اُصول الفقه

الشيخ محمّد رضا المظفّر

اُصول الفقه

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-003-3
الصفحات: ٦٨٨

فلا يقتضيه الظهور أبدا حتّى يثبت بأصالة العموم ، لا سيّما أنّ المعلوم من طريقة صاحب الشريعة هو بيان العمومات مجرّدة عن قرائن التخصيص ، ويكشف المراد الواقعيّ منها بدليل منفصل ، حتى اشتهر القول بأنّه «ما من عامّ إلاّ وقد خصّ» ، كما سبق (١).

وعليه ، فلا دليل من أصالة العموم على أنّ الحكم واقعيّ حتّى نلتجئ إلى الحمل على النسخ ، بل إرادة الحكم الواقعيّ من العامّ على ذلك الوجه يحتاج إلى مئونة بيان زائد أكثر من ظهور العموم. ولأجل هذا قلنا : إنّ الحمل على التخصيص أقرب إلى الصواب من الحمل على النسخ ، وإن كان كلّ منهما ممكنا.

الصورة الثالثة

إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدّم الخاصّ ، فهذه أيضا على صورتين :

١. أن يرد العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ ، فلا ينبغي الإشكال في كون الخاصّ مخصّصا ؛ (٢)

٢. أن يرد بعد وقت العمل بالخاصّ ، فلا مجال لتوهّم وجوب الحمل على النسخ من جهة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ؛ لأنّه من باب تقديم البيان قبل وقت الحاجة ، ولا قبح فيه أصلا. ومع ذلك قيل بلزوم الحمل على النسخ (٣) ؛ ولعلّ نظر هذا القائل إلى أنّ أصالة العموم جارية ، ولا مانع منها إلاّ احتمال أن يكون الخاصّ المتقدّم مخصّصا وقرينة على العامّ ، ولكن أيضا يحتمل أن يكون منسوخا بالعامّ ، فلا يحرز أنّه من باب القرينة. ولا شكّ أنّ الخاصّ المنفصل إنّما يقدّم على العامّ لأنّه أقوى الحجّتين وقرينة عليه. ومع هذا الاحتمال لا يكون الخاصّ المنفصل أقوى في الظهور من العامّ.

قلت : الأصوب أن يحمل على التخصيص ، كالصورة السابقة ؛ لما تقدّم من أنّ العامّ

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ١٧٠.

(٢) وذلك لأنّه لا مقتضي للنسخ أصلا ، وإلاّ لزم كون جعل الحكم لغوا ، وهو لا يمكن من المولى الحكيم.

(٣) والقائل هو الشيخ الطوسيّ على ما في معارج الأصول : ٩٨ ، حيث قال : «فعند الشيخ أبي جعفر يكون العامّ ناسخا ؛ لأنّه لا يجيز تأخير البيان».

١٨١

لا يدلّ على أكثر من أنّ المراد جديّ ، ولا يدلّ في نفسه على أنّ الحكم واقعيّ تابع للمصالح الواقعيّة الثابتة للأشياء بعناوينها الأوّليّة ، وإنّما يكون العامّ ناسخا للخاصّ إذا كانت دلالته على هذا النحو ، وإلاّ فالعمومات الواردة في الشريعة على الأغلب ليست كذلك. وأمّا احتمال النسخ فلا يقلّل من ظهور الخاصّ في نفسه قطعا ، كما لا يرفع حجّيّته فيما هو ظاهر فيه ، فلا يخرجه عن كونه صالحا لتخصيص العامّ ، فيقدّم عليه ؛ لأنّه أقوى في نفسه ظهورا.

بل يمكن أن يقال : إنّ العامّ اللاحق للخاصّ لا ينعقد له ظهور في العموم إلاّ بدويّا بالنسبة إلى من لا يعلم بسبق الخاصّ ، لجواز أن يعتمد المتكلّم في بيان مراده على سبقه ، فيكون المخصّص السابق كالمخصّص المتّصل أو كالقرينة الحاليّة ، فلا يكون العامّ ظاهرا في العموم حتّى يتوهّم أنّه ظاهر في ثبوت الحكم الواقعيّ.

الصورتان : الرابعة والخامسة

إذا كانا مجهولي التأريخ أو أحدهما فقط كان مجهولا ؛ فإنّه يعلم الحال فيهما ممّا تقدّم ، فيحمل على التخصيص بلا كلام. ولا وجه لتوهّم النسخ ، لا سيّما بعد أن رجّحنا التخصيص في جميع الصور ، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

تمرينات (٢٦)

١. بيّن محلّ النزاع في مسألة تخصيص العامّ بالمفهوم.

٢. بيّن الأقوال في المقام ، واذكر الحقّ منها.

٣. هل يجوز تخصيص عمومات القرآن بخبر الواحد أم لا؟

٤. بيّن صور العامّ والخاصّ من ناحية تاريخ صدورهما ، واذكر أحكامها مستدلاّ.

١٨٢

الباب السادس

المطلق والمقيّد

وفيه ستّ مسائل :

المسألة الأولى : معنى المطلق والمقيّد

عرّفوا المطلق بـ «أنّه ما دلّ على معنى شائع في جنسه (١)» ويقابله المقيّد. وهذا التعريف قديم بحثوا عنه كثيرا وأحصوا عليه عدّة مؤاخذات يطول شرحها (٢). ولا فائدة في ذكرها ما دام أنّ الغرض من مثل هذا التعريف هو تقريب المعنى الذي وضع له اللفظ ؛ لأنّه من التعاريف اللفظيّة (٣).

والظاهر أنّه ليس للأصوليّين اصطلاح خاصّ في لفظي المطلق والمقيّد ، بل هما مستعملان بما لهما من المعنى في اللغة ، فإنّ المطلق مأخوذ من «الإطلاق» ، وهو الإرسال والشيوع ، ويقابله التقييد تقابل الملكة وعدمها ، والملكة : التقييد ، والإطلاق : عدمها (٤) ، وقد تقدّم (٥).

غاية الأمر أنّ إرسال كلّ شيء بحسبه وما يليق به. فإذا نسب الإطلاق والتقييد إلى اللفظ ـ كما هو المقصود في المقام ـ فإنّما يراد ذلك بحسب ما له من دلالة على المعنى فيكونان وصفين للّفظ باعتبار المعنى.

__________________

(١) هذا التعريف نسبه المحقّق القمي إلى أكثر الأصوليّين. راجع قوانين الأصول ١ : ٣٢١.

(٢) وإن شئت فراجع : الفصول الغرويّة : ٢١٨ ؛ فوائد الأصول ٢ : ٥٦٢ ؛ مناهج الوصول ٢ : ٢١٣.

(٣) كما في كفاية الأصول : ٢٨٢.

(٤) والقول بأنّ التقابل بينهما تقابل الملكة وعدمها منسوب إلى سلطان العلماء ومن تبعه من المتأخّرين كما في فوائد الأصول ٢ : ٥٦٥. وفي المقام أقوال أخر ذكرناها في هامش (٢) من الصفحة : ٩١.

