مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

في «المعتبر» (١) ، وهو على ما نقل مذهب الثلاثة وأتباعهم (٢) ، ولا بأس به وإن ضعف السند ، للمسامحة في أدلّة السنن والكراهة.

هذا ، مع احتمال حصول التثبت والتبين من أقوالهم وفتواهم بمضمونها.

قوله : (وليلة سبع عشرة). إلى آخره.

المستند في ذلك بعد فتوى الأصحاب أخبار كثيرة :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهم‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبع عشرة من شهر رمضان ، وهي ليلة التقى الجمعان ، وليلة تسع عشرة ، وفيها يكتب الوفد وفد السنة ، وليلة إحدى وعشرين ، وهي ليلة التي اصيب فيها أوصياء الأنبياء ، وفيها رفع عيسى عليه‌السلام ، وليلة ثلاث وعشرين ، وفيها يرجى ليلة القدر» (٣) ، الحديث.

قوله : (بل مرّتين في الأخير).

دليله التأسّي بهم عليهم‌السلام حيث فعلوه فيها ، كذلك على ما يظهر من بعض الأخبار (٤).

أمّا على القول باستحباب التأسّي فظاهر ، وأمّا على القول بوجوبه فكذلك هنا أيضا ، لقيام القرينة على الاستحباب ، مضافا إلى ضعف السند ، مع المسامحة في أدلّة السنن والكراهة.

روى ذلك الشيخ عن بريد ، قال : رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ١٦٥ ، المعتبر : ١ / ٣٥٥.

(٢) لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ١٦٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٧ الحديث ٣٧٨٠ ـ ٣٧٨٢.

٨١

مرّتين : مرّة من أوّل الليل ومرّة من آخره (١).

والظاهر كونه من رمضان ، وسقط لفظة «من شهر رمضان» لأنّه روى مثله ابن طاوس في «الإقبال» بإسناده إلى بريد بن معاوية ، وفيه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان (٢).

قوله : (وليلة النصف من شعبان).

المستند فيه ما رواه الشيخ عن هارون بن موسى بسنده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه» (٣).

وضعف سنده باشتماله على أحمد بن هلال الضعيف غير قادح للانجبار بعمل الأخيار ، وللمسامحة في أدلّة السنن ، مع أنّ في «الفقه الرضوي» عدّ غسل ليلة النصف من شعبان من الأغسال (٤).

قوله : (ويوم النيروز).

يدلّ عليه ما رواه الشيخ في «المصباح» عن المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك» (٥) ، الحديث.

والظاهر أنّه نيروز الفرس ، وهو يوم تحوّل الشمس إلى برج الحمل وأوّل سنة الفرس.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٣١ الحديث ١٠٣٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١١ الحديث ٣٧٢٧.

(٢) إقبال الأعمال : ٢٠٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١١ الحديث ٣٧٢٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٧ الحديث ٣٠٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٥ الحديث ٣٨٠٤.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٤٩٧ الحديث ٢٥٥١.

(٥) مصباح المتهجّد : ٥٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٥ الحديث ٣٨٠٥ ، بحار الأنوار : ٥٦ / ١٠١ الحديث ٣.

٨٢

قوله : (وإذا أراد الإحرام).

المشهور بين الأصحاب استحباب هذا الغسل ، بل قال المفيد ـ على ما نقل عنه ـ : غسل الإحرام للحجّ سنّة أيضا بلا خلاف (١).

وعن الشيخ في «التهذيب» : أنّه قال : إنّه سنّة بغير خلاف (٢).

وربّما يظهر من «أمالي الصدوق» عدم وجوبه عند الإماميّة (٣) ، فلاحظ!

وأوجبه ابن أبي عقيل (٤) ، بل نقله المرتضى عن كثير من الأصحاب على ما قيل (٥).

استدلّ للمشهور بصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء الله تعالى فانتف إبطيك وقلّم أظفارك وخذ من شاربك». إلى أن قال : «استك واغتسل والبس ثوبيك» (٦) لأنّ الظاهر كون الغسل للاستحباب ، كما تشعر به الأوامر المتقدّمة ، فإنّها للندب بغير خلاف (٧).

أقول : والأجود الاستدلال لهم بالأصل والإجماع المنقول ، وبما رواه في «العيون» أنّ الرضا عليه‌السلام كتب إلى المأمون من محض الإسلام : «وغسل يوم الجمعة سنّة ، وغسل العيدين ، ودخول مكّة والمدينة والزيارة والإحرام وأوّل ليلة من

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٣١٥ ، لاحظ! المقنعة : ٥٠.

