علي موسى الكعبي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-425-6
الصفحات: ١٥٢
هذا الطريق ؛ لأنه يتطلب أن يقوم الرسول صلىاللهعليهوآله بعملية توعية للاُمّة على نظام الشورىٰ وحدوده وتفاصيله ، وأن يعطيه طابعاً دينياً مقدساً ، وأن يعدّ المجتمع الإسلامي إعداداً فكرياً وروحياً لتقبل هذا النظام.
والملاحظ أن النبي صلىاللهعليهوآله لم يمارس عملية التوعية علىٰ نظام الشورىٰ وتفاصيله التشريعية أومفاهيمه الفكرية ، لأن هذه العملية لو كانت قد انجزت ، لانعكست في الأحاديث المأثورة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، ولتجسّدت في ذهنية أصحابه.
وقد انقسم أصحابه من بعده إلىٰ فئتين :
الفئة التي انحازت إلىٰ أهل البيت عليهمالسلام ، ومن الواضح أنهم كانوا يؤمنون بالوصاية والأمامة ويؤكّدون على القرابة ، ولم ينعكس منهم الإيمان بفكرة الشورىٰ.
والفئة التي تمثّلها السقيفة والخلافة التي قامت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهؤلاء أيضاً لم يكونوا يؤمنون بالشورىٰ ، فأبوبكر عهد بها إلى عمر ، وعمر عهد بها إلىٰ ستة أشخاص ، فلم يكن أصحاب هذا الاتجاه ممن يبني ممارسته الفعلية على أساس الشورىٰ ، ولم يكن لديه فكرة محددة عن هذا النظام فكيف يمكن أن نتصّور أن النبي صلىاللهعليهوآله مارس عملية توعية علىٰ هذا النظام تشريعياً وفكرياً ، وأعدّ جيل الصحابة لتسلّم قيادة الاُمّة على أساسه ، ثمّ لا نجد تطبيقاً واقعياً له أومفهوماً محدداً عنه ؟! وعليه فإنه صلىاللهعليهوآله لم يكن قد طرح الشورىٰ كنظام بديل على الاُمّة بعد وفاته.
٣ ـ أن يقف النبي صلىاللهعليهوآله من مستقبل الرسالة بعد وفاته موقفاً إيجابياً ، فيختار بأمرٍ من الله سبحانه شخصاً معيَّناً ، فيعدّه اعداداً رسالياً وقيادياً خاصاً ، لتتمثّل فيه المرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة ، ويواصل بعده
وبمساندة القاعدة الشعبية الواعية من المهاجرين والأنصار قيادة الأمة وبناءها عقائدياً وتقويتها باستمرار نحو المستوى الذي يؤهلها لتحمل المسؤوليات القيادية.
ولم يكن هذا الشخص المنصوب لتسليم مستقبل الدعوة وتزعمها فكرياً وسياسياً ، إلاّ علي بن أبي طالب عليهالسلام الذي أراده لذلك الله تعالىٰ ، ورسوله الكريم صلىاللهعليهوآله ، هذا فضلاً عن عمق وجوده في كيان الدعوة ، وانه المسلم الأول والمجاهد الأول في سبيلها عبر كفاحها المرير ضد كلّ أعدائها ، وعمق وجوده في حياة القائد الرسول صلىاللهعليهوآله وانه ربييه الذي فتح عينيه في حجره ، ونشأ في كنفه ، وهيّأ له من فرص التفاعل معه والاندماج بخطه ما لم يتوفر لأيّ إنسان آخر (١).
* * *
__________________
(١) مختصر من : بحث حول الولاية / الشهيد الصدر قدسسره ـ دار التعارف ـ بيروت ـ ١٣٩٩ ه.
الفصل الثاني
وصية النبي صلىاللهعليهوآله في الحديث والأثر
المبحث الأوّل : الأحاديث الصريحة بالوصية
تمهيد :
إن الإمامة رئاسة عامة في اُمور الدين والدنيا نيابةً عن النبي صلىاللهعليهوآله (١) ، ووجوبها في كل زمان أمرٌ توافقت عليه كلمة الاُمّة بكلّ فصائلها (٢) ، لكنهم اختلفوا في السبيل المؤدّي إليها ؛ فذهب أغلب الفرق إلى أن الأمر محصور في قريش ، وللمسلمين أن يختاروا من قريش ما شاءوا ، وذهب الخوارج إلى أن الأمر متروك للمسلمين في أن يختاروا من بينهم مَن يرونه أهلاً للامامة من قريش أو غيرها.
وتعتقد الإمامية أن الإمامة منصب إلهي لا يُنال إلاّ بتعيين من السماء ، وبنصّ النبي المرسل ، وأن ذلك من صميم واجب النبي صلىاللهعليهوآله ؛ لأنه بُعِث رحمةً للعالمين ، فلابدّ أن يعهد إلىٰ من يأتمنه علىٰ دين الله ورسالة ربّه ، ليقوم بأمرهم من بعده ، ويجمع كلمتهم ، وينظم أمرهم ، ويرفع أسباب الخلاف من بينهم.
