اُصول الفقه

الشيخ محمّد رضا المظفّر

اُصول الفقه

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-003-3
الصفحات: ٦٨٨

٢. ظهور الصيغة في الوجوب

اختلف الأصوليون في ظهور صيغة الأمر في الوجوب وفي كيفيّته على أقوال. والخلاف يشمل صيغة «افعل» وما شابهها وما بمعناها من صيغ الأمر.

والأقوال في المسألة كثيرة (١) ، وأهمّها قولان : أحدهما : أنّها ظاهرة في الوجوب ، إمّا لكونها موضوعة له (٢) ، أو من جهة انصراف الطلب إلى أكمل الأفراد (٣). ثانيهما : أنّها حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو ـ أي القدر المشترك ـ مطلق الطلب الشامل لهما من دون أن تكون ظاهرة في أحدهما (٤).

والحقّ أنّها ظاهرة في الوجوب ، ولكن لا من جهة كونها موضوعة للوجوب ، ولا من جهة كونها موضوعة لمطلق الطلب ، وأنّ الوجوب أظهر أفراده.

وشأنها في ظهورها في الوجوب شأن مادّة الأمر على ما تقدّم هناك ، من أنّ الوجوب يستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى ووجوب الانبعاث عن بعثه ؛ قضاء لحقّ المولويّة والعبوديّة ، ما لم يرخّص نفس المولى بالترك ، ويأذن به. وبدون الترخيص فالأمر ـ لو خلّي وطبعه ـ شأنه أن يكون من مصاديق حكم العقل بوجوب الطاعة.

فيكون الظهور هذا ليس من نحو الظهورات اللفظيّة ، ولا الدلالة هذه على الوجوب من نوع الدلالات الكلاميّة ؛ إذ صيغة الأمر ـ كمادّة الأمر ـ لا تستعمل في مفهوم الوجوب لا استعمالا حقيقيّا ولا مجازيّا ؛ لأنّ الوجوب كالندب أمر خارج عن حقيقة مدلولها ولا من كيفيّاته وأحواله. وتمتاز الصيغة عن مادّة كلمة الأمر أنّ الصيغة لا تدلّ إلاّ على النسبة الطلبيّة كما تقدّم ، فهي بطريق أولى لا تصلح للدلالة على الوجوب الذي هو مفهوم

__________________

(١) ذكر بعضها صاحب المعالم في معالم الدين : ٤٨ ـ ٤٩ ، فراجع.

(٢) ذهب إليه صاحب القوانين ونسبه إلى المشهور ، كما ذهب إليه صاحب المعالم ونسبه إلى الجمهور. وذهب إليه أيضا المحقّق الخراسانيّ. فراجع قوانين الأصول ١ : ٨٣ ؛ معالم الدين : ٤٨ ؛ كفاية الأصول : ٩٢.

(٣) ذهب إليه صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٦٤. واختاره المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ١٦٢ و ١٧٨ ـ ١٨٠ ، وبدائع الأفكار ١ : ٢١٤.

(٤) ذهب إليه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٥١.

٨١

اسميّ ، وكذا الندب.

وعلى هذا ، فالمستعمل فيه الصيغة ـ على كلا الحالين : الوجوب والندب ـ واحد لا اختلاف فيه. واستفادة الوجوب ـ على تقدير تجرّدها عن القرينة على إذن الآمر بالترك ـ إنّما هي بحكم العقل كما قلنا ؛ إذ هو من لوازم صدور الأمر من المولى (١).

ويشهد لما ذكرناه ـ من كون المستعمل فيه واحدا في مورد الوجوب والندب ـ ما جاء في كثير من الأحاديث من الجمع بين الواجبات والمندوبات بصيغة واحدة ، وأمر واحد ، وأسلوب واحد مع تعدّد الأمر ؛ ولو كان الوجوب والندب من قبيل المعنيين للصيغة لكان ذلك في الأغلب من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو مستحيل ، أو تأويله (٢) بإرادة مطلق الطلب البعيد إرادته من مساق الأحاديث ، فإنّه تجوّز ـ على تقديره ـ لا شاهد له ، ولا يساعد عليه أسلوب الأحاديث الواردة.

تنبيهان

الأوّل : ظهور الجملة الخبريّة الدالّة على الطلب في الوجوب.

اعلم أنّ الجملة الخبريّة في مقام إنشاء الطلب شأنها شأن صيغة «افعل» في ظهورها في الوجوب ، كما أشرنا إليه سابقا ، بقولنا : «صيغة افعل وما شابهها».

والجملة الخبريّة مثل قول : «يغتسل. يتوضّأ. يصلّي» بعد السؤال عن شيء يقتضي مثل هذا الجواب ونحو ذلك.

والسرّ في ذلك أنّ المناط في الجميع واحد ، فإنّه إذا ثبت البعث من المولى ـ بأيّ مظهر كان وبأيّ لفظ كان ـ فلا بدّ أن يتبعه حكم العقل بلزوم الانبعاث ما لم يأذن المولى بتركه.

بل ربّما يقال : إنّ دلالة الجملة الخبرية على الوجوب آكد ؛ لأنّها في الحقيقة إخبار عن تحقّق الفعل بادّعاء أنّ وقوع الامتثال من المكلّف مفروغ منه (٣).

__________________

(١) هذا ما قال به المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ١ : ١٣٦. واختاره تلميذه المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ١٣٠ ـ ١٣٢.

(٢) أي أو من باب تأويله ....

(٣) هكذا قال المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٩٣.

٨٢

الثاني : ظهور الأمر بعد الحظر أو توهّمه.

قد يقع إنشاء الأمر بعد تقدّم الحظر ـ أي المنع ـ أو عند توهّم الحظر ، كما لو منع الطبيب المريض عن شرب الماء ، ثمّ قال له : «اشرب الماء». أو قال ذلك عند ما يتوهّم المريض أنّه ممنوع منه ومحظور عليه شربه.

وقد اختلف الأصوليون في مثل هذا الأمر أنّه هل هو ظاهر في الوجوب (١) ، أو ظاهر في الإباحة (٢) ، أو الترخيص فقط (٣) ـ أي رفع المنع فقط من دون التعرّض لثبوت حكم آخر من إباحة أو غيرها ـ ، أو يرجع إلى ما كان عليه سابقا قبل المنع (٤)؟ على أقوال كثيرة.

وأصحّ الأقوال هو الثالث ، وهو دلالتها على الترخيص فقط.

والوجه في ذلك أنّك قد عرفت أنّ دلالة الأمر على الوجوب إنّما تنشأ من حكم العقل بلزوم الانبعاث ما لم يثبت الإذن بالترك. ومنه تستطيع أن تتفطّن أنّه لا دلالة للأمر في المقام على الوجوب ؛ لأنّه ليس فيه دلالة على البعث وإنّما هو ترخيص في الفعل لا أكثر.

