الكشف والبيان - ج ٧

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٧

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

ومنهم من قال : خلق الله سبحانه الخلق كلّهم لأجل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يدلّ عليه ما حدّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الرومي قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد قال : حدّثنا هارون بن العباس الهاشمي قال : حدّثنا محمد بن ياسين بن شريك قال : حدّثنا جندل قال : حدّثنا عمرو بن أوس الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب عن ابن عباس قال : «أوحى الله سبحانه إلى عيسى عليه‌السلام : يا عيسى آمن بمحمد ومر أمّتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولو لا محمد ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلّا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسكن».

وسمعت محمد بن القاسم الفارسي قال : سمعت محمد بن الحسن بن بهرام الفارسي يقول : سمعت القنّاد (١) يقول : خلق الله سبحانه الملائكة للقدرة ، وخلق الأشياء للعبرة (٢) ، وخلقك للمحبة له ، ومن العلماء من لم يصرّح القول بذلك ولكنه قال : نبّه الله سبحانه في غير موضع من كتبه المنزلة أنّه خلقهم لخطر عظيم مغيّب عنهم لا يجلّيه حتى يحلّ بهم ما خلقهم له ، وهذا معنى قوله سبحانه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) الآية.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدّثنا داود بن رشيد ، وأخبرني محمد بن القاسم قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن مريس (٣) قال : حدّثنا الحسن بن سفيان قال : حدّثنا هشام ابن عمار قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن حنش (٤) ابن عبد الله الصنعاني عن عبد الله بن مسعود أنّه مرّ بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) حتى ختم السورة فبرئ ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ماذا قرأت في أذنه؟» فأخبره فقال : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلا موقنا قرأها على جبل لزال» (٥) [١٨].

ثمّ نزّه نفسه سبحانه عمّا وصفه به المشركون من اتخاذ الأنداد والأولاد ، ونسبه إليه الملحدون من السفه والعبث فقال عزّ من قائل (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) يعني الحسن العظيم (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) قال أهل المعاني : فيه إضمار ، مجازه : فلا برهان له به (فَإِنَّما حِسابُهُ) جزاؤه (عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

__________________

(١) في النسخة الثانية (أصفهان) : العبّاد.

(٢) في النسخة الثانية : للغرّة.

(٣) في النسخة الثانية : قريش.

(٤) في النسخة الثانية : جيش.

(٥) تفسير القرطبي : ١٢ / ١٥٧.

٦١

سورة النور

مدنيّة ، وهي خمسة آلاف وستمائة وثمانون حرفا ،

وألف وثلاثمائة وست عشرة كلمة ، وأربع وستّون آية

أخبرنا [أبو الحسين] الخبازي قال : حدّثنا ابن حبان قال : أخبرنا محمد بن علي الفرقدي قال : حدّثنا إسماعيل بن عمرو قال : حدّثنا يوسف بن عطيّة قال : حدّثنا هارون بن كثير قال : حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ مؤمن فيما مضى وفيما بقي» (١) [١٩].

وأخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الكرابيسي قال : حدّثنا سلمان بن توبة أبو داود الأنصاري قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم الشامي قال : حدّثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها وعن أبيها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تنزلوا النساء الغرف ، ولا تعلّموهن الكتابة ، وعلّموهن المغزل ، وسورة النور» (٢).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠))

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ٧ / ٢١٦.

(٢) زاد المسير لابن الجوزي : ٥ / ٣٣٩.

٦٢

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها) قراءة العامة بالرفع : هذه سورة لأنّ العرب لا تبتدئ بالنكرة ، هذا قول الخليل ، وقال الأخفش : (سُورَةٌ) ابتداء وخبره في (أَنْزَلْناها) ، وقرأ طلحة بن مصرف (١) : سُورَةً بالنصب على معنى أنزلنا سورة ، والكناية صلة زائدة ، وقيل : اتّبعوا سورة أنزلناها (وَفَرَضْناها) أي أوجبنا ما فيها من الأحكام ، وقرأ الحسن ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو : وفرّضناها بالتشديد أي فصّلناها وبيّنّاها ، وقيل : هو من الفرض والتشديد على التكثير أي جعلناها فرائض مختلفة ، وأوجبناها عليكم وعلى من بعدكم إلى قيام الساعة ، وتصديق التخفيف قوله سبحانه (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) (٢).

(وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) إذا كانا حرّين بالغين بكرين غير محصنين (فَاجْلِدُوا) فاضربوا (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) رحمة ورقّة.

قال الأخفش : رحمة في توجّع وفيها ثلاث لغات : (رَأْفَةٌ) ساكنة الهمز وقد تخفف الهمزة ، وهي قراءة العامة ، ورَأَفَةٌ بفتح الهمزة ، ورَآفَةٌ مهموزة ممدودة مثل الكتابة ، وهما قراءة أهل مكة مثل الشناة والشنآة (٣) ، وقيل : القصر على الاسم والمدّ بمعنى المصدر مثل صؤل صآلة ، وقبح قباحة ، ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لأنّ العرب لا تجمع بين أكثر من ثلاث فتحات.

واختلف العلماء في معنى الآية فقال قوم : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) فتعطّلوا الحدود ولا تقيموها.