(٥) تقدّم في الصفحة : ٩١.

١٨٣

ومن موارد استعمال لفظ «المطلق» نستطيع أن نأخذ صورة تقريبيّة لمعناه. فمثلا عند ما نعرف العلم الشخصيّ والمعرّف بلام العهد لا يسمّيان مطلقين باعتبار معناهما ـ لأنّه لا شيوع ولا إرسال في شخص معيّن ـ لا ينبغي أن نظنّ أنّه لا يجوز أن يسمّى العلم الشخصيّ «مطلقا» ؛ فإنّه إذا قال الآمر : «أكرم محمّدا» وعرفنا أنّ لمحمّد أحوالا مختلفة ولم يقيّد الحكم بحال من الأحوال ، نستطيع أن نعرف أنّ لفظ «محمّد» هنا أو هذا الكلام بمجموعه يصحّ أن نصفه بالإطلاق بلحاظ الأحوال ، وإن لم يكن له شيوع باعتبار معناه الموضوع له. إذن للأعلام الشخصيّة والمعرّف بلام العهد إطلاق ، فلا يختصّ المطلق بما له معنى شائع في جنسه كاسم الجنس ونحوه. وكذلك عند ما نعرف أنّ العامّ لا يسمّى «مطلقا» ، فلا ينبغي أنّ نظنّ أنّه لا يجوز أن يسمّى «مطلقا» أبدا ؛ لأنّا نعرف أنّ ذلك إنّما هو بالنسبة إلى أفراده ، أمّا بالنسبة إلى أحوال أفراده غير المفردة فإنّه لا مضايقة في أن نسمّيه «مطلقا». إذن لا مانع من شمول تعريف المطلق المتقدّم ـ وهو ما دلّ على معنى شائع في جنسه ـ للعامّ باعتبار أحواله ، لا باعتبار أفراده.

وعلى هذا فمعنى المطلق هو شيوع اللفظ وسعته باعتبار ما له من المعنى وأحواله ؛ ولكن لا على أن يكون ذلك الشيوع مستعملا فيه اللفظ ، كالشيوع المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي ، وإلاّ كان الكلام عامّا لا مطلقا.

المسألة الثانية : الإطلاق والتقييد متلازمان

أشرنا إلى أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد من باب تقابل الملكة وعدمها ؛ لأنّ الإطلاق هو عدم التقييد فيما من شأنه أن يقيّد ؛ فيتبع الإطلاق التقييد في الإمكان ، أي إنّه إذا أمكن التقييد في الكلام وفي لسان الدليل ، أمكن الإطلاق ، ولو امتنع ، استحال الإطلاق ، بمعنى أنّه لا يمكن فرض استكشاف الإطلاق وإرادته من كلام المتكلّم في مورد لا يصحّ التقييد ، بل يكون مثل هذا الكلام لا مطلقا ولا مقيّدا ، وإن كان في الواقع أنّ المتكلّم لا بدّ أن يريد أحدهما. وقد تقدّم مثاله في بحث التّوصليّ والتعبّديّ (١) ؛ إذ قلنا : إنّ امتناع تقييد الأمر

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ٨٦.

١٨٤

بقصد الامتثال يستلزم امتناع إطلاقه بالنسبة إلى هذا القيد. وذكرنا هناك كيف يمكن استكشاف إرادة الإطلاق بإطلاق المقام لا بإطلاق الكلام الواحد.

المسألة الثالثة : الإطلاق في الجمل

الإطلاق لا يختصّ بالمفردات ـ كما يظهر من كلمات الاصوليّين ـ ، إذ مثّلوا للمطلق باسم الجنس وعلم الجنس والنكرة (١) ، بل يكون في الجمل أيضا ، كإطلاق صيغة «افعل» الذي يقتضي استفادة الوجوب العينيّ والتعيينيّ والنفسيّ ، فإنّ الإطلاق فيها إنّما هو من نوع إطلاق الجملة. ومثله إطلاق الجملة الشرطيّة في استفادة الانحصار في الشرط.

ولكن محلّ البحث في المسائل الآتية خصوص الألفاظ المفردة ، ولعلّ عدم شمول البحث عندهم للجمل باعتبار أن ليس هناك ضابط كلّيّ لمطلقاتها (٢) وإن كان الأصحّ أنّ بحث مقدّمات الحكمة يشملها. وقد بحث عن إطلاق بعض الجمل في مناسباتها ، كإطلاق صيغة «افعل» والجملة الشرطيّة ونحوها.

تمرينات (٢٧)

١. ما تعريف المطلق والمقيّد؟ ايت بمثال لكلّ منهما.

٢. التقابل بين الإطلاق والتقييد من أيّ أقسام التقابل؟

٣. ما الوجه في عدم شمول البحث لإطلاق الجمل؟

__________________

(١) راجع كفاية الأصول : ٢٨٢ ـ ٢٨٦.

(٢) كما في فوائد الأصول ٢ : ٥٦٣.

أقول : ولعلّه باعتبار أنّ المراد من الإطلاق المستند في باب الأوامر وأمثاله غير المراد من الإطلاق المصطلح في باب المطلق والمقيّد ، وذلك لأنّ المراد من الإطلاق في باب الأوامر ـ مثلا ـ هو الاستناد إلى القرينة العدميّة لتعيين أحد القسمين ـ وهو الوجوب النفسيّ والعينيّ والتعيينيّ ـ ، بخلاف الإطلاق المصطلح في باب المطلق والمقيّد ، فإنّ مصبّه الجامع بين الأقسام وأثره كون المجعول الجامع بين الأفراد.

١٨٥

المسألة الرابعة : هل الإطلاق بالوضع؟

لا شكّ في أنّ الإطلاق في الأعلام بالنسبة إلى الأحوال ـ كما قدّمت الإشارة إليه ـ ليس بالوضع ، بل إنّما يستفاد من مقدّمات الحكمة.

وكذلك إطلاق الجمل وما شابهها ـ أيضا ـ ليس بالوضع بل بمقدّمات الحكمة ؛ وهذا لا خلاف فيه.

وإنّما الذي وقع فيه البحث هو أنّ الإطلاق في أسماء الأجناس وما شابهها هل هو بالوضع أو بمقدّمات الحكمة؟ أي إنّ أسماء الأجناس هل هي موضوعة لمعانيها بما هي شائعة ومرسلة على وجه يكون الإرسال ـ أي الإطلاق ـ مأخوذا في المعنى الموضوع له اللفظ ـ كما نسب إلى المشهور من القدماء قبل سلطان العلماء قدس‌سره (١) ـ أو أنّها موضوعة لنفس المعاني بما هى ، والإطلاق يستفاد من دالّ آخر ، وهو نفس تجرّد اللفظ من القيد إذا كانت مقدّمات الحكمة متوفّرة فيه؟ وهذا القول الثاني أوّل من صرّح به فيما نعلم سلطان العلماء قدس‌سره في حاشيته على معالم الأصول (٢) ، وتبعه جميع من تأخّر عنه إلى يومنا هذا. (٣)

وعلى القول الأوّل يكون استعمال اللفظ في المقيّد مجازا ، وعلى القول الثاني يكون حقيقة.

