الكشف والبيان - ج ١٠

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ١٠

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٤

أخليفة الرحمن إنّ عشيرتي

أمسى سوائمهم عزين فلولا (١)

وقال آخر :

كأن الجماجم من وقعها

خناطيل (٢) يهون شتى عزينا (٣)

وأخبرني عقيل أن المعافى أخبرهم عن ابن جرير ، قال : حدّثنا بكار قال : حدّثنا مؤمل قال : حدّثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج على أصحابه وهم حلق حلق فقال : «ما لي أراكم عزين» [٣٥] (٤).

قال المفسّرون : كان المشركون يجتمعون حول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتسمعون كلامه ولا ينتفعون به ، بل يكذبونه ويكذبون عليه ويستهزءون به وبأصحابه ، ويقولون : دخل هؤلاء الجنّة كما يقول محمد ، فلندخلها قبلهم وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم فأنزل الله سبحانه : (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) قرأ الحسن وطلحة بفتح الياء وضم الخاء ، ومثله روى المفضل عن عاصم ، الباقون ضده (كَلَّا) لا يدخلونها ثمّ ابتدأ فقال : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أي من نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة فلا يستوجب الجنّة أحد منهم بكونه شريفا ؛ لأنّ مادة الخلق واحدة بل يستوجبونها بالطاعة ، قال قتادة في هذه : إنّما خلقت يا ابن آدم من قذر فاتق إلى الله.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن برزة قال : حدّثنا محمد بن سليمان ابن الحرث الباغندي قال : حدّثنا عارم أبو النعمان السدوسي ، قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك ، قال : كان أبو بكر الصديق إذا خطبنا ذكر مناتن ابن آدم فذكر بدء خلقه أنّه يخرج من مخرج البول مرتين ، ثمّ يقع في الرحم نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ يخرج من بطن أمه فيتلوث في بوله وخراه حتّى يقذر أحدنا نفسه.

وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدّثنا صفوان بن صالح قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه فقال : «يقول عزوجل بني آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتّى إذا سوّيتك وعدّلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت حتّى (إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) قلت : أتصدّق وأنى أوان الصدقة» [٣٦] (٥).

__________________

(١) جامع البيان للطبري : ٢٩ / ١٠٧.

(٢) الخناطيل : لا واحد لها من جنسها ، وهي جماعات من الوحش والطير في تفرقة.

(٣) تفسير القرطبي : ١٨ / ٢٩٣.

(٤) مسند أحمد : ٥ / ٩٣.

(٥) مسند أحمد : ٤ / ٢١٠.

٤١

وقيل : إنّا خلقناهم من أجل ما يعلمون وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب فحذف أجل ، كقول الشاعر :

أأزمعت من آل ليلى احتكارا

وشطّت على ذي هوى أن تزارا (١)

أي من أجل آل ليلى.

وقيل : (ما) بمعنى من ، مجازه : إنا خلقناهم ممن يعلمون ويعقلون لا كالبهائم. (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) قرأ أبو حيوة برب المشرق والمغرب (إِنَّا لَقادِرُونَ * عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) نظيره في سورة الواقعة.

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) ويلهوا في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) نسختها آية القتال (يَوْمَ يَخْرُجُونَ) قراءة العامّة بفتح الياء وضم الراء ، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم بضم الياء وفتح الراء (مِنَ الْأَجْداثِ) القبور (سِراعاً) إلى إجابة الداعي كَأَنَّهُمْ إِلى نَصْبٍ قراءة العامّة بفتح النون وجزم الصاد يعنون إلى شيء منصوب ، يقال : فلان نصب عيني.

قال ابن عباس : يعني إلى غاية وذلك حين سمعوا الصيحة الأخيرة. الكلبي : إلى علم ورواية ، وقال أبو العلاء : سمعت بعض العرب يقول : النصب الشبكة التي يقع فيها الصيد فيتسارع إليها صاحبها مخافة أن يفلت الصيد منها ، وقرأ زيد بن ثابت وأبو رجاء وأبو العالية ومسلم البطين والحسن وأشهب العقيلي وابن عامر (إِلى نُصُبٍ) بضم النون والصاد ، وهي رواية حفص عن عاصم واختيار أبي حاتم.

قال مقاتل والكسائي : يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. وقال الفراء والأخفش : النصب جمع النصب مثل رهن ، والأنصاب جمع النصب فهي جمع الجمع. وقيل : النصب والأنصاب واحد.

(يُوفِضُونَ) يسرعون. قال الشاعر :

فوارس ذبيان تحت الحديد

كالجن يوفضن من عبقر (٢)

وقال ابن عباس وقتادة : يسعون ، وقال أبو العالية ومجاهد : يستبقون ، ضحاك : يطلعون.

الحسن يبتدرون. القرظي يشتدون (خاشِعَةً) ذليلة خاضعة (أَبْصارُهُمْ) بالعذاب ، قال قتادة : سواد الوجوه (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) يغشاهم هوان ، ومنه غلام مراهق إذا غشى الاحتلام (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة.

__________________

(١) لسان العرب : ٨ / ١٤٤.

(٢) تفسير القرطبي : ١٨ / ٢٩٧.

٤٢

سورة نوح

مكيّة وهي تسعمائة وتسعة وعشرون حرفا ،

ومائتان وأربع وعشرون كلمة ، وثمان وعشرون آية.

