مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

الكيفيّة ، وكذا الطين بعد فقده ، ولا يتأمّلون فيما ذكرنا أصلا ، ولا يجوّزون مغايرة كيفيّة تيمّم الغبار لتيمّم التراب ، كما لا يجوّزون ذلك في الطين ، وكما لا يجوّزون المغايرة في الجمد والثلج المذكورين للماء.

هذا إذا علموا المخالفة في خصوص شي‌ء يقتصرون عليه ويحكمون بكون الباقي موافقا لما علموه ، وذلك ظاهر على من تأمّل وتفطّن!

ومن هذا نرى العلّامة في «التذكرة» ادّعى الإجماع على وجوب تقديم اليمنى على اليسرى في التيمّم ، وقال : لأنّه بدل ممّا يجب فيه التقديم (١) ، وجعل البدليّة سندا لإجماع المجمعين ، ويظهر منه أنّ جميع المجمعين سندهم هو البدليّة.

ومن هذا نرى أيضا أنّهم أفتوا بوجوب البدأة بالأعلى في التيمّم أيضا من جهة البدليّة ، وكذا غيره من الأحكام فيه وفي غيره ، مثل الخطبتين في الجمعة ، والتسبيح في الركعتين الأخيرتين ، وغيرهما من مواضع الأحكام ، كما لا يخفى على المطّلع.

قوله : (والموالاة). إلى آخره.

أي يجب فيه الموالاة ، وقد قطع الأصحاب باعتبارها ، وأسنده في «المنتهى» إلى علمائنا ، واحتجّ عليه بقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا) بأنّه تعالى أوجب علينا عقيب إرادة الصلاة ، ولا يتحقّق إلّا بمجموع أجزائه ، فيجب بقدر الإمكان (٢).

وهذا الاستدلال مبني على كون التيمّم بمعناه الشرعي ، وفيه تأمّل ، وإن قلنا بثبوت الحقيقة الشرعيّة لقوله تعالى (صَعِيداً) (٣). إلى آخره.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٩٦ المسألة ٣٠٨.

(٢) منتهى المطلب : ٣ / ١٠٨.

(٣) النساء (٤) : ٤٣.

٣٦١

والأجود الاستدلال بما استدللنا على وجوب الترتيب ، مضافا إلى الإجماع المنقول الذي هو حجّة.

وبدل الغسل فيه الموالاة (١) ، كما هو مقتضى الأدلّة المذكورة سوى قاعدة البدليّة.

وهذه القاعدة روعي فيها بحسب الهيئة للوضوء خاصّة جزما بالإجماع والأخبار ، فلو أخلّ الموالاة لم يأت بما امر به.

ويظهر من الأدلّة المذكورة كيفيّة الموالاة ، لكن بعضها يفيد العرفيّة ، وبعضها تابعيّتها موالاة الوضوء ـ وعرفتها ـ وإن كان بدلا من الغسل ، لأنّه روعي فيه أيضا هيئة الوضوء بالإجماع والأخبار ، ولكن ظاهرهم الموالاة العرفيّة وعدم مراعاة الجفاف التقديري هنا.

بل صريح كلام بعضهم الموالاة العرفيّة مطلقا (٢) ، كما هو مقتضى سائر الأدلّة المذكورة ، مثل التيمّمات البيانيّة ، والإجماع البسيط والمركّب ، وتوقيفيّة العبادات.

قال في «المدارك» : لو أخلّ بالمتابعة بما لا يعدّ تفريقا لم يضرّ قطعا ، وإن طال الفصل أمكن القول بالبطلان لفوات الواجب ، والصحّة لصدق التيمّم المأمور به (٣).

وفيه ما فيه وإن قال ذلك تفريعا على القول باختصاص التيمّم بآخر الوقت ، وأنّ الموالاة على هذا من ضروريّات صحّته ، لتقع الصلاة في الوقت.

قوله : (وطهارة التراب).

قد تقدّم الكلام فيها ، ولم يتعرّض لذكر طهارة مواضع المسح.

__________________

(١) في (ك) زيادة : أيضا.

(٢) ذخيرة المعاد : ١٠٦.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٢٨.

٣٦٢

اعلم! أنّه لا تأمّل في عدم اشتراط طهارة غير مواضع المسح ، لكن في «المعتبر» اختار طهارتها مع القدرة ، على القول بالتضيّق في التيمّم ، ونقله عن الشيخ في «المبسوط» (١) ، واختاره في «الدروس» (٢). والقول الآخر العدم ، نسبه في «المعتبر» إلى الشيخ رحمه‌الله في «الخلاف» (٣). ولا ريب أنّ تقديم الطهارة مطلقا أحوط ، بل يشكل غيره ، لتوقيفيّة العبادة ، فتأمّل جدّا!

