وصية النبي صلّى الله عليه وآله

علي موسى الكعبي

وصية النبي صلّى الله عليه وآله

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-425-6
الصفحات: ١٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وزير النبيّ وذو صهره

وخير البرية في العالمِ (١)

ومما قيل على لسانه أيضاً :

أتانا الرسول رسول عليّ

فسرّ بمقدمه المسلمونا

رسول الوصيِّ وصيِّ النبيّ

له السبق والفضل في المؤمنينا

وزير النبيّ وذو صهره

وسيف المنية في الظالمينا (٢)

٢ ـ جرير بن عبد الله البجلي (٣)

قال حينما ورده كتاب علي عليه‌السلام بعد البيعة :

فصلى الاله على أحمدٍ

رسول المليك تمام النِّعمْ

وصلى على الطهر من بعده

خليفتنا القائم المدّعمْ

علياً عنيت وصيّ النبيّ

يجالد عنه غواة الأممْ

له الفضل السبق والمكرما

ت وبيت النبوة لا يُهتضمْ (٤)

__________________

(١) وقعة صفّين : ٢٤ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٨ ، المناقب / لابن شهر آشوب ٣ : ٦١.

(٢) وقعة صفّين : ٢٣ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٧.

(٣) من أعيان الصحابة ، سكن الكوفة ، وقدم الشام برسالة أمير المؤمنين عليه‌السلام إلىٰ معاوية ، والتحق بمعاوية الطليق ، وتوفي سنة ٥٤ ه‍. الاصابة ١ : ٢٣٢ / ١١٣٦ ، سير أعلام النبلاء / الذهبي ٢ : ٥٣٠ / ١٠٨ ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه‍ ، معجم رجال الحديث / السيد الخوئي ٤ : ٤١ ـ بيروت ـ ط ٣ ـ ١٤٠٣ ه‍.

(٤) الفتوح / أبن اعثم ٢ : ٣٠٥ ، وقعة صفين : ١٨ ، مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٦٣ ، الفصول المختارة : ٢١٨ و ٢٣٥ ، وفي شرح نهج البلاغة ١ : ١٤٧ منسوب إلىٰ زحر ابن قيس.

١٠١

وكان فيما كتب إلىٰ شرحبيل بن السمط الكندي رئيس اليمانية ، وكان من أصحاب معاوية :

شرحبيل يا بن السمط لا تتبع الهوى

فمالك في الدنيا من الدين من بدلْ

إلى أن يقول :

وما لعليّ في ابن عفان سقطةٌ

بأمرٍ ولا جلبٌ عليه ولا قَتَلْ

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه الحامي به يُضرَب المَثَلْ (١)

٣ ـ حجر بن عدي الكندي (٢)

أنشد في يوم الجمل :

يا ربّنا سلّم لنا عليا

سلّم لنا المهذّب النقيا

المؤمن المسترشد المرضيا

واجعله هادي اُمةٍ مهديا

لا أخطل الرأي ولا غبيا

واحفظه ربّ حفظك النبيا

فانه كان له وليا

ثمّ ارتضاه بعده وصيا (٣)

وفي البيت الأخير دلالة واضحة على أن معنى الوصية الخلافة ولا يمكن

__________________

(١) وقعة صفين : ٤٨ ـ ٤٩ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٩.

(٢) كان من خيار الصحابة ، ويسمّي حجر الخير ، وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد القادسية ، وكان رئيساً قائداً شجاعاً ، عابداً زاهداً مستجاب الدعوة ، عارفاً بالله ، مطيعاً له ، مجاهراً بالحق ، مقاوماً للظلم ، شهد الجمل وصفين مع أمر المؤمنين عليه‌السلام ، وقتله معاوية الوغد اللئيم صبراً في مرج عذراء مع أصحابٍ له سنة ٥١ ه‍. اُسد الغابة ١ : ٥٦٥ / ١٠٩٣ ، أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين ٧ : ٣٠٢ ـ دار التعارف ـ بيروت ـ ١٤٢٠ه‍ ، الأعلام / الزركلي ٢ : ١٦٩ ـ دار العلم للملايين ـ بيروت.

(٣) وقعة صفين : ٣٨١ ، الفتوح / ابن أعثم ٣ : ١٤٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٥.

١٠٢

صرفه أوتأويله إلى معنى آخر.

٤ ـ حسان بن ثابت الأنصاري (١)

قال يمدح علياً عليه‌السلام على لسان الأنصار :

جزى الله عنا والجزاء بكفّه

أبا حسنٍ عنّا ومن كأبي حسن

سبقت قريشاً بالذي أنت أهله

فصدرك مشروح وقلبك ممتحنْ

غضبت لنا إذ قام عمروٌ بخطبة

أمات بها التقوى وأحيا بها الإحنْ

حفظت رسول الله فينا وعهده

إليك فمن أولى به منك مَن ومَنْ

ألست أخاه في الهدى ووصيّه

وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن (٢)

٥ ـ خزيمة بن ثابت الأنصاري (٣)

قال في أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فديت علياً إمام الورى

سراج البرية مأوى التقى

وصيّ الرسول وزوج البتول

إمام البرية شمس الضحىٰ (٤)

وقال في بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١) من أعيان الصحابة ، شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، توفي قبل الأربعين للهجرة ، وقيل غير ذلك. راجع : اُسد الغابة ١ : ٧ / ١١٥٣.

