مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

غير اشتراط تحقّق الوحدة العرفيّة ، يصير الارتماسي ترتيبيّا حقيقيّا بالبديهة بالنسبة إلى الثمرات لا حكميّا ، وهم متحاشون عن الحكمي ، فما ظنّك بالحقيقي؟

بل يصير ترتيبيّا بالعكس ، لأنّ المعتاد والمتعارف تأخّر الرأس عن الجسد فيه. والإطلاق في الأخبار ينصرف إلى المعتاد فيصير شرطا ، لأنّ المعصوم عليه‌السلام إنّما شرط هذا الارتماس للإجزاء عن الغسل.

ومع ذلك إنّما يصير ترتيبيّات لا تحصى ، فيصير المعنى : إن ارتمس الجنب في الماء بالنحو المتعارف ، فطهر جسده قبل رأسه ، وحصل هذا الترتيب ـ الذي في الحقيقة يتحقّق بترتيبات لا تحصى ـ أجزأه هذا الارتماس عن الترتيبي ، إن كان ارتماسه ارتماسة واحدة عرفيّة ، وشمول الماء له بالدفعة الواحدة العرفيّة.

فإنّ اشتراط تحقّق الوحدة العرفيّة ـ كما هو مقتضى الأخبار (١) والفتاوى (٢) ـ مسلّم عنده أيضا كونه شرطا للإجزاء عن الترتيبي ، مع أنّه من المسلمات عند الكلّ ـ بل من البديهيّات ـ عدم اشتراط تقديم الجسد كلّا أو بعضا على الرأس ، كما أنّه من البديهيّات عدم تحقّق ترتيبي سوى المعروف ، فضلا عن ترتيبيّات لا تحصى ، فلا يبقى لما ذكره مجال.

هذا ، مع أنّ ظاهر المطلق فاسد ، وخلاف ظاهره غير منحصر فيما ذكره وقد عرفته.

وفصّل بعضهم بأنّه إن طال الزمان وجب الإعادة ، وإلّا كفى غسل اللمعة (٣).

وفيه ، أنّه إن تحقّق الارتماسة الواحدة العرفيّة المجزية عن الغسل ، فليس هذا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٢ الحديث ٢٠٢٤ و ٢٠٢٥ ، ٢٣٣ الحديث ٢٠٢٧.

(٢) منتهى المطلب : ٢ / ٢٠١ و ٢٠٢ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٩٧ ، كفاية الأحكام : ٣ ، لاحظ! جامع المقاصد : ١ / ٢٦٢.

(٣) جامع المقاصد : ١ / ٢٨٠.

١٤١

بتفصيل ، وإلّا فلا وجه له.

قال في «الذخيرة» : ويمكن أن يقال : حصل له الاغتماس في الماء ، فيكون مجزيا بمقتضى الخبر ، إذ ليس فيه التقييد بوصول الماء إلى كلّ جزء ، بحيث يقدح فيه تخلف النادر من غير تعمّد ، فلم يكن عليه إلّا غسل تلك اللمعة (١).

وفيه ، أنّ مقتضى الخبر إجزاء الارتماسة الواحدة ، بحيث لا يحتاج إلى شي‌ء آخر أصلا ، فجعلها شاملة لصورة وصول الماء إلى الأكثر فاسد ، لعدم الإجزاء حينئذ البتة.

مع أنّ المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، وبالارتماس الواحد العرفي يشمل الماء جميع البدن بحيث لا يبقى نادر ، وصورة بقاء النادر من الصور النادرة.

على أنّ إطلاق الجميع عليها مجاز لصحّة السلب عرفا ، وعدم التبادر من اللفظ الخالي عن القرينة.

وممّا ذكر ظهر فساد تفصيل البعض بأنّه مع قصر الزمان لا يجب الإعادة إن أراد غسل اللمعة خارجا من الماء (٢) ، إذ الوارد في الأخبار أنّه إذا ارتمس أجزأ (٣) أي : بعد تماميّة الارتماس يتحقّق الإجزاء من غير توقّف على غسل بعد التماميّة ، والإجزاء ترتّب على التماميّة وهو في الماء ، باشتراطه الخروج من الماء ، وتخليل ما بقي خارج الماء ، إذ هذا غير داخل في الأخبار بلا شبهة.

والشرط في الأخبار كون ما يترتّب عليه الإجزاء تحت الماء خاصّة ، لأنّ الارتماس والانغماس هو الدخول تحت الماء ، وشموله لجميع الجسد تحت الماء ،

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٥٧.

(٢) جامع المقاصد : ١ / ٢٨٠ ، كشف اللثام : ٢ / ٤٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٢ الحديث ٢٠٢٤ و ٢٠٢٥ ، ٢٣٣ الحديث ٢٠٢٧.

١٤٢

فكيف يكفي الشمول له خارج الماء؟ وإن أراد الغسل (١) تحت الماء ، فلا فرق بين القصر والطول بالبديهة.

