مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

بحيث يقاوم ما دلّ على الوجوب لنفسه عندهم ، سيّما وأن يغلب عليه.

مع أنّه على تقدير تحقّق الكل نعلم الوجوب للغير من دون توقّف على ملاحظة ما دلّ عليه. مع أنّ العلم بالوجوب للغير من اليقينيّات. وما دلّ على ذلك إنّما هو من الظنيّات ، والظن كيف يفيد اليقين؟

فظهر أنّ فهم الوجوب للغير ليس إلّا من اتّفاق الفقهاء ، لا أنّه ممّا دلّ عليه من الظنيات إن كان ، وإلّا ففي كثير منها منتف رأسا ، مثل : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (١) ، وكثير منها غير مسلّم الحجيّة عندهم ، لضعف السند أو الدلالة ، وربّما لا يقاوم بحيث يغلب ، وعلى تقدير الغلبة لا يحتاج إليه ولا يلاحظ أصلا ، واتّفاق الفقهاء فيها وفي غسل المسّ على نهج واحد ، فلاحظ فتاواهم ، والله يعلم.

ومرّ ما يزيد التوضيح لو لوحظ وتأمّل فيه ، بل مرّ أنّه لا معنى لكون مثل هذه الطهارات والوضوءات والأغسال واجبة لأنفسها ، وأنّ هذا فاسد قطعا محال التحقّق جزما فلاحظ وتأمّل! إذ الظاهر أنّه لم يقل أحد بوجوبه فورا ، ولا كون منتهى وقت وجوبه معيّنا.

فلو لم يكن واجبا لغيره أصلا ، لزم كون آخر وقت وجوبه ظن الموت ، وبعد حصول الظن لا يتمكّن المكلّف من الغسل عادة ، فلا يتحقّق العقاب في الترك أصلا عادة ، لمكان الرخصة من الشرع ، ومع ذلك يلزم تحقّق واجبات لا تحصى ، ليس على ترك واحد منها عقاب أصلا.

مع أنّه لم يرد في أحكام المحتضرين وآداب الاحتضار ما يشير إلى ذلك بوجه ، إلى غير ذلك ممّا مرّ سابقا في كون الوضوء واجبا لغيره ، فعدم وجوبه للغير

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٤ الحديث ٧٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٥ الحديث ٣٩٨٨.

٤١

يصير منشأ لزيادة وضوح المفسدة.

وأمّا كون هذا الغسل طهارة ، فلما ظهر من الأخبار ، مثل ما ورد : أنّ الراوي سأل المعصوم عليه‌السلام هل اغتسل أمير المؤمنين عليه‌السلام حين غسل رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاهر مطهّر ، لكن أمير المؤمنين عليه‌السلام فعل وجرى السنّة» (١).

وأيضا ورد في الصحيح : (أيّ وضوء أطهر من الغسل؟) (٢) ، إذ يظهر منه أنّ الغسل من حيث هو هو أطهر من الوضوء ، أو لا ينقص من الوضوء في الطهوريّة ، إلّا أن يقال : المراد من الغسل فيه هو الغسل من الجنابة ، لكن المناقشين بنوا على أنّ المراد كلّ غسل يكون.

وأيضا ورد في مرسلة ابن أبي عمير : «كلّ غسل قبله وضوء إلّا الغسل من الجنابة» (٣) ، والسند أقوى من الصحيح ، لأنّ مرسلة ابن أبي عمير مثل المسانيد الصحاح عند علماء الرجال ، مع كونه ممّن أجمعت العصابة (٤) ، وكونه ممّن لا يروي إلّا عن الثقة ، كما قال في «العدّة» (٥) ، مع أنّها منجبرة بالشهرة ، ودلالتها على وجوب الوضوء حقّقت فيما سبق.

مع أنّ المطلوبيّة تكفي ، إذ ورد عنهم عليه‌السلام : «إيّاك أن تحدث وضوء [أبدا]

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٧ الحديث ٢٨١ ، الاستبصار : ١ / ٩٩ الحديث ٣٢٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩١ الحديث ٣٦٧٧ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩٠ ، الاستبصار : ١ / ١٢٦ الحديث ٤٢٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٢٦ الحديث ٤٢٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٨ الحديث ٢٠٧٢.

(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٥) عدّة الاصول : ١ / ١٥٤.

٤٢

حتّى تستيقن أنّك [قد] أحدثت» (١) ، وطلب الوضوء قبل غسل المسّ دليل على حدثيّته ، كما أنّ طلب الوضوء بعد الأحداث دليل على حدثيّتها.

