الفصول المهمة في تأليف الأمة

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي

الفصول المهمة في تأليف الأمة

المؤلف:

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ومنهم ابن حجر حيث قال كما في خاتمة الصواعق ، فمذهبنا ( فيمن يسب ) انه لا يكفر بذلك ا ه‍.

ومنهم الشيخ ابو طاهر القزويني في كتابه سراج العقول حيث نقل القول بعدم كفر أحد من أهل الأركان الخمسة من الروافض وغيرهم عن جمهور العلماء والخلفاء من أيام الصحابة إلى زمنه ، فراجع ما نقلناه عنه في الفصل المعقود لفتاوى علماء السنة.

ومنهم العارف الشعراني حيث قال في آخر المبحث ٥٨ من يواقيته ما هذا لفظه : فقد علمت يا أخي ان جميع العلماء المتدينين امسكوا عن القول بالتكفير لاحد من أهل القبلة ا ه‍.

وقد ارسل ابن حزم عدم الكفر ارسال المسلمات ، فقال في صفحة ٢٥٧ من أواخر الجزء الثالث من فصله ما هذا لفظه : واما من سب أحداً من الصحابة فان كان جاهلاً فمعذور وان قامت عليه احجة فتمادى غير معاند فهو فاسق كمن زنى أو سرق ، وان عاند الله تعالى ورسوله في ذلك فهو كافر. قال : وقد قال عمر بحضرة النبي (ص) عن حاطب « وحاطب مهاجري بدري » : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافراً ، بل كان مخطئاً متأولاً ا ه‍.

قلت : حسبك في عدم كفر الموحدين بمجرد هذا ما هو معلوم بحكم البداهة الأولية من اجماع أهل السنة على أن مطلق الموحدين يدخلون الجنة على كل حال. قال الفاضل النووي « في باب الدليل على ان من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً من شرح الصحيح » : واعلم ان مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من الخلف والسلف ان من مات موحداً دخل الجنة قطعاً ... إلى ان قال : فال يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل ا ه‍.

١٦١

« السادس » أنه لا يفتى بالتكفير عندهم إلا ان يكون الموجب للكفر مجمعاً على ايجابه ، لذلك قال في شرح تنوير الأبصار : واعلم انه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن او كان في كفره خلاف ولو كان ذلك رواية ضعيفة ا ه‍.

وقال الخير الرملي كما في صفحة ٣٩٨ من الجزء الثالث من رد المحتار : ولو كانت « تلك الرواية » لغير أهل مذهبنا ، واستدل على ذل باشتراط كون ما يوجب الكفر مجمعاً على ايجابه لذلك.

قلت. اذا كان التكفير مشروطاً بهذا فكيف يفتى بالكفر في مسألتنا مع ما سمعت من انعقاد الاجماع على عدم الكفر فيها ؟ ولو أنكر الخصم ذلك الاجماع فصسبه وجود القائل بعد التكفير ، فانه مما لا يمكن انكره كما لا يخفي. وقد اغرب النصب اذ حكم بعدم قبول توبته مع اجماعهم على قبول توبة من يسب الله عز وجل (٢).

فهل هذا الا تحامل قبيح وظلم صريح ، وجرأة على الله عز وجل في تبديل أحكامه واستخفاف فيما شرغ الله سبحانه من حلاله وحرامه ، وما أراه الا مدفوعاً على هذا الفتوى من ملوك الجور تحسيناً لأفعالهم او مستأجرا عليها من ولاة الجور تصحيحاً لأعمالهم.

ولا غرو فان علماء السوء وقضاة الرشوة يبدلون احكام الله بالتافه ويبيعون الأمة بالنزر القليل.

__________________

(٢) نسجوا في هذه الفتوى على منوال اليهود اذ اجمعت اخبارهم على ان من شتم الله تعالى يؤدب ومن شتم الاحبار يقتل ، وقد انكر ذلك عليهم ابن حزم اذ نقله عنهم في صفحة ٢٢١ من الجزء الأول من فصله قبل انتهاء الجزء بورقتين ، قم قال : فأعجبوا لهذا وأعلموا ا نهم ملحدون لا دين لهم ا ه‍ ـ قلت : وهب ان الرافضي كافر فقد نشأ على مذهبه وتدين به من قبل البلوغ فلم لا تقبل توبته كما تقبل توبة المجوس والصابئة يا منصفون.