(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٢ / ١٦٨ ، لاحظ! تهذيب الأحكام : ١ / ١١٣ ذيل الحديث ٣٠١.

(٣) أمالي الصدوق رحمه‌الله : ٥١٥.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣١٥.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣١٥ ، لاحظ! الناصريّات : ١٤٧ المسألة ٤٤.

(٦) الكافي : ٤ / ٣٢٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٢٣ الحديث ١٦٤١٠.

(٧) مدارك الأحكام : ٢ / ١٦٨ و ١٦٩.

٨٣

شهر رمضان وسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين ، وهذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله» (١).

لا يقال : إنّ الاستدلال به يتوقّف على ثبوت كون لفظ «السنّة» حقيقة في ما هو المصطلح عليه بين الفقهاء ، لا ما يستفاد من الأخبار من كونه حقيقة في ما يقابل الفريضة المستفاد وجوبه من الكتاب ، أي : ما يستفاد شرعيّته من طريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه على الثاني يكون أعمّ من المستحبّ.

لأنّا نقول : المراد بالسنّة فيه ـ كيف ما كان ـ هو المعنى المصطلح عليه بين الفقهاء ، لوجود القرينة على ذلك فيه ، وهو قوله عليه‌السلام : «وغسل الحيض مثله».

والظاهر التمثيل في كونه فريضة وليس بسنّة ، ولا شكّ أنّ هذا التمثيل إنّما يتمشّى على المعنى المصطلح عليه وهو الوجوب ، وأمّا على ما يستفاد من بعض الأخبار (٢) من كونه [مقابل] ما ثبت وجوبه من القرآن فلا ، لكونه سنّة وليس بفريضة عكس التمثيل.

أمّا الأوّل ، فلاستفادة وجوبه من طريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا الثاني ، فلعدم استفادته من الكتاب ، بل ورد في الأخبار أنّ غسل الحيض سنّة (٣).

ويؤيّدهم روايات اخر مثل صحيحة معاوية المذكورة (٤) ، وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر [موطنا ليلة سبع عشرة] من شهر رمضان وهي ليلة التقى الجمعان ، وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٥ الحديث ٣٧١٣ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ١٧٦ الحديث ١٨٦١ و ١٨٦٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ١٧٤ الحديث ١٨٥٥ ، ١٧٦ الحديث ١٨٦٢ ، ١٧٢ ذيل الباب ١ من أبواب الحيض.

(٤) الكافي : ٤ / ٣٢٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٣٨٩٧.

٨٤

السنة ، وليلة إحدى وعشرين ـ إلى أن قال ـ وليلة ثلاثة وعشرين يرجى فيها ليلة القدر ، ويومي العيدين ، وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ـ إلى أن قال ـ وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (١).

وجه الدلالة ، أنّه ذكر المستحبات ثمّ ذكر الواجبات.

ومثلها صحيحة ابن عمّار عنه عليه‌السلام : «الغسل من الجنابة ، ويوم الجمعة ، والعيدين ، وحين تحرم ، وحين تدخل مكّة والمدينة ، ويوم تزور البيت» (٢). إلى آخره ، إذ لو كان واجبا لكان ذكره بعد غسل الجنابة ، لا أن يذكر المستحبات ، ثمّ يذكره في ضمنها ، فتأمّل!

ومثل هذه الأخبار أخبار اخر تصلح لتأييدها (٣) فلاحظ!

قال المحقّق في «المعتبر» : ولعلّ القائل بالوجوب استند إلى ما رواه محمّد بن عيسى ، عن يونس عن بعض رجالة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا : الفرض ثلاثة ، [فقلت : جعلت فداك ، ما الغرض منها؟ قال] : غسل الجنابة ، وغسل من مسّ ميتا ، والغسل للإحرام» (٤) ، ومحمّد بن عيسى ضعيف ، وما رواه عن يونس لا يعمل به ابن الوليد ، كما ذكره ابن بابويه (٥) ، مع أنّه مرسل ، فيسقط الاحتجاج به (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧٠٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٤ الحديث ٣٧١٠ ، ٣٠٦ الحديث ٣٧١٥ ، ١٣ / ٢٠٠ الحديث ١٧٥٦٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٥ الحديث ٢٧١ ، الاستبصار : ١ / ٩٨ الحديث ٣١٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٧٤ الحديث ١٨٥٥.