لا يقال : طلب الوضوء قبل غسل الجمعة وأمثاله عند الفقهاء مسلّم ، وليس عن حدث ، فلعلّ حال غسل المسّ حال غسل الجمعة.

لأنّا نقول : غسل الجمعة وأمثاله لا يجب الوضوء قبلها عند الفقهاء ، بل يقولون : إنّها لا ترفع الحدث ، فمن كان محدثا ويريد الصلاة لا بدّ له من أن يرفع حدثه ويصلّي ، إن كان حدثه أصغر يتوضّأ ويصلّي.

إمّا قبل تلك الأغسال أو بعدها ، وإن كان أكبر يغتسل غسلا يرفعه إمّا قبل تلك الأغسال أو بعدها ، إن لم يتحقّق منه التداخل.

فليس المطلوب خصوص الوضوء ، ولا خصوص كونه قبل هذه الأغسال ، بل لا رابطة بين هذه الأغسال وبين رفع الحدث لأجل الصلاة ، بل لا بدّ عندهم من رافع للحدث المانع عن الصلاة ، من غير ربط أصلا عندهم بينه وبين هذه الأغسال ، مثل أن يقول أحد : من تكلّم ويكون محدثا ويريد أن يصلّي لا بدّ أن يرفع حدثه فيصلّي ، فذكر التكلم هنا لغو مستدرك.

والمطلوب في هذه المرسلة ليس إلّا خصوص الوضوء وأنّه يكون لأجل الغسل بل وقبله ، وأنّ هذا ليس في غسل الجنابة أصلا. فظهر أنّ غير غسل الجنابة مرتبط بالوضوء.

وممّا ذكر ظهر فساد الاعتراض بأنّه يمكن أن يكون الوضوء الذي تحقّق قبل المسّ يكفي من دون حاجة إلى إحداث وضوء ، فتدبّر!

فظهر أنّ المسّ حدث ، ومسلّم عندهم أنّ وجوب الوضوء دليل المحدثية ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٢ الحديث ٢٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٧ الحديث ٦٣٧.

٤٣

وظهر ذلك من الأخبار أيضا (١) ، كما قلنا.

وممّا ذكر ظهر ما في كلام «المدارك» من التأمّل ، لأنّه رحمه‌الله قال : وقد استدلّ عليه ـ أي على كون مسّ الميّت ناقضا للوضوء والغسل ـ بعموم قوله عليه‌السلام : «كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة» (٢).

ثمّ اعترض عليه بأنّه مع عدم صحّة سنده غير صريح في الوجوب ، ومعارض بما هو أصحّ منه (٣) ، وسيجي‌ء تتمّة الكلام انتهى.

إذ عرفت أنّ السند أقوى من الصحاح بمراتب ، وعدم الصراحة في الوجوب غير مضرّ ، إذ الظهور يكفي ، بل عرفت أنّ المطلوبية تكفي ، بل عرفت أنّ جواز الوضوء والرخصة أيضا يكفي ، وعرفت أنّ ما هو معارض وأصحّ سندا عند الخصم دلالته على كونه طهورا وطهارة أظهر بمراتب شتّى.

وممّا يشير إلى كون هذا الغسل طهارة دعوى الشيخ الإجماع على أنّ من اغتسل فقد تطهر ، ادّعاه في مبحث الوضوء لغسل الجنابة (٤) ، على ما هو ببالي ، فلاحظ وتأمّل!

وأيضا روى في كتاب «العلل» عن الباقر عليه‌السلام في باب علّة غسل الميّت والغسل من مسّه : «لأنّه جنب ، ولتلاقيه الملائكة وهو طاهر ، وكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنين» (٥).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٢٨٩ الباب ١ من أبواب غسل المسّ.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٥ الحديث ١٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٢٦ الحديث ٤٢٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٨ الحديث ٢٠٧٢.

(٣) مدارك الأحكام : ١ / ١٦.

(٤) الخلاف : ١ / ١٣١ المسألة ٧٤.

(٥) علل الشرائع : ١ / ٢٩٩ الباب ٢٣٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤٨٨ الحديث ٢٧١٣.

٤٤

وفي حديث آخر : «إذا خرج الروح منه بقي أكثر آفته ، ولذلك يتطهر منه ويطهر» (١).

وفي «الفقه الرضوي» في باب غسل الميّت بعد ذكر غسل المس : «وإن نسيت الغسل فذكرته بعد ما صلّيت فاغتسل وأعد الصلاة» (٢).

