مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

وشهرتها ، وكونها متلقاة بالقبول عند الجميع.

وأمّا الحكم في الثاني ، فالأظهر أنّه كالحكم في الأوّل ، لعموم المقتضي وعدم ما يصلح للمانعيّة وفاقا للتذكرة (١) ، بل «المنتهى» أيضا وغيرهما (٢) ، ونسب إلى المشهور عدم وجوب الإعادة (٣).

وقال في «الاستبصار» : لا يجب عليه الإعادة ، لرواية زيد الشحّام عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب ثمّ اغتسل قبل أن يبول ثمّ رأى شيئا؟ قال : «لا يعيد الغسل» (٤).

وهي ـ مع ضعفها بـ المفضّل بن صالح ـ غير دالّة على اعتبار قيد عدم الإمكان ، فتكون من الشواذ التي يجب ترك العمل بها ، ثمّ احتمل حملها على ناسي البول.

واستدلّ برواية جميل السابقة (٥) ، وقد عرفت عدم دلالتها على اعتبار قيد النسيان ، فتكون أيضا من تلك الشواذ.

نعم ، يمكنهم التمسّك بالاستصحاب وأنّ اليقين لا يرفع بالشكّ ، لكنّه لا يعارض النص ، فكيف يعارض النصوص الكثيرة الصحيحة المعمول بها؟

ثمّ اعلم! أنّ الخارج حدث جديد ، فالصلاة الواقعة قبل خروجه صحيحة ، لحصولها في وقت الطهارة واستجماع جميع الشرائط.

ونقل ابن إدريس عن بعض القول بوجوب إعادتها وردّه (٦).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ٢٣٢ و ٢٣٣.

(٢) منتهى المطلب : ٢ / ٢٥٤ ، تحرير الأحكام : ١ / ١٣.

(٣) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٥٩.

(٤) الاستبصار : ١ / ١١٩ الحديث ٤٠٥.

(٥) مرّت الإشارة اليها آنفا.

(٦) السرائر : ١ / ١٢٣.

١٦١

ولعلّ مستنده قوله عليه‌السلام ـ في صحيحة محمّد السابقة ـ : «يغتسل ويعيد الصلاة ، إلّا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنّه لا يعيد غسله» (١) ، الحديث.

ويمكن حمل الصلاة المذكورة على ما إذا وقعت بعد خروج الشي‌ء ، بقرينة قوله : «إلّا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنّه لا يعيد غسله» ، إذ لو كان يذكر عدم الغسل والصلاة جميعا لكان يترك ذكر قوله عليه‌السلام : «غسله» ، أو كان يذكر معه صلاته أيضا.

والظاهر أنّ المراد خصوص البول ، لا البول مع الاستبراء ، بقرينة تتمّة الحديث ، فإنّها صريحة فيما ذكرنا ، كما عرفت ، فصار ما ذكرنا من الشاهد ، والقرينة واضحة ، فلاحظ وتأمّل!

ويشهد أيضا على ما ذكرنا خلو باقي الصحاح والمعتبرة عن الأمر بإعادة الصلاة ، والاقتصار على إعادة الغسل خاصة.

مع أنّ امتثال الأمر مقتض للإجزاء ، وهو مستصحب حتّى يثبت خلافه. وتخيّل فساد الغسل الأوّل من جهة بقاء المني في مخرجه لا في مقره ، من تخيّلات العامّة ، بل وقال بذلك بعضهم (٢) ، ولذا لو حبس المني في المخرج ، لم يجب عليه الغسل عند علمائنا ما لم يخرج (٣).

قوله : (أمّا الاستبراء). إلى آخره.

قد مرّ الكلام في ذلك في مبحث الحيض (٤).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٥٤ من هذا الكتاب.

(٢) المغني لابن قدامة : ١ / ١٢٩.

(٣) المعتبر : ١ / ١٧٨ ، نهاية الإحكام : ١ / ١٠٠ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٦.

(٤) راجع! الصفحة : ١٤٥ و ١٤٦ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

١٦٢

قوله : (وللصحيح). إلى آخره.

وهو صحيحة زرارة أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن غسل الجنابة؟ فقال له : «تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك» (١) ، الحديث.

وأمّا التسمية ، فلعلّها للعمومات وأمّا غسل الكفّين ثلاثا ، فلما روي عن حريز ـ في القوي ـ عن الباقر عليه‌السلام : «يغسل الرجل يده من النوم مرّة ، ومن الغائط والبول مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا» (٢).

ولحسنة الحلبي أنّه سأله عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ قال : «واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة» (٣).

ومرّ في مبحث الوضوء أنّ ذلك هل هو مختصّ بالإناء والماء القليل فيه أم عام؟ وغير ذلك من الأحكام.