(٥) نقل عنه في رجال النجاشي : ٣٣٣ الرقم ٨٩٦.

(٦) المعتبر : ١ / ٣٥٨.

٨٥

أقول : الاعتراضات ليست بجيّدة.

أمّا الأوّل ، فلعدم ضعف محمّد بن عيسى ، للنصّ على توثيقه من علماء الرجال (١).

وأمّا الثاني ، فلأنّه لا ضرر في عدم عمل ابن الوليد ، كما حقّق في «الرجال» (٢).

وأمّا الثالث ، فلأنّ الإرسال عن يونس ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٣).

فالأجود الجواب بمعارضة ما دلّ على استحبابه ، وترجيحه بفتوى الأكثر والاصول ، والمؤيّدات من الأخبار ، وندرة القائل بالمعارض ، والإجماعات المنقولة ، وأنّ مراد السيّد من الوجوب لعلّه ما يكون على تركه العتاب ، كما صرّح به الشيخ بأنّ الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب على تركه العتاب (٤) ، وإلّا فلا يستقيم كلامه على ما هو الظاهر ، والله يعلم.

على أنّ الإجماعات المنقولة كلّ واحد منها مقام خبر واحد حجّة لا يقصر عنه ، كما حقّق.

ويؤيّد القائل بالوجوب ما في «الفقه الرضوي» : والفرض من ذلك غسل الجنابة ، والواجب غسل الميّت والإحرام ، والباقي سنّة (٥).

وهما ظاهران في الوجوب ، لكنّه ومرسلة يونس معارضان بما هو أقوى منهما ، كما ذكرنا ، ولكن الأحوط عدم الترك مهما أمكن.

__________________

(١) رجال الكشّي : ١ / ٢٦٩ الرقم ١٠٢ ، رجال النجاشي : ٣٣٣ الرقم ٨٩٦.

(٢) لاحظ! تعليقات على منهج المقال : ٣١٣.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ ذيل الحديث ١٣٢.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ مستدرك الوسائل : ٢ / ٤٩٧ الحديث ٢٥٥١.

٨٦

قوله : (أو دخول مكّة). إلى آخره.

يدلّ عليه ـ مضافا إلى ما مرّ من رواية «العيون» المتقدّمة من محض الإسلام (١) ـ صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «الغسل من الجنابة ، والعيدين ، وحين تحرم ، وحين تدخل مكّة والمدينة ، وحين تدخل الكعبة» (٢).

وفي «الفقه الرضوي» : «وغسل دخول المدينة ، وغسل دخول الحرم ، وغسل دخول مكّة» (٣).

وروى في «التهذيب» عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الغسل من الجنابة ـ إلى أن قال ـ وحين تدخل الحرم ، وإذا أردت دخول البيت ، وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

هذا ، وسيأتي الكلام فيه وفيما بعده في كتاب الحجّ إن شاء الله تعالى.

قوله : (أو زيارة أحد المعصومين عليهم‌السلام).

أمّا زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام والحسين عليه‌السلام والرضا عليه‌السلام ، فالأخبار للغسل لها كثيرة مشهورة (٥) لا فائدة في ذكرها هنا.

وظاهر الأصحاب طرده في زيارة جميع الأئمّة عليهم‌السلام (٦) ، وتوقف فيه بعض

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣٠ الحديث ١.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧٠٨.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٤٩٧ الحديث ٢٥٥١.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٥ الحديث ٢٧٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٩.

(٥) راجع! وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٩٠ الباب ٢٩ ، ٤٨٣ الباب ٥٩ ، ٥٦٩ الباب ٨٨ من أبواب المزار.

(٦) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٤ / ١٨٨ و ١٨٩.

٨٧

الأصحاب حيث قال : إنّا لم نقف عليه عموما ، نعم ، ورد في خصوص بعض الموارد كزيارة علي والحسين والرضا عليهم‌السلام أحاديث كثيرة (١).

أقول : يدلّ على التعميم ما رواه الشيخ في «التهذيب» ، عن العلاء بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٢) قال : «الغسل عند لقاء كلّ إمام» (٣) وهو دالّ بعمومه على استحباب الغسل للدخول عليهم عليهم‌السلام حيّا وميّتا.