وأيضا في «الفقه الرضوي» : «الوضوء في كلّ غسل ما خلا الجنابة ـ إلى أن قال ـ فإن اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثمّ اغتسل ولا يجزي الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت فنسيت الوضوء فتوضّأ وأعد الصلاة» (٣) ، انتهى.

وأيضا الفقهاء ذكروا أنّ الطهارة بحسب الشرع اسم للوضوء والغسل والتيمم ، أو القدر المشترك بينها ، ثمّ قسّموا الغسل إلى الجنابة وغيرها ، ومنها هذا الغسل ، بل قيّد بعضهم تعريف الطهارة بقوله : على وجه له تأثير في استباحة الصلاة (٤).

قوله : (كغسل الجمعة والإحرام عند من أوجبهما).

فيه ، أنّ كلّا منهما طهارة بلا تأمّل ، سواء قلنا بوجوبهما أو استحبابهما ، بملاحظة علّة مشروعيّتهما.

وربّما ورد : أنّ المغتسل في طهر من الجمعة إلى الجمعة الآتية (٥) ، وأنّه لجبر

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٩٦ ، علل الشرائع : ١ / ٣٠٠ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٢ الحديث ٣٦٨٢.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا ٧ : ١٧٥ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٤٩٥ الحديث ٢٥٤٩ مع اختلاف يسير.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٤٧٦ الحديث ١٢٠١.

(٤) منهم الشهيد في البيان : ٣٥.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٩٦ ، علل الشرائع : ١ / ٢٨٥ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٦ الحديث ٣٧٤٥ نقل بالمعنى.

٤٥

نقص وضوء الفريضة (١) وغير ذلك ، إلّا أنّهما مستحبان عند الفقهاء إلّا النادر ، والمستحب لا يمكن أن يصير واجبا لغيره من جهة استحبابه مطلقا.

وأمّا القائل بالوجوب ، فلا شكّ في قوله بوجوبه للإحرام ، وأنّه لا يجوز الإحرام بغير غسل.

وأمّا القائل بوجوبه للجمعة فقد مرّ عدم ظهوره ، بل ظهور عدمه ، وعلى فرض ظهوره لم يظهر قوله بالوجوب لنفسه ، بل ربّما يظهر منه الوجوب لغيره ، مثل جبر نقص الوضوء ، أو أنّه عليه إعادة الصلاة لو لم يغتسل قبلها ، كما مرّ في مبحثه.

مع أنّهما على تقدير وجوبهما له حدّ معيّن ، بل على تقدير استحبابهما ، وكون الطهارة مطلوبة في وقت معيّن أمر مأنوس بالشرع ، وارد فيه كثيرا غاية الكثرة ، بخلاف ما لم يكن طهارة ، بل يكون المطلوب بل الواجب إمساس الجسد بالماء من دون حدّ ووقت معيّن ، بل يتّسع إلى ظن الوفاة ، سيّما ما عرفت من المفاسد.

وبالجملة ، ظهر كون هذا الغسل طهارة ، فيشمله قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) وغيره ممّا مرّ.

وقوله عليه‌السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور» (٣) ، لما مرّ في مبحث الوضوء في كونه واجبا للغير ، وغير ذلك ممّا دلّ على اشتراط الصلاة وما ماثلها بالطهارة ، واعتبارها قبل دخول الوقت أو بعده ، أو غير ذلك ، فتأمّل جدّا (٤)!

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٣ الحديث ٣٧٣٤ ، ٣١٥ الحديث ٣٧٤١ و ٣٧٤٣.

(٢) المحاسن : ١ / ١٥٧ الحديث ٢١٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٨ الحديث ٩٧١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٢ الحديث ٩٨١.

(٤) في (ز ٣) و (د ١ ، ٢) زيادة : أمّا الأوّل : فلأنّه قال عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» من الطهورات ، ولم يرجّح

٤٦

والاحتياط أيضا يقتضي ذلك ، وممّا يؤيّد ما ذكرنا ما رواه الصدوق والشيخ عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنّما اغتسل» (١).

ثمّ اعلم! أنّ وجوب الغسل بمسّ الميّت إنّما هو عند الأكثر ، والمنقول عن السيّد القول بالاستحباب (٢) ، ولعلّه لعدم كون الأخبار الدالّة على الوجوب مفيدة لليقين عنده.

وقوله بالاستحباب ، للتسامح في أدلّة السنن ، والخروج عن الشبهة ، والاحتياط ، وهو ضعيف ، لأنّ الأخبار في غاية الكثرة ووضوح الدلالة ، كما ستعرف بعضها.

