مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

عن الشبهات ، وإن كان مقتضى ذلك الإتمام ثمّ الإعادة إن أمكن ذلك ، بأن يكون الوقت يفي لذلك ولا مانع من استعمال الماء.

ثمّ اعلم! أنّ هذا النزاع ينادي بما ذكرنا من أنّ الضيق الذي يقول به الفقهاء ليس بحقيقي ، بل عرفي قابل لسعة ما يفي بما ذكر هنا وفي المفتاح السابق والسابق على السابق.

نعم ، يؤيّدها صحيحة زرارة وابن مسلم قال : قلت : في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ، ثمّ أصاب الماء ، أينقض الركعتين ، أو يقطعهما ويتوضّأ ثمّ يصلّي؟ قال : «لا ، ولكنّه يمضي في صلاته ولا ينقضها لمكان أنّه دخلها (١) على طهور بتيمّم» (٢).

فإنّ ظاهر هذه العلّة أنّ مجرّد الدخول مانع الإعادة ، لكن بملاحظة أنّ زرارة راوي هذه الرواية روى عن الباقر عليه‌السلام هذه العلّة لصورة الدخول في الركوع مع التصريح بوجوب الرجوع ما لم يركع ، يحصل وهن لا يخفى.

وأخبارهم عليهم‌السلام بعضها يكشف عن بعض ، مضافا إلى أنّ زرارة قال ـ بعد ما ذكر من الرواية : ـ فقلت له : دخلها وهو متيمّم فصلّى ركعة وأحدث فأصاب ماء ، قال : «يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» (٣).

بل روى الشيخ هذه التتمّة عن زرارة وابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٤).

ويؤيّدها أيضا ما في «الفقه الرضوي» من قوله عليه‌السلام : «فإذا كبّرت تكبيرة

__________________

(١) في المصادر زيادة : وهو.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٩٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٢ الحديث ٣٩٢٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٩٥ ، الاستبصار : ١ / ١٦٨ الحديث ٥٨٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٦ الحديث ٩٢١٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٤ و ٢٠٥ الحديث ٥٩٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٦ الحديث ٩٢١٠.

٤٠١

الافتتاح واوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض تيمّمك ، وامض» (١) وعموم المنزلة والبدليّة.

ومع ذلك ، العمل بصحيحة زرارة وقويّة عبد الله أولى ، لتعدّدهما واحتوائهما بما عرفت من المرجّحات الكثيرة ، وكون محمّد بن حمران مشتركا بين الثقة وغيره ، مع عدم ظهور توثيق محمّد بن سماعة ، فصحّتها محلّ تأمّل ، فضلا عن مقاومتها لما هو صحيح بلا شبهة ، بل في أعلى درجات الصحّة في «الكافي» ، وفي «التهذيب» أيضا.

ومع ذلك العمل بها أحوط أيضا بالنسبة إلى العمل برواية محمّد ، وإن كان الأحوط الجمع بين الكلّ ، كما قلنا.

هذا ، ونقل عن ابن الجنيد : أنّه يقطع الصلاة ما لم يركع الركعة الثانية ، فإن ركعها مضى في صلاته ، فإن وجده بعد الركعة الاولى وخاف من ضيق الوقت أن يخرج إن قطع رجوت أن يجزيه أن لا يقطع ، وأمّا قبلها فلا بدّ من قطعها مع وجود الماء (٢).

ولم نقف على حجّته ، كما لم نقف على حجّة سلّار ، حيث نقل عنه : أنّه يرجع ما لم يقرأ (٣) ، ونقل عن ابن حمزة أيضا ما لا دليل عليه (٤).

ثمّ اعلم! أنّه على القول بوجوب المضيّ بمجرّد التلبّس بتكبيرة الافتتاح ، لو فقد الماء في أثناء تلك الصلاة ، فالظاهر عدم انتقاض تيمّمه لصلاة اخرى.

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٠ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٤٦ الحديث ٢٦٨١ مع اختلاف يسير.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٣٥.

(٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٣٥ ، لاحظ! المراسم : ٥٤.

(٤) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٧٨.

٤٠٢

واحتمل العلّامة الانتقاض (١) ، وأنّه مذهب الشيخ في «المبسوط» (٢).

