وصية النبي صلّى الله عليه وآله

علي موسى الكعبي

وصية النبي صلّى الله عليه وآله

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-425-6
الصفحات: ١٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ابتدأني » (١).

وفي كلّ ذلك كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يمارس دور الاعداد الفكري والقيادي لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويبلغ أصحابه في هذا الاتجاه ، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب » (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فاُعطي علي تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً » (٣).

وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : والله لقد اُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر (٤).

ومن هنا تميّز من بين الصحابة بقوله عليه‌السلام على المنبر : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض » (٥). قال سعيد بن المسيب وابن شبرمة وغيرهما : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول سلوني إلاّ علي (٦) ، وذلك لأنه لا يجترئ علىٰ هذه الدعوىٰ إلاّ من يثق بنفسه بأن عنده

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٥ وصححه علىٰ شرط الشيخين : الصواعق المحرقة : ١٢٣ ، ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ : ٤٨٦ / ١٠١٣.

(٢) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٢٦ و ١٢٧ وصححه ، جامع الأصول ٩ : ٤٧٣ / ٦٤٨٩ ، الصواعق المحرقة : ١٢٢ ، اُسد الغابة ٤ : ٢٢ ، تاريخ بغداد / الخطيب ١١ : ٤٩ و ٥٠ ـ مطبعة السعادة ـ مصر ـ ١٣٤٩ ه‍ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٧٢ وغيرها كثير.

(٣) حلية الأولياء ١ : ٦٨ ، مناقب ابن المغازلي : ٢٨٧ / ٣٢٨ ، كنز العمال ١١ : ٦١٥ / ٣٢٩٨٢.

(٤) الاستيعاب بهامش الإصابة / ابن عبد البر ٣ : ٤٠ ـ مكتب السعادة بمصر.

(٥) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : الخطبة (١٨٩).

(٦) الصواعق المحرقة : ١٢٧ ، شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٤٦ ، ترجمة الإمام علي عليه‌السلام

٨١

جواباً لكلّ ما يُسأل عنه ، وفي ذلك كفاية في الدلالة علىٰ سبقة وأرجحيّته في العلم.

ومن هنا أيضاً صار علي عليه‌السلام ملجأً ومفزعاً لكل من يعضل عليه شيء من شؤون العلم ، ولم يرجع هو ولا مرة واحدة إلى أحدٍ منهم ، حتى أن عمر قال : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن . وقال : لولا علي لهلك عمر (١).

قال العقاد : كانت فتاواه مرجعاً للخلفاء والصحابة في عهود أبي بكر وعمر وعثمان ، وندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له رأي فيها يُؤخذ به ، أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء ، إلى أن قال : وقيل لابن عباس : أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط (٢).

خامساً ـ العصمة

ومن مظاهر الاصطفاء في شخص عليّ عليه‌السلام هوأنه نظير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الطهارة والعصمة ، وذلك أمر اختصّ به أهل البيت عليهم‌السلام دون أفراد الأُمّة ، قال تعالىٰ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) والمراد بأهل البيت الذين نزلت فيهم هذه الآية هم : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن والحسين وفاطمة الزهراء عليهم‌السلام (٤).

__________________

من تاريخ دمشق ٣ : ٣١ / ١٠٥٤.

(١) الاستيعاب / ابن عبد البر ٣ : ٣٩ بهامش الاصابة ، الاصابة / ابن حجر ٢ : ٥٠٩ ـ مكتب السعادة بمصر ، اُسد الغابة ٤ : ٢٣.

(٢) عبقرية الإمام علي ٧ : ٤٧ ـ دار الكتاب ـ ط ١.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

(٤) راجع : صحيح مسلم ٤ : ١٨٨٣ / ٢٤٢٤ ، تفسير الرازي ٨ : ٨٠ ، سنن

٨٢

وإنما جعل الله سبحانه هذه المَلَكَة في الأوصياء مثلما جعلها في الأنبياء ، لأنه جعل مقامهم في الأُمّة مقام الأنبياء في وجوب الاقتداء بأفعالهم وأقوالهم ، وبما أن الحكيم لا يجوز منه أن يوجب علىٰ عباده الاقتداء بما هو قبيح أو غير مأمون منه فعل القبيح ، فلا بدّ أن يكون الوصي معصوماً كالنبي من جميع القبائح ، منزّهاً من الخطايا والآثام ، مسدّداً من الله ، مصوناً من هفوات الآراء وخطرات الأهواء ، ولذلك نفىٰ تعالىٰ أن ينال هذا العهد من كان ظالماً ، قال تعالىٰ : ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ومن مصاديق الظلم عبادة الأصنام ، قال تعالى : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٢).