واعلم! أنّ وجوب الغسل بالمسّ إنّما هو إذا مسّه قبل غسله وبعد برده ،

__________________

طهورا على طهور ، ولم يعيّن طهورا من بين الطهورات ، فنسبة اشتراط الصلاة وتوقّفها إلى أفراد الطهور على سواء وتخصيصه بطهور من دون طهور مخصّص شرعي تحكّم.

وأمّا مثل «مفتاح الصلاة الطهور» ، وغيره ممّا ورد في الطهور ، مفردا محلّى باللام ، فأظهر دلالة ، كما ستعرف.

وأمّا الثاني ، وهو قوله : «إذا دخل الوقت» فلأنّ اشتراط الوجوب على دخول الوقت معلّق على طبيعة الطهور ، فيدور مع الطبيعة.

ولا نزاع لأحد في أنّ مثل ما نحن فيه من المفرد المحلّى باللام يفيد العموم ، وبناء استدلالات الفقهاء سيّما المناقشين على ذلك ، فيظهر كون الطهارات الواجبة بأجمعها واجبة لغيرها غير واجبة لأنفسها ، ومناقشة في الدلالة على ذلك ظهر فساده مشروحا في مبحث كون الوضوء واجبا لغيره ، وترجيح بعض الطهور على بعض تحكّم ، كما ذكره المصنّف في كونه نصّا على كون الطهارات الواجبة ليست واجبة لأنفسها ، بل واجبة لغيرها.

وأمّا غير ذلك ، فقد مرّت الإشارة إلى بعضها في مبحث الوضوء ، وبعضها في المقام. فتذكّر.

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣١ الحديث ١٠١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٠٧٣ ، الاستبصار : ١ / ٦٧ الحديث ٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٣ الحديث ١١٠٦.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٣١٣.

٤٧

لصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام أنّه قال له : الرجل يغمض الميّت أعليه غسل؟ قال : «إذا مسّه بحرارة فلا ، وإذا مسّه بعد ما يبرد فليغتسل» ، قلت : والذي يغسله يغتسل؟ قال : «نعم» (١) ، الحديث.

وصحيحة عاصم بن حميد أنّه سأله عن الميّت إذا مسّه الإنسان فيه غسل؟ فقال : «إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل» (٢).

وصحيحة إسماعيل بن جابر أنّه دخل عليه حين مات ابنه إسماعيل ، فجعل يقبله ، فقلت : جعلت فداك ، أليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت ، ومن مسّه فعليه الغسل؟ فقال : «أمّا بحرارته فلا بأس ، إنّما ذاك إذا برد» (٣). إلى غير ذلك من الأخبار.

وقال في «المنتهى» : إنّه مذهب علماء الأمصار (٤) ، فما ورد في الموثّق من الأمر بالغسل بمسّ الميّت بعد غسله (٥) لو صحّ ، لكان محمولا على الاستحباب ، وسيجي‌ء الكلام في الموثّق مشروحا.

وفي «المدارك» : ويندرج في من غسل من تقدّم غسله على موته ، ومن غسل غسلا صحيحا ولو مع فقد الخليطين ، ويخرج منه من لم يغسل وقد برد ، والمتيمم ولو عن بعض الغسلات ، لأنّ التيمم خلاف الغسل ، وإن كان بدلا عنه ، إذ

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١٦٠ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٨ الحديث ١٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٨٩ الحديث ٣٦٧١.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٩ الحديث ١٣٦٥ ، الاستبصار : ١ / ١٠٠ الحديث ٣٢٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٠ الحديث ٣٦٧٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٩ الحديث ١٣٦٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٠ الحديث ٣٦٧٢.

(٤) منتهى المطلب : ٢ / ٤٥٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٣٠ الحديث ١٣٧٣ ، الاستبصار : ١ / ١٠٠ الحديث ٣٢٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٥ الحديث ٣٦٩٣.

٤٨

البدليّة لا تقتضي المساواة من جميع الوجوه (١) ، انتهى.

ولا يخفى أنّه رحمه‌الله ربّما يتمسّك بقاعدة البدليّة واقتضائها المساواة ، إلّا ما أخرجه الدليل ، على أنّه ورد أنّه بمنزلة الطهارة المائية (٢) ، عموم المنزلة لا تأمّل فيه وكونه مسلّما.

ويؤيّده أيضا ما ورد من «أنّ الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (٣) فالأظهر عدم الوجوب ، وإن كان الوجوب أحوط.

ثمّ نقل عن المحقّق عدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد (٤) ، وقال : وهو كذلك ، لأنّ ظاهر الروايات أنّ الغسل إنّما يجب بمسّ الميّت الذي يجب تغسيله. وهو غير بعيد ، لأصالة البراءة وعدم ثبوت خلافها حينئذ ، وإن كان الغسل هنا أحوط أيضا.

