الكشف والبيان - ج ٧

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٧

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا على بن زنجويه قال : حدّثنا سعيد بن سيف التميمي قال : حدّثنا غالب بن تميم السعدي قال : حدّثنا خالد بن جميل عن موسى بن عقبة المديني عن أبي روح الكلبي عن حر بن نصير الحضرمي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيّما رجل شدّ عضد امرئ من الناس في خصومة لا علم له بها فهو في ظلّ سخط الله سبحانه حتى ينزع ، وأيّما رجل حال في شفاعة دون حدّ من حدود الله تعالى أن يقام فقد كايد الله حقّا وحرص على سخطه وأن عليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة ، وأيّما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء يريد أن يشينه بها في الدنيا كان حقّا على الله أن يذيبه في النار ، وأصله في كتاب الله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الآية (١).

(وَلا يَأْتَلِ) ولا يحلف ، هذه قراءة العامة وهو يفتعل من الأليّة وهي القسم ، وقال الأخفش : وإن شئت جعلته من قول العرب : ما ألوت جهدي في شأن فلان أي ما تركته ، وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو مخلد السدوسي وأبو جعفر وزيد بن أسلم (ولا يتأل) بتقديم التاء وتأخير الهمزة وهو يفتعل من الألية والألو.

(أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) يعني أبا بكر الصدّيق (أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني مسطحا ، وكان مسكينا مهاجرا بدريا ، وكان ابن خالة أبي بكر رضي‌الله‌عنه.

(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) عنهم خوضهم في أمر عائشة.

وروت أسماء بنت يزيد أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ ولتعفوا ولتصفحوا بالتاء (٢).

(أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

فلمّا قرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبي بكر قال : بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ، ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا.

وقال ابن عباس والضحّاك : أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر ألّا يتصدقوا على رجل تكلّم بشيء من الإفك ولا ينفعونهم فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ) عن الفواحش وعما قذفن به كغفلة عائشة عمّا فيها (الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا) عذّبوا (فِي الدُّنْيا) بالجلد وفي الآخرة بالنار (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٢ / ٢٠٦. بتفاوت.

(٢) تفسير مجمع البيان : ٧ / ٢٣٣. ولكن رواه عن علي عليه‌السلام

٨١

واختلف العلماء في حكم الآية ، فقال قوم : هي لعائشة وأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة دون سائر المؤمنات.

أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا هارون بن محمد بن هارون قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدّثنا هشام عن العوّام بن حوشب قال : حدّثنا شيخ من بني كاهل قال : فسّر ابن عباس سورة النور ، فلمّا أتى على هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) إلى آخر الآية ، قال : هذه في شأن عائشة وأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ، وهي مبهمة ليس فيها توبة ، ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله سبحانه له توبة ، ثمّ قرأ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) إلى قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأولئك توبة ، قال : فهّم رجل أن يقوم فيقبّل رأسه من حسن ما فسّره.

وقال آخرون : نزلت هذه الآية في أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان ذلك كذلك حتى نزلت الآية التي في أول السورة (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) إلى (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأنزل الله له الجلد والتوبة ، فالتوبة تقبل والشهادة ترد.

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حيّان قال : حدّثنا إسحاق بن محمد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال : حدّثنا علي بن علي عن أبي حمزة الثمالي قال : بلغنا أنها نزلت في مشركي أهل مكة إذ كان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد ، فكانت المرأة إذا خرجت الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا : إنما خرجت تفجر.

(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) قرأه العامة بالتاء ، وقرأ أهل الكوفة إلّا عاصما بالياء لتقدّم الفعل.

(أَلْسِنَتُهُمْ) وهذا قبل أن يختم على أفواههم ، وقيل : معناه : يشهد ألسنة بعضهم على بعض (وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ) جزاءهم وحسابهم (الْحَقَ) قرأه العامة بنصب القاف ، وقرأ مجاهد الْحَقُّ بالرفع على نعت الله وتصديقه ، قراءة أبي يوفهم الله الحق دينهم.

(وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) يبيّن لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا.

(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) الآية. قال أكثر المفسّرين : (الْخَبِيثاتُ) من القول (لِلْخَبِيثِينَ) من الناس (وَالْخَبِيثُونَ) من الناس (لِلْخَبِيثاتِ) من القول (وَالطَّيِّباتُ) من القول (لِلطَّيِّبِينَ) من الناس (وَالطَّيِّبُونَ) من الناس (لِلطَّيِّباتِ) من القول.

وقال ابن زيد : (الْخَبِيثاتُ) من النساء (لِلْخَبِيثِينَ) من الرجال ، (وَالْخَبِيثُونَ) من الرجال (لِلْخَبِيثاتِ) من النساء ، (وَالطَّيِّباتُ) من النساء (لِلطَّيِّبِينَ) من الرجال ، (وَالطَّيِّبُونَ) من الرجال (لِلطَّيِّباتِ) من النساء.

٨٢

(أُولئِكَ) يعني عائشة وصفوان فذكرهما بلفظ الجمع كقوله (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) (١) والمراد أخوان.

(مُبَرَّؤُنَ) منزّهون (مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).

أخبرنا أبو نصر النعمان بن محمد بن النعمان الجرجاني بها قال : أخبرنا محمد بن عبد الكريم الباهلي قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي قال : حدّثنا بشر بن الوليد الكندي قال : حدّثنا أبو حفص عن سليمان الشيباني عن علي بن زيد بن جدعان عن جدّته عن عائشة أنها قالت : لقد أعطيت تسعا ما أعطيت امرأة ، لقد نزل جبرئيل عليه‌السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتزوّجني ، ولقد تزوّجني بكرا وما تزوّج بكرا غيري ، ولقد توفّي وإنّ رأسه لفي حجري ، ولقد قبر في بيتي ، ولقد حفّت الملائكة في بيتي ، وإن كان الوحي لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه ، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه ، وإنّي لابنة خليفته وصدّيقه ، ولقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيّبة وعند طيّب ، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) الآية.

أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا الحسين ابن يحيويه قال : حدّثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي سفيان قالا : حدّثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدّثنا قيس عن أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت قال : جاءت امرأة من الأنصار

__________________

(١) سورة النساء : ١١.

٨٣

فقالت : يا رسول الله إنّي أكون في بيتي على حال لا أحبّ أن يراني عليها أحد والد ولا ولد ، فيأتي الأب فيدخل عليّ ، وإنّه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) الآية.

وقال بعض المفسّرين : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) أي تستأذنوا.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّه قال : إنّما هو حتى تستأذنوا ولكن اخطأ الكاتب ، وكان أبيّ بن كعب وابن عباس والأعمش يقرءونها كذلك حتّى تستأذنوا ، وفي الآية تقديم وتأخير تقديرها : حتى تسلّموا على أهلها وتستأذنوا ، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود وهو أن يقول : السلام عليكم أأدخل؟

روى يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد الثقفي أنّ رجلا استأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أألج فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لامرأة يقال لها روضة : قومي إلى هذا فعلّميه فإنّه لا يحسن يستأذن فقولي له : تقول : السلام عليكم أأدخل؟ فسمعها الرجل فقالها ، فقال : ادخل (١).

وقال مجاهد والسدّي : هو التنحنح والتنخّم.

روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الخزاز عن ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عن زينب قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى الى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منها على أمر يكرهه.

عكرمة : هو التسبيح والتكبير ونحو ذلك.

أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن خرجة قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال : حدّثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال : حدّثنا عبد الرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي أيوب الأنصاري قال : قلنا يا رسول الله ما الاستيناس الذي يريد الله سبحانه (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) قال : يتكلّم الرجل بالتكبيرة والتسبيحة والتحميدة ، يتنحنح يؤذن أهل البيت (٢).

وقال الخليل : الاستيناس : الاستبصار من قوله (آنَسْتُ ناراً) (٣).

وقال أهل المعاني : الاستيناس : طلب الأنس وهو أن ينظر هل في البيت أحد يؤذنه أنه

__________________

(١) جامع البيان للطبري : ١٨ / ١٤٧.

(٢) المصنّف : ٦ / ١٣٢.

(٣) سورة طه : ١٠.

٨٤

داخل عليهم ، يقول العرب : اذهب فاستأنس هل ترى أحدا في الدار؟ أي انظر هل ترى فيها أحدا؟

ويروى أنّ أبا موسى الأشعري أتى منزل عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهما فقال : السلام عليكم أأدخل؟ فقال عمر : واحدة ، فقال أبو موسى : السلام عليكم أأدخل؟ فقال عمر : ثنتان ، قال أبو موسى : السلام عليكم أأدخل؟ ومرّ ، فوجّه عمر بن الخطاب رضى الله عنه خلفه من ردّه فسأله عن صنيعه فقال : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الاستيذان ثلاثة فإن أذنوا وإلّا فارجع» [٢٤].

فقال عمر : لتأتيني بالبيّنة أو لأعاقبنّك ، فانطلق أبو موسى فأتاه بمن سمع ذلك معه (١).

وعن عطاء بن يسار أنّ رجلا قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أستأذن على امّي؟ قال : «نعم» ، قال : «إنها ليس لها خادم غيري أفأستأذن كلّما دخلت؟ قال : «أتحبّ أن تراها عريانة»؟ قال الرجل : لا ، قال : «فاستأذن عليها» (٢).

وأخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن وهب قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا جرير بن عبد الحميد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من اطّلع في بيت بغير إذنهم فقد حلّ لهم ان يفقئوا عينه» [٢٥] (٣).

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شبّه قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا أبو بكر قال : حدّثنا ابن عيينة عن الزهري أنه سمع سهل بن سعد يقول : اطّلع رجل في حجرة من حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه مدرى يحكّ به رأسه ، فقال : «لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينيك ، إنّما الاستيذان من النظر» [٢٦] (٤).

(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها) أي في البيوت (أَحَداً) يأذن لكم في دخولها (فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) ولا تقفوا على أبوابهم ولا تلازموها (هُوَ) أي الرجوع (أَزْكى) أطهر وأصلح (لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

فلمّا نزلت هذه الآية قال أبو بكر : يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام

__________________

(١) صحيح ابن حبّان : ١٣ / ١٢٧.

(٢) جامع البيان للطبري : ١٨ / ١٤٨.

(٣) مسند أحمد : ٢ / ٢٦٦.

(٤) المصنّف : ٨ / ٣٩٥. والعبارة فيه : من البصر ، بدل : من النظر.

٨٥

ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله سبحانه (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) بغير استيذان (فِيها مَتاعٌ) منفعة (لَكُمْ) واختلفوا في هذه البيوت ما هي؟ فقال قتادة : هي الخانات والبيوت المبنيّة للسائلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم إليها.

قال مجاهد : كانوا يضعون بطرق المدينة أقتابا وأمتعة في بيوت ليس فيها أحد ، وكانت الطرق إذ ذاك آمنة فأحلّ لهم أن يدخلوها بغير إذن.

محمد بن الحنفيّة : هي بيوت مكة ، ضحّاك : الخربة التي يأوي المسافر إليها في الصيف والشتاء ، عطاء : هي البيوت الخربة ، والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من الخلاء والبول ، ابن زيد : بيوت التجّار وحوانيتهم التي بالأسواق ، ابن جرير : جميع ما يكون من البيوت التي لا ساكن لها على العموم لأنّ الاستيذان إنما جاء لئلّا يهجم على ما لا يحب من العورة ، فإذا لم يخف ذلك فلا معنى للاستئذان.

(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) يكفّوا (مِنْ أَبْصارِهِمْ) عن النظر الى ما لا يجوز ، واختلفوا في قوله (مِنْ) فقال بعضهم : هو صلة أي يغضّوا أبصارهم ، وقال آخرون : هو ثابت في الحكم لأنّ المؤمنين غير مأمورين بغضّ البصر أصلا ، وإنّما أمروا بالغضّ عمّا لا يجوز.

