مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

يحدث أو يصب ماء (١).

وفيه ، أنّ العلل المذكورة في تلك الأخبار علل منصوصة تفيد العموم.

ويظهر منه المنع مطلقا ما دام الرجاء باقيا ، سيّما مع الظن بالتمكّن من الماء.

وخصوصا مع العلم واليقين بالتمكّن ، وخصوصا مع اليقين بالتمكّن في الآن المتّصل بآن تيمّمه. فإنّ الصلاة بالتيمّم مع التمكّن من المائيّة في سعة الوقت ، بل في الآن المتّصل بآن أوّل الوقت من دون تراخ أصلا في غاية البعد ، بملاحظة العلل واشتراط عدم التمكّن من المائيّة ، وأنّ التيمّم من جهة الضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها.

هذا ، مضافا إلى ما مرّ في بحث وجوب الطلب. مع أنّ الظاهر أنّ العلّة المذكورة علّة واقعيّة لا تعبديّة ، فإنّ قولهم عليهم‌السلام : «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (٢) ، معناه الحقيقي والظاهر المتبادر منه الفوت واقعا ، لا بالنظر إلى رجاء المكلّف ، أو كثيرا ما لا يرجو الماء ومع ذلك يوجد له ، بل ربّما يقطع بعدمه ويتخلّف قطعه ، إذ تخلّف القطع ليس بعزيز.

كيف؟ وجميع فحول أرباب العقول يناقض بعضهم بعضا في دعوى القطع ، بل الشخص الواحد منهم ربّما يقطع بشي‌ء ثمّ يزول ذلك القطع ، وربّما يقطع بخلافه.

ومن هذا وقع النزاع من الفقهاء في دعوى الإجماع ما وقع ، بل نشاهد أنفسنا كذلك.

مع أنّ العلل الشرعيّة ربّما تكون أخصّ من المعلول ، كما لا يخفى على المطّلع. ولذا حكموا بوجوب التأخير في هذه الأخبار مطلقا لا مقيّدا ، واستدلّ المعظم بها

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٦٣ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٠ الحديث ٥٨٠ ، الاستبصار : ١ / ١٦٤ الحديث ٥٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٩ الحديث ٣٩١٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٤ الحديث ٣٩٢٩.

٣٨١

على وجوب التأخير مطلقا.

فربّما يظهر من كلام المجمعين والفقهاء عموم المنع بملاحظة ذلك ، مضافا إلى كون التيمّم عندهم طهارة اضطراريّة مشروطا بعدم التمكّن من المائية ، ووجوب الطلب لكلّ صلاة مع رجاء الوجدان ، كما مرّ.

مع أنّ التيمّم وجوبه للغير بإجماعهم لا للنفس ، بل ليس مطلوبا لنفسه أيضا. بل مطلوبيّته منحصرة في كونه لمثل الصلاة ، فلا وجه لجعل المقصود بالذات في الضيق وفي العلّة المذكورة واشتراط عدم التمكّن من المائية وغير ذلك هو مراعاة التيمّم خاصّة وجعل الصلاة تابعة له ، بل لا يخفى أنّ الظاهر من الأخبار وغيرها كون الأمر بالعكس.

فبملاحظة ذلك وما ورد في الأخبار من أنّ التيمّم إهلاك الدين على حسب ما عرفت وغير ذلك (١).

ربّما يظهر من الأخبار المانعة مطلقا أيضا أنّ المقصود بالذات (٢) في الضيق فيها هو مراعاة حال الصلاة ، والتيمّم تابع لها ، لا عكس ذلك ، كما توهّم.

ويحصل من جميع ذلك شكّ في العموم الذي ادّعاه على تقدير تسليمه ، بحيث لا تحصل البراءة اليقينيّة في العبادة التوقيفيّة ، أو يشكل الحصول أو يشكل الوثوق.

مع أنّ ما ذكرنا على القول الثالث في غاية الوضوح ، لأنّ استناده إلى كون العذر مرجوّ الزوال.

وأمّا ما دلّ على صحّة الصلوات بتيمّم واحد ، فإنّما ردّ على بعض العامّة ،

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩١ الباب ٢٨ من أبواب التيمّم.

(٢) لم ترد في (د ٢) : من قوله : فربّما. إلى قوله : بالذات.