وأمّا طهارة مواضع المسح ، فمن الواجبات عند الفقهاء. واستدلّ عليه في «الذكرى» بأنّ التراب ينجس بملاقاة النجس ، فلا يكون طيّبا ، وبمساواته أعضاء المائية (٤).

وناقشه في «المدارك» : بأنّ الدليل الأوّل أخصّ من المدّعى ، والثاني قياس (٥). وفساد مناقشته ظاهر ، لأنّ الأدلّة الفقهيّة غالبها أخصّ.

نعم ، لا بدّ من التتميم ، ولعلّه يحصل بعدم القول بالفصل ، وبالدليل الثاني يتمّ المطلوب أيضا فلا ضرر.

وأمّا الثاني ، فليس بقياس بالبديهة ، بل قاعدة البدليّة التي عرفتها.

ثمّ قال : ومقتضى الأصل عدم الاشتراط ، والمصرّح باعتبار ذلك قليل من الأصحاب ، إلّا أنّه أحوط. ولو تعذّرت الإزالة سقط اعتبارها ووجب التيمّم ، وإن تعدّت النجاسة إلى التراب. ولو كانت حائلة بين الماسح والممسوح وجب إزالتها

__________________

(١) نقل عنه في المعتبر : ١ / ٣٨١ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٣٥.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٣٣.

(٣) المعتبر : ١ / ٣٩٤ ، الخلاف : ١ / ١٥٤ المسألة ١٠٥.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٦٧.

(٥) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٢٨.

٣٦٣

مع الإمكان ، ومع التعذّر يتيمّم كذلك (١) ، انتهى.

والأصل الذي ادّعاه قد عرفت الكلام فيه مرارا ، وما ذكره من السقوط عند التعذّر فحقّ.

ودليله ما مرّ من الاستصحاب والأخبار ، مثل قوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢).

ثمّ اعلم! أنّ المراد من موضع المسح يحتمل عمومه بالنسبة إلى الماسح والممسوح ، لاشتراك العلّة والدليل ، مع كون موضع الماسح أيضا موضع المسح.

قوله : (كما مرّ في المائيّتين).

قد تقدّم الكلام فيهما (٣).

قوله : (قيل : ويستحب). إلى آخره.

مرّ ذلك عن «الدروس» (٤) ، وفيه أيضا استحباب تفريج الأصابع عند الضرب.

قوله : (وترك). إلى آخره.

الخبر رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام قال : «نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتيمّم الرجل بتراب من أثر الطريق» (٥).

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٢٢٨.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٤٩ ـ ٣٥٢ و ٤٨٦ ـ ٤٩٢ (المجلّد الثالث) ، الصفحة : ١٦٩ و ١٧٠ من هذا الكتاب.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٣٣.

(٥) الكافي : ٣ / ٦٢ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٧ الحديث ٥٣٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٩ الحديث ٣٨٣٧.

٣٦٤

وروي عنه عليه‌السلام بطريق آخر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «لا وضوء من موطأ» (١).

وبعض الفقهاء قال : يستحب أن يكون من ربى الأرض وعواليها (٢).

ولعلّه من عبارة «الأمالي» للصدوق رحمه‌الله وقد مرّت (٣) ، وهي مذكورة في «الفقه الرضوي» وغيره (٤) ، وعلّل أيضا بكونها أبعد من النجاسة (٥).

قوله : (للشهرة).

أقول : لا شبهة في شهرته وذكره في كلام الفقهاء ، ومنشؤه ما رواه في «الكافي» في الصحيح عن محمّد بن الحسين أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأله ، فكتب إليّ : «لا تصلّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض ، ولكنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان» (٦) ، وظاهرها المنع من التيمّم به ، كما هو عند القائل بكون الصعيد هو التراب.

ولا يخفى استحالة التراب إليه فصار لذلك ممسوخا ، وهذا يؤيّد القائل به. ويؤيّد ابن الجنيد أيضا في قوله بأنّ الحجر وقع فيه الاستحالة (٧) وصدّقه العلّامة

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٦٢ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٦ الحديث ٥٣٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٩ الحديث ٣٨٣٦.

(٢) شرائع الإسلام : ١٠ / ٤٨ ، ذخيرة المعاد : ٩٩.

(٣) أمالي الصدوق : ٥١٥ ، راجع! الصفحة : ٢٨٢ من هذا الكتاب.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٠ ، معاني الأخبار : ٢٨٣.

(٥) لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٢٠٦.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٣٢ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٠ الحديث ٦٧٩٢.

(٧) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٢٠.