__________________
(١) الإمامة في أهم الكتب الكلامية / الميلاني : ٤٤ و ١٥١.
(٢) الفصل في الملل والنحل / ابن حزم ٤ : ٨٧.
وأجمعوا على أن الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآله قد بلّغ ما اُنزل إليه من ربّه تمام البلاغ ، وأنه لم يفارق الاُمّة حتىٰ أرشدهم إلىٰ وصيه من بعده ، ونصّ على أخيه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في مناسبات عديدة ومواضع شتىٰ ، لتعميق وعي الاُمّة في هذا الاتجاه ، وتأصيل هذا المبدأ في حركتها ووجدانها. ولهم في هذا الاتجاه أحاديث وآثار صريحة في هذا المعنىٰ ، نذكر منها :
أولاً ـ الأحاديث النبوية
هناك مزيد من الأحاديث النبوية المصرحة بالوصية ، وقد بلغت من الكثرة بحيث أفردها بعض الأعلام بتصنيف خاص (١).
وفيما يلي نذكر أهم الأحاديث الصريحة بذكر الوصية لأمير المؤمنين علي عليهالسلام ونحرص على أن تكون من مصادر العامة :
١ ـ روىٰ كثير من المحدثين والمؤرخين وأصحاب السير حديث الدار الشريف وهو صريح بالايصاء والاستخلاف معاً ، وقصة الحديث : أنه في بدء الدعوة الإسلامية ، وبعد نزول قوله تعالىٰ : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٢) دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله بني عبد المطلب إلىٰ دار عمّه أبي طالب مرّتين ، وبعد أن أطعمهم وسقاهم توجّه إليهم قائلاً : « يا بني عبد المطلب ، والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم ، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالىٰ أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني علىٰ هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ » وفي رواية : « وخليفتي من بعدي ».
__________________
(١) راجع الفقرة ( خامساً ) من هذا المبحث بعنوان ( مدوّنات في الوصية ).
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٤.
فأحجم القوم عنها جميعاً ، فقال علي عليهالسلام وكان أحدثهم سناً : « أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه » فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله برقبته ، ثم قال : « ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا » فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (١) !
٢ ـ وعن أنس بن مالك ، قال : قلنا لسلمان : سل النبي صلىاللهعليهوآله عن وصيه ، فقال له سلمان : يا رسول الله ، من وصيك ؟ قال : « يا سلمان من كان وصيّ موسىٰ ؟ » قال : يوشع بن نون. قال : « فان وصيي ووارثي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب » (٢).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٢ : ٢١٧ ، تهذيب الآثار ( مسند الإمام علي عليهالسلام ) / الطبري : ٦٢ ـ ٦٣ القاهرة ، الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٦ ـ ٥٨٧ ، مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور ١٧ : ٣١٠ ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٤٠٤ ه ، السيرة الحلبية / برهان الدين الحلبي ١ : ٤٦١ ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ١٤٠٠ ه ، معالم التنزيل / البغوي ٤ : ٢٧٨ تفسيرالخازن ٣ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ ـ دار المعرفة ـ بيروت ، شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٠ و ٢٤٤ وصححه أبو جعفر الإسكافي ، شواهد التنزيل ١ : ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ، كنز العمال ١٣ : ١٣١ / ٣٦٤١٩ أخرجه عن ابن اسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم والبيهقي معاً في ( الدلائل ). وأخرجه الشيخ الأميني من عدّة مصادر اُخرىٰ في الغدير ٢ : ٣٩٤ ـ ٤٠٨ ـ مركز الغدير ـ قم ـ ١٤١٦ ه.
(٢) فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٢ : ٦١٥ / ١٠٥٢ ـ مركز البحث العلمي ـ مكة المكرمة ـ ١٤٠٣ ه ، الرياض النضرة / المحبّ الطبري ٣ : ١١٩ ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ١٤١٨ ه ، ذخائر العقبي / المحبّ الطبري : ٧١ فصل ذكر اختصاصه عليهالسلام بالوصاية والإرث ـ دار المعرفة ـ بيروت ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٤٨ ، كفاية الطالب / الكنجي : ٢٩٢ ـ باب (٧٤) ـ دار إحياء تراث أهل
وفي رواية : « إن وصيي وموضع سري ، وخير من أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني ، علي بن أبي طالب » (١).
٣ ـ وعن بريدة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لكلّ نبي وصيّ ووارث ، وإنّ علياً وصيي ووارثي » (٢).
٤ ـ وعن أبي أيوب الأنصاري ، قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله مرض مرضةً ، فدخلت عليه فاطمة صلّى الله عليها تعوده وهو ناقه من مرضه ، فلما رأت ما برسول الله من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتىٰ خرجت دمعتها ، فقال لها : « يا فاطمة ، إن الله عزّوجلّ اطلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك ، فبعثه نبياً ، ثم اطلع إليها ثانيةً فاختار منها بعلك ، فأوحى إليّ فأنكحته واتخذته وصياً ».
