اُصول الفقه

الشيخ محمّد رضا المظفّر

اُصول الفقه

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-003-3
الصفحات: ٦٨٨

ـ لا شكّ ـ أمرا بالفعل نفسه.

الثانية : أن يكون غرضه في مجرّد أمر المأمور الأوّل ، من دون أن يتعلّق له غرض بفعل المأمور الثاني ، كما لو أمر المولى ابنه ـ مثلا ـ أن يأمر العبد بشيء ، ولا يكون غرضه إلاّ أن يعوّد ابنه على إصدار الأوامر أو نحو ذلك ، فيكون غرضه ـ فقط ـ في إصدار الأوّل أمره ، فلا يكون الفعل مطلوبا له أصلا في الواقع.

وواضح لو علم المأمور الثاني بهذا الغرض لا يكون أمر المولى بالأمر أمرا له ، ولا يعدّ عاصيا لمولاه لو تركه ؛ لأنّ الأمر المتعلّق لأمر المولى يكون مأخوذا على نحو الموضوعيّة وهو متعلّق الغرض ، لا على نحو الطريقيّة لتحصيل الفعل من العبد المأمور الثاني.

فإن قامت قرينة على إحدى الصورتين المذكورتين فذاك ، وإن لم تقم قرينة فإنّ ظاهر الأوامر ـ عرفا ـ مع التجرّد عن القرائن هو أنّه على نحو الطريقيّة.

فإذن ، الأمر بالأمر مطلقا يدلّ على الوجوب إلاّ إذا ثبت أنّه على نحو الموضوعيّة. وليس مثله يقع في الأوامر الشرعيّة.

تمرينات (١١)

التمرين الأوّل

١. ما هي الأقوال في دلالة الأمر على الفور أو التراخي؟ وما هو الحقّ والدليل عليه؟

٢. ما الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) و (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) على الفور؟

٣. هل يدلّ صيغة الأمر على المرّة أو التكرار؟

٤. قال المصنّف رحمه‌الله : «أمّا الإطلاق فإنّه يقتضي الاكتفاء بالمرّة» بيّنه تفصيلا.

٥. هل يدلّ نسخ الوجوب على الجواز؟

٦. إذا تعلّق الأمر بفعل مرّتين فهل يكون الأمر الثاني تأسيسا لوجوب آخر ، أو يكون تأكيدا للأمر الأوّل؟ بيّن صور المسألة وحكمها.

٧. هل يدلّ الأمر بالأمر على الوجوب أم لا؟

التمرين الثاني

١. ما هي الأقوال في المراد من المرّة والتكرار؟

١٠١

الخاتمة : في تقسيمات الواجب

للواجب عدّة تقسيمات لا بأس بالتعرّض لها ، إلحاقا بمباحث الأوامر ؛ وإتماما للفائدة.

١. المطلق والمشروط

إنّ الواجب إذا قيس وجوبه إلى شيء آخر خارج عن الواجب ، فهو لا يخرج عن أحد نحوين :

١. أن يكون متوقّفا وجوبه على ذلك الشيء ، وهو ـ أي الشيء ـ مأخوذ في وجوب الواجب على نحو الشرطيّة ، كوجوب الحجّ بالقياس إلى الاستطاعة. وهذا هو المسمّى بـ «الواجب المشروط» ؛ لاشتراط وجوبه بحصول ذلك الشيء الخارج ، ولذا لا يجب الحجّ إلاّ عند حصول الاستطاعة.

٢. أن يكون وجوب الواجب غير متوقّف على حصول ذلك الشيء الآخر ، كالحجّ بالقياس إلى قطع المسافة ، وإن توقّف وجوده عليه. وهذا هو المسمّى بـ «الواجب المطلق» ؛ لأنّ وجوبه مطلق غير مشروط بحصول ذلك الشيء الخارج. ومنه الصلاة بالقياس إلى الوضوء والغسل والساتر ونحوها.

ومن مثال الحجّ يظهر أنّه ـ وهو واجب واحد ـ يكون واجبا مشروطا بالقياس إلى شيء ، (١) وواجبا مطلقا بالقياس إلى شيء آخر (٢). فالمشروط والمطلق أمران إضافيان.

ثمّ اعلم أنّ كلّ واجب هو واجب مشروط بالقياس إلى الشرائط العامّة ، وهي البلوغ والقدرة والعقل ، فالصبيّ والعاجز والمجنون لا يكلّفون بشيء في الواقع.

وأمّا «العلم» : فقد قيل : «إنّه من الشروط العامّة» (٣). والحقّ أنّه ليس شرطا في الوجوب ولا في غيره من الأحكام ، بل التكاليف الواقعيّة مشتركة بين العالم والجاهل على حدّ سواء. نعم ، العلم شرط في استحقاق العقاب على مخالفة التكليف على تفصيل يأتي في

__________________

(١) وهو الاستطاعة مثلا.

(٢) وهو قطع المسافة مثلا.

(٣) ذهب إليه أكثر العامّة. فراجع الإحكام (الآمديّ) ١ : ٢١٥ ؛ نهاية السئول ١ : ٣١٥ ؛ المستصفى ١ : ٨٣ ، فواتح الرحموت (المطبوع بهامش المستصفى) ١ : ١٤٣.

١٠٢

مباحث الحجّة وغيرها إن شاء الله (تعالى) (١). وليس هذا موضعه.

٢. المعلّق والمنجّز (٢)

لا شكّ أنّ الواجب المشروط بعد حصول شرطه يكون وجوبه فعليّا شأن الواجب المطلق ، فيتوجّه التكليف فعلا إلى المكلّف. ولكن فعليّة التكليف تتصوّر على وجهين :

١. أن تكون فعليّة الوجوب مقارنة زمانا لفعليّة الواجب ، بمعنى أن يكون زمان الواجب نفس زمان الوجوب. ويسمّى هذا القسم : «الواجب المنجّز» ، كالصلاة بعد دخول وقتها ؛ فإنّ وجوبها فعليّ ، والواجب ـ وهو الصلاة ـ فعليّ أيضا.

٢. أن تكون فعليّة الوجوب سابقة زمانا على فعليّة الواجب ، فيتأخّر زمان الواجب عن زمان الوجوب. ويسمّى هذا القسم : «الواجب المعلّق» ؛ لتعليق الفعل ـ لا وجوبه ـ على زمان حاصل بعد ، كالحجّ ـ مثلا ـ ، فإنّه عند حصول الاستطاعة يكون وجوبه فعليّا ـ كما قيل (٣) ـ ولكن الواجب معلّق على حصول الموسم ، فإنّه عند حصول الاستطاعة وجب الحجّ ، ولذا يجب عليه أن يهيّئ المقدّمات والزاد والراحلة حتّى يحصل وقته وموسمه ليفعله في وقته المحدّد له.