وأوضح من هذا أن نقول : إنّ مثل هذا الأمر هو إنشاء بداعي الترخيص في الفعل والإذن به ، فهو لا يكون إلاّ ترخيصا وإذنا بالحمل الشائع. ولا يكون بعثا إلاّ إذا كان الإنشاء بداعي البعث. ووقوعه بعد الحظر أو توهّمه قرينة على عدم كونه بداعي البعث ، فلا يكون دالاّ

__________________

(١) ذهب إليه بعض العامّة ، كالحنفيّة ، والمعتزلة ، والقاضي الباقلانيّ والفخر الرازيّ من الشافعيّة ، واختاره البيضاويّ في منهاج الأصول. فراجع فواتح الرحموت (المطبوع بذيل المستصفى ١ : ٣٧٩) ، ونهاية السئول ٢ : ٢٧٢ ، والإحكام (للآمديّ) ٢ : ٢٦٠.

(٢) لم أعثر على من قال بظهوره في الإباحة الاصطلاحيّة. وأمّا المنسوب إلى أكثر الفقهاء من القول بظهوره في الإباحة فالظاهر أنّه الإباحة بمعنى رفع الحجر والحظر. كما صرّح بذلك الآمديّ في الإحكام ٢ : ٢٦٠ ، والمحقّق القميّ في قوانين الأصول ١ : ٨٩ ، وبعض المحشّين على العدّة ١ : ١٨٣.

(٣) وهذا منسوب إلى أكثر الفقهاء. راجع العدّة ١ : ١٨٣ ، فواتح الرحموت (المطبوع بذيل المستصفى ١ : ٣٧٩) ، الإحكام (للآمديّ) ٢ : ٢٦٠. وذهب إليه المحقّق القميّ في قوانين الأصول ١ : ٨٩.

(٤) ذهب إليه السيد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٧٣. واختاره الشيخ الطوسيّ في العدّة ١ : ١٨٣.

٨٣

على الوجوب. وعدم دلالته على الإباحة بطريق أولى ، فيرجع فيه إلى دليل آخر من أصل أو أمارة.

مثاله قوله (تعالى) : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (١) فإنّه أمر بعد الحظر عن الصيد حال الإحرام (٢) ، فلا يدلّ على وجوب الصيد.

نعم ، لو اقترن الكلام بقرينة خاصّة على أنّ الأمر صدر بداعي البعث أو لغرض بيان إباحة الفعل فإنّه حينئذ يدلّ على الوجوب أو الإباحة. ولكن هذا أمر آخر لا كلام فيه ؛ فإنّ الكلام في فرض صدور الأمر بعد الحظر أو توهّمه مجرّدا عن كلّ قرينة أخرى غير هذه القرينة.

تمرينات (٩)

١. ما معنى صيغة الأمر؟

٢. اذكر خمسة موارد من موارد استعمال صيغة الأمر ، وايت بمثال لها.

٣. هل صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب؟ كيف؟

٤. هل الجملة الخبريّة ظاهرة في الوجوب؟ ما السرّ في ذلك؟

٥. ما هي الأقوال في ظهور الأمر بعد الحظر؟ وما هو الأصح؟ ولما ذا صار أصحّ؟

__________________

(١) المائدة (٥) الآية : ٢.

(٢) فإنّ قوله (تعالى) : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) أمر بالاصطياد ، وهو واقع عقيب حرمة الاصطياد في حال الإحرام ؛ لقوله (تعالى) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) المائدة (٥) الآية : ٩٥.

٨٤

٣. التعبّديّ والتوصّليّ

تمهيد

كلّ متفقّه يعرف أنّ في الشريعة المقدّسة واجبات لا تصحّ ولا تسقط أوامرها إلاّ بإتيانها قربيّة إلى وجه الله (تعالى).

وكونها قربيّة إنّما هو بإتيانها بقصد امتثال أوامرها أو بغيره من وجوه قصد القربة إلى الله (تعالى) ، على ما ستأتي الإشارة إليها (١). وتسمّى هذه الواجبات «العباديّات» ، أو «التعبّديّات» ، كالصلاة والصوم ونحوها.

وهناك واجبات أخرى تسمّى «التوصّليّات» وهي التي تسقط أوامرها بمجرّد وجودها وإن لم يقصد بها القربة ، كإنقاذ الغريق ، وأداء الدين ، ودفن الميّت ، وتطهير الثوب والبدن للصلاة ، ونحو ذلك.

وللتعبّديّ والتوصّليّ تعريف آخر كان مشهورا عند القدماء ، وهو أنّ التوصّليّ «ما كان الداعي للأمر به معلوما» ، وفي قباله التعبّديّ وهو «ما لم يعلم الغرض منه (٢)». وإنّما سمّي تعبّديّا ؛ لأنّ الغرض الداعي للمأمور ليس إلاّ التعبّد بأمر المولى فقط. ولكن التعريف غير صحيح إلاّ إذا أريد به اصطلاح ثان للتعبّديّ والتوصّليّ ، فيراد بالتعبّد التسليم لله (تعالى) فيما أمر به وإن كان المأمور به توصّليّا بالمعنى الأوّل ، كما يقولون مثلا : «نعمل هذا تعبّدا» ويقولون : «نعمل هذا من باب التعبّد» ، أي نعمل هذا من باب التسليم لأمر الله (تعالى) وإن لم نعلم المصلحة فيه.

وعلى ما تقدّم من بيان معنى التوصّليّ والتعبّديّ ـ المصطلح الأوّل (٣) ـ فإن علم حال واجب بأنّه تعبّديّ أو توصّليّ فلا إشكال ، وإن شكّ في ذلك فهل الأصل كونه تعبّديّا أو توصّليّا؟ فيه خلاف بين الأصوليّين. وينبغي لتوضيح ذلك وبيان المختار تقديم أمور :

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ٨٧.

(٢) هذا التعريف منسوب إلى القدماء ، كما نسبه إليهم المحقّق العراقيّ في مقالات الأصول ١ : ٢٢٩.

(٣) وأوّل من ذهب إليه هو الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٥٩. ثمّ تبعه من تأخّر عنه.

٨٥

أ. منشأ الخلاف وتحريره

إنّ منشأ الخلاف هنا هو الخلاف في إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر ـ كالصلاة مثلا ـ قيدا له على نحو الجزء أو الشرط على وجه يكون المأمور به المتعلّق للأمر هو الصلاة المأتيّ بها بقصد القربة بهذا القيد ، كقيد الطهارة فيها ؛ إذ يكون المأمور به الصلاة عن طهارة لا الصلاة المجرّدة عن هذا القيد من حيث هي هي.

