اُصول الفقه

الشيخ محمّد رضا المظفّر

اُصول الفقه

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-003-3
الصفحات: ٦٨٨

١
٢

٣
٤

دليل الكتاب

مقدّمة الناشر................................................................................. ٧

مقدّمة المحقّق.................................................................................. ٩

المدخل..................................................................................... ١٩

المقدّمة..................................................................................... ٢٥

المقصد الأوّل : مباحث الألفاظ

الباب الأوّل : المشتقّ....................................................................... ٦٦

الباب الثاني : الأوامر........................................................................ ٧٤

الباب الثالث : النواهي.................................................................... ١١٥

الباب الرابع : المفاهيم..................................................................... ١٢٠

الباب الخامس : العامّ والخاصّ.............................................................. ١٥١

الباب السادس : المطلق والمقيّد............................................................. ١٨٣

الباب السابع : المجمل والمبيّن............................................................... ٢٠٦

المقصد الثاني : الملازمات العقليّة

الباب الأوّل : المستقلاّت العقليّة........................................................... ٢٢٣

الباب الثاني : غير المستقلاّت العقليّة........................................................ ٢٤٩

٥

المقصد الثالث : مباحث الحجّة

تمهيد..................................................................................... ٣٦٣

المقدّمة................................................................................... ٣٦٦

الباب الأوّل : الكتاب العزيز.............................................................. ٤٠٩

الباب الثاني : السنّة....................................................................... ٤١٧

الباب الثالث : الإجماع.................................................................... ٤٥١

الباب الرابع : الدليل العقليّ............................................................... ٤٧٣

الباب الخامس : حجّيّة الظواهر............................................................. ٤٨٧

الباب السادس : الشهرة................................................................... ٥٠٧

الباب السابع : السيرة.................................................................... ٥١٣

الباب الثامن : القياس..................................................................... ٥١٩

الباب التاسع : التعادل والتراجيح.......................................................... ٥٤٣

المقصد الرابع : مباحث الأصول العمليّة

الاستصحاب.............................................................................. ٦٠٢

الفهارس العامة

١ ـ فهرس الآيات الكريمة................................................................ ٦٦١

٢ ـ فهرس الأحاديث.................................................................... ٦٦٤

٣ ـ فهرس الأعلام....................................................................... ٦٦٦

٤ ـ فهرس الكتب الواردة................................................................ ٦٦٩

٥ ـ مصادر التحقيق...................................................................... ٦٧٠

٦ ـ فهرس الموضوعات................................................................... ٦٧٨

٦

مقدّمة الناشر

يعتبر آية الله الشيخ محمد رضا المظفّر (قدّس الله سرّه الشريف) من العلماء الأفذاذ في مجال الإبداع والتجديد ، فقد سعى رحمه‌الله لوضع أسس جديدة لبناء منهج حديث في الحوزة العلمية ، يتلاءم ومتطلّبات الحياة العصرية.

وكلّ من عرف العلاّمة المظفّر أو عاصره أو تتلمذ عليه يقرأ في شخصيّته عنصري الجدة والحداثة ، محاولة تقديم تصوّر عن الإسلام بأساليب جديدة ، كإنشاء كلّية منتدى النشر ، التي وضع البذرة الأولى لها وراح يتعاهدها ويسقيها ومن فكره النيّر وذهنه الوقّاد ، وتخرّج منها جيل صالح من العلماء والأدباء والمفكّرين.

إنّ من أهمّ نتاجاته رحمه‌الله في رفد المناهج الدراسية للحوزة العلمية كتابي : المنطق وعلم أصول الفقه ، واللذين احتلاّ محلّ الصدارة في الجامعات الدينيّة ، بل والأكاديميّة أيضا ، حيث لا زال هذا الكتاب محافظا على نظارته وجدته.