وقد وقع البحث والكلام هنا في مقامين :

الأوّل : في إمكان الواجب المعلّق ، والمعروف عن صاحب الفصول قدس‌سره القول بإمكانه ووقوعه (٤). والأكثر على استحالته (٥) ، وهو المختار ، وسنتعرّض له ـ إن شاء الله (تعالى) ـ في

__________________

(١) يأتى في المبحث الحادي عشر من المباحث المذكورة في المقدّمة من المقصد الثالث.

(٢) هذا التقسيم هو الذى ابتكره صاحب الفصول. وقد أنكره الشيخ الأعظم الأنصاريّ. والمحقّق الخراسانيّ تعرّض لإنكاره عليه وقال : «فلا يكون مجال لإنكاره عليه» ، ثمّ أورد على التقسيم المذكور بوجه آخر. راجع الفصول الغرويّة : ٧٩ ؛ مطارح ٦ الأنظار : ٥١ ؛ كفاية الأصول : ١٢٧.

(٣) والقائل صاحب الفصول ومن تابعة.

(٤) الفصول الغرويّة : ٧٩. واختاره المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ٣٠٣ ـ ٣١٦ ، والسيّد الإمام الخمينيّ في تهذيب الأصول ١ : ١٨١.

(٥) ومنهم الشيخ في مطارح الأنظار : ٥١ ، والمحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ١ : ١٨٦ ـ ١٨٩.

١٠٣

مقدّمة الواجب (١) مع بيان السرّ في الذهاب إلى إمكانه ووقوعه ، وسنبيّن أنّ الواجب فعلا في مثال الحجّ هو السير والتهيئة للمقدّمات ، وأمّا نفس أعمال الحجّ : فوجوبها مشروط بحضور الموسم والقدرة عليها في زمانه.

والثاني : في أنّ ظاهر الجملة الشرطيّة في مثل قولهم : «إذا دخل الوقت فصلّ» هل إنّ الشرط شرط للوجوب فلا تجب الصلاة في المثال إلاّ بعد دخول الوقت أو أنّه شرط للواجب فيكون الواجب نفسه معلّقا على دخول الوقت في المثال ، وأمّا الوجوب فهو فعليّ مطلق؟

وبعبارة أخرى هل إنّ القيد شرط لمدلول هيئة الأمر في الجزاء أو أنّه شرط لمدلول مادّة الأمر في الجزاء (٢)؟

وهذا البحث يجري حتّى لو كان الشرط غير الزمان ، كما إذا قال المولى : «إذا تطهّرت فصلّ».

فعلى القول بظهور الجملة في رجوع القيد إلى الهيئة ـ أي إنّه شرط للوجوب ـ يكون الواجب واجبا مشروطا ، فلا يجب تحصيل شيء من المقدّمات قبل حصول الشرط. وعلى القول بظهورها في رجوع القيد إلى المادّة ـ أي إنّه شرط للواجب ـ يكون الواجب واجبا مطلقا ، فيكون الوجوب فعليّا قبل حصول الشرط ، فيجب عليه تحصيل مقدّمات المأمور به إذا علم بحصول الشرط فيما بعد.

وهذا النزاع هو النزاع المعروف بين المتأخّرين في رجوع القيد في الجملة الشرطيّة إلى الهيئة أو المادّة. وسيجيء تحقيق الحال في موضعه إن شاء الله تعالى (٣).

٣. الأصليّ والتبعيّ (٤)

الواجب الأصليّ «ما قصدت إفادة وجوبه مستقلاّ بالكلام» ، كوجوبي الصلاة والوضوء

__________________

(١) تعرّض له في المقدّمات المفوّتة : ٢٨٤ ـ ٢٩٠.

(٢) ذهب إلى الثاني المحقّق الأنصاريّ ، راجع مطارح الأنظار : ٤٧ ـ ٤٩. وإلى الأوّل صاحب الكفاية كما نسب إلى المشهور في نهاية الأصول ، راجع الكفاية : ١٢١ ، ونهاية الأصول : ١٥٥.

(٣) يجيء في المقدّمات المفوّتة : ٢٨٤ ـ ٢٩٠.

(٤) اعلم أنّهم اختلفوا في أنّ هذا التقسيم هل يكون بلحاظ مقام الإثبات والدلالة أو بلحاظ مقام الثبوت ـ

١٠٤

المستفادين من قوله (تعالى) : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، (١) وقوله (تعالى) : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (٢).

والواجب التبعيّ «ما لم تقصد إفادة وجوبه ، بل كان من (٣) توابع ما قصدت إفادته (٤)». وهذا كوجوب المشي إلى السوق المفهوم من أمر المولى بوجوب شراء اللحم من السوق ، فإنّ المشي إليها حينئذ يكون واجبا لكنّه لم يكن مقصودا بالإفادة من الكلام ، كما في كلّ دلالة التزاميّة فيما لم يكن اللزوم فيها من قبيل البيّن بالمعنى الأخصّ.

٤. التخييريّ والتعيينيّ

الواجب التعيينيّ «ما تعلّق به الطلب بخصوصه ، وليس له عدل في مقام الامتثال» ، كالصّلاة والصوم في شهر رمضان ، فإنّ الصلاة واجبة لمصلحة في نفسها لا يقوم مقامها واجب آخر في عرضها. وقد عرّفناه فيما سبق بقولنا : «هو الواجب بلا واجب آخر يكون عدلا له وبديلا عنه في عرضه» (٥). وإنّما قيّدنا البديل [بقولنا] : «في عرضه» ؛ لأنّ بعض الواجبات التعيينيّة قد يكون لها بديل في طولها ولا يخرجها عن كونها واجبات تعيينيّة ، كالوضوء ـ مثلا ـ الذي له بديل في طوله وهو التيمّم ؛ لأنّه إنّما يجب إذا تعذّر الوضوء ، وكالغسل بالنسبة إلى التيمّم أيضا كذلك ، وكخصال الكفّارة المرتّبة ، نحو كفّارة قتل الخطأ ، وهي العتق أوّلا ، فإن تعذّر فصيام شهرين ، فإن تعذّر فإطعام ستّين مسكينا.

