مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

مع أنّه لم يدّع أحد أنّه موجب للغسل ، بل أنّه مبطل له ، وإن ادّعى عدم إبطال لأصالة العدم ، ففيه أنّه موقوف على جريانها في ماهيّة العبادات.

فعلى تقدير التسليم يعارضها أصالة عدم رفع الحدث بمثل هذا الغسل ، وأصالة بقاء الجنابة ، لقوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا» (١) وأمثاله ، وأصالة عدم كونه العبادة المطلوبة ، وأنّ الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط ، فلا ينفع الوضوء أيضا ، كما قاله المرتضى ومن وافقه (٢).

ويؤيّده الأخبار الدالّة على أنّ الوضوء منفي مع غسل الجنابة ، بل وبدعة (٣) فلاحظ وتأمّل ، وكذا فتاوى الفقهاء.

وما استدلّ للثاني أيضا من أنّ الحدث الأصغر لو حصل بعد إكمالها أوجب الوضوء ، فكذا في أثنائها ، وإلّا لكان إذا بقي من جانبه الأيسر مقدار درهم ، ثمّ أحدث وجب عليه الغسل خاصّة وليس كذلك (٤).

ففيه تأمّل ، إذ فرق بين حصوله بعد كمال الطهارة خاليا عن الحدث الأكبر بالمرّة وحصوله قبل كمالها ، وحين اجتماعه مع الحدث الأكبر ، ولذا يكفي الغسل عن الوضوء لو وقع الحدث قبل الشروع في الطهارة إجماعا.

وما ذكره من قوله : وإلّا لكان. إلى آخره ، مجرّد استبعاد يعارضه ما إذا أحدث الحدث بعد ما شرع في الطهارة وغسل منها شيئا يسيرا ولو قدر درهم وأقلّ منه ، مع أنّ ما استبعده معارض للأدلّة السابقة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

(٢) نقل عن السيّد في المعتبر : ١ / ١٩٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ٢٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٣٨ ، مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٧.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٦ الباب ٣٤ من أبواب الجنابة.

(٤) المعتبر : ١ / ١٩٦ و ١٩٧.

١٨١

ويمكن أن يستدلّ لخصوص قول ابن إدريس ومن وافقه (١) بإطلاقات الأخبار الواردة في جواز تفريق أجزاء الغسل ، وعدم وجوب الموالاة في الغسل (٢) ، إذ لم يتعرّضوا بحال ما لو وقع الحدث في الأثناء ، ولو كان مضرّا موجبا للإعادة أو الوضوء ، لتعرّضوا في المقام.

وفيه ، أنّهم عليهم‌السلام تعرّضوا ، كما مرّ عن «عرض المجالس» و «الفقه الرضوي» المنجبرين بما عرفت (٣).

والمطلقات يكفي فيها مقيّد واحد ، كما هو المتعارف عند الفقهاء ، وبناء الفقه على ذلك.

مع أنّهم عليهم‌السلام ربّما وكّلوا ذلك إلى الظهور ، ولذا لم يتعرّضوا لذكر ما لو وقع حدث أكبر في الأثناء ، وإن كان ذلك الأكبر من نوع آخر.

وكذا لم يتعرّضوا في الأخبار الواردة في بيان الوضوء أو التيمم لحال حدوث أكبر أو أصغر في الأثناء.

بل لم يتعرّضوا لحال شرط من الشرائط ، مثل كون الطهارة بالماء المطلق الخالي عن الإضافة ، وكونه طاهرا وغير ذلك.

بل لا نسلّم وجوب التعرّض لأمثال هذا في مقام بيان عدم وجوب الموالاة في الغسل ، لأنّ كلّا منهما مسألة على حدة برأسها ، فتأمّل جدّا!

وكيف كان ، كون ما ذكر كافيا في المقام سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة ، وجعله غالبا عليها ودليلا على حصول البراءة يقينا والخروج عن العهدة شرعا البتة ، فيه ما فيه.

__________________

(١) السرائر : ١ / ١١٩ ، جواهر الفقه : ١٢ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٧٦ ، ذخيرة المعاد : ٦ ، كفاية الأحكام : ٣.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٧ الباب ٢٩ من أبواب الجنابة.

(٣) راجع! الصفحة : ١٧٦ و ١٧٧ من هذا الكتاب.

١٨٢

سيّما مع ما عرفت من النصوص (١) ، وخصوصا بعد ما عرفت مكرّرا من أنّ المطلق لا عموم فيه إلّا بالنسبة إلى الأفراد الشائعة الغالبة المتبادرة إلى الذهن في مقام تحقّق العموم فيه ، وإلّا فلا عموم مطلقا.

