اُصول الفقه

الشيخ محمّد رضا المظفّر

اُصول الفقه

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-003-3
الصفحات: ٦٨٨

باعتقاد إباحته». (١)

وغرضه قدس‌سره من التعبّد باعتقاد إباحته فيما إذا كان مباحا ، ليس مجرّد الاعتقاد ، حتى يرد عليه ـ كما في الفصول (٢) ـ بأنّ ذلك أسوة في الاعتقاد لا الفعل ، بل يريد ـ كما هو الظاهر من صدر كلامه ـ أنّ معنى الأسوة في المباح هو أن نتخيّر في الفعل والترك ـ أي لا نلتزم بالفعل ولا بالترك ـ ، إذ الأسوة في كلّ شيء بحسب ما له من الحكم ، فلا تتحقّق الأسوة في المباح بالنسبة إلى الإتيان بفعل الغير إلاّ بالاعتقاد بالإباحة.

ثمّ نزيد على ما ذكره العلاّمة ، فنقول : إنّ الآية الكريمة لا دلالة لها على أكثر من رجحان الأسوة وحسنها ، فلا نسلّم دلالتها على وجوب التأسّي ؛ مضافا إلى أنّ الآية نزلت في واقعة الأحزاب ، فهي واردة مورد الحثّ على التأسّي به في الصبر على القتال ، وتحمّل مصائب الجهاد في سبيل الله ، فلا عموم لها بلزوم التأسّي ، أو حسنه في كلّ فعل ، حتى الأفعال العاديّة. وليس معنى هذا أنّنا نقول بأنّ المورد يقيّد المطلق أو يخصّص العامّ ، بل إنّما نقول : إنّه يكون عقبة في إتمام مقدّمات الحكمة للتمسّك بالإطلاق ، فهو يضرّ بالإطلاق من دون أن يكون له ظهور في التقييد ، كما نبّهنا على ذلك في أكثر من مناسبة.

والخلاصة أنّ دعوى دلالة هذه الآية الكريمة على وجوب فعل ما يفعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقا ، أو استحبابه مطلقا ، بالنسبة إلينا بعيدة كلّ البعد عن التحقيق.

وكذلك دعوى دلالة الآيات الآمرة بإطاعة الرسول (٣) أو باتّباعه (٤) على وجوب كلّ ما يفعله في حقّنا ، (٥) فإنّها أوهن من أن نذكرها لردّها. (٦)

٢ ـ في حجّيّة فعل المعصوم بالنسبة إلينا ؛ فإنّه قد وقع كلام للأصوليّين في أنّ فعله إذا

__________________

(١) مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٦٨.

(٢) الفصول الغرويّة : ٣١٣.

(٣) كقوله (تعالى) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.) النساء (٤) الآية : ٥٩.

(٤) كقوله (تعالى) : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ.) الحشر (٥٩) الآية : ٧. وقوله (تعالى) : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) آل عمران (٣) الآية : ٣١.

(٥) والمدّعي لذلك بعض العامّة الذي ذكرناه آنفا.

(٦) وإن شئت فراجع العدّة ٢ : ٥٧٥ ـ ٥٨١ ؛ قوانين الأصول ١ : ٤٩١ ، الفصول الغرويّة : ٣١٤.

٤٢١

ظهر وجهه أنّه على نحو الإباحة ، أو الوجوب ، أو الاستحباب ـ مثلا ـ هل هو حجّة بالنسبة إلينا؟ أي إنّه هل يدلّ على اشتراكنا معه وتعدّيه إلينا ، فيكون مباحا لنا ، كما كان مباحا له ، أو واجبا علينا ، كما كان واجبا عليه ... وهكذا؟

ومنشأ الخلاف أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اختصّ بأحكام لا تتعدّى إلى غيره ، ولا يشترك [فيها] معه باقي المسلمين ، مثل : وجوب التهجّد في الليل ، وجواز العقد على أكثر من أربع زوجات.

وكذلك له من الأحكام ما يختصّ بمنصب الولاية العامّة ، فلا تكون لغير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام باعتبار أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. (١)

فإن علم أنّ الفعل الذي وقع من المعصوم من مختصّاته فلا شكّ في أنّه لا مجال لتوهّم تعدّيه إلى غيره ، وإن علم عدم اختصاصه به بأيّ نحو من أنحاء الاختصاص (٢) ، فلا شكّ في أنّه يعمّ جميع المسلمين ، فيكون فعله حجّة علينا.

هذا كلّه ليس موضع الكلام ، وإنّما موضع الشبهة في الفعل الذي لم يظهر حاله في كونه من مختصّاته ، أو ليس من مختصّاته ، ولا قرينة تعيّن أحدهما ، فهل هذا بمجرّده كاف للحكم بأنّه من مختصّاته ، أو للحكم بعمومه للجميع ، أو أنّه غير كاف ، فلا ظهور له أصلا في كلّ من النحوين؟ وجوه ، بل أقوال. (٣)

والأقرب هو الوجه الثاني. (٤)

والوجه في ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر مثلنا ، له ما لنا ، وعليه ما علينا ، وهو مكلّف من الله (تعالى) بما كلّف به الناس ، إلاّ ما قام الدليل الخاصّ على اختصاصه ببعض الأحكام ، إمّا من جهة شخصه بذاته ، وإمّا من جهة منصب الولاية ، فما لم يخرجه الدليل فهو كسائر الناس في التكليف ؛ هذا مقتضى عموم أدلّة اشتراكه معنا في التكليف (٥) ؛ فإذا صدر منه فعل

__________________

(١) كما قال الله (تعالى) : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) الأحزاب (٣٣) الآية : ٦.

(٢) أي : سواء كان من جهة شخص المعصوم أو من جهة منصب ولايته العامّة.

(٣) ذكرها الآمدي في : الإحكام ١ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٤) وهذا ما ذهب إليه الأكثر. منهم : المحقّق القمّي من الإماميّة في قوانين الأصول ١ : ٤٩٢ ، والآمديّ من العامّة في الإحكام ١ : ٢٦٦.

(٥) وهي عمومات التكاليف في القرآن.

٤٢٢

ولم يعلم اختصاصه به فالظاهر في فعله أنّ حكمه فيه حكم سائر الناس ؛ فيكون فعله حجّة علينا ، وحجّة لنا ، لا سيّما مع ما دلّ على عموم حسن التأسّي به. (١)

ولا نقول ذلك من جهة قاعدة الحمل على الأعمّ الأغلب ، فإنّا لا نرى حجّيّة مثل هذه القاعدة في كلّ مجالاتها. وإنّما ذلك من باب التمسّك بالعامّ في الدوران في التخصيص بين الأقلّ والأكثر.