واستشكل في هذا بأنّ التيمّم إن كان انتقض ، فلا تصحّ الصلاة التي تلبّس بها ، وإلّا صحّ لغيرها أيضا ، وأنّ المكلّف متمكّن عقلا من استعمال الماء ، والمنع الشرعي لا يخرجه عن التمكّن ، لأنّه صفة حقيقة لا يتغيّر بالأمر الشرعي ، والحكم يتعلّق على التمكّن (٣).

ولا يخفى فساد الطرف الثاني من إشكاله ، وأنّ الأوّل متعيّن من دون إشكال ، إذ المريض وأمثاله متمكّنون عقلا ، ومراعاة حكم الشرع يرفع التمكّن ، وهي لازمة قطعا ، والشرع والعقل متطابقان عندنا.

واعلم! أيضا أنّ النزاع المذكور إنّما هو في صورة سعة الوقت للطهارة المائيّة واستيناف الصلاة ، ولو لم يسع الوقت لذلك تعيّن الإتمام على أيّ حال ، وظهر عليك وجهه.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٤٤٨.

(٢) المبسوط : ١ / ٣٣.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ٤٤٨ و ٤٤٩.

٤٠٣
٤٠٤

٧٣ ـ مفتاح

[هل التيمّم يرفع الحدث إلى غاية؟]

من تيمّم بدلا من الغسل ، ثمّ أحدث بالأصغر ، تيمّم بدلا من الوضوء فإن تمكّن من الوضوء دون الغسل توضّأ ، وفاقا للسيّد (١) ، وخلافا للأكثر ، حيث أوجبوا الإعادة بدلا من الغسل مطلقا (٢).

ومبنى الخلاف على أنّ التيمّم هل يرفع الحدث إلى غاية هي التمكّن من الماء ، بناء على عدم الفرق بين رفع الحدث واستباحة العبادة ، أم لا يرفعه مطلقا ، بل إنّما يبيح العبادة خاصّة؟

والتحقيق الأوّل ، على أنّ الإباحة كافية هنا لاستصحاب حكمها حتّى يعلم رفعها ، والمعلوم قطعا مانعيّة الأصغر لا عود حكم الأكبر.

__________________

(١) نقل عنه في المعتبر : ١ / ٣٩٥ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٢.

(٢) المبسوط : ١ / ٣٤ ، السرائر : ١ / ١٤١ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٢ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٣.

٤٠٥
٤٠٦

قوله : (بدلا من الغسل). إلى آخره.

عن السيّد في «شرح الرسالة» : أنّ الجنب إذا تيمّم ، ثمّ أحدث حدثا أصغر ووجد ماء يكفيه للوضوء توضّأ به ، لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع ، وجاء ما يوجب الصغرى ، ووجد من الماء ما يكفيه لها ، فيجب عليه استعماله (١) ، انتهى.

وباقي علمائنا والسيّد في غير الشرح على عدم ارتفاع حدث المتيمّم ، فإنّه يحصل بالتيمّم مجرّد استباحة الصلاة ، فيوجبون على المجنب المذكور التيمّم بدلا من الغسل وإن أمكنه الوضوء بالماء (٢).

بل قال في : «المعتبر» : أجمع العلماء كافّة على أنّ التيمّم لا يرفع الحدث ، واحتجّ عليه بأنّ المتيمّم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق ، فلو لم يكن باقيا لكان وجوب الطهارة لوجود الماء ، إذ لا وجه غيره ، ووجود الماء ليس حدثا إجماعا ، ولأنّه لو كان حدثا لوجب استواء المتيمّمين في موجبه ضرورة استوائهم فيه ، لكن هذا باطل ، لأنّ المحدث لا يغتسل ، والمجنب لا يتوضّأ (٣) ، انتهى.

وفي : «المختلف» استدلّ بأنّ المجنب بعد التيمّم جنب ، فلا يجب عليه الوضوء.

أمّا المقدّمة الاولى ، فظاهرة ، لأنّ التيمّم لا يرفع الحدث ، لأنّه إذا وجد الماء وجب عليه الغسل ، فلو كانت الجنابة قد ارتفعت لما وجب عليه الغسل.

وأمّا الثانية ، فظاهرة أيضا ، لصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في رجل

__________________

(١) نقل عنه المحقّق في المعتبر : ١ / ٣٩٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٣.

(٢) الناصريات : ١٦٤ ، شرائع الإسلام : ١ / ٥٠ ، جامع المقاصد : ١ / ٥١٤ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٣.