١٦٢

فقاتل الله الحرص على الدنيا ، وقبح الله التهالك على الخسائس ، ما اشد ضررهما وما افظع خطرهما ، نبذ اولئك الدجالون حكم الله وراء ظهورهم طمعاً في الوظائف ، وحكموا بما تقتضيه سيسة ملوكهم رغبة في المناصب ، وارجفوا في المؤمنين وفرقوا كلمة المسلمين ، ولولاهم لتعارفت الأرواح وائتلفت القلوب وامتزجت النفوس واتحدت العزائم ، فلم يطمع بالمسلمين طامع ولم يرمقهم من النواظر الا بصر خاشع ، ولكن وا أسفاه استحوذ عليهم اولئك المفسدون الذين ينحرون دين الله في سبيل الوظائف ويضحون عباده في طلب القضاء والافتاء ، فتناكرت بفتاويهم وجوه المسلمين وتباينت بأراجيفهم رغائب الموحدين حتى كان من تفرق آرائهم وتضارب اهوائهم ما تصاعدت به الزفرات وفاضت منه العبارات ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

١٦٣

الفصل العاشر

في الاشارة إلى يسير مما نسبه الكذابون الى الشيعة وبيان براءتهم منه

والغرض من ذلك استئصال شأفة النتافر واقتلاع بذرة التدابر وازالة كل عثرة في طريق الاجتماع ودك كل عقبة في سبيل الوئام ، وقبل الشروع في المقصود نقدم جملة لا تتم بدونها الفائدة ، حاصلها : ان في أهل السنة من رمى الامامية بدواهي وفواقر قد علم اليوم بفضل المطابع وبركة انتشار الكتب وتقلص العصبيات وبزوغ الحقائق انهم في غاية البعد عنها وتمام التقدس منها ، والرامون لهم بها على اربعة اقسام :

« القسم الأول » طائفة من العلماء حملهم على ذلك مجرد التزلف إلى ملوك بني أمية وسلاطين بني العباس ، إذ كانت الشيعة بعد صفين والطف أعداء السياسة الأموية واضداد الدولة العشمية ، يجتهدون في رفضها ويعملون على نقضها ، ففتكت بهم الحكام وقتلتهم تحت كل حجر ومدر ، ووازرهم على ذلك القراء المراؤون والعلماء الدجالون ، فبلغوا في تسويد صحائف الشيعة كل مبلغ ، وألصقوا بهم كل عائبة ، تهجينا لمذهبهم وتقبيحاً لمشربهم وتصحيحاً لما كان يرتكبه بنوا امية من تقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم ، وكانوا ينتظرون الفرج

١٦٤

بسقوط الدولة الأموية ، فلما ملك بنو العباس نسجوا معهم على ذلك المنوال وعملوا مع أئمة أهل البيت أفظع الأعمال ، حتى قضى ( الكاظم ) في سجونهم ، وتجرع ( الرضا ) كأس السم من يد مأمونهم ، وكربوا قبر الحسين عليه‌السلام ، وأبادوا نسل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعاد على شيعة أهل البيت ذلك البلاء وحلت بهم من ولاة الدولة العباسية وعلمائها تلك الأواء الولاة تفنيهم بسهامها وعلماء التزلف ترميهم بأقلامها .. بيد أن ظلم السيف لم يبق وظلم القلم مسجل ما بقيت كتب الظلال ، فالعاقل المتثبت لا يصدق في حق الشيعة علماء تلك الدولتين ، ولا يعتني بما كان في أيامهما من الأراجيف فانها أكاذيب أوجبتها سياسة الملك واقتضتها قواعد الظالمين.

« القسم الثاني » طائفة من العلماء حملهم على ذلك مجرد الخوف من ميل الناس إلى الشيعة ، ومحض الحذر من اتباع سائر المسلمين لطريقتهم ، وكأنهم قد استباحوا بذلك تنفير الناس عنهم بكل طريق ، فقالوا ما قالوا ونالوا ما نالوا ، على علم منهم بأن الامامية منزهون عما افتروه عليهم مقدسون عما نسبوه اليهم ، الا في مسألةواحدة تتعلق بمباحث الامامة والسياسة لا نتحاشى منها ، وهي على قواعد الخصم لا تعار اهتماماً زائداً لو انصفوا لأنها ليست من الأصول عندهم كما لا يخفى.