إلى أن قال : « يا فاطمة ، إنا أهل بيت اُعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا الآخرين قبلنا : نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك ، ووصينا خير
__________________
البيت عليهمالسلام ـ ط ٣ ـ طهران ـ ١٤٠٤ ه ، مجمع الزوائد / الهيثمي ٩ : ١١٣ ـ مؤسسة المعارف بيروت ـ ١٤٠٦ ه.
(١) المعجم الكبير / الطبراني ٦ : ٢٢١ / ٦٠٦٣ ـ دار إحياء التراث العربي ـ ١٤٠٤ ه ، جامع المسانيد والسنن / ابن كثير ٥ : ٣٨٣ / ٣٦٣٣ ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٤١٥ ه ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٦ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد / المتقي الهندي ٥ : ٣٢ ـ دار الفكر ـ بيروت.
(٢) تاريخ دمشق / ابن عساكر ٤٢ : ٣٩٢ ـ دار الفكر ـ ١٤١٥ ه ، الرياض النضرة ٣ : ١١٩ ، ذخائر العقبي : ٧١ مناقب علي عليهالسلام / الخوارزمي : ٤٢ ـ مكتبة نينوىٰ المدينة ـ طهران ، مناقب علي عليهالسلام / ابن المغازلي : ٢٠١ / ٢٣٨ ـ دار الأضواء ـ ١٤٠٣ ه ، فتح الباري ، ٨ : ١٥٠ ، الفردوس / الديلمي ٣ : ٣٣٦ / ٥٠٠٩ ـ دار الكتاب العربي ـ ١٤٠٧ ه ، كفاية الطالب : ٦٢٠ ، وسيلة المتعبدين / الملاّ ٥ : ١٦٢ ـ القسم الثاني ـ حيدر آباد ـ الهند ـ ١٤٠٠ ه.
الأوصياء وهو بعلك ... » (١).
وروي نحوه عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، وعلي بن علي الهلالي عن أبيه ، وغيرهم (٢).
٥ ـ وعن أنس بن مالك ، قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يا أنس ، اسكب لي وضوءاً » ثم قام فصلّى ركعتين. ثم قال : « يا أنس ، أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وخاتم الوصيين ». قال أنس : قلت : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار ـ وكتمته ـ إذ جاء عليّ. فقال : « من هذا يا أنس ؟ » فقلت : عليّ. فقام مستبشراً فاعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق علي بوجهه ، فقال علي : « يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل ؟ » قال صلىاللهعليهوآله : « وما يمنعني وأنت تؤدّي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي ؟ » (٣).
__________________
(١) المعجم الكبير / الطبراني ٤ : ١٧١ / ٤٠٤٦ و ٤٠٤٧ ، المناقب / ابن المغازلي : ١٠١ / ١٤٤ ، المناقب / الخوارزمي : ٦٣ ، مجمع الزوائد ٨ : ٢٥٣ ، كفاية الطالب : ٢٩٦ ـ باب (٧٧) ، كنز العمال ١١ : ٦٠٤ / ٣٢٩٢٣ ، منتخب كنز العمال ـ بهامش مسند أحمد ٥ : ٣١.
(٢) المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٥٧ / ٢٦٧٥ ، مجمع الزوائد ٨ : ٢٥٣ و ٩ : ١٦٥ ، المناقب / الخوارزمي : ٢٠٦ ، مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي ٦٧ ـ مكتبة المفيد ـ قم ، ذخائر العقبي : ١٣٦ ، المناقب / ابن المغازلي : ١٥١ ، البيان في أخبار صاحب الزمان عليهالسلام / الكنجي : ٥٠٢ ـ باب (٩٠) أخرجه عن الدارقطني ـ مطبوع مع ( كفاية الطالب ) للمؤلف ـ طهران ـ ١٤٠٤ ه.
(٣) حلية الأولياء / أبو نعيم ١ : ٦٦ ـ ٦٧ ـ دار إحياء التراث العربي ـ ١٤٢١ ه ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٩ ، المناقب / الخوارزمي : ٤٢ ، كفاية الطالب : ٢١٢ ـ
٦ ـ وعن سلمان قال : سمعت حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عزوجل قبل أن يخلق آدم بأربعه عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزءين : فجزءٌ أنا وجزء عليّ » (١).
قال ابن أبي الحديد : رواه أحمد في ( المسند ) وفي كتاب ( فضائل علي عليهالسلام ) ، وذكره صاحب كتاب ( الفردوس ) وزاد فيه : « ثم انتقلنا حتىٰ صرنا في عبد المطلب ، فكان لي النبوة ، ولعليّ الوصية » (٢).
وفي لفظ آخر : « ففيّ النبوة ، وفي عليّ الخلافة » (٣).