(٣) المعتبر : ١ / ٣٩٤.

٤٠٧

أجنب في سفره ومعه ماء قدر ما يتوضّأ [به] ، قال : «يتيمّم ولا يتوضّأ» (١) (٢) ، انتهى.

ويظهر من كلامهما أنّ السيّد قائل بوجوب الغسل بوجدان الماء ، بل الظاهر أنّه من بديهيّات الدين.

وهذا ينافي ما ذكره من أنّ الجنابة ارتفعت بالتيمّم ، واستدلّ على الارتفاع بجواز الدخول في الصلاة ، بناء على أنّ الحدث الذي يرتفع بالطهارة لا معنى له سوى الحالة المانعة عن الصلاة ونحوها.

وفي «المدارك» قال ـ بعد ما ذكرنا عن «المعتبر» ـ : ولا ريب في ذلك ، لكن لا يلزم منه امتناع الرفع إلى غاية معيّنة ، وهي الحدث أو وجود الماء ، وهو المعبّر عنه في كلامهم بالاستباحة (٣).

ومع ذلك اختار المذهب المشهور بدليلهم المذكور ، وهو بقاء الجنابة وزوال الاستباحة بالحدث الأصغر.

قال : ويدلّ عليه أيضا قول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا ، والوضوء إن لم تكن جنبا (٤)» (٥).

ولا يخفى ما في كلامه من التدافع ، مضافا إلى عدم دلالة الصحيحة ، لأنّ السيّد قائل بمضمونها. وحمل الماء منها على أيّ قدر منه ، فيه ما فيه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٥ الحديث ١٢٧٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٧ الحديث ٣٩٤٣.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٢.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢١٠ الحديث ٦١١ ، الاستبصار : ١ / ١٧٢ الحديث ٥٩٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٨ الحديث ٣٩١٤.

(٥) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٣.

٤٠٨

مع أنّه يرد على قوله : (بجواز رفع الحدث إلى غاية معيّنة) ، أنّه إذا ارتفع الحدث بالمرّة ولم يكن باقيا أصلا ، فكيف يمكن أن يقال بعدم ارتفاعه بعد الغاية المعينة؟ وإن أراد أنّه بعد الغاية يعود ، فمعلوم أنّ العود حدوث أمر في شي‌ء بعد انعدامه عنه بالمرّة ، فيكون العائد حدثا جديدا ، وهذا الحدث ليس إلّا الحالة المانعة ، كما ادّعاه واعترف به.

ومن البديهيّات أنّ الحادث لا يكون حدوثه إلّا من سبب ، والسبب منحصر في وجود الماء أو التمكّن منه ، وهو ليس بحدث بالإجماع ، بل ربّما كان ضروريّا ، ولذا صرّح في مقام توجيه كلام السيّد بأنّ التمكّن من استعمال الماء ليس حدثا إجماعا (١) ، وصدّق ما في «المعتبر» ، إلّا ما ذكره في ردّه.

فعلى هذا لا يبقى لما ذكره في ردّه وجه ، ولعلّ مراده من الارتفاع بالمرّة ، هو كون الحدث إلى الغاية وبروزه بعدها ، فلا يبقى لمناقشته مع المحقّق وغيره وجه أصلا ، والاستباحة عند القوم : رفع منع ذلك المانع إلى غاية ، لا رفع نفس ذلك المانع بالمرّة ، حتّى يحتاج في عوده إلى حدث.

وبالجملة ، إن كان الجنب المتيمّم يكون جنبا في حال تيمّمه ـ كما هو مقتضى الإجماع والأخبار ، إلّا أنّه لا مانع من صلاته ونحوها من طرف جنابته الموجودة فيه بسبب تيمّمه ـ تعيّن ما في «المعتبر» وغيره من كلمات القوم ، وإلّا يتوجّه ما عرفت من كون التمكّن من الاستعمال حدثا ، أو حصول الجنابة من دون حدث أصلا ، ويصير الرجل جنبا من دون سبب لجنابته أصلا ، ويصحّ حينئذ مذهب السيّد ، لا مذهب القوم.

مع أنّه بتتبّع الأخبار يظهر أنّ الجنابة لا تحصل إلّا بالتقاء الختانين ـ مثلا ـ أو نزول المني ، ويظهر ذلك من إجماع العلماء أيضا.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٣.