فمن قال بإمكان أخذ هذا القيد (١) ـ وهو قصد القربة ـ كان مقتضى الأصل عنده التوصّليّة إلاّ إذا دلّ دليل خاصّ على التعبّديّة ، كسائر القيود الأخرى ؛ لما عرفت أنّ إطلاق كلام المولى حجّة يجب الأخذ به ما لم يثبت التقييد ، فعند الشكّ في اعتبار قيد يمكن أخذه في المأمور به فالمرجع أصالة الإطلاق لنفي اعتبار ذلك القيد.

ومن قال باستحالة أخذ قيد قصد القربة (٢) فليس له التمسّك بالإطلاق ؛ لأنّ الإطلاق ليس إلاّ عبارة عن عدم التقييد فيما من شأنه التقييد ؛ لأنّ التقابل بينهما من باب تقابل العدم والملكة ـ الملكة : هي التقييد ، وعدمها : الإطلاق ـ. وإذا استحالت الملكة استحال عدمها بما هو عدم ملكة ، لا بما هو عدم مطلق. وهذا واضح ؛ لأنّه إذا كان التقييد مستحيلا في لسان الدليل فعدم التقييد (٣) لا يستكشف منه إرادة الإطلاق ؛ فإنّ عدم التقييد يجوز أن يكون لاستحالة التقييد ، ويجوز أن يكون لعدم إرادة التقييد ، ولا طريق لإثبات الثاني بمجرّد عدم ذكر القيد وحده.

وبعد هذا نقول : إذا شككنا في اعتبار شيء في مراد المولى وما تعلّق به غرضه واقعا

__________________

(١) وهذا هو المعروف بين الأصوليّين إلى زمان الشيخ الأعظم الأنصاريّ.

(٢) وأوّل من قال به الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٦٠. وتبعه أكثر من تأخّر عنه ؛ فبعضهم ادّعى امتناعه الذاتي ، كما في حاشية الكفاية (للمشكيني) ١ : ٣٥٧ ، وبدائع الأفكار ١ : ٢٢٨ ، منتهى الأصول ١ : ١٢٩ ـ ١٣٢ ؛ وبعضهم ادّعى امتناعه الغيري ، كما في كفاية الأصول : ٩٥ ، ونهاية الدراية ١ : ٢٣٣ ، وفوائد الأصول ١ : ١٤٩.

(٣) وفي «س» : «إذا كان التقييد مستحيلا فعدم التقييد في لسان الدليل ...» وهو أيضا صحيح. وأمّا الموجود في بعض النسخ المطبوعة : «إذا كان التقييد في لسان الدليل لا يستكشف منه ...» غلط كما لا يخفى.

٨٦

ولم يمكن له بيانه فلا محالة يرجع ذلك إلى الشكّ في سقوط الأمر إذا خلا المأتيّ به من ذلك القيد المشكوك. وعند الشكّ في سقوط الأمر ـ أي في امتثاله ـ يحكم العقل بلزوم الإتيان به مع القيد المشكوك كيما يحصل له العلم بفراغ ذمّته من التكليف ؛ لأنّه إذا اشتغلت الذمّة بواجب يقينا فلا بدّ من إحراز الفراغ منه في حكم العقل. وهذا معنى ما اشتهر في لسان الأصوليّين من قولهم : «الاشتغال اليقينيّ يستدعي الفراغ اليقينيّ». وهذا ما يسمّى عندهم بـ «أصل الاشتغال» أو «أصالة الاحتياط».

ب. محلّ الخلاف من وجوب قصد القربة

إنّ محلّ الخلاف في المقام هو إمكان أخذ قصد امتثال الأمر في المأمور به. وأمّا غير قصد الامتثال من وجوه قصد القربة ، كقصد محبوبيّة الفعل المأمور به الذاتيّة باعتبار أنّ كلّ مأمور به لا بدّ أن يكون محبوبا للآمر ، ومرغوبا فيه عنده ، وكقصد التقرّب إلى الله (تعالى) محضا بالفعل لا من جهة قصد امتثال أمره ، بل رجاء لرضاه ، ونحو ذلك من وجوه قصد القربة ، فإنّ كلّ هذه الوجوه لا مانع قطعا من أخذها قيدا للمأمور به ، ولا يلزم المحال الذي ذكروه في أخذ قصد الامتثال (١) على ما سيأتي.

ولكنّ الشأن في أنّ هذه الوجوه هل هي مأخوذة في المأمور به فعلا على نحو لا تكون العبادة عبادة إلاّ بها؟ الحقّ أنّه لم يؤخذ شيء منها في المأمور به.

والدليل على ذلك ما نجده من الاتّفاق على صحّة العبادة ـ كالصلاة مثلا ـ إذا أتي بها بداعي أمرها مع عدم قصد الوجوه الأخرى. ولو كان غير قصد الامتثال من وجوه القربة مأخوذا في المأمور به لما صحّت العبادة ، ولما سقط أمرها بمجرّد الإتيان بداعي أمرها بدون قصد ذلك الوجه.

فالخلاف ـ إذن ـ منحصر في إمكان أخذ قصد الامتثال واستحالته.

__________________

(١) هذا ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٩٧. وأمّا المحقّق النائينيّ فذهب إلى امتناع أخذ سائر الدواعي القربيّة أيضا في متعلّق الأمر ، ودليله جريان المحاذير المذكورة في أخذ قصد الامتثال هنا. فراجع فوائد الأصول ١ : ١٥١.

٨٧

ج. الإطلاق والتقييد في التقسيمات الأوّليّة للواجب

إنّ كلّ واجب في نفسه له تقسيمات باعتبار الخصوصيّات التي يمكن أن تلحقه في الخارج ، مثلا الصلاة تنقسم في ذاتها مع قطع النظر عن تعلّق الأمر بها إلى : ١. ذات سورة ، وفاقدتها. ٢. ذات تسليم ، وفاقدته. ٣. صلاة عن طهارة ، وفاقدتها. ٤. صلاة مستقبل بها القبلة ، وغير مستقبل بها. ٥. صلاة مع الساتر وبدونه ... وهكذا يمكن تقسيمها إلى ما شاء الله من الأقسام بملاحظة أجزائها وشروطها وملاحظة كلّ ما يمكن فرض اعتباره فيها وعدمه. ويسمّى مثل هذه التقسيمات «التقسيمات الأوّليّة» ؛ لأنّها تقسيمات تلحقها في ذاتها مع قطع النظر عن فرض تعلّق شيء بها. وتقابلها «التقسيمات الثانويّة» التي تلحقها بعد فرض تعلّق شيء بها كالأمر مثلا ، وسيأتي ذكرها.

فإذا نظرنا إلى هذه التقسيمات الأوّليّة للواجب ، فالحكم بالوجوب بالقياس إلى كلّ خصوصيّة منها لا يخلو في الواقع من أحد احتمالات ثلاثة :

١. أن يكون مقيّدا بوجودها ، ويسمّى «بشرط شيء» ، مثل شرط الطهارة ، والساتر ، والاستقبال ، والسورة ، والركوع ، والسجود ، وغيرها من أجزاء وشرائط بالنسبة إلى الصلاة.

