الكشف والبيان - ج ٧

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٧

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وإطاعة الصلاة أن (تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)» [١٤٨] (١).

وروى أبو سفيان عن جابر قال : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل ، فقال : «إنّ صلاته لتردعه» [١٤٩] (٢).

وقال أنس بن مالك : كان فتى من الأنصار يصلي الصلاة (٣) مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلّا ركبه ، فوصف لرسول الله عليه‌السلام حاله ، فقال : «إنّ صلاته تنهاه يوما ما» (٤) ، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم أقل لكم إنّ صلاته تنهاه يوما ما» [١٥٠].

وقال ابن عون : معناه أنّ الصلاة تنهى صاحبها (عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) مادام فيها ، وقال أهل المعاني : ينبغي أن تنهاه صلاته كقوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٥).

(وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) اختلفوا في تأويله ، فقال قوم : معناه (وَلَذِكْرُ اللهِ) إياكم أفضل من ذكركم إياه ، وهو قول عبد الله وسلمان ومجاهد وعطية وعكرمة وسعيد بن جبير ، ورواية عبد الله بن ربيعة عن ابن عباس ، وقد روى ذلك مرفوعا : أخبرناه الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني ، قال : حدثني أحمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود البزكي ، قال : حدثنا الحسين اللهبني ، قال : حدثنا صالح بن عبد الله بن أبي فروة ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمّه موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في قول الله سبحانه : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال : «ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه» (٦) [١٥١].

قالت الحكماء : لأنّ ذكر الله سبحانه للعبد على حدّ الاستغناء ، وذكر العبد إياه على حدّ الافتقار ، ولأنّ ذكره دائم ، وذكر العبد مؤقت ، ولأنّ ذكر العبد بحد رفع أو دفع ضر ، وذكر الله سبحانه إياه للفضل والكرم. وقال ذو النون : لأنّك ذكرته بعد أن ذكرك ، وقال ابن عطاء : لأنّ ذكره لك بلا علة ، وذكرك مشوب بالعلل. أبو بكر الوراق : لأنّ ذكره تعالى للعبد أطلق لسانه بذكره له ، ولأنّ ذكر العبد مخلوق وذكره غير مخلوق. وقال أبو الدرداء وابن زيد وقتادة : معناه (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) مما سواه وهو أفضل من كل شيء.

__________________

(١) الدرّ المنثور : ٥ / ١٤٦.

(٢) تفسير مجمع البيان : ٨ / ٢٩.

(٣) في نسخة أصفهان : الصلوات.

(٤) تفسير القرطبي : ١٣ / ٣٤٨.

(٥) سورة آل عمران : ٩٧.

(٦) جامع البيان للطبري : ٢٠ / ١٩٠.

٢٨١

أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن محمد (١) الثقفي الحافظ قال : حدثنا أبو حذيفة أحمد بن محمد بن علي قال : حدثنا زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي ، قال : حدثنا عيسى بن يونس قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن جويبر عن الضحاك ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال : «ذكر الله على كل حال أحسن وأفضل ، والذكر أن نذكره عند ما حرم ، فندع ما حرم ونذكره عند ما أحل فنأخذ ما أحل» [١٥٢].

وأخبرني الحسين بن محمد (٢) قال : حدثنا ابن شنبه قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرباني قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي قال : سمعت موسى بن عبيدة الزيدي يحدث أبي عبد الله القراظ ، عن معاذ بن جبل قال : بينما نحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نسير بالدف من حمدان إذ استنبه ، فقال (٣) : «يا معاذ إن السابقين الذين يستهترون بذكر الله ، من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله سبحانه» [١٥٣] (٤).

قال إسحاق بن سليمان : سمعت حريز بن عثمان يحدث (٥) ، عن أبي بحرية ، عن معاذ بن جبل ، قال : ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله سبحانه ، قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : لا ولو ضرب بسيفه (٦) ، قال الله سبحانه : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ). وأخبرني الحسين بن محمد ، قال : حدثنا ابن شنبه ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرباني ، قال : حدثنا يحيى بن عمار المصيصي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي غريب ، عن كثير بن مرة الحضرمي ، قال : سمعت أبا الدرداء يقول : ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم وأحبها إلى مليككم وأتمها في درجاتكم ، وخير من أن تغزوا عدوكم فتضرب رقابكم وتضربون رقابهم ، وخير من إعطاء الدنانير والدراهم ، قالوا : وما هو يا أبا الدرداء؟ قال : ذكر الله ، قال الله سبحانه : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ).

وقيل لسلمان : أي العمل أفضل؟ قال : أما تقرأ القرآن (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) لا شيء أفضل من ذكر الله سبحانه.

وأنبأني عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا حميد بن داود ،

__________________

(١) في نسخة أصفهان : الحسين بن محمد الثقفي.

(٢) في نسخة أصفهان : عن عبد الله بن محمد.