٤٠٩

وكذلك الكلام في الحيض والاستحاضة والنفاس ومسّ الأموات ، فإنّ الثلاثة الأول دماء خارجة من المرأة.

وأين هذا من وجود الماء أو التمكن من استعماله؟ وكذلك الحال في المسّ.

مع أنّ الوجود والتمكّن المذكور لو كان حدثا فكيف يقتضي تارة الوضوء ، ويكون بولا وغائطا وريحا. إلى غير ذلك؟

وتارة الغسل فقط ، فيكون جماعا أو إنزالا؟

وتارة الوضوء والغسل معا ، فيكون حيضا واستحاضة. إلى غير ذلك؟

وأيضا يظهر منها أنّ التيمّم يبيح كما تبيحه المائيّة حال الاضطرار خاصّة ، لا (١) حال الاختيار أيضا ، فعدم الإباحة في الجملة باق لم يرتفع ، والمرتفع عدم الإباحة حال الاضطرار فقط.

وممّا يشهد على ما ذكرنا ما ورد في الأخبار المتعددة من إطلاق لفظ «الجنب» على المتيمّم أيضا بعد تيمّمه (٢) ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، ويشهد أيضا كراهة إمامته ، وكراهه الأكل والشرب والخضاب ، وأمثال ذلك.

وفي «الغوالي» روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لبعض أصحابه : «أتصلّي بالناس وأنت جنب؟!» فسمّاه جنبا بعد التيمّم (٣) ، انتهى.

مع أنّه قبل أن يتيمّم كان جنبا قطعا ، فكذا بعده استصحابا للحالة السابقة ، ومجرّد جواز الصلاة ـ مثلا ـ لا يقتضي الخروج عن الجنابة ، لأنّه ليس نفسه ولا مستلزما له ، لعدم اللزوم عقلا ولا شرعا ، لعدم الدليل الشرعي ، بل الدليل العدم ، كما عرفت وستعرف.

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : غير.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٧ الباب ١٧ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) عوالي اللآلي : ٢ / ٢٠٩ الحديث ١٣٢.

٤١٠

وأيضا قبل أن يتيمّم كان الواجب عليه خصوص التيمّم في صورة عدم التمكّن من المائية إجماعا ، ولم تصحّ الصلاة في تلك الصورة إلّا به بالضرورة من الدين والمذهب ، فكذا بعد ما يتيمّم استصحابا.

وأيضا قبل التيمّم لم يكن عليه الوضوء ، بل كان حراما عليه ، فكذا بعده استصحابا ، إلى غير ذلك من الاستصحابات الظاهرة ، ولذا وقع النزاع بين الفقهاء في استباحة التيمّم كلّ ما تستبيحه المائية ، وفي استحبابه لكلّ ما يستحب ، وغير ذلك ممّا عرفت سابقا ، ومن قال بعموم المنزلة ، لم يقل بالعموم في جميع الأحكام والأحوال قطعا.

ومع ذلك لا يقتضي ذلك صحّة مذهب السيّد ، بل يقتضي خلافها ، لأنّ رفع الحدث من المائية بعنوان الإطلاق واللابشرط ، وأين هذا من رفعه بعنوان التقيّد وبشرط كونه إلى غاية معيّنة؟ مع ما عرفت من فساده.

فإن قلت : لو كان موضع التيمّم هو الغسل لكان اللازم الوضوء للحدث الأصغر بعده ، فكذلك التيمّم ، لعموم المنزلة.

قلت : اللازم عليه الوضوء بشرط خلوّه عن الحدث الأكبر ، وفي المقام هو محدث به ، كما عرفت.

وبعبارة اخرى : الواجب عليه الوضوء لو لم يكن الواجب عليه الغسل ، لو تمكّن من المائية ، وفي المقام يجب عليه الغسل لو تمكّن منها قطعا.

بل نقول : عموم المنزلة يقتضي صحّة التيمّم لا عدم صحّته وتعيّن الوضوء كما قال به السيّد ، بل عموم المنزلة يقتضي تعيين التيمّم عليه البتة ، لأنّ الترابيه تكون بمنزلة المائية في صورة عدم التمكّن من المائية ، كما هو الثابت من الأخبار والإجماع لا مطلقا.