ومن البديهي أنّ أسلوب هذين الكتابين يشكّل قاعدة رصينة وأساسا محكما لصياغة مناهج جديدة على غرارهما تفي بحاجة الدارسين والباحثين ، ونظرا لعدم توفّر البديل المناسب لهما ارتأينا أن نجدّد طباعة كتاب أصول الفقه ، الذي طبع مرارا في مؤسسات مختلفة ، ومنها مركزنا ـ مركز النشر ـ إلاّ أنّ كل هذه الطبعات لا تخلو من الأخطاء المطبعية ، مضافا إلى عدم ذكر مآخذ الكتاب ، وعدم ضبطه من جهة قواعد اللغة العربية ، الأمر الذي دعا الفاضل المحترم حجّة الإسلام عباس علي زارعي إلى أن ينهض بمسئولية تحقيق الكتاب ، خصوصا وأنّه قد درّسه على شكل دورات مختلفة في الحوزة العلمية ، واستفاد من كثير من النسخ المصحّحة لأساتيذ آخرين ، فعمل على تصحيح الكتاب وإزاحة الأخطاء المسلّم بها ، والاهتمام بالجانب الأدبي منه ، مع ذكر المصادر التي استمدّ المؤلّف وأخذ منها.

كما لا يفوتنا أن نشير إلى دور الفاضل حجّة الإسلام الشيخ نعمة الله جليلي الذي ضبط نصّ الكتاب وراجعه وكذلك إلى دور الشيخين الفاضلين : أحمد عابدي ورضا مختاري اللذين اطّلعا على الكتاب و

٧

أفادانا ببعض الملاحظات النافعة.

ونودّ الإشارة إلى أنّ هذا الكتاب لا زال يعتبر من أهمّ الكتب للمراحل الأولى في دراسة السطوح العالية في جامعاتنا الدينية ما دام لم يطرح ما هو أفضل منه.

فسلام على تلك الروح المقدّسة التي جاهدت في الله فأنارت وخلّفت لنا هذا التراث العظيم فأضاءت ، وسلام على المظفّر يوم ولد ويوم التحق بركب السعداء ويوم يبعث حيّا ، والحمد لله أولا وآخرا.

مؤسسة بوستان كتاب

(مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي

في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة)

٨

مقدّمة المحقّق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الطاهرين المعصومين عليهم‌السلام.

ينبغي تقديم مقدّمة ، وفيها ثلاثة فصول :

الفصل الأوّل : علم الأصول وتطوّره التأريخيّ

ويمكن تقسيم تأريخ علم الأصول إلى ثلاث دورات :

الدورة الأولى : دورة التأسيس

أوّل من أسّس علم أصول الفقه وفتح بابه ورسّخ قواعده هو الإمام الهمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام ، ثمّ ابنه الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام ، كما قال العلاّمة السيّد حسن الصدر في كتاب «تأسيس الشيعة» : «أوّل من أسّس أصول الفقه وفتح بابه وفتق مسائله الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام ، ثمّ بعده ابنه الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام. وقد أمليا أصحابهما قواعده ، وجمعوا من ذلك مسائل رتّبها المتأخّرون على ترتيب المصنّفين فيه بروايات مسندة إليهما». (١)

ويشهد على ذلك ما في كتب الحديث من الروايات التي ترتبط بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط ، كأصل البراءة والاستصحاب وحجيّة الظاهر ، وغيرها من القواعد الأصوليّة.

وقد صنّف بعض المتأخّرين كتبا فيها الأحاديث المأثورة عنهم في قواعد الفقه :

منها : كتاب : «أصول آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله» في استخراج أبواب أصول الفقه من الروايات ، ألّفه العلاّمة السيّد الشريف ميرزا محمّد هاشم ابن الميرزا زين العابدين الموسوي الخوانساريّ ، المتوفّى سنة ١٣١٨ ه‍.

__________________

(١) تأسيس الشيعة : ٣١٠.

٩

ومنها : كتاب «الأصول الأصليّة والقواعد المستنبطة من الآيات والأخبار المرويّة» للعلاّمة السيد عبد الله بن محمّد الرضا شبّر الحسينيّ الكاظميّ ، المتوفّى سنة ١٢٤٢ ه‍.

ومنها : بحار الأنوار ، ج ٢.