« القسم الثالث » طائفة قد التبس الأمر عليهم ، لأن اسم الشيعة غير خاص بالامامية بل مشترك بينها وبين فرق كثيرة ، كالآغا خانية والكيسانية والناووسية والخطابية والفطحية والواقفية وغيرها ، فربما وجدوا أقوالاً منكرة ومذاهب مكفرة لاحدى تلك الفرق الضالة التي يطلق عليه لفظ الشيعة فظنوا أنه مذهب الجميع ، فأرسوله عنهم ارسال المسلمات ، وأعانهم على ذلك وغر في صدورهم وغيظ في نفوسهم ، يمنعانهم عن التثبت في النقل.

ولله ورع الامامية وتثبتهم اذ يرون الكرامية وهم طائفة من أهل السنة

١٦٥

يذهبون إلى ان الله سبحانه وتعالى مستقر على العرش استقرارك على الأرض ويجدون آخرين يقولون بأنه تعالى بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة ، ويلفون الحائطية والحدثية ( وهما فرقتان من المعتزلة ) يقولون بحلول الله عز وجل في بعض الأنبياء مقالة النصارى في ابن مريم عليهما‌السلام نص على ذلك الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ، ومع ذلك لم ينسبوا القولين الأولين إلى مطلق أهل السنة ، ولا ألحقوا المقالة الأخيرة بمطلق المعتزلة ، وانما نسبوا تلك الأقوال إلى أربابها وقصروها على أصحابها ، فلم ينسب غيرهم مقالة الخطابية والناووسية مثلاً إلى مطلق الشيعة يا منصفون.

« القسم الرابع » جماعة قد اعتمدا في نقل تلك الدواهي والطامات عن الشيعة على من تقدمهم من علماء سلفهم ، إذ رأوهم ينقلون شيئاً فنقلوه ووجدوا أثراً فاتبعوه ، ولو رجعوا في معرفة أقوال الأمامية إلى علمائهم وأخذوا مذهبهم في الأصول والفروع من مؤلفاتهم ، لكان أقرب إلى التثبت والورع وما أدري كيف نبذوا في هذا المقام كتب الأمامية على كثرتها وانتشارها واعتمدوا على نقل أعدائهم المرجفين وخصمائهم المجازفين الذين تحكموا في تضليلهم ، وسلقوهم بألسنة الافتراء وهذا عصر لا يصغى فيه إلى من يرسل نقله ارسال الكذابين أو يطلق كلامه اطلاق المموهين حتى يرشدنا إلى المأخذ ويدلنا على المستند ، وقد طبع في اماكن من فارس والهند ألوف من مصنفات أصحابنا في الفقه والحديث والكلام والعقائد والتفسير والاصول والارواد والاذكار والسلوك والاخلاق ، فليطلبها من أراد الاستبصار ولا يعول على كتب المهولين الذين بثوا روح البغضاء في جسم المسلمين ، ونقلوا عن الشيعة كل إفك مبين ، وإليك منه ما عقد الفصل لذكره.

قال ابن حزم الظاهري في صفة ١٨٢ من الجزء الرابع من الفصل ما هذا نصه : ومن الامامية من يجيز نكاح تسع نسوة ، ومنهم من يحرم الكرنب

١٦٦

( وهو نوع من السلق يشبه القنبيط ) لانه انما نبت على دم الحسين (١) ولم يكن قبل ذلك.

قلت : أما نكاح ما زاد على الاربع فاجماع الامامية قاطبة نصاً وفتوى على حرمته ، وهذا الحكم من ضروريات مذهبهم بحيث لا يشتبه فيه أحد منهم ، وأما الكرنب فليس له في كلام الامامية عنوان مخصوص وحكمه عندهم حكم الخس والفجل واللفت واشباهها ، وانا انشدكم أيها الباحثون بعزة الحقيقة وناموس العدل وشرف الانصاف ان تستقصوا فقه الامامية واصولهم وتستقروا حديثهم وتفسيرهم وتتصفحوا قديم كتبهم وحديثها مختصرها ومطولها متونها وشروحها فان وجدتم أثراً لما قال فالشيعة ليست على شيء من الحق ، والا فابن حزم وأمثاله من اكذب الخلق ، وقد ارجف بالامامية في غير هذا المقام من فصله ارجافاً لا يصدر من ذي دين ، وكذب عليهم اكاذيب لا تكون من ذي يقين ، وظلمهم ظلماً لا يقدم عليه مؤمن بالمعاد وبهتهم بهتان من لا يخشى الله ولا يستحي من العباد. ونحن بسبب انتشار كتب الامامية في غنى عن التصدى لتزييف أقاويله وتكذيب اباطيله ، على ان الرجل لم يقتصر في طلمه على الشيعة خاصة بل ظلم أئمة أهل السنة وبهت علماء المعتزلة وكفر كثيراً من السلف ولم يكد أحد يسلم من لسانه حتى قال ابن العريف كما في ترجمة على بن أحمد بن حزم من الوفيات : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين.

