الفصول المهمة في تأليف الأمة

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي

الفصول المهمة في تأليف الأمة

المؤلف:

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

قلت : إذا كان صاحب لا إله إلا الله بحيث لو قتل عمر بن الخطاب وهو الخليفة الثاني لحاجه بها فأمر أهل التوحيد اذن سهل يسير ، فليتق الله أهل الشقاق ولينهض رجال الاصلاح بأسباب الوئام والوفاق ، فقد نصب الغرب لنا حبائله ووجه نحونا قنابله وأظلّنا منطاده بكل صاعقة وأقلنا نفقه بكل بائقة وأحاط بنا أسطوله وضربت في أطلالنا طبوله ، ولئن لم يعتصم المسلمون بحبل الاجتماع ويبرأوا إلى الله من هذا النزاع ليكونن أذلاء خاسئين وأرقاء صاغرين ( أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ).

وأخرج البخاري عن أنس « رض » قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم ا ه‍.

قلت : هل بقي بعد هذه الأحاديث الصحيحة والنصوص الصريحة ملتمس لشغب المشاغب أو مطمع يتشبث به الناصب ؟ كلا ورب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ان دين الاسلام بريء مما يزعمه المرجفون ، مناقض لما يحاوله المجحفون ( وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ ).

وفي الصحيحين بالاسناد إلى ابن عمر « رض » قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمنى ـ قد أشار إلى مكة المعظمة ـ : أتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فان هذا بلد حرام ، أتدرون أي يوم هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : انه يوم حرام ، أتدرون أي شهر هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : شهر حرام. قال : فان الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ا ه‍.

والصحاح الستة وغيرها مشحونة من هذه الأخبار ، وهي أشهر من الشمس في رائعة النهار.

٢١

فليت شعري أي عذر لمن اعتمد عليها ، وانحصر رجوعه في أحكام الدين اليها ، ثم خالف في ذلك أحكامها ونبذ وراء ظهره كلامها (٦) بلى انهم مرجفون والأمر على خلاف ما يظنون.

__________________

(٦) كالشيخ نوح الحنفي حيث أفتى ـ مع وجود هذه الصحاح وأمثالها ـ بتكفير الشيعة ، وأوجب قتالهم ، وأباح قتلهم وسبي ذراريهم ونساءهم ، سواء تابوا أم لم يتوبوا ، فراجع فتواه هذه في باب الردة والتعزير ، من كتاب الفتاوي الحامدية الشهير ، وسنذكرها بعين لفظه في الفصل التاسع من هذه الفصول ، مزيفين لها بالادلة القاطعة والبراهين الناصعة ، فراجع ذلك الفصل واعلم ان الفصول الثمانية التي قبله انما هي مقدمة للرد على هذه الفتوى القاسية ، وما ألفنا هذا الكتاب الا لهذه الغاية ، اذ لم اجد أحداً قام بهذا الواجب ، والحمد لله على التوفيق لادائه كما يجب.

٢٢

الفصل الرّابع

في يسير من نصوص أئمتنا عليهم الصلاة والسلام في الحكم باسلام أهل السنة وأنهم كالشيعة في كل أثر يترتب على مطلق المسلمين.

وهذا في غاية الوضوح من مذهبنا لا يرتاب فيه ذو اعتدال منا ، ولذا لم نستقص ما ورد من هذا الباب ، إذ ليس من الحكمة توضيح الواضحات وهاك ما عقد الفصل للاشارة اليه :

قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام في خبر سفيان بن السمط : ـ الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واقامة الصلاة وايتاء الزكاة ، وحج البيت وصيام شهر رمضان ـ الحديث.

وقال سلام الله عليه في خبر سماعة : الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى جماعة الناس ـ الحديث.

وقال الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام في صحيح حمران بن أعين من جملة

٢٣

حديث : والاسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فخرجوا بذلك عن الكفر واضيفوا إلى الايمان ا ه‍.

إلى آخر ما هو مأثور عنهم في هذا المعنى مما لا يمكنني استيفاؤه ولا يسعني استقصاؤه ، وهذا القدر كاف لما أردناه موضح لما قصدناه.