٣٦٥

والشهيد الثاني ، كما مرّ (١).

وأمّا القائل بكون الصعيد هو الأرض (٢) ، فلعلّه حكم بالكراهة من هذه الرواية ، لثبوت كون الرمل أرضا غير مستحيل عنده ، ولذا حمل الرواية على الكراهة ، أو من جهة سندها. لكن الظاهر صحّته ، وأنّ «محمّد بن الحسين» هو محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الثقة.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٠٨ و ٣١٦ و ٣١٧ من هذا الكتاب.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٢٢٢.

٣٦٦

٧٠ ـ مفتاح

[جواز التيمّم مع السعة]

لا يجوز التيمّم للفريضة قبل دخول وقتها إجماعا ، وفي جوازه مع سعة الوقت ثلاثة أقوال ، ثالثها : الجواز إذا لم يكن العذر مرجوّ الزوال (١) ، والأصح الجواز مطلقا ، وفاقا للصدوق وجماعة (٢) ، للأصل ، وعموم أفضليّة أوّل الوقت (٣) ، وإطلاق الآية (٤) ، وللمعتبرة الدالّة على عدم وجوب الإعادة مع بقاء الوقت ووجدان الماء (٥).

نعم ، يستحبّ التأخير لراجي الزوال ، كما يستفاد من المعتبرة (٦) ، وهي مستند القولين ، ولا دلالة فيها على الوجوب صريحا ، مع أنّها ظاهرة في الرجاء.

__________________

(١) لاحظ! المعتبر : ١ / ٣٨٣ و ٣٨٤ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤١٤ و ٤١٥ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٢٠١ المسألة ٣١١ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ٣٥٦ و ٣٥٧.

(٢) نقل عن الصدوق في مختلف الشيعة : ١ / ٤١٤ ، ويستفاد من كلامه في الهداية : ٨٧ ، منتهى المطلب : ٣ / ٥٣ ، البيان : ٨٦ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٥٢.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٤ / ١١٨ الباب ٣ من أبواب المواقيت.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٩.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٤ الحديث ٣٩٢٩ و ٣٩٣٠.

٣٦٧
٣٦٨

قوله : (إجماعا).

نقل الإجماع الفاضلان والشهيدان والشيخ علي (١) ، وإن قال في «الذكرى» ـ في بحث وجوب الغسل لنفسه أو لغيره ـ : وربّما قيل بطرد الخلاف في الطهارة كلّها (٢) ، إذ الظاهر أنّه مخالف للإجماع عنده.

لكن الظاهر أنّ الإجماعات المنقولة إنّما هي في صورة رجاء درك التيمّم في الوقت ، كما هو المتعارف الشائع الغالب. ولو فرض على الندرة عدم التمكّن من التيمّم إلّا قبل الوقت ، وفي الوقت لا يتمكّن من طهارة أصلا ، وظنّه كذلك أو علمه ، فاللازم التيمّم حينئذ لأجل درك الصلاة الواجبة المطلقة بالنسبة إلى الطهارة المظنون دركها بالظن القوي الشرعي ـ أي ما يجب متابعته شرعا ـ لما دلّ على حجّية الاستصحاب من الأخبار وغيرها ، كما هو الحال في مقدّمات الحجّ للمستطيع ، وبسطنا الكلام في «حاشية المدارك» (٣).

قوله : (ثلاثة أقوال).

أقول : أوّلها : عدم الجواز ، ووجوب التأخير إلى آخر الوقت مطلقا ، ذهب إليه الأكثر مثل : المفيد والشيخ والمرتضى وأبي الصلاح وسلّار وابن حمزة

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٣٨١ ، منتهى المطلب : ٣ / ٥٠ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٩٩ المسألة ٣١١ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٣٢ ، روض الجنان : ١٢١ ، جامع المقاصد : ١ / ٤٩٩.

(٢) ذكرى الشيعة : ١ / ١٩٦.

(٣) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد رحمه‌الله : ٢ / ١١٧ و ١١٨.

٣٦٩

وابن إدريس (١) ومن وافقهم من المتأخّرين (٢) ، بل الشيخ والمرتضى وابن إدريس نقلوا الإجماع عليه (٣).

بل المرتضى ادّعى الإجماع في «الناصريّة» وفي «الانتصار» جميعا (٤).

وفي «الدروس» : وفي صحّته مع السعة خلاف ، أشهره وجوب التأخير إلى الضيق إلّا مع الضرورة ، كارتحال القافلة وغيره ، وخصوصا مع الطمع في الماء (٥) ، انتهى. فتأمّل جدّا!