__________________

ـ والواقع؟ فذهب إلى الأوّل صاحب الفصول ، راجع الفصول الغرويّة : ٨٢. وإلى الثاني الشيخ الأنصاريّ وتلميذه المحقّق الخراسانيّ ، فراجع مطارح الأنظار : ٧٨ ، وكفاية الأصول : ١٥٢. وذهب إلى الثاني أيضا المصنّف رحمه‌الله.

ولا يخفى أنّه على الأوّل ينقسم الواجب النفسيّ والغيريّ إلى الأصليّ والتبعيّ. وعلى الثاني فالنفسيّ لا ينقسم إليهما ، بل هو دائما أصليّ بهذا المعنى ؛ إذ الواجب النفسيّ لو لم يكن مرادا بالإرادة الاستقلاليّة ولم يكن ملتفتا إليه لم يكن هناك وجوب أصلا. هذا ، ومن أراد التفصيل فليراجع المطوّلات.

(١) البقرة (٢) الآيات : ٤٣ ، ٨٣ ، ١١٠.

(٢) المائدة (٥) الآية : ٦.

(٣) وفي «س» : بل كان وجوبه من ....

(٤) أي إفادة وجوبه.

(٥) راجع الصفحة : ٩٢.

١٠٥

والواجب التخييريّ : «ما كان له عدل وبديل في عرضه ، ولم يتعلّق به الطلب بخصوصه ، بل كان المطلوب هو أو غيره ، يتخيّر بينهما المكلّف». وهو كالصوم الواجب في كفّارة إفطار شهر رمضان عمدا ، فإنّه واجب ، ولكن يجوز تركه وتبديله بعتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا.

والأصل في هذا التقسيم أنّ غرض المولى ربّما يتعلّق بشيء معيّن ، فإنّه لا مناص حينئذ من أن يكون هو المطلوب والمبعوث إليه وحده ، فيكون «واجبا تعيينيّا». وربّما يتعلّق غرضه بأحد شيئين أو أشياء لا على التعيين ، بمعنى أنّ كلاّ منها محصّل لغرضه ، فيكون البعث نحوها جميعا على نحو التخيير بينها. وكلا القسمين واقع في إرادتنا نحن أيضا ، فلا وجه للإشكال في إمكان الواجب التخييريّ ، ولا موجب لإطالة الكلام (١).

ثمّ إنّ أطراف الواجب التخييريّ إن كان بينها جامع يمكن التعبير عنه بلفظ واحد ، فإنّه يمكن أن يكون البعث في مقام الطلب نحو هذا الجامع ، فإذا وقع الطلب كذلك فإنّ التخيير حينئذ بين الأطراف يسمّى «عقليّا» ، وهو ليس من الواجب التخييريّ المبحوث عنه ، فإنّ هذا يعدّ من الواجب التعيينيّ ، فإنّ كلّ واجب تعيينيّ كلّيّ يكون المكلّف مخيّرا عقلا بين أفراده ، والتخيير يسمّى حينئذ «عقليّا». مثاله قول الأستاذ لتلميذه : «اشتر قلما» الجامع بين أنواع الأقلام من قلم الحبر وقلم الرصاص وغيرهما (٢) ، فإنّ التخيير بين هذه الأنواع يكون عقليّا ، كما أنّ التخيير بين أفراد كلّ نوع يكون عقليّا أيضا.

وإن لم يكن هناك جامع مثل ذلك ، كما في مثال خصال الكفّارة ، فإنّ البعث إمّا أن يكون نحو عنوان انتزاعيّ كعنوان «أحد هذه الأمور» ، أو نحو كلّ واحد منها مستقلاّ ، ولكن مع العطف بـ «أو» ونحوها ممّا يدلّ على التخيير ، فيقال في النحو الأوّل مثلا : «أوجد أحد هذه الأمور». ويقال في النحو الثاني مثلا : «صم» أو «أطعم» أو «أعتق». ويسمّى حينئذ التخيير بين الأطراف «شرعيّا» ، وهو المقصود من التخيير المقابل للتعيين هنا.

__________________

(١) ومن أراد التفصيل فليراجع فوائد الأصول ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٦ ، والمحاضرات ٤ : ٤٠.

(٢) وفى س : مثاله قول الطبيب : «اشرب مسهلا» الجامع بين أنواع المسهل من زيت الخروع والملح الأفرنكي وغيرهما.

١٠٦

ثمّ هذا التخيير الشرعيّ تارة يكون بين المتباينين ، كالمثال المتقدّم ، وأخرى بين الأقلّ والأكثر ، كالتخيير بين تسبيحة واحدة وثلاث تسبيحات (١) في ثلاثيّة الصلاة اليوميّة ورباعيّتها على قول (٢). وكما لو أمر المولى برسم خطّ مستقيم ـ مثلا ـ مخيّرا فيه بين القصير والطويل.

وهذا الأخير ـ أعني التخيير بين الأقلّ والأكثر ـ إنّما يتصوّر فيما إذا كان الغرض مترتّبا على الأقلّ بحدّه ، ويترتّب على الأكثر بحدّه أيضا ، أمّا لو كان الغرض مترتّبا على الأقلّ مطلقا وإن وقع في ضمن الأكثر فالواجب حينئذ هو الأقلّ فقط ، ولا تكون الزيادة واجبة ، فلا يكون من باب الواجب التخييريّ ، بل الزيادة لا بدّ أن تحمل على الاستحباب.

٥. العينيّ والكفائيّ :

تقدّم أنّ الواجب العينيّ «ما يتعلّق بكلّ مكلّف ولا يسقط بفعل الغير (٣)» ، ويقابله الواجب الكفائيّ وهو «المطلوب فيه وجود الفعل من أيّ مكلّف كان» ، فهو يجب على جميع المكلّفين ، ولكن يكتفى بفعل بعضهم ، فيسقط عن الآخرين ولا يستحقّ العقاب بتركه. نعم ، إذا تركوه جميعا من دون أن يقوم به واحد ، فالجميع منهم يستحقّون العقاب ، كما يستحقّ الثواب كلّ من اشترك في فعله.

وأمثلة الواجب الكفائيّ كثيرة في الشريعة : منها : تجهيز الميّت والصلاة عليه ؛ ومنها : إنقاذ الغريق ونحوه من التهلكة ؛ ومنها : إزالة النجاسة عن المسجد ؛ ومنها : الحرف والمهن والصناعات التي بها نظام معايش الناس ؛ ومنها : طلب الاجتهاد ؛ ومنها : الأمر بالمعروف

__________________

(١) أي التخيير بين إتيان التسبيحات الأربعة مرّة واحدة ، وبين إتيانها ثلاث مرّات. فالمراد هو التخيير بين الأربع والاثني عشر.