الدورة الثانية : دورة التدوين

اعلم أنّ علم الأصول وإن أسّس في عصر الإمامين الصادقين عليهما‌السلام ـ كما أشرنا ـ ولكنّه لم يكن مدوّنا. وفي أوّل من قام بتدوينه خلاف :

قال السيوطيّ في محكيّ كتاب «الأوائل» : «أوّل من صنّف في أصول الفقه ، الإمام الشافعي» (١). وصرّح بذلك صاحب «كشف الظنون». (٢)

وقيل : يحتمل أن يكون أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم الذي كان سابقا على الشافعي. قال ابن خلّكان : «هو أوّل من وضع الكتاب في أصول الفقه على مذهب [أستاذه] أبي حنيفة». (٣)

وقيل : يحتمل أن يكون محمّد بن الحسن الشيبانيّ فقيه العراق ؛ لأنّه توفّي سنة ١٨٢ ه‍ أو سنة ١٨٩ ه‍ ، والشافعيّ مات في سنة ٢٠٤ ه‍. وقد صرّح ابن النديم في «الفهرست» (٤) بأنّ للشيبانيّ من مؤلّفاته الكثيرة تأليف سمّي بـ «أصول الفقه».

ولكن التحقيق ـ كما يظهر من كتاب «تأسيس الشيعة» (٥) للعلاّمة السيد حسن الصدر ـ أنّ أوّل من صنّف في بعض مسائل علم الأصول هشام بن الحكم المتوفّى سنة ١٧٩ ه‍ ، تلميذ الإمام الصادق عليه‌السلام ، صنّف كتاب «الألفاظ ومباحثها» ، ثمّ يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين تلميذ الإمام الكاظم عليه‌السلام ، صنّف كتاب «اختلاف الحديث ومسائله».

الدورة الثالثة : دورة الاستناد

ثمّ جاءت الدورة الثالثة ، وهي دورة الاستناد إلى قواعد أصول الفقه في مقام الاستنباط وهذه الدورة لا تتقدّم على الغيبة الكبرى.

وأوّل من استند إلى أصول الفقه واعتمد عليه في مقام الاستنباط الشيخ الجليل حسن بن علي بن أبي عقيل صاحب كتاب «المستمسك بحبل آل الرسول» ، وهو من مشايخ جعفر بن محمّد بن قولويه. وهو

__________________

(١) الوسائل في مسامرة الأوائل : ١٠٣.

(٢) كشف الظنون ١ : ١١١.

(٣) تاريخ ابن خلّكان ٢ : ٤٦٣.

(٤) الفهرست لابن النديم : ٢٨٥.

(٥) تأسيس الشيعة : ٣١٠.

١٠

أوّل من هذّب الفقه واستعمل النظر ، وفتق البحث عن الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى.

ثمّ اقتفى أثره ابن الجنيد المعروف بالإسكافيّ ، وهو أستاذ الشيخ المفيد.

ثمّ وصل الدور إلى محمّد بن محمّد بن نعمان بن عبد السلام المعروف بـ «الشيخ المفيد» ، فألّف كتاب «التذكرة بأصول الفقه» ، واعتمد على الأصول في مقام الاستنباط.

ثمّ انتقل الدور إلى تلامذته :

منهم : السيّد الأجلّ السيّد المرتضى الملقّب بـ «علم الهدى» (المتوفّى سنة ٤٣٦ ه‍). ومنهم : شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن حسين بن علي الطوسيّ (المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‍). ومنهم : سلاّر بن عبد العزيز الديلميّ (المتوفّى سنة ٤٣٦ ه‍). فقد صنّف الأوّل كتاب «الذريعة إلى أصول الشريعة» ، والثاني كتاب «العدّة في أصول الفقه» ، والثالث كتاب «التقريب».

وبعد الشيخ الطوسيّ توقّف سير البحث عن نظريّات السابقين ونقدها ؛ وذلك لحسن ظنّ تلامذة الشيخ بما استنبطه ، وأفتى به في كتبه. واستمرّت هذه الحالة مدّة تقرب من قرن ، إلى أن وصلت النوبة إلى سبط الشيخ ابن ادريس الحلّي (المتوفّى سنة ٥٩٨) ، فأقام مجلس البحث والنقد ، وألّف في الفقه الاستدلالي كتاب «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي».

وبعد ابن إدريس وصل الدور إلى المحقّق الحلّي ، صاحب «شرائع الإسلام» (المتوفّى سنة ٦٧٦ ه‍). فألّف في أصول الفقه كتاب «نهج الوصول إلى معرفة الأصول» ، وكتاب «معارج الوصول إلى علم الأصول».