ففي مقام وجوب الغسل لو تمكّن منه يكون التراب بمنزلة الماء ، لا الوضوء

٤١١

بمنزلة الغسل ، فعند ما أحدث بالأصغر بعد التيمّم لا شكّ في كون الواجب عليه الغسل لو تمكّن منه ، ولم يجز الوضوء حينئذ قطعا ، فتعيّن عليه التراب الذي هو بمنزلة الماء على سبيل العموم في حالة فقد التمكّن من المائية ، فيجب عليه التيمّم بدلا من الغسل البتة ، ولم يجز الوضوء موضع التيمّم بدل الغسل ، ولا التيمّم بدلا عن الوضوء ، فعموم المنزلة أيضا من جملة أدلّة المشهور ، كما لا يخفى.

ومن التأمّل فيما ذكر وضح غاية الوضوح فساد ما ذكره المصنّف من أنّ التحقيق هو الأوّل.

وأمّا ما ذكره من أنّ الإباحة كافية لاستصحاب حكمها. إلى آخره ، فيه ، أنّ بعد الحدث الأصغر ترتفع إباحته يقينا ، فلذا يجب عليه الغسل للصلاة لو تمكّن منه ، ولا تصحّ صلاته بدون الغسل قطعا.

ولا يجوز الوضوء من الأصغر مع التمكّن ، وعدم التمكّن منه لا يصير منشأ لبقاء إباحته ووجوب الوضوء ، إذ من المعلوم من الأخبار والإجماع أنّه إذا لم يتمكّن من المائية يتعيّن عليه الترابيّة بدلا عن المائية ، لا مائية اخرى بدل المائية الغير المتمكّن منها.

بل الوضوء لا يصير بدلا من الغسل عند عدم التمكّن منه أصلا ، وبوجه من الوجوه.

مع أنّك عرفت أنّ الاستصحاب يقتضي بقاء الجنابة وأحكامها (١) ، إلّا ما ثبت خلافه ، وأنّ مجرّد إباحة الصلاة ليس نفس زوال الجنابة ، ولا مستلزما له ، لو لم نقل بكون الأمر بالعكس وثبوت بقائها وبقاء الأحكام التي عرفتها.

وبالجملة ، مفاسد ما ذكره عرفتها ، ولا يحتاج إلى الإعادة.

__________________

(١) في (ز ٣) و (ك) : وبقاء أحكامها ، بدلا من : وأحكامها.

٤١٢

القول في النجاسات وإزالتها

قال الله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (١).

٧٤ ـ مفتاح

[نجاسة البول والغائط]

البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه ممّا له نفس سائلة ما عدا الطير نجس ، وإن كان تحريم الأكل عارضا كالجلّال والموطوء إجماعا ، إلّا من الإسكافي في بول الرضيع (٢) ، وهو شاذّ.

والصحاح بنجاسة البول مستفيضة (٣) ، وبعضها صريح في نجاسة أبوال الخيل والبغال والحمير (٤) أيضا ، كما عليه الإسكافي إلّا أنّه قال بنجاسة أرواثها

__________________

(١) المدّثّر (٧٤) : ٤.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٩.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الباب ١ ، ٤٠٤ الباب ٨ من أبواب النجاسات.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٨ و ٤٠٩ ، الحديث ٤٠٠١ و ٤٠٠٢ و ٤٠٠٤.

٤١٣

أيضا (١) والمعتبرة تنادي بخلافه (٢) ، والأكثر على طهارة فضلتيها جميعا تبعا للحمها ، على كراهة في البول (٣) ، وعلى هذا فإن تمّ الإجماع المركّب ، وإلّا فالفرق والتفصيل لا بأس به.

واستثناء الطير من غير مأكول اللحم مذهب الصدوق والعماني (٤) للأصل والحسن : «كلّ شي‌ء يطير لا بأس بخرئه وبوله» (٥) خلافا للأكثر (٦) ، لإطلاق الحسن : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (٧).

ورجّحنا الأوّل ، لمطابقته للأصل والعمومات ، وأظهريّة عمومه للطيور من عموم الثاني لما لا يؤكل لحمه.

وأمّا القول بنجاسة ذرق الدجاج وبول الخشّاف (٨) خاصّة ، فمستنده ضعيف (٩) معارض بما هو أوضح وأظهر (١٠).