٢. دلالة تقرير المعصوم

المقصود من تقرير المعصوم أن يفعل شخص بمشهد المعصوم وحضوره فعلا ، فيسكت المعصوم عنه ، مع توجّهه إليه ، وعلمه بفعله ، وكان المعصوم بحالة يسعه تنبيه الفاعل لو كان مخطئا. والسعة تكون من جهة عدم ضيق الوقت عن البيان ، ومن جهة عدم المانع منه ، كالخوف ، والتقيّة ، واليأس من تأثير الإرشاد ، والتنبيه ، ونحو ذلك ؛ فإنّ سكوت المعصوم عن ردع الفاعل ، أو عن بيان شيء حول الموضوع لتصحيحه يسمّى تقريرا للفعل ، أو إقرارا عليه ، أو إمضاء له ، ما شئت فعبّر.

وهذا التقرير ـ إذا تحقّق بشروطه المتقدّمة ـ فلا شكّ في أنّه يكون ظاهرا في كون الفعل جائزا فيما إذا كان محتمل الحرمة ، كما أنّه يكون ظاهرا في كون الفعل مشروعا صحيحا فيما إذا كان عبادة أو معاملة ؛ لأنّه لو كان في الواقع محرّما أو كان فيه خلل لكان على المعصوم نهيه عنه وردعه إذا كان الفاعل عالما عارفا بما يفعل ، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكان عليه بيان الحكم ووجه الفعل ؛ إذا كان الفاعل جاهلا بالحكم ، وذلك من باب وجوب تعليم الجاهل.

ويلحق بتقرير الفعل تقرير بيان الحكم ، كما لو بيّن شخص بمحضر المعصوم حكما ، أو كيفيّة عبادة ، أو معاملة ، وكان بوسع المعصوم البيان فإنّ سكوت الإمام يكون ظاهرا في كونه إقرارا على قوله ، وتصحيحا وإمضاء له.

وهذا كلّه واضح ، ليس فيه موضع للخلاف.

__________________

(١) كقوله (تعالى) : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب (٣٣) الآية : ٢١.

٤٢٣

تمرينات (٥٤)

١. ما هو معنى السنّة في اصطلاح فقهاء العامّة؟ وما هو منشأ هذا الاصطلاح؟

٢. ما هو معنى السنّة في اصطلاح فقهاء الإماميّة؟ وما هو منشأ هذا الاصطلاح؟

٣. ما الفرق بين الحديث والسنّة؟

٤. اذكر الأقوال في دلالة فعل المعصوم المجرّد عن القرائن على أكثر من إباحة الفعل. واذكر الحقّ منها.

٥. ما هو دليل القائلين بدلالة فعل المعصوم على وجوب الفعل بالنسبة إلينا؟ وما هو جواب العلاّمة الحلّي والمصنّف عنه؟

٦. اذكر الأقوال في حجّيّة فعل المعصوم بالنسبة إلينا. واذكر الراجح منها ، والوجه في رجحانه.

٧. ما هو المقصود من تقرير المعصوم؟

٨. هل تقرير المعصوم حجّة أو لا؟

٩. ما الفرق بين تقرير الفعل ، وتقرير بيان الحكم؟

٤٢٤

٣. الخبر المتواتر

إنّ الخبر على قسمين رئيسين : خبر متواتر ، وخبر واحد.

و «المتواتر» : ما أفاد سكون النفس سكونا يزول معه الشكّ ، ويحصل الجزم القاطع من أجل إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب. ويقابله «خبر الواحد» في اصطلاح الأصوليّين ، وإن كان المخبر أكثر من واحد ، ولكن لم يبلغ المخبرون حدّ التواتر ، وقد شرحنا حقيقة التواتر في كتاب المنطق ، فراجع (١).

والذي ينبغي ذكره هنا أنّ الخبر قد يكون له وسائط كثيرة في النقل ، كالأخبار التي تصلنا عن الحوادث القديمة ؛ فإنّه يجب ـ ليكون الخبر متواترا موجبا للعلم ـ أن تتحقّق شروط التواتر في كلّ طبقة طبقة من وسائط الخبر ، وإلاّ فلا يكون الخبر متواترا في الوسائط المتأخّرة ؛ لأنّ النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات.

والسرّ في ذلك واضح ؛ لأنّ الخبر ذا الوسائط يتضمّن في الحقيقة عدّة أخبار متتابعة ؛ إذ إنّ كلّ طبقه تخبر عن خبر الطبقة السابقة عليها ، فحينما يقول جماعة : «حدّثنا جماعة عن كذا» ، بواسطة واحدة ـ مثلا ـ ، فإنّ خبر الطبقة الأولى الناقلة لنا يكون في الحقيقة خبرها ليس عن نفس الحادثة ، بل عن خبر الطبقة الثانية عن الحادثة. وكذلك إذا تعدّدت الوسائط إلى أكثر من واحدة ، فهذه الوسائط هي خبر عن خبر ، حتى تنتهي إلى الواسطة الأخيرة التي تنقل عن نفس الحادثة ، فلا بدّ أن تكون الجماعة الأولى خبرها متواترا عن خبر متواتر عن متواتر وهكذا ؛ إذ كلّ خبر من هذه الأخبار له حكمه في نفسه. ومتى اختلّ شرط التواتر في طبقة واحدة خرج الخبر جملة عن كونه متواترا ، وصار من أخبار الآحاد.

وهكذا الحال في أخبار الآحاد ؛ فإنّ الخبر الصحيح ذا الوسائط إنّما يكون صحيحا إذا توفّرت (٢) شروط الصحّة في كلّ واسطة من وسائطه ، وإلاّ فالنتيجة تتبع أخسّ المقدّمات.

__________________

(١) المنطق ٣ : ٢٨٤.

(٢) أي : اجتمعت.

٤٢٥

٤. خبر الواحد

إنّ خبر الواحد ـ وهو ما لا يبلغ حدّ التواتر من الأخبار ـ قد يفيد علما وإن كان المخبر شخصا واحدا ؛ وذلك فيما إذا احتفّ خبره بقرائن توجب العلم بصدقه ، ولا شكّ في أنّ مثل هذا الخبر حجّة. وهذا لا بحث لنا فيه ؛ لأنّه مع حصول العلم تحصل الغاية القصوى ؛ إذ ليس وراء العلم غاية في الحجّيّة ، وإليه تنتهي حجّيّة كلّ حجّة ، كما تقدّم (١).

وأمّا : إذا لم يحتفّ بالقرائن الموجبة للعلم بصدقه ـ وإن احتفّ بالقرائن الموجبة للاطمئنان إليه دون مرتبة العلم ـ فقد وقع الخلاف العظيم في حجّيّته وشروط حجّيّته ، والخلاف في الحقيقة ـ عند الإماميّة بالخصوص ـ يرجع إلى الخلاف في قيام الدليل القطعيّ على حجّيّة خبر الواحد ، وعدم قيامه ، وإلاّ فمن المتّفق عليه عندهم أنّ خبر الواحد ـ بما هو خبر مفيد للظنّ الشخصيّ أو النوعيّ ـ لا عبرة به ؛ لأنّ الظنّ في نفسه ليس حجّة عندهم قطعا ، فالشأن كلّ الشأن عندهم في حصول هذا الدليل القطعيّ ، ومدى دلالته.