٢. أن يكون مقيّدا بعدمها ، ويسمّى «بشرط لا» ، مثل شرط الصلاة بعدم الكلام ، والقهقهة ، والحدث ، إلى غير ذلك من قواطع الصلاة.

٣. أن يكون مطلقا بالنسبة إليها ـ أي غير مقيّد بوجودها ولا بعدمها ـ ، ويسمّى «لا بشرط» ، مثل عدم اشتراط الصلاة بالقنوت ؛ فإنّ وجوبها غير مقيّد بوجوده ولا بعدمه. اهذا في مرحلة الواقع والثبوت.

وأمّا في مرحلة الإثبات والدلالة : فإنّ الدليل الذي يدلّ على وجوب شيء إن دلّ على اعتبار قيد فيه ، أو على اعتبار عدمه فذاك ، وإن لم يكن الدليل متضمّنا لبيان التقييد بما هو محتمل التقييد لا وجودا ولا عدما ، فإنّ المرجع في ذلك هو أصالة الإطلاق ، إذا توفّرت المقدّمات المصحّحة للتمسّك بأصالة الإطلاق على ما سيأتي في بابه ـ وهو باب المطلق والمقيّد (١) ـ ،

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ١٩٦.

٨٨

وبأصالة الإطلاق يستكشف أنّ إرادة المتكلّم الآمر متعلّقة بالمطلق واقعا ، أي إنّ الواجب لم يؤخذ بالنسبة إلى القيد إلاّ على نحو اللابشرط.

والخلاصة أنّه لا مانع من التمسّك بالإطلاق لرفع احتمال التقييد في التقسيمات الأوّليّة.

د. عدم إمكان الإطلاق والتقييد في التقسيمات الثانويّة للواجب

ثمّ إنّ كلّ واجب ـ بعد ثبوت الوجوب وتعلّق الأمر به واقعا ـ ينقسم إلى ما يؤتى به في الخارج بداعي أمره ، وما يؤتى به لا بداعي أمره. ثمّ ينقسم أيضا إلى معلوم الوجوب ومجهوله.

وهذه التقسيمات تسمّى «التقسيمات الثانويّة» ؛ لأنّها من لواحق الحكم وبعد فرض ثبوت الوجوب واقعا ؛ إذ قبل تحقّق الحكم لا معنى لفرض إتيان الصلاة ـ مثلا ـ بداعي أمرها ؛ لأنّ المفروض في هذه الحالة [أنّه] لا أمر بها حتّى يمكن فرض قصده. وكذا الحال بالنسبة إلى العلم والجهل بالحكم.

وفي مثل هذه التقسيمات يستحيل التقييد ـ أي تقييد المأمور به ـ ؛ لأنّ قصد امتثال الأمر ـ مثلا ـ فرع وجود الأمر ، فكيف يعقل أن يكون الأمر مقيّدا به؟! ولازمه أن يكون الأمر فرع قصد الأمر ، وقد كان قصد الأمر فرع وجود الأمر ، فيلزم أن يكون المتقدّم متأخّرا والمتأخّر متقدّما. وهذا خلف أو دور.

وإذا استحال التقييد استحال الإطلاق أيضا ؛ لما قلنا سابقا (١) : إنّ الإطلاق من قبيل عدم الملكة بالقياس إلى التقييد (٢) ، فلا يفرض إلاّ في مورد قابل للتقييد ، ومع عدم إمكان التقييد لا يستكشف من عدم التقييد إرادة الإطلاق.

__________________

(١) قد مرّ في الصفحة : ٨٦.

(٢) اعلم أنّ في تقابل الإطلاق والتقييد أقوالا : منها : أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، وهو المنسوب إلى سلطان العلماء ومن تبعه من المتأخّرين ، كما في فوائد الأصول ٢ : ٥٦٥. ومنها : أنّه تقابل التضادّ ، وهو رأي المشهور إلى زمان سلطان العلماء ، كما في فوائد الأصول ١ : ٥٦٥. ومنها : تقابل التضادّ في مرحلة الثبوت ، والعدم والملكة في مرحلة الإثبات. وهذا ما اختاره المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ١٧٣. ومنها : أنّه تقابل التناقض. وهو مذهب الشهيد الصدر في دروس في علم الأصول ٢ : ٩٠ ـ ٩١.

٨٩

النتيجة

وإذا عرفنا هذه المقدّمات يحسن بنا أن نرجع إلى صلب الموضوع ، فنقول : قد اختلف الأصوليّون في أنّ الأصل في الواجب ـ إذا شكّ في كونه تعبّديّا أو توصّليّا ـ هل إنّه تعبّدي أو توصّليّ؟

ذهب جماعة (١) إلى أنّ الأصل في الواجبات أن تكون عباديّة إلاّ أن يقوم دليل خاصّ على عدم دخل قصد القربة في المأمور به ؛ لأنّه لا بدّ من الإتيان به تحصيلا للفراغ اليقينيّ مع عدم الدليل على الاكتفاء بدونه ، ولا يمكن التمسّك بالإطلاق لنفيه حسب الفرض. وقد تقدّم ذلك في الأمر الأوّل. فتكون أصالة الاحتياط هي المرجع هنا وهي تقتضي العباديّة.

وذهب جماعة (٢) إلى أنّ الأصل في الواجبات أن تكون توصّليّة ، لا لأجل التمسّك بأصالة الإطلاق في نفس الأمر (٣) ، ولا لأجل أصالة البراءة من اعتبار قيد القربة (٤) ، بل نتمسّك لذلك بإطلاق المقام (٥).

توضيح ذلك أنّه لا ريب في أنّ المأمور به إطلاقا وتقييدا يتبع الغرض سعة وضيقا ، فإن كان القيد دخيلا في الغرض فلا بدّ من بيانه وأخذه في المأمور به قيدا ، وإلاّ فلا.

غير أنّ ذلك فيما يمكن أخذه من القيود في المأمور به ـ كما في التقسيمات الأوّليّة ـ أمّا : ما لا يمكن أخذه في المأمور به قيدا ـ كالذي نحن فيه وهو قيد قصد الامتثال ـ فلا يصحّ من الآمر أن يتغافل عنه حيث لا يمكن أخذه قيدا في الكلام الواحد المتضمّن للأمر ، بل لا مناص له عن اتّباع طريقة أخرى ممكنة لاستيفاء غرضه ، ولو بإنشاء أمرين : أحدهما يتعلّق بذات الفعل مجرّدا عن القيد ، والثاني يتعلّق بالقيد ، مثلا لو فرض أنّ غرض

__________________

(١) منهم : صاحب الكفاية. راجع كفاية الأصول : ٩٨.

(٢) ومنهم : الشيخ الأعظم الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٦١.