روى المعمّر عن عمران قال : قلت لأبي مخلد في هذه الآية : والله إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل أو تقطع يده فقال : إنّما ذاك أنّه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم عليهم الحدّ ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي وابن زيد وسليمان بن يسار ، يدلّ عليه من الآية أنّ الله سبحانه وتعالى أمر بالجلد ، وهو ضرب الجلد كالرأس لضرب الرأس فذكر الضرب بلفظ الجلد لئلّا ينكأ (٤) ولا يبرح ولا تبلغ به اللحم.

وروى ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عبد الله أنّ عبد الله بن عمر جلد جارية له فقال للجالد : اجلد ظهرها ورجليها وأسفلها وخفّفها ، قلت : فأين قول الله سبحانه (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ)؟

__________________

(١) في النسخة الثانية : مضرف

(٢) القصص : ٨٥.

(٣) في النسخة الثانية : النشأة والنشآة.

(٤) في النسخة الثانية : يشدخ.

٦٣

قال : أفأقتلها؟ إنّ الله أمرني أن أضربها وأؤدّبها ولم يأمرني أن أقتلها.

وقال الآخرون : بل معناها (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضربا ، وهو قول سعيد بن المسيّب والحسن.

قال الزهري : يجتهد في حدّ الزنا والفرية ويخفّف في حدّ الشراب.

وقال قتادة : يخفّف في حدّ الشراب والفرية ويجتهد في الزنا.

وقال حمّاد : يحدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما ، وأمّا الزاني فيخلع ثيابه ، وتلا هذه الآية.

(فِي دِينِ اللهِ) أي في حكم الله نظيره قوله سبحانه (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) (١).

(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) وليحضر حدّيهما إذا أقيم عليهما (طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) اختلفوا في مبلغ عدد الطائفة فقال النخعي ومجاهد : أقلّه رجل واحد فما فوقه ، واحتجّا بقوله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (٢) الآية. عطاء وعكرمة : رجلان فصاعدا ، الزهري : ثلاثة فصاعدا ، ابن زيد : أربعة بعدد من يقبل شهادته على الزنى ، قتادة : نفر من المسلمين.

روى حفص بن غياث عن أشعث عن أبيه قال : أتيت أبا برزة الأسلمي في حاجة وقد أخرج جارية له إلى باب الدار وقد زنت وولدت من الزنا ، فألقى عليها ثوبا وأمر ابنه أن يضربها خمسين ضربا غير مبرح ، ودعا جماعة ثم قرأ (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو علي بن حنش (٣) المقري قال : حدّثنا محمد بن أحمد ابن عثمان قال : حدّثنا إبراهيم بن نصره قال : حدّثنا مسدّد قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا يونس بن عبيد عن حريز بن يزيد البجلي عن أبي زرعة عن عمرو بن حريز عن أبي هريرة قال : إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة.

وأخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قال : حدّثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد ابن عدي قال : أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال : أخبرني محمد بن شعيب قال : أخبرني معاوية بن يحيى عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة عن حذيفة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «يا معشر الناس اتقوا الزنى فإنّ فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ،

__________________

(١) سورة يوسف : ٧٦.

(٢) سورة الحجرات : ٩.

(٣) في النسخة الثانية : حبش وهو الموافق لكتب الرجال.

٦٤

فأمّا اللاتي في الدنيا فيذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر ، وأمّا اللاتي في الآخرة فيوجب السخطة وسوء الحساب (١) والخلود في النار» (٢).

وأخبرنا أبو طاهر بن خزيمة قرأه عليه في شهور سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن مسلم قال : حدّثنا عطية بن بقية قال : حدّثنا أبي قال : حدّثني عبّاد بن كثير عن عمران القصير عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ أعمال أمتي تعرض علىّ في كلّ جمعة مرّتين فاشتدّ غضب الله على الزناة (٣).

وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا إبراهيم بن يزيد (٤) الحرّاني قال : حدّثنا المغيرة ابن سقلاب قال : حدّثنا النضر بن عدي عن وهب بن منبه قال : مكتوب في التوراة : الزاني لا يموت حتى يفتقر ، والقوّاد لا يموت حتى يعمى.

(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية.

اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها فقال قوم : قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء كثير ليست لهم أموال ولا عشائر ولا أهلون ، وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب في كسبهن ناس من فقراء المسلمين فقالوا : إنّا لو تزوّجنا منهن فعشنا معهن إلى يوم يغنينا الله سبحانه عنهن ، فاستأذنوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك فنزلت هذه الآية وحرّم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك ، وأخبر سبحانه وتعالى أنّ الزانية إنّما ينكحها الزاني والمشرك لأنهنّ كنّ زانيات مشركات ، والآية وإن كان ظاهرها خبر فمجازها ينبغي أن يكون كذا كقوله (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٥) وقوله سبحانه وتعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٦) يعني ينبغي أن تكون كذلك ، وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والقاسم بن أبي برزه والشعبي وأبي حمزة الثمالي ورواية العوفي عن ابن عباس.

وقال عكرمة : نزلت في نساء بغايا متعالمات بمكة والمدينة وكنّ كثيرات ومنهن تسع صواحب رايات ، لهن رايات كرايات البيطار يعرفن بها : أمّ مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وأم عليط جارية صفوان بن أميّة ، وحنّة القبطية جارية العاص بن وائل ،

__________________

(١) في النسخة الثانية زيادة : محمد بن الفضل بن محمد.