(٢) والقائل ـ على ما في الجواهر ـ جماعة من القدماء كالكليني والصدوق والشيخين وكثير من المتأخّرين. راجع جواهر الكلام ١٠ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) تقدّم في الصفحة : ٩٠.

١٠٧

والنهي عن المنكر.

والأصل في هذا التقسيم أنّ المولى يتعلّق غرضه بالشيء المطلوب له من الغير على نحوين :

١. أن يصدر من كلّ واحد من الناس ، حينما تكون المصلحة المطلوبة تحصل من كلّ واحد مستقلاّ ، فلا بدّ أن يوجّه الخطاب إلى كلّ واحد منهم على أن يصدر من كلّ واحد عينا ، كالصوم والصلاة وأكثر التكاليف الشرعيّة. وهذا هو «الواجب العينيّ».

٢. أن يصدر من أحد المكلّفين لا بعينه ، حينما تكون المصلحة في صدور الفعل ولو مرّة واحدة من أيّ شخص كان ، فلا بدّ أن يوجّه الخطاب إلى جميع المكلّفين ؛ لعدم خصوصيّة لمكلّف دون مكلّف ، ويكتفى بفعل بعضهم الذي يحصل به الغرض ، فيجب على الجميع بفرض الكفاية. وهذا هو «الواجب الكفائيّ».

وقد وقع الأقدمون من الأصوليّين في حيرة من أمر الوجوب الكفائيّ وتطبيقه على القاعدة في الوجوب الذي قوامه بل لازمه المنع من الترك ، إذ رأوا أنّ وجوبه على الجميع لا يتلاءم مع جواز تركه بفعل بعضهم ، ولا وجوب بدون المنع من الترك. لذا ظنّ بعضهم أنّه ليس المكلّف المخاطب فيه الجميع بل البعض غير المعيّن ، أي أحد المكلّفين (١) ، وظنّ بعضهم أنّه معيّن عند الله غير معيّن عندنا ، ويتعيّن من يسبق إلى الفعل منهم فهو المكلّف حقيقة (٢) ... إلى غير ذلك من الظنون (٣).

ونحن لمّا صوّرناه بذلك التصوير المتقدّم لا يبقى مجال لهذه الظنون ، فلا نشغل أنفسنا بذكرها وردّها. وتدفع الحيرة بأدنى التفات ؛ لأنّه إذا كان غرض المولى يحصل بفعل البعض فلا بدّ أن يسقط وجوبه عن الباقي ؛ إذ لا يبقى ما يدعو إليه. فهو إذن واجب على الجميع من

__________________

(١) ذهب إليه البيضاويّ ونسب إلى الفخر الرازىّ. راجع نهاية السئول ١ : ١٥٨ و ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٢) لم أعثر على قائلة. وقال في فواتح الرحموت ـ بعد التعرّض لهذا القول ـ : «فلم يصدر ممّن يعتدّ به». راجع فواتح الرحموت (المطبوع بهامش المستصفى ١ : ٦٢).

(٣) كما نسب إلى قطب الدين الشيرازيّ أنّه قال : «إنّ المكلّف هو المجموع من حيث هو ، ومع اتيان البعض يصدق حصول الفعل من المجموع». راجع هداية المسترشدين : ٢٦٨.

١٠٨

أوّل الأمر ، ولذا يمنعون جميعا من تركه ، ويسقط بفعل بعضهم لحصول الغرض منه (١).

٦. الموسّع والمضيّق

ينقسم الواجب باعتبار الوقت إلى قسمين : موقّت وغير موقّت.

ثمّ الموقّت إلى موسّع ومضيّق.

ثمّ غير الموقّت إلى فوريّ وغير فوريّ.

ولنبدأ بغير الموقّت مقدّمة ، فنقول :

غير الموقّت «ما لم يعتبر فيه شرعا وقت مخصوص» ، وإن كان كلّ فعل لا يخلو عقلا من زمن يكون ظرفا له ، كقضاء الفائتة ، وإزالة النجاسة عن المسجد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونحو ذلك.

وهو ـ كما قلنا ـ على قسمين : [١]. فوريّ وهو «ما لا يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه» ، كإزالة النجاسة عن المسجد ، وردّ السلام ، والأمر بالمعروف. [٢]. وغير فوريّ وهو «ما يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه» ، كالصلاة على الميّت ، وقضاء الصلاة الفائتة ، والزكاة ، والخمس.

والموقّت «ما اعتبر فيه شرعا وقت مخصوص» ، كالصلاة والحجّ والصوم ونحوها وهو لا يخلو عقلا من وجوه ثلاثة : إمّا أن يكون فعله زائدا على وقته المعيّن له ، أو مساويا له ، أو ناقصا عنه. والأوّل ممتنع ؛ لأنّه من التكليف بما لا يطاق. والثاني لا ينبغي الإشكال في إمكانه ووقوعه ، وهو المسمّى «المضيّق» ، كالصوم ؛ إذ فعله (٢) ينطبق على وقته بلا زيادة ولا نقصان من طلوع الفجر إلى الغروب. والثالث هو المسمّى «الموسّع» ؛ لأنّ فيه توسعة

__________________

(١) وهذا ما ذهب إليه كثير من الأصوليين ، ومنهم : العلاّمة وصاحب القوانين وصاحب الفصول. راجع مبادئ الوصول : ١٠٥ ؛ قوانين الأصول ١ : ١٢٠ ، الفصول الغرويّة : ١٠٧. وذهب إليه أيضا الأسنويّ ونسبه إلى الفخر الرازيّ وابن الحاجب ، واختاره الآمديّ ونسبه إلى جماعة من المعتزلة. راجع نهاية السئول ١ : ١٦٦ ، والإحكام «للآمديّ» ١ : ١٤٩.

(٢) وفي س : إذا فعله.

١٠٩

على المكلّف في أوّل الوقت وفي أثنائه وآخره ، كالصّلاة اليوميّة وصلاة الآيات ، فإنّه لا يجوز تركه في جميع الوقت ، ويكتفى بفعله مرّة واحدة في ضمن الوقت المحدّد له.

ولا إشكال عند العلماء في ورود ما ظاهره التوسعة في الشريعة ، وإنّما اختلفوا في جوازه عقلا على قولين : إمكانه ، وامتناعه. ومن قال بامتناعه (١) أوّل ما ورد على الوجه الذي يدفع الإشكال عنده على ما سيأتي.