إلى أن وصلت النوبة إلى العلاّمة على الإطلاق أبي منصور جمال الدين حسن بن يوسف بن على بن مطهّر (المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍) ، فالعلاّمة بعد الدقّة والنظر في كتب القوم ألّف كتبا قيّمة في علم الأصول : منها : كتاب «غاية الوصول في شرح مختصر الأصول» و «النكت البديعة في تحرير الذريعة» و «نهج الوصول إلى علم الأصول» و «منتهى الوصول إلى علمي الكلام والأصول» و «تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول» و «مبادئ الوصول إلى علم الأصول». وهذه الكتب صارت محطّ أنظار العلماء ، لا سيّما كتاب «معارج الوصول» الذي تصدّى لشرحه جمع من العلماء ، بل كانت هذه الكتب مدار البحث والتحقيق إلى زمان الشهيد الثاني (المتوفّى سنة ٩٦٥ ه‍). وقد ألّف الشهيد الثاني كتابا سمّاه «تمهيد القواعد».

ثمّ ألّف ابن الشهيد الثاني أبو منصور جمال الدين حسن بن زين الدّين (المتوفّى سنة ١٠١١ ه‍) كتابا سمّاه «معالم الدين». وهذا الكتاب لسلاسة تعبيره ، وجودة جمعه ، وسهولة تناوله صار مدار البحث والدرس بين الأكابر ، فأقبلوا عليه بالتحشية والتعليق والشرح.

وفي القرن الثالث عشر بلغت العناية بعلم الأصول مرتبة اتّصفت بالإطناب والتطويل ، فألّفوا كتبا مفصّلة ومبسوطة في علم الأصول. منها : كتاب «هداية المسترشدين» للشيخ محمد تقي الاصفهاني ،

١١

وكتاب «قوانين الأصول» للمحقّق القمّي (المتوفّى سنة ١٢٣١ ه‍) ، وكتاب «الفصول» للشيخ محمّد حسين الأصفهاني (المتوفّى سنة ١٢٦١ ه‍) ، وكتاب «فرائد الأصول» للشيخ الأعظم الأنصاريّ (المتوفّى سنة ١٢٨١ ه‍).

وشرع الدور الآخر من زمان المحقّق الشيخ محمّد كاظم الخراسانيّ (المتوفّى ١٣٢٩ ه‍) الملقّب بـ «الآخوند الخراسانيّ» ، فإنّه بادر إلى تنقيح الأصول وتحريرها عن الفضول ، ورتّبها على وجه أنيق ، وألّف كتاب «كفاية الأصول» ، وصار هذا الكتاب من الكتب الأصوليّة المتداولة عند دارسي العلوم في الحوزات العلميّة وغيرها ، بل صار محطّ أنظار الأساتذة وأهل العلم والتحقيق.

وبعد انتهاء دور المحقّق الخراسانيّ انتقل الدور إلى تلامذته ، لا سيّما الأعلام الثلاثة :

١. المحقّق الميرزا حسين النائينيّ (المتوفّى ١٣٥٥ ه‍).

٢. المحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ المعروف بـ (الكمپاني) (المتوفّى ١٣٦١ ه‍).

٣. المحقّق الشيخ ضياء الدين العراقيّ (المتوفّى ١٣٦١ ه‍).

فهؤلاء الأعلام الثلاثة قد انكبّوا على تهذيب علم الأصول وتعميقه وترتيبه ، فتخرّج من معهد بحثهم ومجلس درسهم كثير من العلماء والمجتهدين منهم صاحب الكتاب الذي بين يديك «أصول الفقه» العلاّمة المحقّق الشيخ محمد رضا المظفّر.

الفصل الثاني : حياة الشيخ محمد رضا المظفّر

١. نسبه ومولده

هو الشيخ محمد رضا بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن أحمد بن مظفر العيمري. واشتهر بـ «المظفّر» نسبة إلى أحد أجدادهم ، وهو مظفّر بن أحمد بن محمّد بن على بن حسين آل علي من عرب الحجاز ، كان جدّهم «مظفّر» من أهل العلم ، أقام في النجف مدّة ثمّ سكن حوالي البصرة. (١)

وقد ولد الشيخ المظفّر في النجف الأشرف في اليوم الخامس من شعبان سنة ١٣٢٢ ه‍ ، وكانت ولادته بعد وفاة والده بخمسة أشهر كما قال نفسه : «قد توفّي والدي العلاّمة الشيخ محمّد ، فكانت ولادتي بعده بخمسة أشهر ، فلم أره ولم يرني». (٢)

٢. تربيته الشخصيّة

فتح الشيخ المظفّر عينيه في أحضان والدته بنت العلاّمة الشيخ عبد الحسين الطريحيّ ، دأبت على

__________________

(١) ماضى النجف وحاضرها ٣ : ٣٦٠.