(٢) كنز العمّال : ٥ / ٣١٩.

(٣) تفسير القرطبي : ١٢ / ١٦٧.

(٤) في النسخة الثانية : وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه عن أبي علي بن حبيش المقري عن محمد بن أحمد بن هارون بسرّ من رأى ، قال أبو بكر محمد بن يعقوب الدينوري ، حدثني إبراهيم بن زيد.

(٥) سورة آل عمران : ٩٧.

(٦) العنكبوت : ٤٥.

٦٥

ومرية جارية مالك بن عميلة بن السباق ، وحلالة جارية سهيل بن عمرو ، وأم سويد جارية عمرو ابن عثمان المخزومي ، وسريفة جارية زمعة بن الأسود ، وفرسة جارية هشام بن ربيعة بن حبيب ابن حذيفة ، وقرينة جارية هلال بن أنس بن جابر بن نمر ، وكانت بيوتهن تسمى المواخير في الجاهلية ، لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلّا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكله ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، واستأذن رجل من المسلمين نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نكاح أم مهزول اشترطت له ان تنفق عليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية ونهى المؤمنين عن ذلك وحرّمه عليهم.

وقال عمرو بن شعيب : نزلت في مرثد الغنوي وعناق ، وكان مرثد رجلا شديدا وكان يقال له دلدل وكان يأتي مكة فيحتمل ضعفه المسلمين الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانت عناق صديقته في الجاهلية ، فلمّا أتى مكة دعته عناق الى نفسها فقال مرثد : إنّ الله حرّم الزنا قالت : فأنكحني فقال : حتى أسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك فسأله عنه فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وقد مضت القصة في سورة البقرة.

وقال آخرون : أراد بالنكاح هاهنا الجماع ومعنى الآية الزاني لا يزني إلّا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلّا زان أو مشرك ، وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وعبد الرّحمن بن زيد ورواية الوالبي عن ابن عباس ، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني قال : أخبرني محمد بن عمران قال : حدّثنا سعيد بن عبد الرّحمن ومحمد بن عبد الله المقري قالا : حدّثنا عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) قال : ليس هذا بالنكاح ولكنه الجماع ، لا يزني بها إلّا زان أو مشرك ، فكنّى.

وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو علي بن حبش قال : حدّثني الحسن بن علي بن زكريا قال : حدّثنا الحسن بن علي بن راشد قال : قال لنا يزيد بن هارون : هذا عندي إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك ، وإن جامعها وهو محرم فهو زان.

وقال بعضهم : كان هذا حكم الله في كلّ زان وزانية حتى نسختها الآية التي بعدها (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (١) فأحلّ نكاح كل مسلمة وكل مسلم ، وهو قول سعيد بن المسيّب أخبرنيه ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شيبة قال : حدّثنا الفريابي قال : حدّثنا قتيبة قال : حدّثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنّه قال : يزعمون أن تلك الآية (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) نسخت بالآية التي بعدها (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) فدخلت الزانية في أيامى المسلمين.

__________________

(١) سورة النور : ٣٢.

٦٦

وقال الحسن : معناها المجلود لا ينكح إلّا مجلودة.

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي يشتمون المسلمات (١) الحرائر العفائف فيقذفونهن بالزنى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا) على ما رموهن به (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) عدول يشهدون عليهنّ أنهم رأوهنّ يفعلن ذلك (فَاجْلِدُوهُمْ) يعني القاذفين اضربوا كلّ واحد منهم (ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).

ثمّ استثنى فقال عزّ من قائل (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) واختلف العلماء في حكم هذا الاستثناء فقال قوم : هو استثناء من قوله (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) وقالوا : إذا تاب القاذف قبلت شهادته وزال عنه اسم الفسق وعادت ولايته حد فيه أو لم يحدّ ، وهذا قول الشعبي ومسروق وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيب وعبد الله بن عتبة والضحّاك ، وهو قول أهل الحجاز وإليه ذهب الشافعي. واختلفوا في كيفيّة توبته ، فقال بعضهم : هو ان يرجع عن قوله ويكذّب نفسه ، وقال آخرون : هي الندم على ما سلف والاستغفار منه وترك العود فيما بقي ، فإذا أقيم عليه الحدّ أو عفا المقذوف عنه سقط الحد ، وذلك أن القذف حق للمقذوف كالقصاص والجنايات وبالعفو تسقط فإذا عفا عنه فلم يطالبه بالحد ، أو مات المقذوف قبل مطالبته بالحد ، أو لم يرفع إلى السلطان فلم يحدّ لأجل هذه ، أو حدّ ثم تاب وأصلح العمل قبلت شهادته وعادت ولايته ، يدلّ عليه ما روى ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه ضرب الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة وهم أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحرث بن كلّدة فحدّهم ثمّ قال لهم : من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل ، ومن لم يفعل لم أجز شهادته ، فأكذب شبل نفسه ونافع وتابا ، وأبى أبو بكرة أن يفعل فكان لا تقبل شهادته.

وروى ابن جريج عن عمران بن موسى قال : شهدت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل.

وقال آخرون : هذا الاستثناء راجع الى قوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) فأمّا قوله (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً) فقد وصل بالأبد ولا يجوز قبولها أبدا ، وهذا قول النخعي وشريح ورواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.