فمن ينكر حجّيّة خبر الواحد ، كالسيّد الشريف المرتضى ، ومن اتّبعه إنّما ينكر وجود هذا الدليل القطعيّ ؛ ومن يقول بحجّيّته ، كالشيخ الطوسيّ ، وباقي العلماء يرى وجود الدليل القاطع. ولأجل أن يتّضح ما نقول ننقل نصّ أقوال الطرفين في ذلك :

قال الشيخ الطوسيّ في «العدّة» : «من عمل بخبر الواحد فإنّما يعمل به إذا دلّ [دليل] على وجوب العمل به ، إمّا من الكتاب ، أو السنّة ، أو الإجماع ، فلا يكون قد عمل بغير علم» (٢).

وصرّح بذلك السيّد المرتضى في «الموصليّات» (٣) حسبما نقله عنه الشيخ ابن إدريس في مقدّمة كتابه «السرائر» (٤) فقال : «لا بدّ في الأحكام الشرعيّة من طريق يوصل إلى العلم» إلى أن قال : «ولذلك أبطلنا في الشريعة العمل بأخبار الآحاد ؛ لأنّها لا توجب علما ولا عملا ،

__________________

(١) تقدّم في الصفحات : ٣٧٦ ـ ٣٧٩.

(٢) العدّة ١ : ١٠٦.

(٣) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥.

(٤) السرائر ١ : ٤٦ ـ ٤٧.

٤٢٦

وأوجبنا أن يكون العمل تابعا للعلم ؛ لأنّ خبر الواحد إذا كان عدلا (١) ، فغاية ما يقتضيه الظنّ بصدقه ، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذبا».

وأصرح منه قوله بعد ذلك : «والعقل يمنع من العبادة بالقياس والعمل بخبر الواحد. ولو تعبّد الله (تعالى) بذلك ، لساغ ولدخل في باب الصحّة ؛ لأنّ عبادته بذلك لا توجب العلم الذي لا بدّ أن يكون العمل تابعا له».

وعلى هذا ، فيتّضح أنّ المسلّم فيه عند الجميع أنّ خبر الواحد ـ لو خلّي ونفسه ـ لا يجوز الاعتماد عليه ؛ لأنّه لا يفيد إلاّ الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئا (٢). وإنّما موضع النزاع هو قيام الدليل القطعيّ على حجّيّته.

وعلى هذا ، فقد وقع الخلاف في ذلك على أقوال كثيرة : (٣)

فمنهم : من أنكر حجّيّته مطلقا ، وقد حكي هذا القول عن السيّد المرتضى (٤) ، والقاضي (٥) وابن زهرة (٦) ، والطبرسيّ (٧) وابن إدريس (٨) ، وادّعوا في ذلك الإجماع. ولكن هذا القول منقطع الآخر ، فإنّه لم يعرف موافق لهم بعد عصر ابن إدريس إلى يومنا هذا.

ومنهم : من قال : «إنّ الأخبار المدوّنة في الكتب المعروفة ـ لا سيّما الكتب الأربعة ـ مقطوعة الصدور». وهذا ما ينسب إلى جماعة من متأخّري الأخباريّين (٩). قال الشيخ الأنصاريّ

__________________

(١) أي إذا كان راويه الواحد عادلا.

(٢) خلافا لبعض علماء العامّة الذي حكي عنهم أنّه يفيد العلم. فراجع الإحكام (للآمدي) ١ : ١١٢ ؛ إرشاد الفحول : ٤٨.

(٣) ذكرها الشيخ الطوسيّ في العدّة ١ : ٩٧ ـ ١٠٠.

(٤) راجع رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥ ؛ الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٢٨ ـ ٥٣١. وذهب إليه أيضا بعض العامّة ، كمحمّد بن إسحاق القاساني ، وابن داود ، كما في التبصرة في أصول الفقه : ٣٠٣.

(٥) هو أبو القاسم بن نحرير بن عبد العزيز بن برّاج ، حكاه عنه صاحب المعالم في معالم الدين : ٢٠٧.

(٦) غنية النزوع «ضمن الجوامع الفقهيّة» : ٤٧٥.

(٧) مجمع البيان ٩ : ١٩٩.

(٨) السرائر ١ : ٤٨.

(٩) منهم : العلاّمة البحرانيّ في الحدائق الناضرة ٩ : ٣٥٦ ـ ٣٥٨ ، والمحدّث الاسترآباديّ في الفوائد المدنيّة : ٥٢ ـ ٥٣.

٤٢٧

تعقيبا على ذلك : «وهذا قول لا فائدة في بيانه والجواب عنه إلاّ التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم ، كما حصل لهم ، وإلاّ فمدّعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبنى قطعه ...» (١).

وأمّا : القائلون بحجّيّة الخبر الواحد فقد اختلفوا أيضا ، فبعضهم يرى أنّ المعتبر من الأخبار هو كلّ ما في الكتب الأربعة ، بعد استثناء ما كان فيها مخالفا للمشهور (٢). وبعضهم يرى أنّ المعتبر بعضها ، والمناط في الاعتبار عمل الأصحاب ، كما يظهر ذلك من المنقول عن المحقّق في «المعارج» (٣). وقيل : المناط فيه عدالة الراوي (٤) أو مطلق وثاقتة (٥) ، أو مجرّد الظنّ بالصدور من غير اعتبار صفة في الراوي ... (٦) إلى غير ذلك من التفصيلات.

والمقصود لنا الآن بيان إثبات حجّيّته بالخصوص ـ في الجملة ـ في مقابل السلب الكلّيّ ، ثمّ ننظر في مدى دلالة الأدلّة على ذلك. فالعمدة أن ننظر أوّلا : في الأدلّة التي ذكروها من الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، وبناء العقلاء ، ثمّ في مدى دلالتها :

أ. أدلّة حجّيّة خبر الواحد من الكتاب العزيز

تمهيد

لا يخفى أنّ من يستدلّ على حجّيّة خبر الواحد بالآيات الكريمة لا يدّعي أنّها نصّ قطعيّ الدلالة على المطلوب ، وإنّما أقصى ما يدّعيه أنّها ظاهرة فيه. (٧)

وإذا كان الأمر كذلك فقد يشكل (٨) الخصم بأنّ الدليل على حجّيّة الحجّة يجب أن يكون

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٠٩.

(٢) وهذا ما ذهب إليه المحقّق المولى أحمد النراقيّ في مناهج الأحكام والأصول : ١٦١ و ١٦٧.

(٣) معارج الأصول : ١٤٩. واختاره الفاضل التونيّ في الوافية في أصول الفقه : ١٦٦.

(٤) هذا ما اختاره العلاّمة الحلّي ، وصاحب المعالم. راجع مبادئ الوصول : ٢٠٦ ، ومعالم الدين : ٢٢١.

(٥) وهذا منسوب إلى شيخ الطائفة. راجع معارج الأصول : ١٤٩ ، وقوانين الأصول ١ : ٤٥٩.