والحقّ ما ذهب إليه سلطان العلماء قدس‌سره ، بل قيل : «إنّ نسبة القول الأوّل إلى المشهور مشكوك فيها». ولتوضيح هذا القول وتحقيقه ينبغي بيان أمور ثلاثة تنفع في هذا الباب وفي غير هذا الباب (٤). وبها تكشف للطالب ما وقع للعلماء الأعلام من الاختلاف في التعبير

__________________

(١) نسب إليهم في فوائد الأصول ٢ : ٥٦٤ و ٥٦٦ ، ونهاية الأفكار ، ٢ : ٥٦٠.

(٢) طبعت هذه الحاشية ضمن المعالم المطبوع سنة ١٣٧٨ ، المكتبة العلميّة الإسلاميّة : ١٥٥.

(٣) راجع مطارح الأنظار : ٢١٨ ؛ كفاية الأصول : ٢٨٧ ، فوائد الأصول ٢ : ٥٦٦ ؛ نهاية الأفكار ٢ : ٥٦٣ ؛ المحاضرات ٥ : ٣٦٣.

(٤) وقد اضطررنا إلى الخروج عن الطريقة التي رسمناها لأنفسنا في هذا الكتاب في الاختصار. ونعتقد أنّ الطالب المبتدئ الذي ينتهي إلى هنا يكون على استعداد كاف لفهم هذه الأبحاث. واضطررنا لهذا البحث باعتبار ما له من حاجة ماسّة في فهم الطالب لكثير من الأبحاث التي قد ترد عليه فيما يأتي. ـ منه رحمه‌الله ـ.

١٨٦

بل في الرأي والنظر. وهذه الأمور التي ينبغي بيانها هي كما يلي :

١. اعتبارات الماهيّة

المشهور أنّ للماهيّة ثلاثة اعتبارات إذا قيست إلى ما هو خارج عن ذاتها (١) ، كما إذا قيست الرقبة إلى الإيمان عند الحكم عليها بحكم ما ، كوجوب العتق. وهى :

١. أن تعتبر الماهيّة مشروطة بذلك الأمر الخارج. وتسمّى حينئذ «الماهيّة بشرط شيء» ، كما إذا كان يجب عتق الرقبة المؤمنة ، أي بشرط كونها مؤمنة.

٢. أن تعتبر مشروطة بعدمه. وتسمّى «الماهيّة بشرط لا» (٢) ، كما إذا كان القصر واجبا في الصلاة على المسافر غير العاصي بسفره ، أي بشرط عدم كونه عاصيا لله بسفره ، فأخذ عدم العصيان قيدا في موضوع الحكم.

٣. ألاّ تعتبر مشروطة بوجوده ولا بعدمه ، وتسمّى «الماهيّة لا بشرط» ، كوجوب الصلاة على الإنسان باعتبار كونه حرّا ـ مثلا ـ ، فإنّ الحرّيّة غير معتبرة لا بوجودها ولا بعدمها في وجوب الصلاة ؛ لأنّ الإنسان بالنظر الى الحرّيّة في وجوب الصلاة عليه غير مشروط بالحرّيّة ولا بعدمها ، فهو لا بشرط القياس إليها.

ويسمّى هذا الاعتبار الثالث «اللابشرط القسميّ (٣)» في قبال «اللابشرط المقسميّ» الآتي ذكره. وإنّما سمّي «قسميّا» ؛ لأنّه قسم في مقابل القسمين الأوّلين ، أي [الماهيّة] بشرط شيء و [الماهيّة] بشرط لا ، وهذا ظاهر لا بحث فيه.

ثم إنّ لهم اصطلاحين آخرين معروفين :

١. قولهم : «الماهيّة المهملة».

٢. قولهم : «الماهيّة لا بشرط مقسميّ».

__________________

(١) راجع كشف المراد : ٨٦ ـ ٨٨ ؛ الحكمة المتعالية (الأسفار) ٢ : ١٦ ـ ٢٢ ؛ شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٩٥.

(٢) وقد يقال : «الماهية بشرط لا شيء» ويقصدون بذلك الماهية المجرّدة على وجه يكون كلّ ما يقارنها يعتبر زائدا عليها. ـ منه رحمه‌الله ـ.

(٣) ويسمّى أيضا «الماهيّة المطلقة» كما يسمّى الماهيّة بشرط شيء «الماهيّة المخلوطة» ، والماهيّة بشرط لا «الماهيّة المجرّدة».

١٨٧

أفهذان اصطلاحان وتعبيران لمدلول واحد ، أو هما اصطلاحان مختلفان في المعنى؟

والذي يلجئنا إلى هذا الاستفسار ما وقع من الارتباك في التعبير عند كثير من مشايخنا الأعلام فقد يظهر من بعضهم أنّهما اصطلاحان لمعنى واحد ، كما هو ظاهر كفاية الأصول (١) تبعا لبعض الفلاسفة الأجلاّء (٢).

ولكن التحقيق لا يساعد على ذلك ، بل هما اصطلاحان مختلفان. وهذا جوابنا على الاستفسار.

وتوضيح ذلك : أنّه من المتسالم عليه ـ الذي لا اختلاف فيه ولا اشتباه ـ أمران :

الأوّل : أنّ المقصود من «الماهيّة المهملة» الماهيّة من حيث هي ، أي نفس الماهية بما هي مع قطع النظر عن جميع ما عداها ، فيقتصر النظر على ذاتها وذاتيّاتها.

الثانى : أنّ المقصود من «الماهيّة لا بشرط مقسميّ» الماهيّة المأخوذة لا بشرط التي تكون مقسما للاعتبارات الثلاثة المتقدّمة ، وهي ـ أي الاعتبارات الثلاثة ـ الماهيّة بشرط شيء ، وبشرط لا ، ولا بشرط قسميّ. ومن هنا سمي : «مقسما».

وإذا ظهر ذلك فلا يصحّ أن يدّعى أنّ الماهيّة بما هي هي تكون بنفسها مقسما للاعتبارات الثلاثة ؛ وذلك ؛ لأنّ الماهيّة لا تخلو من حالتين ، وهما : أن ينظر إليها ـ بما هي هي ـ غير مقيسة إلى ما هو خارج عن ذاتها ، وأن ينظر إليها مقيسة إلى ما هو خارج عن ذاتها ، ولا ثالث لهما.

وفي الحالة الأولى تسمّى «الماهيّة المهملة» ، كما هو مسلّم. وفي الثانية لا يخلو حالها من أحد الاعتبارات الثلاثة.