دلالة الأحاديث
نكتفي بهذا القدر من الأحاديث النبوية المصرحة بذكر الوصية ، ونبيّن الآن دلالتها ، ونبدأ باستدلال الفاضل المقداد السيوري علىٰ خلافة علي عليهالسلام
__________________
باب (٥٤) وقال : هذا حديث حسن عال ، تاريخ دمشق / ابن عساكر ٤٢ : ٣٨٦ ـ دار الفكر ، فرائد السمطين / الجويني ١ : ١٤٥ / ١٠٩ مؤسسة المحمودي ـ ١٣٩٨ ه ، العقد الثمين / الشوكاني : ٤١ ، اليقين / ابن طاوس : ٤٧٨ ـ باب (١٨٨) دار الكتاب ـ قم.
(١) فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٢ : ٦٦٢ / ١١٣٠ ، الفردوس ٣ : ٣٣٢ / ٤٨٨٤ ، تاريخ دمشق / ابن عساكر ٤٢ : ٦٧ ، المناقب / الخوارزمي : ٨٨ ، كفاية الطالب : ٣١٥ ـ باب (٨٧) وقال : هكذا أخرجه محدث الشام في تاريخه ، في الجزء (٣٥٠) قبل نصفه ، ولم يطعن في سنده ، ولم يتكلّم عليه ، وهذا يدل علىٰ ثبوته.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٧١ ، وأخرجه ابن المغازلي في المناقب : ٨٩ / ١٣٢ ـ بلفظ : فأخرجني نبياً ، وأخرج علياً وصياً.
(٣) الفردوس ٢ : ١٩١ / ٢٩٥٢ ، المناقب / ابن المغازلي : ٨٧ / ١٣٠ ، وفي ج ٥ من نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار للسيد علي الميلاني بحث وافٍ لسند هذا الحديث ودلالته.
بالحديث الأول.
قال : قوله صلىاللهعليهوآله : « أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني » والاستدلال به من وجهين :
الأول : « أنت وصيي » وهذا لا ينكره أحد ، فأما أن يريد بذلك التصرّف في كل ما كان للنبي صلىاللهعليهوآله أن يتصرّف فيه ، أو بعضه. والثاني باطل لاطلاق اللفظ وعدم تقييده وعدم قرينة دالة على التقييد. فلو اُريد لكان تلبيساً ، وهو غير جائز منه صلىاللهعليهوآله ، فتعين الأول ، وهوالمطلوب ؛ لأنا لا نريد بالإمامة إلاّ ذلك.
والثاني : قوله « قاضي ديني » علىٰ رواية كسر الدال ، وهو صريح في خلافته عليهالسلام (١).
وفي الأحاديث الستة المتقدمة إضاءات كثيرة تدلنا علىٰ بيان متعلق وصية النبي صلىاللهعليهوآله إلى أمير المؤمنين عليهالسلام يمكن تلخيصها بالنقاط التالية :
١ ـ في الحديث الأول دلالة على أصالة مفهوم الوصية وامتداده التاريخي إلى أول البعثة النبوية المباركة ، حينما دعا النبي صلىاللهعليهوآله عشيرته الأقربين يوم الأنذار ، مما يعبّر عن أهمية هذا المفهوم وخطورته وعمقه في مسيرة الرسالة ، ويؤكد ممارسة النبي صلىاللهعليهوآله للاعداد الرسالي لشخص الوصي كي يهيئه لزعامة الأمة من بعده بأمر من الله ، لما تقدّم من أن الإمامة منصب إلهي ، ويدحض
__________________
(١) اللوامع الإلهية / الفاضل المقداد : ٢٨١ ، ونحو ذلك قال العلاّمة في كشف المراد : ٣٩٦ ( منشورات شكوري ـ قم ) في رواية كسر الدال ، وقال الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي ( ٢ : ١٦٦ ـ دار الكتب الإسلامية ـ قم ) : وفي بعض الروايات « وقاضي ديني » بكسر الدال ، وهذه الرواية صريحة بالإمامة ؛ لأن القاضي بمعنى الحاكم ، وإذا كان حاكماً في جميع الدين ، فهو الإمام.
حجّة القائلين بأن متعلق الوصية لا يتجاوز رعاية الأولاد والأهل وقضاء الديون وغيرها من العهود الواردة في الوصايا العامة.
٢ ـ وفي الحديث الرابع دلالة على أن اختيار الوصي هو اختيار إلهي لا يتدخل فيه أحد ، فهو تعالىٰ يختار النبي صلىاللهعليهوآله من بين أهل الأرض كافة ، ثم يختار الوصي على نسق اختيار النبي ، ثم يوحي إلى النبي بتعيينه خليفةً من بعده ، وليس ثمة خليفة للنبي غير وصيه.
ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ابن اسحاق في سيرته عن سلمان رضياللهعنه أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله إنه ليس من نبي إلاّ وله وصيّ وسبطان ، فمن وصيك وسبطاك ؟ فلم يجبه صلىاللهعليهوآله ... إلى أن قال : « سألتني عن شيء لم يأتني فيه أمر ، وقد أتاني أن الله عزّوجل قد بعث أربعة آلاف نبي ، وكان أربعة آلاف وصي ، وثمانية آلاف سبط ، فوالذي نفسي بيده لأنا خير النبيين ، وإن وصيي لخير الوصيين ، وسبطاي خير الأسباط » (١).
وسنأتي علىٰ بيان دليل الاصطفاء الإلهي في شخص أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام في مبحث خاص من هذا الفصل.
٣ ـ تشتمل الأحاديث المتقدمة على جملة أدلة جلية على أن المراد بلفظ الوصي هو القائد الرسالي والخليفة الذي يلي الرسول صلىاللهعليهوآله في اُمته.
منها : اقتران لفظ الوصي الوارد في الأحاديث بألفاظ اُخرىٰ تدلّ على المضمون السياسي والقيادي ، كالخليفة والوزير وموضع السرّ وقاضي الدين ومنجز الوعد وغيرها.
__________________
(١) سيرة ابن إسحاق : ١٢٤ ـ ١٢٥ ـ دار الفكر ـ بيروت.
ومنها : التأكيد علىٰ وجوب الطاعة للوصي بقوله صلىاللهعليهوآله : « اسمعوا له وأطيعوا » كما في الحديث الأول ، هذا الوجوب من مقتضيات الإمامة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (١).
ويدلّ عليه أيضاً ما رواه أبو ذر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصىٰ علياً فقد عصاني » (٢).
ومنها : التأكيد على الوظائف القيادية للإمام مثل « تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي ».
ويدلّ عليه ما جاء في الصحيح عن أنس : أن النبي صلىاللهعليهوآله قال لعلي : « أنت تبين لأُمتي ما اختلفوا فيه بعدي» (٣).
ومنها : التأكيد علي الخصال القيادية للوصي ومنها كونه موضع سرّ النبي صلىاللهعليهوآله وخير من يترك بعده ، وكونه عليهالسلام خير الأوصياء وخاتمهم. وجميع ذلك من الدلالات الالتزامية على أن لفظ الوصي لا ينفك عن معنى الإمامة والخلافة.
ثانياً : أحاديث أهل البيت عليهمالسلام
جاءت أحاديث أهل البيت عليهمالسلام لتؤكد بأن أمير المؤمنين علياً عليهالسلام هو خاتم الوصيين وسيدهم ، وأول المؤمنين بالله ، ووارث النبوة ، وتصرّح بعمق وجود الوصي في تاريخ الرسالة ، فقد كان يرى مع رسول الله صلىاللهعليهوآله الضوء قبل
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٥٩.
(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢١ و ١٢٨وصححه.
(٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٢ ـ وصححه علىٰ شرط الشيخين.
الرسالة ويسمع الصوت.
كما ركّزت على بيان فضل أهل البيت عليهمالسلام وأن لهم حق الوصية والوراثة ، ولهم خصائص حق الولاية ، ولا يقاس بهم أحد من أفراد الاُمّة ، وأنهم أهل رسول الله صلىاللهعليهوآله وأولياؤه وأوصياؤه وورثته وأحقّ الناس بمقامه ، وفيما يلي بعض نصوصها :
١ ـ عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض خطبه : « أيها الناس ، اسمعوا قولي واعقلوه عني ، فإن الفراق قريب ؛ أنا إمام البرية ، ووصي خير الخليقة ، وزوج سيدة نساء الاُمّة ، وأبو العترة الطاهرة والأئمة الهادية. أنا أخو رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيه ووليه ووزيره وصاحبه وصفيه وحبيبه وخليله. أنا أمير المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وسيّد الوصيين » (١).
٢ ـ وعن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، قال : كتب عليُّ عليهالسلام إلىٰ محمد بن أبي بكر وأهل مصر .. وذكر الكتاب ، وممّا جاء فيه موضّحاً الفرق بين نفسه المقدّسة وبين معاوية الوغد الزنيم : « وتأمّلوا واعلموا أنه لا سوى إمام الهدى وإمام الردى ، ووصيّ النبيّ وعدوّ النبي ، جعلنا الله وإياكم ممن يحبّ ويرضىٰ .. » (٢).
ورواه الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي إسحاق الهمداني (٣).
٣ ـ وعن حكيم بن جبير ، قال : خطب علي عليهالسلام فقال في أثناء خطبته : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد قبلي ولا بعدي إلاّ كذب ، ورثت نبي
__________________
(١) الفقيه / الصدوق ٤ : ٣٠١ / ٩١٤.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٧١.
(٣) الأمالي / الطوسي : ٣٠ / ٣١ ـ مؤسسة البعثة ـ قم.
الرحمة ، ونكحت سيدة نساء هذه الاُمّة ، وأنا خاتم الوصيين » (١).