هذا ، وما أجبنا أوّلا كان مجمل هذا التفصيل.

الثالث : نقل عن «المبسوط» : أنّه إن كان على بدنه نجاسة أزالها ثمّ اغتسل ، فإن خالف واغتسل أوّلا فقد ارتفع حدث الجنابة ، وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل ، وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها (٢).

وردّه جماعة من المتأخّرين (٣) : فاشترطوا طهارة المحلّ في صحّة الغسل ، وأنّ الغسلة الواحدة لا تكفي إزالة النجاسة الحكميّة والعينيّة ، لأنّ اختلاف السبب يقتضي تعدّد المسبّب ، ولانفعال الماء القليل ، وماء الغسل يشترط فيه الطهارة بالإجماع المرادف للضرورة.

فالظاهر أنّ مراد الشيخ صورة يتحقّق الغسل مع نجاسة البدن ، وهو أن يكون متلطّخا بمثل العذرة تلطّخا دقيقا لا يمنع من وصول الماء إلى البشرة ، ويكون الاغتسال بمثل الارتماس في الكرّ والوقوف في المطر ممّا لا ينفعل ماء الغسل بالملاقاة.

لكن ما ذكره مشكل من جهة توقيفيّة العبادة ، فلا يعلم حصول الغسل حينئذ ، لعدم شمول الخبر هذه الصورة ، لكونها من الفروض النادرة ، بل لعلّها مجرّد فرض لم يوجد قطّ.

مع أنّ الوارد في أخبار كثيرة تقديم غسل الفرجين على الغسل لأجل الغسل ، بحيث يظهر لزوم كون تطهير هما مقدّما على الشروع في الغسل.

بل ورد في صحيحة حكم بن حكيم : «ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من

__________________

(١) في (ف) و (ط) زيادة : له.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢١٥ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٢٩.

(٣) منتهى المطلب : ٢ / ٢٠٥ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٧٩ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢١٥.

١٤٣

أذى ، ثمّ اغسل فرجك وأفض على رأسك» (١) ، الحديث.

وصحيحة يعقوب بن يقطين : «ثمّ يغسل ما أصابه من أذى ، ثمّ يصبّ على رأسه» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار (٣) مع عدم قائل بالفصل.

وقال الصدوق رحمه‌الله في «الأمالي» : إنّه من دين الإماميّة (٤) ، مع أنّ ابن زهرة نقل الإجماع على وجوب تطهير الجسد أوّلا (٥).

وهو الظاهر من فتاوى الأصحاب ، لأنّهم حين ما يبيّنون الغسل يذكرون كذلك ، واتّفقوا في ذكر غسل الفرج مقدّما على الغسل (٦).

الرابع : منع المفيد عن الارتماس في الماء الراكد ، معلّلا بأنّه إن كان قليلا أفسده ، وإن كان كثيرا خالف السنّة (٧) ، ولم نعرف مأخذه سوى ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد ، ولا يغتسل فيه من الجنابة» (٨).

وما استدلّ به الشيخ رحمه‌الله له (٩) لا نفهمه ، ومقتضى إطلاقات الأخبار (١٠) الصحّة وعدم المنع. والترك في مقام التمكّن من الغير ربّما يكون أولى وأحوط ، خروجا عن خلاف مثل هذا الفقيه الجليل المقارب لعهد الأئمّة عليهم‌السلام.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٠ الحديث ٢٠١٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٢ الحديث ٤٠٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٦ الحديث ٢٠٦٥.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الباب ٢٦ من أبواب الجنابة.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٥) غنية النزوع : ٦١.

(٦) مختلف الشيعة : ١ / ٣٣٦ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢١٥ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٨٠.

(٧) المقنعة : ٥٤.

(٨) سنن ابن ماجة : ١ / ١٢٤ الحديث ٣٤٤ ، سنن النسائي : ١ / ١٩٧.

(٩) لاحظ! تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٩ ذيل «ولا ينبغي له ..» ، ١٥٠ ذيل «وان كان كثيرا».

(١٠) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٨ الباب ٩ من أبواب الماء المطلق.

١٤٤

٦٢ ـ مفتاح

[ما يستحبّ في الغسل]

يستحبّ البول قبله للمنزل ، لئلّا ينتقض بخروج منيّ بعده ، وللنصوص (١) ، وكذا الاستبراء. وأوجبهما جماعة (٢) ، والظاهر أنّ أحدهما مغن عن الآخر ، وفي رواية : «إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضّأ ولا يغتسل ، إنّما ذلك من الحبائل» (٣).

وهذه الرواية وما في معناها رخصة ، وإعادة الغسل ـ كما في النصوص (٤) المستفيضة ـ أصل. وفي اخرى : «إن كان ناسيا فلا يعيد منه الغسل» (٥).