(٢) الأخبار الموفقيات / الزبير بن بكار : ٥٩٨ ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم ـ ١٤١٦ه‍ ، شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٣٥ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٢٨.

(٣) صحابي جليل ، معروف بذي الشهادتين ، شهد بدراً والمشاهد كلها ، وشهد الجمل وصفين مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام واستشهد في صفين سنة ٣٧ ه‍. اُسد الغابة ٢ : ١٦٤ / ١٤٤٦.

(٤) أخبار شعراء الشيعة / المرزباني : ٤٢ الطبعة (٢) ١٤١٣ ه‍ ـ شركة الكتبي ـ بيروت ، المناقب / لابن شهر آشوب ٣ : ٩.

١٠٣

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا

أبو حسنٍ مما نخاف من الفتنْ

وصي رسول الله من دون أهله

وفارسه قد كان في سالف الزمنْ (١)

وقال في أبيات يخاطب بها عائشة يوم الجمل :

أعائش خلّي عن عليّ وعيبه

بما ليس فيه إنّما أنت والدهْ

وصيّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهدهْ (٢)

وقال في يوم الجمل أيضاً :

يا وصيّ النبي قد أجلتِ الحر

ب الأعادي وسارت الأظعانُ

وأستقامت لك الاُمور سوى الشا

م وفي الشام يظهر الاذعانُ (٣)

٦ ـ زحر بن قيس بن مالك الجعفي (٤)

أضربكم حتى تقرّوا لعلي

خير قريش كلّها بعد النبي

من زانه الله وسماه الوصي

ان الولي حافظ ظهر الولي

كما الغوي تابع أمر الغوي (٥)

__________________

(١) المستدرك / الحاكم ٣ : ١٢٤ / ٤٥٩٥ ، الفتوح / لابن أعثم ٢ : ٢٧٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٣١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٦ ، والبيت شاهد علىٰ مستوىٰ عائشة من الحقّ والدين.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٦.

(٤) له إدراك ، وكان من الفرسان ، وكان مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، فاذا نظر إليه قال : من سرّه أن ينظر الى الشهيد الحيّ فلينظر إلىٰ هذا ، واستعمله أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام على المدائن. الإصابة ١ : ٥٧٦ / ٢٩٦٦.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٧.

١٠٤

٧ ـ زُفَر بن زيد الأسدي (١)

وقال حينما رأىٰ تنكّب الناس عن وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

فحوطوا علياً واحفظوه فإنه

وصيّ وفي الإسلام أول أولُ

وأن تخذلوه والحوادث جمّةٌ

فليس لكم عن أرضكم متحولُ (٢)

٨ ـ زياد بن لبيد الأنصاري (٣)

قال يوم الجمل وقد شهدها مع علي عليه‌السلام :

كيف ترى الأنصار في يوم الكلبْ

إنا اُناس لا نبالي من عطبْ

ولا نبالي في الوصيّ من غضبْ

وأنّما الأنصار جدّ لا لعبْ

هذا عليّ وابن عبد المطلبْ

ننصره اليوم علىٰ من قد كذبْ (٤)

يعني : علىٰ عائشة وطلحة والزبير وجندهم الكذّابين الناكثين.

٩ ـ عبادة بن الصامت الأنصاري (٥)

يا للرجال أخّروا علياً

عن رتبة كان لها مرضيا

__________________

(١) صحابي ، كان سيد بني أسد في وقته ، وثبت على إسلامه حين ظهر طليحة وادّعى النبوة ، اُسد الغابة ٢ : ٣٠٦ / ١٧٥٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٣٢ ، الفصول المختارة : ٢١٨.

(٣) صحابي ، خرج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقام معه بمكّة ، حتى هاجر معه إلى المدينة ، شهد بدراً والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستعمله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على حضرموت. توفّي في أوّل أيام معاوية الوغد اللئيم. اُسد الغابة ٢ : ٣٢٥ / ١٨٠٩.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٥.

(٥) من فضلاء الصحابة ، وأحد النقباء الاثني عشر ، شهد العقبة الأولىٰ والثانية ، وشهد بدراً واُحداً والمشاهد كلّها مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، توفّي سنة ٣٤ بالرملة. اُسد الغابة ٣ : ١٥٨ / ٢٧٨٩.

١٠٥

أليس كان دونهم وصياً (١)

وفي الشطر الأخير يحتج الشاعر على الذين أخّروا عليّاً عليه‌السلام عن رتبته في الخلافة التي ارتضاها له الله تعالىٰ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بكونه وصياً من دونهم ، والوصية تقتضي التقديم ؛ لأنها لا تعني شيئاً غير الخلافة.