وثانيها : جوازه في أوّل الوقت مطلقا ، نسب ذلك إلى الصدوق (٦) ، وظاهر الجعفي والبزنطي (٧) ، وقوّاه في «المنتهى» و «التحرير» (٨) ، والشهيد في «البيان» (٩).

وثالثها : جواز التقديم عند العلم والظن الغالب بفوات الماء ، أو التمكّن من استعماله إلى آخر الوقت ، واستجوده في «المعتبر» (١٠) ، والعلّامة في عدّة من كتبه (١١) ،

__________________

(١) المقنعة : ٦١ ، المبسوط : ١ / ٣١ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٤٧ ، الخلاف : ١ / ١٤٦ المسألة ٩٤ ، الرسائل العشر : ١٦٨ ، الانتصار : ٣١ ، رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٢٥ ، الكافي في الفقه : ١٣٦ ، المراسم : ٧٦ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٠ ، السرائر : ١ / ١٣٥.

(٢) المعتبر : ١ / ٣٨٢ ، قواعد الأحكام : ١ / ٢٣ ، إيضاح الفوائد : ١ / ٧٠ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٣٢ ، روض الجنان : ١٢٢.

(٣) الخلاف : ١ / ١٤٦ المسألة ٩٤ ، الانتصار : ٣٢ ، السرائر : ١ / ١٤٠.

(٤) الناصريات : ١٥٦ ، الانتصار : ٣١.

(٥) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٣٢.

(٦) نقل عن الصدوق في مختلف الشيعة : ١ / ٤١٤ ، لاحظ! الهداية : ٨٧.

(٧) نقل عن الجعفي والبزنطي في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٥٢ و ٢٥٣.

(٨) منتهى المطلب : ٣ / ٥٣ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٢.

(٩) البيان : ٨٦.

(١٠) المعتبر : ١ / ٣٨٤.

(١١) قواعد الأحكام : ١ / ٢٣ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤١٥ و ٤١٦ ، نهاية الإحكام : ١ / ١٨٥ و ١٨٦.

٣٧٠

لكن قيّد العلم ، ولم يذكر الظن ، قيل : وإليه يومي كلام ابن أبي عقيل (١).

حجّة الأوّل : الإجماعات المنقولة ، وما مرّ في بحث وجوب الطلب من الاستدلال بالآية (٢).

وحسنة زرارة المتضمّنة للأمر بالطلب ما دام الوقت (٣) ، أو الإمساك عن التيمّم ما دام الوقت ، كما في النسخة الاخرى (٤).

وصحيحة ابن مسلم قال : سمعته يقول : «إذا لم تجد ماء وأردت التيمّم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (٥).

وصحيحة محمّد بن حمران عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «اعلم! أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» (٦).

وفي «الفقه الرضوي» : وليس للمتيمّم أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت (٧) ، والسند منجبر بالشهرة العظيمة ، لو لم نقل بالإجماع.

وفي «البحار» : عن محمّد بن الوليد ، عن عبد الله بن بكير أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل أجنب ولم يصب الماء أيتيمّم ويصلّي؟ قال : «لا حتّى آخر

__________________

(١) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٤٦.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٤١ و ٢٤٢ من هذا الكتاب.

(٣) الكافي : ٣ / ٦٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٢ الحديث ٥٥٥ ، الاستبصار : ١ / ١٥٩ الحديث ٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٤ الحديث ٣٩٣٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٤ الحديث ٥٦٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٦ الحديث ٣٨٨٣.

(٥) الكافي : ٣ / ٦٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٣ الحديث ٥٨٨ ، الاستبصار : ١ / ١٦٥ الحديث ٥٧٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٤ الحديث ٣٩٢٩.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٣ الحديث ٥٩٠ ، الاستبصار : ١ / ١٦٦ الحديث ٥٧٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٢ الحديث ٣٩٢٥.

(٧) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٨ مع اختلاف يسير.

٣٧١

الوقت إنّه إن فاته الماء لم تفته الأرض» (١).

وفيه أيضا قال عليه‌السلام : «اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ التيمّم غسل المضطرّ ، ووضوؤه وهو نصف الوضوء في غير ضرورة إذا لم يوجد الماء ، وليس له أن يتيمّم حتّى يأتي إلى آخر الوقت ، أو إلى أن يتخوّف خروج وقت الصلاة» (٢).