ويمكن أن يستدلّ لهم أيضا بالعمومات ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «فما جرى عليه الماء فقد طهر» (٢) وأمثاله.

لكن غير خفي أنّ هذا الاستدلال أضعف من الاستدلال السابق ، إذ يظهر من تلك العمومات أنّ نظر الشارع إلى أمر آخر لا دخل له في المقام ، مع أنّ جميع ما أوردنا على السابق وارد عليه أيضا.

وكيف كان ، الأحوط وجوب الإعادة لو لم نقل أنّه أقوى ، لكن يتوضّأ مع ذلك أيضا. وأحوط من ذلك إحداث حدث بعد الغسل ، ثمّ الوضوء من ذلك الحدث.

وبالجملة ، عرفت أنّ الأقوى وجوب الإعادة لقوّة أدلّته ، فتعيّن عدم وجوب الوضوء معها ، للإجماع البسيط والمركّب.

أمّا البسيط ، فهو الإجماع على عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة.

وأمّا المركّب ، وهو الأقوى ، فهو المتحقّق في المقام المركّب من ثلاثة أقوال عرفتها :

الأوّل : الإعادة من دون وضوء.

الثاني : إتمام الغسل كذلك.

الثالث : إتمامه مع الوضوء ، فإذا ثبت وجوب الإعادة ثبت عدم وجوب

__________________

(١) في (د ١ ، ٢) : النقوض.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٢ الحديث ٣٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الحديث ٢٠١٣.

١٨٣

الوضوء معها ، لعدم القائل بالفصل ، وعدم جواز إحداث قول زائد عندنا.

هذا ، مضافا إلى ما أشرنا إليه من الأخبار المانعة من الوضوء مع غسل الجنابة ، مضافا إلى القياس بطريق أولى وغيره.

لكن لو توضّأ مع الإعادة يكون أحوط في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة ، لاحتمال عدم تماميّة الإجماع المركّب ، وكون المراد في البسيط والأخبار المانعة عن غسل الجنابة المتعارف ولا يكون المقام داخلا فيه ، ومنع الأولويّة في القياس بأنّ الحدث بعد الغسل لعلّه لا يرفع أثرا من آثار الغسل ، بل يحدث أثرا من نفسه.

ومعلوم أنّ الواجب والحرام يتوقّفان على الثبوت ، ولا يضرّ الاحتمال فيهما ، كما هو المحقّق والمسلّم ، فإذا كان الاحتمال غير مضرّ ، ففي مقام تحصيل البراءة اليقينيّة بطريق أولى ، بل ربّما كان عدم الاعتناء بالاحتمال في المقام المذكور أولى ، بل ولازما.

لكن الأحوط الحدث بعد الغسل ، ثمّ الوضوء إن كان الحدث أصغر ، لأنّ الراجح في النظر ربّما كان تماميّة المركّب ، بل وشمول البسيط والأخبار أيضا على حسب ما قرّرنا.

بل وقوّة ما في القياس الأولويّة وغيره أيضا ، فلا بدّ من التأمّل ، فتأمّل جدّا!

ثمّ اعلم! أنّ الظاهر الفرق في ذلك بين كونه غسل ترتيبي أو ارتماسي ، كما هو الظاهر من كلام الفقهاء (١).

نعم نادر من متأخّري المتأخّرين على أنّه لا فرق بينهما ، مثل صاحب «المدارك» ومن وافقه (٢).

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٩.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٩ ، ذخيرة المعاد : ٦١.

١٨٤

ولا عبرة به ، إذ في الارتماسي لا يتصوّر الأثناء قطعا ، إذ تحقّق الأثناء فرع أن يكون الشي‌ء بعد الشي‌ء ، والارتماسي ليس كذلك ، بل هو بدفعة واحدة ، وأنّه لا يتحقّق بعد النيّة قبل الخوض في الماء ، إذ بعدها وقبل الخوض لا يتحقّق الشروع ، بل يتحقّق الشروع بالخوض ، فكيف يتحقّق الأثناء؟ إذ هو لا يكون إلّا بعد الشروع في الفعل ، إذ النيّة شرط لصحّة الفعل على ما هو المحقّق عند المحقّقين ، حتّى عند صاحب «المدارك» (١) ، لا أنّها شطر.

ومع ذلك هي ليست إلّا الداعية على الفعل لا خصوص المخطر ، والداعية لا تنفكّ أبدا ، فلا يتصوّر وقوع الحدث بينها وبين الفعل بالبديهة.

فظهر الجواب عمّا ذكره في «المدارك» حيث قال : ويتصوّر ذلك في غسل الارتماس بوقوع الحدث بعد النيّة وقبل إتمام الغسل (٢) ، مضافا إلى أنّه بعيد غاية البعد.