أخبرني محمد بن القيّم قال : حدّثنا محمد بن محمد بن شاذة قال : حدّثنا أحمد بن محمد ابن الحسن قال : حدّثنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا سليم بن فتينة عن شعبة عن عاصم بن تهّدله عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح» [٣٧] (١).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠) قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (٢٤) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨))

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ١٠ / ١٣٠.

٤٣

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (من) صلة (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو الموت فلا يهلككم بالعذاب (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) نفارا وإدبارا عنه (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) لئلّا يسمعوا دعوتي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) غطوا بها وجوههم لئلّا يروني ولا يسمعوا صوتي (وَأَصَرُّوا) على الكفر (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ) الدعوة (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً).

أخبرني الحسين قال : حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن عليّ قال : حدّثنا محمد بن عمران بن هارون قال : حدّثنا أبو عبيد الله المخزومي قال : حدّثنا سفيان عن مطرف عن الشعبي : أن عمر خرج يستسقي بالناس ، فلم يزد على الاستغفار حتّى رجع ، فقالوا له : ما رأيناك استسقيت ، فقال عمر : لقد طلبت المطر لمحاويج السماء التي يستنزل منها المطر ، ثمّ قرأ : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً).

(وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) جارية ، وذلك أن قوم نوح لما كذّبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فهلكت أموالهم ومواشيهم ، فوعدهم الله إن آمنوا أن يرد عليهم.

وروى الربيع بن صبيح أن رجلا أتى الحسن فشكا إليه الجدوبة ، فقال له الحسن : استغفر الله ، وأتاه آخر فشكا إليه الفقر ، فقال له : استغفر الله ، وأتاه آخر فقال : ادع الله أن يرزقني ابنا ، فقال له : استغفر الله ، وأتاه آخر فشكا إليه جفاف بساتينه فقال له : استغفر الله فقلنا أتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون أنواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار ، فقال : ما قلت من ذات نفسي في ذلك شيئا إنّما اعتبرت فيه قول الله سبحانه حكاية عن نبيّه نوح عليه‌السلام إنّه قال لقومه : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً).

(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً). قال ابن عباس ومجاهد : ما لكم لا ترون لله عظمة ، سعيد بن جبير : ما لكم لا تعظمون لله حقّ عظمته. منصور عن مجاهد : لا تبالون لله عظمته.

العوفي عن ابن عباس : لا تعلمون لله عظمة. قتادة : لا ترجون لله عاقبة ، ابن زيد : لا ترون لله طاعة. الكلبي : لا تخافون لله عظمة. ابن كيسان : ما لكم لا ترجون في عبادة الله أن يثبكم على توقيركم إياه خير ، الحسن : لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة. سعيد بن جبير أيضا : لا يرجون لله ثوابا ولا يخافون عقابا ، والرجاء من الأضداد يكون أملا وخوفا.

٤٤

(وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) تارات ومرات حالا بعد حال ، نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ، إلى تمام الخلقة (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) قال الحسن : يعني في السماء الدنيا. وهذا جائز في كلام العرب ، كما يقال : أتيت بني تميم وأتاني بعضهم ، ويقول : فلان متوار في دور بني فلان ، وإنّما هو في دار واحدة. وقال مقاتل : هو معناه وجعل القمر معهن نورا لأهل الأرض ، (في) بمعنى مع. وقال عبد الله بن محمد : وإن الشمس والقمر وجوههما قبل السموات وضوء الشمس ونور القمر منها وأقفيتها قبل الأرض ، وأنا أقرأ بذلك آية من كتاب الله سبحانه (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) مصباحا مضيئا.

وقيل لعبد الله بن عمر : ما بال الشمس تصلينا أحيانا وتبرد علينا أحيانا ، فقال : إنّها في الصيف في السماء الرابعة وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمن ، ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شيء.

(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) وكان حقّه إنباتا ولكنّه مصدر مخالف للصدر ، وقال الخليل : مجازه : فنبتم نباتا (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) أمواتا (وَيُخْرِجُكُمْ) منها أحياء (إِخْراجاً * وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) مهادا يحملكم ويستركم أمواتا (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) طرقا مختلفة. (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) وهم القادة والأشراف (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) عظيما يقال : كبر كبار بالتخفيف وكبّار بالتشديد ، كلها بمعنى واحد ونظيره في كلام العرب ، أمر عجيب وعجاب وعجّاب ، ورجل حسان وحسّان ، وكمال وكمّال ، وقرّاء للقاري ووضّاء للوضي ، وأنشد ابن السكيت :

بيضاء تصطاد القلوب وتستبي

وبالحسن قلب المسلم القراء (١)

وقال آخر :

والمرء يلحقه بقيتان الندى

خلق الكريم وليس بالوضاء (٢)

وقرأ ابن محيص وعيسى : كبارا بالتخفيف ، واختلفوا في معنى مكرهم.

فقال ابن عباس : قالوا قولا عظيما. الحسن : مكروا في دين الله وأهله مكرا عظيما.

الضحاك : افتروا على الله وكذّبوا رسله. وقيل : حرّشوا أسفلتهم على قتل نوح.