وأمّا كونه إلى المرفقين أفضل ، فلصحيحة أحمد أنّه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن غسل الجنابة؟ فقال : «تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك» (٤) ، وفي بعض النسخ : «يديك الى المرفقين» وهو الصواب.

وفي صحيحة زرارة : «فتغسل فرجك ومرافقك» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٠ الحديث ١١٣١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٠ الحديث ٢٠١٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦ الحديث ٩٧ ، الاستبصار : ١ / ٥٠ الحديث ١٤٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الحديث ١١١٨.

(٣) الكافي : ٣ / ١٢ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦ الحديث ٩٦ ، الاستبصار : ١ / ٥٠ الحديث ١٤١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الحديث ١١١٧ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣١ الحديث ٣٦٣ ، الاستبصار : ١ / ١٢٣ الحديث ٤١٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٠ الحديث ٢٠١٨.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٨ الحديث ٤٢٢ ، وسائل الشيعة ٢ / ٢٣٠ الحديث ٢٠١٧.

١٦٣

وصحيحة يعقوب بن يقطين : «فيغسل يديه إلى المرفقين» (١).

وفي رواية يونس عنهم عليهم‌السلام في صفة غسل الميّت : «ثمّ اغسل يده ثلاث مرّات ، كما يفعل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع» (٢).

وفي موثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام : «إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق» (٣) الحديث ، فتأمّل!

وأمّا المضمضة والاستنشاق ، فلصحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «ثمّ تمضمض وتستنشق وتصبّ الماء على رأسك ثلاث مرّات» (٤) ، الحديث.

والأصحاب صرّحوا باستحباب كونهما ثلاثا ثلاثا (٥) ، ولعلّ عدم ذكر المصنّف ذلك ، لعدم ثبوته عنده ، كما مرّ في الوضوء.

لكن مرّ هناك استحباب كونهما ثلاثا ثلاثا ، وفي المقام ورد في «الفقه الرضوي» وقد روي : «أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا» ، وروي : «مرّة مرّة يجزيه» ، وقال : «الأفضل الثلاثة ، وإن لم يفعل فغسله تام» (٦).

فما روى الحسن بن راشد ، عن العسكري عليه‌السلام أنّه : «ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق» (٧) ، المراد نفيهما على سبيل الوجوب ، لما مرّ في

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٢ الحديث ٤٠٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٦ الحديث ٢٠٦٥.

(٢) الكافي : ٣ / ١٤١ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦٥ الحديث ٢١١٦ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٢ الحديث ٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣١ الحديث ٢٠٢٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣١ الحديث ٣٦٢ ، الاستبصار : ١ / ١١٨ الحديث ٣٩٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٦ الحديث ١٠٨٣.

(٥) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٩ ، كشف اللثام : ٢ / ٢٤ ، الحدائق الناضرة : ٣ / ١١١.

(٦) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨١ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٤٦٨ الحديث ١١٨٣.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣١ الحديث ٣٦١ ، الاستبصار : ١ / ١١٨ الحديث ٣٩٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣١ الحديث ١١٣٠.

١٦٤

مبحث الوضوء ، ولما روى أبو يحيى الواسطي عن بعض أصحابه أنّه قال للصادق عليه‌السلام : الجنب يتمضمض؟ قال : «لا ، إنّما يجنب الظاهر» (١) ، إذ التعليل ظاهر في أنّ المنفي في الرواية الاولى كونهما ممّا يرفع الجنابة.

ومقتضى هذه الرواية وغيرها عدم وجوب غسل غير الظواهر ، وهو إجماعي ، إلّا أنّه وقع الإشكال فيما إذا وقع في مثل الاذن ثقب ، فهل يجب غسل داخل ذلك الثقب وإن كان ممّا لا يرى؟ بناء على أنّه قبل الثقب كان تحت الجلد ، وبعده صار جلدا ظاهرا فوق اللحم واللحم تحته ، أم لا يجب إلّا غسل ما يرى منه؟ لأنّ ما لا يظهر لا يكون من الظواهر كداخل الأنف والفم ومثلهما ، والثاني أقوى والأوّل أحوط.

قوله : (وإمرار اليد). إلى آخره.

الإمرار الذي يكون على سبيل الاستظهار يعني الموضع الذي ظهر وصول الماء إليه وجريانه عليه يستحب إمرار اليد عليه استظهارا ، وأمّا الموضع الذي لا يجري الماء عليه إلّا بالإمرار فالإمرار عليه واجب من باب المقدّمة ، فوجوبه حينئذ شرعي على المشهور ، لكون مقدّمة الواجب عندهم واجبة شرعا ، وشرطي عند من لم يقل بوجوب مقدّمة الواجب المطلق.

وأمّا الموضع الذي أمكن إجراء الماء عليه بإمرار اليد عليه ، كما أمكن بصبّ الماء عليه ، فوجوب الإمرار حينئذ تخييري شرعيّا كان أو شرطيّا ، ويكون أفضل من الصبّ ، لحصول الاستظهار به دونه.