٤ ـ وحينما ناظر عبد الله بن عباس الخوارج ، كان من جملة قولهم : وزعم أنه وصيّ ، فضيّع الوصية. فأجابهم أمير المؤمنين عليهالسلام : « وأمّا قولكم : إني كنت وصياً فضيعت الوصية ، فإن الله عزّوجلّ يقول : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (٢) أفرأيتم هذا البيت لو لم يحجُج إليه أحد ، كان البيت يكفر ؟ إن هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلاً كفر ، وأنتم كفرتم بترككم إياي ، لا أنا كفرتُ بتركي لكم » (٣).
وممّا يعزّز جواب أمير المؤمنين عليهالسلام قول النبي صلىاللهعليهوآله له عليهالسلام : « يا علي أنت بمنزلة الكعبة تؤتىٰ ولا تأتي » (٤) فواجب على الناس أن يقصدوه ولا يقصد هو أحداً ، وأن يسألوه ولا يسأل أحداً ، ويمتارون منه العلم ولا يمتار من أحد.
٥ ـ وقال عليهالسلام في خطبة له : « لا يقاس بآل محمد صلىاللهعليهوآله من هذه الاُمّة أحد ، ولا يسوّي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة » (٥).
٦ ـ وعن زيد بن الحسن وعلي بن الحسين عليهالسلام ، قال : خطب الحسن عليهالسلام
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٨٧.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٩٧.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٩٣ ـ دار صادر ـ بيروت.
(٤) اسد الغابة ٤ : ١٢٢.
(٥) نهج البلاغة : ٤٧ / الخطبة (٢).
الناس حين قُتل علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فحمد الله وأثنىٰ عليه ، وممّا جاء في خطبته : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا أبن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ... » (١).
وعن أبي الطفيل ، قال : خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب ، فحمد الله وأثنىٰ عليه ، وذكر أمير المؤمنين علياً رضياللهعنه خاتم الأوصياء ووصيّ سيد الأنبياء وأمين الصدّيقين والشهداء ... ثم ذكر الخطبة بطولها (٢).
٧ ـ وخاطب الإمام الحسين الشهيد عليهالسلام في العاشر من المحرم سنة ٦١ ه أهل الكوفة قائلاً : « أما بعد ، فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى انفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيكم صلىاللهعليهوآله ، وابن وصيه ، وابن عمّه ، وأول المؤمنين بالله ، والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه ؟ » (٣).
٨ ـ وعن أبي عثمان النهدي : أن الحسين عليهالسلام كتب إلىٰ رؤوس الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف ، كتاباً وأرسله مع سليمان مولاه ، جاء فيه : « أما بعد ، فإنّ الله اصطفىٰ محمّداً صلىاللهعليهوآله على خلقه ، وأكرمه بنبوته ، واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده ، وبلّغ ما أُرسِل به صلىاللهعليهوآله ، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته ، وأحقّ الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا
__________________
(١) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٧٢ ، ذخائر العقبيٰ : ١٣٨ ، الذرية الطاهرة / الدولابي : ١١٠ / ١١٤ ـ جماعة المدرسين ـ قم.
(٢) مجمع الزوائد ٩ : ١٤٩.
(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢٤ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٤١٩ حوادث سنة ٦١ ه.
بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة ، وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحقّ علينا ممَن تولاّه ... » (١).
٩ ـ وأخرج العلاّمة إبراهيم بن محمّد الصنعاني في كتابه ( إشراق الاصباح ) عن محمد بن علي الباقر ، عن آبائه عليهمالسلام ، عنه صلىاللهعليهوآله من حديث طويل ، وفيه : « وهو ـ يعني علياً ـ وصيي ووليي» (٢).
١٠ ـ وعن جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام ، قال : « كان علي عليهالسلام يرىٰ مع رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت ، وقال له صلىاللهعليهوآله : لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوة ، فإن لا تكن نبياً فإنك وصيّ نبي ووارثه ، بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء » (٣).
ثالثاً : أحاديث الصحابة
أكّدت أحاديث وأقوال الصحابة وغيرهم على أن أمير المؤمنين عليهالسلام هو وصي سيد المرسلين وأخوه ووزيره وخليفته من بعده ، والمطّلع علىٰ سرّه ، ووراث علمه والإمامة من بعده ، وقاضي دينه ومنجز وعده ، وأوّل الناس اتباعاً له ، وأقربهم عهداً به ، وأنه وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، والصدّيق الأكبر الذي كملت به الفضائل والسابقة والقرابة ، وأن أولاده المعصومين هم الأوصياء بعده.
وهي بمجموعها شهادات ضافية من عمق التاريخ الإسلامي تكشف عن أصالة مبدأ الوصية وشدّة ارتباطه بوجدان الأُمة منذ الرعيل الأول وحتى
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٥٧.
(٢) العقد الثمين / الشوكاني : ٤١.
(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٠.