وحسبك ما نقله في شنع المرجئة عن الامام الأشعري وأصحابه ، من ان اعلان الكفر باللسان وعبادة الأصنام والأوثان بلا تقية ولا عذر لا ينافيان مقام الولاية لله عز وجل ، فراجع صفحة ٢٠٤ من الجزء ٤ من الفصل. ونقل في

__________________

(١) الامامية اجل من أن تعول في احكام الله على الخرافات الباردة والترهات المسخنة كهذه الحكاية وأمثالها.

١٦٧

الصفحة الأولى من الجزء ٤ أيضاً عن الباقلاني القول بجواز كل فسق وكفر على الأنبياء ، حاشا الكذب في البلاغ. ونقل في صفحة ٢٠٥ من الجزء ٤ أيضاً عن بعض الاشاعرة القول بجواز الكذب في البلاغ عن الأنبياء. ونقل عن السمناني وهو من أئمة الأشاعرة في صفحة ٢٢٤ من الجزء الرابع تجويز الكفر على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونسب إلى محمد بن الحسن بن فورك وسليمان بن خلف الباجي ـ وهم من أئمة الأشعرية ـ أموراً عظيمة يطول المقام بتعدادها.

والغرض أن الرجل لا يستحي من الكذب ولا يتأثم من البهتان ، وقد أجمع فقهاء عصره كما في ترجمته من الوفيات على تضليله ، وذكره ابن خلدون في الفصل الذي عقده لعلم الفقه وما يتبعه من مقدمته الشهيرة فكان مما قال فيه : ونقم الناس عليه وأوسعوا مذاهبه اسهجاناً وانكاراً وتلقوا كتبه بالاغفال والترك حتى انه ليحظر بيعها في الأسواق ، وربما تمزق في بعض الأحيان ا ه‍.

فلا يغتر أحد بما ينقله عن الامامية وغيرهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) على أن الرجل من موالي يزيد بن معاوية فالحظ نسبه في الوفيات ، ولذا فضل أم حبيبة بنت أبي سفيان على أبي بكر وعمر وعثمان حيث تكلم في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة ؛ واختار تفضيل نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع من عدا الأنبياء من سائر الناس ، واعتمد في ذلك على خزعبلات مسخنة وترهات باردة وتشبث بسفاسف فاضحة وتمويهات واضحة فليراجعها كل مغرور بابن حزم في صفحة ١١٢ وما بعدها إلى صفحة ١٣٤ من الجزء الرابع من الفصل وليعجب. وقد ظهر منه في تلك المقامات وما بعدها نصب عظيم لأمير المؤمنين وعداوة لأهل البيت بالغة ، حتى فضل صهيباً في صفحة ١٥٢ من الجزء الرابع على العباس وبنيه وعلى عقيل وبنيه وعلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وانكر كل فضيلة لأهل البيت فراجع.

١٦٨

ونسج على منواله في بهت الامامية جماعة كثيرون منهم الشهرستاني في الملل والنحل اذ ألحق بهم كل مستهجن والصق فيهم كل قبيح. ذكر انهم افترقوا بعد الامام أبي محمد الحسن العسكري احدى عشرة فرقة ، والله يلعم انهم لم يفترقوا في اصول الدين أو شيء من العقائد وانما أراد بتفريقهم اطفاء نورهم ، وليته اسند شيئاً من الأقاويل التي نقلها عن تلك الفرق إلى كتاب يتلى أو شخص خلقه الله تعالى ، وليته اخبرنا عن بلاد واحدة من تلك الفرق أو زمانها او اسمها فانه قال : وليس لهم ألقاب مشهورة ولكنا نذكر أقاويلهم. بالله عليك هل سمعت متخاصمة ونحل آراؤها متعاركة لا يعرف لهم في الأحياء والأموات رجل ولا امرأة ولا يوجد في الخارج لهم مسمى ولا اسم ؟