(٢) شعراء الغريّ (النجفيات) للخاقاني ٨ : ٤٥٩.

١٢

تربيته والقيام بشئونه ، وكفله أخوه الشيخ عبد النبيّ ، وبعده ربّاه أخوه الشيخ محمّد حسن ، قال عن نفسه : «وقد كفلني أخي الكبير المرحوم الشيخ عبد النبيّ المتوفّى ١٣٢٧ ه‍ ، فكان لي كالأب الرءوف ، وبعده بقيت تحت ظلّ أخي وأستاذي العلاّمة الشيخ محمّد حسن». (١)

٣. نشأته العلميّة

قال المظفّر عن نفسه : «ابتدأت في دراسة علم النحو حوالي سنة ١٣٣٥ ه‍ ، فقرأت «الأجروميّة» على الطريقة المألوفة بين الناس ؛ ولعدم رغبتي في الدرس في ذلك الحين كنت لم أحفظها حفظا كالعادة ، وهكذا بقيت على التهاون في الاشتغال في قراءتي لما في كتب النحو ، ولمّا انتقلت إلى المنطق فتحت عيني للدّرس ، فكثر جدّي في التحصيل ، وتداركت ما فات منّي في علم النحو ، ولكن مع ذلك كان شغلي على غير تحقيق وتدقيق حتّى حضرت «المطوّل» على الأستاذ الشيخ محمّد طه الحويزيّ ، وجملة من علم الأصول ، فاستفدت منه فائدة كليّة ، وتعلّمت منه كيف يتوصّل إلى التنقيب عن المسائل العلميّة بما كان يتوسّع به في بسط المسائل وتحقيقها». (٢)

وحضر المظفّر دروس الأعلام الثلاثة : الشيخ ضياء الدين العراقيّ ، والميرزا محمّد حسين النائينيّ ، والشيخ محمّد حسين الغرويّ الأصفهانيّ.

وحضر أيضا على أخيه الشيخ محمّد حسن سنوات كثيرة ، وكان عمدة استفادته منه ومن الشيخ محمّد حسين الغرويّ الأصفهانيّ.

٤. أساتذته

١. الشيخ محمّد طه الحويزي. تتلمذ عليه في المقدّمات والسطوح والشعر.

٢. الشيخ محمّد حسن المظفّر. أخو المترجم له. تتلمذ عليه في الفقه والأصول سنوات كثيرة ، كما قال العلاّمة الطهراني : «وعمدة استفادته من أخيه الشيخ محمّد حسن». (٣)

٣. الميرزا محمّد حسين النائينيّ. وهو فخر المتأخّرين الذي تخرّج من معهد بحثه ومجلس درسه كثير من العلماء والمحقّقين.

٤. الشيخ ضياء الدين العراقيّ ، وهو الذي تخرّج على يده أكثر من ثلاثة آلاف من الفقهاء والمجتهدين.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نقباء البشر ٢ : ٧٧٣.

(٣) نقباء البشر ٢ : ٧٧٢.

١٣

٥. الميرزا عبد الهادي الشيرازيّ. حضر المظفّر في مجلس درسه في الفقه.

٦. السيّد علي القاضي الطباطبائيّ ، استفاد الشيخ المترجم له منه في العرفان والسير والسلوك.

٧. الشيخ محمّد حسين الغرويّ الاصفهانيّ ، حضر المظفّر على الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ عدّة سنين في الفلسفة والأصول والفقه ، وكان الشيخ المظفّر متأثّرا بمباني وآراء استاذه المحقّق الأصفهانيّ في الأصول والفقه والفلسفة ، وذلك يظهر من خلال كتابه «أصول الفقه» الذي بين يديك ، بل في بعض الموارد كانت عباراته عين عبارات كتاب «نهاية الدراية».