١٠ ـ عبد الرحمن بن حنبل (٢)

لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف موفّقا

أبا حسن فارضوا به وتمسّكوا

فليس لمن فيه يري العيب منطقا

عليّاً وصي المصطفىٰ ووزيره

وأول من صلّى لذي العرش واتّقىٰ (٣)

١١ ـ عبد الله بن أبي سفيان الهاشمي (٤)

قال في جواب الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط :

وكان ولي الأمر بعد محمدٍ

عليٌّ وفي كل المواطن صاحبه

__________________

(١) المسلك في أصول الدين / المحقق الحلي : ١٩٧ ـ استانه قدس ـ ط ١ ـ ت ١٤١٤ ه‍ ، المجموع الرائق / هبة الله الموسوي ٢ : ٥١ ـ ط ١ طهران ـ ١٤١٧ ، بيت الأحزان / عباس القمّي : ٦٨ ـ دار الحكمة ـ قم ـ ط ١ ـ ١٤١٢ه‍.

(٢) صحابي ، شاعر ، أصله من اليمن ، ومولده بمكّة ، شهد وقعة أجنادين ، شهد مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام الجمل وصفّين ، واستُشهد في صفّين سنة ٣٧ ه‍ ، الإصابة ٢ : ٣٩٥ / ٥١٠٧ ، الأعلام / الزركلي ٣ : ٣٠٥.

(٣) الفصول المختارة : ٢١٨ ، الفتوح / لابن أعثم ٢ : ٢٧٧ ، كفاية الطالب : ١٢٧ باب ٢٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٣.

(٤) هو عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، أبو الهياج ، ذكره البغوي في الصحابة ، وقال الواقدي في مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام : إن أبا الهياج قتل معه عليه‌السلام ، وكان شاعراً مجيداً ، وقد ورد مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام إلى المدائن. اُسد الغابة ٣ : ٢٦٧ / ٢٩٨٠ ، الاصابة ٣ : ٣٢٠.

١٠٦

وصي رسول الله حقاً وصنوه

وأول من صلّى ومن لان جانبه (١)

وله أيضاً ولعلّه من نفس القصيدة :

ومنّا علي ذاك صاحب خيبرٍ

وصاحب بدرٍ يوم سالت كتائبه

وصيّ النبي المصطفى وابن عمّه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه (٢)

١٢ ـ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي (٣)

قال في يوم الجمل :

يا قوم للخطّة العظمى التي حدثت

حرب الوصي وما للحرب من آسي

الفاصل الحُكم بالتقوى إذا ضربت

تلك القبائل أخماساً لأسداسِ (٤)

١٣ ـ عبد الله بن عباس بن عبد المطلب

قال في صفّين يصف أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام :

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من منازل

فدونكه إن كنت تبغي مهاجراً

أشمُّ كنصل السيف غير حلاحل (٥)

__________________

(١) الفصول المختارة : ٢١٧ و ٢٣٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٣١ ، وفي كفاية الطالب : ١٢٧ ومناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٦٤ نُسِب البيتان إلى الفضل بن العباس.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٣.

(٣) صحابي جليل ، وكان سيد قومه ، أسلم قبل الفتح ، وشهد الفتح وحنيناً والطائف وتبوك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصحب أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام فكان من أفاضل أصحابه وأعيانهم ، شهد الجمل معه عليه‌السلام ، وقُتل مع أخيه عبدالرحمٰن في صفّين سنة ٣٧ ه‍. اُسد الغابة ٣ : ١٨٤ ، ٢٨٣٢.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٦.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٥٠ ، وقعة صفين : ٤١٦ من قصيدة طويلة منسوبة

١٠٧

١٤ ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه

أنشد عليه‌السلام في صفين جواباً لعمرو بن العاص ومعاوية من قصيدة طويلة جاء فيها :

يا عجباً لقد سمعت منكراً

كذباً على الله يشيب الشعرا

يسترقّ السمع ويغشي البصرا

ما كان يرضي أحمدٌ لو خُبّرا

أن يقرنوا وصيّه والأبترا

شاني الرسول واللعين الأخزرا (١)

١٥ ـ عمرو بن العاص السهمي

من قصيدة له طويلة كتبها إلى معاوية حينما امتنع عن إرسال خراج مصر :

معاوية الحال لا تجهل

وعن سبل الحقّ لا تعدلِ

فبي حاربوا سيد الأوصياء

بقولي دمٌ طُلّ من نعثلِ (٢)

١٦ ـ قيس بن سعد بن عبادة (٣)

أنشد في الكوفة لمّا نزل الإمام الحسن عليه‌السلام وعمار رضي‌الله‌عنه يستحثّان أهل الكوفة علىٰ نصرة أمير المؤمنين عليه‌السلام في حرب الجمل :

رضينا بقَسم الله إذكان قَسمنا

علياً وأبناء الرسول محمّدِ

__________________

إلى الفضل بن العباس.

(١) الفتوح / ابن أعثم ٣ : ١٣٣ ، وقعة صفين : ٤٣ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٨ و ٢ : ٦٩.