٣٨٢

حيث قال : إنّ لكلّ صلاة تيمّما على حدة (١) ، وهو خلاف المجمع عليه بين الشيعة.

الثاني : قال في «الذخيرة» : حكم المحقّق والشهيد بجواز التيمّم للنافلة الراتبة في سعة الوقت (٢) ، وكلام الشارح يشعر باعتبار التضيّق فيه أيضا (٣) ، وتردّد في «المعتبر» في جواز التيمّم للنافلة المبتدأة ، ثمّ قال : الأشبه الجواز ، لعدم التوقيت (٤) ، وهو كذلك (٥).

الثالث : التيمّم لصلاة الكسوف ونحوها ، وصلاة الاستسقاء ونحوها يجوز ، ووقته وقتها احتياطا.

الرابع : هل يجوز الدخول في الفريضة بتيمّم النافلة؟ قيل : إنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب (٦) ، ونقل الإجماع عليه في «الخلاف» ، والعلّامة في «المنتهى» (٧) ، ويدلّ عليه عمومات الأخبار من المنزلة وغيرها.

قيل : وعلى ما ذكر يضعف فائدة التضيّق ، لأنّ المكلّف يتيمّم للنافلة ، ثمّ يصلّي الفريضة في سعة وقتها (٨).

وفيه ما ذكر في الفرع الأوّل ، مضافا إلى أنّه يرفع ثمرة النزاع ، وما في الأخبار والإجماعات.

فيه ما فيه ، مضافا إلى أنّ عامّة المكلّفين كان صلاتهم غير مقصورة ، مع أنّ الكلّ مطلوب منهم النافلة ، سيّما الراتبة بلا شبهة ، فلا يبقى فائدة فيها بعد ما ذكر.

__________________

(١) المغني لابن قدامة : ١ / ١٦٤.

(٢) لاحظ! المعتبر : ١ / ٣٨٣ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٥١ و ٢٥٢.

(٣) لاحظ! روض الجنان : ١٢٢.

(٤) لاحظ! المعتبر : ١ / ٣٨٣.

(٥) ذخيرة المعاد : ١٠١.

(٦) ذخيرة المعاد : ١٠١.

(٧) الخلاف : ١ / ١٤٣ المسألة ٩١ ، منتهى المطلب : ٣ / ١٠٨.

(٨) ذخيرة المعاد : ١٠١.

٣٨٣

وليس في الأخبار والإجماعات تقييد بكونه فاعلا للنوافل أو غيرها ، وحملها عليه مع عدمه أصلا ، فيه ما فيه.

وكيف كان ، الاحتياط واضح ، بل يشكل غيره.

الخامس : قيل : لو أراد الصلاة في سعة الوقت ، فلينذر ركعتين (١).

وفيه أيضا ما فيه ، لما عرفت ، بل لم يظهر مشروعيّة هذا النذر ، إلّا على القول بجواز التيمّم للنافلة المبتدأة ، ومعه لا حاجة إلى النذر ، لعدم التفاوت بين الواجب والمستحب من التيمّم ، كما عرفت.

السادس : لو ظنّ ضيق الوقت فتيمّم وصلّى ثمّ بان غلطه ، قيل بعدم الإعادة ، واختاره المحقّق والشهيد (٢). وقيل بالبطلان ، وهو الظاهر من الشيخ على ما قيل (٣).

وظهور غلطه غير ما أشرنا إليه سابقا من المسامحة في الضيق ، فالتفاوت الذي يسامح فيه لا ضرر فيه ، لما عرفت. وأمّا إذا كان التفاوت فاحشا ، ففيه النزاع المذكور.

مستند القائل بعدم الإعادة : أنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، وإطلاقات الأخبار الدالّة على عدم الإعادة.

ومستند القائل بالإعادة : انكشاف وقوع الصلاة قبل وقتها ، وظهور أنّها غير التي طلبت منه ، ولم يعلم تحقّق الامتثال عرفا ، بعد ظهور وقوعها قبل الوقت. والمسألة عندي محلّ توقّف ، والأحوط الإعادة.

__________________

(١) روض الجنان : ١٢٢.

(٢) المعتبر : ١ / ٣٨٤ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٥٥.