٢٤

الفصل الخامس

في طائفة مما صح عند أهل السنة من الأحاديث الحاكمة بنجاة مطلق الموحدين.

أوردناها ليعلم حكمها بالجنة على كل من الشيعة والسنة ، والغرض بعث المسلمين على الاجتماع والتنديد بهم على هذا النزاع والتنبيه لهم على أن هذا التدابر بينهم عبث محض وسفه صرف بل فساد في الأرض وأهلاك للحرث والنسل ، ضرورة انه متى كان الدين حاكما على كل منهما بالايمان معلناً بفوزهما في أعلى الجنان لا يبقى لنزاعهما غرض تقصده الحكماء أو أمر يليق بالباب العقلاء ، لكن مني المسلمون بجماعة ذهلوا عن صلاحهم وغفلوا عن حديث صحاحهم ، واليك منه ما عقد الفصل لذكره :

اخرج البخاري (١) في صحيحه عن أبي أيوب الأنصاري « رض » ان رجلا

__________________

(١) وفي صحيح مسلم من هذا النوع أحاديث وافرة ، فراجع منه باب الايمان الذي يدخل به الجنة في الجزء الأول منه ، وباب من لقى الله بالايمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار ، وهو في الجزء الأول أيضاً تجد فيه من البشائر ما تقر به عين المؤمن بالله واليوم الآخر.

٢٥

قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال القوم : ماله ماله. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إرَبٌ ماله ) فقال : تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ذرها. قال : كأنه كان على راحلته واخرج أيضاً بسنده ان اعرابياً أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان. قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلما ولّى قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ا ه‍.

قلت : ظهر لي من أخبار أخر أن هذا الأعرابي انما هو مالك بن نويرة بن حمزة التميمي (٢).

وفي صحيح البخاري بالاسناد إلى عبادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه

__________________

(٢) وكان رجلاً سريا نبيلا يردف الملوك ، وهو الذي يضرب به المثل فيقال « مرعى ولا كالسعدان وماء ولا كصداء وفتى ولا كمالك ». وكان فارسا شاعرا مطاعا في قومه ، وكان فيه خيلاء وتقدم ، وكان ذا لمة كبيرة ، وكان يقال له الجفول ، قدم على النبي (ص) فأسلم وحسن اسلامه فولاه (ص) صدقة قومه وحج معه حجة الوداع وشهد خطبته يوم غدير خم بالولاية لعلي فكان بعدها من المتفانين في ولايته. قتله خالد بن الوليد يوم البطاح ونكح زوجته وكانت زوجته وكانت في غاية الجمال وجعل رأسه أثفية لقدر فكانت القدر على رأسه حتى نضج الطعام وما خلصت النار اليه ، نص على ذلك وثيمة بن موسى بن الفرات كما في ترجمته من وفيات ابن خلكان ، وذكره الواقدي وكثير من أهل السير والأخبار وعللوا عدم خلوص النار إلى شواه بكثرة شعر رأسه وهو كما ترى. وقد أشرنا إلى هذه القضية حيث ذكرنا خالد بن الوليد في فصل المتأولين وهو الفصل الثامن من هذه الفصول فراجع.

٢٦

وآله وسلم : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل (٣).

وفي البخاري أيضاً عن جنادة مثله إلا انه زاد فيه « من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء دخل ».

وفيه عن أبي ذر « رض » قال : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ ، فقال : ما من عبد قال : لا إله إلاّ الله ثم مات على ذلك الا دخل الجنة. قلت : وان زنى وان سرق ؟ قال : وان زنى وان سرق. قلت : وان زنى وان سرق ؟ قال : وان زنى وان سرق ؟ قلت : وان زنى وان سرق ؟ قال : وان زنى وان سرق على رغم أنف أبي ذر.

وفيه عن أبي ذر أيضاً قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال جبرائيل : من مات من امتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة أو لم يدخل النار. قلت : وان زنى وان سرق ؟ قال وان ا ه‍.