وهذا الحكم مختصّ بالرجال ، أمّا النساء فلا إعادة عليهنّ ، لأنّ ما يخرج منهنّ إنّما هو من ماء الرجل ، كما في النص (٦) ، أمّا الاستبراء بالقطنة للحائض ،

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٢) نقل عن الجعفي وابن الجنيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٠ ، إصباح الشيعة : ٣٣ ، لاحظ! كشف اللثام : ٢ / ٢٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٧ الحديث ١٨٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الحديث ٢٠٧٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٥ الحديث ٤١٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٢ الحديث ٢٠٨٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠١ الحديث ١٩٢٤ و ١٩٢٥.

١٤٥

فواجب للصحيح (١) ، والأولى أن تعتمد برجلها اليسرى على الحائط ، وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى ، كما في الخبر (٢).

وأن يغسل فرجه بيساره ، تنزيها لليمين وللصحيح (٣).

والتسمية ، وغسل الكفّين ثلاثا ، وإلى المرفقين أفضل ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وإمرار اليد على الأعضاء ، وتخليل غير المانع ، وغسل الشعر ، والدعاء في الأثناء وبعد الفراغ بالمأثور ، والإسباغ بصاع ، وهو أربعة أمداد ، بالإجماع والصحاح المستفيضة (٤) ، وقد مرّ قدر المدّ (٥).

وترك الاستعانة ، والمشمّس ، والآجن ، والمستعمل ، والراكد ، كما قاله المفيد (٦) ، كلّ ذلك للنص (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٨ الحديث ٢٢١٢.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٩ الحديث ٢٢١٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣٠ الحديث ٢٠١٧.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٤٨١ الباب ٥٠ من أبواب الوضوء.

(٥) مفاتيح الشرائع : ١ / ٥٠.

(٦) قال المفيد رحمه‌الله : لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد ، لأنّه إن كان قليلا أفسده ، وإن كان كثيرا خالف السنّة بالاغتسال فيه ، انتهى كلامه. [المقنعة : ٥٤].

وفي الحديث النبوي : «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة» ، [السنن الكبرى : ١ / ٢٣٨].

وهذا الحكم غير مشهور عند الأصحاب ، وإنّما ذكره الشيخ المفيد وابن حمزة ـ طاب ثراهما ـ ، والحديث من طرق العامّة ، وكأنّ سبب المنع من الاغتسال في الماء الراكد أن لا يفسد على الغير بالاستعمال في رفع الأكبر ، أو التلويث بما لا يخلو الجنب عليه غالبا من خبث في بدنه. «منه رحمه‌الله» [لاحظ! المقنعة : ٥٤ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٥٥].

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٦ و ٤٧٧ الحديث ١٢٦٦ و ١٢٦٧ ، ٢٠٧ و ٢٠٨ الباب ٦ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ١ / ١٣٨ الحديث ٣٣٧ ، ٢١٥ الحديث ٥٥١ ، السنن الكبرى : ١ / ٢٣٨.

١٤٦

وزاد جماعة الموالاة ، وتكرار الغسل ثلاثا في كل عضو (١) ، وخصّه الإسكافي بالرأس (٢) وظاهره الوجوب ، وله الصحيحان (٣) ، فهو أحوط ، وإن أوّلا لبعده في أحدهما ، وزاد للمرتمس تثليث الغوصات يخلّل شعره ويمسح سائر جسده بيديه عقيب كلّ غوصة (٤).

__________________

(١) الالفيّة والنفليّة : ٩٦ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٣ ، لاحظ! ذخيرة المعاد : ٦٠.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٢٩ الحديث ٢٠١٣ و ٢٠١٤.

(٤) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٤٣.

١٤٧
١٤٨

قوله : (ويستحب البول). إلى آخره.

هذا هو المشهور بين المتأخّرين ، وعن الشيخ في «المبسوط» و «الاستبصار» وجوبه (١). ونقله في «الذكرى» عن ابن حمزة وابن زهرة والكيدري وابن البرّاج وأبي الصلاح وغيرهم (٢) ، ثمّ قال : ولا بأس بالوجوب محافظة على الغسل من طريان مزيله ، ومصيرا إلى قول معظم الأصحاب وأخذا بالاحتياط (٣).

فظهر منه أنّ المشهور هو الوجوب. واحتجّ عليه في «الاستبصار» بالأخبار المتضمّنة لإعادة الغسل مع الإخلال به إذا رأى المغتسل بللا بعد الغسل (٤).

فيظهر منه أنّ مراده من الوجوب هنا الوجوب للغير والشرطي. وغير بعيد هذا من كلام القدماء ، فلعلّ مراد غيره أيضا كذلك ، بملاحظة عدم وجدان ما يصلح للحكم بالوجوب الشرعي الاصطلاحي.