(وَقالُوا) لهم (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا) قرأ أهل المدينة بضم الواو ، وغيرهم بفتحها (٣) وهما لغتان (وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ) قراءة العامة غير مجرى فيهما ، قال أبو

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٨ / ٣٠٦.

(٢) تفسير القرطبي : ١٨ / ٣٠٧.

(٣) في المخطوط : بفتحه.

٤٥

حاتم : لأنهما على بناء فعل مضارع وهما مع ذلك أعجميان. وقرأ الأعمش وأشهب العقيلي : ولا يغوثا ويعوقا مصروفين (وَنَسْراً).

أخبرني الحسين قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدّثنا محمد بن بكار بن المرقان ، قال : حدّثنا أبو معشر عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب ، قال : كان لآدم عليه‌السلام خمس بنين : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وكانوا عبادا فمات رجل منهم فحزنوا عليه حزنا شديدا ، فجاءهم الشيطان ، فقال : هل لكم أن أصور لكم في قبلتكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه ، قالوا : نكره أن يجعل في قبلتنا شيئا نصلي إليه ، قال : فأجعله في مؤخّر المسجد. قالوا : نعم فصوره لهم من صفر ورصاص ، ثمّ مات آخر فصوّره لهم ، ثمّ مات آخر فصوّره لهم ، قال : فنقصت الأشياء كما ينقصون اليوم وأقاموا على ذلك ما شاء الله ، ثمّ تركوا عبادة الله سبحانه فأتاهم الشيطان فقال : ما لكم لا تعبدون شيئا ، قالوا : من نعبد؟ قال : هذه آلهتكم وآلهة آبائكم لا ترونها مصوّرة في مصلّاكم ، قال : فعبدوها من دون الله عزوجل ، حتّى بعث الله عزوجل نوحا فدعاهم إلى عبادة الله سبحانه ، فقالوا : (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) إلى قوله سبحانه وتعالى : (وَنَسْراً).

وروى سفيان عن موسى عن محمد بن قيس ، (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) قال : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح عليهما‌السلام ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا ، قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصوّروهم ، فلمّا ماتوا وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس فقال : إنّما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم.

قال ابن عباس : كان نوح يحرس جسد آدم على جبل بالهند ، يحول بين الكافرين وبين أن يطوفوا بقبره ، فقال لهم الشيطان : إنّ هؤلاء يفخرون عليكم فيزعمون أنّهم بنو آدم دونكم وإنّما هو جسد وأنا أصور لكم مثله تطوفون (١) به ، فنحت خمسة أصنام وحملهم على عبادتها وهي ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، فلما كان أيام الغرق دفن الطوفان تلك الأوثان وطمّها التراب ، فلم تزل مدفونة حتّى أخرجها الشيطان لمشركي العرب ، فاتخذت قضاعة ودّا فعبدوها بدومة الجندل ، ثمّ توارثه بنوه الأكابر فالأكابر حتّى صارت إلى كلب فجاء الإسلام وهو عندهم ، وأخذ أعلى وأنعم وهما من طيئ يغوث فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زمانا ، ثمّ إن بني ناجية أرادوا أن ينزعوه من أعلى وأنعم ، ففروا به إلى الحصين أخي بني الحرث بن كعب ، وأما يعوق فكان لكهلان ، ثمّ توارثه بنوه الأكبر فالأكبر ، حتّى صار إلى همدان ، وأما نسر فكان لخثعم يعبدونه ، وأما سواع فكان لآل ذي الكلاع يعبدونه (٢).

__________________

(١) في المخطوط : تطيفون.

(٢) راجع تفسير القرطبي : ١٨ / ٣٠٨.

٤٦

وقال عطاء وقتادة والثمالي والمسيب : صارت أوثان قوم نوح إلى العرب فكان ود لكلب بدومة الجندل ، وكان سواع برهاط لهذيل ، وكان يغوث لبني غطيف من مراد بالجوف ، وكان يعوق لهمدان ، وكان نسر لآل ذي الكلاع من حمير ، وأما اللات فلثقيف ، وأما العزى فلسليم وغطفان وخثعم ونصر وسعيد بن بكر ، وأما مناة فكانت لقديد ، وأما أساف ونائلة وهبل فلأهل مكّة ، وكان أساف حيال الحجر الأسود ، وكانت نائلة حيال الركن اليماني ، وكان هبل في جوف الكعبة ثمانية عشر ذراعا.

وقال الواقدي : كان ودّ على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر من الطير.

(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) أي ضل بعبادتها وبسببها كثيرا من الناس نظيره (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) (١) (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) أي من خطاياهم (٢) و (ما) صلة وقرأ أبو عمرو خطاياهم (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) وقرأ أبو حيوة والأعمش : مما خطتهم على الواحد ، وروى أبو روق عن الضحاك في قوله سبحانه :(أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) قال : يعني في الدنيا في حالة واحدة كانوا يغرقون من جانب ويحترقون في الماء من جانب.

أنشدنا أبو القيّم الحسن قال : أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رمح ، قال : أنشدنا أبو بكر بن الأنبازي :

 الخلق مجتمع طورا ومفترق

والحادثات فنون ذات أطوار

لا تعجبنّ لأضداد إن اجتمعت

فالله يجمع بين الماء والنار

(وَقالَ نُوحٌ) قال مقاتل : نوح بالسريانية الساكن ، وإنّما سمّي نوحا ؛ لأنّ الأرض سكنت إليه (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً). أحدا يدور في الأرض فيذهب ويحيى ، وهو فيعال من الدوران مثل القيام أصله قيوام وديّوار.