وما رواه سماعة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «وغسل الزيارة واجب» (٤) ، وفي صحيحة ابن مسلم الواردة في تعدّد الأغسال : «ويوم الزيارة» (٥).

لكن قال بعض مشايخي : إنّ المراد زيارة البيت لا زيارة الإمام عليه‌السلام ، كما يظهر من صحيحة عمّار حيث قال : «ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة» (٦).

ورواية ابن مسلم أيضا بهذا السياق ، وإن لم يكن فيها التصريح بلفظ «البيت» ، فاستدلال «المدارك» وغيره بالصحيحة ، ورواية سماعة على المطلوب (٧) لا يخلو عن تأمّل.

فالأولى الاستدلال للعموم بمثل ما ذكرنا ، مع ما ورد عنهم عليهم‌السلام : أنّ

__________________

(١) نقل عنه في الحدائق الناضرة : ٤ / ١٨٩.

(٢) الأعراف : ٧ / ٣١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٦ / ١١٠ الحديث ١٩٧ ، وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٩٠ الحديث ١٩٤٤٤.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٤ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧٠٨.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٧٦ ، مدارك الأحكام : ٢ / ١٦٩.

٨٨

حرمتهم عليهم‌السلام ميّتا كحرمتهم حيّا (١).

مع أنّ زيارة الجامعة المشهورة الطويلة الواردة لزيارة كلّ إمام عليه‌السلام يكون مع الغسل بنصّ كلام المعصوم عليه‌السلام (٢) ، حتّى أنّه وقع التأمّل في جواز هذه الزيارة بغير غسل.

وعلى التخصيص بما نقل عن ابن قولويه أنّه روى في كتاب «كامل الزيارات» في زيارة الكاظم والجواد عليهما‌السلام ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عمّن ذكره ، عن أبي الحسن عليه‌السلام رفعه ، قال : «إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمّد بن علي الجواد عليهم‌السلام فاغتسل وتنظف والبس ثوبيك الطاهرين» (٣) ، الحديث.

وروى فيه أيضا في زيارة أبي الحسن وأبي محمّد عليهما‌السلام قال : روي عن بعضهم عليهم‌السلام أنّه قال : «إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمّد وأبي محمّد الحسن بن علي عليهم‌السلام تقول بعد الغسل إن وصلت إلى قبرهما وإلّا أومأت بالسلام عند الباب الذي على الشارع» (٤) ، الحديث.

فإذا ورد في زيارة هؤلاء الغسل ، فلا شكّ في أنّ جميعهم نور واحد ومنزلتهم وحالتهم واحدة ، فلا معنى لكون الغسل مستحبا في زيارة بعضهم دون بعض ، بل يكون مستحبا في زيارة أكثرهم ولا يكون مستحبا في زيارة الباقي ، بل القطع حاصل بعدم التفاوت.

هذا ، مضافا إلى الرواية السابقة.

مع أنّ المستحب يكفي فيه فتوى فقيه واحد ، كما عرفت ، فما ظنّك بفتوى الفقهاء؟

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) : حرمتنا ميّتا كحرمتنا حيّا.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٣٠٥.

(٣) نقل عنه في الحدائق الناضرة : ٤ / ١٨٩ ، لاحظ! كامل الزيارات : ٥٠١ الحديث ٧٨٣ و ٧٨٤.

(٤) كامل الزيارات : ٥٢٠ الحديث ٨٠٢.

٨٩

قوله : (أو الاستسقاء).

يدلّ عليه موثّقة عمّار (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجمعة؟ فقال : «واجب ـ إلى أن قال ـ وغسل الاستسقاء واجب» (٢) ، وهو محمول على تأكّد الاستحباب ، وعلى ذلك يحمل الوجوب المطلق على المندوب في الأخبار ، للإجماع.

قوله : (أو الاستخارة).

يدلّ عليه موثّقة سماعة المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : «وغسل الاستخارة مستحب» (٣).

وفي «الفقه الرضوي» : «الغسل ثلاثة وعشرون : من الجنابة والإحرام ـ إلى أن قال ـ وغسل الاستخارة ، وغسل طلب الحوائج إلى الله تبارك وتعالى» (٤).

وظاهرهما استحباب الغسل بمجرّد طلب الخيرة منه تعالى ، وإن لم يكن هناك صلاة ، كما ذكره المصنّف.