والحقّ عندنا جواز الموسّع عقلا ووقوعه شرعا (٢).

ومنشأ الإشكال عند القائل بامتناع الموسّع أنّ حقيقة الوجوب متقوّمة بالمنع من الترك ـ كما تقدّم (٣) ـ فينافيه الحكم بجواز تركه في أوّل الوقت أو وسطه.

والجواب عنه واضح ؛ فإنّ الواجب الموسّع فعل واحد ، وهو طبيعة الفعل المقيّد بطبيعة الوقت المحدود بحدّين على ألاّ يخرج الفعل عن الوقت ، فتكون الطبيعة بملاحظة ذاتها واجبة لا يجوز تركها ، غير أنّ الوقت لمّا كان يسع لإيقاعها فيه عدّة مرّات ، كان لها أفراد طوليّة تدريجيّة مقدّرة الوجود في أوّل الوقت وثانيه وثالثه إلى آخره ، فيقع التخيير العقليّ بين الأفراد الطوليّة ، كالتخيير العقليّ بين الأفراد العرضيّة للطبيعة المأمور بها ، فيجوز الإتيان بفرد وترك الآخر من دون أن يكون جواز الترك له مساس في نفس المأمور به ، وهو طبيعة الفعل في الوقت المحدود (٤). فلا منافاة بين وجوب الطبيعة بملاحظة ذاتها وبين جواز ترك أفرادها عدا فرد واحد.

والقائلون بالامتناع التجئوا إلى تأويل ما ظاهره التوسعة في الشريعة ، فقال بعضهم بوجوبه في أوّل الوقت ، والإتيان به في الزمان الباقي يكون من باب القضاء والتدارك

__________________

(١) قال به الشيخ المفيد ـ من الإماميّة ـ في التذكرة بأصول الفقه : ٣٠ ، وبعض الحنفيّة وبعض الشافعيّة ـ من العامّة ـ على ما في فواتح الرحموت (المستصفى ١ : ٧٤) ، ونهاية السئول ١ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٢) هذا القول مذهب السيد المرتضى والشيخ الطوسيّ. ونسب في القوانين إلى أكثر المحقّقين. راجع الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٤٥ ـ ١٤٦ ؛ العدّة ١ : ٢٣٤ ؛ قوانين الأصول ١ : ١١٨.

(٣) تقدّم في الصفحة : ١٠٨.

(٤) وفي «س» : المحدّد.

١١٠

لما فات من الفعل في أوّل الوقت (١). وقال آخر بوجوبه في آخر الوقت ، والإتيان به قبله من باب النفل يسقط به الفرض ، نظير إيقاع غسل الجمعة في يوم الخميس وليلة الجمعة (٢). وقيل : غير ذلك (٣).

وكلّها أقوال متروكة عند علمائنا ، واضحة البطلان. فلا حاجة إلى الإطالة في ردّها (٤).

هل يتبع القضاء الأداء؟

ممّا يتفرّع عادة على البحث عن الموقّت «مسألة تبعيّة القضاء للأداء» ، وهي من مباحث الألفاظ ، وتدخل في باب الأوامر.

ولكن أخّر (٥) ذكرها إلى الخاتمة مع أنّ من حقّها أن تذكر قبلها ؛ لأنّها ـ كما قلنا ـ من فروع بحث الموقّت عادة ، فنقول :

إنّ الموقّت قد يفوت في وقته ؛ إمّا لتركه عن عذر ، أو عن عمد واختيار ؛ وإمّا لفساده لعذر أو لغير عذر. فإذا فات على أيّ نحو من هذه الأنحاء فقد ثبت في الشريعة وجوب تدارك بعض الواجبات ، كالصّلاة والصوم ، بمعنى أن يأتي بها خارج الوقت. ويسمّى هذا التدارك «قضاء». وهذا لا كلام فيه إلاّ أنّ الأصوليّين اختلفوا في أنّ وجوب القضاء هل هو على مقتضى القاعدة ـ بمعنى أنّ الأمر بنفس الموقّت يدلّ على وجوب قضائه إذا فات في

__________________

(١) هذا ما نسبه البيضاويّ في منهاج الأصول إلى بعض الشافعيّة ، وأنكر هذه النسبة الأسنوي في شرح منهاج الأصول «نهاية السئول». فراجع نهاية السئول ١ : ١٦٣ ـ ١٦٤ و ١٧١.

(٢) هذا القول منسوب إلى بعض الحنفيّة. راجع الإحكام (للآمدي) ١ : ١٤٩ ؛ فواتح الرحموت (المستصفى ١ : ٧٤) ؛ قوانين الأصول ١ : ١١٨.

(٣) كقول أبي الحسن الكرخي من كون الواجب الموسّع مراعى ، فإن أدراك المكلّف أخر الوقت على صفة المكلّفين تبيّن أنّ ما أتى به أوّل الوقت كان واجبا ، وإن لم يدرك آخر الوقت على صفة المكلّفين كان نفلا. هذا القول نسب إليه في فواتح الرحموت (المستصفى ١ : ٧٤) ، والإحكام (الآمدي) ١ : ١٤٩ ، ونهاية السئول ١ : ١٧٥.

(٤) ومن أراد تفصيل ما ذكر في ردّها فليراجع قوانين الأصول ١ : ١١٨ ، هداية المسترشدين : ٢٥٦ ، الفصول الغرويّة ، ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٥) وفي «س» : أخّرت.

١١١

وقته ، فيكون وجوب القضاء بنفس دليل الأداء ـ أو أنّ القاعدة لا تقتضي ذلك ، بل وجوب القضاء يحتاج إلى دليل خاصّ غير نفس دليل الأداء؟

وفي المسألة أقوال ثلاثة :

قول بالتبعيّة مطلقا (١).

وقول بعدمها مطلقا (٢).

وقول بالتفصيل بين ما إذا كان الدليل على التوقيت متّصلا ، فلا تبعيّة ، وبين ما إذا كان منفصلا ، فالقضاء تابع للأداء (٣).

والظاهر أنّ منشأ النزاع في المسألة يرجع إلى أنّ المستفاد من التوقيت هو وحدة المطلوب أو تعدّده؟ أي إنّ في الموقّت مطلوبا واحدا هو الفعل المقيّد بالوقت بما هو مقيّد ، أو مطلوبين ، وهما ذات الفعل وكونه واقعا في وقت معيّن؟

فعلى الأوّل ، إذا فات الامتثال في الوقت لم يبق طلب بنفس الذات ، فلا بدّ من فرض أمر جديد للقضاء بالإتيان بالفعل خارج الوقت. وعلى الثاني ، إذا فات الامتثال في الوقت فإنّما فات امتثال أحد الطلبين وهو طلب كونه في الوقت المعيّن ، وأمّا الطلب بذات الفعل : فباق على حاله.