وقال القتيبي : أصله من الدار أي نازل دارا (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) قال ابن عباس : كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول : احذر هذا فإنّه كذّاب وإن أبي حذّرنيه فيموت الكبير وينشأ الصغير عليه.

(وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) يعني : من سيكفر ويفجر. قال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد : إنّما قال نوح عليه‌السلام هذا حين أخرج الله تعالى كلّ مؤمن

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٣٦.

(٢) في المخطوط : خطياتهم.

٤٧

أصلابهم وأرحام نسائهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة ، وقيل : سبعين سنة وأخبر الله سبحانه وتعالى نوحا أنّهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمنا ، فحينئذ دعا عليهم نوح ، فأجاب الله سبحانه دعاءه فأهلكهم كلّهم ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب.

وقال أبو العالية والحسن : لو أهلك أطفالهم معهم لكان عذابا من الله لهم ، ولكن الله تعالى أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب ثم أهلكهم ، والدليل عليه قوله سبحانه : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) (١) وقد علمنا أن الأطفال لم يكذّبوا الرسل وإنّما وقع العذاب على المكذّبين.

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) أي داري ، وقال الضحاك : مسجدي ، وقيل : سفينتي (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) عامة وقال الكلبي : من أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) هلاكا ودمارا.

__________________

(١) سورة الفرقان : ٣٧.

٤٨

سورة الجن

مكيّة وهي ثمان مائة وسبعون حرفا ،

وخمس وثمانون كلمة ، وثماني وعشرون آية

أخبرنا نافل بن راقم بن أحمد بن عبد الجبار البابي ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن محمد البلخي ، قال : حدّثنا عمرو بن محمد الكرباسي ، قال : حدّثنا أسباط بن اليسع البخاري ، قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي ، قال : حدّثنا نوح بن أبي مريم عن عليّ بن زيد عن أبيّ ابن كعب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة الجنّ أعطي بعدد كلّ جنّي وشيطان صدّق بمحمد وكذّب به عتق رقبة» [٣٨] (١).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥))

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) وكانوا تسعة من جن نصيبين استمعوا قراءة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد مرّ خبرهم (٢).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ١٠ / ١٤٠.

(٢) راجع مسند أحمد : ١ / ٤٥٨.

٤٩

قال أبو حمزة الثمالي : بلغنا أنهم من بني الشيطان وهم أكثر الجن عددا وهم عامة جنود إبليس. (فَقالُوا) لما رجعوا إلى قومهم (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً * وَأَنَّهُ) بالفتح قرأه أهل الشام والكوفة إلّا حفصا.

وفتح أبو جعفر ما كان مردودا على الوحي ، وكسر ما كان حكاية عن الجن ، وجرها كلّها الباقون.

(تَعالى جَدُّ رَبِّنا) حدّثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن مهدي العدل ، قال : حدّثنا الأصم ، قال : حدّثنا أحمد بن حازم ، قال : حدّثنا عبد الله بن سفيان عن السدي في قوله : (جَدُّ رَبِّنا) قال : أمر ربنا.

وبإسناده عن سفيان عن سلمان التيمي عن الحسن ، قال : غنى ربنا ومنه قيل : للحظ جد ورجل مجدود. وقال ابن عباس : قدرة ربنا. مجاهد وعكرمة : جلاله. قتادة : عظمته. ابن أبي نجيح عن مجاهد : ذكره. ضحاك : فعله. القرظي : آلاؤه ونعمه على خلقه. الأخفش : علا ملك ربنا. ابن كيسان : علا ظفره على كل كافر بالحجة. والجدّ في اللغة : العظمة ، ومنه قول أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ في أعيننا أي عظم.

وقال ابن عباس : لو علمت أن في الإنس جدّا ما قالت تعالى جدّ ربّنا ، وقال أبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن أنس : ليس لله جد وإنّما وليه الجدّ بالجهالة فلم تؤخذوا به.

(مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) وقرأ عكرمة : تَعالى جِدُّ رَبِّنا بكسر الجيم على ضد الهزل ، وقرأ ابن السميع : (جدي ربّنا) وهو الجدوى والمنفعة.

(وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) جاهلنا ، وقال مجاهد وقتادة : هو إبليس لعنه الله (عَلَى اللهِ شَطَطاً) عدوانا وقولا عظيما (وَأَنَّا ظَنَنَّا) حسبنا (أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) أي كنّا نظنّهم صادقين في قولهم : إنّ لله صاحبة وولدا حتّى سمعنا القرآن (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) وذلك قول الرجل من العرب إذا أمسى بالأرض القفر : أعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، فيبيت في أمن وجوار حتّى يصبح.

قال مقاتل : أوّل من تعوّذ بالجن قوم من أهل اليمن ، ثمّ بنو حنيفة ثمّ فشا ذلك في العرب.

أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدّثنا أبو القيّم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ، قال : حدّثنا موسى بن سعيد بن النعمان بطرطوس ، قال : حدّثنا فروة بن معراء الكندي ، قال : حدّثنا القيّم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري ، قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أوّل ما ذكر

٥٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكّة فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف النهار جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي ، فقال : يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه يقول : يا سرحان أرسله ، فأتانا الحمل يشتدّ حتّى دخل الغنم ، ولم يصبه كدمة ، قال ، وأنزل الله سبحانه على رسوله بمكة : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) يعني : [إن الإنس زادوا الجن طغيانا باستعاذتهم] (١) فزادتهم رهقا.

قال ابن عباس : أثما. معمر عن قتادة : خطيئة. سعيد عنه : جرأة (٢). مجاهد : طغيانا.

ربيع : فرقا. ابن زيد : خوفا. إبراهيم : عظمة ، وذلك أنّهم قالوا : [سدنا] الجن والإنس. مقاتل : غيّا. الحسن : شرّا. ثعلب : خسارا. والرهق في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم ، ورجل مرهق : إذا كان كذلك. وقال الأعشى :

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها

هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا (٣)

(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) يا معشر الكفّار من الإنس (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) بعد موته (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) من الملائكة (وَشُهُباً) من النجوم (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها) من السماء (مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) برمي الشهب (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) أهواء مختلفة وفرقا شتى ، منّا المؤمن ومنّا الكافر.

قال سعيد بن جبير : ألوانا شتى. الحسن : قددا مختلفين ، الأخفش : ضروبا ، أبو عبيدة : أصنافا ، المؤرّخ : أجناسا ، النضر : مللا ، ابن كيسان : شيعا وفرقا لكلّ فرقة هوى كأهواء الناس ، وقال الفراء : تقول العرب : هؤلاء طريقة قومهم أي ساداتهم ورؤساؤهم ، المسيّب : كنّا مسلمين ويهودا ونصارى.

أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا محمد بن عمرو بن الخطاب ، قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن نحتويه ، قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم الصوري بأنطاكية ، قال : حدّثنا محمد بن المتوكل بن أبي السراي ، قال : حدّثنا المطلب بن زياد ، قال : سمعت السدي يقول في قول الله سبحانه : (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) ، قال : الجن مثلكم فيهم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة.

واحد القدد : قدة ، وهي الفرقة وأصلها من القدّ وهو القطع. قال لبيد يرثي أخاه أربد :

لم تبلغ العين كل نهمتها

ليلة تمشي الجياد كالقدد

__________________

(١) التقويم عن تفسير القرطبي : ١٩ / ١٠.

(٢) في تفسير القرطبي : سعيد بن جبير : كفرا.

(٣) لسان العراب : ١٠ / ١٢٩.

٥١

وقال آخر :

ولقد قلت وزيد جاسر

يوم ولّت خيل عمرو قددا

(وَأَنَّا ظَنَنَّا) علمنا (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) إن أراد بنا أمرا (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) إن طلبنا (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ) قرأه العامّة بالألف ، وقرأ الأعمش فلا يخفف بالجزم (بَخْساً) نقصا (وَلا رَهَقاً) ظلما ، يقول : لا يخاف أن ينقص من حسناته ، ولا أن يزداد في سيّئاته ، ولا أن يؤخذ بذنب غيره ، ولا أن يعاقب بغير جرم ، وقيل : (رَهَقاً) : مكروها يغشاه ، وقيل : ذهاب كله نظيره قوله سبحانه وتعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (١).

(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) الجائرون العادلون عن الحق. يقال : أقسط الرجل فهو مقسط إذا عدل ، قال الله سبحانه : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٢) ، وقسط يقسط قسوطا إذا جاد. قال الشاعر :

قوم هم قتلوا ابن هند عنوة

عمرا وهم قسطوا على النعمان (٣)

وأنشد ابن زيد :

قسطنا على الأملاك في عهد تبّع

ومن قبل ما أدرى النفوس عقابها (٤)

ونظيره في الكلام المترب : الفقير ، والمترب : الغني.

(فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) أي قصدوا وأعدّوا وتوخّوا ومنه بتحرّى القبلة لمن عميت عليه. وقال امرؤ القيس :

ديمة هطلاء فيها وطف

طبق الأرض تحرّى وتدر (٥)

(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً).

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي

__________________

(١) سورة طه : ١١٢.

(٢) سورة الحجرات : ٩.

(٣) تفسير القرطبي : ١٩ / ١٧.

(٤) جامع البيان للطبري : ٢٩ / ١٤١.

(٥) الصحاح : ٤ / ١٥١٢.

٥٢

لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨))

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) قراءة العامة لو : بكسر الواو. وقرأ الأعمش : لَوُ اسْتَقامُوا بضم الواو.

(عَلَى الطَّرِيقَةِ) اختلف المفسرون في تأويلها ، فقال قوم : معناها وأن لو استقاموا على طريقة الحقّ والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين. (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ، قال عمر رضي‌الله‌عنه في هذه الآية : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة ، يعني أعطيناهم مالا كثيرا وعيشا رغيدا ووسعنا عليهم في الرزق وبسطنا لهم في الدنيا (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنختبرهم كيف شكرهم فيما خوّلوا وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء بن رياح والضحاك وقتادة وعبيد بن عمير وعطية ومقاتل والحسن ، قال : كان والله أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سامعين لله مطيعين فتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر ، ففتنوا بها فوثبوا بإمامهم فقتلوه يعني عثمان بن عفان.