لكن المشهور بين الأصحاب استحبابه لصلاتها ، والكلّ حسن إن شاء الله تعالى.

قوله : (أو صلاة الكسوف).

قد تقدّم الكلام في ذلك مستوفى في بحث صلاة الكسوف (٥).

__________________

(١) هكذا في النسخ والصحيح «سماعة».

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٤ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٤٩٧ الحديث ٢٥٥١.

(٥) راجع! الصفحة : ٤٦٩ ـ ٤٧٢ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

٩٠

قوله : (وإذا أحدث).

ولعلّه لعموم ما دلّ على كون الإحرام مع الغسل والزيارة كذلك (١).

لكن سيجي‌ء في كتاب الحجّ استحباب إعادة غسل الإحرام إذا أكل ما ليس له أكله ، أو لبس ما ليس له لبسه قبل الإحرام (٢) ، من دون إشارة إلى ما ذكره هنا ، كما أنّه هنا لم يشر إلى ما سيذكر هناك ، فلا تغفل.

قوله : (وإذا تاب عن الذنوب).

هذا الغسل معروف عند الأصحاب بغسل التوبة ، وفي كثير من عبارات الأصحاب قيّدوها بكونها عن فسق (٣) ، كما أنّ المفيد رحمه‌الله صرّح بالتقييد بالكبائر (٤). فليس هذا مخصوصا بالمفيد ، كما يظهر من عبارة المصنّف ، لأنّ الصغيرة لا يكون عندهم فسقا ، كما عرفت في مبحث العدالة.

بل يمكن أن يكون الكلّ يريدون ذلك ، لأنّ الظاهر من الحاجة إلى الغسل بحسب التعارف وقوع عظم في ما يتاب عنه ، كما أنّ ظاهر الرواية الدالّة على هذا الغسل أيضا كذلك.

على أنّ الصغيرة مكفّرة بمجرّد ترك الكبائر ، كما مرّ في مبحث العدالة.

مع أنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل.

مع أنّ مستند فتواهم في غاية الوضوح من الدلالة على الاختصاص بالكبيرة ، لأنّ الرواية هكذا قال ـ أي الراوي وهو مسعدة بن زياد ـ : كنت عند أبي

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٣٠ الباب ١١ و ٣٣٢ الباب ١٣ من أبواب الإحرام.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ٤٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ١٧١ ، ذخيرة المعاد : ٨.

(٤) المقنعة : ٥١.

٩١

عبد الله عليه‌السلام ، فقال له رجل : إنّي أدخل كنيفا ولي جيران وعندهم جوار يتغنّين ويضربن بالعود فربّما أطلت الجلوس استماعا منّي لهنّ فقال عليه‌السلام : «لا تفعل» ، فقال الرجل : والله ما أتيتهن ، وإنّما هو سماع أسمعه باذني ، فقال عليه‌السلام : «تالله أنت ما سمعت الله يقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١)» فقال الرجل : بلى والله كأنّي لم أسمع بهذه الآية من عربي ولا عجمي ، لا جرم إنّي لا أعود إن شاء الله تعالى ، وإنّي أستغفر الله ، فقال له : «قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك ، فإنّك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك ، احمد الله وسله التوبة من كلّ ما يكره ، فإنّه لا يكره إلّا كلّ قبيح ، والقبيح دعه لأهله فإنّ لكلّ أهلا» (٢).

فإنّه عليه‌السلام علّل أمره إيّاه بالغسل بكونه مقيما على أمر عظيم ، فإنّه ظاهر الدلالة في كونه مقيما على الكبيرة لا الصغيرة ، سيّما مع ضمّ قوله عليه‌السلام : «ما كان أسوأ حالك». إلى آخره.

مضافا إلى الظهور من الخارج أنّ استماع الغناء وضرب العود على احتمال كونهما من الصغائر ، لا شبهة في كون السائل مصرّا عليهما.

مع أنّ ما ورد في ذمّهما يظهر منه كونهما من الكبائر الشديدة ، حيث ورد في غير واحد من الأخبار أنّ تعليم المغنّيات كفر والاستماع منهنّ نفاق (٣).

ولا يضرّ قوله عليه‌السلام : «وسله التوبة عن كلّ ما يكره» إذ لا يظهر كون الغسل لأجل توبته عن كلّ ما يكره ، فتأمّل!