(٢) الغدير ٢ : ١٧٣ عن عدّة مصادر.

(٣) صحابي جليل ، كان سيد الأنصار غير مدافع ، ويحمل رايتهم في مغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصحب أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام في خلافته فولاه مصر سنة ٣٦ ـ ٣٧ ، وشاركه في حروبه ، وتوفي سنة ٦٠ ه‍ بعد أن صحب الإمام الحسن عليه‌السلام. اُسد الغابة ٤ : ٤٥٠ / ٤٣٤٨ ، اعلام الزركلي ٥ : ٢٠٦.

١٠٨

وقلنا لهم أهلاً وسهلاً ومرحباً

نمدّ يدينا من هَوَىً وتودّد

أتاكم سليلُ المصطفىٰ ووصيُّه

وأنتم بحمد الله عارٍ عن الهَدِّ (١)

١٧ ـ المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب (٢)

يا عصبة الموت صبراً لا يهولكم

جيش ابن حربٍ فإنّ الحقّ قد ظهرا

فيكم وصيّ رسول الله قائدكم

وصهره وكتاب الله قد نشرا (٣)

١٨ ـ المنذر بن أبي حميصة الوادعي (٤)

قال في قصيدة أنشدها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

ليس منّا من لم يكن لك في الل‍

‍ه وليّاً ياذا الولا والوصيّهْ (٥)

١٩ ـ النعمان بن عجلان الأنصاري (٦)

قال في أمر السقيفة رادّاً علىٰ عمرو بن العاص :

وكان هواناً في عليّ وإنّه

لأهلٌ لها يا عمرو من حيث لا تدري

فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى

وينهي عن الفحشاء والنكرِ

وصيّ النبي المصطفىٰ وابن عمّه

وقاتل فرسان الضلالة والكفرِ (٧)

__________________

(١) الجمل / المفيد : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الغدير ٢ : ١٢٦ ـ ١٢٧ والهدّ : الجبان.

(٢) صحابي جليل ، ابن عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اُسد الغابة ٥ : ٢٥٩ ، الإصابة ٣ : ٤٥٢.

(٣) وقعة صفين : ٣٨٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٩.

(٤) صحابي ، أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أول من جعل سهم البراذين دون سهم العراب ، فبلغ عمر فاعجبه ، وشهد صفين مع علي عليه‌السلام. الإصابة ٣ : ٥٠٣ / ٨٤٦٥.

(٥) وقعة صفين : ٤٣٦ ، شرح ابن أبي الحديد ٨ : ٧٧.

(٦) صحابي جليل ، كان شاعر الأنصار وأحد ساداتهم ، اُسد الغابة ٥ : ٣٤٩ / ٥٢٤٧ ، الإصابة ٣ : ٥٦٢ / ٨٧٤٦.

(٧) الأخبار الموفقيات : ٥٩٣ ، شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٣١.

١٠٩

وأنشد في صفين :

كيف التفرّق والوصيّ إمامنا

لا كيف إلاّ حيرة وتخاذلا

وذروا معاوية الغوي وتابعوا

دين الوصيّ لتحمدوه آجلا (١)

٢٠ ـ أبو الهيثم بن التيّهان (٢)

قال حين مسير أمير المؤمنين عليه‌السلام لحرب البصرة :

يا وصيّ النبيّ نحن من الحقّ

على مثل بهجةٍ الإصباحِ

ليس منّا من لم يكن لك في اللّ‍

‍ه وليّاً على الهدى والفلاحِ (٣)

وأنشد في الجمل قصيدة منها :

قل للزبير وقل لطلحةَ إنّنا

نحن الذين شعارنا الأنصارُ

إنّ الوصيّ إمامنا وولينا

برح الخفاء وباحت الأسرارُ (٤)

فهذه عشرون شهادة على الوصية من عمق تاريخ الإسلام ، وكلّها علىٰ لسان الصحابة ، وقد رأينا في جملة منها ربط مفهوم الوصية بالخلافة والإمامة وولاية الأمر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بلا فصل ، ولا يمكن اتهامهم بقلّة الفهم أو

__________________

(١) وقعة صفين : ٣٦٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٩.

(٢) وهو مالك بن التيهان الأنصاري الأوسي ، صحابي جليل ، كان يقول بالتوحيد في الجاهلية ، وأحد النقباء الاثني عشر ، شهد بدراً واُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان شاعراً مجيداً ، شهد صفين مع أمير المؤمنين عليّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستشهد هو وأخوه عبيد فيها سنة ٣٧ ه‍. صفة الصفوة / ابن الجوزي ١ : ٢١٢ / ٣٤ ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ١٤٢٠ ه‍ ، اُسد الغابة ٥ : ١٥ و ٦ : ٣٤١ ، المحبّر / ابن حبيب : ٢٦٨ ـ دار الآفاق الجديدة ـ بيروت ، الاستيعاب ٣ : ٣٦٩.