(٣) نقل عنه في المعتبر : ١ / ٣٨٤ ، لاحظ! تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٣ ذيل الحديث ٥٥٨ ، الاستبصار : ١ / ١٥٩ ذيل الحديث ٥٥٠.

٣٨٤

٧١ ـ مفتاح

[من صلّى بالتيمّم لا يجب عليه الإعادة]

من صلّى بالتيمّم لا يجب عليه الإعادة مطلقا ، وفاقا للأكثر ، لإتيانه بالمأمور به ، وللصحاح المستفيضة (١) ، وكثير منها صريح في بقاء الوقت.

وقيل : يجب الإعادة مع بقائه (٢) ، للصحيح (٣).

وقيل : مع تعمّد الجنابة وخوف التلف بالغسل (٤) ، للصحيح (٥).

وقيل : مع زحام الجمعة المانع من الخروج (٦) ، للخبر (٧).

وقيل : مع الثوب النجس ، لفقد الماء للإزالة (٨) ، للموثّق (٩).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٦ الباب ١٤ من أبواب التيمّم.

(٢) لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٢٣٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٨.

(٤) المبسوط : ١ / ٣٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٢ الحديث ٣٩٠٠.

(٦) المبسوط : ١ / ٣١ ، لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٤٣٩.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧١ الحديث ٣٨٩٨.

(٨) لاحظ! جامع المقاصد : ١ / ٥٠٤ و ٥٠٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٤١.

(٩) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٢ الحديث ٣٩٥٧.

٣٨٥

وحمل الكلّ على الاستحباب للجمع (١) ، وللموثّق في الأوّل ، أمّا أنا فإنّي كنت فاعلا (٢) ، وفي الخبر العامي قال لمن لم يعد مع بقاء الوقت : «أصبت السنّة» وللمعيد : «لك الأجر مرّتين» (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٣٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٩ ذيل الحديث ٣٨٩٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٩٠.

(٣) سنن أبي داود : ١ / ٩٣ الحديث ٣٣٨ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٢٨٦ الحديث ٦٣٢.

٣٨٦

قوله : (من صلّى بتيمّم). إلى آخره.

لا يخفى أنّ الأكثر يقولون بعدم الإعادة وإن بقي الوقت. حتّى أنّ الصدوق رحمه‌الله في أماليه عدّ من دين الإماميّة : أنّ من تيمّم وصلّى ثمّ وجد الماء وهو في وقت أو قد خرج فلا إعادة عليه ، لأنّ التيمّم أحد الطهورين ، فليتوضّأ لما يستقبل (١) ، انتهى.

وهذا يدلّ على كون الوضوء واجبا لغيره عند الإماميّة ، كما اخترنا ، ومرّ بعض الأخبار الدالّة على عدم إعادة المتيمّم صلاته في الوقت بوجدان الماء (٢).

ويدلّ عليه أيضا صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ثمّ وجد الماء؟ فقال : «لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين» (٣).

وصحيحة العيص عنه عليه‌السلام : عن رجل يأتي الماء ، وهو جنب وقد صلّى؟ قال : «يغتسل ولا يعيد الصلاة» (٤).

ورواية معاوية بن ميسرة أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل في السفر لا يجد الماء [تيمّم وصلّى] ثمّ أتى الماء وعليه شي‌ء من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضّأ ويعيد؟ قال : «يمضي على صلاته ، فإنّ ربّ الماء ربّ التراب» (٥). إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٩ الحديث ٣٨٩١ ، راجع! الصفحة : ٣٧٤ من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٧ الحديث ٥٧١ ، الاستبصار : ١ / ١٦١ الحديث ٥٥٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٠ الحديث ٣٨٩٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٧ الحديث ٥٦٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٠ الحديث ٣٨٩٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٥ الحديث ٥٦٤ ، الاستبصار : ١ / ١٦٠ الحديث ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٠ الحديث ٣٨٩٣ مع اختلاف يسير.

٣٨٧

والقائل بوجوب الإعادة مع بقاء الوقت الظاهر أنّه الشيخ رحمه‌الله (١) ، والصحيح صحيح يعقوب بن يقطين المتقدّم (٢).

واجيب عنه بالحمل على الاستحباب (٣) ، واستشهد برواية منصور السابقة (٤) ، أو على أنّه صلّى في أوّل الوقت (٥).