قال الإمام الصادق عليه‌السلام في الآية الاُولىٰ : « أبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلىٰ يوم القيامة ، فصارت في الصفوة » (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لمّا علم إبراهيم عليه‌السلام أن عهد الله ـ تبارك وتعالى اسمه ـ بالإمامة لا ينال عَبَدة الأصنام قال : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) » (٤).

وعن عبد الله بن مسعود في حديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أنا دعوة أبي إبراهيم ، وكان من دعاء إبراهيم عليه‌السلام (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ

__________________

الترمذي ٥ : ٣٥١ / ٣٢٠٥ و ٥ : ٦٦٣ / ٣٧٨٧ وغيرها كثير.

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٢٤.

(٢) سورة لقمان : ٣١ / ١٣.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢١٦ / ١.

(٤) الاحتجاج / الطبرسي : ٢٥١ ـ منشورات المرتضى ، مشهد ، والآية من سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٥.

٨٣

الأَصْنَامَ ) ... فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي علي ، لم يسجد أحدٌ منّا لصنم قطّ ، فاتخذني نبياً ، وعلياً وصياً » (١).

سادساً ـ مزايا فريدة

خصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً عليه‌السلام بمزايا جمّة لم تكن في غيره ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٢) فلا يمكن تفسير تلك المزايا والخصائص إلاّ بكونها من مظاهر الاصطفاء الإلهي والعناية الربانية ، وفيما يلي نذكر بعضها :

١ ـ خصّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الهجرة بالمبيت علىٰ فراشه ليؤدي الأمانات عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله . ويتجشم الهجرة بمن بقي من نساء بني هاشم والمستضعفين من المؤمنين.

٢ ـ وخصّه بالمصاهرة من سيدة نساء العالمين فاطمة عليها‌السلام ، بعد أن تقدّم لخطبتها غيره فردّهم ، ومنهم أبو بكر وعمر (٣) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من علي » (٤).

٣ ـ واختص علي عليه‌السلام بكون ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلبه ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الله عزّوجلّ جعل ذرية كلّ نبي في صلبه ، وإن الله عزّوجلّ جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب » (٥).

__________________

(١) مناقب علي عليه‌السلام / ابن المغازلي : ٢٧٦ / ٣٢٢ ، أمالي الطوسي : ٣٧٩ / ٨١١.

(٢) سورة النجم : ٥٣ / ٣ ـ ٤.

(٣) راجع : المعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١.

(٤) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٧ / ١٠٢٠ / الصواعق المحرقة : ١٢٤.

(٥) المعجم الكبير ٣ : ٤٤ / ٢٦٣٠ ، الصواعق المحرقة : ١٢٤.

٨٤

٤ ـ وخصّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمؤاخاة ، وقال له : « أنت أخي في الدنيا والآخرة » (١).

٥ ـ وخصّه بالراية في ساحة الجهاد ، فدفع إليه رايته في بدر وهو ابن عشرين سنة (٢) ، وكان علي عليه‌السلام صاحب راية المهاجرين في المواطن كلّها (٣).

ودفع إليه رايتين ، تطلّع إليهما كل من حضر من الصحابة ، فكان لعلي عليه‌السلام شرف الاختصاص بهما دون غيره ، وهما : راية الفتح في مكة ، وراية الفتح في خيبر.

وفي راية خيبر بعث صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر ، فعاد ولم يصنع شيئاً ، وبعث بعده عمر ، فعاد يجبّن أصحابه ويحبّنونه (٤). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لأُعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله علىٰ يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كراراً غير فرار » فبات الناس يدوكون (٥) ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كلّهم يرجو أن يعطاها ، فأعطاها علياً عليه‌السلام (٦).

٦ ـ وخصّه بالتبليغ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد أرسل أبو بكر ليبلّغ براءة في الموسم ،

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧٢٠ ، الصواعق المحرقة : ١٢٢.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١١١.

(٣) الاصابة ٢ : ٣٠.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ٢٧ وصححه ، تاريخ الطبري ٣ : ٩٣.

(٥) داك القوم : ماجوا واختلفوا.

(٦) الصواعق المحرقة : ١٢١ ، والحديث صحيح وقد ورد بألفاظ متعددة ، راجع : صحيح البخاري ٥ : ٨٧ / ١٩٧ و١٩٨ ـ كتاب الفضائل ، و ٥ : ٢٧٩ / ٢٣١ ، كتاب المغازي ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣٢ ـ ٣٤ ـ كتاب الفضائل ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٨ / ٣٧٢٤ وغيرها.