(٣) حتى يرد عليه ما أورده الشيخ الأعظم الأنصاريّ من أنّ القيد ممّا لا يتحقّق إلاّ بعد الأمر. راجع مطارح الأنظار : ٦٠.

(٤) احتجّ بها على التوصّليّة المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ١٩٣.

(٥) كما أشار إليه المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٩٨ ـ ٩٩.

٩٠

المولى قائم بالصلاة المأتيّ بها بداعي أمرها ؛ فإنّه إذا لم يمكن تقييد المأمور به بذلك في نفس الأمر المتعلّق بها ـ لما عرفت من امتناع التقييد في التقسيمات الثانوية ـ فلا بدّ له ـ أي الآمر ـ لتحصيل غرضه أن يسلك طريقة أخرى ، كأن يأمر أوّلا بالصلاة ثمّ يأمر ثانيا بإتيانها بداعي أمرها الأوّل ؛ مبيّنا ذلك بصريح العبارة.

وهذان الأمران يكونان في حكم أمر واحد ثبوتا وسقوطا ؛ لأنّهما ناشئان من غرض واحد ، والثاني يكون بيانا للأوّل ، فمع عدم امتثال الأمر الثاني لا يسقط الأمر الأوّل بامتثاله فقط ، وذلك بأن يأتي بالصلاة مجرّدة عن قصد أمرها ، فيكون الأمر الثاني بانضمامه إلى الأوّل مشتركا مع التقييد في النتيجة وإن لم يسمّ تقييدا اصطلاحا.

إذا عرفت ذلك فنقول : المولى إذا أمر بشيء ـ وكان في مقام البيان ـ واكتفى بهذا الأمر ولم يلحقه بما يكون بيانا له فلم يأمر ثانيا بقصد الامتثال فإنّه يستكشف منه عدم دخل قصد الامتثال في الغرض ، وإلاّ لبيّنه بأمر ثان. وهذا ما سمّيناه بـ «إطلاق المقام».

وعليه ، فالأصل في الواجبات كونها توصّليّة حتّى يثبت بالدليل أنّها تعبّديّة.

٤. الواجب العينيّ وإطلاق الصيغة

الواجب العينيّ «ما يتعلّق بكلّ مكلّف ولا يسقط بفعل الغير» ، كالصلاة اليوميّة والصوم. ويقابله الواجب الكفائيّ ، وهو «المطلوب فيه وجود الفعل من أيّ مكلّف كان» ، فيسقط بفعل بعض المكلّفين عن الباقي ، كالصلاة على الميّت وتغسيله ودفنه. وسيأتي في تقسيمات الواجب ذكرهما (١).

وفيما يتعلّق بمسألة تشخيص الظهور نقول : إن دلّ الدليل على أنّ الواجب عينيّ أو كفائيّ فذاك ، وإن لم يدلّ فإنّ إطلاق صيغة افعل يقتضي أن يكون عينيّا ، سواء أتى بذلك العمل شخص آخر أم لم يأت به ، فإنّ العقل يحكم بلزوم امتثال الأمر ما لم يعلم سقوطه بفعل الغير.

فالمحتاج إلى مزيد البيان على أصل الصيغة هو الواجب الكفائيّ ، فإذا لم ينصب المولى

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ١٠٧.

٩١

قرينة على إرادته ـ كما هو المفروض ـ يعلم أنّ مراده الواجب العينيّ.

٥. الواجب التعيينيّ وإطلاق الصيغة

الواجب التعيينيّ هو : «الواجب بلا واجب آخر يكون عدلا له وبديلا عنه في عرضه» ، كالصلاة اليوميّة. ويقابله الواجب التخييريّ ، كخصال كفّارة الإفطار العمديّ في صوم شهر رمضان ، المخيّرة بين إطعام ستّين مسكينا ، وصوم شهرين متتابعين ، وعتق رقبة. وسيأتي في الخاتمة توضيح الواجب التعيينيّ والتخييريّ (١).

فإذا علم واجب أنّه من أيّ القسمين فذاك ، وإلاّ فمقتضى إطلاق صيغة الأمر وجوب ذلك الفعل ، سواء أتى بفعل آخر أم لم يأت به ، فالقاعدة تقتضي عدم سقوطه بفعل شيء آخر ؛ لأنّ التخيير محتاج إلى مزيد بيان مفقود.

٦. الواجب النفسيّ وإطلاق الصيغة

الواجب النفسيّ هو «الواجب لنفسه لا لأجل واجب آخر» ، كالصلاة اليوميّة. ويقابله الواجب الغيريّ ، كالوضوء ، فإنّه إنّما يجب مقدّمة للصلاة الواجبة ، لا لنفسه ؛ إذ لو لم تجب الصلاة ، لما وجب الوضوء.

فإذا شكّ في واجب أنّه نفسيّ أو غيريّ ، فمقتضى إطلاق تعلّق الأمر به ـ سواء وجب شيء آخر أم لا ـ أنّه واجب نفسيّ. فالإطلاق يقتضي النفسيّة ما لم تثبت الغيريّة.

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ١٠٥.

٩٢

تمرينات (١٠)

التمرين الأوّل

١. ما هو تعريف الواجب التعبّدي والتوصّلي عند المتأخّرين والقدماء؟

٢. ما هو منشأ الخلاف في أنّ الأصل في الواجبات هو كونها توصّليّة أو تعبّديّة؟

٣. ما معنى قولهم : «الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني»؟

٤. هل يمكن أخذ غير قصد الامتثال من وجوه قصد القربة في المأمور به؟

٥. ما المراد من التقسيمات الأوّليّة والتقسيمات الثانويّة للواجب؟

٦. هل يمكن التمسّك بالإطلاق لرفع احتمال التقييد في التقسيمات الأوّليّة؟ ما الدليل عليه؟

٧. ما الوجه في استحالة التمسّك بالإطلاق لرفع احتمال التقييد في التقسيمات الثانويّة؟

٨. ما دليل القول : بأنّ الأصل في الواجبات أن تكون عباديّة ، وما دليل القول ؛ بأنّ الأصل فيها أن تكون توصّليّة؟ وما هو الأقرب منهما؟ وما وجه الأقربيّة؟

٩. ما هو تعريف الواجب العينيّ والواجب الكفائيّ؟ وأيّهما مقتضى إطلاق صيغة الأمر؟

١٠. ما هو تعريف الواجب التعيينيّ والواجب التعيّنيّ؟ وأيّهما مقتضى إطلاق صيغة الأمر؟

١١. ما هو تعريف الواجب النفسيّ والواجب الغيريّ؟ وأيّهما مقتضى إطلاق صيغة الأمر؟

التمرين الثاني

١. ما هي أدلّة القائلين بامتناع أخذ قيد قصد القربة في متعلّق الأمر امتناعا ذاتيّا؟

٢. ما هي أدلّة القائلين بامتناعه امتناعا غيريّا؟

٣. ما هي الأقوال في تقابل الإطلاق والتقييد؟

٩٣

٧. الفور والتراخي

اختلف الأصوليّون في دلالة صيغة الأمر على الفور والتراخي على أقوال :

١. إنّها موضوعة للفور (١).