لكن مرّ الكلام في ذلك في الوضوء بأنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣١ الحديث ٣٦٠ ، الاستبصار : ١ / ١١٨ الحديث ٣٩٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٦ الحديث ٢٠٠٥.

١٦٥

اليقينيّة ، فالظن لا يغني ، وبعد حصول العلم لا معنى للاستظهار ، إلّا أنّ المحقّق رحمه‌الله في «المعتبر» قال : هو اختيار علماء أهل البيت عليهم‌السلام (١). والعلّامة في «المنتهى» : أنّه مذهب أهل البيت عليهم‌السلام (٢) ، فحينئذ يكون استحبابه مجرّد تعبّد لا الاستظهار ، إلّا أن يبنى على كفاية الظن في مقام الامتثال.

وفيه ما فيه ، لعدم وجدان دليل عليه تطمئنّ النفس إليه ، مع ما عرفت من أنّه لا بدّ من اليقين للاستصحاب ، ولأن يتحقّق الامتثال والإطاعة العرفي ، ولاتّفاق الفقهاء ، ولما ورد عنهم عليهم‌السلام : «لا تنقض اليقين إلّا بيقين» (٣) ، إلّا أن يبنى على تحقّق الاستظهار في العلمي أيضا ، لتفاوت درجاته.

ويظهر من الأخبار عدم ضرر بقاء أثر الطيب ، والخلوق وصفرتهما (٤) ، بل وفي بعض الأخبار : أنّ الراوي قال للرضا عليه‌السلام : الرجل يجنب فيصيب رأسه وجسده الخلوق والطيب والشي‌ء اللزق مثل علك الروم والظرب وما أشبهه فيغتسل ، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره؟ قال : «لا بأس» (٥).

ولعلّ المراد الأثر الذي لا يكون حائلا ومانعا عن وصول الماء تحته ، فإنّا ربّما نرى في أيدينا لزوجة من ملاقاة العلك وأمثاله ، وليس فيه ما يمنع وصول الماء.

ثمّ اعلم! أنّ مثل غسل اليد والمضمضة والاستنشاق استحبابه في الترتيبي والارتماسي جميعا ، لكن إمرار اليد إنّما هو في الترتيبي على الظاهر ، ولا يبعد جريانه

__________________

(١) المعتبر : ١ / ١٨٥.

(٢) منتهى المطلب : ٢ / ٢٠٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ مع اختلاف.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٩ الباب ٣٠ من أبواب الجنابة.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٠ الحديث ٣٥٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٩ الحديث ٢٠٤٠ مع اختلاف يسير.

١٦٦

في الارتماسي أيضا ، كما سيجي‌ء.

وأمّا استحباب غسل الشعر ، فبناء على كونه أحوط ، والاحتياط مستحب ، سيّما وأن يكون أحوط ، ومرّ الكلام في أنّه احتياط أم لا ، فلاحظ.

قوله : (والدعاء). إلى آخره.

في «الكافي» بسنده إلى علي بن الحكم عن بعض أصحابنا قال : تقول في غسل الجمعة : اللهمّ طهّر قلبي من كلّ آفة تمحق ديني وتبطل عملي. وتقول في غسل الجنابة : اللهمّ طهّر قلبي وزكّ عملي ، وتقبّل سعيي ، واجعل ما عندك خيرا لي (١).

وفي موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : «إذا اغتسلت من جنابة فقل : اللهمّ طهّر قلبي ، وتقبّل سعيي ، واجعل ما عندك خيرا لي ، اللهمّ اجعلني من التوّابين ، واجعلني من المتطهّرين. وإذا اغتسلت للجمعة فقل : اللهمّ طهّر قلبي من كلّ آفة تمحق ديني وتبطل به عملي ، اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين» (٢).

ورود أيضا في غسل العيدين دعاء (٣) ، وغير ذلك ، ومن أراد ذلك فليطلب من كتب الأدعية ، وما ذكرنا من الأدعية جعلت للفراغ من الغسل ، ولعلّه لقوله عليه‌السلام : «إذا اغتسلت من جنابة فقل». إلى آخره.

وفي «المصباح» تقول عند الغسل : اللهمّ طهّرني وطهّر قلبي واشرح لي صدري وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك ، اللهمّ اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنّك على كلّ شي‌ء قدير (٤).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٣ الحديث ٢٠٨٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٧ الحديث ١١١٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٤ الحديث ٢٠٩١.

(٣) لاحظ! زاد المعاد : ٢٢٧.

(٤) مصباح المتهجد : ١٠.

١٦٧

قوله : (والإسباغ). إلى آخره.

مرّ في مبحث الوضوء ما يناسب المقام (١) ، والإجماع على استحباب كون الغسل بصاع ، نقله المحقّق والعلّامة (٢).