٨٥

فسار بها ثلاثاً ، ثم أردفه بعلي عليه‌السلام ، فأخذها منه وسار ، ورجع أبو بكر وهو يقول : يا رسول الله ، أحدث فيّ شيء ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ، ولكن أُمرت أن لا يبلغها إلاّ أنا أو رجل مني » وفي رواية : « لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل مني » (١).

٧ ـ وخصّه بفتح بابه إلى المسجد بعد أن أمر بسدّ الأبواب الشارعة إلى المسجد ، فكان يحلّ له عليه‌السلام ولأهل بيته ما يحلّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون أفراد الأُمّة.

وتكلّم بذلك الناس ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أما بعد ، فاني اُمرت بسدّ هذه الأبواب إلاّ باب علي ، وقال فيه قائلكم ، وإنّي والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكني اُمرت بشيء فاتبعته » (٢).

٨ ـ وخصّه بالمناجاة يوم الطائف بأمر الله تعالىٰ ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه ! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما أنا انتجيته ، ولكن الله انتجاه » (٣).

٩ ـ وفي فتح مكّة اختصه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن أصعده علىٰ منكبيه ، وألقىٰ صنم قريش الأكبر ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً » (٤).

١٠ ـ وفي مناظرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لنصارىٰ نجران اختصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهما‌السلام بالمباهلة ، فكانوا المعنيين بقوله تعالىٰ : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) (٥) فجعل

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣ و ٣٣١ ، ٣ : ٢١٢ و ٢٨٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧١٩.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٥ وصححه ، الصواعق المحرقة : ١٢٤.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٩ / ٣٧٢٦ ، مصابيح السنة ٤ : ١٧٥ / ٤٧٧٣.

(٤) مستدرك الحاكم ٢ : ٣٦٧ ، مسند أحمد ١ : ٨٤ و ١٥١.

(٥) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.

٨٦

علياً كنفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، فكان أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الذي تفرّد من بين رجال الأُمة بشرف الاصطفاء الإلهي لهذه المنزلة العظيمة.

١١ ـ وخصّه بالقتال علىٰ تأويل القرآن ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن منكم من يقاتل علىٰ تأويل القرآن كما قاتلت علىٰ تنزيله » فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا » . قال عمر : أنا هو ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ، ولكن خاصف النعل » (٢) يعني علياً عليه‌السلام وكان يخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٢ ـ وخصّه بكونه الهادي للأُمّة من بعده ، قال علي عليه‌السلام في قوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )(٣) : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر ، وأنا الهادي (٤).

وعن ابن عباس : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده علىٰ صدره فقال : « أنا المنذر » ثم أومأ إلىٰ منكب علي عليه‌السلام وقال : « أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي » (٥).

١٣ ـ واختص عليه‌السلام بكونه أحبّ الخلق إلى الله تعالىٰ وإلىٰ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما

__________________

(١) معالم التنزيل / البغوي ١ : ٤٨٠ ، وراجع أيضاً : صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ ، سنن الترمذي ٥ : ٢٢٥ / ٢٩٩٩ ، مصابيح السنة ٤ : ١٨٣ / ٤٧٩٥ ، الصواعق المحرقة : ١٢١ وغيرها.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٣ ـ وصححه علىٰ شرط الشيخين ، مسند أحمد ٣ : ٨٢.

(٣) سورة الرعد : ١٣ / ٧.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٩ ـ ١٣٠ وصححه علىٰ شرط الشيخين.

(٥) تفسير الرازي ١٩ : ٢٠ ، تفسير الطبري ١٣ : ١٣٠ ـ دار إحياء التراث العربي ـ ١٤٢١ ه‍ ، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ١٤ : ٦٨ ـ دار المعرفة ـ ١٤٠٣ ه‍ ، روح المعاني / الآلوسي ١٣ : ١٠٨.

٨٧

في حديث الطائر المشوي وغيره (١).

١٤ ـ واختص عليه‌السلام بكونه قسيم الجنة والنار يوم القيامة (٢).

١٥ ـ واختص عليه‌السلام بكون حبّه حباً لله تعالىٰ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد جاء في الصحيح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « من أحبّ علياً فقد أحبني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله « حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوّك عدوّي ، وعدوي عدوّ الله ، والويل لمن أبغضك بعدي » (٤).