ثمّ قال : وفي وجوب الغسل بمس عضو كمل غسله وجهان ، أقربهما الوجوب ، لإطلاق الأمر بالغسل بمسّ الميّت بعد برده ، خرج ما خرج بالإجماع. وقوله عليه‌السلام : «مس الميّت عند موته وبعد غسله ليس به بأس» (٥).

وقيل : لا يجب لصدق كمال الغسل ، ولأنّه لو كان منفصلا لما وجب ، وضعف الوجهين ظاهر (٦) ، انتهى.

وفيه ، أنّ شمول ما دلّ على وجوب الغسل لما نحن فيه محلّ تأمّل ، لعدم كونه

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٧٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٠ الحديث ٥٨١ ، الاستبصار : ١ / ١٦٣ الحديث ٥٦٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٩ الحديث ٣٩١٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٠ الحديث ٢٢٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٥ الحديث ٣٩٣٤.

(٤) لاحظ! المعتبر : ١ / ٣٤٨.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٥ الحديث ٣٦٩١.

(٦) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٧٨ و ٢٧٩.

٤٩

من الأفراد المتبادرة ، سيّما أن يكون قد تمّ غسل جميع أعضائه إلّا مقدار رأس إبرة وأمثاله ممّا لا يتمّ الغسل بغير غسله مع نهاية قلّته.

مضافا إلى أنّه ورد في غسل الجنابة : «ما يجري عليه الماء فقد طهر» (١). وورد : أنّ غسل الميّت مثل غسل الجنب (٢) ، بل ورد : أنّه غسل الجنابة (٣) ، فتأمّل!

نعم ، الأحوط ما ذكر.

ثمّ اعلم! أنّ الأصحاب أفتوا بوجوب الغسل بمسّ قطعة من الميّت فيها عظم دون ما لا عظم فيه.

وأمّا المبانة من الحيّ فاختار الشيخ رحمه‌الله في كتب فتاويه وجوب الغسل بمسّها أيضا (٤) ، وادّعى في «الخلاف» عليه الإجماع (٥).

واستدلّ في «المعتبر» (٦) برواية أيّوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما [كان] فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٢ الحديث ٣٦٥ ، الاستبصار : ١ / ١٢٣ الحديث ٤٢٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الحديث ٢٠١٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٢٢ الحديث ٥٨٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٤٧ الحديث ١٤٤٧ ، الاستبصار : ١ / ٢٠٨ الحديث ٧٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤٨٦ الحديث ٢٧٠٨.

(٣) الكافي : ٣ / ١٦١ الحديث ١ ، علل الشرائع : ٣٠٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤٨٧ الحديث ٢٧٠٩.

(٤) المبسوط : ١ / ١٨٢ ، النهاية : ٤٠.

(٥) الخلاف : ١ / ٧٠١ المسألة ٤٩٠.

(٦) المعتبر : ١ / ٣٥٢.

(٧) الكافي : ٣ / ٢١٢ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٩ الحديث ١٣٦٩ ، الاستبصار : ١ / ١٠٠ الحديث ٣٢٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٢٩٤ الحديث ٣٦٨٩.

٥٠

ثمّ توقّف في العمل بها وبالإجماع الذي نقله الشيخ ، وبنى على أنّ الأصل عدم الوجوب ، واختار الاستحباب تفصّيا من اطراح كلام الشيخ والرواية.

ولا يخفى ما فيه ، لأنّ الرواية المنجبرة حجّة جزما ، بل وأقوى ، بل هو طعن في «المعتبر» على من اقتصر على العمل بالصحاح.

والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة ، كما حقّق ، وبناء عمله على ذلك أيضا ، ففي المبانة من الميّت بطريق أولى.

٥١
٥٢

٥٨ ـ مفتاح

[الأغسال الواجبة]

الحدث الأكبر الموجب للغسل هو : الجنابة ، والحيض ، والنفاس ، والاستحاضة المثقبة للكرسف ، والموت بالضرورة من الدين ، ومسّ الميّت نجسا للصحاح المستفيضة (١). وقول السيّد رحمه‌الله باستحبابه (٢) شاذّ.

ويتحقّق الجنابة بالإنزال من ذكر أو انثى في يقظة أو نوم ، وإيلاج الحشفة ، فاعلا كان أو مفعولا ، في قبل إجماعا أو دبر على المشهور ، خلافا للشيخ في دبر المرأة (٣) ، لظاهر الصحيح (٤) ، وصريح المرفوع (٥).

