بلون الغار .. بلون الغدير

المؤلف:

معروف عبد المجيد


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-192-3
الصفحات: ١٨٣

و« طوسُ الإمامِ » هي الجوهرهْ ..

وقبته نجمة في السماءِ

تكبّر حتى تُصلي

جموعُ الملائكة المكْرمينَ

ومشهده ليلة مقمرهْ ..

وإن غابت الشمس ذات صباح

وفتشتَ عنها ..

تجدْها أتت « للرضا » زائرهْ ..

ومن زاره طامعاً في « ثلاثٍ »

رآهنّ رأي العيانِ

حقائقَ قدّامه سافرهْ .. !

فيا عازماً نحو تلك الديارِ

ويا واقفاً عند باب المزارِ

ويا نازل البلدة العامرَهْ ..

أنبتك عني ..

فأبلغْ سلامي « عليَّ بن موسى »

عليه السلامُ

وطفْ حول بقعته الطاهرَهْ ..

وقبّلْ ضريحا تجلّى بـ « طوسَ »

وعاج على « كربلاءَ »

بصدرٍ جريحٍ

وحَطّ الرحالَ برأسٍ ذبيحٍ

١٤١

على شاطىء « النيلِ » في « القاهرَهْ » .. !!

وعيدك .. عيدي ..

ومولدك المنتشي في شفاه الحياةِ

نشيدي

وطلعتك المستفيضة بالخيرِ

والبِرِّ

تهب الدماءَ وريدي ..

وتغمر بالوجد حقل وجودي

وتمنح شيعتكَ النبضَ والأقحوانْ ..

ألا أيها الفارس المحتفي

بانتصار « النبيّ » على شانئيهِ

وفوز « عليٍّ »

وفتح السماءِ

وإشراقة الأرض عند ظهور « المعزِّي »

لدى الركن في أخريات الزمانْ ..

تناءى عن العزِّ ركبُ « قريشٍ »

وبعدت قوافلنا عن « حراءٍ »

و « طيبةُ » لما استفاقت

أبيحت ثلاثاً

فصمتَتْ .. !

وفقد شيوخ الفصاحةِ

١٤٢

سِحر البيانْ ..

فبعني ـ فديتك ـ سيفاً جديدًا

أخوض به لجة الحرب في

عودة الجاهلية سِرًّا

وجهرًا

وردّةِ قومي

وكُفرِ السلاطين طُرًّا

وخوفِ الأمانْ .. !

أتيتك ـ يا سيدي ـ هارباً

من وباء « المغولِ »

وعسف « المماليك » بَرًّا

وبحراً

وودعت خلفيَ مُلكا عضوضاً

وشعباً مهيضاً

ووطناً مهانْ ..

« يزيدٌ » هناكَ ..

وهآنذا بِضعة من جراح « الحسينِ »

وهَدرةُ كمد بصدر « الرسولِ »

وقلبٌ توالى عليه الطّعانْ ..

أيا ثامن الحجج الطيبينَ

أعرني تراباً أعيش عليهِ

ووطناً رؤوماً أؤوب إليهِ

١٤٣

فاني طريد الفراعنة الأولينَ

وشوك بحلق الفراعنة الآخِرينَ

ووجهي عليه علامات نفيي

يقوم على أمره شاهدانْ .. !

وذنبي العظيم الذي ليس يُغفرُ أَني

دعوت « الخليفةَ » حتى يقيم الصلاةَ

فأحرق « مكةَ » دارًا فدارًا

وشِعباً فشِعباً

وضرب « الكعبة » بالمنجنيقِ

ومنع الأذانْ .. !!

حنانيكَ يا صاحب القبة العاليهْ ..

ورحماك يا ماسح الجرحِ

بالمخمل الهاشميِّ

ويا مُبرئَ الطعنة الداميهْ ..

غريبٌ أنا ..

أيّهذا الغريبُ .. !

يمزقني الهم شلوًا فشلوًا

وتقتلني الوحدة القاسيَهْ ..