وفيه عنه أيضاً قال : خرجت ليلة من الليالي فاذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي وحده وليس معه انسان. قال : فظننت انه يكره أن يمشي معه أحد فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني فقال : من هذا ؟ قلت : أبو ذر جعلني الله فدك. قال : يا أبا ذر تعال. قال فمشيت معه ساعة فقال : ان المكثرين في الدنيا هم المقلون يوم القيامة الا من أعطاه الله خيراً ، فنفخ فيه

__________________

(٣) أي مع ما كان منه من الاعمال سواء كانت مرضية لله تعالى أو غير مرضية.

٢٧

يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيراً. قال : فمشيت معه ساعة فقال لي : اجلس ها هنا حتى أرجع اليك. قال : فانطلق في الحرة حتى لا أراه ، فلبث عني فأطال اللبث ثم اني سمعته وهو مقبل وهو يقول : وان سرق وان زنى. فلما جاء لم أصبر حتى قلت له : يا نبي الله جعلت فداءك من تكلم في جانب الحرة ما سمعت أحداً يرجع اليك شيئاً ؟ قال : ذلك جبرائيل عرض لي في جانب الحرة فقال : بشر امتك انه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. قلت : يا جبرائيل وان سرق وان زنى ؟ قال : نعم. قلت : وان سرق وان زنى ؟ قال : نعم. قلت وان سرق وان زنى ؟ قال : نعم وان شرب الخمر ا ه‍.

قلت : الظاهر ان الزنا والسرقة وشرب الخمر هنا كناية عن مطلق الكبائر ، فيكون المراد ان من مات على التوحيد دخل الجنة أو لم يدخل النار وان ارتكب الكبائر ، على حد قوله في الحديث السابق أعني حديث عبادة « على ما كان من العمل ».

تنبيه :

يجب ان يعلم ان عصاة المؤمنين يعذبون يوم القيامة على قدر ذنوبهم ثم ينالون الكرامة في دار المقامة ، على ذلك اجتماع أهل البيت وشيعتهم بل هو من الضروريات عندهم.

فالأخبار الحاكمة بنجاة أهل القبلة على ما كان من العمل ليست ناظرة إلى ان العصاة منهم لا يرون العذاب أصلاً ، وانما المراد انهم لا يخلدون كما يخلد الكفار ، وبهذا لا يبقى لهم تمسك بهذه الأحاديث ونحوها ، وليس لهم بما اجترحوا إلا التوبة والندم أو العذاب في جهنم على قدر ما يستحقون أو يتداركهم الله بعفوه وغفرانه وشفاعة الشافعين عليهم‌السلام.

٢٨

وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل قال : بينا انا رديف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بيني وبينه الا آخرة الرحل قال : يا معاذ. قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال. يا معاذ. قلت لبيك رسول الله وسعديك. ثم قال يا معاذ. قلت لبيك رسول الله وسعديك. قال : هل تدري ما حق الله على عباده ؟ قلت : الله ورسوله اعلم. قال : حق الله على عباده ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. ثم سار ساعة فقال. يا معاذ بن جبل. قلت : لبيك رسول الله وسعديك. قال : هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه ؟ قلت : الله ورسوله اعلم. قال : حق العباد على الله ان لا يعذبهم.

وفي صحيح البخاري عن عتبان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لن يوافي عبد يوم القيامة بقول « لا إله إلا الله » يبتغي به وجه الله الا حرم عليه النار.

وفيه عن عتبان بن مالك الأنصاري أيضاً أنه أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أن يأتي بيته فيصلي فيه ليتخذه مصلى (١) قال عتبان : فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى بنا ركعتين وحبسناه على حريرة ... إلى أن قال ، فثاب في البيت رجال ذوو عدد فقال قائل منهم : اين مالك بن الدخشن ؟ (٢) فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقل ذلك ، ألا تراه قد قال « لا إله إلا الله » يريد بذلك وجه الله. قال : فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فان الله قد حرم على النار من قال « لا إله إلا الله » يبتغي بذلك وجه الله.

__________________

(١) ما يقول الوهابية في هذا الحديث الصحيح ومنافاته لمذهبهم ؟

(٢) هكذا في النسخة التي تحضرني من صحيح البخاري ، والظاهر انه ابن الدخشم بالميم ابن مالك بن الدخشم بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف شهد بدرا وما بعدها ، وهو الذي اسر يوم بدر سهيل بن عمرو ، ومع هذا فقد كان معروفاً بالنفاق. والله أعلم بحاله.