بل ظاهر تلك الأخبار عدم الوجوب ، لأنّهم عليهم‌السلام لم ينكروا على السائلين عند ما سألوا أنّهم تركوا البول. مع أنّه يظهر منها أنّ المغتسلين ربّما كانوا يتركون ، والمعصوم عليه‌السلام قرّرهم عليه.

واستدلّ على الوجوب بصحيحة أحمد بن محمّد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك ، وتبول إن

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٩ ، الاستبصار : ١ / ١١٨.

(٢) لاحظ! الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٥٥ ، غنية النزوع : ٦١ ، إصباح الشيعة : ٣٣ ، نقل عن الكامل لابن البرّاج في كشف اللثام : ٢ / ٢٦ ، الكافي في الفقه : ١٣٣ ، الجامع للشرائع : ٣٩.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٠.

(٤) الاستبصار : ١ / ١١٨ و ١١٩ الحديث ٣٩٩ ـ ٤٠٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الحديث ٢٠٧٥ و ٢٠٧٩.

١٤٩

قدرت على البول» (١).

لكن الدلالة لا تخلو عن الوهن من جهة ملاحظة السياق ، وظهور كون المعصوم عليه‌السلام في صدد بيان الواجب والمستحب جميعا ، ووقوع الطلب بصيغة الجملة الخبريّة ، وبملاحظة خلوّ كثير من الأخبار الواردة في بيان الغسل ، مع التعرّض للآداب والمتعلّقات المستحبة ، فلو كان البول واجبا ، لكان أولى بالتعرّض له ، هذا مع غاية كثرة تلك الأخبار ، فلاحظ وتأمّل!

هذا ، مضافا إلى ما ذكرنا من ظهور الأخبار الدالّة على إعادة الغسل على تارك البول الواجد للبلل في عدم وجوب البول (٢).

ومضافا إلى ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من ترك البول عقيب الجنابة أوشك تردد بقية الماء في بدنه فيورثه الداء لا دواء له» (٣) ، فإنّ الظاهر منه أيضا عدم الوجوب الشرعي ، وكون الأمر به للإرشاد.

كما أنّ الظاهر من الأخبار الدالّة على إعادة الغسل على التارك أيضا كذلك ، وأنّ الغرض منه إزالة بقايا المني المتخلفة في المجرى عادة ، ولهذا رتّب عليه ثمراتها.

مع أنّه لو كان واجبا لشاع واشتهر اشتهار الشمس ، لعموم البلوى وشدّة الحاجة.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن الاستدلال بضعيفة أحمد بن هلال ، قال : سألته عن الرجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : «أنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا فلا يعيد» (٤) ، مضافا إلى ضعف السند والدلالة أيضا ، لتضمّنها إعادة الغسل إلّا في

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣١ الحديث ٣٦٣ ، الاستبصار : ١ / ١٢٣ الحديث ٤١٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٧ الحديث ٢٠٦٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٣) مستدرك الوسائل : ١ / ٤٨٥ الحديث ١٢٣٢ مع اختلاف.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٥ الحديث ٤١٠ ، الاستبصار : ١ / ١٢٠ الحديث ٤٠٧ ، وسائل الشيعة :

١٥٠

حال النسيان.

وهذا خلاف ما يظهر من الأخبار الكثيرة المعتبرة (١) ، وهو أنّ إعادة الغسل في صورة خروج البلل ومن هذه الجهة ، لا غيرها ، وستعرف. وأيضا ظاهر الضعيفة أنّ الناسي لا يعيد وإن خرج منه البلل ، وهذا أيضا مخالف للفتاوى والأخبار المعتبرة.

هذا ، مضافا إلى ما عرفت من أنّ الظاهر من الشيخ الوجوب للغير والشرطي (٢) ، مع أنّه شيخ الطائفة.

هذا ، والأحوط البناء على الوجوب ، كما ذكر في «الذكرى» (٣).

وما ذكر المصنّف من أنّ استحباب البول إنّما هو للمنزل ، هو المشهور والظاهر من الأخبار (٤).

قال في «المنتهى» : لو جامع ولم ينزل لم يجب عليه الاستبراء ، ولو رأى بللا يعلم أنّه منّي وجب عليه إعادة الغسل ، وأمّا المشتبه فلا ، ووجّهه بأنّ الحكم بكون المشتبه منيا مبني على الغالب من استخلاف الأجزاء بعد الإنزال ، وهذا غير موجود في الجماع (٥).

ووافقه الشهيدان والشيخ علي (٦) ، إلّا أنّ الشهيد الأوّل قال : هذا مع تيقّن عدم الإنزال ، وأمّا مع احتماله فيمكن القول باستحباب الاستبراء أخذا

__________________

٢ / ٢٥٢ الحديث ٢٠٨٦.

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٢) راجع! الصفحة : ١٤٩ من هذا الكتاب.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٥) منتهى المطلب : ٢ / ٢٥٣.