وفي «الذخيرة» نقل عن «الذكرى» : أنّ الارتماسي لا يتحقّق الحدث في أثنائه ، لأنّه إن وقع بعد شمول الماء لجميع البدن أوجب الوضوء لا غير ، وإلّا فليس له أثر (٣).

وذلك لأنّ الحدث وقع قبل الغسل ، فالغسل يجزي عن الوضوء إذا كان غسل الجنابة ، ويرفع الأصغر أيضا إجماعا. وأمّا إذا وقع بعد الشمول ، فقد وقع بعد تماميّة الغسل ، فلا يوجب سوى الوضوء إجماعا.

وبالجملة ، قبل شمول الماء للجميع لم يتحقّق شي‌ء من أجزاء الغسل أصلا ، إذ ليس فيه تقديم ولا تأخير أصلا بالنسبة إلى الأجزاء ، بل الغسل بالنسبة إلى كلّ

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ١٨٤ و ١٨٥.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٩.

(٣) ذخيرة المعاد : ٦١ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٩.

١٨٥

جزء يكون من الأجزاء على حدّ سواء ، فبعد ما حصل الشمول تمّ الغسل ، فيكون الحدث بعد تماميّة الغسل.

ثمّ نقل عنه أنّه : إن قلنا بوجوب الترتيب الحكمي القصدي فهو كالمرتب ، وإن قلنا بحصوله ـ أي الترتيب ـ في الارتماسي في نفسه ، وفسّرناه بتفسير «الاستبصار» ، أمكن انسحاب البحث فيه (١) ، انتهى.

فعبارته صريحة في عدم إمكان إجراء البحث في الارتماسي ، إلّا أن يقال بالترتيب فيه أيضا بالقصد ، كما قيل (٢) ، أو بالتحقيق ، كما في «الاستبصار» (٣) ، والأصحاب لا يرضون بواحد منهما ، كما عرفت.

لكن في «الذخيرة» بعد ما نقل عن «الذكرى» ما ذكرناه قال : وأنت خبير بأنّ الدفعة المعتبرة في الارتماسي ليست دفعة حقيقية ، فيجوز تخلل الحدث في أثناء الغسل الارتماسي ، وإن قلنا بسقوط الترتيب الحكمي (٤) ، انتهى.

ونظره إلى أنّ الدفعة المعتبرة في الارتماسي هي العرفيّة ، حتّى لا يضرّها الاحتياج إلى تخليل ما لا بدّ من تخليله ، كما مرّ ، فلم لا يجوز أن يقع الحدث في أثناء التخليل قبل تماميّة الشمول لجميع البدن؟ إذ لو لم يكن حال التخليل داخلا في الغسل والشمول لزم اعتبار الدفعة الحقيقية.

ويرد عليه ، أنّه بناء على عدم الترتيب أصلا في الارتماسي كما هو الحق ، وأنّه هو المفروض ـ يكون نسبة وقوع الغسل إلى جميع أجزاء البدن على السواء ، من دون تقديم وتأخير أصلا ، فحينئذ كيف يتخلل الحدث في الأثناء؟ إذ على تقدير

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٦١ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٩.

(٢) لاحظ! مدارك الأحكام : ١ / ٢٩٦.

(٣) الاستبصار : ١ / ١٢٥ ذيل الحديث ٤٢٤.

(٤) ذخيرة المعاد : ٦١.

١٨٦

التخلل لا يكون المعنى (١) إلّا أنّ بعضا من الأجزاء تحقّق الغسل بالنسبة إليه قبل أن يتحقّق ذلك الغسل بالنسبة إلى الجزء الآخر.

فهذا تدافع ـ بين الكلامين ـ ظاهر ، مع أنّه لا فرق بين الوحدة الحقيقية والوحدة العرفية ، إذ الوحدة العرفية معناها عدم تحقّق تقديم ولا تأخير أصلا بحسب العرف وإن تحقّقا بحسب الحقيقة ، إلّا أنّ العبرة في الأحكام الشرعية إنّما هي بالعرف غالبا ، كما هو مسلّم عنده أيضا ، هذا مثل وجود زمان الحال عرفا ، وإن استحال وجوده حقيقة ، لكن بناء الشرع على وجوده بالبديهة.

فالمتقدّم حقيقة غير متقدّم عرفا ، بل يكون بحسب العرف مع المتأخّر معا حقيقة ، فهما في زمان واحد عرفي جميعا ومعا ، ومن المعلوم بالبديهة أنّ الغسل الواحد العرفي بالدفعة العرفية لا يتحقّق إلّا بعد تماميّة الشمول لجميع أجزاء البدن بعد التخليل.