٥. جمعية منتدى النشر

أسّس المظفّر «جمعيّة منتدى النشر» في سنة ١٣٥٤ ه‍ ، وهي من ثمراته التي لا تنساها النجف. وكان غرضه من تأسيسها نشر المعارف الإلهي بوجه وسيع وأسلوب جديد.

وأسّس في سنة ١٣٧٦ ه‍ «كلّية الفقه» في النجف الأشرف واعترفت بها وزارة المعارف العراقيّة سنة ١٣٧٧ ه‍ ، يدرس فيها العلوم الإسلاميّة من الفقه الإمامي والفقه المقارن وأصول الفقه والتفسير والحديث وعلم النفس والاجتماع والتأريخ والفلسفة والمنطق واللغة الإنجليزيّة وغيرها مما يحتاجه العلماء والمبلّغون في العصر الحاضر.

وقام بالتدريس فيها جمع من المحقّقين ، منهم العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي والشيخ عبد الحسين الرشتيّ والعلاّمة محمّد تقي الحكيم والعلاّمة الشيخ محمد رضا المظفّر والعلاّمة الشيخ محمّد جواد البلاغيّ.

٦. مؤلّفاته

١. «أصول الفقه». وهو هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم.

٢. «المنطق».

٣. «عقائد الإماميّة».

٤. «فلسفة ابن سينا».

٥. «أحكام اليقظة».

٦. «ديوان الشعر».

٧. «السقيفة».

٨. «على هامش السقيفة».

١٤

٩. «الفلسفة الإسلاميّة».

١٠. «حاشية المكاسب».

١١. «كتاب في علم العروض».

وله مقالات متعدّدة طبعت في الجرائد.

٧. شيء حول كتاب «أصول الفقه»

كتاب «أصول الفقه» أحد من الكتب الأصوليّة القيّمة الذي عليه مدار التدريس في مرحلة السطوح في حوزاتنا العلميّة ، جاء في مقدمة هذا الكتاب : «وضع هذا الكتاب لتبسيط أصول هذا الفنّ للمبتدئين ؛ ليعينهم على الدخول في بحره العميق عند ما يبلغون درجة المراهقين ، وهو الحلقة المفقودة بين كتاب معالم الأصول وبين كفاية الأصول ، يجمع بين سهولة العبارة والاختصار وبين انتقاء الآراء الحديثة التي تطوّر إليها هذا الفن».

ويكفي في عظمة هذا الكتاب كلمة السيّد المحقّق الخوئي ، قال بشأنه : «وكنت منذ زمن بعيد أرغب في أن يؤلّف كتاب في هذا العلم تلائم أبحاثه الأبحاث العالية ، ويعمّم تدريسه على طلاّب العلوم الدينيّة ، حتى قدّم لي الحجّة الشيخ محمد رضا المظفّر ـ دامت تأييداته ـ ما رتّبه من المباحث الأصوليّة في القسم الأوّل من كتابه (مبادئ علم الأصول) ترتيبا جميلا ، فألفيته ـ بحمد الله ـ وافيا بالمقصود ، وجامعا بالموجز من القواعد والأصول التي يدور عليها رحى الأبحاث في عصرنا الحاضر ، وجدير بطالب العالم أن يدرس هذا الكتاب ؛ ليتهيّأ بذلك للانتفاع بالدراسات العالية».

وهذا الكتاب يشتمل على مدخل ومقاصد أربعة. وكلّ مقصد في جزء واحد :

الجزء الأوّل : في مباحث الألفاظ.

الجزء الثاني : في الملازمات العقليّة.

الجزء الثالث : في مباحث الحجّة.

الجزء الرابع : في مباحث الأصول العمليّة. وممّا يؤسف له أنّ الجزء الرابع لم يتمّ وينتهي إلى التنبيه الثاني من تنبيهات الاستصحاب.

٨. وفاته

توفّي بالنجف ليلة ١٦ رمضان سنة ١٣٨٣ ه‍. وبعد تشييعه من قبل جماهير العلماء والطلاّب والمؤمنين دفن مع أخيه الشيخ محمّد حسن بمقبرة آل المظفّر.