(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) عمّن لا يحلّ ، هذا قول أكثر المفسّرين.

وقال ابن زيد : كلّ ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلّا في هذا الموضع فإنّه أراد الاستتار يعني : ويحفظوا فروجهم حتى لا ينظر إليها.

ودليل هذا التأويل إسقاط من (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ) عليم (بِما يَصْنَعُونَ).

أخبرني ابن فنجويه في داري قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا قال : حدّثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدّثنا إسماعيل بن جعفر قال : حدّثنا عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن عبادة بن الصامت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم اضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدّثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدّوا ما ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضّوا أبصاركم ، وكفّوا أيديكم» (١) [٢٧].

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شيبة قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا عبد الوارث قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عنبسة بن عبد الرّحمن قال : حدّثنا أبو الحسن أنه سمع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النظر إلى محاسن المرأة سهم من نبال إبليس مسموم ،

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٣٢٣.

٨٦

فمن ردّ بصره ابتغاء ثواب الله عزوجل أبدله الله بذلك عبادة تسرّه» (١) [٢٨].

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا سهل بن صالح الأنطاكي قال : حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «بينما رجل يصلّي إذ مرّت به امرأة فنظر إليها وأتبعها بصره فذهب عيناه» [٢٩].

(وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) عما لا يجوز (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) عمّا لا يحلّ ، وقيل : (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) أي يسترنها حتى لا يراها أحد.

(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) ولا يظهرن لغير محرم زينتهن ، وهما زينتان : أحداهما ما خفي كالخلخالين (٢) والقرطين والقلائد والمعاصم ونحوها ، والأخرى (ما ظَهَرَ مِنْها) ، واختلف العلماء في الزينة الظاهرة التي استثنى الله سبحانه ورخّص فيها فقال ابن مسعود : هي الثياب ، وعنه أيضا : الرداء ، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٣) أي ثيابكم.

وقال ابن عباس وأصحابه : الكحل والخاتم والسوار والخضاب ، الضحّاك والأوزاعي : الوجه والكفّان ، الحسن : الوجه والثياب.

روت عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) أنه قال : «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت (٥) أن تظهر إلّا وجهها ويدها إلى هاهنا» [٣٠] ، وقبض على نصف الذارع ، وإنّما رخّص الله سبحانه ورخّص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنّه ليس بعورة ، فيجوز لها كشفه في الصلاة ، وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره.

(وَلْيَضْرِبْنَ) وليلقين (بِخُمُرِهِنَ) أي بمقانعهن وهي جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة (عَلى جُيُوبِهِنَ) وصدورهن ليسترن بذلك شعورهنّ وأقراطهنّ وأعناقهن.

قالت عائشة : يرحم الله النساء المهاجرات الأول لمّا أنزل الله سبحانه هذه الآية شققن أكتف مروطهنّ فاختمرن به.

(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) الخفيّة التي أمرن بتغطيتها ، ولم يبح لهنّ كشفها في الصلاة وللأجنبيين ، وهي ما عدا الوجه والكفّين وظهور القدمين (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَ) أي نساء

__________________

(١) بتفاوت في كنز العمّال : ٥ / ٣٢٩ ح ١٣٠٧٣.

(٢) في النسخة الثانية زيادة : والسوارين.

(٣) الأعراف : ٣١.

(٤) تفسير القرطبي : ١٢ / ٢٢٩.

(٥) عركت المرأة : إذا حاضت.

٨٧

المؤمنين فلا يحلّ لامرأة مسلمة أن تتجرّد بين يدي امرأة مشركة إلّا أن تكون أمة لها فذلك قوله سبحانه (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ).

عن ابن جريج : روى هشام بن الغار عن عبادة بن نسيّ أنه كره أن تقبّل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها ويتأوّل (أَوْ نِسائِهِنَ).

وقال عبادة : كتب عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح : أما بعد فقد بلغني أنّ نساء يدخلن الحمّامات معهنّ نساء أهل الكتاب فامنع ذلك وحل دونه.

قال : ثم إنّ أبا عبيدة قام في ذلك المقام مبتهلا : اللهم أيّما امرأة تدخل الحمّام من غير علّة ولا سقم تريد البياض لوجهها فسوّد وجهها يوم تبيضّ الوجوه.

وقال بعضهم : أراد بقوله (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) مماليكهنّ وعبيدهنّ فإنّه لا بأس عليهن أن يظهرن لهم من زينتهنّ ما يظهرن لذوي محارمهنّ.

(أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) وهم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم في النساء ولا يستهوونهنّ.

قال ابن عباس : هو الذي لا تستحيي منه النساء ، وعنه : الأحمق العنّين.

مجاهد : الأبله الذي لا يعرف شيئا من النساء ، الحسن : هو الذي لا ينتشر [زبه] سعيد بن جبير : المعتوه ، عكرمة : المجبوب ، الحكم بن أبان عنه (١) : هو المخنث الذي لا يقوم زبّه.

روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخنث ، وكانوا يعدّونه من (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال : «إنّها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان».

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أرى هذا يعلم ما هاهنا ، لا يدخلنّ هذا عليكم» فحجبوه [٣١].

ابن زيد : هو الذي يتبع القوم حتى كأنه منهم ونشأ فيهم وليس له في نسائهم إربة ، وإنما يتبعهم لإرفاقهم إيّاه ، والإربة والإرب : الحاجة يقال : أربت الى كذا آرب إربا إذا احتجت إليه ، واختلف القرّاء في قوله (غَيْرِ) فنصبه أبو جعفر وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والمفضل ، وله وجهان :

أحدهما : الحال والقطع لأنّ التابعين معرفة وغير نكرة.

والآخر : الاستثناء ويكون غَيْرَ بمعنى إلّا. وقرأ الباقون بالخفض على نعت التابعين.