ولذا ذهب بعضهم إلى التفصيل المذكور باعتبار أنّ المستفاد من دليل التوقيت في المتّصل وحدة المطلوب ، فيحتاج القضاء إلى أمر جديد ، والمستفاد في المنفصل تعدّد المطلوب ، فلا يحتاج القضاء إلى أمر جديد ويكون تابعا للأداء.

__________________

(١) وهذا منسوب إلى جماعة من الحنابلة وعامّة الحنفيّة والمعتزلة وأهل الحديث. راجع إرشاد الفحول : ١٠٦ ؛ وفواتح الرحموت (المستصفى ١ : ٨٨).

(٢) وهذا هو المعروف بين الأصوليّين ـ من العامّة والإماميّة ـ فراجع الإحكام (الآمدي) ١ : ١٥٦ ؛ إرشاد الفحول : ١٠٦ ؛ المستصفى ١ : ٩٦ ؛ العدّة ١ : ٢١٠ ؛ الفصول الغرويّة : ١١٤ ؛ فوائد الأصول ١ : ٢٣٧.

(٣) لم أعثر على من صرّح بهذا التفصيل. نعم ، فصّل صاحب الكفاية بين ما إذا كان لدليل المنفصل إطلاق فلا يدلّ على وجوب الإتيان خارج الوقت. وبين ما إذا لم يكن له إطلاق وكان لدليل الواجب إطلاق فيدلّ على بقاء الوجوب خارج الوقت. راجع كفاية الأصول : ١٧٨.

١١٢

والمختار هو القول الثاني ، وهو عدم التبعيّة مطلقا ؛ لأنّ الظاهر من التقييد أنّ القيد ركن في المطلوب ، فإذا قال مثلا : «صم يوم الجمعة» فلا يفهم منه إلاّ مطلوب واحد لغرض واحد ، وهو خصوص صوم هذا اليوم ، لا أنّ الصوم بذاته مطلوب ، وكونه في يوم الجمعة مطلوب آخر.

وأمّا في مورد دليل التوقيت المنفصل ، كما إذا قال : «صم» ثمّ قال مثلا : «اجعل صومك يوم الجمعة» ، فأيضا كذلك ، نظرا إلى أنّ هذا من باب المطلق والمقيّد ، فيجب فيه حمل المطلق على المقيّد ، ومعنى حمل المطلق على المقيّد هو تقييد أصل المطلوب الأوّل بالقيد ، فيكشف ذلك التقييد عن أنّ المراد بالمطلق واقعا من أوّل الأمر خصوص المقيّد ، فيصبح الدليلان بمقتضى الجمع بينهما دليلا واحدا ، لا أنّ المقيّد مطلوب آخر غير المطلق ، وإلاّ كان معنى ذلك بقاء المطلق على إطلاقه ، فلم يكن حملا ولم يكن جمعا بين الدليلين ، بل يكون أخذا بالدليلين.

نعم ، يمكن أن يفرض ـ وإن كان هذا فرضا بعيد الوقوع في الشريعة ـ أن يكون دليل التوقيت المنفصل مقيّدا بالتمكّن ، كأن يقول في المثال : «اجعل صومك يوم الجمعة إن تمكّنت» ، أو كان دليل التوقيت ليس فيه إطلاق يعمّ صورتي التمكّن وعدمه ، ـ وصورة التمكّن هي القدر المتيقّن منه ـ فإنّه في هذا الفرض يمكن التمسّك بإطلاق دليل الواجب لإثبات وجوب الفعل خارج الوقت ؛ لأنّ دليل التوقيت غير صالح لتقييد إطلاق دليل الواجب إلاّ في صورة التمكّن ، ومع الاضطرار إلى ترك الفعل في الوقت يبقى دليل الواجب على إطلاقه.

وهذا الفرض هو الذي يظهر من الكفاية لشيخ أساتذتنا الآخوند قدس‌سره (١) ، ولكنّه فرض بعيد جدّا. على أنّه مع هذا الفرض لا يصدق الفوت ولا القضاء ، بل يكون وجوبه خارج الوقت من نوع الأداء.

__________________

(١) كفاية الأصول : ١٧٨.

١١٣

تمرينات (١٢)

التمرين الأوّل

١. ما هو الواجب المطلق والواجب المشروط؟ مثّل لهما.

٢. ما هو الواجب المعلّق والواجب المنجّز؟ ايت بمثال لهما.

٣. ما هو رأي صاحب الفصول في الواجب المعلّق؟

٤. ما هو الواجب الأصليّ والواجب التبعيّ؟

٥. ما الفرق بين الواجب التخييريّ والتعيينيّ؟

٦. ما الفرق بين التخيير الشرعيّ والعقليّ؟

٧. ايت بمثال من عندك ومثال من الكتاب للتخيير العقلي الشرعي.

٨. ايت بمثال للتخيير الشرعي بأقسامه.

٩. ما هو الواجب العيني والكفائي؟ ايت بمثال لهما.

١٠. اذكر أقوال العلماء في كيفيّة تطبيق الوجوب الكفائي على القاعدة.

١١. اذكر أقسام الواجب باعتبار الوقت وتعريفها.

١٢. ما الجواب عن الإشكال على الواجب الموسّع بأنّ حقيقة الوجوب متقوّمة بالمنع من الترك ، فينافيه الحكم بجواز تركه في أوّل الوقت أو وسطه؟

١٣. ما هي الأقوال في تبعيّة القضاء للأداء؟ وما هو مختار المصنّف رحمه‌الله ودليله عليه؟

التمرين الثاني

١. من هو مبتكر تقسيم الواجب إلى المعلّق والمنجّز؟

٢. ما الوجه في إنكار الشيخ الأنصاري تقسيم الواجب إلى المعلّق والمنجّز؟

٣. هل تقسيم الواجب إلى الأصليّ والتبعيّ يكون بلحاظ مقام الإثبات أو بلحاظ مقام الثبوت؟ (بيّن آراء العلماء والفرق بين اللحاظين).