والصحاح ، مثل صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام أنّهما سمعاه يقول : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغتسل بصاع ويتوضّأ بمدّ» (٣).

وكذلك روى زرارة ـ في الصحيح ـ عنه عليه‌السلام وزاد فيه : «والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال» (٤) ، والمراد رطل المدينة بلا شبهة ، فيكون تسعة أرطال بالعراقي.

وورد في صحاح اخر : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يغتسل بصاع ، لكن إذا كان معه زوجته يغتسلان بخمسة أمداد (٥).

ويظهر من بعضها : أنّ ماء إنقاء الفرج داخل في الصاع (٦).

وأمّا كون ذلك على الاستحباب ، فللإجماع والأخبار الدالّة على كفاية مجرّد جريان ماء ، وأنّه يكفيه مثل الدهن (٧) ، على ما مرّ تفصيله (٨).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٧٥ ـ ٤٨٠ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٢) المعتبر : ١ / ١٨٦ ، منتهى المطلب : ٢ / ٢١٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٦ الحديث ٣٧٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٨١ الحديث ١٢٧٦ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٦ الحديث ٣٧٩ ، الاستبصار : ١ / ١٢١ الحديث ٤٠٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٨١ الحديث ١٢٧٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٢ و ٢٤٣ الحديث ٢٠٥١ ـ ٢٠٥٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣ الحديث ٧٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٣ الحديث ٢٠٥٢.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٠ الباب ٣١ من أبواب الجنابة.

(٨) راجع! الصفحة : ٤٦٥ ـ ٤٦٧ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

١٦٨

قوله : (وترك الاستعانة). إلى آخره.

مرّ الكلام في جميع ذلك في الوضوء مستوفى (١).

وأمّا المنع عن الاغتسال في الراكد ، كما قاله المفيد رحمه‌الله : وعلّله بأنّه إن كان قليلا أفسده ، وإن كان كثيرا خالف السنّة (٢) ، فلأنّه إن كان قليلا وجسد الجنب نجس أفسده بالنجاسة مع عدم حصول اغتسال أصلا ، وإن لم يكن جسده نجسا ـ كما هو الظاهر ـ فلأنّ إفساده إخراجه عن الطهوريّة ، كما مرّ الكلام في ذلك مفصّلا.

وأمّا إذا كان كثيرا ، فلأنّه ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم (٣) ، ولا يغتسل فيه من الجنابة» (٤).

والحديث وإن كان من طرق العامّة ، إلّا أنّ المقام ، مقام المستحبات ، ويسامح فيها ، سيّما مع عمل المفيد به وابن حمزة أيضا (٥).

وأمّا استحباب الموالاة فلآيتي المسارعة والاستباق إلى الخيرات (٦) ، وكون البقاء على الجنابة مكروها البتة.

وأمّا تكرار الغسل ثلاثا في كلّ عضو ، فلو ورد ذلك في غسل الميّت ، رواه الكاهلي (٧) ، ورواه يونس أيضا عنهم عليهم‌السلام (٨).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٨٦ ـ ٤٩١ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٢) المقنعة : ٥٤.

(٣) في (ك) و (ف) و (ز ١) و (ط) : الراكد.

(٤) سنن أبي داود : ١ / ١٨ الحديث ٧٠.

(٥) المقنعة : ٥٤ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٥٥.

(٦) لعلّها إشارة إلى قوله تعالى (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) المؤمنون (٢٣) : ٦١ ، وقوله تعالى (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) الآية ، البقرة (٢) : ١٤٨.

(٧) الكافي : ٣ / ١٤٠ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٩٨ الحديث ٨٧٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤٨١ الحديث ٢٦٩٨.

(٨) الكافي : ٣ / ١٤١ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦٥ الحديث ٢١١٦.

١٦٩

والفقهاء أفتوا هنا كذلك لذلك ، وقد عرفت أنّ غسل الميّت حقيقة هو غسل الجنابة ، وإن لم يكن هو هو ، فلا شكّ في اتّحادهما هيئة ، وكونه مثل غسل الجنابة.

مضافا إلى ما مرّ من اتّحاد هيئة نفس الغسل شرعا ، وأنّه لولاه لما أمكن إثبات هيئة غسل مستحب أصلا ، ولا إثبات هيئة غسل واجب ، سوى غسل الجنابة والميّت ، مثلا نقول : غسل الجمعة مستحب ، فهو غسل مطلوب ، وكلّ غسل مطلوب شرعا يكون بهيئة كذا ، فغسل الجمعة بهيئة كذا ، حتّى تعرف أنّه ما هو؟ وبأيّ كيفيّة هو؟ حتّى تأتي به.

وكذلك نقول : غسل النفاس ـ مثلا ـ غسل مطلوب شرعا ، وكلّ غسل مطلوب شرعا فهو بهيئة كذا وكذا ، فغسل النفاس بهيئة كذا وكذا ، فلو كان لنا كبرى كلّية معلومة على حسب ما ذكرت فهو ، ويمكننا الامتثال.