١٦ ـ وعهد إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأُمورٍ لم يعهدها إلىٰ غيره ، وهذا هو معنى الوصية علىٰ ما تقدّم في أوّل البحث ، قال ابن عباس : كنا نتحدّث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلىٰ علي سبعين عهداً لم يعهدها إلىٰ غيره (٥).

١٧ ـ وجعله مع القرآن في كفّة واحدة حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتىٰ يردا على الحوض » (٦).

إلىٰ غير ذلك من المزايا الفريدة التي لو أتينا عليها جميعاً لطال بنا المقام ، وكلّها تحكي أن الوصية ليست المظهر الوحيد الذي اختص الله تعالىٰ به وليه ، بل له عليه‌السلام خصائص اُخرىٰ كانت مثار إعجاب وغبطة المؤمنين وحسد المنافقين

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٠ ـ ١٣١ وصححه على شرط الشيخين.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٢٦.

(٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٠ ـ وصححه.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٨ ـ وصححه.

(٥) حلية الأولياء ١ : ٧١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٦.

(٦) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٤ وصححه ، الصواعق المحرقة : ١٢٤.

٨٨

والذين في قلوبهم مرض له عليه‌السلام ، بل وتمنّىٰ بعضهم ولو واحدة منها ، لتكون أحبّ إليه من حمر النعم ، أو من الدنيا وما فيها.

قال عمر بن الخطاب : لقد أُعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أُعطي حمر النعم. قيل : وما هنّ ؟ قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحلّ له ما يحلّ له ، والراية يوم خيبر (١).

وقال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما يمنعك أن تسبّ ابن أبي طالب ؟ فقال : لا أسبّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم ، وذكر حديث الكساء ، وحديث المنزلة ، والراية يوم خيبر (٢).

وقال سعد في حديث آخر : إن علي بن أبي طالب أُعطي ثلاثة لأن أكون اُعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها ، ثم ذكر حديث الغدير ، والراية يوم خيبر ، وسدّ الأبواب دون بابه (٣). ( وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (٤).

* * *

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٥ ـ وصححه ، الصواعق المحرقة : ١٢٧.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٨ و ١٠٩.

(٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١١٦ ـ ١١٧.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٠٥.

٨٩

المبحث الرابع : أوجه التشابه

بين وصي موسىٰ عليه‌السلام ووصي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

تقدّم في أحاديث الوصية أنه حينما سأل سلمان رضي‌الله‌عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن وصيه ، قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كان وصي موسىٰ ؟ » فأجاب سلمان : يوشع بن نون ، ثمّ عقّب صلى‌الله‌عليه‌وآله بذكر وصيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ولم تكن هذه المقارنة عبثاً ، بل إنها تحكي عن مزيدٍ من أوجه التشابه والتماثل بين وصيّ موسىٰ عليه‌السلام ووصي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيما يلي نذكر بعض الأوجه المستقاة من الحديث والسنّة :

١ ـ السبق إلى الإيمان

يتميّز أمير المؤمنين عليه‌السلام من بين سائر أفراد الاُمّة بعمق وجوده في كيان الرسالة ، فهو المسلم الأول ، والمصلّى الأول ، والمجاهد الأول في تاريخ الإسلام ، وهكذا كان يوشع عليه‌السلام ، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « السبّاق ـ أو السُّبّق ـ ثلاثة : فالسابق إلىٰ موسىٰ يوشع بن نون ، والسابق إلىٰ عيسىٰ ياسين ، والسابق إلىٰ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله علي ابن أبي طالب » (١).

__________________

(١) المعجم الكبير / الطبراني ١١ : ٧٧ / ١١١٥٢ ، الصواعق المحرقة : ١٢٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٥ ، الآحاد والمثاني / أبو بكر الشيباني ١ : ١٥٠. دار الراية ـ الرياض ، ذخائر العقبى : ٥٨ ، كنز العمال ١١ : ٦٠١ / ٣٢٨٩٦.

٩٠

وقال المفجّع البصري في هذه الخصلة من التشابه :

وله من صفات يوشع عندي

رُتبٌ لم أكن لهنّ نسيّا

كان هذا لمّا دعا الناس موسىٰ

سابقاً قادحاً زناداً وريّا

وعليّ قبل البريّة صلّى

خائفاً حيث لا يعاين ريّا

كان سبقاً مع النبي يصلّي

ثاني اثني ليس يخشىٰ ثويّا (١)

٢ ـ ردّ الشمس

ردّت الشمس لأمير المؤمنين عليه‌السلام مرتين ؛ مرة في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك حينما تغشى الوحي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتوسّد فخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ففاتته صلاة العصر (٢). ومرّة اُخرىٰ في زمان خلافته ، لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل حينما عاد من قتال الخوارج ، فاشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم ، ففاتتهم الصلاة معه عليه‌السلام ، فشكوا ذلك إليه ، فسأل الله تعالىٰ أن يردّ الشمس ، فأجابه الله تعالىٰ إلىٰ ذلك (٣).