وبعض هذه الروايات وإن كان ظاهرا في مقام رجاء زوال العذر ، إلّا أنّه غير مضرّ ، لأنّ أدلّة الفقه ربّما يكون أخصّ من المدّعى ، ولا ضرر فيه بعد ما ثبت المدّعى بتمامه ، والإجماع المنقول حجّة ، كما حقّق في محلّه وإن نقل في محلّ النزاع ، فإنّ المنازع من القدماء ربّما لا يكون مطّلعا على الإجماع ، أو كان مطّلعا لكن لم يكن قائلا بحجّيته ، أو كان قائلا بها أيضا إلّا أنّه كان عنده معارض أقوى ، فلا يقتضي نزاعه عدم حجّيته لنا الآن ، كما أنّ خبر الواحد كثيرا ما نقل في محلّ النزاع.

والإجماع المنقول خبر في الحقيقة عندنا ، وأدلّة حجّية خبر الواحد تشمله بلا تأمّل ، كما حقّق في محلّه.

والإجماع المركّب وفتاوى الأصحاب ـ سيّما القدماء ـ ربّما يصير منشأ لتماميّة صحيحة حمران ، إذ لم يذكر أحد منهم استحباب التأخير ، كما عرفت.

بل المجوّز ربّما استحب التقديم ، كما هو مقتضى الأصل في أسباب المغفرة والخيرات والعمومات الدالّة على استحباب تقديم خصوص الصلوات ، وغير ذلك من أدلّة هذا القول.

فالحمل على استحباب التأخير مع عدم قائل به ، مخالف لجميع الأدلّة ، ويوجب تأويل الجميع وإخراج الكلّ عن ظاهره.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٤٦ ذيل الحديث ٣.

(٢) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٤٨ الحديث ٧.

٣٧٢

وحجّة الثاني : قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ) (١) الآية ، إذ مقتضاها صحّة التيمّم عن إرادة القيام أوّل الوقت مع عدم وجدان الماء.

وفيه ، أنّ تقدير الإرادة لا حاجة إليه ، إذ القيام إلى الشي‌ء غير القيام في الشي‌ء ، والأوّل معناه معروف. ولا يقام إلى شي‌ء إلّا بعد أن يعرف صحّته ، ومن الضروريات أنّ الفريضة ليست ممّا يصحّ أن يقام إليه مطلقا.

ولذا لا يقام قبل الوقت جزما ، وصحّته في أوّل الوقت في المقام أوّل الكلام ومحلّ النزاع ، مع أنّك عرفت الكلام في صدق عدم الوجدان أوّل الوقت ، فلاحظ.

واستدلّ له أيضا بالعمومات الدالّة على توسعة وقت الفريضة (٢) ، مثل (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (٣) وغيرها ممّا دلّ على جواز الفريضة في سعة الوقت (٤).

وفيه ، أنّها لو تمّت اقتضت استحباب التقديم لا التأخير ، كما لا يخفى ، وإن كان موضع لم يدلّ عليه ، فلا شكّ في دلالته على الجواز المساوي طرف فعله على الترك ، لأنّه الظاهر ، فكما يضرّ الخصم يضرّ القول باستحباب التأخير أيضا ، فما هو جوابكم فهو جوابه.

هذا على القول باستحباب التأخير (٥) ، كما قال به المتأخّرون المشاركون للقائلين بجواز التقديم مطلقا.

وعلى القول بعدم استحباب التأخير أصلا ، يضرّه ما دلّ على الضيق ممّا أشرنا إليه وغيره ، وهو كثير ، فلا بدّ له من تقييد عموماته أو طرحه ما دلّ على

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) في (ز ٣) و (ك) : الصلاة.

(٣) الإسراء (١٧) : ٧٨.

(٤) ذخيرة المعاد : ٩٩ و ١٠٠.

(٥) في (ز ٣) و (ك) زيادة : أيضا.

٣٧٣

الضيق بالمرّة ، ولا شكّ في فساده ، لأنّ الخاص مقدّم بلا شبهة.

وبالجملة ، ثبوت عموم يكون المقام من أفراده المتبادرة محلّ منع ، وكذا شموله له لغة ، وعلى تقدير التسليم ، فالأدلّة السابقة تخصّصه ، وكذا كلّما هو دليل القول الثالث.

واستدلّوا أيضا بما دلّ على عموم البدليّة والمنزلة ، وخصوص ما دلّ على أنّ المتيمّم إذا صلّى ثمّ وجد الماء لم يجب عليه الإعادة ، مثل صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت ، قال : «تمّت صلاته ولا إعادة عليه» (١) (٢).

ويمكن الجواب عن العموم بما مرّ من الأدلّة ، وعن الخصوص بأنّ دلالته فرع كون القائل بعدم الجواز قائلا بالبطلان ، بحيث لم يوجد منهم قول بالفصل وصحّة الصلاة أصلا ورأسا.

وسيجي‌ء في المفتاح الآتي : أنّ الأكثر يقولون بعدم وجوب الإعادة مطلقا ، وأنّ بعضا منهم يقول بالإعادة في الوقت.