وعلى هذا فالملاحظة الأولى مباينة لجميع الاعتبارات الثلاثة وتكون قسمية لها ، فكيف يصحّ أن تكون مقسما لها؟ ولا يصحّ أن يكون الشيء مقسما لاعتبارات نقيضه ؛ لأنّ الماهيّة من حيث هي ـ كما اتّضح معناها ـ ملاحظتها غير مقيسة إلى الغير ، والاعتبارات الثلاثة ملاحظتها مقيسة إلى الغير؟! على أنّ اعتبار الماهيّة غير مقيسة اعتبار

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٨٣.

(٢) وهو الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة «قسم المنطق» : ٢٢ ، و «قسم الحكمة» : ٩٧.

١٨٨

ذهنيّ ، له وجود مستقلّ في الذهن ، فكيف يكون مقسما لوجودات ذهنيّة أخرى مستقلّة ، والمقسم يجب أن يكون موجودا بوجود أقسامه ، ولا يعقل أن يكون له وجود في مقابل وجودات الأقسام ، وإلاّ كان قسيما لها لا مقسما؟!

وعليه ، فنحن نسلّم أنّ «الماهيّة المهملة» معناها اعتبارها «لا بشرط» ، ولكن ليس هو المصطلح عليه باللابشرط المقسميّ ، فإنّ لهم في «لا بشرط» ـ على هذا ـ ثلاثة اصطلاحات :

١. لا بشرط أيّ شيء خارج عن الماهيّة وذاتيّاتها ، وهى الماهيّة بما هي هي التي يقتصر فيها النظر على ذاتها وذاتيّاتها ، وهي «الماهيّة المهملة».

٢. لا بشرط مقسميّ ، وهو الماهيّة التي تكون مقسما للاعتبارات الثلاثة ، أي الماهيّة المقيسة إلى ما هو خارج عن ذاتها ؛ والمقصود بلا بشرط هنا لا بشرط شيء من الاعتبارات الثلاثة ـ أي لا بشرط اعتبار بشرط شيء ، واعتبار بشرط لا ، واعتبار اللابشرط ـ ، لا أنّ المراد بلا بشرط هنا ، لا بشرط مطلقا من كلّ قيد وحيثيّة. وليس هذا اعتبارا ذهنيّا في قبال هذه الاعتبارات ، بل ليس له وجود في عالم الذهن إلاّ بوجود واحد من هذه الاعتبارات ، ولا تعيّن له مستقلّ غير تعيّناتها ، وإلاّ لما كان مقسما.

٣. لا بشرط قسميّ ، وهو الاعتبار الثالث من اعتبارات الماهيّة المقيسة إلى ما هو خارج عن ذاتها.

فاتّضح أنّ «الماهيّة المهملة» ، شيء و «اللابشرط المقسميّ» ، شيء آخر. كما اتّضح أيضا أنّ الثاني لا معني لأن يجعل من اعتبارات الماهيّة على وجه يثبت حكم للماهيّة باعتباره ، أو يوضع له لفظ بحسبه.

٢. اعتبارات الماهيّة عند الحكم عليها

واعلم أنّ الماهيّة إذا حكم عليها فإمّا أن يحكم عليها بذاتيّاتها ، وإمّا أن يحكم عليها بأمر خارج عنها ، ولا ثالث لهما.

وعلى الأوّل : فهو على صورتين :

١. أن يكون الحكم بالحمل الأوّليّ ، وذلك في الحدود التامّة خاصّة.

١٨٩

٢. أن يكون بالحمل الشائع ، وذلك عند الحكم عليها ببعض ذاتيّاتها ، كالجنس وحده أو الفصل وحده.

وعلى كلتا الصورتين فإنّ النظر إلى الماهيّة مقصور على ذاتيّاتها غير متجاوز فيه إلى ما هو خارج عنها. وهذا لا كلام فيه.

وعلى الثاني : فإنّه لا بدّ من ملاحظتها مقيسة إلى ما هو خارج عنها ، فتخرج بذلك عن مقام ذاتها وحدها من حيث هي ، أي عن تقرّرها الذاتيّ الذي لا ينظر فيه إلاّ إلى ذاتها وذاتيّاتها. وهذا واضح ؛ لأنّه مع قطع النظر عن كلّ ما عداها لا يجتمع مع الحكم عليها بأمر خارج عن ذاتها ؛ لأنّهما متناقضان.

وعليه ، لو حكم عليها بأمر خارج عنها وقد لوحظت مقيسة إلى هذا الغير ، فلا بدّ أن تكون معتبرة بأحد الاعتبارات الثلاثة المتقدّمة ؛ إذ يستحيل أن يخلو الواقع من أحدها ـ كما تقدّم ـ ، ولا معنى لاعتبارها باللابشرط المقسميّ ؛ لما تقدّم أنّه ليس هو تعيّنا مستقلاّ في قبال تلك التعيّنات ، بل هو مقسم لها.

ثمّ إنّ الغير ـ أي الأمر الخارج عن ذاتها ، الذي لوحظت الماهيّة مقيسة إليه ـ لا يخلو إمّا أن يكون نفس المحمول أو شيئا آخر ، فإن كان هو المحمول فيتعيّن أن تؤخذ الماهيّة بالقياس إليه لا بشرط قسميّ ؛ لعدم صحّة الاعتبارين الآخرين.

أمّا أخذها بشرط شيء ـ أي بشرط المحمول ـ فلا يصحّ ذلك دائما ؛ لأنّه يلزم أن تكون القضيّة ضروريّة دائما ، لاستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع بشرط المحمول. على أنّ أخذ المحمول في الموضوع يلزم منه حمل الشيء على نفسه وتقدّمه على نفسه ، وهو مستحيل إلاّ إذا كان هناك تغاير بحسب الاعتبار ، كحمل «الحيوان الناطق» على «الإنسان» فانّهما متغايران باعتبار الإجمال والتفصيل.

وأمّا أخذها بشرط لا ـ أي بشرط عدم المحمول ـ فلا يصحّ ؛ لأنّه يلزم التناقض ، فإنّ الإنسان بشرط عدم الكتابة يستحيل حمل الكتابة عليه.

وإن كان هذا الغير الخارج هو غير المحمول ، فيجوز أن تكون الماهيّة حينئذ مأخوذة بالقياس إليه بشرط شيء ، كجواز تقليد المجتهد بشرط العدالة ، أو بشرط لا ، كوجوب

١٩٠

صلاة الظهر يوم الجمعة بشرط عدم حضور الإمام ، أو لا بشرط ، كجواز السلام على المؤمن مطلقا بالقياس إلى العدالة مثلا ـ أي لا بشرط وجودها ولا بشرط عدمها ـ ، كما يجوز أن تكون مهملة غير مقيسة إلى شيء غير محمولها.