٢٩

وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بطرق متعددة ، وآخره عنده : أليس يشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله. قالوا : انه يقول ذلك وما هو في قلبه. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يشهد أحد انه لا إله إلا الله واني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه. قال أنس : فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه فكتبه ا ه‍.

قلت : أي عبارة أدل على نجاة كافة الموحدين من هذه العبارة ؟ وأي بشارة في الجنة لمطلق الملسمين أعظم من هذه البشارة ؟ والعجب ممن لا يرتاب في صحتها وهو مع ذلك يحكم بنقيض دلالتها ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

وأخرج البخاري في الصحيح عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله تعالى ـ لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة ـ : لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم. فيقول الله تعالى : أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً فابيت إلا أن تشرك بي.

قلت : ظاهر هذا أنه انما ابتلي بعذاب النار لانه ابى الا أن يشرك ولولا ذلك لنجا ، فعلم ان أهل التوحيد ناجون.

وأيضاً دل الحديث على ان اهون أهل النار عذاباً هذا المشرك فعلم ان ليس فيها موحد ، اذ لو كان هناك موحد لكان أهون عذاباً من هذا المشرك (٣) وهذا خلاف صريح الحديث.

وفي الصحاح الستة ومسند احمد وكتب الطبراني وغيرها من هذا كثير ،

__________________

(٣) لان الموحد من المسلمين وان جاء باعظم الجرائم لا يعذب عذاب المشرك وان لم يأت بغير الاشراك من الذنوب.

٣٠

ولا سيما أحاديث الشفاعة حتى يقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فيما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ) : أخرج من النار من في قلبه أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان.

ولو اردنا ايراد ما في الصحيحين من أحاديث الشفاعة المشتملة على أعظم البشائر لطال المقام ، لكنا أشرنا اليها ليراجعها من أرادها. على أن الشيخين ( البخاري ومسلما ) أخرجا في صحيحيهما عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من مات وهو يعلم ان لا إله إلا الله دخل الجنة. وهذا ظاهر بأن مجرد العلم بالوحدانية موجب لدخول الجنة. ومثله ما أخرجه الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من علم أن الله ربه واني نبيه صادقاً عن قلبه حرم الله لحمه على النار.

وهذه الأخبار أجلى من الشمس في رائعة النهار وصحتها أشهر من نار على علم ، فيها من البشائر ما ربما هون على المسلم موبقات الكبائر ، فدونك أبوابها في كتب أهل السنة لتعلم حكمها عليك وعليهم بالجنة (٤) وكلما ذكرناه شذر من بذر ، ونقطة من لجج بحر ، اكتفينا منها بما ذكره البخاري في كتابه وكرره بالأسانيد المتعددة في كثير من أبوابه ، ولم نتعرض لما في باقي الصحاح ، اذ انشق بما ذكرناه عمود الفجر واندلع لسان الصباح ، وان عندنا صحاحاً أخر فزنا بها من طريق أئمتنا الاثني عشر :

روتها هداة قولهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

__________________

(٤) لان كلا من الامامية والسنية يؤمنان بالله ، ويصدقان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقيمان الصلاة ، ويؤتيان الزكاة ، ويحجان البيت ، ويصومان الشهر ، ويوقنان بالبعث ، ويحللان الحلال ، ويحرمان الحرام ، كما تشهد به أقوالهما وأفعالهما وتحكم به الضرورة من كتبهما القديمة والحديثة مختصرة ومطولة.

٣١

فهي السنة التالية للكتاب ، وهي الجنة الواقية من العذاب ، واليكها في اصول الكافي وغيره تعلن بالبشائر لأهل الايمان بالله ورسوله واليوم الآخر لكنها تخصص ما سمعته من تلك العمومات المتكاثرة بولاية آل الرسول الله وعترته الطاهرة ، الذين قرنهم بمحكم الكتاب ، وجعلهم قدوة لأُولي الألباب ، ونص على أنهم سفن النجاة إذا طغى زخّار الفتن ، وامان الأمة إذا هاج اعصار المحن ، ونجوم الهداية إذا ادلهم ليل الغواية ، وباب حطة لا يغفر إلا لمن دخلها ، والعروة الوثقى لا انفصام لها.