__________________

(١) الإسراء (١٧) : ٣٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٦ الحديث ٣٠٤ وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣١ الحديث ٣٧٩٥ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٥ / ١٢٠ الحديث ٥ و ٧ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٥٦ و ٣٥٧ الحديث ١٠١٨ و ١٠٢١ ، الاستبصار : ٣ / ٦١ الحديث ٢٠١ و ٢٠٤ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ١٢٣ و ١٢٤ الحديث ٢٢١٥٣ و ٢٢١٥٥.

٩٢

ونقل عن المحقّق في «المعتبر» أنّه قال ـ بعد ذكر هذا الخبر ـ : هذه مرسلة ، وهي متناولة صورة معيّنة فلا يتناول غيرها ، والعمدة فتوى الأصحاب ، منضما إلى أنّ الغسل خير ، فيكون مرادا (١) ، انتهى.

وفيه ، أنّ الرواية مذكورة في كتب معتبرة مثل «الكافي» وغيره جميعا ، مع أنّها في «الكافي» رواها عن علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد (٢) وكلّهم ثقات عن الصادق عليه‌السلام ، ومنجبرة بفتاوى الأصحاب مع المسامحة في أدلّة السنن.

وما ذكره من أنّها متناولة. إلى آخره. فيه ، أن قوله عليه‌السلام : «فإنّك كنت مقيما على أمر عظيم» تعليل لأمره بالغسل ، فيشمل جميع ما هو أمر عظيم ، وأنّه ما أسوأ حاله لو مات على ذلك.

وقوله : أنّ الغسل خير. إلى آخره ، فيه ، أنّه لم يظهر بعد كونه خيرا مطلقا.

قوله : (أو مسّ ميتا بعد غسله).

لموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يغتسل الذي غسل الميّت وكلّ من مسّ ميّتا فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسل» (٣) ، وحملت على الاستحباب للإجماع والأخبار الدالّة على كون الوجوب قبل الغسل وبعد البرد منها : ما مرّ.

ومنها : قويّة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : «ولا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله» (٤) ، أي : ليس عليه غسل بقرينة صدر الرواية.

__________________

(١) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٢ / ١٧١ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ٣٥٩.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٣٢ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣١ الحديث ٣٧٩٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٣٠ الحديث ١٣٧٣ ، الاستبصار : ١ / ١٠٠ الحديث ٣٢٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٥ الحديث ٣٦٩٣.

(٤) الكافي : ٣ / ١٦٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٨ الحديث ٢٨٤ ، الاستبصار : ١ / ٩٩ الحديث

٩٣

ومنها : صحيحة ابن سنان عنه عليه‌السلام بذلك المضمون (١).

ومنها : مكاتبة الصفّار أنّه عليه‌السلام وقّع : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل» (٢).

ومنها : صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس» (٣).

قوله : (أو سعى). إلى آخره.

لما قال في «الفقيه» : وروي : «أنّ من قصد إلى رؤية مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة» (٤) ، وضعف السند يمنع عن الحمل على الوجوب ، وإن قال أبو الصلاح بوجوبه (٥).

قيل : لا فرق بين المصلوب الشرعي وغيره ، ولا بين أن يكون الصلب على الهيئة المعتبرة وغيره ، للعموم والمسامحة (٦).

قوله : (أو قتل وزغة).

هذا مشهور بين الأصحاب ، وأنّه من جهة النص ، لما روى في «الخرائج» عن عبد الله بن طلحة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوزغ؟ قال : «هو رجس

__________________

٣٢٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٣ الحديث ٣٦٨٥.

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٣٠ الحديث ١٣٧٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٥ الحديث ٣٦٩٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٩ الحديث ١٣٦٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٠ الحديث ٣٦٧٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٨٧ الحديث ٤٠٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٣٠ الحديث ١٣٧٠ ، الاستبصار : ١ / ١٠٠ الحديث ٣٢٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٥ الحديث ٣٦٩١.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٢ الحديث ٣٧٩٨ مع اختلاف يسير.

(٥) الكافي في الفقه : ١٣٥.

(٦) قاله الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨ ، السبزواري في ذخيرة المعاد : ٨.

٩٤

مسخ ، فإذا قتلته فاغتسل» (١) ـ يعني شكرا ـ الحديث.

ولما قال الصدوق في «الفقيه» : وروي : أنّ من قتل وزغا فعليه الغسل (٢) ، وربّما علّل بأنّ القاتل يخرج عن ذنوبه (٣) والله يعلم.