ولكن قد يستشكل في كلّ ذلك بأنّ هذه الاعتبارات الثلاثة اعتبارات ذهنيّة ، لا موطن لها إلاّ الذهن ، فلو تقيّدت الماهيّة بأحدها عند ما تؤخذ موضوعا للحكم للزم أن تكون جميع القضايا ذهنيّة عدا حمل الذاتيّات التي قد اعتبرت فيها الماهيّة من حيث هي ، ولبطلت القضايا الخارجيّة والحقيقيّة ، مع أنّها عمدة القضايا ، بل لاستحال في التكاليف الامتثال ؛ لأنّ ما موطنه الذهن يمتنع إيجاده في الخارج (١).

وهذا الإشكال وجيه لو كان الحكم على الموضوع بما هو معتبر بأحد الاعتبارات الثلاثة على وجه يكون الاعتبار قيدا في الموضوع أو نفسه هو الموضوع. ولكن ليس الأمر كذلك ، فإنّ الموضوع في كلّ تلك القضايا هو ذات الماهيّة المعتبرة ولكن لا بقيد الاعتبار ، بمعنى أنّ الموضوع في «بشرط شيء» الماهيّة المقترنة بذلك الشيء ، لا المقترنة بلحاظه واعتباره ، وفي «بشرط لا» الماهيّة المقترنة بعدمه ، لا بلحاظ عدمه ، وفي «لا بشرط» الماهيّة غير الملاحظ معها الشيء ولا عدمه ، لا الملاحظة بعدم لحاظ الشيء وعدمه ، وإلاّ لكانت الماهيّة معتبرة في الجميع بشرط شيء فقط ، أي بشرط اللحاظ والاعتبار.

نعم ، هذه الاعتبارات هي المصحّحة لموضوعيّة الموضوع على الوجه اللازم الذي يقتضيه واقع الحكم ، لا أنّها مأخوذة قيدا فيه حتّى تكون جميع القضايا ذهنيّة. ولو كان الأمر كذلك ، لكان الحكم بالذاتيّات أيضا قضيّة ذهنيّة ؛ لأنّ اعتبار الماهيّة من حيث هي أيضا اعتبار ذهنيّ.

وممّا يقرّب ما قلناه ـ من كون الاعتبار مصحّحا لموضوعيّة الموضوع لا مأخوذا فيه مع أنّه لا بدّ منه عند الحكم بشيء ـ أنّ كلّ موضوع ومحمول لا بدّ من تصوّره في مقام

__________________

(١) هذا ما أفاده المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٢٨٣. وراجع حاشية المشكيني على الكفاية (الطبع الحجريّ) ١ : ٣٧٧.

١٩١

الحمل ، وإلاّ لاستحال الحمل ، ولكن هذه اللابدّيّة لا تجعل التصوّر قيدا للموضوع أو المحمول ، وإنّما التصوّر هو المصحّح للحمل ، وبدونه لا يمكن الحمل.

وكذلك عند استعمال اللفظ في معناه لا بدّ من تصوّر اللفظ والمعنى ، ولكن التصوّر ليس قيدا للّفظ ، ولا للمعنى ، فليس اللفظ دالاّ بما هو متصوّر في الذهن وإن كانت دلالته في ظرف التصوّر ، ولا المعنى مدلولا بما هو متصوّر وإن كان مدلوليّته في ظرف تصوّره. ويستحيل أن يكون التصوّر قيدا للّفظ أو المعنى ، ومع ذلك لا يصحّ الاستعمال بدونه ، فالتصوّر مقوّم للاستعمال لا للمستعمل فيه ولا للّفظ. وكذلك هو مقوّم للحمل ومصحّح له ، لا للمحمول ، ولا للمحمول عليه.

وعلى هذا ، يتّضح ما نحن بصدد بيانه ، وهو أنّه إذا أردنا أن نضع اللفظ للمعنى ، لا يعقل أن نقصر اللحاظ على ذات المعنى بما هو هو مع قطع النظر عن كلّ ما عداه ؛ لأنّ الوضع من المحمولات الواردة عليه ، فلا بدّ أن يلاحظ المعنى حينئذ مقيسا إلى ما هو خارج عن ذاته ، فقد يؤخذ بشرط شيء ، وقد يؤخذ بشرط لا ، وقد يؤخذ لا بشرط. ولا يلزم أن يكون الموضوع له هو المعنى بما له من الاعتبار الذهنيّ ، بل الموضوع له نفس المعتبر وذاته لا بما هو معتبر ، والاعتبار مصحّح للوضع.

٣. الأقوال في المسألة

قلنا فيما سبق : إنّ المعروف عن قدماء الأصحاب أنّهم يقولون بأنّ أسماء الأجناس موضوعة للمعاني المطلقة ، على وجه يكون الإطلاق قيدا للموضوع له (١) ، فلذلك ذهبوا إلى أنّ استعمالها في المقيّد مجاز ، وقد صوّر هذا القول على نحوين :

الأوّل : أنّ الموضوع له المعنى بشرط الإطلاق على وجه يكون اعتباره من باب اعتباره بشرط شيء.

الثاني : أنّ الموضوع له المعنى المطلق ، أي المعتبر لا بشرط.

وقد أورد على هذا القول بتصويريه ـ كما تقدّم ـ بأنّه يلزم على كلا التصويرين أن

__________________

(١) نقل عنهم في فوائد الأصول ٢ : ٥٦٤ و ٥٦٦ ، ونهاية الأفكار ٢ : ٥٦٠.

١٩٢

يكون الموضوع له موجودا ذهنيّا ، فيكون جميع القضايا ذهنيّة ، فلو جعل اللفظ بما له من معناه موضوعا في القضية الخارجيّة أو الحقيقيّة ، وجب تجريده عن هذا القيد الذهنيّ ، فيكون مجازا دائما في القضايا المتعارفة. وهذا يكذّبه الواقع.

ولكن نحن قلنا : إنّ هذا الإيراد إنّما يتوجّه إذا جعل الاعتبار قيدا في الموضوع له. أمّا لو جعل الاعتبار مصحّحا للوضع ، فلا يلزم هذا الإيراد كما سبق.

هذا قول القدماء ، وأمّا المتأخّرون ابتداء من سلطان العلماء قدس‌سره فإنّهم جميعا اتّفقوا على أنّ الموضوع له ذات المعنى ، لا المعنى المطلق حتّى لا يكون استعمال اللفظ في المقيّد مجازا. وهذا القول بهذا المقدار من البيان واضح. ولكنّ العلماء من أساتذتنا اختلفوا في تأدية هذا المعنى بالعبارات الفنّيّة ممّا أوجب الارتباك على الباحث وإغلاق طريق البحث في المسألة. لذلك التجأنا إلى تقديم المقدّمتين السابقتين لتوضيح هذه الاصطلاحات والتعبيرات الفنّيّة التي وقعت في عباراتهم. واختلفوا فيها على أقوال :

١. منهم من قال : إنّ الموضوع له هو الماهيّة المهملة المبهمة ، أي الماهيّة من حيث هي (١).

٢. ومنهم من قال : إنّ الموضوع له الماهيّة المعبّرة باللاشرط المقسميّ (٢).

٣. ومنهم من جعل التعبير الأوّل نفس التعبير الثاني (٣).