ولا غرو فان ولايتهم من اصول الدين ، وقد اقمنا على ذلك قواطع الحجج وسواطع البراهين ادلة عقلية وحججاً نقلية ، نلفت الباحثين إلى الوقوف عليها في كتابنا ( سبيل المؤمنين ) اذ اوضحنا فيه المسالك وامطنا بقوة برهانه كل ديجور حالك ، والحمد لله رب العالمين.

٣٢

الفصل السادس

في لمعة مما أفتى به علماء أهل السنة ، من ايمان أهل التوحيد مطلقاً ونجاة أصحاب الشهادتين جميعا.

أوردناها ليعلم الناس توافق النص والفتوى في ذلك ، والغرض لم شعث المسلمين باجتماعهم ، ورتق ما انفتق بتدابرهم ونزاعهم ، لأن العاقل إذا رأى نصوص صحاحه وفتاوى علمائه تحكم بالايمان على مطلق أهل التوحيد وتعلن نجاة جميع أصحاب القبلة لا يبقى بعدها أمر يدعوه إلى هذه النفرة أو يصده عن الوئام والالفة ، ( وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) فما بالهم ( وهم في الدين إخوة ) قد انشقت عصاهم واختلفت مذاهبهم ، فهاج بينهم قسطل الشر ، وتعلقت أهواؤهم بقواقر الفتن ، ولو رجعوا إلى ما أفتى به المنصفون من علمائهم لأيقنوا أن الأمر على خلاف ما زعم المرجفون. واليك منه ما عقد الفصل لبيانه.

ذكر العارف الشعراني في المبحث ٥٨ من اليواقيت والجواهر ، أنه رأى بخط الشيخ شهاب الدين الاذرعي صاحب القوت ، سؤالاً قدمه إلى شيخ الاسلام تقي الدين السبكي ، وصورته : ما يقول سيدنا ومولانا شيخ الاسلام في تكفير أهل الأهواء والبدع ؟

٣٣

قال : فكتب اليه أعلم يا أخي أن الاقدام على تكفير المؤمنين (١) عسر جدا ، وكل من في قلبه ايمان يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع ، مع قولهم « لا إله إلا الله محمد رسول الله » ، فان التكفير أمر هائل عظيم الخطر ـ إلى آخر كلامه وقد أطال في تعظيم التكفير وتفضيع خطره.

ودونك يواقيت الشعراني فانها تنقل الجواب عن خط السبكي على طوله ، وفي آخره ما هذا لفظه : فالأدب من كل مؤمن أن لا يكفر أحداً من أهل الأهواء والبدع ، اللهم إلا أن يخالفوا النصوص الصريحة التي لا تحتمل.

هذا كلامه ولا يخفى تصريحه بقصر التفكير على مخالف النصوص الصريحة عناداً لله وجحوداً لما علم حكمه بالضرورة من دين الاسلام ، وقد دقَّ في هذه الفتوى أصلاب المرجفين ، واستل ألسنة المتشدقين ، وقطع أمل من يبتغي تفريق المسلمين ، من كل أفاك أثيم.

وفي الصفحة العاشرة من طبقات الشعراني ما لفظه : وسُئل سيدنا ومولانا شيخ الاسلام تقي الدين السبكي عن حكم تكفير غلاة المبتدعة ، وأهل الأهواء ، والمتفوهين بالكلام على الذات المقدسة ؟ فقال (رضي‌الله‌عنه) : اعلم أن كل من خاف الله عز وجل استعظم القول بالتكفير لمن يقول : « لا أله إلا الله محمد رسول الله » ، ثم أورد جواب السبكي وهو طويل ، جاء في آخره ما هذه ألفاظه : فما بقي الحكم بالتكفير الا لمن اختاره ديناً وجحد الشهادتين وخرج عن دين الاسلام جملة ـ ا ه‍.