والفرق بين العرفي والحقيقي إنّما هو في الشمول ، لا في تحقّق الغسل وحصول الطهارة ، فإنّ الغسل والطهارة لا يحصل بجزء دون جزء وعضو قبل عضو في الغسل الارتماسي ، بناء على عدم ترتيب فيه أصلا ، كما هو ظاهر النص ومقتضى الفتاوى ، بل الترتيبي لو فرض عدم حصول الغسل والطهارة لجزء من الأجزاء أصلا ورأسا إلّا بعد تماميّة الغسل وحصول ما هو المطهّر شرعا ، من مجموع جعله الشارع من المطهّر والمزيل للحدث ، لا جرم لا يكون الحدث الأصغر في أثنائه مضرّا ، لكونه قبل الغسل وقبل ما يؤثّر في الإزالة وقبل أثر من آثاره.

فإذا كان الترتيبي كذلك ، فما ظنّك بالارتماسي المذكور؟ مثلا إذا كان في الجسد عكن كثيرة لا يتيسّر للمغتسل التخليل بالنسبة إلى الكلّ دفعة حقيقيّة ،

__________________

(١) لم ترد في (ف) و (ز ١) (ط) من هنا. إلى قوله : المطهّر والمزيل.

١٨٧

يكفي الدفعة العرفية في تحقق الشمول الذي هو المجزي عن الترتيبي ، وهو الغسل ، وهو الرافع للحدث والمطهّر والمزيل.

فإذا تحقّق الغسل يرفع الأصغر الواقع قبل الغسل ، كما يرفع الأكبر أيضا ، فإنّ الأصغر إذا وقع قبل الغسل فالغسل يرفعه إجماعا ، ففي المقام أيضا وقع قبل الغسل ، كما عرفت.

وأيضا الفرق بينه وبين الترتيبي أنّ الترتيبي لا يكون إلّا ثلاثة امور متعدّدة ممتازة عرفا متقدّمة ومتأخّرة عرفا ، والارتماسي أمر واحد عرفا ، كما عرفت ، والحدث يتحقّق قبل ذلك الواحد العرفي.

وقولهم عليهم‌السلام : «فما جرى عليه الماء فقد طهر» (١) ، وأمثال ذلك إنّما ورد في الترتيبي ، كما مرّ ، إذ الارتماسي لا يحصل الطهارة فيه إلّا بالدفعة الواحدة عرفا.

اللهمّ إلّا أن يبنى فيه أيضا على الترتيب ، فيكون الأمر ، كما ذكر في «الذكرى» (٢).

والحاصل ، أنّ وقوع أجزاء الغسل بعنوان الدفعة العرفية شرط في الارتماسي كالترتيب في الترتيبي ، وكالنيّة فيهما جميعا ، كما عرفت. وعرفت أنّه وفاقي حتّى عند صاحب «الذخيرة» (٣) أيضا ، فالحدث الواقع قبل الشرط غير واقع في أثناء الغسل جزما ، لأنّ المشروط عدم عند عدم شرطه.

ولذا لو أحدث قبل النيّة وإن غسل الأعضاء لم يكن حدثه في أثناء الغسل ، وكذا قبل الترتيب في الترتيبي. إلى غير ذلك من شروط الصحّة مثل طهارة الماء

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٢ الحديث ٣٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الحديث ٢٠١٣.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٢٤.

(٣) ذخيرة المعاد : ٥٦.

١٨٨

وغيرها ، فما لم يتحقّق الشمول للجميع دفعة واحدة عرفية ، لم يتحقّق المشروط بالبديهة.

فقبل التحقّق لا يمكن أن يصير الحدث في أثناء الغسل الشرعي البتة ، وبعد التحقّق لا يكون سوى وجوب الوضوء ، لكونه بعد الغسل ، وليس الشرط مجرّد الشروع في الدفعة بالإجماع والأدلّة ، وهذا مسلّم عنده أيضا.

وكذا ليس الشرط نصف الدفعة ، أو بعض الدفعة ، أو أكثر الدفعة ، لفساد الكلّ بالبديهة ، بل لا معنى له ، لأنّ المفروض كون المراد من الدفعة وقوع جميع الأجزاء دفعة ، وبناء كلام القوم وصاحب «الذخيرة» أيضا على ذلك في المقام ، كما لا يخفى.

وكون الدفعة المذكورة شرطا لبعض الأجزاء (١) أو أكثرها ، فاسد معنى أيضا بالبديهة ، بل لا معنى له أيضا ، وكون تلك الدفعة غير شرط للأجزاء خاصّة فاسد ، كما عرفت ، مع أنّه لا معنى له ، لاقتضائه عدم كونها شرطا مطلقا ، كما لا يخفى ، مع أنّ بناء الاعتراض المذكور على اشتراطها بلا شبهة.