(٣) الأمالي / المفيد : ١٥٥ ـ دار المفيد ـ بيروت ـ ١٤١٤ ه‍.

(٤) الفتوح / ابن أعثم ٢ : ٣٠٧ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٣.

١١٠

السذاجة ، سيّما وقد عاصروا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فكانوا أولىٰ من غيرهم في فهم مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولقد كان من بين الذين ذكروا الوصية في أشعارهم من أعداء علي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين شهروا السيف في وجهه ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، ومنهم : عاصم ابن الدلف الذي أنشد في حرب البصرة وهو أخذ بخطام جمل عائشة :

نحن بني ضبّة أعداء علي

ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي (١)

وهو يشير إلى قدم هذا المصطلح وعمق وجوده في تاريخ علي عليه‌السلام المشرق.

وفيهم أيضاً ممّن صار فيما بعد في صفّ أعداء علي عليه‌السلام كالأشعث بن قيس وعمرو بن العاص ، فكانت تلك الأشعار حجة لأمير المؤمنين عليه‌السلام يوم يلقاهما على الحوض فيذودهما عنه.

وللمتأخرين عن عصر الصحابة أشعار كثيرة في الوصية ، نذكر منهم مرتّبين علي الحروف : أبو الأسود الدؤلي ، بديع الزمان الهمذاني ، القاضي التنوخي ، الحسن بن الحجاج ، الحسن بن النضر الفهري ، ابن حماد ، الحماني ، الخطيب الخوارزمي ، ابن دريد ، دعبل بن علي الخزاعي ، ابن الرومي ، سعيد بن قيس الهمداني ، سفيان بن مصعب العبدي ، السيد الحميري ، الشريف الرضي ، الشريف المرتضىٰ ، الصاحب بن عباد ، أبو العباسي الضبي ، عبد الرحمن بن ذؤيب ، عبيد الله بن قيس الرقيات ، عثمان بن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، عمر بن حارثة الأنصاري ، عمرو بن اُحيحة ، أبو فراس الحمداني ، أبو الفضل الصنوبري ، الفضل بن العباس بن ربيعة اللهبي ، أبو القاسم الزاهي ، قطب الدين

__________________

(١) الفتوح ١ : ٤٨١ ، وفي الفتوح ٢ : ٣٢١ وشرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٤ منسوب إلىٰ غلام من بني ضبّة.

١١١

الراوندي ، كثير عزّة ، كشاجم ، الكميت الأسدي ، المأمون العباسي ، المفجع البصري ، مهيار الديلمي ، ابن منير الطرابلسي ، النجاشي ، قاضي القضاة يحيي ابن أبي المعالي محمد القرشي الأموي الشافعي (١) ، وغيرهم كثير.

* * *

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية / ابن كثير ١٣ : ٢٥٨ حوادث سنة ٦٦٨ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٢٦ ، ديوان أبي فراس : ٣١٣ ـ المستشارية الثقافية ـ سورية ـ ١٤٠٨ ه‍ ، ديوان دعبل : ١٢٩ ، ٢٢٥ ، ٢٣١ ، ٢٤٨ و ٢٦٢ ـ نشر الشريف الرضي ـ قم ، ديوان الصاحب بن عباد : ٩٦ ، ٣٠١ ـ مؤسسة قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ١٤١٢ ه‍ ، ديوان المفجع البصري : ١٣٤ ، شذرات الذهب / ابن العماد ٥ : ٣٢٨ ـ حوادث سنة ٦٦٨ ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٤ و ١٤٩ و ٦ : ٥٤ ، شرح الهاشميات / أبو رياش القيسي : ٣٣ ، الفتوح / ابن أعثم ٣ : ٢٢٦ و ٥ : ١٢٩ ، القصائد الهاشميات : ١٨ ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، الكامل في اللغة والأدب / المبرد ٢ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، مصادر نهج البلاغة / عبد الزهراء الحسيني ١ : ١٣٨ ـ ١٤٩ ، مقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي : ١٧٠ ، المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٦٢ ـ ٦٤ ، وقعة صفين : ١٣٧ و ١٤٦ و ٣٦٥ و ٣٨٢ و ٤١٦.

١١٢

الفصل الرابع :

موقف الأُمّة من الوصية

لما كانت الوصية تعني ولاية العهد والقيام بالأمر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ ما بيّناه في الفصول المتقدّمة ، وخالفها جمهور الصّحابة ... فقد أصبحت الاُمّة متفرقةً بشأنها إلىٰ ثلاث فرق :

فالفرقة الأولىٰ : هم الذين آمنوا بالوصيّة وسلّموا لأمرها ودافعوا عنها ، وحكموا بعدم شرعية السقيفة لتناسي رموزها تلك الوصية ، وهؤلاء يمثلون خطاً أصيلاً يؤمن بمرجعية الكتاب وعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلىٰ قيام يوم الدين ، تمسّكاً بوصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر حياته حيث قال : « ألا أيها الناس ، إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله ، فيه الهدىٰ والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ... وأهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكركم الله في أهل بيتي » (١).