ورُدّت الشمس ليوشع بن نون وصي موسى عليه‌السلام حينما فاتته الصلاة في وقتها (٤) ، وقيل : بل ردّت له حينما خرج لقتال الجبّارين في مدائن الشام ، فأدركه

__________________

(١) ديوان المفجع : ١٣٧ ـ دار الزهراء ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه‍ ، بحار الأنوار ٣٩ : ٦٣.

(٢) راجع : الصواعق المحرقة : ١٢٨ ، ترجمة عليّ عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ : ٢٨٣ ، المناقب / ابن المغازلي : ٩٦ ـ ٩٨ ، المناقب / الخوارزمي : ٢١٧ ، الرياض النضرة ٣ : ١٢١ ، البداية والنهاية ٦ : ٨٦ و ٢٨٢ ، الارشاد / المفيد : ٣٤٥ ، الفقيه ١ : ١٣٠ / ٦١٠ ، تاج العروس ـ مادة يشع ـ.

(٣) الفقيه ١ : ١٣٠ / ٦٦١ ، الارشاد / المفيد ١ : ٣٤٦ ، بحار الأنوار ٤١ : ١٧١ / ٨ و ١٧٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٣٠ / ٦٠٨.

٩١

المساء وقد بقيت منهم بقية ، فدعا الله تعالىٰ ، فردّ عليه الشمس ، وزاد في النهار ساعة حتى استأصلهم ودخل مدينتهم وجمع غنائمهم (١).

وذكر كثير من الشعراء هذه الفضيلة مقارنين بين عليّ ويوشع عليهما‌السلام ، منهم : السيد الحميري حيث قال :

ردّت عليه الشمس لمّا فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغربِ

حتّىٰ تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثم هوت هويّ الكوكبِ

وعليه قد رُدّت ببابل مرّة

اُخرىٰ وما رُدّت لخلق معربِ

إلاّ ليوشع أو (٢) له ولردّها

ولحبسها تأويل أمر معجبِ (٣)

وقال ابن أبي الحديد :

يا من له رُدّت ذُكاء ولم يَفُز

بنظيرها من قبلُ إلاّ يوشعُ

٣ ـ قتال الجبّارين

عهد موسىٰ عليه‌السلام إلىٰ يوشع بأنه يقاتل الجبارين في بلاد الشام ، فقاتلهم في

__________________

(١) راجع : الكامل في التاريخ ١ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، البداية والنهاية ٦ : ٢٨١ ، قصص الأنبياء ( عرائس المجالس ) / الثعلبي : ٢٢٠ ـ منشورات المكتبة الثقافية ـ بيروت ، قصص الأنبياء / ابن كثير : ٤٤١ ، وفيات الأعيان / ابن خلكان ٧ : ٢٢٧ ـ منشورات الشريف الرضي ـ ١٣٦٤ ه‍ ، البدء والتاريخ ٣ : ٩٦ ، بحار الأنوار ١٣ : ٣٧٥ و ٥٨ : ٢٥٦ / ٤٧.

(٢) قال السيد المرتضى رحمه‌الله في شرحه لبائية السيد الحميري : معنى ( أو ) هاهنا معنى الواو ، فكأنّه قال : إلاّ ليوشع وله ، كما قال الله تعالىٰ : ( فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) ( سورة البقرة : ٢ / ٧٤ ) على أحد التأويلات في الآية. بحار الأنوار ٤١ : ١٩٠.

(٣) الإرشاد / المفيد ١ : ٣٤٧.

(٤) القصائد العلويات / ابن أبي الحديد : ١٤٠ ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

٩٢

بيت المقدس وأريحا والبلقاء حتىٰ مكّنه الله منهم (١) ، وعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام بأنه يقاتل المارقين والناكثين والقاسطين (٢) ، فقاتل الجبّارين وأئمّة الضلال من هذه الأمّة.

وجاء في الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قرأ هذه الآية في يوم الجمل ( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) (٣) ثمّ قال : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة واصطفىٰ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة إنهم لأصحاب هذه الآية ، وما قوتلوا مذ نزلت » (٤).