(٦) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٤ ، مسالك الأفهام : ١ / ٥٣ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٦٥.

١٥١

بالاحتياط ، وأمّا وجوب الغسل بالبلل فلا.

قال في «الذخيرة» : ويرد عليهم عمومات الروايات من غير تفصيل ، وانتفاء الفائدة ممنوع ، إذ عسى أن ينزل ولم يطّلع عليه ، أو احتبس شي‌ء في المجاري ، لأنّ الجماع مظنّة نزول الماء (١) ، انتهى.

أقول : الأخبار مطلقة ، والمطلق لا ينصرف إلّا إلى الأفراد الشائعة ، والغالب في الجماع خروج المني البتة ، مع أنّه إذا لم يخرج ، فالغالب عدم الخروج بعد ذلك ، لأنّ الغالب والمتعارف عدم التخلّف عن علّته ، كما هو مشاهد ومحسوس.

وعلى فرض التخلّف لا يكون بللا مشتبها ، لأنّ المني بحسب الغالب والمتعارف يخرج بشهوة ودفق.

فكيف لا يتفطّن بهما ، مع أنّ مني المريض لا يكون خاليا عن الشهوة فكيف إذا كان صحيحا؟

نعم ، إذا خرج المني كلّه فربّما يبقى في المجاري أثر منه وشائبة ، وشي‌ء قليل غاية القلّة مثل رأس الإبرة أو أنقص منه ، أو أزيد بقليل ، وهذا لا يحس منه شهوة ولا دفق قطعا ، ولا يتحقّق هذا قبل الإنزال ، لأنّه إذا خرج خرج بدفق وكثرة.

ومن هذا لو خرج من الذكر رطوبة قبل الإنزال والخروج بالدفق والشهوة يحكم بكونه غير مني البتة ، ولم يحتمل أحد كونه منيا أصلا ، ولم يقل أحد بحسن الاحتياط من جهتها ، وينفون الاحتياط أصلا ورأسا ، وكذا الحال بالنسبة إلى الأخبار ، حتّى أنّه لو رأى في المنام أنّه يجامع ، ووجد اللّذة ، فاستيقظ ولم ير شيئا ، أو رأى (٢) ، لكن رأى رطوبة قليلة على رأس ذكره ، أو غير ذلك ، لم يكن عليه الغسل بوجه ، وبمجرّد وجدان رطوبة لا يصير جنبا بلا شبهة ، ولم يقل أحد

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٥٨.

(٢) في (ك) زيادة : بللا.

١٥٢

بالاحتياط ، حتّى صاحب «الذخيرة».

وأمّا الخارج بعد الإنزال ، فيقوى الظن بكونه أثرا من المنزل ، وبقيّة خرجت بعده ، أو لا يكون بقيّته منه. لكن لا يخلو عن شوب شائبة منه ، وأنّه ليس بحسب العادة أن يخرج المنزل بالمرّة بحيث لم يبق في المجاري شائبة من أثره ، فتكون الرطوبة غير مشوبة أصلا.

بل ربّما يحصل القطع بخلافه ، وإن لم يحصل القطع فالظن القوي ، وإن لم يحصل القوي فالظن الضعيف ، بخلاف ما لم يخرج الماء الدافق بشهوة ، فإنّ الأمر فيه بالعكس بلا شبهة.

وبالجملة ، الجماع الخالي عن الإنزال نادر ، والخروج بعد الجماع متخلّفا على فرض وجوده يكون نادر ذلك النادر.

ومع ذلك كونه خاليا عن الشهوة والدفق ، مع عدم كونه بقيّة وأثرا ، على فرض وجوده يكون في غاية الشذوذ ، فإنّ المني يخرج بدفق واجتماع ، لا أنّه يخرج من أوّل الأمر مثل البقيّة والأثر ، وهذا محسوس مشاهد ، والخروج من أوّل الأمر مثل البقيّة والأثر ممّا يقطع بعدمه.

وعلى فرض تجويزه فلا شبهة في كونه في غاية مرتبته من الشذوذ ، ومع ذلك عرفت أنّه خلاف ما يظهر من الأخبار وفتاوى فقهائنا الأخيار.

ومن هذا اتّفق أفهام أئمّة فنّ الفقه على فهم الجنابة بالإنزال ومع الإنزال ، لا غير ، على أنّ المطلقات فيها قرائن يظهر منها إرادة المنزل.

قوله : (وللنصوص). إلى آخره.

أقول : هي صحيحة منصور بن حازم (١) ، ومثلها صحيحة سليمان بن خالد

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٨ الحديث ٤٢١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠١ الحديث ١٩٢٥.

١٥٣

عن الصادق عليه‌السلام عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء ، قال : «يعيد الغسل» (١).