ودليل هذا التأويل قوله سبحانه وتعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١) وقوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٢) وقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (٣) وقوله تعالى : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (٤) الآيات.

وقال آخرون : معناها (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى) طريقة الكفر والضلالة وكانوا كفّارا كلهم لأعطيناهم مالا كثيرا ولوسّعنا عليهم (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) عقوبة لهم واستدراجا ، حتّى يفتنوا فيعذبهم.

وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي والثمالي ويمان بن رباب وابن كيسان وابن مجلد ، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) (٥).

__________________

(١) سورة المائدة : ٦٦.

(٢) سورة الأعراف : ٩٦.

(٣) سورة النحل : ٩٧.

(٤) سورة نوح : ١٠ ـ ١١.

(٥) سورة الأنعام : ٤٤.

٥٣

وقوله سبحانه وتعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ) (١).

وقوله سبحانه : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) (٢).

وقوله سبحانه وتعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٣).

(وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ) قرأ أهل الكوفة ويعقوب وأيوب بالياء وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد. وقرأ مسلم بن جندب : نُسْلِكْهُ بضم النون وكسر اللام. وقرأ الآخرون بفتح النون وضم اللام وهما لغتان سلك واسلك بمعنى واحد أي يدخله.

(عَذاباً صَعَداً) قال ابن عباس : شاقا. السدي : مشقة. قتادة : لا راحة فيه. مقاتل : لا فرج فيه. الحسن : لا يزداد إلّا شدّة.

ابن زيد : متعبا. والأصل فيه أن الصعود يشقّ على الإنسان ، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعد في خطبة النكاح ، أي ما شقّ عليّ. وقال عكرمة : هو جبل في النار. وقال الكلبي : يكلّف الوليد بن المغيرة أن يصعد في النار جبلا من صخرة ملساء حتّى يبلغ أعلاها يجذب من أمامه بالسلاسل ، ويضرب بمقامع الحديد حتّى يبلغ أعلاها ولا يبلغه في أربعين سنة ، فإذا بلغ أعلاها أجر إلى أسفلها ، ثمّ يكلف أيضا صعودها فذلك دأبه أبدا ، وهو قوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) (٤).

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) قال سعيد بن جبير : قالت الجن لنبي الله كيف لنا أن نأتي المسجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً).

قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين أن يخلصوا له الدعوة إذا دخلوا المساجد ، وأراد بها المساجد كلّها.

وقال الحسن : أراد بها البقاع كلها وذلك ، أن الأرض جعلت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجدا ، وكان المسلمون بعد نزول هذه الآية إذا دخل أحدهم المسجد قال : أشهد أن لا إله إلّا الله والسلام على رسول الله.

وقال سعيد بن جبير وطلق بن حبيب : أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد وهي سبعة : القدمان والركبتان واليدان والوجه. وسمعت محمد بن الحسن السلمي يقول : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبو القيّم البزاز يقول : قال ابن عطاء : مساجدك أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تذللها لغير خالقها.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٣٣.

(٢) سورة الشورى : ٢٧.

(٣) سورة العلق : ٦ ـ ٧.

(٤) سورة المدّثّر : ١٧.

٥٤

وأخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا غير مرة ، قال : أخبرنا ابن الشرقي ، قال : حدّثنا حمدان السلمي ، قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل ومعلّى بن أسيد ومسلم بن إبراهيم ، قالوا : حدّثنا وهيب ، قال : حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرت أن أسجد على سبعة : أعظم الجبهة ـ وأشار بيده إلى أنفه ـ واليدين والركبتين وأطراف القدمين ، وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا [٣٩] (١).

وأخبرنا أبو بكر الجوزقي ، قال : أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري ، قال : حدّثنا أحمد بن سلمة ، قال : حدّثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدّثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب ، أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا سجد العبد سجد معه سبعة» [٤٠] (٢) فإن جعلت المساجد المواضع فواحدها مسجد بكسر الجيم ، وإن جعلت الأعضاء فواحدها مسجد بفتح الجيم. وقال الحسن : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) يعني الصلوات (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) أي أفردوا له التوحيد وأخلصوا له العبادة. وقيل : معناه فردّوها لذكر الله وعبادته فلا تتخذوها متجرا ولا مجلسا ولا طرقا ولا تجعلوا فيها لغير الله نصيبا.

(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) يعني : محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يَدْعُوهُ) يقول : لا إله إلّا الله ويدعوا إليه ويقرأ القرآن (كادُوا) يعني : الجن (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) أي يركبون بعضهم بعضا ، ويزدحمون ويسقطون حرصا منهم على استماع القرآن. قاله الضحاك ورواه عطية عن ابن عباس.

سعيد بن جبير عنه : هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له واهتمامهم به في الركوع والسجود واقتدائهم به في الصلاة.

وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يعني لما قام عبد الله بالدعوة تلبّدت الجن والإنس ، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحقّ الذي جاءهم به ، ويطفئوا نور الله فأبى الله إلّا أن يتم هذا الأمر وينصره ويظهره على من ناواه.