قوله : (وغسل المولود).

في «الذخيرة» : أنّه حين ولادته على المشهور بين الأصحاب ، وقال شاذ منّا بوجوبه استنادا إلى رواية سماعة (٤).

ومراده منها الرواية الطويلة المتضمّنة لذكر الأغسال المستحبة كلّها بلفظ الوجوب إلّا ما ندر (٥) ، فلا شبهة في كون المراد الاستحباب في جميع ما ظهر استحبابه ، وأمّا ما لم يظهر فالسياق يمنع عن الحمل على الوجوب ، لأنّ ورود هذه المستحبات الكثيرة بلفظ الوجوب يظهر أنّ المراد من الوجوب معنى غير المعنى الاصطلاحي الآن ، ونسب إلى الصدوق القول بوجوبه (٦).

ثمّ اعلم! أنّه نسب (٧) إلى المفيد استحبابه لرمي الجمار ، وإن تعذّر فالوضوء (٨).

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ٢ / ٨٢٣ الحديث ٣٦ ، لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٢ الحديث ٣٧٩٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٤ الحديث ١٧٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٢ الحديث ٣٧٩٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ ذيل الحديث ١٧٤.

(٤) ذخيرة المعاد : ٨ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٥٤.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

(٦) انظر! جواهر الكلام : ٥ / ٧١.

(٧) في (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : الى ابن الجنيد القول باستحباب الغسل لكلّ يوم شريف وليلة شريفة ، [نقله الشهيد الثاني في ذكرى الشيعة : ١ / ٢٠٠ ، البحراني في الحدائق الناضرة : ٤ / ٢٣٩].

(٨) نسب إليه في ذكرى الشيعة : ١ / ١٩٩ ، لاحظ! المقنعة : ٤١٧.

٩٥

والمشهور استحبابه ، لدخول حرم مكّة ودخول كعبة ، وقد مضى مستندهما ، والمشهور أيضا استحبابه ليوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويوم المبعث الذي ذكرناه زائدا على ما ذكره المصنّف.

قوله : (وزاد جماعة). إلى آخره.

هذا الكلام مبني على عدم اطّلاعه على النص فيما زادوا ، وقد عرفت النص فيما ذكرنا ، والظاهر ورود النص في يوم الدحو كيوم المبعث (١).

وأمّا إذا شكّ في الحدث الموجب وتيقّن الطهارة ، فالظاهر عدم تمشّي الاحتياط ، لقوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين أبدا بالشكّ» (٢) ، مع قوله عليه‌السلام : «إيّاك أن تحدث وضوء» (٣) الحديث ، فتأمّل!

__________________

(١) لم نعثر على نصّ فيه ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٤ / ٢٣٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٢ الحديث ٢٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٧ الحديث ٦٣٧.

٩٦

٦٠ ـ مفتاح

[تداخل الأغسال]

إذا اجتمعت أسباب مختلفة ، كفى غسل واحد بنيّة القربة ، سواء كانت موجبة ، أو مستحبة ، أو مختلفة ، وسواء لاحظ التداخل في النيّة أو لا ، عيّن شيئا منها أو لا ، كما في الوضوء بعينه ، ولا خلاف ثمّة. وأمّا هاهنا فقيل بإجزاء غسل الجنابة عن غيره دون العكس (١) ، وقيل بإجزاء غسل الواجب عن المندوب دون العكس (٢) ، وقيل : بعدم التداخل مطلقا (٣) ، والأصح ما قلناه ، لصدق الامتثال وأصالة البراءة ، وظهور أنّ الغرض إنّما هو الإطهار ، كما يظهر من فحاوي الأخبار ، ويشهد له الاعتبار.

وللمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة والعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة ، وإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك فيها غسل واحد ، وكذلك المرأة يجزيها

__________________

(١) جامع المقاصد : ١ / ٨٧.

(٢) المبسوط : ١ / ٤٠ ، ذخيرة المعاد : ٩.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٠ ، روض الجنان : ١٨.

٩٧

غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها» (١).

ومنها : الصحيح في الميّت الجنب : «يغتسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة ولغسل الميّت لأنّهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» (٢).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤١ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦١ الحديث ٢١٠٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٣٢ الحديث ١٣٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٥٣٩ الحديث ٢٨٥٠.

٩٨

قوله : (أسباب مختلفة). إلى آخره.