(٦) كما يظهر من المحقّق القمي في قوانين الأصول ١ : ٤٥٦. وصرّح بذلك أيضا صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٢٩٤.

(٧) أي في المطلوب.

(٨) هذا الاستعمال صحيح بالتضمّن والتضمين.

٤٢٨

قطعيّا ـ كما تقدّم (١) ـ فلا يصحّ الاستدلال بالآيات التي هي ظنّيّة الدلالة ؛ لأنّ ذلك استدلال بالظنّ على حجّيّة الظنّ ، ولا ينفع كونها قطعيّة الصدور.

ولكنّ الجواب عن هذا الوهم واضح ؛ لأنّه قد ثبتت بالدليل القطعيّ حجّيّة ظواهر الكتاب العزيز ـ كما سيأتي (٢) ـ ، فالاستدلال بها ينتهي بالأخير إلى العلم ، فلا يكون استدلالا بالظنّ على حجّيّة الظنّ ، ونحن على هذا المبنى نذكر الآيات التي ذكروها على حجّيّة خبر الواحد ، فنكتفي بإثبات ظهورها في المطلوب :

الآية الأولى : آية النبأ

وهي قوله (تعالى) في سورة الحجرات : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (٣).

وقد استدلّ بهذه الآية الكريمة من جهة مفهوم الوصف ، ومن جهة مفهوم الشرط ، والذي يبدو أنّ الاستدلال بها من جهة مفهوم الشرط كاف في المطلوب (٤).

وتقريب الاستدلال يتوقّف على شرح ألفاظ الآية أوّلا ، فنقول :

١. «التبيّن» ، إنّ لهذه المادّة معنيين :

الأوّل : بمعنى الظهور ، فيكون فعلها لازما ، فنقول : «تبيّن الشيء» إذا ظهر وبان. ومنه قوله (تعالى) : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (٥) ، (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٦).

__________________

(١) تقدّم فى الصفحتين : ٣٧٦ و ٣٧٩.

(٢) يأتي في الصفحة : ٥٠٢ ـ ٥٠٦.

(٣) الحجرات (٤٩) الآية : ٦.

(٤) وأمّا تقريب الاستدلال بها من جهة مفهوم الوصف فأنّ الآية الشريفة نزلت في شأن «الوليد» ؛ لمّا أخبر بارتداد «بني المصطلق». وكان هذا الخبر خبرا واحدا ، والمخبر به فاسقا. قال : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ،) فعلّق وجوب التبيّن على وصف الفاسق ، ومقتضى تعليق الحكم على وصف الفاسق انتفاؤه عند انتفائه ، هذا إذا قلنا بثبوت المفهوم للوصف ، وأمّا إذا قلنا بأنّه لا مفهوم له ـ كما ذهب إليه المصنّف وبعض آخر ـ فلا مجال له.

(٥) البقرة (٢) الآية : ١٨٧.

(٦) فصّلت (٤١) الآية : ٥٣.

٤٢٩

والثاني : بمعنى الظهور عليه ـ يعني العلم به واستكشافه ، أو التصدّي للعلم به وطلبه ـ فيكون فعلها متعدّيا ، فتقول : «تبيّنت الشيء» إذا علمته ، أو إذا تصدّيت للعلم به وطلبته.

وعلى المعنى الثاني ـ وهو التصدّي للعلم به ـ يتضمّن معنى التثبّت فيه (١) والتأنّي فيه لكشفه وإظهاره والعلم به. ومنه قوله (تعالى) في سورة النساء : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) (٢) ؛ ومن أجل هذا قرئ بدل (فَتَبَيَّنُوا) : «فتثبّتوا». ومنه كذلك هذه الآية التي نحن بصددها (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...) ، وكذلك قرئ فيها «فتثبّتوا» (٣) ، فإنّ هذه القراءة ممّا تدلّ على أنّ المعنيين ـ وهما التبيّن والتثبّت ـ متقاربان.

٢. (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) ، يظهر من كثير من التفاسير أنّ هذا المقطع من الآية كلام مستأنف ، جاء لتعليل وجوب التبيّن (٤). وتبعهم على ذلك بعض الأصوليّين الذين بحثوا [عن] هذه الآية هنا (٥).

ولأجل ذلك قدّروا لكلمة (فَتَبَيَّنُوا) مفعولا ، فقالوا ـ مثلا ـ : «معناه : فتبيّنوا صدقه من كذبه» ، (٦) كما قدّروا لتحقيق نظم الآية وربطها ـ لتصلح هذه الفقرة أن تكون تعليلا ـ كلمة تدلّ على التعليل ، بأن قالوا : «معناها : خشية أن تصيبوا قوما بجهالة ، أو حذرا أن تصيبوا ، أو لئلاّ تصيبوا قوما ...» ونحو ذلك (٧).

وهذه التقديرات كلّها تكلّف وتمحّل ، لا تساعد عليها قرينة ولا قاعدة عربيّة. ومن العجيب أن يؤخذ ذلك بنظر الاعتبار ويرسل إرسال المسلّمات.

والذي أرجّحه أنّ مقتضى سياق الكلام والاتّساق مع أصول القواعد العربيّة أن يكون

__________________

(١) أي التوقّف فيه.

(٢) النساء (٤) الآية : ٩٤.

(٣) وقد حكي قراءة «فتثبّتوا» عن ابن مسعود ، وحمزة ، والكسائي ، كما في : الكشاف ٤ : ٣٦٠ ، وكنز الدقائق ٩ : ٥٨٩ ، وتفسير البيضاوي ٢ : ٤١٦.

(٤) مجمع البيان ٩ : ١٩٩ ؛ الميزان ١٨ : ٣١١.

(٥) كالشيخ في فرائد الأصول ١ : ١١٧.

(٦) مجمع البيان ٩ : ١٩٩ ؛ التبيان ٩ : ٣٤٣.

(٧) مجمع البيان ٩ : ١٩٩ ؛ الميزان ٨ : ٣١١.

٤٣٠

قوله (تعالى) : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً ...) مفعولا لـ «تبيّنوا» ، فيكون معناه : «فتثبّتوا ، واحذروا إصابة قوم بجهالة».

والظاهر أنّ قوله (تعالى) : (فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) يكون كناية عن لازم معناه ، وهو عدم حجّيّة خبر الفاسق ؛ لأنّه لو كان حجّة لما دعا إلى الحذر من إصابة قوم بجهالة عند العمل به ، ثمّ من الندم على العمل به.