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٥ الحديث ١٣٥١ ، الاستبصار : ١ / ١٨٠ الحديث ٦٢٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٠ الحديث ٤٠٠٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٢ ذيل الحديث ١٣٣٧ ، الاستبصار : ١ / ١٧٩ ذيل الحديث ٦٢٥ ، المبسوط : ١ / ٣٦ ، السرائر : ١ / ١٧٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٧ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٠١.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤١ ، ذيل الحديث ١٦٤ ، نقل عن العماني في مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٢ الحديث ٤٠١٥.

(٦) الخلاف : ١ / ٤٨٥ المسألة ٢٣٠ ، المعتبر : ١ / ٤١١ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٦.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٥ الحديث ٣٩٨٨.

(٨) المبسوط : ١ / ٣٦ و ٣٩.

(٩) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٢ الحديث ٤٠١٧ و ٤٠١٨.

(١٠) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٢ الحديث ٤٠١٥ ، ٤١٣ الحديث ٤٠١٩.

٤١٤

قوله : (له نفس سائلة).

فسّر ذلك بالدم الذي يجتمع في العروق ويخرج إذا قطع شي‌ء منها بسيلان ، يعني لا يكون مثل دم السمك ونحوه خروجه من موضع القطع بالترشّح.

نجاسة البول والغائط المذكورين إجماعيّة ، نقل الإجماع الفاضلان (١).

وأمّا الأخبار ، فإنّها تدلّ على نجاسة بول الإنسان وغائطه ، كما مرّ في مبحث الاستنجاء ، وسيجي‌ء في مبحث المياه ، وغسل الثوب وغيره.

وأمّا ما يدلّ على العموم المذكور ، فحسنة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (٢).

وفي «المدارك» : أنّ وجه الدلالة أنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، وإضافة الجمع يفيد العموم ، ومتى ثبت وجوب الغسل في الثوب وجب في غيره ، إذ لا قائل بالفصل ، ولا معنى للنجس شرعا ، إلّا ما وجب غسل الملاقي له. بل سائر الأعيان النجسة إنّما استفيد نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب والبدن من ملاقاتها ، مضافا إلى الإجماع المنقول في أكثر الموارد ، كما ستقف عليه.

أمّا الأرواث ، فلم نقف على نصّ يقتضي نجاستها من غير المأكول على وجه العموم ، ولعلّ الإجماع في موضع لم يتحقّق فيه المخالفة كاف (٣) انتهى.

وفيه ، أنّ الأمر حقيقة في الوجوب الشرعي ، ولم يقل أحد بوجوب غسل النجاسات بالوجوب الشرعي ، إذ لو لم يغسل أحد ثوبه النجس لم يكن معاقبا

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤١٠ ، منتهى المطلب : ٣ / ١٦٦ و ١٧٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٤ الحديث ٧٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٥ الحديث ٣٩٨٨.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٩.

٤١٥

قطعا إذا لم يصلّ فيه مثلا ، ولبس الثوب النجس ليس بحرام جزما وربّما يترك لمصارف اخر لا يضرّها النجاسة.

وأيضا لم يجب على صاحب الثوب أن يباشر غسله بنفسه ، كما هو مقتضى الأمر الشرعي بالمخاطب ، أي اغسل أنت ، بل لو غسله غير المخاطب طهر جزما وإن كان بغير إذن صاحب الثوب. بل وإن كان مع نهي صاحب الثوب عن ذلك فيغسل غصبا ، أو بالماء الغصبي ، أو بغصب أحد على غسله ، ويكون بالماء المغصوب ، وغير ذلك. بل لو وقع في الماء ، أو تحت المطر حتّى طهر يكفي.

وأين جميع ما ذكر من الوجوب الشرعي؟ مع أنّ الوجوب الشرعي ظاهر في الوجوب لنفسه ، لا الوجوب لغيره ، كما اعترف به رحمه‌الله وأصرّ فيه.

ومع ذلك الخطاب بالمذكّر الواحد ، فلا يشمل المؤنّث ، ولا الجماعة بحسب اللغة ، وإضافة الجمع ظاهرة في العموم الجمعي لا الأفرادي.

وأيضا تخصيص الشارع الغسل بالثوب دون الجسد وغيره ، يشعر بالاختصاص لو لم نقل بظهوره ، لأنّ خصوصيّة الجسد للمكلّف أظهر من الثوب.