__________________

(١) عن عكرمة كما في تفسير الطبري : ١٨ / ١٦٤.

٨٨

(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) أي لم يكشفوا عن عورات النساء لجماعهن فيطّلعوا عليها ، والطفل يكون واحدا وجمعا.

(وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَ) يعني ولا يحرّكنها إذا مشين (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) يعني الخلخال والحلي (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً) من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل : معناه راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة.

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤))

(أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) أي زوّجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) وقرأ الحسن : من عبيدكم ، والأيامى جمع الأيّم وهو من لا زوج له من رجل وامرأة يقال : رجل أيّم وامرأة أيّم وأيّمة ، والفعل منه أمت المرأة تأيم أيمة أيوما ، وتأيّمت تأيّما ، قال الشاعر :

ألم تر أنّ الله أظهر دينه

وسعد بباب القادسيّة معصم

فأبنا وقد آمت نساء كثيرة

ونسوة سعد ليس منهن أيّم (١)

وقال آخر :

فإن تنكحي أنكح وإن تتأيّمي

وإن كنت أفتى منكم أتأيّم (٢)

وفسّر بعض الفقهاء الآية على الحتم والإيجاب فأوجب النكاح على من استطاعه ، وتأوّلها الباقون على الندب والاستحباب وهو الصحيح المشهور والذي عليه الجمهور.

قال الشافعي (٣) رضي‌الله‌عنه : واجب للرجل والمرأة أن يتزوّجا إذا تاقت أنفسهما إليه لأنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه أمر به ورضيه وندب إليه ، وبلغنا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تناكحوا تكثروا فإنّي أباهي بكم الأمم حتى بالسقط» (٤) [٣٢].

__________________

(١) البداية والنهاية ـ ابن كثير ـ ٨ / ٨٣ وفيه.

(٢) جامع البيان للطبري : ١٨ / ١٦٧.

(٣) كتاب الأم : ٥ / ١٥٥ بتفاوت.

(٤) المصنّف : ٦ / ١٧٣. بدون عبارة : «حتى بالسقط».

٨٩

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحبّ فطرتي فليستنّ بسنتي وهي النكاح (١) ، وقال : إنّ الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده [٣٣] (٢).

قال [الشافعي] : ومن لم تتق نفسه إلى ذلك فأحبّ إلىّ أن يتخلّى لعبادة الله عزوجل» (٣) [٣٤].

وذكر الله سبحانه القواعد من النساء وذكر عبدا أكرمه فقال عزّ من قائل (وَسَيِّداً وَحَصُوراً) والحصور : الذي لا يأتي النساء. ولم يندبهم إلى النكاح ، فدلّ أنّ المندوب إليه من يحتاج إليه (٤).

باب ذكر بعض ما ورد من الأخبار في الترغيب في النكاح

أخبرنا أحمد بن أبي قال : أخبرنا عبد الله بن إسحاق الجرجاني قال : حدّثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي قال : حدّثنا محمد بن يحيى الأزدي قال : حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرنا أشعث عن الحسن عن سمرة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن التبتّل (٥).

وأخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الحديثي قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا محمد بن صالح بن ذريح قال : حدّثنا جبارة بن المغلّس قال : حدّثنا جندل عن ابن جريح عن أبي المغلّس عن أبي نجيح السلمي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان له ما يتزوّج فلم يتزوج فليس منّا» (٦) [٣٥].

وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا مخلد بن جعفر الباقرحي قال : حدّثنا أحمد بن يعقوب المقري ابن أخي عوف قال : حدّثنا جبارة بن المغلس قال : حدّثنا مندل عن يحيى بن عبد الرّحمن عن أبيه عن جده قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أدرك له ولد وعنده ما يزوّجه فلم يزوّجه فأحدث فالإثم بينهما» (٧) [٣٦].

وأخبرني الحسين قال : حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن الدقّاق قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا أبو يوسف الصيدلاني قال : حدّثنا خالد بن إسماعيل عن عبيد الله عن صالح

__________________

(١) مسند أبي يعلى : ٥ / ١٣٣.

(٢) المصنّف : ٣ / ٣٦١ ـ ابن أبي شيبة السكوني ، رواه عن سعيد بن المسيّب.

(٣) كتاب الأمّ : ٥ / ١٥٥. وليس هذا بحديث.

(٤) مختصر المزني : ١٦٣. نقله بطوله عن الإمام الشافعي.

(٥) مسند أحمد : ٥ / ١٧.

(٦) تفسير جوامع الجامع ـ الطبرسي ـ : ٢ / ٦١٨. نقله عن الكشّاف : ٣ / ٢٣٤.

(٧) تفسير مجمع البيان : ٧ / ٢٤٥.

٩٠

مولى التومة قال : قال أبو هريرة : لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد للقيت الله بزوجة ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «شراركم عزّابكم» (١) [٣٧].

وبإسناده عن صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا تزوّج أحدكم عجّ شيطانه يا ويله : عصم ابن آدم منّي بثلثي دينه» (٢) [٣٨].

وأخبرني الحسن بن محمد قال : حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدّثنا أبو زكريا يحيى بن علي بن خلف القطان قال : حدّثنا الحسين بن محمد قال : حدّثنا محمد بن ربيعة الكلابي قال : حدّثنا محمد بن ثابت العقيلي عن هارون بن رئاب عن أبي نجيح السلمي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مسكين مسكين رجل ليست له امرأة ، مسكينة امرأة ليس لها زوج».

قالوا : يا رسول الله وان كانت غنيّة من المال؟

قال : «وإن كانت غنيّة من المال» (٣) [٣٩].