٤ ـ خروج الصفراء علىٰ يوشع ، والحميراء علىٰ عليّ عليه‌السلام !

حينما قام يوشع بالأمر بعد موسىٰ عليه‌السلام خرجت عليه صفراء ـ أو صفوراء ـ بنت شعيب ، زوجه موسى عليه‌السلام فقالت : أنا أحقّ منك بالأمر ، وتبعها بعض منافقي بني إسرائيل ، فقاتلهم يوشع ، وظفر بهم ، وقتل مقاتليهم وهزم الباقين ، وأسر صفراء وعفا عنها ، وأحسن صونها حتى أوصلها مع حرسٍ من النساء إلىٰ قومها (٥) ، وهكذا كان الأمر مع عائشة حينما خرجت على أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام.

__________________

(١) راجع المصادر المتقدّمة في ردّ الشمس ليوشع عليه‌السلام.

(٢) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ١٢.

(٤) قرب الاسناد / السيد الحميري : ٩٦ / ٣٢٧ ـ مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام ـ قم ، تفسير العياشي ٢ : ٢١٩ / ١٧٩٠.

(٥) راجع : إكمال الدين : ٢٧ : و ١٥٤ ، إثبات الوصية / المسعودي : ٥٢ ، بحار الأنوار ١٣ : ٣٦٦ / ٨ و ٣٦٩ / ١٥.

٩٣

وإذا كانت بنت شعيب الخارجة على إمام زمانها صفراء ، فإن بنت أبي بكر التي خرجت على إمام زمانها كانت حمراء ، فانظر كيف أصبح اللون علامة لهما ، وهو وجه من التشابه العجيب بينهما ! وهذا من مصاديق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يكون في هذه الاُمة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذوالقذّة بالقذّة » (١).

٥ ـ الفتوّة

كان يوشع فتىٰ موسىٰ عليه‌السلام ، وقد جاء في الذكر العزيز ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ ) (٢) وجاء أيضاً ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ ) (٣) قيل : إن المراد به يوشع بن نون وصي موسىٰ عليه‌السلام ، وبه وردت الرواية ، وقيل : سمّي فتىً لأنه كان يلازمه سفراً وحضراً ، أو لأنه كان يخدمه (٤).

وهكذا كان أمير المؤمنين عليه‌السلام فتىٰ محمّد المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جاء في الرواية أن جبرئيل نادىٰ يوم اُحد مراراً :

لا سيف إلاّ ذو الفقا

ر ولا فتىٰ إلاّ علي

وذلك حينما قتل علي عليه‌السلام أصحاب الألوية يوم فرّ الجمع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال جبرئيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ هذه للمواساة » ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وما يمنعه وهو منّي وأنا منه » فقال جبرئيل : وأنا منكما (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٣٠ / ٦٠٩.

(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٦٠.

(٣) سورة الكهف : ١٨ / ٦٢.

(٤) تفسير الميزان ١٣ : ٣٣٨.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٢٥١ ، تاريخ الطبري ٢ : ٥١٤ ، الإرشاد / المفيد ١ : ٨٧ ،

٩٤

٦ ـ السبق في العلم

ورد في الحديث أن موسىٰ عليه‌السلام أوصى إلىٰ يوشع ؛ لأنه كان أعلم اُمّته بعده ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصىٰ إلىٰ علي عليه‌السلام لأنه أعلم اُمته بعده.

فقد روي الطبراني عن سلمان رضي‌الله‌عنه قال : قلت يا رسول الله ، لكل نبي وصيّ ، فمن وصيك ، فسكت عنّي ، فلما كان بعدُ رآني ، فقال : « يا سلمان » فأسرعت إليه ، قلت : لبيك. قال : « تعلم من وصي موسى ؟ » قلت : نعم ، يوشع ابن نون. قال : « لِم ؟ » قلت : لأنه كان أعلمهم. قال : « فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب » (١).

وقد ثبت أن علياً عليه‌السلام أعلم الأُمّة وأقضاها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يسبقه أحد في هذا المضمار ، وقد قدّمنا ذلك في المبحث الثالث ( مظاهر الاصطفاء ).

٧ ـ أتباعه هُم الفرقة الناجية

ورد في الحديث عن علي عليه‌السلام : « افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة ، سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة ، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسىٰ عليه‌السلام ... وتفترق هذه الأمة علىٰ ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة ، وهي التي اتبعت وصي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وضرب بيده علىٰ صدره » (٢).