والبناء على اشتراطها لبعض الأجزاء خاصّة قد عرفت فساده وعدم كونها شرطا للأجزاء دون الهيئة الاجتماعية أيضا فاسد بالبديهة ، إذ الأجزاء بأجمعها إذا صحّت تحقّق الغسل الصحيح البتة ، لأنّ جميع أجزاء البدن إذا صحّ غسلها وطهرت من الجنابة صحّ الكلّ ، ولم يبق غير صحيح أصلا ، ولأنّ الغسل تطهير مجموع الأجزاء وغسلها بالوجه الشرعي ، فإذا غسل الجميع بشرائطها الشرعيّة حصل الغسل جزما.

مع أنّه ليس بين تطهير مجموع الأجزاء المذكورة والدفعة واسطة يتخلّل فيها

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) و (ط) و (ك) : الأعضاء.

١٨٩

الحدث. مع أنّه خلاف مراد المعترض ، فإنّ مراده بين الدفعة المذكورة.

مع أنّه على هذا لا يصير الحدث متخلّلا بين الغسل ، بل بين شرط الهيئة ، وفيه ما فيه.

ثمّ اعلم! أنّه حكي عن بعض القائلين بوجوب إتمام الغسل والوضوء ، الاكتفاء بإعادة الغسل عند نيّة القطع ، لبطلان الغسل بذلك (١). وردّ بأنّ نيّة القطع لا تؤثر في إبطال ما سبق عليها (٢).

فروع :

الأوّل : قد عرفت أنّ الغسل ترتيبي وارتماسي ، والترتيبي على قسمين :

الأوّل : ما هو المتعارف من صبّ الماء على الرأس وغسله به ، ثمّ على اليمين كذلك ، ثمّ على اليسار كذلك.

والثاني : أنّ يغسل الرأس بعنوان الارتماسي ، ثمّ اليمين كذلك ، ثمّ اليسار كذلك ، وهو صحيح شرعا ، للعمومات.

ويتركّب من هذين القسمين ما يحصل به أقسام ، مثل أن يغسل الرأس بالعنوان الأوّل ، واليمين واليسار بالعنوان الثاني وبالعكس ، أو الرأس واليمين بالعنوان الأوّل واليسار بالعنوان الثاني وبالعكس.

وقس على ما ذكر أقساما اخر ، ومنها أن يكون بعض من كلّ واحد من الأعضاء الثلاث من الصب ، والبعض الآخر من الارتماس ، أو يكون واحد من الأعضاء يتبعّض بالنحو المذكور ، والباقي لا يتبعّض أو بالعكس ، ويحصل من التبعيض شقوق لا تحصى.

__________________

(١) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٣ / ١١١ و ١١٢.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٩ و ٣١٠.

١٩٠

وحاصلها : أنّ مجموع الغسل يتحقّق من المجموع بأيّ كيفيّة تحقّق المجموع والكلّ صحيح ، للعمومات.

ويتحقّق الترتيبي بالقعود تحت الميزاب ، وفي المطر وأمثالهما ، مثل أن يكون العضو داخلا في الماء فيحرّكه بقصد الغسل ، أو يكتفي بالقصد ، والكون في الماء وشموله ، أو تكون جميع الأعضاء داخلا في الماء ، فيقصد أوّلا كون رأسه للغسل ، ثمّ بعده يمينه له ، ثمّ يساره ، كما يفعل في الغسل تحت المطر.

ومنشأ الصحّة في الكلّ صدق الغسل عرفا على تأمّل في الأخيرين ، سيّما بملاحظة صحيحة حمّاد عن بكر بن كرب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يغتسل من الجنابة أيغسل رجليه بعد الغسل؟ فقال : «إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه بعد الغسل فلا عليه أن لا يغسلهما ، وإن كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما» (١) ، فتأمّل!

وكيف كان ، الأحوط عدم الاكتفاء بهما.

ثمّ إنّه يحصل من انضمام كلّ واحد من هذه الصور مع بعض الصور المتقدّمة أقسام أيضا لا تحصى كلّها داخلة في العمومات ، إذ كلّ واحد منها غسل لغة وعرفا.

الثاني : النيّة ـ على ما هو الصواب ـ : هي الأمر الداعي ، وقد عرفت استحالة انفكاك الفعل الاختياري عنها.