وأخبرني الحسين قال : حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن موسى قال : حدّثنا هشام بن عمار قال : حدّثنا حماد بن عبد الرّحمن قال : حدّثنا خالد بن الزبرقان عن سليمان بن حبيب عن أبي أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أربع لعنهم الله من فوق عرشه وأمّنت عليه ملائكته : الذي يحصر نفسه عن النساء فلا يتزوج ولا يتسرّى لئلّا يولد له ، والرجل يتشبّه بالنساء وقد خلقه الله ذكرا ، والمرأة تتشبّه بالرجال وقد خلقها الله أنثى ، ومضلّل المساكين» (٤) [٤٠].

قال خالد : يعني الذي يهزأ بهم يقول للمسكين : هلمّ أعطك ، فإذا جاء يقول : ليس معي شيء ، ويقول للمكفوف : اتّق الدابّة وليس بين يديه شيء ، والرجل يسئل عن دار القوم فيجهله.

وأخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا أبو حذيفة أحمد بن محمد بن علي قال :حدّثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروتي قال : حدّثني أحمد بن سعيد بن يعقوب قال : أخبرنا بقية ابن الوليد قال : حدّثني معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عفيف ابن الحارث عن عطيّة بن بشر المازني قال : أتى عكاف بن وادعة الهلالي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا عكاف ألك زوجة؟ قال : لا يا رسول الله ، قال : ولا جارية؟ قال : لا. قال : وأنت صحيح موسر؟ قال : نعم والحمد لله.

__________________

(١) مسند أبي يعلى : ٤ / ٣٨.

(٢) كنز العمال : ١٦ / ٢٧٨.

(٣) الدرّ المنثور : ٢ / ٣١١. بتفاوت.

(٤) مسند الشاميين ـ الطبراني ـ : ٢ / ٤١٢.

٩١

قال : فإنّك إذا بين إخوان الشياطين إمّا أن تكون من رهبان النصارى ، وإمّا أن تكون مؤمنا فاصنع كما نصنع فإنّ من سنّتنا النكاح ، شراركم عزّابكم وأراذل موتاكم عزّابكم ، ما للشيطان في نفسه سلاح أبلغ من النساء ألا إنّ المتزوّجين هم المطهّرون المبرّؤون من الخنا ، ويحك يا عكاف إنّهن صواحب داود وصواحب أيّوب وصواحب يوسف عليهم‌السلام وصواحب كرسف.

قالوا : يا رسول الله ومن كرسف؟

قال : رجل كان يعبد الله سبحانه على ساحل من سواحل البحر ثلاثين عاما ، يصوم النهار ويقوم الليل ، لا يفتر من صيام ولا قيام ، فكفر بالله العظيم من سبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة ربّه عزوجل فتداركه الله سبحانه بما سلف منه ، ويحك يا عكاف تزوّج فإنّك من المذنبين.

قال : زوّجني من شئت قبل أن أبرح.

قال : فإنّي قد زوّجتك على اسم الله كريمة بنت كلثوم الحميري» (١) [٤١].

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن المظفر البزاز قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد ابن موسى بن النعمان بمصر قال : حدّثنا علي بن عبد الرّحمن بن المغيرة قال : حدّثنا أبو صالح كاتب الليث قال : حدّثنا أبو يحيى (٢) بن قيس عن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا أتى على أمّتي مائة وثمانون سنة فقد حلّت العزبة والعزلة والترهّب على رؤوس الجبال» (٣) [٤٢].

فصل فيمن يستحبّ ويختار من النساء

أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله الثقفي بقراءتي عليه في داري قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد قال : حدّثنا عبد الله بن عمر القواريري قال : حدّثنا عمر بن الوليد قال : سمعت معاوية بن يحيى يحدّث عن يزيد بن جابر عن جبير بن نفير عن عياض بن غنم الأشعري قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عياض لا تزوّجنّ عجوزا ولا عاقرا فإنّي مكاثر» (٤) [٤٣].

وأخبرني الحسن بن محمد قال : حدّثنا برهان بن علي الصوفي قال : حدّثنا أبو بكر مردك

__________________

(١) مسند أبي يعلى : ١٢ / ٢٦٢.

(٢) في النسخة الثانية : بمصر عن منصور عن ابراهيم عن علقمة.

(٣) تفسير القرطبي : ١٠ / ٣٦١. بتفاوت.

(٤) كنز العمّال : ١٦ / ٢٩٦. مع زيادة : (بكم الأصم)

٩٢

ابن أحمد البردعي قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا إسحاق بن بشر الكاهلي قال : حدّثني عبد الله بن إدريس المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تزوّجوا الأبكار فإنّهنّ أعذب أفواها ، وأفتح أرحاما ، وأثبت مودّة» (١) [٤٤].

وبإسناده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أراد أحدكم أن يتزوّج المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها (٢) فإنّ الشعر أحد الجمالين» (٣) [٤٥].

وبه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تزوّجوا الزرق فإن فيهنّ يمنا» (٤) [٤٦].

وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن وهب قال : حدّثنا عبدان بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدّثنا عبد الله ابن صالح قال : حدّثنا محمد بن سليمان بن أبي كريمة قال : حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعظم نساء أمّتي بركة أصبحهنّ وجها وأقلّهنّ مهرا» [٤٧] (٥).

فصل في الآداب الواردة في النكاح والزفاف

أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا أبو موسى قال : أخبرنا أبو علي الشيباني قال : حدّثنا محمد بن رافع قال : حدّثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا عيسى بن ميمون عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي‌الله‌عنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليها بالدفاف وليولم أحدكم ولو بشاة» (٦) [٤٨].

وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان وعبد الله بن يوسف قالا : حدّثنا يوسف بن أحمد بن كركان القرماسيني قال : حدّثنا أبو الزنباع روح بن الفرج قال : حدّثنا أبو سلمة البصري العتكي القاسم بن عمر قال : حدّثنا بشر بن إبراهيم الأنصاري عن الأوزاعي عن مكحول عن عروة عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : حدّثني معاذ بن جبل قال : شهدت ملاك رجل من الأنصار مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأملك الأنصاري ثمّ قال : «على الألفة والخير والطير الميمون دفّفوا على رأس صاحبكم ، وأقبلت السلال فيها الفاكهة والسكّر فنهب عليهم

__________________

(١) المصنّف ـ الصنعاني. : ٦ / ١٦٠. بتفاوت : قال ابن جريح وقال عمر بن الخطّاب :.