وأصل اللبد : الجماعات بعضها فوق بعض ، ومنه قيل للجراد الكبير : لبد ، وتلبد الشعر إذا تراكم. ومنه سمي اللبد لبدا ، كما ويقال للشعر على الأسد : لبدة وجمعها لبد ، قال زهير :

لدى أسد شاك السلاح خبان

له لبد أظفاره لم تقلّم (٣)

وفيه أربع لغات : لبد بكسر اللام وفتح الباء و [هي] قراءة العامة واختيار أبي عبيدة وأبي

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٢٩٢.

(٢) كتاب المسند للشافعي : ٤٠.

(٣) تفسير القرطبي : ١٩ / ٢٤.

٥٥

حاتم واحدتها لبدة بكسر اللام ، ولبد بضم اللام وفتح الباء وهي قراءة مجاهد وابن محيص وواحدتها لبدة بضم اللام ، ولبد بضم اللام والباء وهي قراءة أبي حيوة واحدتها لبيد ، ولبّد بضم اللام وتشديد الباء وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وواحدها لابد مثل راكع ركع وساجد وسجد.

قالَ يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبه قرأ أكثر القرّاء ، وقرأ أبو جعفر والأعمش وعاصم وحمزة (قُلْ) على الأمر (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي ملجأ أميل إليه وقال قتادة : نصرا. الكلبي : مدخلا في الأرض مثل السرب ، السدي : جرزا.

قال مقاتل : قال كفار قريش للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّك أتيت بأمر عظيم لم يسمع بمثله ، وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا الأمر ، فنحن نجزيك ، فأنزل الله سبحانه هذه الآيات.

وفي قراءة أبي (عنّا ولا رشدا).

(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) فإن فيه الحوار والأمن والنجاة قاله الحسن.

وقال قتادة : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ) فذلك الذي أملكه بعون الله وتوفيقه ، فإمّا الكفر والإيمان فلا أملكهما.

وقيل : (لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) لكن أبلغ بلاغا من الله ، إنّما أنا مرسل ومبلّغ لا أملك إلّا ما ملكت.

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً * حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) يعني العذاب.

(فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً * قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) يعني العذاب وقيل : القيامة (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) أجلا وغاية تطول مدتها (عالِمُ الْغَيْبِ) رفع على نعت قوله (رَبِّي) ، وقيل : هو عالم الغيب. (فَلا يُظْهِرُ) يطلع (عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضى) اصطفى (مِنْ رَسُولٍ) فإنه يصطفيه ويطلعه على ما يشاء من الغيب. (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ذكر بعض الجهات دلالة على جميعها (رَصَداً) حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين واستماع الجن ليلا يسترقوه فيلقوه إلى كهنتهم.

قال سعيد بن المسيب : (رَصَداً) أربعة من الملائكة حفظة. قال مقاتل وغيره : كان الله إذا بعث رسولا أتاه إبليس في صورة جبرائيل يخبره ، فبعث الله (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) من الملائكة يحرسونه ويطردون الشيطان ، فإذا جاءه شيطان في صورة ملك ، قالوا : هذا شيطان فاحذر ، وإذا جاءه ملك ، قالوا : هذا رسول ربّك.

٥٦

(لِيَعْلَمَ) قرأ ابن عباس ويعقوب بضم الياء ، أي ليعلم الناس أن الرسل قد بلّغوا ، وقرأ الآخرون بفتح الياء أي (لِيَعْلَمَ) الرسول أن الملائكة (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) عندهم (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) فلم يخف عليه شيئا (١) ونصب عددا على الحال وإن شئت على المصدر أي عد عددا.

__________________

(١) في المخطوط : عليهم شيء.

٥٧

سورة المزمل

هي مكيّة إلّا قوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ) إلى آخر السورة ، وهي ثمانمائة وثمانية وثلاثون حرفا ، ومائتان وخمس وثمانون كلمة ، وعشرون آية في الكوفي أخبرني أبو الحسن الماوردي ، قال : حدّثنا أبو محمد بن أبي حامد ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسن الأصفهاني ، قال : حدّثنا المؤمل بن إسماعيل ، قال : حدّثنا سفيان الثوري ، قال : حدّثنا أسلم المعري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابزي عن أبيه عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة المزمّل رفع عنه العسر في الدنيا والآخرة» [٤١] (١).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦))

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) المتلفف بثوبه ، وأصله المتزمل فأدغم التاء في الزاء ، ومثله يقال : تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى به ، وزمل غيره إذا غطّاه.

قال امرؤ القيس :

كبير أناس في بجاد مزمّل (٢)

قال أبو عبد الله الجدلي : سألت عائشة عن قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) ما كان تزميله ذلك؟ قالت : كان مرطا طوله أربع عشر ذراعا نصفه عليّ وأنا نائمة ونصفه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يصلّي.

قال أبو عبد الله : فسألتها ما كان؟

قالت : والله ما كان جزّا ولا قزّا ولا مرعزي ولا إبريسم ولا صوفا كان سداه شعرا ولحمته وبرا.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ١٠ / ١٥٧.

(٢) لسان العرب : ١٠ / ٢٥٥.

٥٨

وقال السدي : أراد يا أيها النائم قم فصلّ. وقال عكرمة : يعني : يا أيّها الذي زمّل هذا الأمر أي حمّله ، وكان يقرأ الْمُزَمَّلُ بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها. وقالت الحكماء : إنّما خاطبه بالمزمل والمدثر في أوّل الأمر ؛ لأنّه لم يكن أدّى بعد شيئا من تبليغ الرسالة.