وعذراً .. أيا حجة الله فوق العبادِ

ويا شافعاً عند هول المعادِ

ويا هاديَ الفرقة الناجيهْ ..

١٤٤

بكيتُ .. بيومٍ أغرَّ

وبين يديّ شموع وبشرى

بمولد نجم تألق في ليلة داجيَهْ ..

ورُبَّ عيون بكت فرحةً

مثل صوب الغمامِ

ودفق الينابيعِ

والساقيَهْ .. !

فبالأمس ـ يا سيدي ـ زال خوفي

فجردت سيفي

وأصلحت درعي وترسي

وأسرجت فرسي

وداهمت قصر الخلافة والجند خلفي ..

وألقيت بالتاج والعرش في الهاويَهْ ..

وجئت إليك على سن رمحي

برأس « ابنِ سهل » ..

وأبناء « عباسَ »

و « الطاغيَهْ » .. !

٩/٣/١٩٩٨

١٤٥
١٤٦



مُذَهَّبة لذوات الأوتار

من أجل الأجيال القادمةِ

نموتْ ..

من أجل الشمس ، ومن أجل الشربينِ ،

ومن أجل الجبل المشتعل ثلوجاً ،

والوَتَرِ ، وقيثار البوحْ ..

من أجل النخلةِ ، والوردةِ

وفراشات الصبحْ ..

من أجل الأطفال نموتْ ..

من أجل القمر الغائبِ

كي يطلع فوق قُرانَا ..

من أجل الشحاذ ليملك نهرًا من عسلٍ

وحِسَانَا ..

من أجل الوثن ليؤمن باللهِ

نموتْ ..

من أجل الله .. نموتْ ..

١٤٧

دمكَ الأنشودة والعيدُ وبذخ الميلادِ

وضحكُ القمر السابح فوق بحيرات الليلْ ..

دمك السدرُ ودمك السروُ

ودمك البلوط ودمك الحرمَلْ ..

دمك خرير الماءِ

وحادي الإبل المطعونةِ في الصحراءِ

ودمك الخيمة والمحمَلْ ..

دمك الجاري في أوردة الاشراقِ

وتُرع الآفاقِ

يقدس للزمن الدافىءِ ..

دمك المنعكس أغاريدَ على

وجه الجداولْ ..

دمك المزن المتساقطُ

فوق خدود الصيفِ ..

وفوق القصباتِ ..

وفوق الاَرز المشنوقِ

وفوق جنازات الخيلْ ..

دمك السعفات الراقصةُ

النشوانةُ

في عرس النَّخْلْ ..

دمك البيدر والسنبلةُ

ودمك المنجلْ ..

١٤٨

دمك الأحلى .. والأجملْ .. !

دمك المسجدُ

والمعبدُ

والمحراب الزاهرُ ..

والمنبرُ

والمذبحُ

والهيكلْ ..

دمك الباسم كبزوغ القديسينَ

ودمك الباهر كتجلي المعصومينَ

على مئذنة مدينة قلبي ..

دمك المنساب كفيضان النيلِ

يمهد لي دربي ..

بابك يا أفق الكَرَمِ ..

ويا دفق العشق المضطَرمِ

ويا ألق الشرق المتوهجِ

مفتوحْ ..

بابك وديان وسهولٌ

وتلالٌ .. وسفوحْ ..

بابك قرآنٌ ..

معجزةٌ

وتماوجُ سورَهْ

١٤٩

بابك ميناء ـ أسطورهْ

وقواربه السكرانة مسحورَهْ

بابك بئر للركب التائه في

بيداء الزمن تلوحْ ..

بابك نزف الشمس المقتولةِ

يا جرح الماضينَ

ويا وجع الآتينَ

ويا جسداً في عمق ضمير الأمّةِ

مطروحْ ..

بابك قافلة من شهداءَ

تصلي خلف إمام مذبوحْ ..

يا أنتَ ..

وأنت ملاذي المدخرُ ..

وكهفي حين أطارد في الأمصارْ ..

يا أنتَ ..