روى الأشعث عن الشعبي قال : جاء خصمان إلى شريح فجاء أحدهما بشاهد قد قطع زناد يده ورجله في قطع الطريق ثم تاب وأصلح ، فأجاز شريح شهادته فقال المشهود عليه : أتجيز شهادته عليّ وهو أقطع؟ فقال شريح : كلّ صاحب حدّ إذا أقيم عليه ثم تاب وأصلح فشهادته جائزة إلّا القاذف ، فإنّه قضاء من الله أن لا تقبل شهادته أبدا وإنّما توبته فيما بينه وبين الله.

__________________

(١) في النسخة الثانية زيادة : وقال الحسن : معنى.

٦٧

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) أي يقذفونهنّ بالزنا.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ) يشهدون على صحة ما قالوا.

(إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) قرأ أهل الكوفة أربع بالرفع على الابتداء والخبر ، وقرأ الباقون بالنصب على معنى أن يشهد أربع شهادات.

(وَالْخامِسَةُ) يعني والشهادة الخامسة ، قراءة العامة بالرفع على الابتداء وخبره في أن.

وقرأ حفص بالنصب على معنى ويشهد الشهادة الخامسة.

وقرأ نافع ويعقوب وأيوب : إن وأن خفيفتين ، لعنةُ وغضبُ مرفوعين ، وهي رواية المفضل عن عاصم ، وقرأ الباقون : بتشديد النونين وما بعدهما نصب.

(إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) ويدفع عن الزوجة الحد.

(أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ) يعني الزوج (لَمِنَ الْكاذِبِينَ).

(وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) قرأ نافع : غَضَبَ اللهُ مثل سمع الله على الفعل ، الباقون على الإسم.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) جواب لو لا محذوف يعني لعاجلكم بالعقوبة وفضحكم ولكنه ستر عليكم ورفع عنكم الحد باللعان حكمة منه ورحمة.

فأما سبب نزول الآية ، فروى عكرمة عن ابن عباس قال : لمّا نزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) الآية ، قال سعد بن عبادة : والله لو أتيت لكاع وقد تفخّذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركّه حتى آتي بأربعة شهداء! فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب ، فإن قلت ما رأيت ، إنّ في ظهري لثمانين جلدة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : «يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيّدكم»؟ قالوا : لا تلمه فإنه رجل غيور ، ما تزوج امرأة قط إلّا بكرا ولا طلّق امرأة له فاجترأ رجل منّا أن يتزوّجها.

فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله بأبي أنت وأمّي والله إنّي لأعرف أنّها من الله وأنّها حقّ ولكن عجبت من ذلك لما أخبرتك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإنّ الله يأبى إلّا ذاك» ، فقال : صدق الله ورسوله.

قال : فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أميّة من حديقة له ، فرأى رجلا مع امرأته يزني بها فأمسك حتى أصبح ، فلمّا أصبح غدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس مع

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٢٣٨.

٦٨

أصحابه فقال : يا رسول الله إنّي جئت أهلي عشاء فوجدت رجلا مع أهلي ، رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أتاه به وثقل عليه جدّا حتى عرف ذلك في وجهه.

فقال هلال : والله يا رسول الله إني لأرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به ، والله يعلم أني صادق وما قلت إلّا حقّا وإنّي لأرجو أن يجعل الله فرجا ، فهمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضربه.

قال : واجتمعت الأنصار فقالوا : ابتلينا بما قال سعد ، أيجلد هلال وتبطل شهادته؟ فإنّهم لكذلك ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أنّ الوحي قد نزل حتى فرغ ، فأنزل الله سبحانه (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى آخر الآيات.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبشر يا هلال فإنّ الله قد جعل لك فرجا» ، فقال : قد كنت أرجو بذلك من الله تعالى.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرسلوا إليها» ، فجاءت فلمّا اجتمعا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل لها ، فكذّبت.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب؟».

فقال هلال : يا رسول الله بأبي وأمّي لقد صدقت وما قلت إلّا حقّا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لاعنوا بينهما» ، فقيل لهلال : اشهد ، فشهد (أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، فقيل له عند الخامسة : يا هلال اتّق الله فإنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة (١) ، فقال هلال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فشهد الخامسة (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ).

ثم قال للمرأة : اشهدي فشهدت (٢) الخامسة (أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، ففرّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها ، ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن جاءت به كذا وكذا] فهو لزوجها ، وإن جاءت به كذا وكذا] فهو للذي قيل فيه» [٢٠] (٣).

__________________

(١) في النسخة الثانية زيادة : وأن عذاب الله أشد من عذاب الناس ، وإن هذه الخامسة هي الموجبة التي توجب عليك العذاب.

(٢) في النسخة الثانية زيادة : (أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ، فقال لها عند الخامسة ووفقها : اتقي الله فإن في الخامسة موجبة ، وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس فتلكّأت ساعة وهمت بالاعتراف ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي فشهدت.

(٣) تفسير الطبري : ١٨ / ١٠٨ وما بين معكوفين منه وهو موافق لما في النسخة الثانية (أصفهان)

٦٩

قال : فجاءت به غلاما كأنه حمل أورق على الشبه المكروه ، وكان بعد أميرا بمصر لا يدرى من أبوه.