٣. «الجهالة» اسم مأخوذ من الجهل ، أو مصدر ثان له ، قال عنها أهل اللغة : «الجهالة : أن تفعل فعلا بغير العلم» (١) ، ثمّ هم فسّروا الجهل بأنّه المقابل للعلم ، عبّروا عنه تارة بتقابل التضاد (٢) ، وأخرى بتقابل النقيض (٣) ، وإن كان الأصحّ في التعبير العلميّ أنّه من تقابل العدم والملكة. (٤)

والذي يبدو لي من تتبّع استعمال كلمة «الجهل» ومشتقّاتها في أصول اللغة العربيّة أنّ إعطاء لفظ «الجهل» معنى يقابل العلم ـ بهذا التحديد الضيّق لمعناه ـ جاء مصطلحا جديدا عند المسلمين في عهدهم ؛ لنقل الفلسفة اليونانيّة إلى العربيّة الذي استدعى تحديد معاني كثير من الألفاظ ، وكسبها إطارا (٥) يناسب الأفكار الفلسفيّة ، وإلاّ فالجهل في أصل اللغة كان يعطي معنى يقابل الحكمة ، والتعقّل ، والرويّة (٦) ، فهو يؤدّي تقريبا معنى السفه ، أو الفعل السفهيّ عند ما يكون عن غضب ـ مثلا ـ وحماقة ، وعدم بصيرة ، وعلم. (٧)

وعلى كلّ حال ، هو بمعناه الواسع اللغويّ يلتقي مع معنى الجهل المقابل للعلم الذي صار مصطلحا علميّا بعد ذلك. ولكنّه ليس هو إيّاه. وعليه ، فيكون معنى «الجهالة» أن تفعل فعلا بغير حكمة ، وتعقّل ، ورويّة الذي لازمه عادة إصابة عدم الواقع والحقّ.

__________________

(١) لسان العرب ١١ : ١٢٩.

(٢) كما في تاج العروس ٧ : ٢٦٨ ، والمنجد في اللغة : ١٠٨ ، وقاموس اللغة : ٤٥٣.

(٣) كما في لسان العرب ١١ : ١٢٩ ، ومعجم مقاييس اللغة ١ : ٤٨٩.

(٤) فالجهل هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يعلم.

(٥) وهو بالفارسيّة : «چارچوب». والإطار : ما يحيط بالشيء.

(٦) أي النظر والتفكّر.

(٧) أي وعن عدم علم.

٤٣١

إذا عرفت هذه الشروح لمفردات الآية الكريمة يتّضح لك معناها ، وما تؤدّي إليه من دلالة على المقصود في المقام أنّها تعطي أنّ النبأ من شأنه أن يصدّق به عند الناس ، ويؤخذ به من جهة أنّ ذلك من سيرتهم ، وإلاّ فلما ذا نهى عن الأخذ بخبر الفاسق من جهة أنّه فاسق؟

فأراد (تعالى) أن يلفت أنظار المؤمنين إلى أنّه لا ينبغي أن يعتمدوا على كلّ خبر من أيّ مصدر كان ، بل إذا جاء به فاسق ينبغي ألاّ يؤخذ به بلا تروّ ، وإنّما يجب فيه (١) أن يتثبّتوا [من] أن يصيبوا قوما بجهالة ، أي بفعل ما فيه سفه وعدم حكمة قد يضرّ بالقوم. والسرّ في ذلك أنّ المتوقّع من الفاسق ألاّ يصدق في خبره ، فلا ينبغي أن يصدّق ويعمل بخبره.

فتدلّ الآية ـ بحسب المفهوم ـ على أنّ خبر العادل يتوقّع منه الصدق ، فلا يجب فيه الحذر والتثبّت من إصابة قوم بجهالة. ولازم ذلك أنّه حجّة.

والذي نقوله ونستفيده وله دخل في استفادة المطلوب من الآية أنّ النبأ في مفروض الآية ممّا يعتمد عليه عند الناس ، وتعارفوا الأخذ به بلا تثبّت ، وإلاّ لما كانت حاجة للأمر فيه بالتبيّن في خبر الفاسق ، إذا كان النبأ من جهة ما هو نبأ لا يعمل به الناس.

ولمّا علّقت الآية وجوب التبيّن والتثبّت على مجيء الفاسق يظهر منه بمقتضى مفهوم الشرط أنّ خبر العادل ليس له هذا الشأن ، بل الناس لهم أن يبقوا فيه على سجيّتهم من الأخذ به وتصديقه من دون تثبّت وتبيّن لمعرفة صدقه من كذبه ، من جهة خوف إصابة قوم بجهالة. وطبعا لا يكون ذلك إلاّ من جهة اعتبار خبر العادل وحجّيّته ؛ لأنّ المترقّب منه الصدق ، فيكشف ذلك عن حجّيّة قول العادل عند الشارع ، وإلغاء احتمال الخلاف فيه.

والظاهر أنّه بهذا البيان للآية يرتفع كثير من الشكوك التي قيلت على الاستدلال بها على المطلوب ، فلا نطيل في ذكرها وردّها. (٢)

الآية الثانية : آية النفر

وهي قوله (تعالى) في سورة التوبة : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِ

__________________

(١) أي في الأخذ به.

(٢) وإن شئت فراجع فرائد الأصول ١ : ١١٧ ـ ١١٨ ؛ كفاية الأصول : ٣٤٠ ـ ٣٤١.

٤٣٢

فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١).

إنّ الاستدلال بهذه الآية الكريمة على المطلوب يتمّ بمرحلتين من البيان :

١ ـ الكلام في صدر الآية : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ؛) تمهيدا للاستدلال ؛ فإنّ الظاهر من هذه الفقرة نفي وجوب النفر على المؤمنين كافّة (٢) ، والمراد من النفر ـ بقرينة باقي الآية ـ النفر إلى الرسول للتفقّه في الدين ، لا النفر إلى الجهاد ، وإن كانت الآيات التي قبلها واردة في الجهاد ؛ فإنّ ذلك وحده غير كاف ليكون قرينة مع ظهور باقي الآية في النفر إلى التعلّم والتفقّه ، فإنّ الكلام الواحد يفسّر بعضه بعضا.

وهذه الفقرة إمّا جملة خبريّة يراد بها إنشاء نفي الوجوب فتكون في الحقيقة جملة إنشائيّة ، وإمّا جملة خبريّة يراد بها الإخبار جدّا عن عدم وقوعه (٣) من الجميع ؛ إمّا لاستحالته عادة ، أو لتعذّره اللازم له عدم وجوب النفر عليهم جميعا ، فتكون دالّة بالدلالة الالتزاميّة على عدم جعل مثل هذا الوجوب من الشارع. وعلى كلا الحالين فهي تدلّ على عدم تشريع وجوب النفر على كلّ واحد واحد ، إمّا إنشاء ، أو إخبارا.

ولكن ليس من شأن الشارع بما هو شارع أن ينفي وجوب شيء ، إنشاء أو إخبارا ، إلاّ إذا كان في مقام رفع توهّم الوجوب لذلك الشيء أو اعتقاده. واعتقاد وجوب النفر أمر متوقّع لدى العقلاء ؛ لأنّ التعلّم واجب عقليّ على كلّ أحد ، وتحصيل اليقين فيه المنحصر عادة في مشافهة الرسول أيضا واجب عقليّ. فحقّ أن يعتقد المؤمنون بوجوب النفر إلى الرسول شرعا لتحصيل المعرفة بالأحكام.

