

تؤول الأمور لأصحابها

ويسقط غاصبها نادما

حججتُ إليكَ بكرب البلاءِ

وكنتُ بحزن الدُّنى مفعمَا

حثثت اليك الخطى من بعيدٍ

وزرتك أبغي بها مغنما

وجثتُ خلال الرواق الشريفِ

وقد ثار روعي ، وخوفي نما

ونبضي تعالى ، يدق ارتهابا

وخطوي يحاول أن يُقدما

فلما انتهيت ُلباب الضريحِ

وقفتُ بأعتابه واجما

أُسائل نفسي : أهذا الحسينُ

ومن في البلايا به يُحتمى ؟!

٣٤

وحين تأكدتُ مما أراهُ

وأني لست به حالما

طلبتُ الدخولَ ، فآذنتني

وأنتَ تراقبني باسما

رميتُ وجودي بحضن الضريحِ

ورحت أعانقه لاثما

ومرّغت خدي بخزّ الجنان

أباشر ملمسه الناعما

ورحت أنوح ، وأشكو طويلاً

لمابي ، ومابي ، ومابي ، وما .. !!

ويمناك تمسح قلباً عصيّا

وتُلقي على كربتي بلسما

وثغرك يلثم بالشهد عيني

فيطفىء جمراً بها ضارما

ونورك يغشى كياناً اضاءَ

وقد كان من قبلها مظلما

وحبك يزهر بين الضلوعِ

ويهدي الربيع لها موسما

وساد المكانَ سكون عميقٌ

وناطق حالي غداً اعجَما .. !

دهشتُ وقد حُزتُ هذا المقامَ

ونلتُ الشفاعة والمنسمَا

٣٥

فحسبي هذا العطاء العظيمُ

أعود به سالماً غانمَا .. !

ذكرتكَ ، والطفَّ ، والعادياتِ

وسبعين حُرّاً بقوا مَعْلَمَا

وعشرَ ليالٍ تبيت خميصاً

وغيرُك بات بها مُتخما

ورأسَك يثوي أمام الزنيم

يباهي ، وينكت منه الفَمَا

ووازنتُ عصري ، فألفيتُه

لئيماً كعصرك ، بل ألأما .. !

فهذا « يزيد » ، وحزب الرعاعِ

أقرّوه مولى لهم حاكما

و « شمرٌ » يناوشنا بالسهامِ

ويسبي الحليلة والمحْرَما

ويمنعنا عن أداء الصلاةِ

ويقتل في الكعبة المُحرما

وفي كل يوم حسين شهيد

تهز ظليمتُه العالَمَا

فتأتي السياسة في زيفها

وتُخفي الجريمةَ والمُجرما

٣٦

هو المُلك مُلك عضوض عقيم

فما أعضضَ المُلك ، ما أعقَما .. !!

مللنا السجون وشَدَّ الوثاقِ

وضربَ الرقاب وسفكَ الدما

وتُقنا لبارقة من ضياءٍ

تنير لنا ليلنا المظلما

ومعجزةٍ من يدٍ لا تكلّ

تفك السلاسلَ والأدهَمَا

وتُسقط شتّى عروش الطغاةِ

وهمّا على صدرنا جاثما

تسرّ الأعزّ ، وتُشقي الأذلَّ

وتترك في خَطمهِ مَيْسَما

تلفتُّ حولي فلم ألقَ إلّا

حسيناً ومنهجه الأقوما

ليهدم لذّاتِ أهل القصور

ويبني من الدين ما هُدِّما

١٩٩٢

٣٧
٣٨



مناحة الرؤوس المسافرة



يزمع ألمي ان يورق أسيافاً

تنغرز برأسي المحمول على الرمحْ

يا للموت المئويّ الرابع بعد الألفِ

وبعد العطش المتسرب من نهر الملحْ

يا للرأس الدائر في الافاق المدهوشة

بعد القتل

وبعد الذبحْ ..!

تتفرّد بي في هذي الليلة رؤيا

لم يرها غير نبيّ

ووصيّ نبيّ

لم يرها غير أبيّ

أو شاعر مرثية لحشاشة فاطمةٍ

وفؤاد عليّ

رؤيا خابطة في رأسي

كشعاع هرب من الشمس

وممزقة لستائر روحي كَصراخ المأتمْ

٣٩

فابيضّت عيناي من الحزنِ

ولم أكظمْ ..!

رؤيا هبطت من تلك البقعةِ

حيث أناخ الأحباب ركابَا

ليواري الاحباب الاحبابا

حيث العقر ، وحيث العطشُ

وحيث الموت تخطَّفَ أشبالاً

وشبابا ..

أفّ للناصر لو صار قليلَا

والعز إذا ولّى

والدّهر إذا بات خليلَا

[ يا دهر أف لك من خليلِ

كم لك بالاشراق والأصيلِ

من صاحب أو طالب قتيلِ

والدهر لا يقنع بالبديلِ

وحيث الفارس في الخيمةِ

يستذكر أبياتا ويعالج سيفَا

ويقلّب صفحات الماضي

ويناجي للموت القادم طيفَا

ويغالب عطشاً في صدرٍ

تتفجّر منه ينابيع الأبديّهْ

بالقرب من النهر الحافِل

٤٠