قلت : الظاهر من اختلاف عبارة السؤالين والجوابين كونهما متعددين كما لا

__________________

(١) أنظر كيف أطلق لفظ « المؤمنين » على أهل الهواء والبدع بدون تكلف.

٣٤

يخفى ، وإذا كان كلام هذا الامام الكبير معلناً باختصاص الكفر بمن جحد الشهادتين ومنادياً بالتنزيه لأهل الأهواء والبدع ، والمتفوهين بالكلام على الذات المقدسة من أهل القبلة ، فأي وقع بعده لكلام المرجفين وتحكم المشاغبين ، وإذا كان هذا حكمه في المتفوهين بالكلام على الله عز وجل فما ظنك بمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟

وقال الشيخ الأكبر ابن العربي في باب الوصايا من فتوحاته : اياكم ومعاداة أهل لا إله إلا الله ، فان لهم الولاية العامة ، فهم أولياء الله ، ولو أخطأوا وجاءوا بقراب الأرض من الخطايا وهم لا يشركون بالله شيئاً ، فان الله يتلقى جميعهم بمثلها (٢) مغفرة ، ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته. وأطال إلى أن قال : واذا عمل أحدكم عملاً توعد الله عليه بالنار ، فليمحه بالتوحيد ، فان التوحيد يأخذ بناصية صاحبه ، لا بد من ذلك.

هذا كلامه وفيه ما تراه من الحكم على جميع أهل التوحيد بالولاية لله عز وجل ، والبشارة للمخطئين والمجرمين منهم بالمغفرة ، والجزم بأن التوحيد يمحو الكبائر ويأخذ بناصية صاحبه. والحمد لله رب العالمين.

وقال الفاضل الرشيد في صفحة ٤٤ من المجلد السابع عشر من مناره : ان من أعظم ما بليت به الفرق الاسلامية رمي بعضهم بعضاً بالفسق والكفر مع

__________________

(٢) هذا مأخوذ من حديث أخرجه الترمذي وصححه ، رواه بالاسناد إلى أنس قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : قال الله تعالى : يابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ، ولا أبالي. يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا بن آدم انك لو اتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ، لآتيتك بقرابها مغفرة ا ه‍. وهذا الحديث ذكره الفاضل النووي في أربعينه ، وهو الحديث الاخير مما انتخبه من الاحاديث الصحيحة.

٣٥

ان قصد كل الوصول إلى الحق بما بذلوا جهدهم لتأييده واعتقاده والدعوة اليه ، فالمجتهد وان اخطأ معذور. وقد اطال الكلام في هذا الموضوع حتى بلغ الصفحة ٥٠ من ذلك المجلد فراجع.

وقال المعاصر النبهاني البيروتي في أوائل كتابه شواهد الحق (٣) : اعلم اني لا اعتقد ولا اقول تكفير أحد من أهل القبلة ، لا الوهابية ولا غيرهم ، وكلهم مسلمون تجمعهم مع سائر المسلمين كلمة التوحيد والايمان بسيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جاء به من دين الاسلام ... إلى آخر كلامه.

وعقد العارف الشعراني في الجزء الثاني من اليواقيت والجواهر مبحثاً مسهباً لثبوت الايمان لكل موحد يصلي إلى القبلة ، وهو المبحث ٥٨ ، قال في آخره : فقد علمت يا اخي مما قررناه لك في هذا المبحث ان جميع العلماء المتدينين امسكوا عن القول بالتكفير لأحد من أهل القبلة ( فبهداهم اقتده ) ا ه‍.

ونقل جماعة كثيرون منهم الشعراني في المبحث المتقدم ذكره عن ابي المحاسن الروياني وغيره من علماء بغداد قاطبة انهم كانوا يقولون : لا يكفر أحد من المذاهب الاسلامية لأن رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قال : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا ا ه‍.

قلت : وقد ذكرنا في الفصول السابقة جملة من النصوص في هذا المعنى ، والصحاح مشحونة به فراجع. وقد بالغ الشيخ ابو طاهر القزويني في كتابه ( سراج العقول ) باثبات الاسلام لكل فرد من أهل القبلة ، وجزم بنجا

__________________

(٣) طبع هذا الكتاب وفي هامشه رسالة النبهاني أيضاً في فضائل معاوية سماها البديعة في اقناع الشيعة ، وقد نقضناها بكتاب يكون بحجمها ثلاث مرات سميناه الذريعة إلى نقض البديعة.