وفي لفظ آخر : « ... ولن يفترقا حتىٰ يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما » (٢). وفي آخر : « فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم » (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ٢٤٠٨ ، كتاب فضائل الصحابة ـ بعدة طرق.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٣ / ٣٧٨٦ و ٣٧٨٨ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٨ وصححه.

(٣) المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٦٦ / ٣٦٨١ و ٥ : ١٦٧ / ٤٩٧١ ، الصواعق

١١٣

وهو واضح الدلالة على إيجاب طاعة أهل البيت عليهم‌السلام وعدم التقصير عنهم أو التقدّم عليهم ، وجعلهم مع القرآن في كفّة واحدة من حيث العصمة والعلم وبقاء المرجعية إلىٰ يوم الدين.

وهؤلاء هم الشيعة الإمامية في تاريخهم الممتد منذ فجر الرسالة وإلى اليوم ، وتابعهم بعض أعلام العامة ممن عرفوا الحقّ وساروا تحت لوائه وكل ما مرّ في الفصول السابقة من مثبتات الوصية ، من القرآن والسنّة والعقل ، والأدب والتاريخ وغير ذلك يرسم الصورة الواضحة لهذا الاتجاه.

والفرقة الثانية : هم الذين اتّبعوا أهل السقيفة وجعلوا يبرّرون عملهم ، وهؤلاء قد اختلفوا فيما بينهم في كيفيّة التبرير ورفع اليد عن أحاديث الوصيّة والتخلّي عن مضامينها المتواترة.

فمنهم من لم يجد بدّاً من الاعتراف بصحّة الأحاديث وثبوتها وبمفادها ، وهو العهد إلى الإمام عليه‌السلام ، فزعم أنه عهدٌ لا بالإمامة والولاية ، ويأتي علىٰ رأس هؤلاء غالب المعتزلة وبعض العامة الذين صحّت عندهم الطرق في رواية أحاديث الوصية ، فاضطروا إلىٰ تأويلها علىٰ ما سيأتي بيانه.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي عند شرحه لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في أهل البيت عليهم‌السلام : « وفيهم الوصية والوارثة » قال : أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليّاً عليه‌السلام كان وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد ، ولسنا نعني بالوصية النصّ والخلافة ، ولكن اُموراً اُخرىٰ لعلّها إذا

__________________

المحرقة : ١٥٠ ـ باب ١١ ـ فصل ١ ـ ، الدر المنثور / السيوطي ٢ : ٢٨٥ عند تفسير الآية ٢٠٣.

١١٤

لمحث أشرف وأجلّ (١).

وممّا لا شكّ فيه أنه ليس ثمة معنى أشرف وأجلّ من العهد بالمرجعية السياسية والفكرية والروحية له عليه‌السلام ، ولو وجد لذكره ابن أبي الحديد في معرض شرحه.

ومنهم جماعة حاولوا تحريف معنىٰ « الوصية » عن « العهد » ثمّ تحيّروا في تأويلها بما يتناسب وعقيدتهم في الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

لقد اضطرّ هذا الصنف من الناس إلى التمحّل في التأويل وصرف معنى الوصية إلىٰ غير العهد والإمرة والخلافة ، وذلك حين خانتهم محاولات التضعيف والتشكيك التي اعتمدها آخرون كما سيأتي ، حتىٰ ولو كان التأويل باهتاً ومخالفاً لاعتبارات اللغة والتاريخ والواقع ، وفيما يلي نذكر بعض تأويلاتهم :

١ ـ في تأويل المعنى اللغوي للوصي ، فحينما وجد اللغويون أن عليّاً عليه‌السلام موصوفٌ بالوصي ، راحوا يتأولون هذا اللفظ بعيداً عن معنى العهد ، حيث قالوا : والوصي كغني ، لقب علي رضي‌الله‌عنه ، سمّي به لاتصال سببه ونسبه وسمته بنسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسببه وسمته (٢) ، وذلك أمر معلوم لا يحتاج معه إلى أن ، يلقب بالوصي بسبب ذلك الاتصال.

هذا مع أن الصحابة لم يفهموا من معني الوصي إلاّ العهد بالخلافة والإمامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث قال حجر بن عدي رضي‌الله‌عنه.

يا ربّنا سلّم لنا عليّا

سلّم لنا المهذّب النقيا

فانه كان له وليا

ثم ارتضاه بعده وصيا (٣)

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٢) تاج العروس ١٠ : ٣٩٢ مادة ـ وصىٰ ـ ، لسان العرب ١٥ : ٣٩٤ مادة ـ وصىٰ ـ.

(٣) وقعة صفين : ٣٨١ ، الفتوح / ابن أعثم ٣ : ١٤٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٤٥.

١١٥

٢ ـ أوّل الطبراني مفهوم الوصية في حديث سلمان الذي رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه : « فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقتضي ديني علي بن أبي طالب ».