(٢) في المصدر : جمالها.

(٣) الموضوعات ـ ابن الجوزي. : ٢ / ٢٦٢. وكنز العمّال : ١٦ / ٢٩١.

(٤) كنز العمّال : ١٦ / ٣٠٢.

(٥) مسند الشهاب ـ ابن سلامة. : ٢ / ١٨٣.

(٦) كنز العمّال : ١٦ / ٢٩٢.

٩٣

فأمسك القوم فلم ينتهبوا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أزين الحلم ألا تنتهبون ، فقالوا : يا رسول الله أنّك نهيتنا عن النهبة يوم كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّما نهيتكم عن نهبة العساكر ولم أنهكم عن نهبة الولائم ثم قال : ألا فانتهبوا» [٤٩].

قال معاذ بن جبل : فو الله لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجرّرنا ونجرّره في ذلك النهاب (١).

وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا أبو العباس عبد الله بن أحمد بن حشيش البغدادي قال : حدّثنا عثمان بن معبد قال : حدّثنا عبد الله بن إبراهيم (٢) عن سفيان بن عامر العامري عن صافية مولاتهم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مسّوا بالأملاك فإنّه أفضل في اليمن وأعظم في البركة» (٣) [٥٠].

وأخبرني الحسين قال : حدّثنا طفران بن الحسين قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدّثنا أحمد بن يوسف بن سالم الازدي السلمي قال : حدّثنا حفص بن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن إسحاق بن سهل بن أبي حنتمة عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها أنها قالت : كانت عندي جارية من الأنصار في حجري فزوّجتها فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يسمع غناء فقال : «يا عائشة ألا تغنّون عليها ، فانّ هذا الحىّ من الأنصار يحبّون الغناء» (٤) [٥١].

وأخبرني الحسين قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن ظهير بن ثمامة البزّار قال : حدّثنا أبو موسى بن المثنّى الزمر قال : حدّثنا حفص بن غياث عن ليث عن عطاء أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ عليه بعروس فقال : «لو كان مع هذا لهو» (٥) [٥٢].

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن أبي قال : حدّثنا محمد بن علي بن سالم الهمذاني قال : حدّثنا الحسن بن الحسين الرازي الهسنخاني قال : حدّثنا سعيد بن منصور قال : حدّثنا مسكين بن ميمون قال : حدّثني عروة بن رويم قال : بينا عبد الرّحمن بن قرط ينعسّ بحمص إذ مرّت عروس وقد أوقدوا النيران ، فضربهم بدريّة حتى تفرقوا عنها ، فلمّا أصبح قعد على منبره وقال : إنّ أبا جندلة نكح فصنع جفنات من طعام فرحم الله أبا جندلة وصلّى على آبائه ، ولعن الله أصحاب عروسكم أوقدوا النيران وتشبّهوا بأهل الشرك والله مطفئ نورهم يوم القيامة. (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).

__________________

(١) مجمع الزوائد ـ الهيثمي. : ٤ / ٢٩٠.

(٢) في النسخة الثانية : أبو العباس عبد الله بن ابراهيم.

(٣) راجع المغني لابن قدامة : ٧ / ٤٣٥.

(٤) صحيح ابن حبّان : ١٣ / ١٨٥.

(٥) المصنّف ـ الكوفي. : ٣ / ٣٢١.

٩٤

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا علي بن أحمد بن نصرويه قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن وهب قال : حدّثني أبو زرعة قال : حدّثنا إبراهيم بن موسى الفرّاء قال : أخبرنا مسلم بن خالد عن سعيد بن أبي صالح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «التمسوا الرزق بالنكاح» (١) [٥٣].

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن بشر قال : حدّثنا أبو يوسف محمد ابن سفيان بن موسى الصفّار (٢) بالمصّيصة قال : حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن ناصح قال : حدّثنا عبد العزيز الدراوردي عن ابن عجلان أنّ رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشكا إليه الحاجة فقال : «عليك بالباءة» (٣) ، وشكا رجل الى أبي بكر رضي‌الله‌عنه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشكا إليه الحاجة فقال : عليك بالباءة [٥٤] ، وجاء رجل الى عمر رضي‌الله‌عنه بعد أبي بكر (٤) فشكا إليه الحاجة فقال : عليك بالباءة ، كلّ يريد قوله سبحانه (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). قال ابن عجلان : وقال أبو بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما : ابتغوا الغنى في النكاح.

(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) عن الحرام (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ويوسّع عليهم من رزقه.

(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) أي المكاتبة وهي أن يقول الرجل لعبده أو أمته : قد كاتبتك على أن تعطيني كذا وكذا في نجوم معلومة على أنّك إذا أدّيت ذلك فأنت حرّ ، فيرضى العبد بذلك فإن أدّى مال الكتابة بالنجوم التي سمّاها كان حرّا ، وإن عجز عن أداء ذلك كان لمولاه أن يردّه الى الرّقّ كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» (٥) [٥٥]. وأصل الكلمة من الكتب وهو الضمّ والجمع ، ومنه الكتيبة وكتب البغل وكتب الكتاب ، فسمّي المكاتب مكاتبا لأنه يضم نجوم مال الكتابة بعضها إلى بعض.

(مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ) اختلف الفقهاء في حكم هذه الآية فقال قوم : هو أمر حتم وإيجاب فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم منه خيرا إذا سأله ذلك بقيمته وأكثر ولو كان بدون قيمته لم يلزمه ، وهو قول عمرو بن دينار وعطاء ، وإليه ذهب داود بن علي ومحمد ابن جرير من الفقهاء وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، واحتجّ من نصر هذا المذهب بما روى قتادة أن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عليه ، فشكاه الى عمر فعلاه بالدّرة وأمره بالكتابة ، واحتجّوا أيضا بأن هذه الآية نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزّى يقال له صبح سأل

__________________

(١) الدرّ المنثور : ٥ / ٤٥.