واعترض بأنّه تبطل صلاته حينئذ ، فلا معنى لقوله عليه‌السلام : «فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه (٦)» (٧).

وفي هذا الاعتراض نظر لعدم المنافاة ، لأنّ القضاء فرض جديد ، والصحيح المذكور حجّة ، ولهذا ذهب ابن أبي عقيل إلى عدم جواز التيمّم إلّا في آخر الوقت ، ومع ذلك قال : ولو تيمّم أوّل الوقت وصلّى ثمّ وجد الماء وله وقت ، تطهّر بالماء وأعاد الصلاة ، وإن وجد بعد ما مضى الوقت فلا إعادة عليه ، واحتجّ على ذلك بالصحيح المذكور (٨).

والشيخ رحمه‌الله أيضا حمل رواية منصور على من صلّى في أوّل الوقت (٩) ، مستدلّا بصحيح يعقوب المذكور (١٠).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٣ ذيل الحديث ٥٥٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٨ ، راجع! الصفحة : ٣٧٦ من هذا الكتاب.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ١٢٠ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٣٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٩٠ ، راجع! الصفحة : ٣٧٧ من هذا الكتاب.

(٥) الاستبصار : ١ / ١٥٩ ذيل الحديث ٥٥٠.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٨.

(٧) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٨) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٤٧.

(٩) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٣ ذيل الحديث ٥٥٨.

(١٠) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٩٠ ، راجع! الصفحة : ٣٧٧ من هذا الكتاب.

٣٨٨

ثمّ اعلم! أنّ عدم وجوب الإعادة في الوقت على القول بجواز التيمّم في سعة الوقت واضح.

وأمّا على القول بعدم الجواز مطلقا ، فقد عرفت أنّ الضيق عند القائلين به ليس ضيقا حقيقيّا ، بل ضيقا عرفيّا ظنيّا على حسب ما ذكر.

مع أنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، مع أنّه يجوز أن يكون وجوب التأخير هنا مثل وجوب المتابعة العرفيّة في الوضوء ، وعرفت حالها.

مع احتمال كون وقوعها في سعة الوقت للجهل بالمسألة ، ويكون الجاهل معذورا فيها على ما قيل ، أو وقوعها في السعة بالتيمّم الواقع في الضيق ويكون كافيا ، أو بالتيمّم الواقع للنافلة ، أو غير ذلك ممّا عرفت صحّته عند الكلّ ، أو عند جماعة منهم ويكون حقّا.

والعجب من جمع من المحقّقين أنّهم اختاروا الصحّة في الكلّ على القول بالضيق مطلقا ، إلى أن قالوا : لم يبق ثمرة للنزاع (١) ، ومع ذلك استدلّوا بالأخبار الدالّة على عدم وجوب الإعادة على بطلان القول بالضيق ، واختاروا السعة مطلقا ، لأنّ مفاد هذه الأخبار ليس إلّا من تيمّم تيمّما صحيحا وصلّى ثمّ تمكّن من استعمال الماء ، لا يضرّه التمكّن منه وإن وقع في الوقت.

والمقصود فيها منحصر في عدم ضرر التمكّن من الماء للصلاة الواقعة بتيمّم لو لا التمكّن منه لم يكن تأمّل في عدم الحاجة إلى الإعادة أصلا ، من دون إشارة أصلا إلى أنّ التيمّم الصحيح ما ذا؟ والفاسد ما هو؟ ولذا لا دلالة فيها على عدم اشتراط الطلب وغيره من شرائط الصحة ، فتدبّر!

__________________

(١) لاحظ! روض الجنان : ١٢٢ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢١٢ ، ذخيرة المعاد : ١٠١ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ٣٦٤.

٣٨٩

قوله : (مع تعمّد الجنابة). إلى آخره.

تقدّم الكلام فيه (١).

قوله : (وقيل : مع زحام). إلى آخره.

القائل الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» (٢) ، وابن الجنيد (٣).

والرواية ، رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام : أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس؟ قال : «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف» (٤).

وفي «المدارك» : هي ضعيفة السند جدّا ، والأجود عدم الإعادة ، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، إذ التقدير عدم التمكّن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة (٥) ، انتهى.

وفيه تأمّل ، إذ ليس في طريقها سوى السكوني ، والشيخ صرّح في «العدة» بأنّه ثقة وبإجماع الشيعة على العمل بروايته (٦).