وأمّا على القول بأنّها المخطرة بالبال خاصّة ، فلا بدّ فيها من المقارنة على ما مرّ في الوضوء (٢) ، والمقارنة تصير مع ابتداء المستحبات من الغسل ، وتصير مع ابتداء

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٤ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٢ الحديث ٣٦٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٤ الحديث ٢٠٣١.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٧٢ و ٣٧٣ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

١٩١

الواجبات أيضا ، لما مرّ في الوضوء ، وابتداء الواجب في الترتيبي هو أوّل عضو من الرأس في الغسل.

وأمّا الارتماسي ، فلمّا لم يكن له ابتداء وانتهاء ، بل أمر واحد عرفي ـ كما عرفت ـ يشكل مقارنتها لأوّل منها ، لما عرفت أنّه ما لم يتحقّق الشمول للجميع لم يتحقّق الغسل ، فالمقارنة لأوّل الشمول غير ميسّرة ، لعدم انضباط معيّن ميسّر.

فجعل المعتبر مقارنتها لأوّل عضو يدخل في الماء وباقي الأعضاء تابعة له ، سواء قلنا بأنّ أوّل عضو يدخل فيه جزء من أجزاء الغسل ، أو مقدّمة من مقدّماته ، لأنّ مقدّمة الواجب واجبة شرعيّة على المشهور ، فهي أولى من المستحبات بلا شبهة ، من جهة كونها ممّا لا يتم الغسل ولا يتحقّق إلّا به ، ومن جهة الوجوب الشرعي ، بل على القول بعدم وجوب الشرعي أيضا ، للزوم العقلي وتوقّف الغسل عليه.

وكونه من باب المقدّمة أنسب من احتمال الجزئيّة ، لأنّ الطهارة لا تحصل لهذا العضو وغيره من الأعضاء الملاقية للماء قبل تحقّق الشمول للجميع بلا شبهة ، كما عرفت.

فيكون حصول الطهارة لهذه الأعضاء مشروطا بالشمول المذكور ، إذ لو حصل لها الطهارة قبل الشمول المذكور ، لصار ترتيبيا حقيقيا لا حكميا ، وقد عرفت أنّه ليس بترتيبي حكمي ، فضلا عن الحقيقي.

فإذا بقي اللمعة (١) لزم الإعادة ، لعدم تحقّق الوحدة العرفية المشترطة ، وكذا لا يتحقّق في أثنائه الحدث. إلى غير ذلك من أحكام الارتماسي التي هي ثمرة النزاع في حصول الترتيب الحكمي للارتماسي ، إذ منشأ (٢) تحقّق ثمرات الترتيب

__________________

(١) في (د ٢) و (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : المغفلة.

(٢) في (د ٢) و (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : الترتيب ومنشأ.

١٩٢

ليس إلّا تحقّق الطهارة بالعضو المغسول قبل تخلل الحدث وقبل بقاء اللمعة ، وغير ذلك.

فإذا حصل الطهارة للعضو الداخل أوّلا قبل تحقّق الشمول المذكور ، لزم كونه ترتيبيا ، بل ترتيبيّا بترتيبات لا تحصى ، لما ذكرنا سابقا.

فإطلاق لفظ الجزء عليه وعلى أمثاله لا وجه له ولا ثمرة فيه ، سوى ما يتخيّل من كون مقارنة النيّة للجزء الأوّل أنسب من مقارنتها للمقدّمة.

لكن عرفت مفاسد الجزئيّة ، وإن كان الاصطلاح ممّا لا مشاحة فيه ، فلا مضايقة في تسميته جزءا.

ثمّ اعلم! أنّ أوّل العضو هو الرجل والقدم عادة ، أو أحد الأطراف مقدما على الرأس ، لما كان خارجا عن الماء يرتمس فيه.

وأمّا من كان داخلا فيه ويرتمس ، فأوّل عضو خارج يدخل فيه ، وباقي الأعضاء تتبعه.

الثالث : قد عرفت في مبحث الوضوء أنّ ابن الجنيد قال بعدم اشتراط النيّة في الطهارات ، وأنّه جعلها من قبيل المعاملات ، من قبيل غسل النجاسة وأمثاله (١).

فعلى هذا لو دخل الجنب ومثله تحت الماء بغير قصد الغسل يحصل له الطهارة ورفع الحدث الأكبر وإن لم ينو أنّه غسل لرفع ذلك الحدث ، أو للاستباحة ، وغير ذلك. فإذا بال بعد ذلك ، أو وقع منه حدث أصغر آخر انتقض غسله ، ويجب عليه الوضوء لمثل الصلاة.