٤. ما هو رأي المحقّق الخراساني في مسألة تبعيّة القضاء للأداء؟

١١٤

الباب الثالث

النواهي

وفيه خمس مسائل :

١. مادّة النهي

والمقصود بها كلمة «النهي» كمادّة الأمر. وهي عبارة عن طلب العالي من الداني ترك الفعل (١) ، أو فقل ـ على الأصحّ ـ : «إنّها عبارة عن زجر العالي للداني عن الفعل وردعه عنه (٢)» ، ولازم ذلك طلب الترك ، فيكون التفسير الأوّل تفسيرا باللازم على ما سيأتي توضيحه.

وهي (كلمة النهي) ككلمة «الأمر» في الدلالة على الإلزام عقلا لا وضعا ، وإنّما الفرق بينهما أنّ المقصود في الأمر الالزام بالفعل ، والمقصود في النهي الإلزام بالترك.

وعليه ، تكون مادّة «النهي» ظاهرة في الحرمة ، كما أنّ مادّة الأمر ظاهرة في الوجوب.

__________________

(١) هكذا عرّفها صاحب الفصول ، واختاره المحقّق الخراسانيّ ، فراجع الفصول الغرويّة : ١١٩ ؛ كفاية الأصول : ١٨٢.

والشيخ في العدّة عرّفها بـ «قول القائل لمن دونه : لا تفعل». وقال صاحب القوانين في تعريفها : «النهي هو طلب ترك الفعل بقول من العالي على سبيل الاستعلاء». راجع العدّة ١ : ٢٥٥ ، وقوانين الأصول ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦.

وعدل صاحب الفصول عنهما ؛ لعدم شمولهما النهي بالفعل وبالإشارة.

(٢) ولعلّ الوجه في كونه أصحّ أنّ صريح اللغة هو وضع مادّة «النهي» للزجر والمنع. راجع أقرب الموارد ٢ : ١٣٥٤.

١١٥

٢. صيغة النهي

المراد من صيغة النهي كلّ صيغة تدلّ على طلب الترك. أو فقل ـ على الأصحّ ـ : كلّ صيغة تدلّ على الزجر عن الفعل وردعه عنه ، كصيغة «لا تفعل» أو «إيّاك أن تفعل» ونحو ذلك.

والمقصود بـ «الفعل» الحدث الذي يدلّ عليه المصدر وإن لم يكن أمرا وجوديّا ، فيدخل فيها ـ على هذا ـ نحو قولهم : «لا تترك الصلاة» ؛ فإنّها من صيغ النهي لا من صيغ الأمر. كما أنّ قولهم : «اترك شرب الخمر» تعدّ من صيغ الأمر لا من صيغ النهي وإن أدّت مؤدّى «لا تشرب الخمر».

والسرّ في ذلك واضح ؛ فإنّ المدلول المطابقيّ لقولهم : «لا تترك» هو الزجر والنهي عن ترك الفعل ، وإن كان لازمه الأمر بالفعل ، فيدلّ عليه بالدلالة الالتزاميّة. والمدلول المطابقي لقولهم : «اترك» هو الأمر بترك الفعل ، وإن كان لازمه النهي عن الفعل ، فيدلّ عليه بالدلالة الالتزاميّة.

٣. ظهور صيغة النهي في التحريم

الحقّ أنّ صيغة النهي ظاهرة في التحريم ، ولكن لا لأنّها موضوعة لمفهوم الحرمة وحقيقة فيه كما هو المعروف (١) ، بل حالها في ذلك حال ظهور صيغة «افعل» في الوجوب ، فإنّه قد قلنا هناك : إنّ هذا الظهور إنّما هو بحكم العقل (٢) ، لا أنّ الصيغة موضوعة ومستعملة في مفهوم الوجوب.

وكذلك صيغة «لا تفعل» ؛ فإنّها أكثر ما تدلّ عليه النسبة الزجريّة بين الناهي والمنهيّ

__________________

(١) نسبه المحقّق القمي إلى الأشهر ، فراجع القوانين ١ : ١٣٦. ونسبه إلى الأكثر في الفصول الغرويّة : ١٢٠. وفي إرشاد الفحول نسبه إلى جمهور العامّة ، فراجع إرشاد الفحول : ١٠٩.

(٢) وهذا ما قال به المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ١ : ١٣٦. واختاره المصنّف رحمه‌الله هنا. وقد مرّ في الصفحة : ٨٣ و ٨٥.

١١٦

عنه والمنهيّ. فإذا صدرت ممّن تجب طاعته ويجب الانزجار بزجره والانتهاء عمّا نهى عنه ولم ينصب قرينة على جواز الفعل كان مقتضى وجوب طاعة هذا المولى وحرمة عصيانه عقلا ـ قضاء لحقّ العبوديّة والمولويّة ـ عدم جواز ترك الفعل الذي نهى عنه إلاّ مع الترخيص من قبله.

فيكون ـ على هذا ـ نفس صدور النهي من المولى بطبعه مصداقا لحكم العقل بوجوب الطاعة وحرمة المعصية ، فيكون النهي مصداقا للتحريم حسب ظهوره الإطلاقيّ ، لا أنّ التحريم ـ الذي هو مفهوم اسميّ ـ وضعت له الصيغة واستعملت فيه.

والكلام هنا كالكلام في صيغة «افعل» بلا فرق من جهة الأقوال والاختلافات.

٤. ما المطلوب في النهي؟

كلّ ما تقدّم ليس فيه خلاف جديد غير الخلاف الموجود في صيغة «افعل». وإنّما اختصّ النهي في خلاف واحد ، وهو أنّ المطلوب في النهي هل هو مجرّد الترك (١) أو كفّ النفس عن الفعل (٢)؟. والفرق بينهما أنّ المطلوب على القول الأوّل أمر عدميّ محض ، والمطلوب على القول الثاني أمر وجوديّ ؛ لأنّ الكفّ فعل من أفعال النفس.

والحقّ هو القول الأوّل.

ومنشأ القول الثاني توهّم هذا القائل أنّ الترك ـ الذي معناه إبقاء عدم الفعل المنهيّ عنه على حاله ـ ليس بمقدور للمكلّف ؛ لأنّه أزليّ خارج عن القدرة ، فلا يمكن تعلّق الطلب به.

والمعقول من النهي أن يتعلّق فيه الطلب بردع النفس وكفّها عن الفعل ، وهو فعل نفسانيّ يقع تحت الاختيار.

والجواب عن هذا التوهّم أنّ عدم المقدوريّة في الأزل على العدم لا ينافي المقدوريّة

__________________

(١) ذهب إليه أكثر الإماميّة ، فراجع معالم الدين : ١٠٤ ؛ قوانين الأصول ١ : ١٣٧ ؛ الفصول الغرويّة : ١٢٠ ؛ كفاية الأصول : ١٨٣ ؛ فوائد الأصول ٢ : ٣٩٤.