فهذه الصحاح مستند الأكثر ، مع أنّ الأكثر يقولون بوجوب التأخير إلى الضيق بلا شبهة.

فالأكثر لا يقولون بالضيق المنافي لهذه الأخبار ، لأنّها حجّتهم ، فكيف يصير عليهم؟

ومع ذلك لا شكّ في أنّ المانع لا يقول بوجوب التأخير إلى حدّ لم يف الوقت

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٤ الحديث ٥٦٢ ، الاستبصار : ١ / ١٦٠ الحديث ٥٥٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٩.

(٢) منتهى المطلب : ٣ / ٥٣ ، ذخيرة المعاد : ١٠٠ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٥٢ و ٢٥٣.

٣٧٤

إلّا لأداء الفريضة بحسب الواقع ، بحيث لا يزيد من الوقت شي‌ء أصلا وواقعا ، لأنّه تكليف بالمحال.

بل لا يقول بما يؤدّي إلى الحرج أيضا ، بل وإلى العسر المنفي أيضا بحسب الظاهر.

بل غير ظاهر أنّه يقول بوجوب الاقتصار بأقلّ واجب منها وترك المستحبات بأسرها ، مثل القنوت وجلسة الاستراحة ونحوهما.

وبالجملة ، القطع حاصل بعدم قوله بالتضيّق إلى هذا القدر ، بل لا شكّ في أنّه قائل بوكول ذلك إلى ظنّ المكلّف وتخمينه بعنوان لا يكون فيه عسر وحرج أصلا ، لا في التخمين ، ولا في مقدار الواجب وأقلّه.

فعلى هذا نقول : تخلّف التخمين غالب التحقّق ، بملاحظة أنّ المخمّن يراعي الاحتياط التامّ في بقاء الوقت إلى آخر الصلاة ، فيحتاط في تخمينه بإبقاء قدر يطمئنّ به وقوع مجموع صلاته في وقتها على أيّ حال وعلى أيّ تقدير من غير مداقّة في أجزائها ، وأنّها إلى أيّ حدّ أقلّ ما يتحقّق به المجموع ، وأنّ أيّ شي‌ء منها داخل في أقلّ الماهيّة التي يجب مراعاتها ، وأيّ شي‌ء غير داخل جزما.

وكذا الحال في كيفيّة التحقّق سرعة وبطوءا ، وأنّ أيّ نحو أخصر ونحو ذلك ، بل يراعي الاحتياط في ذلك أيضا حتّى يطمئنّ أنّه أتى بجميع ما وجب عليه ، من دون تقصير وإهمال أصلا.

فبملاحظة جميع ما ذكر بعنوان القطع أو الظن أو الاحتمال ، يتخلّف التخمين كثيرا تخلّفا معتدّا به ، سيّما إذا لم يكن المكلّف بالحذاقة التامّة ، فإنّ الغالب من الناس ليسوا بكمال الحذاقة والمداقة في الامور ، سيّما الامور الشرعيّة التعبديّة التي ليس لعقولهم إليها طريق أصلا.

٣٧٥

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّ بقاء الوقت يكفي فيه وقت ركعة من الصلاة لا أزيد منه ، لأنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، كما ستعرف.

فإذا ثبت وجوب التأخير ، لم يكن فيما ذكرنا مانع أصلا ، إذ لا يقاومه البتة ، وإن قلنا بالاستبعاد فيه ، كما أنّها لا تمنع عن وجوب الطلب ونحوه ممّا هو شرط في صحّة التيمّم وثبت اشتراطه ، فإنّ المراد فيها إذا صلّى بتيمّم صحيح ثمّ وجد الماء ، لا يجب الإعادة. وكون المراد ذلك مسلّم لا تأمّل فيه ، بل بناء استدلال الخصم عليه.

مع أنّه سيجي‌ء من الخصم صحّة الصلاة أوّل الوقت من المتيمّم بصلاة السابقة في ضيق وقتها ، سيّما أن يكون الراوي روى وجوب الإمساك ما دام الوقت (١).

مع أنّه روى في الصحيح عن يعقوب بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تيمّم فصلّى فأصاب بعد صلاته ماء ، أيتوضّأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه» (٢) ، فإنّ الأمر وكلمة «على» يقتضيان وجوب الإعادة ، مضافا إلى عدم قائل باستحبابها على حسب ما عرفت.

وبالجملة ، على القول بحجّية الإجماعات المنقولة يتعيّن القول الأوّل ، لعدم معارض لها ، بل الأخبار إمّا موافقة لها وإمّا معاضدة.