٢. إنّها موضوعة للتراخي (٢).

٣. إنّها موضوعة لهما على نحو الاشتراك اللفظي (٣).

٤. إنّها غير موضوعة لا للفور ، ولا للتراخي ، ولا للأعمّ منهما (٤) ، بل لا دلالة لها على أحدهما بوجه من الوجوه. وإنّما يستفاد أحدهما من القرائن الخارجيّة التي تختلف باختلاف المقامات (٥). والحقّ هو الأخير.

والدليل عليه ما عرفت من أنّ صيغة «افعل» إنّما تدلّ على النسبة الطلبيّة ، كما أنّ المادّة لم توضع إلاّ لنفس الحدث غير الملحوظ معه شيء من خصوصيّاته الوجوديّة. وعليه ،

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ الطوسيّ ونسبه إلى كثير من المتكلّمين والفقهاء. راجع العدّة ١ : ٢٢٥ ـ ٢٢٧.

ونسب إلى الحنفيّة والحنابلة من العامّة في الإحكام (للآمدي) ٢ : ٢٤٢ ، ونهاية السئول ٢ : ٢٨٧. وناقش فى نسبته إلى الحنفية صاحب سلّم الوصول (المطبوع بذيل نهاية السئول ٢ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧).

(٢) أي جوازا ، بمعنى أنّه يجوز التراخي كما يجوز الفور. لا وجوبا بمعنى أنّه يجب الفور ، فإنّه لم يقل به أحد ، كما قال المحقّق القمّي : «أمّا القول بتعيين التراخي فلم نقف على مصرّح به». قوانين الأصول ١ : ٩٥.

وهذا القول نسبه الآمديّ إلى الشافعيّة والقاضي أبي بكر وجماعة من الأشاعرة والجبّائي وابنه وأبي الحسين البصريّ. راجع الإحكام (للآمدي) ٢ : ٢٤٢.

(٣) وهذا منسوب إلى الواقفيّة ، فراجع نهاية السئول ٢ : ٢٨٨. ونسبه صاحبا المعالم والمفاتيح إلى السيّد المرتضى ، إلاّ أنّ كلامه صريح في القول الرابع ، حيث قال : «الواجب على من سمع مطلق الأمر .... ويتوقّف في تعيين الوقت أو التخيير فيه على دلالة تدلّ على ذلك ، وهو الصحيح». راجع معالم الدين : ٦٠ ؛ مفاتيح الأصول : ١٢٢ ؛ الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٣١.

(٤) أي على نحو الاشتراك المعنويّ كما نسبه الشوكانى إلى الفخر الرازيّ في إرشاد الفحول : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٥) ذهب إليه المحقّق والعلاّمة والسيّد المرتضى من القدماء ، واختاره كثير من المتأخّرين. فراجع معارج الأصول : ٦٥ ، مبادئ الوصول : ٩٦ ، الذريعة ١ : ١٣١.

وذهب إليه أيضا الآمديّ كما ذهب إليه البيضاويّ ونسبه إلى الحنفيّة والفخر الرازيّ. راجع الإحكام (للآمدي) ٢ : ٢٤٢ ؛ ونهاية السئول ٢ : ٢٨٦.

٩٤

فلا دلالة لها ـ لا بهيئتها ولا بمادّتها ـ على الفور أو التراخي ؛ بل لا بدّ من دالّ آخر على شيء منهما ، فإن تجرّدت عن الدالّ الآخر ، فإنّ ذلك يقتضي جواز الإتيان بالمأمور به على الفور أو التراخي. هذا بالنظر إلى نفس الصيغة.

أمّا بالنظر إلى الدليل الخارجيّ المنفصل ، فقد قيل بوجود الدليل على الفور في جميع الواجبات على نحو العموم إلاّ ما دلّ عليه دليل خاصّ ينصّ على جواز التراخي فيه بالخصوص. وقد ذكروا لذلك آيتين :

الأولى : قوله (تعالى) : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (١). وتقريب الاستدلال بها أنّ المسارعة إلى المغفرة لا تكون إلاّ بالمسارعة إلى سببها ، وهو الإتيان بالمأمور به ؛ لأنّ المغفرة فعل الله (تعالى) فلا معنى لمسارعة العبد إليها. وعليه فتكون المسارعة إلى فعل المأمور به واجبا ؛ لما مرّ من ظهور صيغة «افعل» في الوجوب (٢).

الثانية : قوله (تعالى) : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (٣)) فإنّ الاستباق بالخيرات عبارة أخرى عن الإتيان بها فورا.

والجواب (٤) عن الاستدلال بكلتا الآيتين أنّ الخيرات وسبب المغفرة كما تصدق على الواجبات تصدق على المستحبّات أيضا ، فتكون المسارعة والاستباق شاملين لما هما في المستحبّات أيضا. ومن البديهيّ عدم وجوب المسارعة فيها ، كيف وهي يجوز تركها رأسا. وإذا كانتا شاملتين للمستحبّات بعمومهما كان ذلك قرينة على أنّ طلب المسارعة ليس على نحو الإلزام ؛ فلا تبقى لهما دلالة على الفوريّة في عموم الواجبات.

بل لو سلّمنا باختصاصهما بالواجبات لوجب صرف ظهور صيغة «افعل» فيهما في الوجوب وحملها على الاستحباب ؛ نظرا إلى أنّا نعلم عدم وجوب الفوريّة في أكثر الواجبات ، فيلزم تخصيص الأكثر بإخراج أكثر الواجبات عن عمومها. ولا شكّ أنّ الإتيان

__________________

(١) آل عمران (٣) الآية : ١٣٣.

(٢) مرّ في الصفحة : ٨١ ـ ٨٣.

(٣) البقرة (٢) الآية : ١٤٨ ؛ المائدة (٥) الآية : ٤٨.

(٤) كما في كفاية الأصول : ١٠٣.

٩٥

بالكلام عامّا مع تخصيص الأكثر وإخراجه من العموم بعد ذلك قبيح في المحاورات العرفيّة ، ويعدّ الكلام عند العرف مستهجنا. فهل ترى يصحّ لعارف بأساليب الكلام أن يقول مثلا : «بعت أموالي» ثمّ يستثني واحدا فواحدا حتّى لا يبقى تحت العامّ إلاّ القليل؟! لا شكّ في أنّ هذا الكلام يعدّ مستهجنا ، لا يصدر عن حكيم عارف.

إذن ، لا يبقى مناص عن حمل الآيتين على الاستحباب.