وقد نقل عن زرارة بن اعين وهشام بن الحكم (٢) ومؤمن الطاق محمد بن النعمان وهشام بن سالم أموراً ترتعد منها الفرائص وتقشعر لها الجلود فلم يقدح ذلك في سمو مقامهم وعظيم خطرهم عند الله ورسوله والمؤمنين وما أدري كيف اختص الشهرستاني واصحابه بالاطلاع على أقوال هؤلاء الاعلام دوننا ، مع انهم سلفنا وفرطنا قد بحثنا عن رأيهم واخذنا من الدين بهديهم ، فنحن اعرف الناس بمذاهبهم وصحاحنا مشحونة من حديثهم واسفارنا مملوءة من اقوالهم في الكلام والتفسير والفقه واصوله ، وفي ايدينا جملة أحوالهم وتفاصيل اخبارهم ، فلا يجوز ان يخفى علينا من احوالهم ما ظهر لغيرنا ، مع بعده عنهم في المشرب ومخالفته لهم في المذهب وكونهم ليسوا محلا لا بتلائه في شيء من امور الدنيا والدين ، ولو رأيناهم يذهبون إلى ما عزاه الشهرستاني اليهم لبرأنا منهم كما هي سنتنا فيمن نراه معوجاً عن الحق او منتهجاً نهج الضلال.

__________________

(٢) قد استوفينا الرد في هذه المسألة على الشهرستاني في كتابنا مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الاسلام فراجع ما نشر منه في صفحة ١٨٩ وفي صفحة ٢٣١ من المجلد الثاني من العرفان.

١٦٩

وقد اعرضنا عن بعض اولاد ائمتنا مع شدة اخلاصنا لهذا البيت الطاهر وكفرنا جماعة ممن صحبهم وفسقنا آخرين وضعفنا قوماً وامسكنا عن قوم آخرين كما يشهد به الخبير بطريقتنا ، فلو كان هؤلاء كما ذكره الشهرستاني لم يعظم علينا تكفيرهم ولألحقناهم بأبي الخطاب محمد بن مقلاص الاجدع وبالمغيرة بن سعد وعبد الله بن سبأ والمختار بن ابي عبيد وامثالهم ، لكن اعداء أهل البيت عمدوا إلى اكابر اصحابهم فرموهم بهذه الطامات كي يسقطوهم من اعين الناس حسداً منهم وبغياً ، ثم جاء الشهرستاني فرأى أثراً فاتبعه ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

وقد بلغت القحة ببصض المتعصبين إلى رمي المتاولة ( وهم الامامية في عرف سوريا ) بانكار الصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر الواجبات حتى نقل ذلك عنهم جودت باشا كما في صفحة ٣٦٦ من الجزء الأول من ترجمة كتابه المطبوع في بيروت سنة ١٣٠٨ (٣) فاعجبوا لهذه الاكاذيب الدالة على حمق الكاذب وقلة حيائه نعوذ بالله من الخذلان.

وربما افك بعض المخرفين فنسب إلى الشيعة انهم لا يأكلون لحوم الابل هذا مع ما ينحر من الجزر كل يوم في مشاهد الائمة عليهم‌السلام وغيرها من بلاد الامامية ولا سيما في النجف الأشرف وهي عاصمة فقهائهم ، على ان من راجع من فقههم باب الأطعمة والاشربة لا يجدهم يفتون بكراهة الابل كما يفتون بكراهة الخيل والبغال والحمير ، بل يذكرون الابل في غير المكروه قبل البقر والغنم والمعز ، وفي باب الذباحة يصرحون بأن تذكية الابل بنحرها في وهدة

__________________

(٢) ذكرنا في كتاب مؤلفي الشيعة كلام جودت واستوفينا المقام في رده فراجع ما نشر منه في صفحة ١٩٠ من المجلد الثاني من العرفان ، وقد سمعت في الفصل السابق حال الامامية في ايجاب الواجبات وتحريم المحرمات فلا وجه للاعادة.

١٧٠

اللبة وهذا أمر من الضروريات لا يجهله أحد منهم اصلا.