٣٦

الجميع من كل فرق الاسلام ، واول الحديث المشهور ، اعني حديث « تفترق امتي ثلاثاً وسبعين فرقة فرقةٌ ناجية والباقون في النار » بل قال انه روي في بعض طرق هذا الحديث ما نصه : « كلها في الجنة الا واحدة (٤) ».

واطال في اثبات الايمان لكل مصدق بالشهادتين من أهل الأهواء والبدع كالمعتزلة والنجارية والروافض (٥) والخوارج والمشبهة ونحوهم ، وحكم بنجاة الجميع يوم القيامة ، ونقل القول باسلام الجميع عن جمهور العلماء والخلفاء من أيام الصحابة إلى زمنه. قال : وهم من أهل الاجابة بلاشك ، فمن سماهم كفرة فقد ظلم وتعدى ... إلى آخر كلامه وهو طويل نقله لي بعض مشائخي مشافهة عن سراج العقول ، وأورده الشعراني بتمامه في المبحث ٥٨ من يواقيته نقلاً عن ذلك الكتاب أيضاً فراجع.

وقال ابن تيمية في أوائل رسالة الاستغاثة وهي الرسالة ١٢ من مجموعة الرسائل الكبرى (٦) ما هذا لفظه : ثم اتفق أهل السنة والجماعة على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشفع في أهل الكبائر ، وانه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد ا ه‍ (٧).

وقال ابن حزم حيث تكلم فيمن يُكفر ولا يكفر في صفحة ٢٤٧ من أواخر الجزء الثالث من كتاب الفصل في الأهواء والملل والنحل ما هذه ألفاظه :

__________________

(٤) اخرجه ابن النجار ونقل الشعراني عند ايراده في المبحث ٥٨ من اليواقيت عن العلماء ان المراد بهذه الواحدة التي هي في النار انما هي الزنادقة ..

(٥) هذه عبارته نقلناها بدون تصرف.

(٦) في صفحة ٤٧٠ من الجزء الأول.

(٧) فعلى هذا تكون أهل السنة مجمعة على ان مصير الشيعة إلى الجنة ، ضرورة انهم من أهل التوحيد والايمان بكل ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٧

وذهبت طائفة إلى انه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتياً ، وأن كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى انه الحق فانه مأجور على كل حال ، ان أصاب فأجران وان اخطأ فأجر واحد. قال : وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي ، وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة (رض) لا نعلم منهم خلافاً في ذلك أصلاً.

قلت : هذه الفتوى من هؤلاء الأئمة تقطع دابر المشاغبين وتنقض أساس المهولين ، لأن خصومهم من أهل القبلة لم يقولوا قولاً ولم يعتقدوا أمراً إلا بعد الاجتهاد التام واستفراغ الوسع والطاقة ، وبذل الجهد في الاستنباط من الكتاب والسنة وكلام أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم ، ولم يدينوا إلا بما رأوا انه الحق واعتقدوا عين الصواب ، فيكونون بحكم هؤلاء الاعلام ( وهم أئمة السلف والخلف ) مأجورين ، وان أصابوا أو اخطأوا ، على رغم من يبتغي تكفير المؤمنين ، ويدأب مجتهداً في تفريق المسلمين.

وكان احمد بن زاهر السرخسي ( وهو أجل أصحاب الامام أبي الحسن الأشعري ) يقول : ( فيما نقله الشعراني عنه في أواخر المبحث ٥٨ من يواقيته ) لما حضرت الشيخ أبا الحسن الاشعري الوفاة بداري في بغداد أمرني بجمع اصحابه ، فجمعتهم له فقال : اشهدوا علي انني لا اكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ، لأني رأيتهم كلهم يشيرون إلى معبود واحد ، والاسلام يشملهم ويعمهم. هذا كلام امام السنيين وكفى به حجة تدحض أقاويل المبطلين ، وقد تواتر القول بعدم تكفير أهل الأهواء والبدع من أهل القبلة عن الامام الشافعي ، حتى قال : ( كما في خاتمة الصواعق ) اقبلُ شهادة أهل البدع الا الخطابية (٨).