وأنت الناموس النازلُ

فوق ضفاف النيل ودجلةَ

حين كفرت بـ « إيزيسَ » و « عشتارْ »

يا أنتَ ..

وأنت تباشير الحريّةِ

حين أصادَرُ في السر وفي الجهرِ

١٥٠

وتُعييني كل مذاهب تلك المعمورةِ

وتضيق عليّ الأرض بما رحبت

وأباع كما العبد الآبقِ

في السوق الممتدةِ

من « طنجةَ » حتى « جاكرتا »

ومعي يرسف في قيد الرق الأسودِ

مليارْ .. !!

يا أنتَ ..

وأنت القمر المنفيُّ

إلى « الربذةِ »

والشمس الطالعةُ

من « البرسبوليسِ »

وصوت الفجر النائي

عن ظلمات « الحبشةِ »

وشهيد الأمّةِ « عمَّارْ » .. !

يا أنتَ ..

وأنت الأتباعُ وقد هبّوا لمؤازرتي

في « عام الفيلِ » ..

وأنت « طيور أبابيلِ »

وأنت الأحجارْ ..

يا أنتَ ..

وأنت النائم فوق سريري

١٥١

وقد اجتمعوا من كل بطون العربِ

وأنت الحرز المنسوجُ

على باب الغارْ ..

يا أنتَ ..

وأنت بواكير الهجرةِ

والقادم بـ « فواطمنا »

رغم عيون القومِ

وأنت الخارج في الصبح تغني :

طلع البدر علينا ـ

وتقود الناقة لـ « قباءَ » ..

وأنت مهاجرةُ العصرِ ..

وأنت الأنصارْ ..

يا أنتَ ..

وأنت فتايَ ، وسيفي

والحامل في المعركة لوائي ..

والمدد القادم أحصنةً وملائكةً

ومجدّل أعدائي

في الموقعة الأولى

والرافع لندائي

والصائح : « يا منصور أمِتْ » ..

والآخذ بالثارْ

يا أنتَ

١٥٢

وأنت الصامد بجواري

وأنا أدعوهم في أُخراهم

إذْ صعدوا .. لا يلوون على أحدٍ

والله خبير بالأسرارْ .. !

يا أنتَ ..

وما التاريخ إذا لم تُخلق أنتَ

وما الأفلاكُ ..

وما الجنة .. والنارْ .. ؟!

يا أنتَ ..

وما أدراهم من أنتَ .. !

فهاكَ الرايةَ ..

واقتل « حبترَ » ..

واذبح « قنفذَ » ..

واصلب « نعثلَ » ..

واستنقذ « فَدَكاً »

من أيدي « بيبرس البُنْدُقْدارْ » !!

« إني أُخبرُ من جهة فضاء الربِّ »

الموحي

« هو ترس لي »

يتولى تضميد جروحي ..

و« الرب يعضدني » ..

١٥٣

ويناصرني في غزواتي وفتوحي

وأنا أسجد وأرتل في « عرفاتَ »

نشيد أناشيدي

وأناولُ في « كوفانَ » شهيدَ المحراب

سلافةَ روحي

وأسلّي القلبَ

وأنفخ في المزمارِ

« سِلاَهْ »

إني أول من شهد الجبل المندكَّ

وصاحبَ « لوطاً » وهو يغادر قريتهُ

والناجي الأول بعد عذاب الظُّلَّهْ

وأنا قنطرة طلوعٍ

تربط بين النيل ودجلَهْ

وأنا من أهدى للعرب العاربة قديماً

أول نَخْلَهْ

وأنا أول من صلّت شطر مقامي القبلَهْ

وأنا المغمورُ بمجد ذوات الأوتارِ

الصادحة بميلادي في البيت المعمورِ

« سِلاَهْ »

« يا ربّ لماذا تقف بعيدَا » ..

١٥٤

و « لماذا لا تظهر في أيام الضيق »

وتُبدعني

[ وأنا المسكينُ المحترقُ بكبر الشرير ]

أعيش طريدَا ..