(٢) في النسخة الثانية : أبو يوسف بن سفيان بن موسى.

(٣) فيض القدير شرح الجامع الصغير ـ المناوي. : ٣ / ٣١٨.

(٤) في النسخة الثانية : وجاء رجل الى عثمان بعد عمر.

(٥) المصنّف ـ الكوفي ـ : ٥ / ٦٦.

٩٥

مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين فأدّاها وقتل يوم حنين في الحرب.

وروى عن عمر أنّه قال : هي عزمة من عزمات الله ، من سأل الكتابة كوتب.

وقال الآخرون : هو أمر ندب واستحباب ، ولا يلزم السيّد مكاتبة عبده سواء بذل له قيمته أو أكثر منها أو أقل ، وهو قول الشعبي والحسن البصري ، وإليه ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وسائر الفقهاء.

وأمّا قوله سبحانه (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) فاختلفوا فيه ، فقال ابن عمر وابن زيد ومالك بن أنس : يعني قوّة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتب عليه ، وإليه ذهب الثوري.

وروى الوالبي عن ابن عباس قال : إن علمت أنّ لهم حيلة ولا يلقون مؤونتهم على المسلمين.

وقال الحسن ومجاهد والضحاك : مالا ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، واستدلّوا بقوله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) (١).

قال الخليل : لو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيرا.

أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا هارون بن محمد قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا يحيى الحماني قال : حدّثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي عن سلمان قال : قال له عبد : كاتبني ، قال : لك مال؟ قال : لا ، قال : تطعمني أوساخ الناس فأبى عليه ، وقال إبراهيم وعبيدة وأبو صالح وابن زيد : يعني صدقا ووفاء وأمانة ، وقال طاوس وعمرو بن دينار : مالا وأمانة.

وقال الشافعي : أظهر معاني الخير في هذه الآية الاكتساب مع الأمانة ، فأحبّ أن لا يمتنع من مكاتبته إذا كان هكذا.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة (٢) قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد العزيز العثماني وأبو النضر إسحاق بن إبراهيم قال : حدّثنا يحيى بن حمزة قال : أخبرني محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاثة حق على الله عونهم : رجل خرج في سبيل الله سبحانه ، ورجل تزوّج التماس الغنى عما حرّم الله عزوجل ، ورجل كاتب التماس الأداء» (٣) [٥٦].

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٠.

(٢) في النسخة الثانية : أخبرني ابن فنجويه عن عبد الله بن محمد بن شنبة.

(٣) المصنّف : ٥ / ٢٥٩ ـ الصنعاني ـ بتفاوت.

٩٦

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا هارون بن محمد بن هارون قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا يحيى الحماني قال : حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة في قوله سبحانه (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) قال : إن أقاموا الصلاة. وقيل : هو أن يكون المكاتب بالغا عاقلا فأمّا المجنون والصبي فلا يصحّ كتابتهما لأنّهما ليسا من أهل الابتغاء ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رفع القلم عن ثلاث» الحديث [٥٧] (١).

وقال أبو حنيفة : يصحّ كتابة الصبي إذا كان مراهقا مميّزا بناء على أصله إذا كان مراهقا كيّسا حرا فأذن له وليّه في التّصرف نفذ تصرّفه ، كذلك السيّد مع عبده إذا كاتبه فقد أذن له في التصرّف فصحّت كتابته.

واختلف الفقهاء في مال الكتابة ، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه : تصح الكتابة حالّة ومؤجلة لأنّ الله سبحانه قال (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) ولم يشترط فيه أجلا ولأنّه عقد على عين فصحّ حالّا ومؤجّلا كالبيع.

وقال الشافعي : لا تصحّ الكتابة حالّة وإنّما تصحّ إذا كانت مؤجّلة ، وأقلّه نجمان.

(وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) اختلفوا فيه فقال بعضهم : الخطاب للموالي وهو أن يحطّ له من مال كتابته شيئا ، ثم اختلفوا في ذلك الشيء فقال قوم : هو ربع المال وهو قول علىّ ، وإليه ذهب الثوري.

روى شعبة عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرّحمن السلمي أنّه كاتب غلاما له على ألف ومائتين وترك الربع وأشهدني ثم قال لي : كان صديقك يفعل هذا ، يعني عليّا كرم الله وجهه ، وقد روى ذلك مرفوعا.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش المقري قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن موسى قال : حدّثنا يوسف بن سعيد بن مسلم قال : حدّثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن حبيب يعني أبا عبد الرّحمن السلمي عن علي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) قال : «ربع المكاتبة» (٢) [٥٨].

وقال آخرون : ليس فيه حدّ إنّما هو إليه ، يحطّ عنه من مال كتابته شيئا.

روى أسباط عن السدّي عن أبيه قال : كاتبتني زينب بنت قيس بن مخرمة وكانت قد صلّت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القبلتين جميعا على عشرة آلاف فتركت لي ألفا ، وروى الجريري عن أبي

__________________

(١) مسند أحمد : ٦ / ١٠٠.

(٢) السنن الكبرى ـ البيهقي. : ١٠ / ٣٢٩.

٩٧

نضرة عن أبي سعيد مولى ابن أسيد قال : كاتبني أبو أسيد على ثنتي عشرة مائة فجئته بها فأخذ منها ألفا وردّ علىّ مائتين.

وقال نافع : كاتب عبد الله بن عمر غلاما له يقال له شرقي على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع من آخر كتابته خمسه آلاف درهم.

قال سعيد بن جبير : وكان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أوّل نجومه مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ، ولكنّه إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ ، وعلى هذا القول قوله (وَآتُوهُمْ) أمر استحباب.

وقال بعضهم : معناه وآتوهم سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات بقوله (وَفِي الرِّقابِ) (١) وهو قول الحسن وزيد بن أسلم وابنه وعلى هذا التأويل هو أمر إيجاب.