وما دلّ على عدم الإعادة ، وإن كان ظاهره التوسعة في الجملة ، إلّا أنّ الظاهر لا يعارض النصّ ، فضلا عن النصوص.

مع إمكان حمل المعارض على التقيّة ، لأنّ العامّة رووا عن أبي سعيد : أنّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٤ الحديث ٥٦٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٦ الحديث ٣٨٨٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٣ الحديث ٥٥٩ ، الاستبصار : ١ / ١٥٩ الحديث ٥٥١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٨ مع اختلاف يسير.

٣٧٦

رجلين تيمّما فوجدا الماء وصلّيا في الوقت فأعاد أحدهما وسألا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لمن لم يعد : «أصبت السنّة وأجزأتك صلاتك» وللآخر : «لك الأجر مرّتين» (١).

ولعلّه لهذا ورد في الموثّق عن منصور بن حازم ، عن الصادق عليه‌السلام في رجل تيمّم وصلّى ثمّ أصاب الماء ، فقال : «أمّا أنا فإنّي كنت فاعلا ، إنّي كنت أتوضّأ واعيد» (٢).

فإنّهم عليهم‌السلام في مقام التقيّة ربّما كانوا يقولون بالعبارة المذكورة ، تبعا لرأي العامّة ، وإظهارا على الشيعة ما هو فعلهم.

وينادي بذلك أنّ العبارة المذكورة طريقة الفقيه ، لا الشارع والإمام عليه‌السلام ، مضافا إلى ما عرفت من أنّهم أمروا بالتأخير في أخبار كثيرة.

وإن قلنا بأنّه بعنوان الاستحباب ، فكيف يكون ممّن يأمر بالبرّ وينسى نفسه ، ويقول ما لا يفعل؟ وغير ذلك من الذموم الشديدة الواردة عنهم ، مضافا إلى عدم استفصاله من الراوي في وقت إصابة الماء.

مع أنّ الراجح صحّة أفعال المسلم ، فظاهرها رجحان إعادة الصلاة التي وقعت بالتيمّم مطلقا.

بل مسلّم أنّ المراد الصلاة الصحيحة بالتيمّم الصحيح ، وبناء استدلال المستدلّ بهذه الرواية على الاستحباب على ذلك جزما ، وسيجي‌ء الكلام في ذلك.

ومن هذا يظهر وهن آخر في دلالة ما دلّ على عدم الإعادة ، فإنّ صحيحة زرارة ونحوها حملها على وقوع الصلاة منهم حال شكّهم في صحّتها ، فيه ما فيه.

__________________

(١) سنن أبي داود : ١ / ٩٣ الحديث ٣٣٨ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٣ الحديث ٥٥٨ ، الاستبصار : ١ / ١٥٩ الحديث ٥٥٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٩٠ مع اختلاف يسير.

٣٧٧

واعتقادهم الصحّة مع فعلها في أوّل الوقت أيضا ، فيه ما فيه. لظهور المعركة العظيمة في ذلك.

ولذا ورد منهم عليهم‌السلام ما ورد في ذلك ، حتّى وقع الإجماع من الشيعة على التأخير ، ولا أقلّ من الشهرة العظيمة ، كما عرفت.

مع أنّهم هم الرواة للأخبار المذكورة ، فعلى تقدير ظهورها في التوسعة مطلقا ، فكيف اختاروا خلافها؟

بل ولو أوّلوها بتأويلات بعيدة ـ على حسب ما قاله القائل ـ بالتوسعة مطلقا ، إذ الظاهر أنّه ما لم يكن المانع عظيما لا يقولون بخلاف ظاهر تلك الأخبار ، ويؤوّلونها بالتأويلات البعيدة.

مع أنّ الرواة ومن سئل عن حاله لو كانوا معتقدين صحّة صلاتهم في أوّل الوقت ، فلا وجه لسؤالهم ثانيا عن حال وجدان الماء في أوّل الوقت ، فتأمّل!

وعلى القول بعدم حجّية الإجماعات المنقولة ، فلا أقلّ من كونها جابرة لما دلّ على وجوب التأخير مطلقا. مع أنّ الشهرة العظيمة لا أقلّ منها ، وهي تكفي للجبر.

ولو لم يعتبر جميع ذلك يتعيّن القول الثالث بدلالة الآية والأخبار ، على أنّ المتيمّم مع رجاء زوال عذر التيمّم منه لا يتيمّم إلّا مع اليأس وضيق الوقت ، على ما مرّ في بحث الطلب بالنسبة إلى الآية ، فتأمّل جدّا!

كذا عرفت الصحاح الدالّة على عدم جواز التيمّم مع السعة مطلقا ، أو مع رجاء زوال العذر عن المائية ، بأن ثبوت الثاني منها لا شبهة فيه.