وعورض بادّعاء السيّد الإجماع على الوجوب (٦) ، ودلالة بعض العمومات عليه ، كالصحيح : «إذا أدخله [فقد] وجب الغسل» (٧) ، وكالصحيح :

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٢٨٩ الباب ١ من أبواب غسل المس.

(٢) نقل عنه في المعتبر : ١ / ٣٥١ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٧٧.

(٣) الاستبصار : ١ / ١١٢ ذيل الحديث ٣٧٣.

(٤) الاستبصار : ١ / ١١١ الحديث ٣٧٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٩ الحديث ١٩٢٠.

(٥) الاستبصار : ١ / ١١٢ الحديث ٣٧١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٠ الحديث ١٩٢٢.

(٦) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٨.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٨ الحديث ٣١٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٢ الحديث ١٨٧٥.

٥٣

«أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء» (١) ، وبالمرسل (٢) ، وهو نصّ في وجوبه على الرجل خاصّة. والروايات الاخر ناصّة في نفي وجوبه على المرأة بلا معارض (٣).

وكذا الخلاف في دبر الغلام ولا نصّ فيه.

والحيض والنفاس إنّما يوجبان الغسل بعد الطهر منهما ، والاستحاضة المثقبة للكرسف موجبة لثلاثة أغسال في اليوم والليلة ، غسل للغداة ، وغسل للظهرين تجمع بينهما ، وغسل للعشاءين كذلك ، سواء سال الدم من الكرسف ، أو لم يسل على الأصحّ ، كما في «المعتبر» و «المنتهى» (٤) وفاقا للقديمين (٥) ، للصحاح المستفيضة (٦). وقيل : إن لم يسل فغسل واحد للغداة خاصّة (٧) ، للصحيحين (٨) ، ولا دلالة لهما.

نعم يدلّ عليه خبر ضعيف (٩) لا يصلح لمعارضة الصحاح وإن اشتهر عليه العمل به ، وفي الصحيح : «لم تفعله امرأة احتسابا إلّا عوفيت من ذلك» (١٠).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٩ الحديث ٣١٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٤ الحديث ١٨٧٩ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٠ الحديث ١٩٢١.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٩ و ٢٠٠ ، الباب ١١ و ١٢ من أبواب الجنابة.

(٤) المعتبر : ١ / ٢٤٥ ، منتهى المطلب : ٢ / ٤١٢.

(٥) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧١ الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٠ ذيل الحديث ١٩٥ ، الهداية : ٩٩.

(٨) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧٣ الحديث ٢٣٩٤ (بسندين).

(٩) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧٤ الحديث ٢٣٩٥.

(١٠) الكافي : ٣ / ٩٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧٢ الحديث ٢٣٩٣.

٥٤

قوله : (نجسا).

ويظهر منه أنّ الميّت ينجس بعد برده ولا ينجس قبله ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك ، والظاهر أنّ هذا القيد منه لإخراج مثل الشهيد.

قوله : (ويتحقّق الجنابة).

تحقّق الجنابة بالإنزال مجمع عليه بين علماء الإسلام مطلقا ، وبأيّ وجه اتّفق ، سواء كان في اليقظة أو النوم أو الإغماء أو السكر أو الجنون أو غير ذلك.

فإذا تيقّن أنّ الخارج مني وجب الغسل على المكلّف مطلقا ، سوى الخنثى في بعض الأحوال ، كما سيجي‌ء ، سواء كان المني الخارج بشهوة أو بغير شهوة ، إلّا أنّ أبا حنيفة خصّ الحكم الخارج بشهوة (١).

والدليل على ذلك بعد الإجماع الأخبار المستفيضة.

منها : صحيحة عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان علي عليه‌السلام لا يرى في شي‌ء الغسل إلّا في الماء الأكبر» (٢).

ومنها : صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة عليها غسل؟ قال : «نعم» (٣).

ومنها : حسنة (٤) عبيد الله الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المفخّذ ، عليه

__________________

(١) لاحظ! شرح فتح القدير : ١ / ٦١.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٩ الحديث ٣١٥ ، الاستبصار : ١ / ١١٠ الحديث ٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٨ الحديث ١٨٩٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٧ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٣ الحديث ٣٢٨ ، الاستبصار : ١ / ١٠٨ الحديث ٣٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٦ الحديث ١٨٨٦.

(٤) في (ف) و (ز ١) و (ط) : صحيحة.

٥٥

غسل؟ قال : «نعم إذا أنزل» (١).

وموثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ، ولم يكن رأى في المنام أنّه احتلم؟ قال : «فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته» (٢).

وقويّة سماعة عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنّه احتلم فيجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال : «نعم» (٣).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار الدالّة على وجوب الغسل على من وجد البلل بعد الغسل عن الإنزال ولم يبل ، وهي كثيرة معمول بها (٤) ، كما سيجي‌ء.

ويدلّ عليه أيضا الأخبار التي سنذكرها في حكم الاشتباه في حكم الاشتباه في الماء الخارج ، وإنزال المرأة وغير ذلك.

ومع الاشتباه يعتبر بالشهوة المقارنة له ، والدفق إن لم يكن مريضا ، وفتور الجسد بعد خروجه ، وإن كان مريضا لا يعتبر الدفق.

ويدلّ على ذلك صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا ، ثمّ يمكث الهوين بعد فيخرج؟ قال : «إن كان مريضا فليغتسل ، وإن لم يكن [مريضا] فلا شي‌ء عليه» ، قلت : فما الفرق بينهما؟ قال : «لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قويّة ، وإن كان مريضا لم يجي‌ء إلّا بعد» (٥).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٦ الحديث ١٨٨٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٧ الحديث ١١١٨ ، الاستبصار : ١ / ١١١ الحديث ٣٦٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٨ الحديث ١٩١٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٨ الحديث ١١١٩ ، الاستبصار : ١ / ١١١ الحديث ٣٦٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٨ الحديث ١٩١٦.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٩ الحديث ١١٢٤ ، الاستبصار : ١ / ١١٠ الحديث ٣٦٥ ، وسائل الشيعة :

٥٦

وحسنة زرارة : «إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربّما كان هو الدافق ، لكن يجي‌ء مجيئا ضعيفا ليس له قوّة ، لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه» (١).

وفي «العلل» رواه عن الباقر عليه‌السلام (٢).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن رجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا؟ فقال : «ليس بشي‌ء إلّا أن يكون مريضا فإنّه يضعف فعليه الغسل» (٣).

ويدلّ على حكم خصوص الصحيح صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يلعب مع امرأته ويقبّلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال : «إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر بخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنّما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس» (٤).

ويؤيّد ذلك أنّها صفات لازمة للمني في الأغلب ، فيرجع إليها حال (٥) الاشتباه ، إلحاقا للشي‌ء بالأعم الأغلب ، فتأمّل!

وعن جماعة من الأصحاب أنّ من صفاته الخاصة التي ترجع إليه عند الاشتباه قرب رائحته رطبا من رائحة الطلع والعجين ، وجافا من بياض

__________________

٢ / ١٩٥ الحديث ١٩١٠.

(١) الكافي : ٣ / ٤٨ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٠ الحديث ١١٢٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٦ الحديث ١٩١٢.

(٢) علل الشرائع : ٢٨٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٦ الحديث ١٩١٢.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٨ الحديث ١١٢٠ ، الاستبصار : ١ / ١٠٩ الحديث ٣٦٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٤ الحديث ١٩٠٩.

(٤) قرب الإسناد : ١٨١ الحديث ٦٧٠ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٠ الحديث ٣١٧ ، الاستبصار : ١ / ١٠٤ الحديث ٣٤٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٤ الحديث ١٩٠٨ مع اختلاف يسير.

(٥) في (د ٢) و (ف ١) و (ط) : عند.

٥٧

البيض (١). وفي اعتباره إشكال ، لعدم الدليل عليه.

قوله : (أو انثى). إلى آخره.

قد مرّ ما يدلّ على حصول الجنابة بإنزال المرأة مطلقا أيضا من العموم (٢) ، وخصوص صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (٣) ، والإجماع المنقول عن علماء الإسلام.

ويدلّ عليه أيضا أخبار اخر.

منها : صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال : «إن أنزلت فعليها الغسل ، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل» (٤).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتّى تنزل ، قال : «تغتسل» (٥).

وصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام : عن المرأة ترى في منامها فتنزل ، عليها غسل؟ قال : «نعم» (٦).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٢ / ١٦٥ ، ذكرى الشيعة : ١ / ٢١٩ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٥٥.