وأخبرنا محمد بن عبدوس قال : أخبرنا محمد بن الحسن قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : أخبرنا القاسم بن سلام قال : حدّثنا هيثم عن يونس بن عبيد عن الحسن قال : لمّا نزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) الآية ، قال سعد بن عبادة : يا رسول الله أرأيت إن رأى رجل مع امرأته رجلا فقتله يقتلونه ، وإن أخبر بما رأى جلد ثمانين أفلا يضربه بالسيف؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كفى بالسيف شا ... ، قال : أراد أن يقول شاهدا ثمّ أمسك وقال : لو لا ان يتتابع فيه الغيران والسكران ، وذكر الحديث (١).

وقال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل : لمّا نزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) الآية ، قرأها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال : جعلني الله فداك إن رأى رجل منّا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين وسمّاه المسلمون فاسقا ولا تقبل شهادته أبدا ، فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل قد فرغ من حاجته ومرّ؟ وكان لعاصم هذا ابن عم له يقال له عويمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن فأتى عويمر عاصما فقال : لقد رأيت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة ، فاسترجع عاصم وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجمعة الأخرى فقال : يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذي سألت في الجمعة الماضية في أهل بيتي! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وما ذاك؟ قال : أخبرني عويمر ابن عمّي أنه رأى شريك ابن السحماء على بطن امرأته خولة ، وكان عويمر وخولة شريك كلّهم بني عم عاصم ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهم جميعا فقال لعويمر : «اتق الله في زوجتك وخليلتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان ، فقال : يا رسول الله أقسم بالله إني رأيت شريكا على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وانها حبلى من غيري.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمرأة : «اتقي الله ولا تخبري إلّا بما صنعت» ، فقالت : يا رسول الله إنّ عويمرا رجل غيور ، وإنه رآني وشريكا نطيل السمر ونتحدث فحملته الغيرة على ما قال.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لشريك : «ما تقول»؟ قال : ما تقوله المرأة ، فأنزل الله سبحانه (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) الآية ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نودي : الصلاة جامعة ، فصلّى العصر ثمّ قال لعويمر : قم فقام فقال : أشهد بالله إنّ خولة لزانية وإنّي لمن الصادقين ، ثمّ قال في الرابعة : أشهد بالله إنّي ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنّي لمن الصادقين ثمّ قال في الخامسة : لعنة الله على عويمر ـ يعني نفسه ـ (إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فيما قال.

__________________

(١) المصنّف : ٩ / ٤٣٤.

٧٠

ثمّ أمره بالقعود وقال لخولة : قومي فقامت فقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية وإنّ عويمرا (لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ، ثمّ قالت في الثانية : أشهد بالله إنه ما رأى شريكا على بطني و (إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ، ثمّ قالت في الثالثة : أشهد بالله إني حبلى منه و (إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ، ثمّ قالت في الرابعة : أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة و (إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ، ثمّ قالت في الخامسة : (غَضَبَ اللهِ) على خولة ـ تعني نفسها ـ (إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، ففرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما وقال : «لو لا هذه الأيمان لكان لي في أمرهما رأي ، ثمّ قال : تحيّنوا بها الولادة فإن جاءت بأصيهب أثيبج يضرب إلى السواد فهو لشريك بن السحماء ، وإن جاءت بأورق جعد حمش حدلج الساقين فهو لغير الذي رميت به» [٢١].

قال ابن عباس : فجاءت بأشبه خلق الله بشريك (١).

ذكر حكم الآية

إذا قذف الرجل زوجته بالزنا لزمه الحدّ وله التخلّص منه بإقامة البيّنة على زناها أو باللعان ، فإن أقام البيّنة حقّق الزنا ولزمها الحدّ ، وان التعن حقّق عليها الزنا ولها التخلص منه باللعان ، فإن التعنت وإلّا لزمها الحدّ ، وللزوج ان يلتعن سواء كان متمكّنا من البيّنة أو غير متمكّن منها ، ويصح اللعان من كلّ زوج مكلّف حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، فكلّ من صحّت يمينه صحّ قذفه ولعانه.

وقال أهل العراق : اللعان بين كلّ حرّين بالغين ولا يصحّ اللعان إلّا عند الحاكم أو خليفته ، فإذا لاعن بينهما غلّظ عليهما بأربعة أشياء عدد الألفاظ ، والمكان ، والوقت ، وجمع الناس.

فأمّا اللفظ فأربع شهادات والخامسة ذكر اللعنة للرجل وذكر الغضب للمرأة ، وقد مضت كيفية ذلك ، وأمّا المكان فإنه يقصد أشرف البقاع بالبلدان إن كان بمكة فعند الركن والمقام ، وإن كان بالمدينة فعند المنبر ، وإن كان ببيت المقدس ففي مسجدها ، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها ، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه ، إن كانا يهوديين بالكنيسة وإن كانا نصرانيين فبالبيعة ، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار ، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه.

وأما الوقت ، فإنّه بعد صلاة العصر. وأمّا العدد ، فيحتاج أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا ، فاللفظ وجمع الناس مشروطان ، والمكان والزمان مستحبّان ، فإذا تلاعنا تعلّق باللعان

__________________

(١) سنن ابن ماجة بتفاوت : ١ / ٦٦٨ ، ح / ٢٠٦٧.