قال الطبراني : قوله « وصيي » يعني أنه أوصاه في أهله لا بالخلافة ، وقوله « خير من أترك بعدي » يعني من أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

ولا دليل في الحديث على اختصاص الوصية في أهله ، بل إن كونه موضع سرّه وخير من يترك بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدلالات الالتزامة على أن الوصية بالإمامة والخلافة.

ولا دليل أيضاً على اختصاص أفضليته على أهل بيته دون سواهم من الأُمّة ، وقد ثبت أنه عليه‌السلام أفضل البرية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أحاديث صحيحة لا مجال للشك والترديد فيها ، منها حديث المنزلة وحديث الطير وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير البرية » (٢) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « علي خير البشر » (٣) فضلاً عن آية المباهلة في قوله تعالى : ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) (٤) حيث دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً عليه‌السلام فحكم له بأنه نفسه (٥) ، وغير ذلك كثير (٦).

على أنه لو قلنا ـ كما زعموا ـ باختصاص أفضليته عليه‌السلام في أهل البيت عليهم‌السلام فسيكون فضل أمير المؤمنين علىٰ سائر الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوضح وأتمّ ،

__________________

(١) المعجم الكبير ٦ : ٢٢١ / ٦٠٦٣.

(٢) ترجمة علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ : ٤٤٣ / ٩٥٩ ، مناقب الخوارزمي : ٦٢.

(٣) ترجمة علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ : ٤٤٤ / ٩٦٢ ـ ٩٦٦ ، تاريخ بغداد ٧ : ٤٢١.

(٤) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.

(٥) راجع : صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣٢ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٨ / ٣٧٢٤ ، مسند أحمد ١ : ١٨٥ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٠ وغيرها.

(٦) راجع : رسالة ( التفضيل ) للشيخ المفيد ، ضمن الجزء السابع من سلسلة مؤلفاته.

١١٦

بلحاظ أفضلية أهل البيت عليهم‌السلام على الناس أجمعين ، ولو لم يكن فيهم إلاّ حديث الثقلين ، والسقيفة ، وباب حطّة ، لكفىٰ.

وخلاصة ما نقوله بشأن الطبراني وغيره ممن سيأتي : اننا نقبل منكم روايتكم ، ولا كرامة بتأويلكم.

٣ ـ أوّل المحب الطبري حديث بريدة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لكل نبي وصي ووارث ، وإن علياً وصيي ووارثي » قال : أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة ، وإن صحّ هذا الحديث ، فالتوريث محمول علىٰ ما رواه معاذ بن جبل رضي‌الله‌عنه قال : قال علي رضي‌الله‌عنه : « يا رسول الله : وما أرث منك ؟ » قال : « ما يرث النبيون بعضهم من بعض ؛ كتاب الله وسنة نبيه » حملاً للمطلق على المقيد ، وهذا توريث غير التوريث المتعارف ، فيحمل الايصاء علىٰ نحو من ذلك ؛ كالنظر في مصالح المسلمين على أي حال كان خليفة أو غير خليفة ، ومساعدة اُولي الأمر ، وذَكَر أحاديث أخرىٰ حمل عليها معنى الوصية (١).

ولا شك أن وراثة الكتاب والسنة هما من أهم لوازم الخلافة والإمامة ، فكيف يمكن أن يكونا دليلاً علىٰ عدم وراثتها ؟ وقد كان علي عليه‌السلام يقول : « ... والله إني لأخوه ووليه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي » (٢) أي في خلافته ، حيث جعل الارث العلمي واحداً من لوازم الخلافة.

أما حمل الوصية على النظر في مصالح المسلمين ومساعدة اُولي الأمر ، فإنّ الأول لا يتمكن منه إلاّ إذا كان مطلق اليد ، والثاني أمر يشترك فيه كافة المسلمين.

__________________

(١) ذخائر العقبي : ٧١ ، الرياض النضرة ٣ : ١١٩.

(٢) المتسدرك / الحاكم ٣ : ١٢٦.

١١٧

على أن القول بمساعدته عليه‌السلام أولي الأمر بموجب الوصية باطل بالضرورة إذ الثابت أن عليّاً عليه‌السلام هو ولي الأمر بحديث الغدير المتواتر ، وحاشا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا التناقض ، إذ كيف ينصبه وليّاً وخليفة على أبي بكر وعمر وسائر المسلمين ثمّ يوصّيه بمساعدة مَنْ بيعتهم فلتة إلى أبد الآبدين ؟!

قال الشوكاني في معرض ردّه علىٰ تأويل المحب الطبري : والحامل له علىٰ هذا الحمل حديث عائشة السابق ، والواجب علينا الايمان بأن علياً عليه‌السلام وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يلزمنا التعرض للتفاصيل الموصىٰ بها ، فقد ثبت أنه أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، وعينّ له علاماتهم ، وأودعه جملاً من العلوم ، وأمره باُمور خاصة ، فجَعْل الموصى بها فرداً منها ليس من دأب المنصفين (١).

٤ ـ وحذا المتأخرون حذو المتقدمين في التأويل ، ففي رواية الطبري لحديث الدار في ( تهذيب الآثار ) : « فأيكم يؤازرني على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم » ثم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ... ».