(٢) ذهب إليه كثير من العامّة ، فراجع : شرح العضدي ١ : ١٠٣ ؛ المحصول في علم أصول الفقه (الرازي) ١ : ٣٥٠ ؛ نهاية السئول ٢ : ٢٩٣ ؛ إرشاد الفحول : ١٠٩ ؛ منتهى الوصول والأمل : ١٠٠.

١١٧

بقاء واستمرارا ؛ إذ القدرة على الوجود تلازم القدرة على العدم ، بل القدرة على العدم على طبع القدرة على الوجود ، وإلاّ لو كان العدم غير مقدور بقاء لما كان الوجود مقدورا ، فإنّ المختار القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.

والتحقيق أنّ هذا البحث ساقط من أصله ، فإنّه ـ كما أشرنا إليه فيما سبق ـ ليس معنى النهي هو الطلب ، حتّى يقال : «إنّ المطلوب هو الترك أو الكفّ؟» ، وإنّما طلب الترك من لوازم النهي ، ومعنى النهي المطابقيّ هو الزجر والردع. نعم ، الردع عن الفعل (١) يلزمه عقلا طلب الترك ، كما أنّ البعث نحو الفعل (٢) في الأمر يلزمه عقلا الردع عن الترك.

فالأمر والنهي ـ كلاهما ـ يتعلّقان بنفس الفعل رأسا ، فلا موقع للحيرة والشكّ في أنّ الطلب في النهي يتعلّق بالترك أو الكفّ.

٥. دلالة صيغة النهي على الدوام والتكرار (٣)

اختلفوا في دلالة صيغة النهي على التكرار أو المرّة ، كالاختلاف في صيغة «افعل».

والحقّ هنا ما قلناه هناك بلا فرق ، فلا دلالة لصيغة «لا تفعل» ، لا بهيئتها ، ولا بمادّتها على الدوام والتكرار ، ولا على المرّة ، وإنّما المنهيّ عنه صرف الطبيعة ، كما أنّ المبعوث نحوه في صيغة «افعل» صرف الطبيعة.

غير أنّ بينهما فرقا من ناحية عقليّة في مقام الامتثال ، فإنّ امتثال النهي بالانزجار عن فعل الطبيعة ، ولا يكون ذلك إلاّ بترك جميع أفرادها ، فإنّه لو فعلها مرّة واحدة ، ما كان ممتثلا. وأمّا امتثال الأمر فيتحقّق بإيجاد أوّل وجود من أفراد الطبيعة ، ولا تتوقّف طبيعة الامتثال على أكثر من فعل المأمور به مرّة واحدة.

وليس هذا الفرق من أجل وضع الصيغتين ودلالتهما ، بل ذلك مقتضى طبع النهي والأمر عقلا.

__________________

(١) ويعبّر بالفارسيّة «بازداشتن از انجام كارى».

(٢) ويعبّر بالفارسيّة : «وا داشتن به انجام كارى».

(٣) والأنسب أن يقال في عنوان المسألة : «عدم دلالة صيغة النهي على الدوام والتكرار».

١١٨

تنبيه

لم نذكر هنا ما اعتاد المؤلّفون ذكره من بحثي اجتماع الأمر والنهي ، ودلالة النهي على الفساد ؛ لأنّهما داخلان في «المباحث العقليّة» ، كما سيأتي ، وليس هما من مباحث الألفاظ (١). وكذلك بحث مقدّمة الواجب ، ومسألة الضدّ ، ومسألة الإجزاء ليست من مباحث الألفاظ أيضا. وسنذكر الجميع في المقصد الثاني (المباحث العقليّة) إن شاء الله (تعالى).

تمرينات (١٣)

١. ما معنى النهي بمادّته؟

٢. ما المراد من صيغة النهي؟

٣. ما الدليل على أنّ صيغة النهي ظاهرة في التحريم؟

٤. ما المطلوب في النهي؟

٥. ما الفرق بين الترك وكفّ النفس عن الفعل؟

٦. ما الجواب عن توهّم من قال : «إن الترك أمر عدميّ لا يمكن تعلّق الطلب به»؟

٧. هل تدلّ صيغة النهي على الدوام أو التكرار؟

__________________

(١) والمناط في كون المسألة عقليّة هو كون البحث حول درك العقل وعدمه ، والمناط في كونها لفظيّة هو كون البحث حول الدلالات اللفظيّة. وقد تكون المسألة عقليّة محضة ، وقد تكون لفظيّة محضة ، وقد تكون عقليّة ولفظيّة. ومسألة دلالة النهي على الفساد من قسم الأخير كما سيأتي في محلّه.

١١٩

الباب الرابع

المفاهيم

تمهيد

في معنى كلمة «المفهوم» ، وفي النزاع في حجيّته ، وفي أقسامه. فهذه ثلاثة مباحث :

١. معنى كلمة المفهوم

تطلق كلمة «المفهوم» على ثلاثة معان :

١. المعنى المدلول للّفظ الذي يفهم منه ، فيساوي كلمة «المدلول» ، سواء كان مدلولا لمفرد أو جملة ، وسواء كان مدلولا حقيقيّا أو مجازيّا.

٢. ما يقابل المصداق ، فيراد منه كلّ معنى يفهم وإن لم يكن مدلولا للّفظ ، فيعمّ المعنى الأوّل وغيره.

٣. ما يقابل المنطوق ، وهو أخصّ من الأوّلين. وهذا هو المقصود بالبحث هنا. وهو اصطلاح أصوليّ يختصّ بالمدلولات الالتزاميّة للجمل التركيبيّة ، سواء كانت إنشائيّة أو إخباريّة ، فلا يقال لمدلول المفرد مفهوم وإن كان من المدلولات الالتزاميّة.

أمّا المنطوق : فمقصودهم منه ما يدلّ عليه اللفظ في حدّ ذاته على وجه يكون اللفظ المنطوق حاملا لذلك المعنى ، وقالبا له ، فيسمّى المعنى «منطوقا» تسمية للمدلول باسم الدالّ. ولذلك يختصّ المنطوق بالمدلول المطابقيّ فقط ، وإن كان المعنى مجازا قد استعمل فيه اللفظ بقرينة.

وعليه ، فالمفهوم الذي يقابله ما لم يكن اللفظ حاملا له دالاّ عليه بالمطابقة ، ولكن يدلّ

١٢٠