وهذه الرواية في «الاستبصار» طريقها صحيح ، لكن الظاهر وقوع السقط في الطريق ، وأنّ الساقط هو «عثمان بن عيسى» ، لأنّها في «الكافي» و «التهذيب» رويت كذلك ، فهي قويّة ، وظاهرها الجنب المنزل ، لأنّ الراوي سأل عن غسله قبل بوله ، ومع ذلك قال : فخرج منه شي‌ء ، وهذا الخروج من خصائص المنزل.

وصحيحة محمّد ، أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء؟ قال : «يغتسل ويعيد الصلاة ، إلّا أن يكون بال قبل أن يغتسل ، فإنّه لا يعيد غسله» ، قال محمّد بن مسلم : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينقض غسله ، ولكنّه عليه الوضوء ، لأنّ البول لم يدع شيئا» (٢) ، وهذه الرواية أيضا فيها قرائن على إرادة المنزل.

وحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يغتسل ثمّ يجد بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل؟ قال : «إن كان بال قبل الغسل فلا يعيد الغسل» (٣).

وموثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يجنب ثمّ يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل؟ قال : «يعيد الغسل ، فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله لكن يتوضّأ» (٤).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٨ الحديث ٤٢٠ ، الاستبصار : ١ / ١١٨ الحديث ٣٩٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠١ الحديث ١٩٢٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٤ الحديث ٤٠٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥١ الحديث ٢٠٨٠ و ٢٠٨١.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٣ الحديث ٤٠٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الحديث ٢٠٧٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٩ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٤ الحديث ٤٠٦ ، الاستبصار : ١ / ١١٩ الحديث ٤٠١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥١ الحديث ٢٠٨٢.

١٥٤

ورواية معاوية بن ميسرة أنّه سمع الصادق عليه‌السلام يقول : في رجل رأى بعد الغسل شيئا؟ قال : «إن كان قد بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضّأ ، وإن لم يبل حتّى اغتسل ثمّ وجد بللا فليعد الغسل» (١).

فظهر أنّ (٢) الأخبار ظاهرة في المنزل ، وهي مع كثرتها واعتبار أسنادها اتّفق الفتاوى عليها.

فلا يعارضها بعض الأخبار الشاذة الغير الصحيحة ، المتضمّنة لعدم وجوب إعادة الغسل على من لم يبل ووجد بللا (٣).

وقال في «الفقيه» ـ بعد أن أورد ما دلّ على وجوب إعادة الغسل ـ : وروي في حديث آخر : «إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضّأ ولا يغتسل» ، قال مصنّف هذا الكتاب : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثاني رخصة (٤).

وفي «المدارك» : هو جيّد لو صحّ السند (٥).

أقول : على تقدير الصحّة أيضا مشكل ، للمخالفة للقاعدة الشرعية الثابتة من الأدلّة الكثيرة الموافقة لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، ولمخالفتها للأخبار الصحيحة والمعتبرة الكثيرة التي أفتى الفقهاء بها ، والأخبار الكثيرة التي ما أفتوا بها مع موافقتها للقاعدة ، وهي عدم ثبوت الجنابة بالاحتمال ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٤ الحديث ٤٠٨ ، الاستبصار : ١ / ١١٩ الحديث ٤٠٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٢ الحديث ٢٠٨٣ مع اختلاف يسير.

(٢) في (ف) زيادة : هذه.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٥ الحديث ٤١١ و ٤١٢ ، الاستبصار : ١ / ١١٩ الحديث ٤٠٤ و ٤٠٥ ، وسائل الشيعة ٢ / ٢٥٢ و ٢٥٣ الحديث ٢٠٨٧ و ٢٠٨٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٧ و ٤٨ ذيل الحديث ١٨٧.

(٥) مدارك الأحكام : ١ / ٣٠٥.

١٥٥

وأيضا فيها تتمّة وهي قوله عليه‌السلام : «إنّما ذلك من الحبائل» (١).

وهذه تقتضي عدم الوضوء أيضا ، كما يظهر من ملاحظة الأخبار ، وأنّ ما يخرج من الحبائل ليس إلّا رطوبة ليست ببول ولا مني ، ولا شي‌ء آخر نجس.

فلعلّ المراد من الوضوء هو التنظيف ، فتكون مثل الرواية الدالّة على عدم لزوم شي‌ء أصلا (٢) ، وأنّه وقع سقط فيها ، كما يظهر من ملاحظة سائر الأخبار (٣).

وكيف كان ، لا يعارض الأخبار الصحيحة والمعتبرة المعمول بها ، فضلا أن يغلب عليها بلا شبهة ، وكذا الكلام فيما دلّ على أنّه إن كان ناسيا فلا يعيد الغسل ، كما عرفت.

قوله : (وهذا الحكم). إلى آخره.