٤. ومنهم من قال : إنّ الموضوع له ذات المعنى ، لا الماهيّة المهملة ، ولا الماهيّة المعبّرة باللابشرط المقسميّ ، ولكنّه ملاحظ حين الوضع باعتبار «اللابشرط القسميّ» على أن يكون هذا الاعتبار مصحّحا للموضوع ، لا قيدا للموضوع له (٤). وعليه ، يكون هذا القول نفس قول القدماء على التصوير الثاني إلاّ أنّه لا يلزم منه أن يكون استعمال اللفظ في المقيّد

__________________

(١) هذا ما قال به المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٥ : ٣٤٧. وهو الظاهر أيضا من كلام المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٨٢ ، حيث قال : «ولا ريب أنّها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة ...». اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مراده من الماهيّة المبهمة المهملة هو الماهيّة اللابشرط المقسميّ.

(٢) وهو المنسوب إلى سلطان العلماء. راجع فوائد الأصول ٢ : ٥٧٠ و ٥٧٢.

(٣) وهو المحقّق النائينيّ ، حيث قال : «فلا بدّ أن يكون موضوعا لجامع بينهما ، وليس ذلك إلاّ اللابشرط المقسميّ ، وهو الماهيّة المبهمة المهملة القابلة للانقسامات». فوائد الأصول ٢ : ٥٧٢.

(٤) وهذا ما ذهب إليه المصنّف في المقام.

١٩٣

مجازا ؛ ولكنّ المنسوب إلى القدماء أنّهم يقولون : بأنّه مجاز في المقيّد ، فينحصر قولهم في التصوير الأوّل (١) على تقدير صحّة النسبة إليهم.

ويتّضح حال هذه التعبيرات أو الأقوال من المقدّمتين السابقتين ، فإنّه يعرف منهما :

أوّلا : أنّ الماهيّة بما هي هي غير الماهيّة باعتبار اللابشرط المقسميّ ؛ لأنّ النظر فيها على الأوّل مقصور على ذاتها وذاتيّاتها ، بخلافه على الثاني ؛ إذ تلاحظ مقيسة إلى الغير. وبهذا يظهر بطلان القول الثالث.

ثانيا : أنّ الوضع حكم من الأحكام ، وهو محمول على الماهيّة خارج عن ذاتها وذاتيّاتها ، فلا يعقل أن يلاحظ الموضوع له بنحو الماهيّة بما هي هي ؛ لأنّه لا تجتمع ملاحظتها مقيسة إلى الغير وملاحظتها مقصورة على ذاتها وذاتيّاتها. وبهذا يظهر بطلان القول الأوّل.

ثالثا : أن اللابشرط المقسميّ ليس اعتبارا مستقلاّ في قبال الاعتبارات الثلاثة ؛ لأنّ المفروض أنّه مقسم لها ، ولا تحقّق للمقسم إلاّ بتحقّق أحد أنواعه ـ كما تقدّم ـ ، فكيف يتصوّر أن يحكم باعتبار اللابشرط المقسميّ؟! بل لا معنى لهذا على ما تقدّم توضيحه. وبهذا يظهر بطلان القول الثاني.

فتعيّن القول الرابع ، وهو أنّ الموضوع له ذات المعنى ، ولكنّه حين الوضع يلاحظ المعنى بنحو اللابشرط القسميّ. وهو يطابق القول المنسوب إلى القدماء على التصوير الثاني ، كما أشرنا إليه ، فلا اختلاف ، ويقع التصالح بين القدماء والمتأخّرين إذا لم يثبت عن القدماء أنّهم يقولون : «أنّه مجاز في المقيّد» ، وهو مشكوك فيه.

بيان هذا القول الرابع أنّ ذات المعنى لمّا أراد الواضع أن يحكم عليه بوضع لفظ له ، فمعناه أنّه قد لاحظه مقيسا إلى الغير ، فهو في هذا الحال لا يخرج عن كونه معتبرا بأحد الاعتبارات الثلاثة للماهيّة. وإذ يراد تسرية الوضع لذات المعنى بجميع أطواره وحالاته وقيوده لا بدّ أن يعتبر على نحو اللابشرط القسميّ. ولا منافاة بين كون الموضوع له ذات

__________________

(١) وهو القول بأنّ أسماء الأجناس موضوعة بإزاء اللابشرط القسميّ ويكون الإطلاق والسريان مأخوذا في المعنى الموضوع له.

١٩٤

المعنى ، وبين كون ذات المعنى ملحوظا في مرحلة الوضع بنحو اللابشرط القسميّ ؛ لأنّ هذا اللحاظ والاعتبار الذهنيّ ـ كما تقدّم ـ صرف طريق إلى الحكم على ذات المعنى وهو المصحّح للموضوع له. وحين الاستعمال في ذات المعنى لا يجب أن يكون المعنى ملحوظا بنحو اللابشرط القسميّ ، بل يجوز أن يعتبر بأيّ اعتبار كان ما دام الموضوع له ذات المعنى ، فيجوز في مرحلة الاستعمال أن يقصر النظر على نفسه ويلحظه بما هو هو ، ويجوز أن يلحظه مقيسا إلى الغير فيعتبر بأحد الاعتبارات الثلاثة. وملاحظة ذات المعنى بنحو اللابشرط القسميّ حين الوضع تصحيحا له لا توجب أن تكون قيدا للموضوع له.

وعليه ، فلا يكون الموضوع له موجودا ذهنيّا ، إذا كان له اعتبار اللابشرط القسميّ حين الوضع ؛ لأنّه ليس الموضوع له هو المعتبر بما هو معتبر ، بل ذات المعتبر ، كما أنّ استعماله في المقيّد لا يكون مجازا لما تقدّم أنّه يجوز أن يلحظ ذات المعنى حين الاستعمال مقيسا إلى الغير ، فيعتبر بأحد الاعتبارات الثلاثة التي منها اعتباره بشرط شيء ، وهو المقيّد.

تمرينات (٢٨)

١. هل الإطلاق في أسماء الأجناس وما شابهها بالوضع أو بمقدّمات الحكمة؟ ما قول القدماء؟ وما قول المتأخّرين؟

٢. بيّن الاعتبارات الثلاثة للماهيّة ، ومثّل لكلّ منها.

٣. ما الفرق بين «اللابشرط القسميّ» و «اللابشرط المقسميّ»؟

٤. ما الفرق بين «الماهيّة المهملة» و «اللابشرط المقسميّ»؟

٥. بيّن اعتبارات الماهيّة عند الحكم عليها ، ومثّل لكلّ منها.

٦. ما الجواب عن الإشكال بأنّ الاعتبارات الثلاثة اعتبارات ذهنيّة ، فلو تقيّدت الماهيّة بأحدها عند ما تؤخذ موضوعة للحكم لبطلت القضايا الخارجية واستحال امتثال التكاليف؟

٧. بيّن أقوال العلماء في بيان ما وضع له أسماء الأجناس ، وأذكر الراجح منها وسبب بطلان غيره.