(٢) راجع! الصفحة : ٥٥ و ٥٦ من هذا الكتاب.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٧ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٣ الحديث ٣٢٨ ، الاستبصار : ١ / ١٠٨ الحديث ٣٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٦ الحديث ١٨٨٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٨ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٨ الحديث ١٩٠ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٣ الحديث ٣٣١ ، الاستبصار : ١ / ١٠٧ الحديث ٣٥٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٧ الحديث ١٨٨٨.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٨ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٤ الحديث ٣٣٤ ، الاستبصار : ١ / ١٠٨ الحديث ٣٥٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٨ الحديث ١٨٩٠.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٤ الحديث ٣٣٣ ، الاستبصار : ١ / ١٠٨ الحديث ٣٥٦ ، وسائل الشيعة :

٥٨

وصحيحة معاوية بن حكيم عن الصادق عليه‌السلام أنّه سمعه يقول : «إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها ، في نوم كان ذلك أو في يقظة ، فإنّ عليها الغسل» (١). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وما ورد في بعض الأخبار ممّا يخالف بظاهره ذلك (٢) ، فشاذّ لا عمل عليه فيجب طرحه ، سيّما مع معارضته للحجج المذكورة ، أو يأوّل بما لا ينافي الحجج ، ويخرج عن الشذوذ.

ثمّ اعلم! أنّ المعتبر الخروج من الموضع المعتاد ، كما مرّ في البول والغائط والريح.

فعلى هذا اعتبروا في الخنثى المشكل الخروج من الفرجين إلّا مع الاعتياد ، والمعتبر الخروج من الفرج ، فلو تحرّك من الخصية فأمسك ذكره فلم يخرج لم يكن عليه غسل ، ولا ينقض وضوؤه وتيممه ، لكن الظاهر أنّه بالغ ، فلو خرج بعد الإمساك لزم الغسل أيضا ، سواء خرج بشهوة أو بغير شهوة ، بعد ما علم أنّه المني الذي حبسه وأمسكه.

بل عرفت أنّ العلم بخروج المني مطلقا موجب للغسل ، فلو رأى أنّه احتلم ، ثمّ نظر فلم يجد شيئا ، ثمّ بعد ما تحرّك أو مشى خرج المني وجب الغسل ، ولو خرج بلل ولم يتحقق أنّه مني لم يجب.

ولو خرج المني بلون الدم ، فالظاهر وجوب الغسل ، والأحوط عدم

__________________

٢ / ١٩٠ الحديث ١٨٩٩.

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٢ الحديث ٣٢٤ ، الاستبصار : ١ / ١٠٦ الحديث ٣٤٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٩ الحديث ١٨٩٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٣ الحديث ٣٢٩ ، الاستبصار : ١ / ١٠٧ الحديث ٣٥١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩١ الحديث ١٩٠٤.

٥٩

الاكتفاء بهذا الغسل لمثل الصلاة ، ولو خرج مني الرجل من المرأة لم يجب عليها غسل ، كما سيجي‌ء.

ولو انتقل وتحرّك للخروج فأمسك ذكره فلم يخرج ، ثمّ جرح الموضع فخرج من الجرح ، لم يكن عليه غسل بناء على اشتراط الخروج من الموضع المعتاد ، ولعلّ الأحوط الغسل مع عدم الاكتفاء به لمثل الصلاة.

ولو وجده في ثوبه أو بدنه ولم يحتمل كونه من غيره ، وجب عليه الغسل وثبت بلوغه ، وإن احتمل لم يجب ولم يثبت ، والأحوط الغسل مع الاحتمال ، وعدم الاكتفاء به لمثل الصلاة والأحوط مراعاة البلوغ وعدمه والجمع بينهما ، لكنّه غير بالغ شرعا استصحابا للحالة السابقة.

ولو تكوّن من المشتبه الولد ، فلا شبهة في كونه منيا ، وارتفع الاشتباه ، ولو خرج متلوّنا بلون آخر وجب الغسل وهو بالغ ، وكذا لو خرج محترقا من شدّة الحرارة ، والله عالم بأحكامه.

قوله : (على المشهور).

أقول : بل ادّعى عليه السيّد المرتضى الإجماع من المسلمين كافّة على ذلك ، حيث قال : لا أعلم بين المسلمين مخالفا في أنّ الوطء في الموضع المكروه من ذكر وانثى يجري مجرى الوطء في القبل مع الإيقاب وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول به ، وإن لم يكن أنزل. ولا وجدت في الكتب المصنّفة لأصحابنا الإماميّة إلّا ذلك ، ولا سمعت من عاصرني منهم من شيوخهم نحوا من ستّين سنة يفتي إلّا بذلك ، فهذه مسألة إجماع من الكلّ. ولو شئت أن أقول : إنّه معلوم بالضرورة من دين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لا خلاف بين هذين الفرجين في هذا الحكم (١). إلى آخر ما قال.

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٨.

٦٠