__________________

الأغاني / أبو الفرج الأصفهاني ١٥ : ١٩٢ ـ دار إحياء التراث العربي ، المناقب / ابن المغازلي : ١٩٧ / ٢٣٤.

(١) المعجم الكبير / الطبراني ٦ : ٢٢١ / ٦٠٦٣ ، أمالي الصدوق : ٦٣ / ٢٥.

(٢) كتاب سليم : ١٧٥ / ٣٩ مؤسسة البعثة ـ طهران ، أمالي الطوسي : ٥٢٣ / ١١٥٩ ، الاحتجاج / الطبرسي : ٢٦٣.

٩٥

٨ ـ ليلة الشهادة وأحداثها

قام الحسن عليه‌السلام خطيباً في الليلة التي قتل بها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكان مما قال : « لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، ولقد توفي في الليلة التي عرج فيها بعيسىٰ بن مريم ، والتي توفي فيها يوشع ابن نون .. » (١).

ومن حوادث ليلة الشهادة ما رواه ابو بصير عن أبي عبد الله عن أبيه الباقر عليهما‌السلام ، قال : « لما كانت الليلة التي قتل فيها علي عليه‌السلام لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط حتىٰ طلع الفجر ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون » (٢).

وروي ابن شهاب عن عبد الملك : أنه لم يرفع حجر من بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم ، وذلك في الصبيحة التي قُتِل فيها علي عليه‌السلام (٣).

٩ ـ مدّة بقائه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن مسعود ، قال : قلت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله ، من يغسّلك إذا متّ ؟ قال : « يغسّل كل نبي وصيه » قلت : فمن وصيك يا رسول الله ؟ قال : « علي بن أبي طالب » قلت : كم يعيش بعدك يا رسول الله ؟ قال : « ثلاثين سنة ، فإن يوشع بن نون وصي موسىٰ عاش بعد موسى ثلاثين سنة ... » (٤).

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٥ و ١٦ : ٣٠ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٣٣ ، الذرية الطاهرة : الدولابي : ١١٥ / ١٢٤ ـ جماعة المدرسين ـ قم ـ ١٤٠٧ ه‍ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٦٥.

(٢) بحار الأنوار ١٣ : ٣٦٨ / ١٢ و٤٢ : ٣٠٢ / ٢.

(٣) المستدرك / الحاكم ٣ : ١١٣.

(٤) إكمال الدين : ٢٧ ، بحار الأنوار ١٣ : ٣٦٧ / ١٠ و ٢٢ : ٥١٢ / ١٢ و ٣٢ : ٢٨٠ / ٢٢٧.

٩٦

١٠ ـ عدد الأئمة بعده

روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن الإمام الصادق عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال : « استتر الأئمة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود عليه‌السلام أربعمائة سنة ، وكانوا أحد عشر ، وكان قوم كلّ واحد منهم يختلفون إليه في وقته ، ويأخذون عنه معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى آخرهم ، فغاب عنهم ، ثم ظهر لهم فبشّرهم بداود عليه‌السلام ، وأخبرهم أن داود عليه‌السلام هو الذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده ، ويكون فرجهم في ظهوره » (١).

وكذلك كان عدد الأئمة بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام أحد عشر إماماً ، وقد مارست الأُمّة في شأنهم شتى أنواع التغييب القسري عن ممارسة دورهم القيادي الذي جعله الله لهم ، فكان نصيبهم السجن أو القتل أو السمّ ، لكن مع ذلك فرضوا مرجعيتهم الفكرية حتى على فقهاء البلاطات في كثير من الحالات المدونة في مصادر الحديث والتاريخ ، وتربّى على أيديهم أجيالاً من أصحابهم المتقين الذين كانوا يختلفون إليهم. ويأخذون عنهم معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى اخرهم ، وهو الإمام الحجة بن الحسن عليه‌السلام. المنتظر لإقامة دولة الحق والعدل والسلام ، ومحق اُسس الجور والظلم والباطل ، و ( للهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ ) (٢).

١١ ـ مظاهر اُخرىٰ من التشابه بينهما عليهما‌السلام

جاء في الرواية عن الصادق عليه‌السلام أن يوشع بن نون اُتي بقوم بعد وفاة موسىٰ عليه‌السلام ، شهدوا أن لا إله إلاّ الله ولم يقرّوا أن موسىٰ رسول الله ، فجعلهم في

__________________

(١) إكمال الدين : ١٥٤ / ١٧ ، بحار الأنوار ١٣ : ٤٤٥ / ١٠.