اعلم! أنّه من البديهيّات استحالة اجتماع العلّتين المستقلّتين على معلول واحد شخصي.

وأمّا المعرفات ـ وهي العلل للمعروفيّة في الذهن ـ فيجوز اجتماع ما زاد عن الواحد على معرّف واحد ، ولذا يستدلّ بأدلّة كثيرة على مطلوب واحد.

وأمّا الأحكام الشرعيّة ، فغير محال اجتماعها في محلّ واحد ، إذا لم يكن فيها تضادّ.

وكذا الحال في أسباب متعدّدة على سبب واحد ، كما هو الحال في الوضوء فإنّ المكلّف يكفيه وضوء واحد بعد بوله وغائطه وخروج الريح ، الى غير ذلك ، ويعبّر عنه بالتداخل ، وليس بتداخل حقيقة ، لأنّه محال أن يصير شيئان متعدّدان واقعا شيئا واحدا ، بل هو شبيه بالتداخل.

لكن الظاهر والأصل عدم التداخل ، إلّا أن يثبت من إجماع أو خبر ، كما في الوضوء ، بل إجماعه مرادف للضرورة من الدين.

وأمّا الغسل ـ مثلا ـ فلا شكّ في كون الواجب منه متعدّدا ، وكذلك المستحب منه ، وكلّ واحد من المتعددين مطلوب شرعي وعبادة على حدة.

ومرّ أنّ قصد التعيين شرط في النيّة لحصول الامتثال عرفا ، فمن قصد يوم الجمعة في غير شهر رمضان مثلا غسل ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان مثلا لم يعد ممتثلا قطعا في فعل غسل الجمعة.

وقس على هذا سائر الأغسال ، مثلا الجنب إذا اغتسل غسل مسّ الميّت ولم يكن عليه غسل المسّ لم يعد ممتثلا ، أو الجنب من الذكور اغتسل غسل الحيض أو النفاس أو الاستحاضة. إلى غير ذلك ممّا لا شبهة فيه ، فإذا كان قصد التعيين

٩٩

شرطا ، لتحقّق الإطاعة الواجبة والامتثال اللازم ، على ما مرّ تحقيقه في الوضوء.

فإذا كان بعدم قصد التعيين ، لا يكفي عن أحدهما ، فكيف يكفي عن كليهما؟ فإذا كان عند الفجر يصلّي ركعتين من غير تعيين كونهما فريضة أو نافلة ، كيف يكفي عن كليهما؟

وكذا الحال إذا قال : اغتسل للجنابة ، أو اغتسل ليوم الجمعة ، فإنّ المكلّف لا يفهم من أمريه بالغسل إلّا كونه للجنابة في الأوّل ، وللجمعة في الثاني ، فيكون حالهما حال الفريضة والنافلة في صلاة الفجر ، فالظاهر في فهم العرف عدم التداخل ، وكذا الأصل عندهم ، إلّا أن يثبت التداخل من دليل ، كما ثبت في الوضوء ، فما قال المصنّف من صدق الامتثال وأصالة البراءة إن كان مراده قبل ورود ما يدلّ على التداخل ومع قطع النظر عنه ـ كما هو الظاهر منه ـ ففيه ما فيه.

وممّا ينادي بما ذكرناه ما ورد في الأخبار الدالّة على التداخل ، من قولهم عليهم‌السلام : «إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك عنه غسل واحد» (١) ، فإنّ اجتماع الحقوق صريح في كونه مكلّفا بتكليفات ، وأنّه مطلوب منه مطالب شرعيّة متعدّدة.

وأصرح من ذلك قوله عليه‌السلام : «من كلّ غسل يلزمه ذلك اليوم» (٢) لا أنّه لم يطلب منك سوى حقّ واحد وغسل واحد ومطلوب غير متعدّد أصلا ، لأصالة البراءة وصدق الامتثال بفعل واحد.

وينادي به أيضا قوله عليه‌السلام : «أجزأ» لأنّ الإجزاء هو أقلّ الواجب.

فيظهر منه أنّ أكثر الواجب هو الإتيان بكلّ واحد واحد من الجميع على حدة على حدة ، كما ستعرف ، وأين هذا من أصالة البراءة وصدق الامتثال عرفا؟

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٧ الحديث ٢٧٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦١ الحديث ٢١٠٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٤١ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦٣ الحديث ٢١٠٨.

١٠٠