وأيضا ما لا يؤكل لحمه بحسب اللغة ظاهر في عدم تعارف أكله.

وأيضا قوله : لا معنى للنجس. إلى آخره.

فيه ، أنّ معنى النجس الشرعي : وجوب التنزّه عنه في الأكل والشرب ، والصلاة فيه والطواف ونحوهما ، ووجوب التنزّه عن أكل ما لاقاه برطوبة أو شربه ، أو أكل ما يلاقي ما لاقاه ، وهكذا.

وكذلك الحال بالنسبة إلى الصلاة فيه ونحوها ، وكذا وجوب تنزيه المصحف والمساجد والضرائح المقدّسة إلى غير ذلك من أحكام كثيرة غاية الكثرة ، وليس منحصرا في وجوب غسل الملاقي بلا شبهة.

٤١٦

وأمّا الملازمة ، فلم يرد بها خبر ، كما أنّه لم يرد حديث في أنّ النجاسة الشرعيّة ما هي؟ ولا في مقدار أحكامها ، ولا في تلازمها.

مع أنّ وجوب غسل الملاقي ليس من خواص النجاسة ولوازمها ، فضلا أن يكون عينها ومعناها.

وهو رحمه‌الله صرّح بأنّ وجوب الغسل شرعا غير منحصر وجهه في النجاسة ، ولا تأمّل في ذلك ، فإنّ فضلات ما لا يؤكل لحمه يجب غسلها عن الثوب والبدن لأجل الصلاة عندنا ، وإن كانت طاهرة ، كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى.

وقوله : وأمّا الأرواث. إلى آخره.

فيه ، أنّه أيّ فرق بين الأرواث وبين غسل غير الثوب في البول (١)؟ فإنّ عدم القائل بالفصل فيهما على نهج واحد.

فمتى ثبت وجوب غسل البول (٢) ، ثبت وجوب غسل الروث ، لعدم القائل بالفصل ، فبأيّ جهة اعتمد على عدم القول بالفصل في غسل غير الثوب؟ حتّى أنّه حكم بعنوان البتّ والاطمينان ، وفي الروث لم يتمسّك به أصلا ، بل قال : ولعلّ الإجماع في موضع لم يتحقّق مخالف كاف (٣) ، مع أنّه إن أراد الإجماع الثابت له ، فلا وجه لقوله : «لعلّ» ولا لقوله : في موضع. إلى آخره. وإن أراد الإجماع المنقول ، فهو عنده ليس بحجّة ، لأنّه خبر مرسل.

ومن هذا ظهر ما في قوله : مضافا إلى الإجماع المنقول. إلى آخره.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ دليل نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثه ـ في الحقيقة ـ هو الإجماع.

__________________

(١) في (ف) : البدن.

(٢) في (ف) و (ز ١) و (ط) : الثوب.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٩.

٤١٧

بل دليل نجاسة كلّ نجس شرعي من النجاسات العينيّة ـ التي ستعرفها ـ منحصر في الإجماع حقيقة ، إذ الخبر وإن ورد في الأمر بغسل الثوب منه ، أو النزح من البئر بوقوعه فيهما ، وإهراق الماء القليل الذي وقع فيه وأمثال ذلك ، إلّا أنّك عرفت عدم انحصار معنى النجاسة فيما ذكر ، فالاستدلال بالخبر إنّما هو بمعونة الإجماع ، كما هو الحال في جلّ الأحكام الشرعيّة ، لو لم نقل كلّها.

هذا ، ويعضده الحسنة المذكورة (١) ، [و] كصحيحة زرارة أنّهما عليهما‌السلام قالا : «لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه» (٢).

وإطلاق هذين الخبرين يشمل حرام الأكل بالعارض ، كالجلالة وموطوءة الإنسان.

ولو لا الإجماع المدّعى على الشمول أمكن المناقشة في العموم ، بناء على كون الإطلاق منصرفا إلى الأفراد الشائعة.

لكن الظاهر أنّ الحكم إذا علّق على وصف يظهر كونه علّة له يقتضي ذلك ظهوره في جميع موارد ذلك الوصف ، فلا وجه للمناقشة حينئذ أصلا.

قوله : (في بول الرضيع).