١٩٥

المسألة الخامسة : مقدّمات الحكمة

لمّا ثبت أنّ الألفاظ موضوعة لذات المعاني ، لا للمعاني بما هي مطلقة ، فلا بدّ في إثبات أنّ المقصود من اللفظ هو المطلق لتسرية الحكم إلى تمام الأفراد والمصاديق من قرينة خاصّة أو قرينة عامّة تجعل الكلام في نفسه ظاهرا في إرادة الإطلاق.

وهذه القرينة العامّة إنمّا تحصل إذا توفّرت جملة مقدّمات تسمّى : «مقدّمات الحكمة». والمعروف أنّها ثلاث (١) :

الأولى : إمكان الإطلاق والتقييد بأن يكون متعلّق الحكم أو موضوعه قبل فرض تعلّق الحكم به قابلا للانقسام ، فلو لم يكن قابلا للقسمة إلاّ بعد فرض تعلّق الحكم به ـ كما في باب قصد القربة ـ فإنّه يستحيل فيه التقييد ، فيستحيل فيه الإطلاق ـ كما تقدّم في بحث التعبّديّ والتوصّليّ (٢) ـ ، وهذا واضح.

الثانية : عدم نصب قرينة على التقييد ، لا متّصلة ولا منفصلة ، لأنّه مع القرينة المتّصلة لا ينعقد ظهور للكلام إلاّ في المقيّد ، ومع المنفصلة ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق ، ولكنّه

__________________

(١) وفي كون ما ذكره معروفا نظر ، بل إنّهم اختلفوا فيها على أقوال :

الأوّل : أنّها ثلاث : ١. كون المتكلّم في مقام البيان. ٢. انتفاء ما يوجب التعيين. ٣. انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب. وهذا مذهب المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٨٧.

الثاني : أنّها ثلاث ، وهي المقدّمات المذكورة في الكفاية ، وزاد في ثالثتها : «عدم وجود القدر المتيقّن مطلقا ـ أي ولو من الخارج ـ». نهاية الأفكار ٢ : ٥٦٧.

الثالث : أنّها ثلاث. وهي المقدّمات المذكورة في المتن. وهذا يظهر من كلام المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٥ : ٣٦٤ ـ ٣٧٠. واختاره المصنّف في المقام.

الرابع : أنّها اثنتان ، وهي المقدّمة الثانية ، والثالثة المذكورتان في المتن. وهذا مختار الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٢١٨ : والمحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٥٧٣ ـ ٥٧٦.

فما ذكره في المتن من المقدّمات لم يكن معروفا.

وذهب السيّد البروجرديّ والإمام الخمينيّ إلى أنّها واحدة ، وهي كون المتكلّم في مقام البيان. نهاية الأصول : ٣٤٣ ، مناهج الوصول ٢ : ٣٢٥ ـ ٣٢٧.

(٢) راجع الصفحة : ٨٦.

١٩٦

يسقط عن الحجّيّة لقيام القرينة المقدّمة عليه والحاكمة ، فيكون ظهوره ظهورا بدويّا ـ كما قلنا في تخصيص العموم بالخاصّ المنفصل ـ ، ولا تكون للمطلق الدلالة التصديقيّة الكاشفة عن مراد المتكلّم ، بل الدلالة التصديقيّة إنمّا هي على إرادة التقييد واقعا.

الثالثة : أن يكون المتكلّم في مقام البيان ، فإنّه لو لم يكن في هذا المقام بأن كان في مقام التشريع فقط أو كان في مقام الإهمال ، إمّا رأسا أو لأنّه في صدد بيان حكم آخر ، فيكون في مقام الإهمال من جهة مورد الإطلاق ـ وسيأتي مثاله ـ فإنّه في كلّ ذلك لا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق ؛ أمّا في مقام التشريع بأن كان في مقام بيان الحكم لا للعمل به فعلا بل لمجرّد تشريعه ، فيجوز ألاّ يبيّن تمام مراده ، مع أنّ الحكم في الواقع مقيّد بقيد لم يذكره في بيانه انتظارا لمجيء وقت العمل ، فلا يحرز أنّ المتكلّم في صدد بيان جميع مراده. وكذلك إذا كان المتكلّم في مقام الإهمال رأسا ؛ فإنّه لا ينعقد معه ظهور في الإطلاق ، كما لا ينعقد للكلام ظهور في أيّ مرام. ومثله ما إذا كان في صدد حكم آخر ، مثل قوله (تعالى) : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) (١) الوارد في مقام بيان حلّ صيد الكلاب المعلّمة من جهة كونه ميتة ، وليس هو في مقام بيان مواضع الإمساك أنّها تتنجّس ، فيجب تطهيرها أم لا ، فلم يكن هو في مقام بيان هذه الجهة ، فلا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق من هذه الجهة.

ولو شكّ في أنّ المتكلّم في مقام البيان أو الإهمال ، فإنّ الأصل العقلائيّ يقتضي بأن يكون في مقام البيان (٢) ، فإنّ العقلاء كما يحملون المتكلّم على أنّه ملتفت غير غافل وجادّ غير هازل عند الشكّ في ذلك ، كذلك يحملونه على أنّه في مقام البيان والتفهيم ، لا في مقام الإهمال والإيهام.

وإذا تمّت هذه المقدّمات الثلاث فإنّ الكلام المجرّد عن القيد يكون ظاهرا في الإطلاق ، وكاشفا عن أنّ المتكلّم لا يريد المقيّد ، وإلاّ لو كان قد أراده واقعا ، لكان عليه البيان ، والمفروض أنّه حكيم ملتفت جادّ غير هازل ، وهو في مقام البيان ، ولا مانع

__________________

(١) المائدة (٥) الآية : ٤.

(٢) هكذا في الكفاية : ٢٨٨.

١٩٧

من التقييد حسب الفرض ، وإذا لم يبيّن ولم يقيّد كلامه فيعلم أنّه أراد الإطلاق وإلاّ لكان مخلاّ بغرضه.

فاتّضح من ذلك أنّ كلّ كلام صالح للتقييد ولم يقيّده المتكلّم مع كونه حكيما ملتفتا جادّا وفي مقام البيان والتفهيم ، فإنّه يكون ظاهرا في الإطلاق ويكون حجّة على المتكلّم والسامع.

تنبيهان

التنبيه الأوّل : القدر المتيقّن في مقام التخاطب

إنّ الشيخ المحقّق صاحب الكفاية قدس‌سره أضاف إلى مقدّمات الحكمة مقدّمة أخرى غير ما تقدّم ، وهي ألاّ يكون هناك قدر متيقّن في مقام التخاطب والمحاورة (١) ، وإن كان لا يضرّ وجود القدر المتيقّن خارجا في التمسّك بالإطلاق (٢). ومرجع ذلك إلى أنّ وجود القدر المتيقّن في مقام المحاورة يكون بمنزلة القرينة اللفظيّة على التقييد ، فلا ينعقد للّفظ ظهور في الإطلاق مع فرض وجوده.