ولو لم يكن تلك الكبرى الكلّية حقّا ومعلومة لنا ، لما أمكننا الامتثال أصلا ، إلّا أن يثبت من النصّ في كلّ موضع موضع هيئة ذلك الغسل ، حتّى يمكننا الامتثال.

ومن البديهيّات عدم ورود نصّ كذلك ، سوى ما ورد في خصوص الجنابة وفي خصوص غسل الميّت ، وهما مختصّان بموضعهما ، فلو لا بداهة اتّحاد الكلّ في الماهيّة وصحّة تلك الكبرى الكليّة ، لما كان فيهما نفع لغير هما أصلا.

وأمّا تخليل الشعر ومسح سائر الجسد عقيب كلّ غوصة ، فللاستظهار ، إذ غاية ما ورد أنّ الارتماسة الواحدة تجزي ، وهذا لا ينافي استحباب الاستظهار ، فتأمّل!

١٧٠

٦٣ ـ مفتاح

[من أحدث في أثناء الغسل]

إذا أحدث في أثنائه بالأصغر ، يتمّه ويتوضّأ ، وفاقا للسيّد وجماعة (١). وقيل : بل يعيده من رأس (٢) ، للخبر (٣) ، وهو ضعيف لجهالة السند وإن كان أحوط. وقيل : بل يقتصر على إتمامه (٤) ، لأنّ الوضوء منفي مع الغسل ، وهو أضعف.

__________________

(١) نقل عن السيد في مختلف الشيعة : ١ / ٣٣٨ ، المعتبر : ١ / ١٩٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٤١ ، مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٧.

(٢) المبسوط : ١ / ٣٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٨ الحديث ٢٠٣٩.

(٤) السرائر : ١ / ١١٩.

١٧١
١٧٢

قوله : (إذا أحدث في أثنائه بالأصغر). إلى آخره.

إذا أحدث بالأكبر ، فلا شكّ في وجوب إعادة الغسل من رأسه ، ولا إشكال بعد اتّحاد حكم الأوّل والحادث بتماثلهما ، إلّا في الاستحاضة بالنهج الذي مرّ في مبحثها.

وأمّا مع الاختلاف ، مثل ما إذا مسّ الميّت في أثناء غسل الجنابة ـ ونقول : إنّ مسّ الميّت ليس بحدث مانع من الصلاة ـ أو حدث ، أو طرأ الاستحاضة ، وهي لا تمنع عن دخول المساجد والمكث فيها ، أو طرأ الحيض في حال الجنابة. وقد عرفت رفع الجنابة مع أنّها حائض إن اغتسلت للجنابة. إلى غير ذلك ، فلا يخلو عن إشكال ، لعدم ثبوت اتّحاد موجب للغسل مع ناقضه ، بل ظهور عدم الاتّحاد في الجملة ، إذ لم يثبت من الأخبار سوى أنّ حدوث أمر كذا يوجب الغسل.

وأمّا أنّه يخرب الغسل فلم يثبت ، بل الإشكال في حدثيّة المسّ يقتضي الإشكال في إفساده الغسل بطريق أولى ، ويزيد أصل الإشكال بناء على أنّ غسل غير الجنابة لا يكفي من غسل الجنابة.

مع أنّ غسل غير الجنابة لا بدّ فيه من الوضوء ، وأنّ الحدث الأكبر ليس معنى واحدا ، كما مرّ ، مثلا لو اغتسلت امرأة من الجنابة ، ولم يبق من جسدها إلّا قدر لمعة ، فحاضت أو استحاضت أو مسّت الميّت ، فهل انتقض غسلها بالمرّة وزالت الطهارات الحاصلة لما سوى اللمعة ، فصار حالها حال من صدر منه الجنابة موضع الأحداث المذكورة ، أو حدثت قبل الغسل؟ أم لم ينتقض غسلها ، بل الطهارات الحاصلة باقية على حالها ، مستصحبة حتّى يثبت زوالها؟ ولم يثبت.

فلو مسّت الأعضاء الطاهرة كتابة القرآن لم يكن حراما ، على القول به في غير المقام.

١٧٣

وأيضا لا يكون رفع الجنابة متوقّفا على الإعادة ، بل يكفي غسل اللمعة وبعد غسلها ـ بقصد تتمّة غسل الجنابة ـ لم يكن جنبا ، وإن كانت مستحاضة ـ مثلا ـ يجوز لها دخول المساجد ، وإن كانت ماسّة الميّت يجوز لها الصلاة أيضا قبل غسل المسّ ، على القول بعدم حدثيّة المسّ. إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر.