(٢) سورة الروم : ٣٠ / ٤.

٩٧

حفيرة وأوقد لهم في حفيرة ثانية ، ثم استتابهم مرّة بعد اُخرىٰ ، فلم يتوبوا فقتلهم بالدخان ، وهكذا فعل بمثلهم أمير المؤمنين عليه‌السلام في الكوفة (١).

فهذه بعض أوجه التشابه بين يوشع وأمير المؤمنين عليهما‌السلام ، ويستطيع المتتبّع أن يجد المزيد ، ولو لم يكن ثمة دليل آخر على الوصية لأمير المؤمنين عليه‌السلام غير هذه الأوجه التي ذكرناها لكانت كافية في إثبات المراد.

( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٢).

* * *

__________________

(١) راجع متن الرواية مفصلاً في الكافي ٤ : ١٨١ / ٧ ـ باب النوادر ـ كتاب الصيام ، وسائل الشيعة ١٠ : ٢٤٩ / ١٣٣٣٦.

(٢) سورة ق : ٥٠ / ٣٧.

٩٨

الفصل الثالث :

الوصية في الشعر العربي

إنّ الشعر العربي يعدّ ديوان العرب وسجّل مآثرهم وأيامهم ، وقد دوّن الرعيل الأول من شعراء صدر الإسلام الأحداث الكبرىٰ والوقائع العظمى التي مرت بها الدعوة الإسلامية منذ تباشير نشأتها الاُولى ، وعكسوا في أشعارهم مفاهيم الإسلام ومصطلحاته التي ألفوها من خلال صحبتهم للنبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وسماعهم كلام الوحي على لسانه.

وكانت الوصية من المفاهيم المهمة التي حظيت بنصيب وافر في ديوان الشعر العربي منذ فجر الرسالة وإلى اليوم ، وقد تسالم على نقلها أهل العلم ورواة الأخبار على الاتفاق والتواطؤ جيلاً بعد جيل بشكل لا يمكن لأحدٍ إنكاره أو دفعه إلاّ مكابرة أو عناداً.

وقد عبّر أبو العباس المبرّد عن كثرة النصوص الشعرية الواردة في الوصية بقوله : فهذا شيء كانوا يقولونه ويكثرون فيه (١).

وذكر ابن أبي الحديد في معرض شرحه لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أهل البيت عليهم‌السلام : « وفيهم الوصية والوراثة » اثنين وعشرين نصاً من الشعر المقول في

__________________

(١) الكامل في اللغة والأدب ٢ : ١٥١.

٩٩

صدر الإسلام ، المتضمن كونه عليه‌السلام وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نقلها جميعاً عن كتابين (١) فقط ، ثم قال في آخرها : والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً ولكنّا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين ، فأما ما عداهما فانه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعدّ ، ولولا خوف الملالة والإضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة (٢).

وقد اقتصرت في هذا الفصل على الأشعار التي أنشدها الصحابة دون غيرهم لتكون شواهد تاريخية دامغة ، بالغة في الحجة ، قاطعة لذرائع المتذرّعين والمؤوّلين ، لما تضمّنته من نصوص صريحة في الدلالة على أن الوصية أمرٌ معروف في صدر الإسلام ، وأنها تعني الاستخلاف وولاية الأمر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد رتّبت أسماء الشعراء على حروف الهجاء :

١ ـ الأشعث بن قيس الكندي (٣)

مما قيل على لسان الأشعث في صفّين :

أتانا الرسول الوصيّ

عليّ المهذّب من هاشمِ

رسول الوصيِّ وصيِّ النبي

وخير البرية من قائمِ

__________________

(١) وهما كتاب ( وقعة الجمل ) لأبي مخنف لوط بن يحيى ، وقال فيه ابن أبي الحديد : وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها. والكتاب الثاني ( صفين ) لنصر بن مزاحم بن يسار المنقري ، قال : وهو من رجال الحديث ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٧.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٥٠.

(٣) صحابي ، أسلم سنة ١٦ ه‍ ، وارتدّ بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُخذ أسيراً ، ثم أطلقه أبو بكر ، وشهد اليرموك ، واستعمله عثمان على أذربيجان ، وشهد صفين مع علي عليه‌السلام ، وكان ممن ألزمه بالتحكيم ، وتوفي سنة ٤٠ ه‍ ، وقيل : ٤٢ ه‍. اُسد الغابة ١ : ١٥١ / ١٨٥.

١٠٠