[ وأنا القائل لا أتزعزع .. في قلبهْ ]

كالفارس بين صبايا شَعبِهْ ..

« قم يا ربّ فلا يعترُّ الانسانُ »

وتُحرقُ داري وبها بنتُ رسولِ اللهِ

« سِلاهْ »

و « يقول الجاهل في قلبهْ »

« ليس إلٰهْ » .. !

كالطائر ينأى عن سِرْبِهْ

لكني يا رب « على رحمتك توكلتُ »

وبايعتُ بـ « خُمَّ » « عَلِيَّا »

فتعاليتَ عُلُوًّا .. وتقدستَ ..

« سلاهْ »

وعدوي « كالأسد القَرِمِ وكالشبلِ

الكامن في عِرّيسِهْ »

« قم يا ربّ ، تقدمْهُ ، اصرعهُ »

و« أَنصت لصراخي »

١٥٥

يا رب و « أَصْغِ إلى صلواتي من

شفتين بلا غش »

كنبيٍّ يجهد في تقديسِهْ

« واحفظني كالحدقة في العينِ »

لعلِّي أبصر وجه الشمس وقد رُدَّتْ

يا ربِّ لـ « ذي القرنينِ »

« سلاه » ..

هو هذا السَّبْيُ ..

وهذا النفيُ ..

ومزماري مزمارُ قرارٍ

ومذهَّبتي أنشودةُ شعب منشوقٍ

وصلاتي « أغنيَّةُ تدشينِ البيتِ »

[ فهل يحتسب الربُّ لمثلي اليومَ

خطيئهْ ] ؟!

سبحانك .. !

هب لي من عندك أرضاً

وطنًا ..

قَبْرًا ..

دنياً بالصبَّار مليئَهْ ..

سبحانك يا رب ـ فلا يدفنني أحدٌ

في أرض التيهِ إذا مِتُّ

١٥٦

ولم يشهدني من أهواهْ ..

بل ابعث « إيليَّا » حتى يدفنني

في « المكفيلةِ »

فوق ضفاف النيلِ ..

« سلاهْ » ..

من أجل النهر نموتْ

من أجل المطر نموتْ

من أجل الزنبقِ

وشقائق جنَّاتِ الموتِ

نموتْ ..

من أجل الميلاد نموتْ .. !!

١٥/٩/١٩٩٨

« ... » تضمينات من مزامير داود

[ ... ] اقتباسات من مزامير داود

١٥٧
١٥٨



موعد مع الشراع

مهدك أخضرْ ..

يا ميقاتاً عاد إلى الكونِ

وقد كان يباباً مغموراً بالظلماتِ

فأقمرْ ..

مهدك حَلَّقَ فوق سديم العالمِ

فصلَ ربيعٍ ..

فتفتق بالأنجمِ

وتبرعمَ بالأنوارِ

وأزهر بشموس المدنيَّةِ

وحضارات الأشجارِ

..... وأثمرْ ..

مهدك هودجنا القادم

بالتاريخ الحاشدِ

قبل التكوينِ

وقبل التقديرِ

وقبل النفخةِ

والتكويرِ

١٥٩

وقبل الأعصُرْ ..

مهدك فُلكٌ يتلو طوفان الآيات النبويةِ

للعطش الشيعيِّ

فشاطئه ( عيبة علم اللهِ )

وضفته ( الكوثر )

بهرتني أعراس الوجدِ

وقد كنت من ابيضت عيناهُ

من الحزن الجارفِ

فتمسّح في مهدك يوم الميلادِ

فأشرق فيه الشوق اليعقوبيُّ

وأبصَرْ .. !!

رقصت فوق شفاهي كلمات الولهِ

كغصن البانِ

تمايل .. وتثنَّى

حتى صار نسيماً .. فتكسَّرْ ..

وتغنت باسمك شمعات عيوني

وفراشاتُ الصبح الحالمِ

وسط الأنداء الفضيةِ

في صحو البلورِ .. على طبق جفوني ..

فتحول صوف الأعرابِ حريرًا

وتبدل صخر البيداءِ

١٦٠