مع أنّ السند إلى ابن بكير صحيح ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٧) ، وهو يروي عنه.

ومع ذلك لا وجه لما ذكره من صحّة صلاة الجمعة بالتيمّم إلى أن لا حاجة

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٣٧ و ٢٣٨ من هذا الكتاب.

(٢) المبسوط : ١ / ٣١ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٤٧.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٣٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٥ الحديث ٥٣٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٤ الحديث ٣٨٢١.

(٥) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٤١.

(٦) عدّة الاصول : ١ / ١٤٩.

(٧) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

٣٩٠

إلى الإعادة أصلا ، لأنّ كونها مأمورا بها يحتاج إلى دليل شرعي ، ولم نجد عموما يشمل هذه الصلاة في هذه الصورة على ما عرفت ممّا مرّ في بحث صلاة الجمعة.

مع أنّه اختار عدم جواز التيمّم إذا أخلّ المصلّي باستعمال الماء للطهارة إلى أن ضاق الوقت عن استعماله دون استعمال التراب ، محتجّا بأنّ شرط التيمّم فقد التمكّن من استعمال الماء ، والمكلّف متمكّن حينئذ من استعماله ، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتّسع لذلك ، ولم يثبت كون ذلك مسوّغا للتيمّم (١) ، انتهى احتجاجه.

فكيف في المقام اختار جواز التيمم بل وجوبه؟ فتأمّل جدّا!

ويلزمه أنّ المكلّف إذا أدرك الإمام في ركوع الركعة الأخيرة غير متطهّر من الحدث الأكبر أو الأصغر ـ بحيث لو تطهّر بالماء رفع الإمام رأسه من الركوع ـ أنّه يتيمّم ويلحق بالإمام ويتمّم صلاته بالتيمّم ، ويجزيه عن الجمعة والظهر ، بحيث لا يحتاج إلى الإعادة أصلا. وفيه من البعد ما لا يخفى.

وكذلك من لم يتمكّن من الركوع والسجود ، والقيام والقعود ، وغيرها من الواجبات والشرائط ، سوى التيمّم والصلاة بالإيماء وقت صلاة الجمعة وبعده يتمكّن من جميع الواجبات والشرائط ، مثل من يأخذه الحمّى الدائرة في وقتها وترتفع بعد وقتها قطعا وعادة ، ومثل المواقف التي لا يتمكّن إلّا من صلاة الخوف ، فإنّه يكبّر تكبيرتين فقط ، كما هو المعروف.

وبالجملة ، من تأمّل فيما ذكر (٢) في وجوب الجمعة من الأدلّة والإجماعات والأقوال لا يحصل له اليقين ببراءة الذمّة بمجرّد صلاة الجمعة في الصورة المذكورة ، سيّما بعد ملاحظة ما ورد في التيمّم من أنّه إهلاك الدين (٣) ، وأنّه يجب شراء الماء بأيّ

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ١٨٥.

(٢) في (ف) : ذكرنا.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩١ الحديث ٣٩٥٣ و ٣٩٥٤.

٣٩١

ثمن يكون ، ولو كان أغلى ما يكون من الثمن (١).

وفي صلاة الجمعة قالوا بسقوط وجوبها بمثل احتراق القرص من الخبز (٢) ، ولا شكّ في أنّ الأحوط والأولى الإعادة ، بل يشكل عدمها ، لما عرفت.

قوله : (وقيل : مع). إلى آخره.

القائل الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» (٣). والموثّق ، موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل ليس عليه إلّا ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة» (٤).

والموثّقة حجّة على ما حقّق في محلّه ، إلّا أن يقال : إنّها لا تعارض ما دلّ على عدم وجوب الإعادة سندا وعملا ، فيحمل على الاستحباب جمعا أو مسامحة. والأحوط مراعاة مضمونها أيضا.

هذا ، والمستفاد من كلام المصنّف انحصار القول بالإعادة فيما ذكره.

ونقل عن المرتضى : أنّ الحاضر إذا تيمّم لفقد الماء وصلّى وجب عليه الإعادة إذا وجده (٥).