ابن الجنيد حكم (٣) بأن بول الصبي الذي لم يأكل اللحم ليس بنجس (٤) ، لا أنّ بول الرضيع طاهر ، كما نسبه إليه المصنّف.

وإن قال في «المختلف» ـ بعد ما حكى عن ابن الجنيد ما قلنا ـ : احتجّ برواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام أن : «لبن الجارية وبولها يغسل منه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٥ الحديث ٣٩٨٨ ، راجع! الصفحة : ٤١٥ من هذا الكتاب.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٦ الحديث ٧١٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٧ الحديث ٣٩٩٧.

(٣) في (ك) : صرّح.

(٤) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٩.

٤١٨

الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة امّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين» (١) ، ولأنّه لو كان نجسا لما اكتفى بالصبّ.

وأجاب بالطعن في سند الرواية والقول بموجبه ، وعن الثاني ، بجواز تفاوت النجاسات في الإزالة (٢).

وهذان الدليلان لو لم يكونا من ابن الجنيد ـ كما يشير إليه صاحب «المعالم» (٣) ـ فلا وجه لإيرادهما أصلا ، لعدم الربط بالمطلوب ، ولو كانا منه ، كما هو الظاهر ، فأشدّ الاعتراض يرد عليه ، وهو عدم الربط ، فلا يرد عليه ما أورده ، لأنّ دليله الثاني صريح في اعتباره الصبّ ونفيه خصوص الغسل ، فالنجس عنده ما يتوقّف إزالته على خصوص الغسل ، لا ما يقابل الطاهر.

وستعرف عن الشيخ وسلّار كون النجاسة بمعنى تجامع عدم وجوب الغسل مطلقا ، فلا نزاع له مع الفقهاء أصلا.

وعلى أيّ تقدير ، لم يعلم قوله بطهارة بول الرضيع ، مع أنّ السيّد ادّعى الإجماع على نجاسة بوله (٤).

قوله : (كما عليه الإسكافي). إلى آخره.

فإنّه نقل عنه القول بنجاسة أبوال الخيل والبغال والحمير (٥) ، كما هو المعروف

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ الحديث ١٥٧ ، علل الشرائع : ٢٩٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٠ الحديث ٧١٨ ، الاستبصار : ١ / ١٧٣ الحديث ٦٠١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٣٩٧٠.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٤٦٠.

(٣) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٤٤١.

(٤) الناصريّات : ٨٨ المسألة ١٣.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٧.

٤١٩

من بعض العامّة ، حيث قالوا بنجاستها بالنجاسة الصغرى ، كما قالوا بحرمة أكل لحومها أيضا (١).

ودليله صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن أبوال الخيل والبغال ، فقال : «اغسل ما أصابك منه» (٢).

وكصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ـ ب : أبان ـ عنه عليه‌السلام : «يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، وأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (٣).

وحسنة ابن مسلم عنه عليه‌السلام : عن أبوال الدواب والبغال والحمير ، فقال : «اغسله ، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه ، وإن شككت فانضحه» (٤). إلى غير ذلك من الأخبار ، إلّا أنّها غير صريحة.

والمشهور بين فقهائنا الكراهة ، بل كلّهم على الطهارة ، سوى ابن الجنيد (٥). فالظاهر إجماعهم ، ولا يضرّ خروج ابن الجنيد في مثل هذه المسألة الموافقة للعامّة المخالفة للخاصّة.

ودليلهم مضافا إلى ما ذكر ، أصالة طهارة الأشياء الثابتة من الاصول ، والموثّق : «كلّ شي‌ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (٦) ، وكصحيحة زرارة المذكورة (٧) ،

__________________

(١) المغني لابن قدامة : ٩ / ٣٢٤ و ٣٢٥ ، المجموع للنووي : ٢ / ٥٥٠ ، لاحظ! الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ١٢ ، ٢ / ٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٥ الحديث ٧٧٤ ، الاستبصار : ١ / ١٧٨ الحديث ٦٢٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٩ الحديث ٤٠٠٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٦ الحديث ٧٨٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٩ الحديث ٤٠٠٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦٤ الحديث ٧٧١ ، الاستبصار : ١ / ١٧٨ الحديث ٦٢٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٧ و ٤٠٨ الحديث ٣٩٩٨.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٥٧.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٤ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٧ الحديث ٤١٩٥.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٧ الحديث ٣٩٩٧.

٤٢٠