والبناء على المشهور أنّه إن كان ألف مرّة يدخل تحت الماء من غير نيّة الغسل لا يكون هذا غسلا ، ولا يرتفع حدثه أصلا. فإن بال ووقع منه أحداث صغار بعد

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٦٨ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

١٩٣

الدخول تحت الماء من دون قصد الغسل لا يضرّ ، فإذا اغتسل ترتفع جميع تلك الأحداث.

ونرى بعضا من المحتاطين يحتاطون عن رأي ابن الجنيد رحمه‌الله ويستشكلون في صحّة الصلاة بعد الغسل الذي وقع بعد الحدث الأصغر ، الذي وقع بعد الارتماس ، الواقع بغير قصد الغسل ، ويقول : لعلّ رأيه حقّ ، فصلاة هذا المكلّف باطل ، فلا بدّ من الاحتياط بالوضوء ، أو عدم إحداث الأصغر قبل الغسل المذكور.

لكن الحقّ مع الشهور ، فلا يلزم الاحتياط ، وإن احتاط لعلّه أولى.

الرابع : ليس في الغسل استحباب تجديده ، لعدم الدليل ، بل دليل العدم ، إذ لو كان لشاع ، ولا أقلّ من وصول خبر ضعيف ، أو فتوى فقيه نادر ، ولم نجدهما ، وهو مثل الوضوء ما لم يثبت مشروعيّته لم يكن مشروعا ، ولم يكن في نفسه مشروعا ومطلوبا.

الخامس : قد عرفت استحباب تثليث الغسل في الأعضاء ، و (١) عن ابن الجنيد وجوب تثليث الغسل في الرأس (٢) ، لما ورد في الأخبار الكثيرة من الأمر بصبّ الماء على الرأس ثلاثا (٣) ، وفي بعض الأخبار الأمر بإفاضة الماء عليه كذلك (٤).

بل في صحيحة ربعي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «يفيض الجنب على رأسه الماء ثلاثا لا يجزيه أقلّ من ذلك» (٥).

وفيه ، أنّ الظاهر كون الصبّ ثلاثا لا الغسل ، بل ربّما يظهر كون الغسل مرّة

__________________

(١) في (د ٢) : وعرفت.

(٢) نقل عنه الشهيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٣.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الباب ٢٦ من أبواب الجنابة.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الباب ٢٦ من أبواب الجنابة.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٠ الحديث ٢٠١٦.

١٩٤

واحدة ، وأنّ زيادة الصبّ لوفاء الماء في الغسل من جهة أنّ الرأس فيه خلل وفرج ، وشعر الرأس أو اللحية أو كليهما بخلاف غير الرأس.

ولذا ورد الأمر بالصبّ لسائر الجسد مرّتين (١) ، وهو لا يقول بوجوب الغسل مرّتين ، ولا غيره من الفقهاء.

وفي صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : «وتصبّ الماء على رأسك ثلاث مرّات ، وتغسل وجهك وتفيض على جسدك الماء» (٢) ، فتأمّل جدّا!

مع أنّه يظهر من غير واحد من الأخبار اتّحاد حال الرأس مع الجسد في كيفيّة الغسل.

بل وربّما يظهر وحدته أيضا ، مثل صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ، ثمّ تمضمض واستنشق ، ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ، ليس بعده ولا قبله وضوء ، وكلّ شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته ، ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده» (٣) ، وغيره من الأخبار الظاهرة في أنّ ما جرى عليه الماء فقد طهر ، وأنّه يكفي مجرّد الغسل.

ويظهر من هذه الرواية لزوم غسل المني قبل الغسل وإن كان ارتماسيّا ، كما قلنا سابقا (٤).

هذا ، وغسل الرأس ثلاثا لا يخلو عن احتياط في الدين.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الحديث ٢٠١٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣١ الحديث ٣٦٢ ، الاستبصار : ١ / ١١٨ الحديث ٣٩٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣١ الحديث ٢٠٢١.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٨ الحديث ٤٢٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٠ الحديث ٢٠١٧.

(٤) راجع! الصفحة : ١٤٣ و ١٤٤ من هذا الكتاب.

١٩٥

السادس : غسل دائم الحدث الأصغر مثل سلس البول (١) يظهر حاله ممّا كتبنا في مبحث الوضوء (٢) ، فلاحظ!

__________________

(١) في (ك) زيادة : وغيره.

(٢) راجع! الصفحة : ٥٤٤ ـ ٥٤٨ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

١٩٦

القول في التيمّم

قال الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (١).

٦٤ ـ مفتاح

[موارد وجوب التيمّم]

وجوب التيمّم بالحدث للصلاة والطواف الواجبين (٢) ، وشرطيّته لمطلق الصلاة مع عدم التمكّن من الوضوء أو الغسل والتمكّن منه من ضروريّات الدين. والأصحّ وجوبه لسائر ما يجب له الغسل أو الوضوء ، كصوم رمضان واللبث في المساجد وغير ذلك ، إذا لم يتمكّن منهما ، لإطلاق البدليّة المستفادة

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) في بعض النسخ : الواجبتين.