ومن جهة أخرى ، فإنّه ممّا لا شبهة فيه أنّ نفر جميع المؤمنين في جميع أقطار الإسلام إلى الرسول لأخذ الأحكام منه بلا واسطة ـ كلّما عنت حاجة وعرضت لهم مسألة ـ أمر (٤) ليس

__________________

(١) التوبة (٩) الآية : ١٢٢.

(٢) يستفيد بعضهم من الآية ، النهي عن نفر الكافّة. وهي استفادة بعيدة جدّا ، وليست كلمة «ما» من أدوات النهي ، إذن ليس لهذه الآية أكثر من الدلالة على نفي الوجوب ـ منه قدس‌سره ـ.

(٣) أي عدم وقوع النفر.

(٤) قوله : «أمر» خبر «أنّ» أي : أنّ نفر جميع المؤمنين في جميع الأقطار إلى الرسول أمر ليس عمليّا.

٤٣٣

عمليّا من جهات كثيرة ، (١) ؛ فضلا عمّا فيه من مشقّة عظيمة لا توصف ، بل هو مستحيل عادة.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ الله (تعالى) أراد بهذه الفقرة ـ والله العالم ـ أن يرفع عنهم هذه الكلفة والمشقّة برفع وجوب النفر ؛ رحمة بالمؤمنين. ولكن هذا التخفيف ليس معناه أن يستلزم رفع أصل وجوب التفقّه ، بل الضرورات تقدّر بقدرها. ولا شكّ أنّ التخفيف يحصل برفع الوجوب على كلّ واحد واحد ، فلا بدّ من علاج لهذا الأمر اللازم تحقّقه على كلّ حال ـ وهو التعلّم ـ بتشريع طريقة أخرى للتعلّم غير طريقة التعلّم اليقينيّ من نفس لسان الرسول. وقد بيّنت بقيّة الآية هذا العلاج وهذه الطريقة ، وهو قوله (تعالى) : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ...) والتفريع بالفاء شاهد على أنّ هذا علاج متفرّع على نفي وجوب النفر على الجميع.

ومن هذا البيان يظهر أنّ هذه الفقرة (صدر الآية) لها الدخل الكبير في فهم الباقي من الآية الذي هو موضع الاستدلال على حجّيّة خبر الواحد. وقد أغفل هذه الناحية المستدلّون بهذه الآية على المطلوب ، فلم يوجّهوا الارتباط بين صدر الآية وبقيّتها للاستدلال بها ، على نحو ما يأتي.

٢ ـ الكلام عن نفس موقع الاستدلال من الآية على حجّيّة خبر الواحد المتفرّع هذا الموقع على صدرها ؛ لمكان فاء التفريع ، فإنّه (تعالى) ـ بعد أن بيّن عدم وجوب النفر على كلّ واحد ، تخفيفا عليهم ـ حرّضهم (٢) على اتّباع طريقة أخرى بدلالة «لو لا» التي هي للتحضيض ، والطريقة هي أن ينفر قسم من كلّ قوم ليرجعوا إلى قومهم فيبلّغوهم الأحكام بعد أن يتفقّهوا في الدين ، ويتعلّموا الأحكام ، وهو في الواقع خير علاج لتحصيل التعليم ، بل الأمر منحصر فيه.

فالآية الكريمة بمجموعها تقرّر أمرا عقليّا ، وهو وجوب المعرفة والتعلّم ، وإذ تعذّرت المعرفة اليقينيّة بنفر كلّ واحد إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليتفقّه في الدين فلم يجب ، رخّص الله (تعالى) لهم لتحصيل تلك الغاية ـ أعني التعلّم ـ بأن تنفر طائفة من كلّ فرقة. والطائفة المتفقّهة هي التي تتولّى حينئذ تعليم الباقين من قومهم ، بل إنّه لم يكن قد رخّصهم فقط بذلك ، وإنّما

__________________

(١) كبعد المسافة وكثرة الأحكام وغيرهما.

(٢) أي : بعثهم ، بالفارسيّة : «آنها را تحريك كرد وبرانگيخت».

٤٣٤

أوجب عليهم أن تنفر طائفة من كلّ قوم ، ويستفاد الوجوب من «لو لا» التحضيضيّة ، ومن الغاية من النفر ـ وهي التفقّه لإنذار القوم الباقين لأجل أن يحذروا من العقاب ـ ؛ مضافا إلى أنّ أصل التعلّم واجب عقليّ ، كما قرّرنا.

كلّ ذلك شواهد ظاهرة على وجوب تفقّه جماعة من كلّ قوم ؛ لأجل تعليم قومهم الحلال والحرام. ويكون ذلك ـ طبعا ـ وجوبا كفائيّا.

وإذا استفدنا وجوب تفقّه كلّ طائفة من كلّ قوم ، أو تشريع ذلك بالترخيص فيه على الأقلّ لغرض إنذار قومهم إذا رجعوا إليهم ، فلا بدّ أن نستفيد من ذلك أنّ نقلهم للأحكام قد جعله الله (تعالى) حجّة على الآخرين ، وإلاّ لكان تشريع هذا النفر على نحو الوجوب ، أو الترخيص لغوا بلا فائدة بعد أن نفى وجوب النفر على الجميع. بل لو لم يكن نقل الأحكام حجّة ، لما بقيت طريقة لتعلّم الأحكام تكون معذّرة للمكلّف ، وحجّة له ، أو عليه.

والحاصل أنّ رفع وجوب النفر على الجميع والاكتفاء بنفر قسم منهم ليتفقّهوا في الدين ويعلّموا الآخرين هو بمجموعه دليل واضح على حجّيّة نقل الأحكام في الجملة ، وإن لم يستلزم العلم اليقينيّ ؛ لأنّ الآية ـ من ناحية اشتراط الإنذار بما يوجب العلم ـ مطلقة ، فكذلك تكون مطلقة من ناحية قبول الإنذار والتعليم ، وإلاّ كان هذا التدبير الذي شرّعه الله (تعالى) لغوا ، وبلا فائدة ، وغير محصّل للغرض الذي من أجله كان النفر وتشريعه.

هكذا ينبغي أن تفهم الآية الكريمة في الاستدلال على المطلوب ، وبهذا البيان يندفع كثير ممّا أورد على الاستدلال بها للمطلوب.

وينبغي ألاّ يخفى عليكم أنّه لا يتوقّف الاستدلال بها على أن يكون نفر الطائفة من كلّ قوم واجبا ، بل يكفي ثبوت أنّ هذه الطريقة مشرّعة من قبل الله (تعالى) ، وإن كان بنحو الترخيص بها ؛ لأنّ نفس تشريعها يستلزم تشريع حجّيّة نقل الأحكام من المتفقّه. فلذلك لا تبقى حاجة إلى التطويل في استفادة الوجوب.