هذا هو المشهور بين الأصحاب لما ذكره ، ولأنّ الذي يظهر من الأخبار الدالّة عليه هو الرجل خاصّة (٤) ـ كما لا يخفى ـ فيقتصر عليه ، لأنّ الحكم ليس على وفق الاصول ، ولعدم الفائدة بالنسبة إليها ، لتغاير مجرى البول والمني منها.

وأمّا النص ، فهو صحيحة سليمان بن خالد ، ومنصور بن حازم المذكورتان (٥) ، إذ بعد ما ذكرنا منهما ، قال : قلت : فالمرأة يخرج منها شي‌ء بعد الغسل؟ قال : «لا تعيد». قلت : فما الفرق بينهما؟ قال : «لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرجل».

لكن الشيخ في «النهاية» سوّى بين الرجل والمرأة في الاستبراء بالبول

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٧ الحديث ١٨٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٥ الحديث ٤١١ و ٤١٢ ، الاستبصار : ١ / ١١٩ الحديث ٤٠٤ و ٤٠٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٢ و ٢٥٣ الحديث ٢٠٨٧ و ٢٠٨٨.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠١ الباب ١٣ من أبواب الجنابة.

(٥) راجع! الصفحة : ١٥٣ و ١٥٤ من هذا الكتاب.

١٥٦

والاجتهاد (١).

قال في «الذكرى» : ولعلّ المخرجين وإن تغايرا ، لكن يؤثر خروج البول في خروج ما تخلّف في المخرج الآخر إن كان (٢). ولعلّه أولى وأحوط.

ومرّ كيفيّة استبرائها بالاجتهاد ، وهي أن تعصر المخرج من طرف العرض بالإصبعين فما زاد ، والله يعلم.

ثمّ اعلم! أنّ من رأى بللا بعد الغسل فإمّا أن يعلم أنّه ما ذا؟ فحكمه معلوم ، وإمّا أن يشتبه عليه ، فلا يدري أنّه مني أو فيه شي‌ء من المني ولو أثر منه ، أو أنّه بول أو فيه شي‌ء منه ولو أثر منه ، أو مجرّد رطوبة خالية خالصة.

وهذا الذي رأى المشتبه ، إمّا أن يكون بال قبل الغسل واستبرأ أيضا بالنحو الذي ذكر في الاستبراء عن البول ، فهذا ليس عليه شي‌ء أصلا ، لا الإعادة ولا الغسل ولا الوضوء ولا الإزالة بالإجماع والأخبار الواردة في الاستبراء عن البول والواردة في البول قبل الغسل ، وقد مرّت آنفا.

وأمّا أن ينتفي منه الأمران معا ، فهذا عليه الغسل وغسل ما لاقاه تلك الرطوبة من الثوب أو الجسد إن كان رجلا.

وأمّا إن كان امرأة ، فليس عليها إعادة الغسل ، بل عليها غسل تلك الرطوبة ، لأنّ ما يخرج منها إنّما هو من ماء الرجل ، كما مرّ في صحيحة منصور بن حازم ، وصحيحة سليمان بن خالد (٣) المعمول بهما عند الأصحاب ، بل الظاهر عدم إعادة الغسل عليها وإن علمت أنّ الخارج مني ، لجواز كونه مني الرجل ، بل ظاهر الصحيحين أنّه منيّه.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٢١.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٥.

(٣) راجع! الصفحة : ١٥٣ و ١٥٤ من هذا الكتاب.

١٥٧

وعن ابن إدريس : وجوب الغسل عليها لو علمت أنّ الخارج منى ، لعموم قوله عليه‌السلام : «إنّما الماء من الماء» (١).

وفيه منع ما يشمل المقام ، لعدم كونه من الأفراد المتبادرة ، إذ المتبادر الماء الذي يخرج من مخرجه ، وللصحيحين المزبورين.

وفي «الذكرى» احتمل وجوب الغسل عليها في صورة الاشتباه أيضا كالرجل ، واحتمل العدم ، لأنّ اليقين لا يرفع بالشكّ ، ولم يصدر منها تفريط على القول بعدم الاستبراء عليها (٢).

وفيما ذكره رحمه‌الله تأمّل واضح ، لما ذكرنا.

ومرّ عن الصدوق اكتفاء الرجل بالوضوء عوضا عن الغسل (٣) ، وأنّه ليس بشي‌ء ، بل الظاهر وجوب إعادة الغسل للصحاح والمعتبرة (٤) ، بل ادّعى ابن إدريس الإجماع على ذلك (٥).

واحتمل الشيخ رحمه‌الله في «التهذيب» و «الاستبصار» عدم وجوب الإعادة لو كان الترك للنسيان ، لرواية جميل عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئا ، أيغتسل أيضا؟ قال : «لا ، قد تعصرت ونزل من الحبائل» (٦) ، ورواية أحمد بن هلال السابقة (٧).