٨. المرّة والتكرار (١)

واختلفوا أيضا في دلالة صيغة «افعل» على المرّة والتكرار على أقوال ، كاختلافهم في الفور والتراخي.

والمختار هنا كالمختار هناك ، والدليل نفس الدليل من عدم دلالة الصيغة لا بهيئتها ولا بمادّتها على المرّة ولا التكرار ؛ لما عرفت من أنّها لا تدلّ على أكثر من طلب نفس الطبيعة من حيث هي ، فلا بدّ من دالّ آخر على كلّ منهما.

أمّا الإطلاق فإنّه يقتضي الاكتفاء بالمرّة. وتفصيل ذلك أنّ مطلوب المولى لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة ـ ويختلف الحكم فيها من ناحية جواز الاكتفاء وجواز التكرار ـ :

١. أن يكون المطلوب صرف وجود الشيء بلا قيد ولا شرط ، بمعنى أنّه يريد ألاّ يبقى مطلوبه معدوما ، بل يخرج من ظلمة العدم إلى نور الوجود لا أكثر ، ولو بفرد واحد. ولا محالة ـ حينئذ ـ ينطبق المطلوب قهرا على أوّل وجوداته ، فلو أتى المكلّف بما أمر به أكثر من مرّة فالامتثال يكون بالوجود الأوّل ، ويكون الثاني لغوا محضا ، كالصلاة اليوميّة.

__________________

(١) المرّة والتكرار لهما معنيان : الأوّل : الدفعة والدفعات ، الثاني : الفرد والأفراد. والظاهر أنّ المراد منهما في محلّ النزاع هو المعنى الأوّل. والفرق بينهما أنّ الدفعة قد تتحقّق بفرد واحد من الطبيعة المطلوبة ، وقد تتحقّق بأفراد متعدّدة إذا جيء بها في زمان واحد. فلذلك تكون الدفعة أعمّ من الفرد مطلقا ، كما أنّ الأفراد أعمّ مطلقا من الدفعات ؛ لأنّ الأفراد ـ كما قلنا ـ قد تحصل دفعة واحدة وقد تحصل بدفعات. ـ منه رحمه‌الله ـ.

وأقول : اختلفوا في أنّه هل المراد من المرّة والتكرار هو الدفعة والدفعات أو الفرد والأفراد أو الأعمّ منهما؟ فذهب صاحب الفصول إلى الأوّل ونسب الثاني إلى بعض معاصريه. وذهب المحقّق الخراسانيّ إلى الثالث. فراجع الفصول الغرويّة : ٧١ ؛ كفاية الأصول : ١٠١.

٩٦

٢. أن يكون المطلوب الوجود الواحد بقيد الواحدة ـ أي بشرط ألاّ يزيد على أوّل وجوداته ـ ، فلو أتى المكلّف حينئذ بالمأمور به مرّتين لا يحصل الامتثال أصلا ، كتكبيرة الإحرام للصلاة ؛ فإنّ الإتيان بالثانية عقيب الأولى مبطل للأولى ، وهي تقع باطلة.

٣. أن يكون المطلوب الوجود المتكرّر ، إمّا بشرط تكرّره فيكون المطلوب هو المجموع بما هو مجموع ، فلا يحصل الامتثال بالمرّة أصلا ، كركعات الصلاة الواحدة ، وإمّا لا بشرط تكرّره ـ بمعنى أنّه يكون المطلوب كلّ واحد من الوجودات ـ ، كصوم أيّام شهر رمضان ، فلكلّ مرّة امتثالها الخاصّ.

ولا شكّ أنّ الوجهين الأخيرين يحتاجان إلى بيان زائد على مفاد الصيغة. فلو أطلق المولى ولم يقيّد بأحد الوجهين ـ وهو في مقام البيان ـ كان إطلاقه دليلا على إرادة الوجه الأوّل. وعليه ، يحصل الامتثال ـ كما قلنا ـ بالوجود الأوّل ، ولكن لا يضرّ الوجود الثاني ، كما أنّه لا أثر له في الامتثال وغرض المولى.

وممّا ذكرنا يتّضح أنّ مقتضى الإطلاق جواز الإتيان بأفراد كثيرة معا دفعة واحدة ، ويحصل الامتثال بالجميع. فلو قال المولى : «تصدّق على مسكين» فمقتضى الإطلاق جواز الاكتفاء بالتصدّق مرّة واحدة على مسكين واحد ، وحصول الامتثال بالتصدّق على عدّة مساكين دفعة واحدة ، ويكون امتثالا واحدا بالجميع ؛ لصدق صرف الوجود على الجميع ؛ إذ الامتثال كما يحصل بالفرد الواحد يحصل بالأفراد المجتمعة الوجود.

٩. هل يدلّ نسخ الوجوب على الجواز؟

إذا وجب شيء في زمان بدلالة الأمر ثمّ نسخ ذلك الوجوب قطعا فقد اختلفوا في بقاء الجواز الذي كان مدلولا للأمر ؛ لأنّ الأمر كان يدلّ على جواز الفعل مع المنع من تركه ، فمنهم من قال ببقاء الجواز (١) ، ومنهم من قال بعدمه (٢).

__________________

(١) قال به المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ٣٨٩ ـ ٣٩١.

(٢) ذهب إليه المحقّق القميّ وصاحب الفصول ، فراجع قوانين الأصول ١ : ١٢٧ ، والفصول : ١١١. واختاره ـ

٩٧

ويرجع النزاع ـ في الحقيقة ـ إلى النزاع في مقدار دلالة نسخ الوجوب ، فإنّ فيه احتمالين :

١. إنّه يدلّ على رفع خصوص المنع من الترك فقط ، وحينئذ تبقى دلالة الأمر على الجواز على حالها لا يمسّها النسخ ، وهو القول الأوّل. ومنشأ هذا أنّ الوجوب ينحلّ إلى الجواز والمنع من الترك ، ولا شأن في النسخ إلاّ رفع المنع من الترك فقط ، ولا تعرّض له لجنسه وهو الجواز ، أي الإذن في الفعل.

٢. إنّه يدلّ على رفع الوجوب من أصله ، فلا يبقى لدليل الوجوب شيء يدلّ عليه. ومنشأ هذا هو أنّ الوجوب معنى بسيط لا ينحلّ إلى جزءين ، فلا يتصوّر في النسخ أنّه رفع للمنع من الترك فقط.

والمختار هو القول الثاني ؛ لأنّ الحقّ أنّ الوجوب أمر بسيط ، وهو الإلزام بالفعل ، (١) ولازمه المنع من الترك ، كما أنّ الحرمة هي المنع من الفعل ، ولازمها الإلزام بالترك ، وليس الإلزام بالترك ـ الذي معناه وجوب الترك ـ جزءا من معنى حرمة الفعل ، وكذلك المنع من الترك ـ الذي معناه حرمة الترك ـ ليس جزءا من معنى وجوب الفعل ، بل أحدهما لازم للآخر ينشأ منه تبعا له.