ولتوضيح البحث نقول : إنّ كون المتكلّم في مقام البيان يتصوّر على نحوين :

١. أن يكون المتكلّم في صدد بيان تمام موضوع حكمه ، بأن يكون غرض المتكلّم يتوقّف على أن يبيّن للمخاطب ويفهمه ما هو تمام الموضوع ، وأنّ ما ذكره هو تمام موضوعه لا غيره.

٢. أن يكون المتكلّم في صدد بيان تمام موضوع الحكم واقعا ، ولو لم يفهم المخاطب أنّه تمام الموضوع فليس له غرض إلاّ بيان ذات موضوع الحكم بتمامه حتى يحصل من المكلّف الامتثال ؛ وإن لم يفهم المكلّف تفصيل الموضوع بحدوده.

فإن كان المتكلّم في مقام البيان على النحو الأوّل فلا شكّ في أنّ وجود القدر المتيقّن في مقام المحاورة لا يضرّ في ظهور المطلق في إطلاقه ، فيجوز التمسّك بالإطلاق ؛ لأنّه

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٨٧.

(٢) والمحقّق العراقيّ اعتبر انتفاء القدر المتيقّن مطلقا ولو من الخارج. نهاية الأفكار ٢ : ٥٦٧ و ٥٧٤.

١٩٨

لو كان القدر المتيقّن المفروض هو تمام الموضوع ، لوجب بيانه ، وترك البيان اتّكالا على وجود القدر المتيقّن إخلال بالغرض ؛ لأنّه لا يكون مجرّد ذلك بيانا لكونه تمام الموضوع.

وإن كان المتكلّم في مقام البيان على النحو الثاني ، فإنّه يجوز أن يكتفي بوجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب لبيان تمام موضوعه واقعا ، ما دام أنّه ليس له غرض إلاّ أن يفهم المخاطب ذات الموضوع بتمامه لا بوصف التمام ، أي أن يفهم ما هو تمام الموضوع بالحمل الشائع. وبذلك يحصل التبليغ للمكلّف ويمتثل في الموضوع الواقعيّ ؛ لأنّه هو المفهوم عنده في مقام المحاورة. ولا يجب في مقام الامتثال أن يفهم أنّ الذي فعله هو تمام الموضوع أو الموضوع أعمّ منه ومن غيره.

مثلا : لو قال المولى : «اشتر اللحم» ، وكان القدر المتيقّن في مقام المحاورة هو لحم الغنم ، وكان هو تمام موضوعه واقعا ، فإنّ وجود هذا القدر المتيقّن كاف لانبعاث المكلّف وشرائه للحم الغنم ، فيحصل موضوع حكم المولى ، فلو أنّ المولى ليس له غرض أكثر من تحقيق موضوع حكمه ، فيجوز له الاعتماد على القدر المتيقّن لتحقيق غرضه ولبيانه ، ولا يحتاج إلى أن يبيّن أنّه تمام الموضوع ؛ أمّا لو كان غرضه أكثر من ذلك بأن كان غرضه أن يفهم المكلّف تحديد الموضوع بتمامه فلا يجوز له الاعتماد على القدر المتيقّن ، وإلاّ لكان مخلاّ بغرضه ، فإذا لم يبيّن وأطلق الكلام استكشف أنّ تمام موضوعه هو المطلق الشامل للقدر المتيقّن وغيره.

إذا عرفت هذا التقرير فينبغي أن نبحث عمّا ينبغي للآمر أن يكون بصدد بيانه ، هل إنّه على النحو الأوّل أو الثاني؟

والذي يظهر من الشيخ صاحب الكفاية قدس‌سره (١) أنّه لا ينبغي من الآمر أكثر من النحو الثاني ؛ نظرا إلى أنّه إذا كان بصدد بيان موضوع حكمه حقيقة كفاه ذلك لتحصيل مطلوبه وهو الامتثال. ولا يجب عليه مع ذلك بيان أنّه تمام الموضوع.

نعم ، إذا كان هناك قدر متيقّن في مقام المحاورة وكان تمام الموضوع هو المطلق ، فقد يظنّ المكلّف أنّ القدر المتيقّن هو تمام الموضوع ، وأنّ المولى أطلق كلامه اعتمادا

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

١٩٩

على وجوده ؛ فإنّ المولى دفعا لهذا الوهم يجب عليه أن يبيّن أنّ المطلق هو تمام موضوعه ، وإلاّ كان مخلاّ بغرضه.

ومن هذا ينتج أنّه إذا كان هناك قدر متيقّن في مقام المحاورة وأطلق المولى ولم يبيّن أنّه تمام الموضوع فإنّه يعرف منه أنّ موضوعه هو القدر المتيقّن.

هذا خلاصة ما ذهب إليه في الكفاية مع تحقيقه وتوضيحه ، ولكن شيخنا النائينيّ قدس‌سره ـ على ما يظهر من التقريرات ـ (١) لم يرتضه ، والأقرب إلى الصحّة ما في الكفاية (٢). ولا نطيل بذكر هذه المناقشة والجواب عنها.

التنبيه الثاني : الانصراف

اشتهر أنّ انصراف الذهن من اللفظ إلى بعض مصاديق معناه أو بعض أصنافه يمنع من التمسّك بالإطلاق وإن تمّت مقدّمات الحكمة (٣) ، مثل انصراف المسح في آيتي التيمّم والوضوء (٤) إلى المسح باليد وبباطنها خاصّة.

والحقّ أن يقال : إنّ انصراف الذهن إن كان ناشئا من ظهور اللفظ في المقيّد بمعنى أنّ نفس اللفظ ينصرف إلى المقيّد لكثرة استعماله فيه وشيوع إرادته منه ، فلا شكّ في أنّه حينئذ لا مجال للتمسّك بالإطلاق ، لأنّ هذا الظهور يجعل اللفظ بمنزلة المقيّد بالتقييد اللفظيّ ، ومعه لا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق حتّى يتمسّك بأصالة الإطلاق التي هي مرجعها في الحقيقة إلى أصالة الظهور.

وأمّا إذا كان الانصراف غير ناشئ من اللفظ ، بل كان من سبب خارجيّ ، كغلبة وجود الفرد المنصرف إليه أو تعارف الممارسة الخارجيّة له ، فيكون مألوفا قريبا إلى الذهن من دون أن يكون للّفظ تأثير في هذا الانصراف ، كانصراف الذهن من لفظ الماء في العراق

__________________

(١) فوائد الأصول ٢ : ٥٧٤ ـ ٥٧٥.

(٢) ولا يخفى أنّ المصنّف مع ارتضائه بما في الكفاية لم يعدّ هذه المقدّمة من مقدّمات الحكمة ، كما تقدّم.

(٣) مطارح الأنظار : ٢١٩.

(٤) النساء (٤) الآية : ٤٣ ؛ المائدة (٥) الآية : ٧.

٢٠٠