على أنّه كيف يكفي إعادة الغسل من دون وضوء ، مع كون جميع أعضائه طاهرة عن حدث الجنابة ما عدا اللمعة؟

وأيضا كيف يكفي قصد رفع الجنابة للأعضاء الطاهرة عنها ، سيّما مع اجتماع الأحداث التي ليست بجنابة فيها؟ وكلّ واحد منها يقتضي الوضوء ، فكيف يغتسل للجنابة من دون وضوء؟

وكيف يكفي قصد رفع الحيض ـ مثلا ـ لتلك اللمعة ، سيّما مع القول بقهريّة التداخل؟ مع أنّ غسل الحيض لا بدّ فيه من الوضوء ، والجنابة يحرم معه الوضوء. إلى غير ذلك من الإشكالات.

والظاهر أنّ مع الإعادة من رأس يقصد مجموع الغسلين والوضوء قبلها ، ليرتفع الإشكال ولا يبقى معهما إشكال مع التنزّه عن مثل مسّ خطّ القرآن قبلهما ، كما سيجي‌ء التحقيق ، فتأمّل جدّا!

وأمّا إذا أحدث بالأصغر ، فاختلف الأصحاب فيه ، قال ابن إدريس : يتمّ الغسل ولا شي‌ء عليه (١) ، واختاره ابن البرّاج والمحقّق الشيخ علي وبعض المحقّقين (٢).

وقال المرتضى : يتمّه ويتوضّأ (٣) ، واختاره المحقّق والمقدّس الأردبيلي

__________________

(١) السرائر : ١ / ١١٩.

(٢) جواهر الفقه : ١٢ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٧٦ ، ذخيرة المعاد : ٦٠ ، كفاية الأحكام : ٣.

(٣) نقل عنه في المعتبر : ١ / ١٩٦ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٣٨.

١٧٤

وصاحب «المدارك» (١) والمصنّف.

وقال الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» بوجوب الإعادة من رأس (٢) ، وهو مذهب ابني بابويه والعلّامة وجماعة منهم الشهيد (٣).

وهو الظاهر من كلام ابن فهد (٤) ، بل الظاهر أنّه مذهب المشهور ، كما ادّعاه المحقّق الشيخ علي في شرحه على «الألفيّة» (٥).

ويدلّ على وجوب الإعادة (٦) توقيفيّة العبادة ، ومقتضى شغل الذمّة اليقيني ، وكون العبادة اسما للصحيحة ، وكون الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط ، والاستصحاب ، وقولهم عليهم‌السلام : «لا تنقض اليقين إلّا بيقين» (٧).

وأيضا لا شكّ في وجوب الإطاعة بالآية (٨) والأخبار المتواترة (٩) ، وكذا مقتضى الأوامر الواردة بالغسل ، والإطاعة يرجع فيها إلى العرف ، وهي الامتثال لما طلب منه والإتيان به.

وهذا المكلّف قبل كمال الغسل يكون في عهدته الإتيان بما طلب منه ، ورفع

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٢٨ ، المعتبر : ١ / ١٩٦ ، المختصر النافع : ٩ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٤١ ، مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٧.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٢ ، المبسوط : ١ / ٣٠.

(٣) نقل عن أبيه في من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٩ ذيل الحديث ١٩١ ، الهداية : ٩٦ قواعد الأحكام : ١ / ١٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ١١٤ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٩٧ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٨ ، التنقيح الرائع : ١ / ٩٨.

(٤) المهذّب البارع : ١ / ١٤٣.

(٥) رسائل المحقّق الكركي : ٣ / ٢٠٣.

(٦) في (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : بعد الإجماع.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ مع اختلاف.

(٨) النساء (٤) : ٥٩.

(٩) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٦٢ الباب ٧ من أبواب صفات القاضي.

١٧٥

الجنابة اليقينيّة ، فكذا بعد إتمام هذا الغسل الذي وقع في أثنائه الحدث الأصغر ، استصحابا للحالة السابقة ، وعدم دليل على خروجه عن العهدة ، لعدم العلم ولا الظنّ بأنّه هو الذي طلب منه ، لو لم نقل بحصول الظن بخلافه ، للاستصحاب وغيره ، ممّا ذكر وسنذكر.

سيّما أن يكون الباقي من جسده بعد الحدث مقدار رأس إبرة وأقلّ منه ، ووقع منه أحداث كثيرة غير عديدة ، فيكون اكتفى لرفع الجميع بغسل ذلك المقدار القليل غاية القلّة ، وهو أمر مستبعد عند المتشرّعة بحيث يتحاشّون عنه ، إلّا أن يعاد الغسل أو يتوضّأ مع ذلك.

لكن بعد ملاحظة الأخبار والفتاوى في منع الوضوء مع غسل الجنابة ، وأنّه لا أثر له معه أصلا ، لم يثبت كون الوضوء في المقام نافعا ومؤثّرا بانضمامه مع الباقي ، إذ لا بدّ من ثبوت الرافع والمؤثّر من الشرع ، بل ربّما يكون الظاهر منهما خلاف ذلك ، حتّى أنّه لو تمكّن من رفع الأصغر بالوضوء دون الأكبر ورد النهي عن الوضوء والأمر بالتيمم خاصّة. وعلّل ذلك بأنّ الله جعل عليه نصف الوضوء.