ولعلّ مستنده قويّة السكوني التي ذكرناها (٦) ، بأن كان المناط فيها منقّحا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٩ الباب ٢٦ من أبواب التيمم.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٢١ ، مسالك الأفهام : ١ / ٢٤١ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٥١.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٥ ، المبسوط : ١ / ٣٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٧ الحديث ١٢٧٩ ، الاستبصار : ١ / ١٦٩ الحديث ٥٨٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٢ الحديث ٣٩٥٧.

(٥) نقل عنه المحقّق في المعتبر : ١ / ٣٦٥.

(٦) راجع! الصفحة : ٣٩٠ من هذا الكتاب.

٣٩٢

عنده ، إذ لو كان موضع الجمعة إحدى الفرائض مثل الظهر ، أو كان المانع في الجمعة غير الازدحام ، لعلّه لم يتأمّل أحد في الشمول ، فكأنّه رحمه‌الله فهم الحديث هكذا : ما تقول في رجل من الحاضرين وقع في حال لا يقدر على الماء في تلك الحالة حتّى تفوته فريضة مثل الظهر أو الصبح؟ فاجيب بأنّه يتيمّم ويصلّي أداء ، وإذا وجد الماء أعادها.

والأظهر عدم الإعادة ، لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، ولأنّ القضاء فرض جديد لم يثبت من الأخبار على وجه العموم ، إلّا في صورة فوت الصلاة ، وما ثبت في المواضع الخاصّة على تقدير التماميّة لا عموم له يشمل المقام.

ويؤيّده صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : «إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد الماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلّى» (١) ، وقيل بأنّها دليل (٢).

وفيه ، أنّه لا عموم فيها لغة ، لأنّ عموم كلمة (إذا) ليس لغويّا ، فلا ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، وعدم وجدان الطهور للحاضر بعيد جدّا.

بل ممّا ذكر ظهر عدم كونها مؤيّدة أيضا ، والأحوط مراعاة ما ذكره السيّد رحمه‌الله.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٣ الحديث ٥٥٦ و ١٩٧ الحديث ٥٧٢ ، الاستبصار : ١ / ١٥٩ الحديث ٥٤٩ و ١٦١ الحديث ٥٥٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٧.

(٢) ذخيرة المعاد : ١١٠.

٣٩٣
٣٩٤

٧٢ ـ مفتاح

[أحكام التيمّم]

إذا وجد الماء وتمكّن من استعماله (١) ولو ظنّا انتقض تيمّمه ، وإن فقده قبل الاستعمال للإجماع (٢) والصحيح (٣).

وفي أثناء الصلاة يرجع ما لم يركع ، وفاقا للصدوق وجماعة (٤) ،

__________________

(١) المراد بالتمكّن من استعماله أن لا يكون له مانع حسّي ولا شرعي يمنعه من الاستعمال ، فلو وجد الماء في الصلاة ثمّ فقد قبل الفراغ ، فالظاهر أنّه لم ينتقض تيمّمه في حقّ الصلاة المستقبلة ، لأنّه لم يتمكّن من استعماله شرعا ، ولا يكفي التمكّن العقلي ، فإنّ المعروف من التمكّن ما يكون مناطا لتفريط المكلّف ، [لاحظ : المعتبر : ١ / ٤٠١ ، روض الجنان : ١٢٩ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٤٧]. فلا يصدق إلّا مع انتفاء المانع مطلقا ، ولأنّ الحكم بصحّة التيمّم بالنسبة إلى الصلاة وعدمها بالنسبة إلى الاخرى بعيد جدّا.

وخالف في ذلك «المبسوط» و «المنتهى» مستدلّين بأنّ المنع الشرعي لا يرفع القدرة ، لأنّها صفة حقيقيّة والحكم معلّق عليها ، [المبسوط : ١ / ٣٣ ، منتهى المطلب : ٣ / ١٤٢] ولا يخفى ضعفه.

وهل يعتبر في انتقاض التيمّم مضي زمان يتمكّن فيه من فعل الطهارة المائية أم لا؟ قولان ، أحدهما نعم ، لامتناع التكليف بعبادة في وقت لا يسعها ، والثاني لا ، لصدق التمكّن من استعمال الماء بحسب الظاهر. «منه رحمه‌الله».

(٢) لاحظ! المعتبر : ١ / ٤٠١ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٥٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٧ الحديث ٣٩١٠.

(٤) المقنع : ٢٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٨ ذيل الحديث ٢١٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٤٨ ، رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٢٦ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٤٥.