وأعجب من هذا نسبة بعض الآفكين إلى الشيعة عدم ايجاب العدة على النساء مع انهم احوط في هذه المسألة من غيرهم أن المتوفى عنها زوجها تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال مبدؤها نفس وفاته ، وتظهر الثمرة فيما لو علمت اليوم انه مات منذ أربعة أشهر وعشر ليال أو أكثر فانها لا تتزوج على رأيهم حتى تتربص المدة وعند غيرهم بأبعد الاجلين من وضع الحمل ومضي المدة ، فلو مضت المدة قبل وضع الحمل لا تتزوج عندهم حتى تضع حملها ، وكذا لو وضعت قبل مضي المدة .. وان اردت التفصيل فعليك بفقه الامامية وحديثهم وتفاسيرهم ، وقد ملأت انحاء الهند وارجاء فارس وانتشرت في العراقين وسوريا وسائر بلاد الاسلام ، وانا ارشدك إلى أسماء بعض ما هو بطبوع منها اكمالاً للفائدة وخدمة للعلم ، فمن الكتب افقهية شرائع الاسلام وجواهر الكلام ومسالك الافهام ومدارك الأحكام وكشف اللئام ومفتاح الكرامة وتذكرة العلامة والبرهان القاطع والمختصر النافع والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية وجامع المقاصد في شرح القواعد إلى ما لا يحصى من الكتب المطولة فضلاً عن المختصرة ، وحسبك من حديثهم وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة ، ومن تفاسيرهم مجمع البيان في تفسير القرآن فراجعها لتعلم الحقيقة والله المستعان على ما تصفون.

١٧١

الفصل الحادي عشر (١)

كنا نظن العصبية العمياء تقلصت وأيامها الوحشية تصرمت.

وان المسلمين أحسوا اليوم بما حل بهم من المنابذات والمشاغبات التي تركتهم طعمة الوحوش والحشرات ، وكنا نقول بزغت الحقائق بفضل المطابع وانتشار كتب الشيعة فلا أفاك ولا بهات ولا رامي لهم بعدها بهنات ، لكن النواصب ابوا الا ايقاظ الفتنة النائمة وايقاد الحرب العوان ( وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الحُسْنَىٰ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ).

قام في سوريا من حثالة الأمويين طغام دأبهم العهر والخمر يدعون إلى سلفهم الفاجر يريدون ليعيدوها أموية يزيدية هياما في مجاهل ضلالهم وتسكعاً في مفاوز محالهم ، ركبوا في ذلك رؤوسهم وارخوا فيه أعنة اقلامهم فالحقوا بالشيعة كل مستهجن وبهتوهم بكل عائبة ( وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ).

__________________

(١) انما عقدنا هذا الفصل وزدناه فيما في هذه الطبعة ( أعني الطبعة الثانية ) تأثرا من هؤلاء النواصب الكذبة ، ولئن لم ينتهوا لنعذرن إلى الله عز وجل بهم.

١٧٢

خط قرد يزيد في خطته وفي مجلة الأمويين قوارص ترتعد منها الفرائص لكن فتيان المؤمنين خصموه فخطموه وقذعوه فقمعوه لا شلت ايمانهم.

ونشب النشاشيبي منشب سوء فلم ينشب ان ابكم فأفحم وانكبح فافتضح ، والحمد لله رب العالمين.

وصوب النصولي نصوله على الامام فنصل بذلك من دين الاسلام ، وقد طاش سهمه وسفه رأيه وخولط في عقله فهو في ( كتابه ) احمق دالع (٢) ومن شك فليراجع.

ومع ذلك فقد كال الكيالي بصاعه وانتظم في سلك اتباعه فأثار ثائر هوجه وهبت عواصف رعنه ، فبرهن بما كتب على اطفاء شعلة ذهنه وفلول شباة عقله ( وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ). ( وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ).

ما لهؤلاء السفهاء والتطوع في هذا الجيش الوهمي ، وما كان أغناهم عن ذلك الارجاف والاجحاف ، وما هذا الهوس الحزبي الذي اماتته السنون يبعثه هؤلاء العادون ليشقوا عصا المسلمين ويلقوا بأسهم بينهم.

وان من عصب برأسه العار وخطم انفه بالشنار وعاقر المدام وعانق الغلام وأضاع الصلاة واتبع الشهوات لجدير بالموبقات ، وحقيق بالمنديات المخزيات.

ولو أني بليت بهاشمي

خؤولته بنو عبد المدان

لهان عليّ ما ألقى ولكن

تعالوا وانظروا بمن ابتلاني

ولقد اسرف منار الخوارج بما أرجف واجحف وبغى وطغى وبهت الشيعة بهتاناً عظيماً ( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ) شنها في مجلده التاسع والعشرين غارة ملحاحاً أوسعت قلب الدين

__________________

(٢) وهو الذي لا يزال دالع اللسان وذلك غاية الحمق.

١٧٣

واهله جرحا ايقاداً للفتنة وتمسكا بقرن الشيطان وتزلفا لخوارج القرن الرابع عشر وابتغاء لعرض الدنيا ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ ).