__________________

(١) السرائر : ١ / ١٢٢.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٣٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٧ الحديث ١٨٦ ، راجع! الصفحة : ١٥٥ من هذا الكتاب.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

(٥) السرائر : ١ / ١٢٢.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٥ الحديث ٤٠٩ ، الاستبصار : ١ / ١٢٠ الحديث ٤٠٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٢ الحديث ٢٠٨٥.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٥ الحديث ٤١٠ ، الاستبصار : ١ / ١٢٠ الحديث ٤٠٧ ، وسائل الشيعة :

١٥٨

وفيه ، أنّ رواية ابن هلال ضعيفة ، ورواية جميل ظاهرها عدم الفرق بين العمد والنسيان ، للعلّة المنصوصة ، فتكون مخالفة للإجماع والأخبار الصحاح والمعتبرة المعمول بها ، إلّا أن يحمل على وقوع الاستبراء منه ، وأنّ النسيان إنّما هو في خصوص البول بناء على العادة والمتعارف من تحقّق البول والاستبراء بعده ، فلهذا قال : «ينسى أن يبول» أي البول فقط ، لظاهر اللفظ ، ولقوله عليه‌السلام : «قد تعصرت ونزل» ، لكن على هذا يجي‌ء الكلام والتحقيق فيها.

وإمّا أن يكون بال قبل الغسل ، لكن لم يستبرء بعد البول ، فحكمه عدم وجوب إعادة الغسل ، للصحاح والمعتبرة المذكورة ، فإنّ وجوب إعادة الغسل فيها معلّق على عدم البول ، بل صريحها عدم الإعادة إذا بال.

بل صرّح في صحيحة محمّد : أنّ علّة عدم الإعادة أنّ البول لم يدع شيئا (١).

فظهر أنّ البول من حيث هو هو لا يدع شيئا من المني حتّى يتوهّم إعادة الغسل ، بل صرّح فيها في هذا الموضع بأنّ عليه الوضوء دون الغسل ، معلّلا بأنّ البول لم يدع شيئا ، فهذا صريح في كون البول المذكور فيها هو الخالي عن الاستبراء ، ومن حيث هو هو.

نعم ، عليه الوضوء ، للصحيحة المذكورة الصريحة ، وللأخبار الدالّة على أنّ من لم يستبرء بعد البول ثمّ وجد البلل فعليه الوضوء (٢) ، وقد مرّت في الاستبراء عن البول.

وإمّا أن يكون استبرأ ولم يبل ، وعدم البول إمّا أن يكون مع إمكانه ، أو مع عدم إمكانه ، والحكم في الأوّل ، كما مرّ فيما إذا انتفى منه الأمران ، لصحيحة محمّد

__________________

٢ / ٢٥٢ الحديث ٢٠٨٦.

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤٤ الحديث ٤٠٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥١ الحديث ٢٠٨١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٠ الباب ٣٦ من أبواب الجنابة.

١٥٩

المذكورة ، ولأنّ الإعادة في غيرها أيضا علّقت على عدم البول وعدمها على وقوع البول ، فيظهر دوران الإعادة مع عدم البول وجودا وعدما.

ومقتضى كلام المصنّف أنّ حكم هذه الصورة حكم الصورة الاولى ، وهي أن يكون بال واستبرأ جميعا ، والمشهور هو ما ذكرنا.

والمستفاد من عبارة «النافع» و «الشرائع» و «القواعد» عدم الإعادة (١) ، كما ذكره المصنّف.

ووجهه غير ظاهر ، إلّا أن يكونوا حملوا رواية جميل (٢) على ما قلنا من وقوع الاستبراء دون البول ، وأنّ بالاستبراء يتحقّق العصر المخرج للمني المتخلّف إن كان.

وفيه ، منع ظاهر ، سيّما بملاحظة لزوجة المني ، وخصوصا أن يكون بهذا العصر يزول أثر المني وبقيّته بالمرّة من جميع مواضع المجرى والمخرج.

مع أنّه لو كان كذلك ، لم يجعل المعصومون ـ صلوات الله عليهم ـ عدم الإعادة منوطا بخصوص البول في هذه الأخبار الصحاح والمعتبرة الكثيرة ، بل كانوا يخيّرون بين البول وبين الاستبراء.

مع أنّ البول ربّما لا يتأتّى ، والاستبراء ممكن الحصول في غاية السهولة في جميع الأوقات.

مع أنّ العصر في البول مع تأتّيه في الاستبراء أيضا ضيق في الدين ، لا وجه له أصلا.

وأمّا رواية جميل ، فلم يظهر بعد كون المراد ذلك على فرض الظهور ، فظهور ضعيف لا يقاوم دلالة الصحاح الكثيرة ، فكيف يغلب عليها؟ سيّما مع كثرتها

__________________

(١) المختصر النافع : ١ / ٩ ، شرائع الإسلام : ١ / ٢٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ١٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٥٢ الحديث ٢٠٨٥.

١٦٠