٧١

أربعة أحكام : سقوط الحدّ ، ونفي الولد ، وزوال الفراش ، ووقوع التحريم المؤبّد ، وكلّ هذا يتعلّق بلعان الزوج ، فأمّا لعان المرأة فإنه يسقط به الحدّ فقط ، فإن أكذب الرجل نفسه فإنه يعود ما عليه ولا يعود ماله في الحدّ والنسب عليه فيعودان. وأما التحريم والفراش فإنهما له فلا يعودان ، وفرقة اللعان هي فسخ لأنه جاء بفعل من قبل المرأة.

وقال أبو حنيفة وسفيان : اللعان تطليقة بائنة لأنه من قبل الرجل بدءا ، والله أعلم.

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠))

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) الآية.

ذكر سبب نزول هذه الآيات وقصة الإفك.

أخبرنا (١) أبو نعيم عبد الملك بن الحسن بن محمد بن إسحاق المهرجان بقراءتي عليه فأقرّ به قال : أخبرنا أبو عوانة سنة ست عشرة وثلاثمائة قال : حدّثنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا عبد الرزاق وأخبرنا أبو نعيم قال : أخبرنا أبو عوانة قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني قال : قرأنا على عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرّأها الله وكلّهم ، حدّثني بطائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى له من بعض ، وقد وعيت عن كلّ واحد الحديث الذي حدّثني ، وبعض حديثهم يصدّق بعضا ، ذكروا أنّ عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي‌الله‌عنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معه.

قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) مسند أحمد : ٦ / ١٩٧.

٧٢

وذلك بعد ما أنزل الله سبحانه الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل منه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوه وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتّى جاوزت الجيش ، فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ، وهم يحسبون أنّي فيه.

قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهنّ اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ، وكنت جارية حديثة السنّ فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيمّمت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطّل السلمي ثمّ الذكواني قد عرّس من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني ، وقد كان رآني قبل أن يضرب عليّ الحجاب فما استيقظت إلّا باسترجاعه حين عرفني ، فخمّرت وجهي بجلبابي ، فو الله ما كلّمني كلمة عند استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطيت على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان (الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) عبد الله بن أبي سلول فقدمت المدينة فاشتكيت من شدّة الحر (١) حين قدمتها شهرا والناس يخوضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أن لا أعرف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسلّم ثمّ يقول : كيف تيكم؟ ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو مبترزنا فلا نخرج إلّا ليلا الى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول التنزّه ، وكنّا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي عاتكة بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمّها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصدّيق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح فقلت لها : بئس ما قلت ، تسبّين رجلا شهد بدرا قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟.

قالت : قلت : وما ذي؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلمّا ، رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّم ثمّ قال : «كيف تيكم؟» قلت : أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت : وأنا أريد حينئذ أن أتيقّن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجئت أبويّ فقلت لأمّي : يا أمّه ماذا يتحدّث الناس؟.

__________________

(١) في النسخة الثانية زيادة : فقدمت المدينة فاشتكيت.

٧٣

فقالت : أي بنيّة هوّني عليك ، فو الله لقلّ ما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلّا أكثرن عليها ، قلت : سبحان الله أوقد تحدّث الناس بهذا؟ قالت : نعم ، قالت : فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثمّ أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علىّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي واستشارهما في فراق أهله.

فأمّا أسامة فأشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الودّ ، فقال : يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا ، وأمّا علىّ فقال : لم يضيّق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك.

قالت : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بريرة فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من أمر عائشة؟ فقالت له بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن (١) فيأكله.

قالت : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول قال وهو على المنبر : «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» [٢٢].

فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أعذرك يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.

قالت : فقال سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحميّة فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ، فقال سعد : والله لنقتله فإنك منافق تجادل عن المنافقين.

قالت : فثار الأوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.

قالت : ومكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي.

قالت : فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّم ثمّ جلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني ، قالت : فتشهّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جلس ثمّ قال : أما بعد يا عائشة فإنّه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك

__________________

(١) دواجن البيوت ما ألفها من الطير والشاة ، ودجن في بيته إذا لزمه.

٧٤

الله سبحانه ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بالذنب ثمّ تاب تاب الله عليه.

قالت : فلمّا قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عنّي رسول الله قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت لأمّي : أجيبي عنّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا الأمر حتّى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة والله سبحانه وتعالى يعلم أني بريئة (١) لتصدقونني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف وما أحفظ اسمه : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ).

قالت : ثمّ تحوّلت واضطجعت على فراشي ، وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة وأن الله سبحانه مبرّئي ببراءتي ولكن ، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم رؤيا يبرّئني الله بها.

قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله سبحانه على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى أنّه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل الوحي الذي أنزل عليه.

قالت : فلمّا سرّي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يضحك ، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال : «أبشري يا عائشة أما والله فقد برّاك» [٢٣] فقالت لي أمّي : قومي إليه فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلّا الله سبحانه هو الذي أنزل براءتي.

قالت : فأنزل الله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) عشر آيات وأنزل الله سبحانه هذه الآية لبراءتي.

قالت : فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ، فأنزل الله سبحانه (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى قوله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (٢).

فقال أبو بكر رضى الله عنه : والله إني لأحبّ أن يغفر الله لي ، فرجع الى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا.

__________________

(١) في نسخة أصفهان زيادة : لا فضل قوي بذلك ولئن اعترفت لكم بذنبي والله يعلم إني لبريئة.