٣٩٥

للصحيح (١) وغيره (٢).

وقيل : يمضي في صلاته مطلقا (٣) ، لآية (وَلا تُبْطِلُوا) (٤) ، وإطلاق بعض الروايات (٥) ، وحملا على المقيّد (٦). وقيل فيه أقوال اخر ضعيفة (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨١ الحديث ٣٩٢٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨١ الحديث ٣٩٢٤.

(٣) المقنعة : ٦١ ، الخلاف : ١ / ١٤١ المسألة ٨٩ ، السرائر : ١ / ١٣٩ و ١٤٠.

(٤) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤٧) : ٣٣.

(٥) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٢ الحديث ٣٩٢٥ و ٣٩٢٦.

(٦) انظر! مدارك الأحكام : ٢ / ٢٤٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٣ ذيل الحديث ٣٩٢٥ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٧٥ ـ ٢٧٧ ، ذخيرة المعاد : ١٠٨.

(٧) انظر! مختلف الشيعة : ١ / ٤٣٥.

٣٩٦

قوله : (للإجماع والصحيح).

الإجماع نقل في «المعتبر» (١) ، والصحيح ، صحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام : يصلّي الرجل بتيمّم واحد صلاة الليل والنهار كلّها؟ قال : «نعم ما لم يحدث ، أو يصب ماء» ، قلت : فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظنّ أنّه يقدر عليه فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه؟ قال : «ينقض ذلك تيمّمه ، وعليه أن يعيد التيمّم» (٢).

قوله : (وفي أثناء الصلاة). إلى آخره.

اختلف الأصحاب في ذلك ، فعن الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» ، والمرتضى ، وابن إدريس ، أنّه يمضي في صلاته ولو تلبّس بتكبيرة الإحرام ، للأصل (٣).

والظاهر أنّ المراد منه الاستصحاب ، لأنّ القائل بالاستصحاب يأتي بالمقام ـ مثلا ـ للمبحث ، وكذا المنكر له. مع احتمال إرادة أصالة براءة الذمّة عن التكليف الزائد.

ويعارضهما أصالة بقاء شغل الذمة اليقيني حتّى يثبت خلافه ، ولم يثبت بما ذكر ، كما حقّق في محلّه من عدم جريان هذه الاصول في ماهيّة الامور التوقيفيّة.

مع أنّ الدخول وإن كان مشروعا ، إلّا أنّه غير مسقط للقضاء ، ولا مبرئ للذمّة ، ولا إتيان بعين المطلوب ، ولا خروج عن العهدة.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤٠١.

(٢) الاستبصار : ١ / ١٦٤ الحديث ٥٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٧ الحديث ٣٩١٠.

(٣) المبسوط : ١ / ٣٣ ، الخلاف : ١ / ١٤١ المسألة ٨٨ ، نقل عن المرتضى في المعتبر : ١ / ٤٠٠ ، السرائر : ١ / ١٣٩ و ١٤٠.

٣٩٧

وكما أنّ الأوّل مستصحب فكذلك البواقي ، فإن كان بينهما التنافي يقع التصادم ، وأنّ كون تلك العبادة المطلوبة منه غير معلوم.

مضافا إلى أنّ التيمّم من جهة الضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ، فتأمّل جدّا!

واحتجّوا أيضا بما رواه الشيخ عن البزنطي ، عن محمّد بن سماعة ، عن محمّد ابن حمران ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : «يمضي في الصلاة ، واعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» (١).

وعن الشيخ في «النهاية» ، وابن أبي عقيل ، وابن بابويه ، والمرتضى في «شرح الرسالة» ، أنّه يرجع ما لم يركع (٢).

واختاره المصنّف ، لصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : قلت : فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ، قال : «فلينصرف وليتوضّأ ما لم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته ، فإنّ التيمّم أحد الطهورين» (٣).