وتبا وترحا لمن يتلون كالحرباء ويدين بالسياسة كيف تشاء ، فيوما بحزوى ويوما بالعقيق وبالعذيب يوماً ويوماً بالخليصاء.

نشر المنار (٣) دعايته إلى النصب والخرافات والتفريق بين المسلمين بالتمويه والترهات ، وادرج لذلك الناصب الكاذب رسالة خالية الوطاب إلا من الافك والسباب ، فأين النهضة التي يزعم المنار قيامه بها على أساس الوحدة الاسلامية وأين ما يدعيه من مجاهدة البدع والخرافات ؟! هيهات هيهات ( لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ) ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، ونعوذ بك من طغوى نفسهم وسفه أحلامهم وعمه بصائرهم وبغي طغامهم ، ونبرأ اليك من نعرتهم الممقوتة الملعونة ، فقد شقوا بها عصا المسلمين وكان بسببها من الفشل وذهاب ريح الاسلام ما يفري المرائر ويمزق لفائف القلوب.

وهناك أفاضل نحملهم على الصحة في سوء ظنهم بالشيعي ونبزهم إياه بالرفض ونسبتهم الاباطيل اليه ، حيث أنسوا بناحية من تقدمهم ممن رأوه ينبز الشيعة ويلمزهم فنحوا نحوه وتلوا في ذلك تلوه إخلاداً اليه بثقتهم واعتماداً عليه في كل ما يقول ، فلا تثريب اذن على الوحيد الرافعي إذا قال (٤) ان الرافضة شكوا في نص القرآن وقالوا انه وقع نقص وزيادة وتغيير وتبديل ا ه‍.

ولا جناح علينا إذا سألناه فقلنا له من تعني هنا بالرافضة ، أتعني الامامية

__________________

(٣) في الجزء ٦ وما بعده من المجلد ٢٩ تباعا.

(٤) في صفحة ١٦١ من كتابه ( تحت راية القرآن ).

١٧٤

أم غيرهم ، فإن عنيتهم فقد كذبك من أغراك بهم وكل من نسب اليهم تحريف القرآن فإنه مفتر عليهم ظالم لهم ، لأن قداسة القرآن الحكيم من ضروريات دينهم الاسلامي ومذهبهم الامامي ، ومن شك فيها من المسلمين فهو مرتد باجماع الامامية ، فإذا ثبت عليه ذلك قتل ثم لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. وظواهر القرآن فضلاً عن نصوصه من أبلغ حجج الله تعالى واقوى ادلة أهل الحق بحكم البداهة الاولية من مذهب الامامية ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الاحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها وان كانت صحيحة ، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والاصول صريحة بما نقول.

والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنما هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوة ، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلفاً على ما هو عليه الآن ، وكان جبرائيل عليه‌السلام يعارض رسول الله (ص) بالقرآن في كل عام مرة وقد عارضه به عام وفاته مرتين.

والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبي حتى ختموه عليه (ص) مرارا عديدة ، وهذا كله من الأمور المعلومة الضرورية لدى المحققين من علماء الامامية ، ولا عبرة بالحشوية فإنهم لا يفقهون.

والباحثون من أهل السنة يعلمون أن شأن القرآن العزيز عند الامامية ليس إلا ما ذكرناه والمنصفون منهم يصرخون بذلك.

قال الامام الهمام الباحث المتتبع رحمة الله الهندي رضي‌الله‌عنه في صفحة ٨٩ من النصف الثاني من كتابه النفيس ( اظهار الحق ) ما هذا لفظه : القرآن الكريم عند جمهور علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية محفوظ عن التغيير

١٧٥

والتبديل ، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه فقوله مردود غير مقبول عندهم.

قال : قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه الذي هو من أعظم علماء الامامية الاثني عشرية في رسالته (٥) الاعتقادية : « اعتقادنا في القرآن ان القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الله مائة وأربع عشر سورة ، وعندنا والضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولايلاف وألم تر سورة واحدة ، ومن نسب الينا أنا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب » انتهى.

قال الامام الهندي : وفي تفسير مجمع البيان (٦) الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة ذكر السيد الاجل المرتضى علم الدين ذو المجد ابو القاسم علي بن الحسين الموسوي : ان القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعاً مؤلفاً على ما هو الآن ، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنه كان يعرض على النبي (ص) ويتلى عليه ، وان جماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (ص) عدة ختمات ، وكل ذلك بأدنى تأمل يدل على انه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث.