اليوم ، كما تعكس مدى اهتمام النبي صلىاللهعليهوآله وحرصه علىٰ تبليغ هذا الأمر الخطير الذي يتعلّق بمستقبل الرسالة وديمومتها ، وفيما يلي نذكر بعضها :
١ ـ عن عطاء ، قال : سألت جابر بن عبد الله ، ما كانت منزلة علي بن أبي طالب رضياللهعنه فيكم ؟ قال : منزلة الوصي ... (١).
٢ ـ وكتب محمّد بن أبي بكر إلىٰ معاوية بن أبي سفيان في جواب رسالة له : فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ ، وهو وارث رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيه ، وأبو ولده ، أول الناس له اتّباعاً ، وأقربهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويطلعه على أمره ، وأنت عدّوه وابن عدوّه ... (٢).
٣ ـ وكان أبو ذرّ رضياللهعنه يقعد في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله أيام عثمان ويخطب الناس ، وكان من جملة قوله : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣) محمّد صلىاللهعليهوآله الصفوة من نوح ، فالأول من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد صلىاللهعليهوآله ... هم فينا كالسماء المرفوعة ، وكالكعبة المستورة ، أو كالقلبة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجر الزيتونة أضاء زيتها ، وبورك زبدها ، ومحمّد صلىاللهعليهوآله وارث علم آدم وما فُضّل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصيّ محمّد صلىاللهعليهوآله ، ووارث
__________________
(١) تاريخ واسط / الرزاز / ١٥٤ ـ عالم الكتب ـ بيروت ـ ١٤٠٦ ه.
(٢) مروج الذهب / المسعودي ٣ : ١٢ ـ دار الهجرة ـ قم ـ ط ٢ ـ ١٤٠٤ ه ، وقعة صفين / نصر بن مزاحم : ١١٩ ـ المؤسسة العربية الحديثة ـ مصر ، شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٨٩.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٣٣ و ٣٤.
علمه ، أيتها الاُمة المتحيرة بعد نبيها ، أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم ، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم (١) ... إلى آخر كلامه الذي يدّل على أنه لا يريد بلفظ الوصي غير الخليفة الذي يلي الأمر بعد الرسول صلىاللهعليهوآله .
٤ ـ وعن الفضل بن العباس بن ربيعة ، قال : كبّر معاوية لما بلغه وفاة الحسن عليهالسلام ، وكبّر أهل الخضراء ثمّ كبّر أهل المسجد ، فدخل عبد الله بن عباس على معاوية فقال له : علمت ـ يا بن عباس ـ أن الحسن توفي ؟ قال : ألذلك كبّرت ؟ قال : نعم. قال ابن عباس : أما والله ما موته بالذي يؤخّر أجلك ، ولا حفرتك بسادّة حفرته ، ولئن أُصبنا به فقد أُصبنا قبله بسيّد المرسلين وإمام المتقين ورسول ربّ العالمين ، ثمّ بعده بسيّد الأوصياء ، فجبر الله تلك المصيبة ، ورفع تلك العثرة ... (٢).
٥ ـ وقال عبد الله بن عباس رضياللهعنه في جوابه لكتاب معاوية : وأما قولك : إني لو بايعني الناس لأسرعت إلىٰ طاعتي ، فقد بايع الناس علياً ، وهو أخو رسول الله ، وابن عمّه ، ووصيه ، ووزيره ، وهو خير منّي ، فلم تستقم له ... (٣).
٦ ـ وقال حجر بن عدي وجماعة ممن كان معه حين خيّروهم بين القتل أو البراءة من أمير المؤمنين عليهالسلام : إن الصبر علىٰ حدّ السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه ، ثمّ القدوم على الله وعلى نبيّه وعلىٰ وصيه أحبّ إلينا من دخول النار (٤).
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧١.
(٢) مروج الذهب ٢ : ٤٣٠.
(٣) الفتوح / ابن أعثم ـ المجلد الثاني : ١٥٠ ـ دار الكتب العلمية ـ ط ١ ـ ١٤٠٦ ه.
(٤) مروج الذهب ٣ : ٤.
٧ ـ وخرج طارق بن شهاب الأحمسي (١) يستقبل علياً عليهالسلام وقد صار بالربذة طالباً عائشة وأصحابها ، فقال : أأدعُ علياً ، وهو أول المؤمنين إيماناً بالله ، وابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيه ... (٢).
٨ ـ ولما جمع علي عليهالسلام الناس بالكوفة وخاطبهم بشأن المسير إلىٰ صفين لحرب معاوية ، قام عمرو بن الحمق الخزاعي (٣) وخاطبه بقوله : والله ـ يا أمير المؤمنين ـ إني ما أحببتك ولا بايعتك علىٰ قرابةٍ بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان ترفع ذكري به ، ولكنني أحببتك بخصال خمس : أنك ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ووصيه ، وأبو الذريّة التي بقيت فينا من رسول الله صلىاللهعليهوآله وأسبق الناس إلى الإسلام ، وأعظم المهاجرين سهماً في الجهاد (٤).