١٥

الفصل الثالث : عملنا في تحقيق الكتاب

بما أنّ هذا الكتاب يعدّ فريدا من نوعه ، ووحيدا في أسلوبه ، وكان من الكتب الأصوليّة المتداولة للدراسة عند محصّلي العلوم في الحوزات العلميّة وغيرها ، بل كان محطّ أنظار الأساتذة وأهل العلم والتحقيق فلا بدّ أن يكون سالما من الأغلاط ، وخاليا من النواقص والتشويهات والأوهام ، وجامعا للمطالب والآراء الحديثة ؛ ولذلك قمت بتحقيق الكتاب. وعملنا في التحقيق كما يلي :

١. قمت أوّلا بتصحيح متن الكتاب تصحيحا قياسيّا ؛ وذلك لعدم وجود النسخة المخطوطة. نعم ، قابلت النسخة المطبوعة الأخيرة مع النسخة المطبوعة في الطبعة الأولى بالنجف الأشرف المزيّنة في أوائلها بكلمة السيّد المحقّق الخوئي ، ورمزنا إليها بـ «س». وقابلتها أيضا مع المطبوعة في الطبعة الثانية التي تمتاز باضافات وتعديلات مهمّة قد أجراها المؤلّف رحمه‌الله. فأثبتّ ما رأيته صحيحا في المتن وذكرت بعض موارد الاختلاف في الهامش.

٢. قمت بتحقيق وتخريج الآيات والروايات والنصوص الفقهيّة والأنظار الأصوليّة والكلاميّة والفلسفيّة ، معتمدا على أقدم المصادر وأصحّها.

٣. ذكر المصنّف أثناء المباحث أقوالا لم ينسبها إلى قائل معيّن ، بل اكتفى بالقول : «قالوا ـ فإن قيل ـ قيل». وقد راجعت جميع المصادر وعثرت على أغلب القائلين ، وذكرت أسماءهم ومصادر أقوالهم في الهامش ، وفي موارد نادرة ذكرت أنّا لم نعثر على قائله.

٤. قمت بإرجاع ما ذكره المصنّف بقوله : «سبق» أو «قد مرّ» أو «سيأتي» ونظائرها إلى مواضعها الأصليّة السابقة أو اللاحقة.

٥. حاولت قدر الإمكان تحريك المواضع المهمّة في الكلمات بالحركات الإعرابيّة ؛ وذلك لأجل تسهيل القراءة ، وفهم مضمون اللفظ ، ومراد المصنّف.

٦. قمت بشرح بعض الألفاظ الغريبة التي وردت في المتن مستعينا بكتب اللغة والمعاجم.

٧. علّقت عليه بتعليقات لازمة ؛ لإزاحة التشويشات وإيضاح المبهمات. ولست بصدد التعليق عليه تفصيلا ؛ لأنّه خارج عن المقصود.

٨. من نواقص هذا الكتاب المتداول للدراسة عدم وجود التمارين في آخر كلّ مبحث ، فضممت إليه التمارين في آخر كلّ مبحث. والتمارين قسمان : قسم مربوط بمتن الكتاب ، وقلنا في عنوانه : «التمرين الأوّل». وقسم مربوط بخارج المتن ، لمن لم يكتف بالمتن وأراد التحقيق خارج المتن ، وقلنا في عنوانه : «التمرين الثاني».

١٦

كلمة شكر

بعد شكري وثنائي لله (تعالى) لا بدّ لي من شكر من أرى من الواجب عليّ شكرهم ، فإنّى لأتوجّه جزيل شكري وخالص دعائي إلى الأخ الفاضل المحقّق الشيخ نعمة الله الجليلي دامت تأييداته ، فإنّه ساعدني في تصحيح الكتاب. وإلى الإخوة الأعزّاء في نشر الكتاب في مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، وأخصّ بالذكر حجة الاسلام والمسلمين السيد محمّد كاظم شمس جزاهم الله خير الجزاء.

وفي الختام نرجو من الله (تعالى) أن يزيد في علوّ درجات العلاّمة الشيخ محمّد رضا المظفر وأن يحشره مع أوليائه. والحمد لله رب العالمين.

عباس علي الزارعيّ السبزواريّ

قم ـ الحوزة العلميّة

جمادى الأولى ١٤٢١ ه‍.

١٧
١٨

المدخل

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده على آلائه ، ونصلّي على خاتم النبيين محمّد وآله الطاهرين المعصومين.