وقال بريدة وإبراهيم : هو حثّ لجميع الناس على معونتهم.

أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة (٢) قال : حدّثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدّثنا صفوان بن صالح قال : حدّثنا الوليد قال : حدّثني زهير عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أعان مكاتبا في رقبته أو غازيا في عسرته أو مجاهدا في سبيله أظله الله سبحانه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» (٣) [٥٩].

وأخبرني ابن فنجوية قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا علي بن أحمد الواسطي قال : حدّثنا إسحاق بن منصور عن عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرّحمن الدالاني عن خارجة بن هلال عن أبي سعيد ورافع بن خديج وابن عمر قالوا : جاءنا غلام لعثمان رضي‌الله‌عنه يقال له كيّس فقال : قوموا إلى أمير المؤمنين فكلّموه أن يكاتبني (٤) فقلنا له : إنّ غلامك هذا سألنا أن تكاتبه فقال : أخذته بخمسين ومائة يجيء بها وهو حر ، قال : فخرجنا فأعانه كل رجل منّا بشيء (٥) قال : كونوا بالباب ثم قال : يا كيّس تذكر يوم عركت أذنك ، قلت : بلى يا سيّدي ، قال : ألم أنهك أن تقول يا سيدي؟ قال : فلم يزل بي حتى ذكرت ، قال : قم فخذ بأذني قال : فأبيت فلم يزل بي حتى قمت فأخذت بأذنه فعركتها وهو يقول : شدّ شدّ حتى إذا رآني قد بلغت ما بلغ منّي قال : حسبك ثم قال : واها للقضاء في الدنيا ، أخرج فأنت حرّ وما معك لك.

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

(٢) في النسخة الثانية : عبد الله بن محمد بن شنبة.

(٣) أحكام القرآن ـ الجصّاص ـ : ٣ / ١٦٢.

(٤) في النسخة الثانية زيادة : فدخلنا على عثمان.

(٥) في النسخة الثانية زيادة : فذهب فلم يلبث أن جاء فقال : قوموا معي فقمنا معه فدخلنا ثم قال : ....

٩٨

(وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) الآية.

نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي المنافق ، كان يكرههما على الزنا بضريبة يأخذ منهما وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية ، يؤاجرون إماءهم ، فلمّا جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيرا فقد استكثرنا منه ، وإن يك شرّا فقد آن لنا أن ندعه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

وقال مقاتل : نزلت في ستّ جوار لعبد الله بن أبىّ كان يكرههنّ على الزنا ويأخذ أجورهن وهنّ معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة ، فجاءته إحداهنّ ذات يوم بدينار وجاءت أخرى ببرد فقال لهما : ارجعا فازنيا فقالتا : والله لا نفعل قد جاءنا الله بالإسلام وحرّم الزنا ، فأتتا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشكتا إليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

وروى معمر عن الزهري أنّ عبد الله بن أبي أسر رجلا من قريش يوم بدر ، وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة فكان القرشي الأسير يريدها على نفسها وكانت مسلمة ، فكانت تمتنع منه وكان ابن أبىّ يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل للقرشي فيطلب فداء ولده ، فأنزل الله سبحانه (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ) إماءكم (عَلَى الْبِغاءِ) أي الزنا.

(إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) يعني إذ وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههنّ على الزنا إن لم يردن تحصّنا ، ونظيره قوله سبحانه (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) وقوله (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢) أي إذ ، وقوله (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٣) يعني إذ شاء الله والتحصّن : التعفّف.

وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير تقديرها (وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصّنا) ثم قال (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههنّ) بعد ورود النهي (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَ) لهنّ (غَفُورٌ رَحِيمٌ) والوزر على المكره ، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : لهنّ والله لهن.

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً) خبرا وعبرة (مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٨.

(٢) سورة آل عمران : ١٣٩.

(٣) سورة الفتح : ٢٧.

٩٩

(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨))

(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

قال ابن عباس : الله هادي أهل السموات والأرض لا هادي فيهما غيره ، فهم بنوره الى الحقّ يهتدون ، وبهداه من حيرة الضلالة ينجون وليس يهتدي ملك مقرّب ولا نبىّ مرسل إلّا بهدى منه.

الضحّاك والقرظي : منوّر السموات والأرض.

مجاهد : مدبر الأمور في السموات والأرض.

أبي بن كعب وأبو العالية والحسن : مزيّن السموات بالشمس والقمر والنجوم ، ومزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين.

وقال بعضهم : يعني الأنوار كلّها منه كما يقال : فلان رحمة وسخطة وهو لا يكون في نفسه رحمة ولا سخطة وإنما يكون منه الرحمة والسخطة.

وقال بعض أهل المعاني : أصل النور هو التبرئة والتصفية ، يقال : امرأة نوار ونساء نوار إذا كنّ متعرّيات من الريبة والفحشاء ، قال الشاعر :

نوار في صواحبها نوار

كما فاجاك سرب أو صوار

فمعنى النور هو المنزّه من كل عيب.

وقال بعض العلماء : النور على أربعة أوجه : نور متلألئ ، ونور متولّد ، ونور من جهة صفاء اللون ، ونور من جهة المدح ، فالنور المتلألئ مثل قرص الشمس والقمر والكواكب وشعلة السراج ، والمتولد هو الذي يتولد من شعاع الشمس والقمر والسراج فيقع على الأرض فيستنير به ، والذي هو من صفاء اللون مثل نور اللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر ، وكلّ شيء له نور صاف ، والذي هو من جهة المدح قول الناس : فلان نور البلد وشمس العصر ، قال الشاعر :

فإنّك شمس والملوك كواكب

إذا ما بدت (١) لم بدت منهنّ كوكب (٢)

__________________

(١) في النسخة الثانية : إذا طلعت.

(٢) أحكام القرآن ـ الجصّاص. : ١ / ٣٩٨.

١٠٠