كما أنّ الاستدلال بها لا يتوقّف على كون الحذر عند إنذار النافرين المتفقّهين واجبا ، واستفادة ذلك من «لعلّ» أو من أصل حسن الحذر ، بل الأمر بالعكس ؛ فإنّ نفس جعل حجّيّة قول النافرين المتفقّهين المستفاد من الآية يكون دليلا على وجوب الحذر.

٤٣٥

نعم ، يبقى شيء ، وهو أنّ الواجب أن تنفر من كلّ فرقة طائفة ، والطائفة ثلاثة فأكثر ، أو أكثر من ثلاثة. وحينئذ لا تشمل الآية خبر الشخص الواحد أو الاثنين.

ولكن يمكن دفع ذلك بأنّه لا دلالة في الآية على أنّه يجب في الطائفة أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم مجتمعين بشرط الاجتماع ، فالآية من هذه الناحية مطلقة ، وبمقتضى إطلاقها يكون خبر الواحد ـ لو انفرد بالإخبار ـ حجّة أيضا. يعني أنّ العموم فيها أفراديّ لا مجموعيّ (١).

تنبيه (٢)

إنّ هذه الآية الكريمة تدلّ أيضا على وجوب قبول فتوى المجتهد بالنسبة إلى العاميّ ، كما دلّت على وجوب قبول خبر الواحد ، وذلك ظاهر ؛ لأنّ كلمة «التفقّه» عامّة للطرفين ، وقد أفاد ذلك شيخنا النائينيّ قدس‌سره ، كما في تقريرات بعض الأساطين من تلامذته ، فإنّه قال : «إنّ التفقّه في الأعصار المتأخّرة وإن كان هو استنباط الحكم الشرعيّ بتنقيح جهات ثلاث : الصدور ، وجهة الصدور ، والدلالة ، ومن المعلوم أنّ تنقيح الجهتين الأخيرتين ممّا يحتاج إلى إعمال النظر والدقّة ، إلاّ أنّ التفقّه في الصدر الأوّل لم يكن محتاجا إلاّ إلى إثبات الصدور ليس إلاّ ، لكن اختلاف محقّق التفقّه باختلاف الأزمنة لا يوجب اختلافا في مفهومه ، فكما أنّ العارف بالأحكام الشرعيّة بإعمال النظر والفكر يصدق عليه الفقيه ، كذلك العارف بها من دون إعمال النظر والفكر يصدق عليه الفقيه حقيقة» (٣).

وبمقتضى عموم التفقّه ، فإنّ الآية الكريمة ـ أيضا ـ تدلّ على وجوب الاجتهاد في العصور المتأخّرة عن عصور المعصومين وجوبا كفائيّا ، بمعنى أنّه يجب على كلّ قوم أن ينفر منهم طائفة فيرحلوا لتحصيل التفقّه ـ وهو الاجتهاد ـ لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ، كما تدلّ أيضا بالملازمة ـ التي سبق ذكرها ـ على حجّيّة قول المجتهد على الناس الآخرين ، ووجوب قبول فتواه عليهم.

__________________

(١) كما في فوائد الأصول ٣ : ١٨٦ ، وأجود التقريرات ٢ : ١١٠.

(٢) وفي «س» تنبيه مهمّ.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ١١٠.

٤٣٦

الآية الثالثة : آية حرمة الكتمان

وهي قوله (تعالى) في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ ...) (١).

وجه الاستدلال بها يشبه الاستدلال بآية النفر ، فإنّه لمّا حرّم الله (تعالى) كتمان البيّنات والهدى ، وجب أن يقبل قول من يظهر البيّنات والهدى ، ويبيّنه للناس ، وإن كان ذلك المظهر والمبيّن واحدا لا يوجب قوله العلم ، وإلاّ لكان تحريم الكتمان لغوا وبلا فائدة لو لم يكن قوله حجّة مطلقا.

والحاصل أنّ هناك ملازمة عقليّة بين وجوب الإظهار ووجوب القبول ، وإلاّ لكان وجوب الإظهار لغوا وبلا فائدة. ولمّا كان وجوب الإظهار لم يشترط فيه أن يكون الإظهار موجبا للعلم فكذلك لازمه ـ وهو وجوب القبول ـ لا بدّ أن يكون مطلقا من هذه الناحية ، غير مشترط فيه بما يوجب العلم. وعلى هذا الأساس من الملازمة قلنا بدلالة آية النفر على حجّيّة خبر الواحد ، وحجّيّة فتوى المجتهد.

ولكنّ الإنصاف أنّ الاستدلال لا يتمّ بهذه الآية الكريمة ، بل هي أجنبيّة جدّا عمّا نحن فيه ؛ لأنّ ما نحن فيه ـ وهو حجّيّة خبر الواحد ـ أن يظهر المخبر شيئا لم يكن ظاهرا ، ويعلّم ما تعلّم من أحكام غير معلومة للآخرين ، كما في آية النفر ، فإذا وجب التعليم والإظهار ، وجب قبوله على الآخرين ، وإلاّ كان وجوب التعليم والإظهار لغوا.

وأمّا : هذه الآية فهي واردة في مورد كتمان ما هو ظاهر وبيّن للناس جميعا ، بدليل قوله (تعالى) : (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) لا إظهار ما هو خفيّ على الآخرين.

والغرض أنّ هذه الآية واردة في مورد ما هو بيّن واجب القبول ، سواء كتم أم أظهر ، لا في مورد يكون قبوله من جهة الإظهار ، حتى تكون ملازمة بين وجوب القبول وحرمة الكتمان ، فيقال : «لو لم يقبل لما حرم الكتمان». وبهذا يظهر الفرق بين هذه الآية وآية النفر.

وينسق على هذه الآية باقي الآيات الأخر التي ذكرت للاستدلال بها على المطلوب ،

__________________

(١) البقرة (٢) الآية : ١٥٩.

٤٣٧

فلا نطيل بذكرها. (١)

ب. دليل حجّيّة خبر الواحد من السنّة

من البديهيّ أنّه لا يصحّ الاستدلال على حجّيّة خبر الواحد بنفس خبر الواحد ؛ فإنّه دور ظاهر ، بل لا بدّ أن تكون الأخبار المستدلّ بها على حجّيّته معلومة الصدور من المعصومين ، إمّا بتواتر ، أو قرينة قطعيّة.

ولا شكّ في أنّه ليس في أيدينا من الأخبار ما هو متواتر بلفظه في هذا المضمون ، وإنّما كلّ ما قيل هو تواتر الأخبار معنى في حجّيّة خبر الواحد إذا كان ثقة مؤتمنا في الرواية ، كما رآه الشيخ الحرّ صاحب الوسائل. (٢) وهذه دعوى غير بعيدة ، فإنّ المتتبّع يكاد يقطع جازما بتواتر الأخبار في هذا المعنى ، (٣) بل هي بالفعل متواترة لا ينبغي أن يعتري فيها الريب للمنصف. (٤)

وقد ذكر الشيخ الأنصاريّ (قدّس الله نفسه) طوائف من الأخبار ، (٥) يحصل بانضمام

__________________

(١) منها : آية السؤال ، وهي قوله (تعالى) : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.) النحل (١٦) الآية : ٤٣.