(قُمِ اللَّيْلَ) قراءة العامة بكسر الميم ، وقرأ أبو السماك العدوي : بضمه لضمة القاف (إِلَّا قَلِيلاً) ثمّ بين فقال : (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) إلى الثلث (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) على النصف إلى الثلثين ، خيّره بين هذه المنازل ، فلما نزلت هذه الآية صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه واشتد ذلك عليهم وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ حتى شقّ عليهم وانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم ، فرحمهم‌الله سبحانه وخفف عنهم ونسخها بقوله : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) (١) الآية. وكان بين أوّل السورة وآخرها سنة.

وقال سعيد بن جبير : لمّا نزل قوله : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) مكث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله تعالى ، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ، فأنزل الله سبحانه بعد عشر سنين (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) (٢) الآية. فخفف عنهم بعد عشر سنين.

وقال مقاتل وابن كيسان : كان هذا قبل أن يفرض الصلوات الخمس ، ثمّ نسخ ذلك بالصلوات الخمس. وقال ابن عباس : لما نزل أول المزمّل كانوا يقومون نحو من قيامهم في شهر رمضان ، وكان بين أولها وآخرها سنة.

وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة ، قالت : كنت أجعل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حصيرا يصلّي عليه من الليل ، فتسامع الناس به ، فاجتمعوا فلمّا تكثر جماعتهم ، كره ذلك وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ، فدخل البيت كالمغضب ، فجعلوا يتنحنحون ويشتغلون حتّى خرج إليهم ، فقال : «يا أيّها الناس اكلفوا (٣) من الأعمال ما تطيقون ، فإنّ الله لا يملّ من الثواب حتّى تملّوا من العمل وإنّ خير العمل أدومه وان قلّ» [٤٢] (٤) فنزلت عليه : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ) فكتبت عليهم وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به ، فمكثوا ثمانية أشهر ، فلمّا رأى الله ما يكلّفون ويبتغون به وجه الله ورضاه رحمهم فوضع ذلك عنهم فقال : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) الآية. فردّهم إلى الفريضة ووضع عنهم قيام الليل إلّا ما تطوعوا به.

وقال الحسن : في هذه الآية الحمد لله تطوع بعد فريضة.

(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً). قال الحسن : اقرأه قراءة ، بيّنه تبيانا ، وعنه أيضا : اقرأه على

__________________

(١) سورة المزمل : ٢٠.

(٢) سورة المزمل : ٢٠.

(٣) أكلفوا : تحمّلوا : النهاية لابن الأثير.

(٤) تفسير القرطبي : ١٩ / ٣٧.

٥٩

هينتك ثلاث آيات وأربعا وخمسا. قتادة : تثبت فيه تثبيتا. ابن كيسان : تفهّمه تاليا له. وقيل : فصّله تفصيلا ولا تعجل في قراءته ، وهو من قول العرب : ثغّر رتّل ورتل إذا كان مفلجا. أبو بكر ابن طاهر : دبّر في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه ، وسرك بالإقبال عليه.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن مالك ، قال : حدّثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدّثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ورتل كما ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرأها» [٤٣] (١).

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) قال الحسن : إنّ الرجل ليهدّ السورة ولكن العمل به ثقيل.

وقال قتادة : ثقيل والله فرائضه وحدوده. ابن عباس : شديدا. أبو العالية : ثقيلا بالوعد والوعيد والحلال والحرام. محمد بن كعب : ثقيلا على المنافقين. الفرّاء : (ثَقِيلاً) ليس بالخفيف السفساف ؛ لأنه كلام ربّنا. عبد العزيز بن يحيى : مهيبا ، ومنه يقال للرجل العاقل : هو رزين راجح.

وسمعت الأستاذ أبا القيّم بن جندب يقول : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول : سمعت الحسين بن الفضل وسئل عن هذه الآية ، فقال : معناها (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً) خفيفا على اللسان (ثَقِيلاً) في الميزان. وقال أبو بكر بن طاهر : يعني قولا لا يحمله إلّا قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزيّنة بالتوحيد. وقال القيّم : في هذه الآية سماع العلم من العالم مرّ واستعماله ثقيل لكنه يأتي بالفرح إذا استعمله العبد على جد السنّة وتمام الأدب. وقيل : عنى بذلك أن القرآن عليه ثقيل محمله. قال ابن زيد : هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا يثقل في الموازين يوم القيامة.

أخبرنا أبو الحسين ابن أبي الفضل القهندري ، قال : أخبرنا مكي قال : حدّثنا محمد بن يحيى فقال : وفيما قرأت على عبد الله عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الحرث بن هشام سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ عليّ فينفصم عني وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل الملك رجلا فأعرف ما يقول» [٤٤] (٢).

قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وان جبينه ليرفض عرقا.

__________________

(١) فتح الباري : ١٣ / ٣٤٩ ، السنن الكبرى : ٥ / ٢٢ ، ح ٨٠٥٦.

(٢) مسند أحمد : ٦ / ١٥٨ ، تفسير القرطبي : ١٩ / ٣٩.

٦٠