هذا ، وغير ذلك من المؤيّدات التي أفتى الأصحاب بها ، مع أنّه إذا ثبت وجوب الإعادة ثبت عدم وجوب الوضوء ، لعدم القائل بالفصل ، وعدم جواز إحداث قول زائد عندنا ، فتعيّن أن يكون المؤثّر والرافع هو الإعادة ، فتأمّل!

ويدلّ عليه أيضا ما رواه الصدوق رحمه‌الله في كتاب «عرض المجالس» عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا بأس بتبعيض الغسل : تغسل يدك وفرجك ورأسك ، وتؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة ثمّ تغسل جسدك إذا أردت ذلك ، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو مني بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوّله» (١).

__________________

(١) نقل عنه في مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٨ ، راجع! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٨ الحديث ٢٠٣٩.

١٧٦

وهذه الرواية وإن كان سندها مجهولا ، إلّا أنّها منجبرة بما مرّ من القواعد والشهرة ، وما سيجي‌ء.

مضافا إلى عبارة «الفقه الرضوي» حيث قال عليه‌السلام : «ولا بأس بتبعيض الغسل : تغسل يديك وفرجك ورأسك ، وتؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة ، ثمّ تغسل إن أردت ذلك ، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوّله ، وإذا بدأت بجسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس» (١) ، انتهى.

فإنّها أيضا صريحة في المطلوب. بل «الفقه الرضوي» حجّة بنفسه ، فتأمّل! فما ظنّك بالجابريّة؟ والمنجبر حجّة ، كما مرّ مرارا ، فلاحظ.

واستدلّوا أيضا بأنّ الحدث الأصغر ناقض للطهارة بتمامها ، أي مبطل أثر استباحتها للصلاة وغيرها ممّا هي شرط فيه ، فإبطاله لأبعاضها بطريق أولى ، فإنّ المبطل والمخرب والماحي لمجموع أجزاء كثيرة مبطل ومخرب لكلّ جزء جزء من تلك المجموع بطريق أولى ، إذ يظهر من الأخبار أنّ ما جرى عليه الماء فقد طهر. فإنّ الحدث الأصغر إن كان لا يقاوم تلك الطهارة ولا يرفع أثرها ، فباجتماع تلك الطهارات وانضمام بعضها مع بعض وتراكمها لا يرفع أثر مجموع المتراكمة الكثيرة (٢) بطريق أولى.

فلو كان هذه الطهارة القليلة غاية القلّة تمنع الحدث عن تأثيره في الصلاة مثلا ـ فكلّما ازدادت الطهارات وكثرت ازداد المنع ـ فكيف مع نهاية كثرتها يرفعها الحدث؟

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٤٧٤ الحديث ١١٩٧ مع اختلاف يسير.

(٢) في (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : غاية الكثرة.

١٧٧

ومنع حدثيّة هذه الأحداث عند حدوثها قبل كمال الغسل ، ودعوى حدثيّتها عند حدوثها بعد الكمال ـ سيّما مع نهاية كثرة تلك الأحداث ووفورها إن اتّفقت ـ لا يخلو عن تحكّم بملاحظة عمومات الأخبار ، والعلل الواردة في الوضوء من الأحداث ، وخصوص ما ورد من أنّ «الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (١) وأمثال ذلك ، مضافا إلى فهم الفقهاء وفتاواهم.

وكون رافع هذه الأحداث مع اجتماعها مع الجنابة هو الوضوء ، أو الوضوء مع بقيّة الغسل غير ثابت من الشرع ، بل الظاهر منه عدمه ، بملاحظة الأخبار الواردة في المنع عن الوضوء مع غسل الجنابة ، وما ورد من أنّ أكبر الفريضتين يجزي عن أصغرهما (٢) ، وغير ذلك ممّا أشرنا إليه في تتميم القواعد والاستصحاب.

وبالجملة ، لا يظهر من الأخبار والإجماعات أنّ غسل الجنابة على ضربين : ضرب يرفع الأكبر والأصغر جميعا من دون وضوء بل الوضوء معه حرام ، وضرب لا يرفع سوى الأكبر ورافع الأصغر فيه هو الوضوء خاصّة ، فيجب معه الوضوء ، بل لا يظهر منهما إلّا كون غسل الجنابة ضربا واحدا يحرم معه الوضوء ، ويرفع الحدثين من دون وضوء.

بل عرفت أنّه مع التمكّن من رفع الأصغر خاصّة بالوضوء يحرم الوضوء ويجب التيمم الذي هو نصف الوضوء وبدل من غسل الجنابة.