قال محقق الكتاب : ولفظ الوصي في هذه الأخبار بمعزل عمّا تقوله الشيعة من أن علياً هو الوصي ، بمعنىٰ وصايته على المؤمنين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو بالمعنى العام في الوصية المعروفة عند المسلمين ، وسياق كلام أبي جعفر دال علىٰ ذلك في فقه هذه الأخبار ، فمن أخرجه من معناه إلىٰ معنىٰ ما تقوله الشيعة فقد أعظم الفرية (٢).

__________________

(١) العقد الثمين : ٤٢.

(٢) تهذيب الآثار : هامش صفحة ٦٣ مسند علي عليه‌السلام.

١١٨

ولقد خانه التضعيف والتشكيك بالحديث ، وتصورّ أنه أحسن صنعاً حينما فسّر الوصية بالمعنى العام ، ناسياً أن وصي النبي العام هو خليفته ، ولا فصل في المقام بين الأمرين ، إذ ليس في تاريخ الأنبياء عليهم‌السلام وصي عام ووصي خاص ، ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بدعاً من الرسل. الأمر الذي يتّضح معه مَن أعظم الفرية حقاً حقاَ.

والفرقة الثالثة : هم الذين كذبوا بأحاديث الوصية من الأساس ، لأنّهم علموا أنَّ شيئاً من تلك التأويلات لا يجدي نفعاً ، ولأن التصديق بها أو تصحيح طرقها يزلزل شرعية الخلافة ، ويضع مزيداً من علامات الاستفهام أمام مشروعية جميع الحكومات التي تلت عصر الرسالة سواء أكانت سقيفيّة أم أُموية أم عباسية ، ومن هنا فقد اجتمع هؤلاء على الإنكار والكتمان والتضعيف وغيرها من الأساليب.

روي الطبري في حوادث سنة ١٦٩ من تاريخه بالاسناد عن أبي الخطاب قال : لما حضرت القاسم بن مجاشع التميمي (١) الوفاة ، أوصى إلى المهدي ، فكتب ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ ) إلى آخر الآيتين ١٨ و ١٩ من سورة آل عمران ، ثم كتب : والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك ، ويشهد أن محمّداً عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووارث الإمامة بعده.

قال : فعرضت الوصية على المهدي ، فلما بلغ هذا الموضع رمىٰ بها ولم ينظر

__________________

(١) قائد عباسي معروف ، كان من النقباء الذين اختارهم محمّد بن علي صاحب الثورة في أول الدعوة العباسية ، ونصبه أبو مسلم قاضياً وإماماً للصلاة منذ سنة ١٠٠ ه‍ وشارك في حروب بني العباس سنة ١٢٩ وما بعدها ، وكان علىٰ ميسرة أبي مسلم في فتوحاته ، وبقي وفياً لهم حتىٰ وفاته سنة ١٦٩. راجع : تاريخ الطبري ـ حوادث سنة ١٠٠ و ١٢٩ وما بعدها.

١١٩

فيها (١). وذلك لأن التسليم بها يعني تسليم العرش الذي يجلس عليه ، هذا مع أن العباسين قد جاءوا بشعارات علوية ، كان علىٰ رأسها : الرضا من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف بغيرهم ؟

ويميل أصحاب هذا الاتجاه إلىٰ رفض الوصية بالكلية ، وإثارة المزيد من الشبهات حولها ، واستخدام مختلف أساليب الكتمان والتحريف والتأويل ، وتكذيب الأحاديث والأخبار الواردة فيها ، ونسبة رواتها إلى الضعف والكذب والرفض ، لإسقاطها من الاعتبار ، إيغالاً منهم في تكذيب الصحيح الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذباً على الأُمّة بتزييف أقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبة أشياء موضوعة إليه في الوقت الذي يعلمون فيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله المتواتر : « من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار » وفيما يلي نذكر بعض أساليبهم :

أساليب هذا الاتجاه :

١ ـ أسلوب التكتّم والإنكار

ويأتي علىٰ رأس الذين تبنّوا هذا الاتجاه وحرّكوا عجلته عائشة في حديثٍ رواه البخاري وغيره مفاده إنكار الوصية لعلي عليه‌السلام ، وهذا نصّه :

عن الأسود ، قال : ذكروا عند عائشة أن عليّاً رضي‌الله‌عنه كان وصياً ، فقالت : متى أوصى إليه ، وقد كنت مسندته إلىٰ صدري ؟ أو قالت : حجري ، فدعا بالطست ، فلقد انخنث في حجري ، فما شعرتُ أنه قد مات ، فمتى أوصى إليه ؟ (٢)

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ١٧٦.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٤٧ / ٤ ـ الباب الأول من كتاب الوصايا ، و٥ : ٣٧ / ٤٤٢ ـ كتاب المغازلي ـ باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووفاته. وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ : ١٢٥٧ / ١٦٣٦ ـ كتاب الوصية ـ باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه.

١٢٠