(٢) النور : ٢٢.

٧٥

قالت عائشة رضي‌الله‌عنها : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما علمت أو ما رأيت؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلّا خيرا.

قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعصمها الله سبحانه وتعالى بالورع ، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك.

قال الزهري : فهذا ما انتهى إلينا من هؤلاء الرهط.

وأخبرنا أبو نعيم قال : أخبرنا أبو عوانة قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة ومحمد بن حرب المديني بالفسطاط قالا : حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدّثني أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها ، قال أبو أويس : وحدّثني أيضا عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن يسافر سفرا أقرع بين أزواجه فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه ، فخرج سهم عائشة في غزوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني المصطلق من خزاعة ، وذكر الحديث بطوله بمثل معناه.

وقال عروة في سؤال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بريرة عن عائشة قال : فانتهرها بعض أصحابه وقال : اصدقي رسول الله ، قال عروة : فعيب ذلك على من قاله ، فقالت : لا والله ما أعلم عليها إلّا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر ، ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنّك الله ، فعجب الناس من فقهها.

قال : وبلغ ذلك الذي قيل له فقال : سبحان الله ، والله ما كشفت كتف أنثى قط ، فقتل شهيدا في سبيل الله ، وزاد في آخره قالت : وقعد صفوان بن المعطل لحسّان بن ثابت فضربه ضربة بالسيف وقال حين ضربه :

تلقّ ذباب السيف عنّي فإنّني

غلام إذا هوجيت لست بشاعر (١)

ولكنني أحمي حماي وانتقم

من الباهت الرامي البراء الظواهر (٢)

وصاح حسان بن ثابت واستغاث بالناس على صفوان ، ففرّ صفوان وجاء حسّان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستعدى على صفوان في ضربته إياه فسأله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يهب له ضرب صفوان إياه فوهبها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعوّضه منها حائطا من نخل عظيم وجارية روميّة ، ثمّ باع حسان ذلك الحائط من معاوية بن أبي سفيان في ولايته بمال عظيم. قالت عائشة : فقيل في أصحاب الإفك أشعار.

قال أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه لمسطح في رميه عائشة رضى الله عنها وكان يدعى عوفا :

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٢ / ١٩٩ ، وتاريخ مدينة دمشق : ٤ / ٣٠٨. وفيه : ليس بشاعر.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٤ / ٣٠٨. والعبارة : واتقي.

٧٦

يا عوف ويحك هلّا قلت عارفة

من الكلام ولم تبغ به طمعا

فأدركتك حميا معشر أنف

ولم يكن قاطعا في عوف قطعا

لما رميت حصانا غير مقرفة

أمينة الجيب لم نعرف لها خضعا

فيمن رماها وكنتم معشرا إفكا

في سيّئ القول من لفظ الخنا شرعا

فأنزل الله عذرا في براءتها

وبين عوف وبين الله ما صنعا (١)

فان أعش أجز عوفا في مقالته

شرّ الجزاء بما ألفيته تبعا

وقال حسّان بن ثابت الأنصاري ثم النجاري وهو يبرّئ عائشة ممّا قيل فيها ويعتذر إليها :

حصان رزان ما يزن برتبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

حليلة خير الناس دينا ومنصبا

نبيّ الهدى والمكرمات الفواضل

عقيلة حي من لؤي بن غالب

كرام المساعي مجدها غير زايل

مهذبة قد طيّب الله خيمها

وطهّرها من كل شين وباطل

فان كان ما قد جاء عنّي قلته

فلا رفعت سوطي إليّ أناملي

وإنّ الذي قد قيل ليس بلائط

بك الدهر بل قول إمرئ غير ماحل

وكيف وودّي ما حييت ونصرتي

لآل رسول الله زين المحافل

له رتب عال على الناس فضلها

تقاصر عنها سورة المتطاول (٢)

قال : وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذين رموا عائشة فجلدوا الحدود جميعا ثمانين ، فقال حسّان بن ثابت :

لقد دان عبد الله ما كان أهله

وحمته إذ قالوا هجيرا ومسطح

تعاطوا برجم القول زوج نبيّهم

وسخطة ذا الرب الكريم فأبرحوا

وآذوا رسول الله فيها فعمموا

مخازي ذلّ جلّلوها وفضحوا (٣)

فهذا سبب نزول الآية وقصّتها. فأمّا التفسير فقوله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) بالكذب (عُصْبَةٌ) جماعة (مِنْكُمْ).

قال الفرّاء : العصبة ، الجماعة من الواحد إلى الأربعين.

(لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) يا عائشة وصفوان (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأنّ الله يأجركم على ذلك

__________________

(١) مجمع الزوائد ـ الهيثمي. : ٩ / ٢٣٥.

(٢) لسان العرب : ١٣ / ١٢٠. (٣) وما بعدها : المعجم الكبير ـ الطبراني : ٢٣ / ١١٧. وحمنه.

٧٧

ويظهر براءتكم (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) يعني من الذين جاءوا بالإفك (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) جزاء ما اجترح من الذنب والمعصية.

(وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) والذي تحمّل معظمه فبدا بالخوض فيه ، وقراءة العامة (كِبْرَهُ) : بكسر الكاف ، وقرأ خليل والأعرج ويعقوب الحضرمي بضم الكاف.