ومنها : آية الأذن ، وهي قوله (تعالى) : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ....) التوبة (٩) الآية : ٦١.

ومنها : آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، آل عمران (٣) الآية : ١٠٤ ، والتوبة (٩) الآية : ٧.

وإن شئت تفصيل البحث عن الاستدلال بها فراجع : فرائد الأصول ١ : ١٣٢ ـ ١٣٤ ، وكفاية الأصول : ٣٤٤ ـ ٣٤٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٢ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ؛ و ١٨ : ٩٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي.

(٣) وهذا ما ادّعاه أيضا المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٣ : ١٩٠ ـ ١٩١ ، والمحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٣ : ١٤٣.

(٤) إنّ الشيخ صاحب الكفاية لم يتّضح له تواتر الأخبار معنى ، وإنّما أقصى ما اعترف به «أنّها متواترة إجمالا». * وغرضه من التواتر الإجماليّ هو العلم بصدور بعضها عنهم عليهم‌السلام يقينا. وتسمية ذلك بالتواتر مسامحة ظاهرة ـ منه قدس‌سره ـ.

(٥) فرائد الأصول ١ : ١٣٧ ـ ١٤٤.

__________________

* كفاية الأصول : ٣٤٧.

٤٣٨

بعضها إلى بعض العلم بحجّيّة خبر الواحد الثقة المأمون من الكذب في الشريعة ، وأنّ هذا (١) أمر مفروغ عنه عند آل البيت عليهم‌السلام.

ونحن نشير إلى هذه الطوائف على الإجمال ، وعلى الطالب أن يرجع إلى الوسائل (كتاب القضاء) (٢) وإلى رسائل الشيخ (٣) في حجّيّة خبر الواحد ؛ للاطّلاع على تفاصيلها :

الطائفة الأولى : ما ورد في الخبرين المتعارضين في الأخذ بالمرجّحات ، كالأعدل ، والأصدق ، والمشهور ، ثمّ التخيير عند التساوي. (٤) وسيأتي ذكر بعضها في باب التعادل والتراجيح. (٥) ولو لا أنّ خبر الواحد الثقة حجّة لما كان معنى لفرض التعارض بين الخبرين ، ولا معنى للترجيح بالمرجّحات المذكورة والتخيير عند عدم المرجّح ، كما هو واضح.

الطائفة الثانية : ما ورد في إرجاع آحاد الرواة إلى آحاد أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، (٦) على وجه يظهر فيه عدم الفرق في الإرجاع بين الفتوى والرواية ، مثل إرجاعه عليه‌السلام إلى زرارة بقوله : «إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس» (٧) يشير بذلك إلى زرارة. ومثل قوله عليه‌السلام ـ لمّا قال له عبد العزيز بن المهتدي : ربما أحتاج ولست ألقاك في كلّ وقت ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ ـ : «نعم» (٨).

قال الشيخ الأعظم قدس‌سره : «وظاهر هذه الرواية أنّ قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند

__________________

(١) أي اعتبار خبر الواحد الثقة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٢ ـ ٨٩ و: ٩٨.

(٣) فرائد الأصول ١ : ١٣٧ ـ ١٤٤.

(٤) راجع جامع أحاديث الشيعة ١ : ٢٥٤ ـ ٢٦٠ ، أبواب المقدّمات ، باب ما يعالج به تعارض الروايات ، الأحاديث ١٠ ـ ١٩ ؛ وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ١.

(٥) يأتي في الصفحات : ٥٧٩ ـ ٥٨٠.

(٦) راجع وسائل الشيعة ١٨ : ٩٩ ـ ١٠٧ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الأحاديث ٤ و ١٩ و ٢٣ و ٢٧ و ٣٣ ؛ جامع أحاديث الشيعة ١ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، أبواب المقدّمات ، باب حجيّة أخبار الثقات ، الحديثين ٣٢١ و ٣٢٢.

(٧) بحار الأنوار ٢ : ٢٤٦.

(٨) بحار الأنوار ٢ : ٢٥١. وقريب منه ما في وسائل الشيعة ١٨ : ١٠٧ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٣٣.

٤٣٩

الراوي ، فسأل عن وثاقة يونس ؛ ليرتّب عليه أخذ المعالم عنه». (١)

إلى غير ذلك من الروايات التي تنسق على هذا المضمون ونحوه.

الطائفة الثالثة : ما دلّ على وجوب الرجوع إلى الرواة ، والثقات ، والعلماء ، مثل قوله عليه‌السلام : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ؛ فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم» (٢) ... إلى ما شاء الله من الروايات في أمثال هذا المعنى. (٣)

الطائفة الرابعة : ما دلّ على الترغيب في الرواية ، والحثّ عليها ، وكتابتها ، وإبلاغها ، (٤) مثل الحديث النبويّ المستفيض ، بل المتواتر : «من حفظ على أمّتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما ، يوم القيامة» (٥) الذي لأجله صنّف كثير من العلماء الأربعينيّات (٦) ؛ ومثل قوله عليه‌السلام للراوي : «اكتب وبثّ علمك في بني عمّك ؛ فإنّه يأتي زمان هرج لا يأنسون إلاّ بكتبهم» (٧) إلى غير ذلك من الأحاديث. (٨)

الطائفة الخامسة : ما دلّ على ذمّ الكذب عليهم ، والتحذير من الكذّابين عليهم ، (٩) فإنّه لو لم يكن الأخذ بأخبار الآحاد أمرا معروفا بين المسلمين ، لما كان مجال للكذب عليهم ، ولما كان مورد للخوف من الكذب عليهم ، ولا التحذير من الكذّابين ؛ لأنّه لا أثر للكذب لو كان خبر الواحد على كلّ حال غير مقبول عند المسلمين.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٣٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٩٩ ـ ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الأحاديث ١ و ٦ و ١٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٣ ـ ٧٥ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي.

(٥) هذا مضمون الحديث. وهو مرويّ بعبارات مختلفة ، فراجع وسائل الشيعة ١٨ : ٦٥ ـ ٧٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الأحاديث ٤٨ و ٥٤ و ٥٨ ـ ٦٢ و ٦٤.

(٦) منها كتاب الأربعين حديثا «للشيخ البهائي» ، والأربعون حديثا «للشهيد الأوّل».

(٧) هذا مضمون كلامه ، وإليك نصّه ـ على ما في وسائل الشيعة ١٨ : ٥٦ ـ : «اكتب وبثّ علمك في إخوانك ، فإن متّ فأورث كتبك بنيك ، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم».

(٨) راجع جامع أحاديث الشيعة ١ : ٢٢٥ ـ ٢٢٧ ، أبواب المقدّمات ، باب حجّيّة أخبار الثقات ، الأحاديث ٣٢٨ ـ ٣٣٠ و ٣٣٤ ـ ٣٣٨.

(٩) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٧ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٢.

٤٤٠