وعن عبد الله بن عاصم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام ، فقال : هو ذا الماء ، فقال : «إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضّأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته» (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٣ الحديث ٥٩٠ ، الاستبصار : ١ / ١٦٦ الحديث ٥٧٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٢ الحديث ٣٩٢٥.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٤٨ ، نقل عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة : ١ / ٤٣٥ ، المقنع : ٢٦ ، نقل عن المرتضى في مدارك الأحكام : ٢ / ٢٤٥ ، لاحظ! رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٢٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٦٣ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٠ الحديث ٥٨٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨١ الحديث ٣٩٢٣ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٦٤ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٤ الحديث ٥٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٦٦ الحديث

٣٩٨

وفي «المعتبر» : أنّ رواية ابن حمران أرجح من وجوه :

منها : أنّه أشهر في العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم ، والأعدل مقدّم.

ومنها : أنّه أخفّ وأيسر ، واليسر مراد الله.

ومنها : أنّ مع العمل بروايته يمكن العمل برواية عبد الله بالتنزيل على الاستحباب ، بخلاف العكس (١).

ويظهر من هذا أن لا بأس برواية عبد الله ، إلّا أنّه مرجوح بالنسبة إلى محمّد.

مع أنّ الراوي عن عبد الله بن عاصم جعفر بن بشير ، وهو يروي عن الثقات ، وإن كان الراوي عنه الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، لأنّه وثّقه النجاشي (٢) ، وهو أضبط وأعرف بالرجال.

وفي طريق آخر يروي عنه أبان ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٣) ، والطريق إليه حسن.

مع أنّه روى عنه بطريق آخر أيضا ، وكثرة الطرق إليه تفيد رجحانا قويّا.

ويؤيّده أيضا عموم ما دلّ على لزوم مراعاة المائيّة ، مثل قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) (٤) ، وغيره ممّا دلّ على اشتراط فقد الماء ، أو العجز عن استعماله ، مضافا إلى ما مرّ في بحث وجوب التأخير إلى آخر الوقت.

ويؤيّده أيضا وجوب شراء الماء بأضعاف الثمن ، وكون التيمّم إهلاك الدين وطهارة اضطراريّة ، وكون شغل الذمّة اليقيني محتاجا إلى اليقين بالبراءة.

__________________

٥٧٦ ، وسائل الشيعة : ٣/٣٨١ الحديث ٣٩٢٤ مع اختلاف يسير.

(١) المعتبر : ١ / ٤٠٠ و ٤٠١.

(٢) رجال النجاشي : ٤٠ الرقم ٨٣.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٤) النساء (٤) : ٤٣ ، المائدة (٥) : ٦.

٣٩٩

هذا ، مع موافقتها للصحيحة المذكورة ، مع ما فيها من مرجّحات العمل ، من جهة كونها عن الباقر عليه‌السلام ، وكون الراوي عنه زرارة.

وذكرنا لمثل هذا السند مرجّحات كثيرة في مبحث صلاة الجمعة وغيره.

فظهر ما في كلام المحقّق من الترجيحات ، بل غفلته عن هذه الصحيحة ، التي لا يوازنها رواية محمّد أصلا ، إذ لا شكّ في أنّ زرارة أعدل من محمّد ، مضافا إلى مرجّحات لروايته وكون اليسر مراد الله تعالى لا يعارض وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة. وما قال : من أنّ مع العمل برواية محمّد. إلى آخره. فيه ، أنّ الجمع بعد التقاوم.

ومع ذلك يمكن حمل رواية محمّد على الدخول الكامل بملاحظة ما ورد في الأخبار من أنّ أوّل الصلاة الركوع (١) ، وأنّ الصلاة [ثلاثة أثلاث] : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود (٢) ، وأنّ إدراك الركعة بإدراك الركوع ، وأمثال ذلك.

وفي «المدارك» رجّح رواية محمّد بالمطابقة للأصل والعمومات الدالّة على تحريم قطع الصلاة (٣).

وفيه ، أنّ الأصل قد عرفت حاله. وأمّا قطع الصلاة الحرام هو بعد أن تكون الصلاة صحيحة والمكلّف يقطعها من دون عذر شرعي ، وليس كذلك ، إذ لم يعلم بعد صحّة الصلاة بعد وجدان الماء وملاحظة أنّ التيمّم لم يتحقّق إلّا من جهة عدم الوجدان.

ومع ذلك ورد عدم نقض اليقين إلّا باليقين وأنّه لا بدّ من الاحتياط والتجنّب

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٧ الحديث ٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١١ الحديث ٨٠٥٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٧٣ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٠ الحديث ٨٠٤٩.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٤٦.

٤٠٠