__________________

(٨) الخطابية اصحاب ابي الخطاب محمد بن مقلاص الاجدع عليه

٣٨

وقال شيخ الاسلام المخزومي ( فيما نقله الشعراني عنه في المبحث ٥٨ من يواقيته ) : وقد نص الامام الشافعي على عدم تكفير أهل الأهواء في رسالته ، فقال : لا أكفر أهل الاهواء بذنب. قال وفي رواية عنه : ولا أكفر أحداً من أهل القبلة بذنب. قال وفي رواية أخرى عنه : ولا اكفر أهل التأويل المخالف للظاهر بذنب ا ه‍.

واجمع الشافعية على عدم تكفير الخوارج ، واعتذروا عنهم ( كما في خاتمة الصواعق ) بأنهم تأولوا فلهم شبهة غير قطعية البطلان (٩).

__________________

وعليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ، كان قبحه الله مغاليا في الصادق عليه‌السلام فاسد العقيدة خبيث المذهب لا ريب في كفره وكفر أصحابه ، وقد تبرأ منه الصادق عليه‌السلام ولعنه وأمر الشيعة بالبراءة منه وشدد القول في ذلك وبالغ في التبرء منه واللعنة عليه ، ومن أراد الوقوف على كلام الصادق عليه‌السلام في شأن هذا الملعون فعليه بكتاب الكشي وغيره من كتب التراجم لاصحابنا ولهذا الكافر بدع كثيرة : منها تأخير صلاة المغرب حتى تستبين النجوم ، وقد نسب الجاهلون هذه البدعة الينا ، على انا نبرأ إلى الله منها وممن ابتدعها ، والذين نذهب اليه ان اول وقت صلاة المغرب غروب الشمس من جميع افق المصلي ، ويتحقق ذلك بارتفاع الحمرة المشرقية كما لا يخفى على من راجع فقهنا.

(٩) هذا مع ما أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم في الجزء الرابع من صحيحه بالاسناد إلى أبي سعيد الخدري من حديث ذكر فيه الخوارج فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نصلة فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في رصافة فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل احدى يديه ، أو قال : ثدييه مثل ثدي المرأة ، أو قال : مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس.

٣٩

وقال العلامة ابن عابدين في باب المرتد من حاشيته الشهيرة الموسومة برد المختار ما هذا لفظه : وذكر في فتح القدير أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة (١٠) قال : وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون. قال قال ابن المنذر : ولا أعلم أحداً وافق أهل الحديث على تكفيرهم. قال : وهذا يقتضي نقل اجماع الفقهاء ( على عدم تكفير الخوارج ) ا ه‍.

هذا مع أن النبي (ص) نص على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من

__________________

قال البخاري : قال ابو سعيد : اشهد سمعت من النبي (ص) ، واشهد ان علياً قتلهم ، وانا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي (ص) الحديث واخرجه مسلم أيضاً في باب ذكر الخوارج وصفاتهم في أواخر كتاب الزكاة من الجزء الأول من صحيحيه. واخرجه أحمد من حديث أبي سعيد في مسنده ورواه كافة المحدثين. واخرج مسلم في باب الخوارج شر الخلق والخليقة من كتاب الزكاة من صحيحه بالاسناد إلى أبي ذر قال : قال رسول الله (ص) : ان بعدي من امتي قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه ، هم شر الخلق والخليقة ـ الحديث.

واخرج احمد بن حنبل في صفحة ٢٢٤ من الجزء الثالث من مسنده عن أنس بن مالك وأبي سعيد عن النبي (ص) قال : سيكون في أمتي حين اختلاف بينها وفرقة قوم يحسنون القيل ، ويسيؤن الفعل .. إلى أن قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، لا يرجعون حتى يرتدوا على فوقه ، هم شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ـ الحديث.

(١٠) يعني انهم خرجوا على سلطان المسلمين يجب قتالهم حتى يفيؤا إلى طاعته ، فان بخعوا لاوامره كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.

٤٠