وأمّا الإطلاق فمحتمل ، وقد عرفت عدم ضرر ما دلّ على عدم وجوب الإعادة مع وجدان الماء في الوقت ، سيّما على القول الثالث.

٣٧٨

ومن ملاحظة جميع ما ذكرنا ، ظهر أنّ القول الثاني أضعف الأقوال. وأقوى أدلّته ما ورد في الصحيح من أنّ إمام قوم أصابته جنابة وليس معه ماء يكفيه للغسل أنّه يتيمّم ويصلّي بهم ، إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (١).

فإنّ حملها على إيجابه على المأمومين جميعا تأخيرهم الصلاة إلى ضيق الوقت حتّى يصلّوا مع الإمام بعيد جدّا ، سيّما بملاحظة ما في الصحيحة من سؤال الراوي أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم؟ قال : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم» (٢).

وحملها على وقوع صلاة الكلّ في ضيق الوقت بحسب الاتّفاق والموانع الخارجة بعيد أيضا غاية البعد ، إلّا أنّ الظاهر منها حال السفر بلا شبهة ، ووقوع صلاة الكلّ في وقت الضيق في السفر بسبب سير القافلة ، ليس بذلك البعيد ، أو أنّ الإمام يتيمّم في أوّل الوقت من جهة ارتحال القافلة ويصلّي بهم ، لأنّهم في الطريق ربّما لم يتمكّنوا من القيام والاستقرار والركوع والسجود ، وغير ذلك.

ولا شكّ في أنّ مراد المجمعين والقائل بالأوّل حال الاختيار والتمكّن من الصلاة بواجباتها.

ومضى عن «الدروس» أيضا ما عرفت (٣).

هذا ، مضافا إلى أنّ تأخير الصلاة لدرك فضيلة الجماعة مندوب مسلّم ، وكذا مراعاة الإمام الراتب فتأمّل جدّا ، مع احتمال التقيّة أيضا.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٦٦ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٠ الحديث ٢٢٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٤ الحديث ١٢٦٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٦ الحديث ٣٩٤١.

(٢) الكافي : ٣ / ٦٦ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٠ الحديث ٢٢٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٤ الحديث ١٢٦٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٦ الحديث ٣٩٤١.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٧٠ من هذا الكتاب.

٣٧٩

وبالجملة ، لما كان الحال حال السفر ، فلا يقاوم هذا الظاهر جميع ما ذكر من الأدلّة للمذهبين الأخيرين ، سيّما المذهب الثالث ، لأنّ حال السفر يصير العذر غير مرجوّ الزوال ، لا يكون فيه استبعاد ، مع أنّ مراعاة التقيّة فيه أشدّ ، كما لا يخفى.

وأمّا التعليل بقوله عليه‌السلام : «إنّ الله جعل» (١). إلى آخره ، فقد ظهر الجواب عنه.

وكيف كان ، لا شكّ في أنّ العمل على وفق القول الأوّل لا غير ، إلّا أن يلزم حرج وعسر منفي ، كما هو الحال في المرضى في مثل صلاة المغرب والعشاء ، وغيرهم من أصحاب الأعذار ، إلّا أن يقتضي نقصا في الصلاة في واجب من واجباتها ، جزءا كان أو شرطا ، لعموم دليل وجوبه وعدم ما يقتضي رفع اليد عنه ، لما عرفت من أنّ الظاهر أنّ مراد القائل حال عدم مفسدة. وكذا الحال في الأدلّة.

مع أنّ التأخير لأجل مراعاة المائية التي تكون الترابية بمنزلته. وأين هذا من رفع اليد عن جزء الصلاة أو شرطها ، الذي لا ينوبه شي‌ء ، سيّما أن يكون الجزء ركنا ، وسيّما أن يكون التالف أركانا متعدّدة.

فروع :

الأوّل : لو تيمّم لصلاة في ضيق وقتها ثمّ دخل وقت صلاة اخرى ، فهل يجوز أداؤها في أوّل وقتها على القول بالتضييق؟ قيل : نعم ، ونسب إلى «المبسوط» (٢).

واختاره في «المدارك» و «الذخيرة» (٣) ، لأنّ المانع كان الأخبار الدالّة على التأخير ، وهي لا تتناول المتيمّم ، فتبقى العمومات بحالها.

ويؤيّده ما ورد من أنّ الرجل يصلّي بتيمّم واحد صلاة الليل والنهار ما لم

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) نسب إليه في ذخيرة المعاد : ١٠١ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٣٣.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٢١٢ ، ذخيرة المعاد : ١٠١.

٣٨٠