مع أنّه يظهر من الأخبار المتواترة أنّ مع التمكّن من الطهارة المائيّة لا يجوز الترابيّة (٣) ، بل يكون مع حرمتها فاسدة أيضا ، وصحّتها ووجوبها إنّما يكونان في

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩٠ ، الاستبصار : ١ / ١٢٦ الحديث ٤٢٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٥.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الباب ٣٣ من أبواب الجنابة.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٩ الباب ٢٦ من أبواب التيمم.

١٧٨

صورة العجز.

ومع ذلك منعوا عن الوضوء مع التمكّن منه وأمروا بالتيمم معلّلين بأنّ الواجب عليه نصف الوضوء. إلى غير ذلك ، مثل ما سيجي‌ء من أنّ بعد وقوع الأصغر بعد التيمم بدلا من الغسل والتمكّن من رافع ذلك الأصغر ـ وهو الوضوء ـ يكون الواجب التيمم بدلا من الغسل ، ويحرم عليه الوضوء ما لم يغتسل ، وإن طال الزمان وبلغ أزيد من مائة سنة.

ومثل ما سيجي‌ء من عدم الفرق بين التيمم بدلا من الوضوء ، والتيمم بدلا عن الغسل أصلا ورأسا ، وانحصار الفرق في الضربة والضربتين على المشهور ، حتّى أنّه لا بدّ من الموالاة بعد الترتيب ، ومع ذلك الحدث الأصغر لو صدر في أثناء التيمم يجب الإعادة.

ومثل ما سيجي‌ء من أنّ الظّاهر من الصحاح كفاية الضربة الواحدة في التيمم بدلا عن الغسل أيضا ، فإذا أحدث في الأثناء بعد الضربة ، فكيف يكتفي بمسح الضربة الواقعة قبل الحدث؟. إلى غير ذلك ممّا يصلح للتأييد ، إذ بملاحظة المجموع يظهر ضعف قول السيّد رحمه‌الله وموافقيه (١).

فثبت المطلوب ، على أنّ هذا الدليل لو لم ينهض دليلا على المطلوب ، فلا أقلّ من كونه من مؤيّدات الروايتين المذكورتين ومن جوابرهما ، مضافا إلى جوابر اخر ، مثل الشهرة والاستصحاب ، وغيرهما ممّا ذكر أوّلا وأخيرا.

ويؤكّد الأولويّة المذكورة كون جزء الغسل أضعف من الكلّ جزما ووفاقا ، لاجتماع جميع الآثار بوجه الكمال والفعليّة وقلع المادّة في الكلّ ، ولا أثر للجزء إلّا

__________________

(١) نقل عنه في المعتبر : ١ / ١٩٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ٢٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٣٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٤١ ، مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٧.

١٧٩

مدخليّة ما في الأثر ، وأيضا مورد النزاع ليس مثل محلّ الوفاق بالبديهة.

وأيضا الترجيح الاجتهادي ليس مثل القطع ، فمبطل الأقوى مبطل للأضعف بطريق أولى ، سيّما إذا كان أقوى بمراتب ، والباطل لا عبرة به شرعا فالعبرة بما اعيد ، لأنّ الجنابة لا يرفعها إلّا الغسل ، لا غسل بعض الأعضاء ، ولا الوضوء مع غسل البعض ، وهذا أيضا من جوابر الخبرين.

وأيضا مع عدم الحدث لا نعلم حصول الاستباحة للجزء ما لم يتمّ الغسل ، فإذا كان الحدث يرفع الاستباحة اليقينيّة ، فرفعه للمشكوك بطريق أولى ، وباقي التقريب تقدّم ، فتأمّل!

وما استدلّ للأوّل من شمول الغسل الوارد في الآية مثل (إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (١) ، والأخبار مثل قولهم عليهم‌السلام : «الجنب يغتسل يبدأ. إلى أن قال : قد قضى الغسل ولا وضوء عليه» (٢) للمقام ففيه ما فيه ، إذ لا نسلّم كونه غسلا ، لأنّ العبادة التوقيفيّة لا بدّ من ثبوتها من نصّ أو إجماع ، وكلاهما مفقودان ، فإنّ الأكثر يقولون بوجوب الإعادة فلا يصححون هذا الغسل ، ويقولون بإبطال الحدث إيّاه ، فدعوى الشمول مصادرة.

وعلى فرض كونه غسلا أيضا لا نسلّم الشمول ، لعدم كونه من الأفراد الشائعة.

وما استدلّ به للأوّل والثاني أيضا من أنّ الحدث الأصغر غير موجب للغسل ولا لبعضه قطعا فيسقط وجوب الإعادة ، ففيه أنّها ليست باعتبار الحدث الأصغر ، بل باعتبار الجنابة الباقية قبل إكمال الغسل.

__________________

(١) النساء (٤) : ٤٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٢ الحديث ٤٠٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٦ الحديث ٢٠٦٥.

١٨٠