قال الهندي : وذكر ان من خالف من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا اخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته ـ انتهى.

قال الامام الهندي : وقال السيد المرتضى أيضاً : ان العلم بصحة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام المشهورة وأشعار العرب

__________________

(٥) المطبوعة المنتشرة.

(٦) المطبوعة مرارا في ايران.

١٧٦

المسطورة ، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وبلغت إلى حد لم تبلغ اليه فيما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية حتى عرفوا كل شيء فيه اعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ـ انتهى.

قال الامام الهندي : وقال القاضي نور الله التوستري الذي هو من علمائهم المشهورين في كتابه المسمى بمصائب النواصب : ما نسب إلى الشيعة الامامية من وقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الامامية ، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم ـ انتهى.

قال الامام الهندي : وقال الملا صادق في شرح الكليني : « يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الامام الثاني عشر ويشهر به » انتهى.

قال الامام الهندي : وقال محمد بن الحسن الحر العاملي الذي هو من كبار المحدثين في الفرقة الامامية في رسالة كتبها في رد بعض معاصريه « هر كسيكة تتبع أخبار وتفحص تواريخ وآثار نموده بعلم يقيني ميداند كه قرآن در غايت وأعلى درجة تواتر بوده وآلاف صحابة حفظ ونقل ميكردند آن را و در عهد رسول خدا (ص) مجموع ومؤلف بود » انتهى.

قال الامام الهندي : فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة الامامية الاثني عشرية أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، وانه كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله (ص) وحفظه ونقله ألوف من الصحابة ، وجماعة من الصحابة كعبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات ، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الامام الثاني عشر رضي‌الله‌عنه.

١٧٧

قال والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغيير فقولهم مردود عندهم ولا اعتداد به فيما بينهم.

قال : وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.

قال : وهو حق لأن خبر الواحد إذا اقتضى علماً ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده ، على ما صرح به ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى بمبادئ الوصول إلى علم الاصول ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

قال : ففي تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة « أي إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان » انتهى ...

هذا كلام الامام الهندي عينا ، وانما اكتفينا بما نقله من كلام أعلام الشيعة الامامية المسطور في كتبهم المعتبرة لأن الاستقصاء يوجب الخروج عما أخذناه على أنفسنا من اجتناب الاطناب الممل.

ومن أراد النقل عن الطوائف والامم فليقتف أثر هذا الامام في الاستناد إلى الكتب المعتبرة عند تلك الأمة أو الطائفة ، ولا يعول في النقل عنها على المرجفين من خصمائها والالداء من أعدائها.

وأنا اكبر السفر الجليل « تحت راية القرآن » واقدر قدر مؤلفه « المصطفى الصادق » واعلم انه بعيد الغاية رزين الحصاة ، وكنت أربأ به وبسفره الثمين المؤلف لعموم المسلمين عن جرح عواطف الشيعة وهم ركن الدين وشطر المسلمين ، وفيهم الملوك والامراء والعلماء والأدباء والكتبة والشعراء والساسة المفكرون والدهاة المدبرون وأهل الحمية الاسلامية والنفوس العبقرية والشمم والكرم

١٧٨

والعزائم والهمم ، وقد انبثوا في الانحاء وانتشروا في الأرض انتشار الكواكب في السماء ، فليس من الحكمة ولا من العقل أن يستهان بهم ، وهم أهل حول وقوة وغنى وثروة وأموال مبذولة في سبيل الدين وأنفس تتمنى أن تكون فداء المسلمين.

وليس من التثبت أن يعتمد في مقام النقل عنهم على إرجاف المرجفين واجحاف المجحفين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).

١٧٩

الفصل الثاني عشر

نوضح فيه سبب التباعد بين الطائفتين ونكشف عن مكنون السر في تنافرهما ، زيادة على ما سمعت في الفصول السابقة.

والغرض تشخيص الداء لنصف الناجع فيه من الدواء ، فهنا مقصدان :

المقصد الاول

في الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني ، وأهمها شيئان :

( الأول ) ما سمعته في الفصول السابقة (١) من التكفير والتحقير والشتم والتزوير.

( الثاني ) اعراض اخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت ، وعدم الاعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة ، وعدم الرجوع اليهم في تفسير القرآن العزيز ( وهو شقيقهم ) الا دون ما يرجعون فيه إلى مقاتل

__________________

(١) ولا سيما التاسع والعاشر والحادي عشر.

١٨٠