٩ ـ وعن أبي مخنف ، قال : لما بلغ حذيفة بن اليمان (٥) أن علياً عليهالسلام قد قدم ذا قار واستنفر الناس ، دعا أصحابه فوعظهم ، وذكّرهم الله ، وزهدّهم في الدنيا ، ورغّبهم في الآخرة ، ثمّ قال : الحقوا بأمير المؤمنين ، ووصيّ سيد المرسلين ، فإنّه من الحقّ أن تنصروه (٦).
١٠ ـ وجاء في كتاب عمرو بن العاص إلى معاوية حين دعاه إلىٰ مؤازرته في محاربة إمام الهدىٰ علي عليهالسلام : فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من
__________________
(١) صحابي ، ترجم له ابن الأثير في اُسد الغابة ٣ : ٦٧.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٦.
(٣) صحابي ، راجع : اُسد الغابة ٤ : ٢٣٠.
(٤) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٨١.
(٥) صحابي ، راجع : اُسد الغابة ١ : ٥٧٢.
(٦) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٨.
عنقي ، والتهوّر في الضلالة معك ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو أخو رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ووصيه ، ووارثه ، وقاضي دينه ، ومنجز وعده ، وصهره على ابنته سيدة نساء العالمين ، وأبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، فلن يكون ، أمّا ما نسبت أخا رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيه إلى البغي والحسد لعثمان ، وسميّت الصحابة فَسقَة ، وزعمت أنه أشلاهم علىٰ قتله ، فهذا كذب وغواية (١) .
ولكن لم يلبث ابن النابغة إلاّ وقد ربط مصيره مع ابن هند في حرب الوصيّ عليهالسلام.
١١ ـ وقال مالك بن الحارث الأشتر النخعي رضياللهعنه ، في خطبةٍ له عند بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام : أيها الناس ، هذا وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، العظيم البلاء ، الحسن العناء ، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ، ورسوله بجنة الرضوان ، من كملت فيه الفضائل ، ولم يشكّ في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل (٢).
رابعاً : الأوصياء اثنا عشر
بيّن النبي المصطفى صلىاللهعليهوآله خلفاءه من بعده في حديث متفق عليه بين كل فصائل الاُمة ، حيث قال صلىاللهعليهوآله : « إني تارك فيكم الثقلين ـ أو خليفتين ـ كتاب الله ، وعترتي أهل بتي ، وانهما لن يفترقا حتىٰ يردا عليّ الحوض » (٣).
__________________
(١) المناقب / الخوارزمي : ١٢٩ ، تذكرة الخواص : ٨٦.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٩.
(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ و١٨٧٤ ـ كتاب فضائل الصحابة ، سنن الترمذي
فهما خليفتان تجمعهما خصلتان : العصمة ، والبقاء إلىٰ قيام الساعة ، والعترة هم أئمة أهل البيت عليهمالسلام دون سواهم ، فقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام في أحد خطبه : « ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر ، وأترك فيكم الثقل الأصغر» (١).
ثمّ صرّح النبي صلىاللهعليهوآله بعدد خلفائه من عترته فذكر أنهم كعدّة نقباء بني إسرائيل ، وأكّد علىٰ تواصلهم مع الأُمّة إلىٰ قيام الساعة ، حيث جاء في الصحيح أنه صلىاللهعليهوآله قال : « لا يزال الدين قائماً حتىٰ تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش » (٢).
كما عيّن أسماءهم ورتّبهم مراتبهم ابتداءً من أولهم ، وهو أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام ، وانتهاءً إلى آخرهم وهو الإمام الحجّة المنتظر صاحب الزمان ( عجل الله تعالىٰ فرجه ) في عدّة نصوص صحيحة مروية عنه صلىاللهعليهوآله .
قال الشيخ الصدوق : قد وردت الأخبار الصحيحة بالأسانيد القوية أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أوصىٰ بأمر الله تعالىٰ إلىٰ علي بن أبي طالب ، وأوصىٰ علي بن أبي
__________________
٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ و ٦٦٣ / ٣٧٨٨ ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، مصابيح السنة / البغوي ٤ : ١٨٥ / ٤٨٠٠ و ١٩٠ / ٤٨١٦ ، فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٦٠٣ / ١٠٣٥ ، مسند أحمد ٣ : ١٤ و١٧ ، ٤ : ٣٦٧ و ٣٧١ و ٥ : ١٨٢ و ١٨٩.
(١) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : ١١٩ / خ ٨٧.
(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٣ ـ كتاب الامارة ، سنن أبي داود ٤ : ١٠٦ / ٤٢٨٠ ـ دار إحياء السنة النبوية ، مصابيح السنة / البغوي ٤ : ١٣٧ / ٤٦٨٠ ـ دار المعرفة ـ ط ١ ـ ١٤٠٧ ه ، جامع الأصول / الجزري ٤ : ٤٤٠ / ٤٤٢ ـ دار إحياء التراث العربي ـ ط ٤ ـ ١٤٠٤ ه.