* تعريف علم الأصول

علم أصول الفقه هو : «علم يبحث فيه عن قواعد تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعيّ».

مثاله : أنّ الصّلاة واجبة في الشريعة الإسلاميّة المقدّسة ، وقد دلّ على وجوبها من القرآن الكريم قوله (تعالى) : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (١) ، (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (٢). ولكن دلالة الآية الأولى متوقّفة على ظهور صيغة الأمر ـ نحو «أقيموا» هنا ـ في الوجوب ، ومتوقّفة أيضا على أنّ ظهور القرآن حجّة يصحّ الاستدلال به.

وهاتان المسألتان يتكفّل ببيانهما «علم الأصول».

فإذا علم الفقيه من هذا العلم أنّ صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب ، وأنّ ظهور القرآن حجة ، استطاع أن يستنبط من هذه الآية الكريمة المذكورة أنّ الصّلاة واجبة. وهكذا في كلّ حكم شرعيّ مستفاد من أيّ دليل شرعيّ أو عقليّ لا بدّ أن يتوقّف استنباطه من الدليل

__________________

(١) البقرة (٢) الآيات : ٤٣ ، ٨٣ ، ١١٠ ؛ النساء (٤) الآية : ٧٧ ؛ يونس (١٠) الآية : ٨٧ ؛ النور (٢٤) الآية : ٥٦ ؛ الروم (٣٠) الآية : ٣١ ؛ المزّمّل (٧٣) الآية : ٢٠.

(٢) النساء (٤) الآية : ١٠٣. وقوله (تعالى) : «موقوتا» أي مفروضا ، أو ثابتا ، كما في الروايات. الوسائل ، الباب ١ من أبواب أعداد الفرائض ، الأحاديث : ٣ و ٥ و ٦.

١٩

على مسألة أو أكثر من مسائل هذا العلم.

* الحكم واقعيّ وظاهريّ. والدليل اجتهاديّ وفقاهتيّ (١)

ثمّ لا يخفى أنّ الحكم الشرعيّ ـ الذي جاء ذكره في التعريف السابق ـ على نحوين :

١. أن يكون ثابتا للشيء بما هو في نفسه فعل من الأفعال (٢) ، كالمثال المتقدّم أعنى وجوب الصلاة ، فالوجوب ثابت للصلاة بما هي صلاة في نفسها ، وفعل من الأفعال مع قطع النظر عن أيّ شيء آخر ؛ ويسمّى مثل هذا الحكم : «الحكم الواقعيّ» ، والدليل الدالّ عليه : «الدليل الاجتهاديّ».

٢. أن يكون ثابتا للشىء بما أنّه مجهول حكمه الواقعيّ ، كما إذا اختلف الفقهاء في حرمة النظر إلى الأجنبيّة أو وجوب الإقامة للصلاة. فعند عدم قيام الدليل على أحد الأقوال لدى الفقيه يشكّ في الحكم الواقعيّ الأوليّ المختلف فيه ، ولأجل ألاّ يبقى في محلّ العمل (٣) متحيّرا لا بدّ له من وجود حكم آخر ولو كان عقليّا ، كوجوب الاحتياط أو البراءة أو عدم الاعتناء بالشكّ (٤) ؛ ويسمّى مثل هذا الحكم الثانويّ : «الحكم الظاهريّ» ، والدليل الدالّ عليه : «الدليل الفقاهتيّ» أو «الأصل العمليّ».

ومباحث الأصول منها ما يتكفّل للبحث عمّا تقع نتيجته في طريق استنباط الحكم الواقعيّ ، ومنها ما يقع في طريق الحكم الظاهريّ. ويجمع الكلّ «وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعيّ» على ما ذكرناه في التعريف.

* موضوع علم الأصول

إنّ هذا العلم غير متكفّل للبحث عن موضوع خاصّ ، بل يبحث عن موضوعات شتّى

__________________

(١) قال الشيخ الأنصاري قدس‌سره : «وهذان القيدان اصطلاحان من الوحيد البهبهانيّ لمناسبة مذكورة في تعريف الفقه والاجتهاد» راجع فرائد الأصول ١ : ٣٠٩.

(٢) أي لا بما هو فعل مشكوك حكمه الواقعيّ.

(٣) وفي «س» : مقام العمل.

(٤) أي الاستصحاب العقلي.

٢٠