قال أبو عمرو بن العلاء : هو خطأ لأن الكبر بضم الكاف في الولاء والسن ، ومنه الحديث : الولاء للكبر ، وهو أكبر ولد الرجل من الذكورة وأقربهم إليه نسبا.

وقال الكسائي : هما لغتان مثل صفر وصفر ، واختلف المفسّرون في المعنيّ بقوله (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ).

فقال قوم : هو حسّان بن ثابت.

روى داود بن أبي هند عن عامر الشعبي أنّ عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسّان ، وما تمثلت به إلّا رجوت له الجنة ، قوله لأبي سفيان :

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فانّ أبي ووالدتي وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

أتشتمه ولست له بكفؤ

فشرّكما لخيركما الفداء

لساني صارم لا عيب فيه

وبحري لا تكدّره الدلاء (١)

فقيل : يا أم المؤمنين أليس الله يقول (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ).

قالت : أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره وكنع بالسيف.

وروى أبو الضحى عن مسروق قال : كنت عند عائشة فدخل حسّان بن ثابت فأمرت فألقي له وسادة ، فلمّا خرج قلت لعائشة : تدعين هذا الرجل يدخل عليك وقد قال ما قال ، وأنزل الله سبحانه فيه (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)؟.

فقالت : وأىّ عذاب أشد من العمى ، ولعلّ الله يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره ، وقالت : انه كان يدفع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال آخرون : بل هو عبد الله بن أبي سلول وأصحابه.

روى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة قالت في حديث الإفك : ثمّ ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملإ من المنافقين وكانت عادتهم أن ينزلوا منتبذين من الناس. فقال عبد الله بن

__________________

(١) جامع البيان للطبري : ١٨ / ١١٥.

٧٨

أبي رئيسهم : من هذه؟ قالوا : عائشة : قال : والله ما نجت منه ولا نجا منها ، وقال : امرأة نبيّكم باتت مع رجل حتى أصبحت ، ثمّ جاء يقودها ، وشرع في ذلك أيضا حسّان ومسطح وحمنة فهم الذين تولّوا كبره ، ثمّ فشا ذلك في الناس.

(لَوْ لا) هلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) بإخوانهم (خَيْراً).

قال الحسن : بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة ، نظيره قوله (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (١) وقوله (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٢).

قال بعض أهل المعاني : تقدير الآية هلّا ظننتم كما ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا.

وقيل : أراد بأنفسهم أهاليهم وأزواجهم ، وقالوا : أراد بهذه الآية أبا أيوب الأنصاري وامرأته أم أيوب.

روى محمد بن إسحاق بن يسار عن رجاله أنّ أبا أيوب خالد بن يزيد قالت له امرأته أم أيّوب : يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟

قال : بلى وذلك الكذب أكنت ، فاعلة ذلك يا أم أيوب؟

قالت : لا والله ما كنت لأفعله. قال : فعائشة والله خير منك ، سبحان الله (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) ، فأنزل الله سبحانه (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ) الآيات ، أي كما فعل أبو أيوب وصاحبته وكما قالا.

وقوله (وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي كذب بيّن (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ) خضتم (فِيهِ) من الإفك (عَذابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) تأخذونه تروونه بعضكم عن بعض ، وقرأ [أبيّ وابن مسعود : إذ تتلقّونه بتاءين] (٣) ، وقرأت عائشة (٤) : تَلِقُونَهُ بكسر اللام وتخفيف القاف من الكذب ، والولق والألق والالق والليق الكذب.

قال الخليل : أصل الولق السرعة وأنشد :

جاءوا بأسراب من الشام ولق (٥)

__________________

(١) سورة النساء : ٢٩.

(٢) سورة النور : ٦١.

(٣) من التلقي.

(٤) هو في صحيح البخاري : ٥ / ٦١.

(٥) فتح القدير : ٤ / ١٣.

٧٩

أي تسرع ، يقال : ولق فلان في السير فهو يلق فيه إذا استمر وأسرع فيه ، فكان معنى قراءة عائشة : إذ تستمرّون في إفككم.

وقرأ محمد بن السميقع : إِذْ تُلْقُونَهُ من الإلقاء (١) ، نظيره ودليله قوله سبحانه (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) (٢) الآية.

(وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) وتظنّونه سهلا (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ) يحتمل التنزيه والتعجب.

(هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا) أي ينهاكم ويخوّفكم أن تعودوا وقيل : (يَعِظُكُمُ اللهُ) كيلا تعودوا (لِمِثْلِهِ) إلى مثله (أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ) بأمر عائشة وصفوان (حَكِيمٌ) حكم ببراءتها.

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ) تظهر وتفشو وتذيع (الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يعني عبد الله بن أبيّ بن سلول وأصحابه المنافقين.

(وَاللهُ يَعْلَمُ) كذبهم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) فيه إضمار لعاجلكم بالعقوبة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى) صلح وطهر من هذا الذنب ، وقرأ ابن محيص ويعقوب : زكّى بالتشديد أي طهّر ، دليلها قوله سبحانه وتعالى (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي) يطهّر (مَنْ يَشاءُ) من الإثم والذنب بالرحمة والمغفرة (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

__________________

(١) بضمّ التاء وسكون اللام وضمّ القاف عن تفسير القرطبي : ١٢ / ٢٠٤.

(٢) سورة النحل : ٣٦.

٨٠