فثبوت الجواز بعد النسخ للوجوب يحتاج إلى دليل خاصّ يدلّ عليه ولا يكفي دليل الوجوب ، فلا دلالة لدليل الناسخ ولا لدليل المنسوخ على الجواز ، ويمكن أن يكون الفعل بعد نسخ وجوبه محكوما بكلّ واحد من الأحكام الأربعة الباقية.

وهذا البحث لا يستحقّ أكثر من هذا الكلام ؛ لقلّة البلوى به. وما ذكرناه فيه الكفاية.

١٠. الأمر بشيء مرّتين

إذا تعلّق الأمر بفعل مرّتين فهو يمكن أن يقع على صورتين :

١. أن يكون الأمر الثاني بعد امتثال الأمر الأوّل. وحينئذ لا شبهة في لزوم امتثاله ثانيا.

__________________

ـ المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ١٧٣ ، والسيّد الامام الخمينيّ في مناهج الوصول ٢ : ٨١ ، والمحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٤ : ٢٢.

(١) فإنّ الوجوب ـ وهو الإلزام بالفعل ـ أمر اعتباريّ ، والاعتبار بسيط فى غاية البساطة.

٩٨

٢. أن يكون الأمر الثاني قبل امتثال الأمر الأوّل. وحينئذ يقع الشكّ في وجوب امتثاله مرّتين أو كفاية المرّة الواحدة في الامتثال. فإن كان الأمر الثاني تأسيسا لوجوب آخر تعيّن الامتثال مرّة بعد أخرى ، وإن كان تأكيدا للأمر الأوّل فليس لهما إلاّ امتثال واحد. ولتوضيح الحال وبيان الحقّ في المسألة نقول : إنّ هذا الفرض له أربع حالات :

الأولى : أن يكون الأمران معا غير معلّقين على شرط ، كأن يقول مثلا : «صلّ» ثمّ يقول ثانيا : «صلّ» ، فإنّ الظاهر حينئذ أن يحمل الأمر الثاني على التأكيد ؛ لأنّ الطبيعة الواحدة يستحيل تعلّق الأمرين بها من دون امتياز في البين ، فلو كان الثاني تأسيسا غير مؤكّد للأوّل لكان على الآمر تقييد متعلّقه ولو بنحو «مرّة أخرى». فمن عدم التقييد وظهور وحدة المتعلّق فيهما يكون اللفظ في الثاني ظاهرا في التأكيد ، وإن كان التأكيد في نفسه خلاف الأصل وخلاف ظاهر الكلام لو خلّي ونفسه.

الثانية : أن يكون الأمران معا معلّقين على شرط واحد ، كأن يقول المولى مثلا : «إن كنت محدثا فتوضّأ» ، ثمّ يكرّر نفس القول ثانيا. ففي هذه الحالة أيضا يحمل على التأكيد ؛ لعين ما قلناه في الحالة الأولى بلا تفاوت.

الثالثة : أن يكون أحد الأمرين معلّقا والآخر غير معلّق ، كأن يقول مثلا : «اغتسل» ثمّ يقول : «إن كنت جنبا فاغتسل». ففي هذه الحالة أيضا يكون المطلوب واحدا ويحمل على التأكيد ؛ لوحدة المأمور به ظاهرا المانعة من تعلّق الأمرين به ، غير أنّ الأمر المطلق ـ أعني غير المعلّق ـ يحمل إطلاقه على المقيّد ـ أعني المعلّق ـ ، فيكون الثاني مقيّدا لإطلاق الأوّل وكاشفا عن المراد منه.

الرابعة : أن يكون أحد الأمرين معلّقا على شيء والآخر معلّقا على شيء آخر ، كأن يقول مثلا : «إن كنت جنبا فاغتسل» ويقول : «إن مسست ميّتا فاغتسل» ، ففي هذه الحالة يحمل ـ ظاهرا ـ على التأسيس ؛ لأنّ الظاهر أنّ المطلوب في كلّ منهما غير المطلوب في الآخر. ويبعد جدّا حمله على أنّ المطلوب واحد ، أمّا التأكيد : فلا معنى له هنا ، وأمّا القول بالتداخل بمعنى الاكتفاء بامتثال واحد عن المطلوبين : فهو ممكن ، ولكنّه ليس من باب التأكيد ، بل لا يفرض إلاّ بعد فرض التأسيس وأنّ هناك أمرين يمتثلان معا بفعل واحد ؛

٩٩

ولكنّ التداخل ـ على كلّ حال ـ خلاف الأصل ، ولا يصار إليه إلاّ بدليل خاصّ ، كما ثبت في غسل الجنابة أنّه يجزئ عن كلّ غسل آخر ، وسيأتي البحث عن التداخل مفصّلا في مفهوم الشرط (١).

١١. دلالة الأمر بالأمر على الوجوب

إذا أمر المولى أحد عبيده أن يأمر عبده الآخر بفعل ، فهل هو أمر بذلك الفعل حتّى يجب على الثاني فعله؟ [اختلفوا] على قولين. وهذا يمكن فرضه على نحوين :

١. أن يكون المأمور الأوّل على نحو المبلّغ لأمر المولى إلى المأمور الثاني ، مثل أن يأمر رئيس الدولة وزيره أن يأمر الرعيّة عنه بفعل. وهذا النحو لا شكّ خارج عن محلّ الخلاف ؛ لأنّه لا يشكّ أحد في ظهوره في وجوب الفعل على المأمور الثاني. وكلّ أوامر الأنبياء بالنسبة إلى المكلّفين من هذا القبيل.

٢. ألاّ يكون المأمور الأوّل على نحو المبلّغ ، بل هو مأمور أن يستقلّ في توجيه الأمر إلى الثاني من قبل نفسه ، وعلى نحو قول الإمام عليه‌السلام «مروهم بالصّلاة وهم أبناء سبع (٢)» ، يعني الأطفال.

وهذا النحو هو محلّ الخلاف والبحث. ويلحق به ما لم يعلم الحال فيه أنّه على أيّ نحو من النحوين المذكورين.

والمختار أنّ مجرّد الأمر بالأمر ظاهر عرفا في وجوبه على الثاني.

وتوضيح ذلك أنّ الأمر بالأمر لا على نحو التبليغ يقع على صورتين :

الأولى : أن يكون غرض المولى يتعلّق بفعل المأمور الثاني ، ويكون أمره بالأمر طريقا للتوصّل إلى حصول غرضه. وإذا عرف غرضه أنّه على هذه الصورة يكون أمره بالأمر

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ١٢٧ ـ ١٣٠.

(٢) وإليك نصّ الرواية : عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه ، فقال : «إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين ، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين». الوسائل ٣ : ١٢ ، الباب ٣ من أبواب أعداد الفرائض ، الحديث ٥.

١٠٠