١٩٧

من النصوص (١).

ويجب على المحتلم في أحد المسجدين لخروجه منه ، للصحيح (٢) ، والقول باستحبابه شاذّ (٣) ، وربّما يلحق به الحائض (٤).

وقد يجب بنذر وشبهه ، ولا يجب لغير ذلك ولا لنفسه على الأصح ، كما مرّ.

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٧ الأحاديث ٣٨٣٠ ـ ٣٨٣٥ و ٣٦٦ الباب ١٤ و ٣٨٥ الباب ٢٣ من أبواب التيمّم.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٦ الحديث ١٩٣٦.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٠ ، لاحظ! في مدارك الأحكام : ١ / ٢٨٣.

(٤) المعتبر : ١ / ٢٢٢ ، مدارك الأحكام : ١ / ٣٤٧.

١٩٨

قوله : (مع عدم التمكّن). إلى آخره.

إشارة إلى أنّ التيمم بدل اضطراري لا يصحّ مع التمكّن من الطهارة المائية.

وهو مقتضى الأدلّة ، بل مقتضاها عدم صحّته مطلقا مع التمكّن منها ، إلّا في موضع ورد النصّ فيه ، كما سنذكر.

قوله : (والأصحّ). إلى آخره.

هو كما ذكره (١) ، ومراده من البدلية ما يستفاد من المشابهة ، مثل قول الصادق عليه‌السلام : «إنّ الله جعل التراب طهورا ، كما جعل الماء طهورا» (٢).

وقوله عليه‌السلام : «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (٣) ، في مقام التعليل لكفاية التيمم.

وقوله عليه‌السلام : «أحد الطهورين» (٤) ، «جعلهما طهورا» (٥). إلى غير ذلك.

وأقوى من الكلّ عموم المنزلة الواردة في بعض الصحاح من قولهم عليهم‌السلام : «هو بمنزلة الماء» (٦) ، لأنّه دلالة عرفيّة مسلّم عندنا ، لأنّهم عليهم‌السلام إذا قالوا : هو بمنزلة هذا ، يفسّرون ذلك بأنّ كلّ منزلة من منازله يكون موجودا فيه أيضا ، فيظهر منه

__________________

(١) في (د ١ ، ٢) و (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : لما ذكره.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٠ الحديث ٢٢٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٤ الحديث ١٢٦٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٥ الحديث ٣٩٣٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٦٤ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٤ الحديث ٥٢٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٧ الحديث ٢١٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٣ الحديث ٣٨١٩ و ٣٨٢٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٦٣ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٠ الحديث ٥٨٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨١ الحديث ٣٩٢٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٥ الحديث ١٢٧٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٨ الحديث ٣٩٤٦.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٠ الحديث ٥٨١ ، الاستبصار : ١ / ١٦٣ الحديث ٥٦٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٥ الحديث ٣٩٣٥.

١٩٩

أيضا أنّه يبيح كلّ ما يبيحه المائية ، بل ربّما يظهر منه استحبابه أيضا لسائر ما يستحب له المائيّة.

قوله : (ويجب على المحتلم). إلى آخره.

وجوبه للخروج منهما وتحريمه بدونه هو المشهور ، بل قال في «المنتهى» : أنّه قول علمائنا (١) ، وفي «المعتبر» : أنّه مذهب فقهائنا (٢).

ومستند الإجماعين : الإجماع على تحريم المرور في المسجدين للجنب ومثله ، كما مرّ (٣).

وحكى في «الذكرى» عن ابن حمزة القول باستحباب هذا التيمم (٤).

والأوّل أقرب ، للإجماعات المذكورة.

وصحيحة أبي حمزة عن الباقر عليه‌السلام : «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمما ، ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد ولا يجلس في شي‌ء منها» (٥).

ومرفوعة الكليني ، عن أبي حمزة ، عن الباقر عليه‌السلام : «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمما حتّى يخرج ، ثمّ يغتسل ، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها» (٦).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٢ / ٢٢٦.

(٢) المعتبر : ١ / ١٨٩.

(٣) راجع! الصفحة : ١٧ و ١٨ من هذا الكتاب.

(٤) ذكرى الشيعة : ١ / ٢٠٧ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٧ الحديث ١٢٨٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٦ الحديث ١٩٣٦ مع اختلاف يسير.

(٦) الكافي : ٣ / ٧٣ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٥ الحديث ١٩٣٣ مع اختلاف يسير.

٢٠٠