(٣) في نسخة أصفهان : فقال : يا معاذ أين السابقون؟ فقلت : قد مضوا وتخلف ناس ، فقال : يا معاذ إن السابقين ... إلخ.

(٤) المصنّف لابن أبي شيبة : ٧ / ٧٢ ، والدر المنثور : ٥ / ٢٠٥.

(٥) في سير أعلام النبلاء (١ / ٤٥٥) عن المشيخة عن أبي بحرية.

(٦) في المعجم الأوسط (٣ / ٥) عن جابر رفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي ذيله : إلا أن تضرب بسيفك.

٢٨٢

قال : حدثني يزيد بن خالد قال : حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير ابن هبير (١) ، عن مالك بن عامر ، عن معاذ بن جبل قال : سألت رسول الله «: أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله» [١٥٤] (٢).

وأنبأني عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا سلمة بن محمد ابن أحمد بن مجاشع الباهلي ، قال : حدثنا خالد بن يزيد العمري ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عطاء بن قرة ، عن عبد الله بن ضمرة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ، إلّا ذكر الله عزوجل وما والاه أو عالم أو متعلم» [١٥٥] (٣).

قالت الحكماء : وإنّما (٤) كان الذكر أفضل الأشياء لأنّ ثواب الذكر الذكر ، قال الله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٥) ويؤيد هذا ما

أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي بن عبدان ، قال : حدثنا عبد الله بن هشام ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله عزوجل : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا ، وإن اقترب إلي ذراعا اقترب إليه باعا ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» [١٥٦] (٦).

وأخبرنا عبد الله ، قال : أخبرنا علي ، قال : أخبرنا عبد الله بن هاشم ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الأعز أبي مسلم ، قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد إنّهما شهدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّه قال : «ما جلس قوم يذكرون الله سبحانه إلّا حفّت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم (٧) فيمن عنده» [١٥٧] (٨).

وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدثنا ابن شيبة ، قال : حدّثنا الفرباني ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شنبه ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك (وَلَذِكْرُ اللهِ

__________________

(١) في نسخة أصفهان : نقير.

(٢) كنز العمّال : ١ / ٤١٤ ، ح ١٧٥٢.

(٣) فتح القدير : ١ / ٨ ، وكنز العمّال : ٣ / ١٨٥ ، ح ٦٠٨٥.

(٤) في نسخة أصفهان : فإنّما.

(٥) سورة البقرة : ١٥٢.

(٦) مسند أحمد : ٢ / ٤١٣.

(٧) في نسخة أصفهان : وذكر الله.

(٨) مسند أحمد : ٣ / ٤٩.

٢٨٣

أَكْبَرُ) قال : ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة. ابن عون : معناه : الصلاة التي أنت فيها وذكرك الله فيها أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر ، وقال ابن عطاء : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) من أن تبقى معه بالمعصية.

(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ).

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) الجدال : فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج فيه ، وأصله شدة الفتل ومنه قيل للصقر : أجدل لشدة فتل بدنه وقوة خلقه ، وقيل : الجدال من الجدالة وهو أن يروم كل واحد من الخصمين قهر صاحبه وصرعه على الجدالة وهي الأرض.

(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ألطف وأرفق ، وهو الجميل من القول والدعاء إلى الله والبينة على آيات الله وحججه.

(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) قال مجاهد : يعني إن قالوا شرا فقولوا خيرا (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب ، فأولئك انتصروا منهم وجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يقرّوا بالجزية. قال سعيد بن جبير : هم أهل الحرب من لا عهد لهم فجادلوهم بالسيف. ابن زيد : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم.

ومجاز الآية : إلّا الذين ظلموكم لأنّ جميعهم ظالم. وقال قتادة ومقاتل : هذه الآية منسوخة بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (١) ... الآية.

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٩.

٢٨٤

(وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني ابن أبي نملة الأنصاري : إنّ أبا نملة أخبره واسمه [عمّار] (١) إنّه بينما هو عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس جاءه رجل من اليهود ومر بجنازة.

فقال : يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله أعلم» ، فقال اليهودي : إنّها تتكلم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله ، فإن كان باطلا لم تصدقوهم وإن كان حقا لم تكذبوهم» [١٥٨] (٢).

وروى أبو سلمة عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ، فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) ... الآية» [١٥٩] (٣).

وروى سفيان ومسعود ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عطاء بن يسار قال : بينما رجل من أهل الكتاب يحدث أصحابه وهم يسبّحون كلما ذكر شيئا من أمرهم ، قال : فأتوا رسول الله عليه‌السلام فأخبروه ، فقال : «لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ولكن (قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) (٤) [١٦٠].

(وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وَكَذلِكَ) أي وكما أنزلنا الكتاب عليهم.

(أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) يعني مؤمني أهل الكتاب ـ عبد الله بن سلام وأصحابه.

(وَمِنْ) (٥) (هؤُلاءِ) الذين هم بين ظهرانيك اليوم من يؤمن به (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) قال قتادة : إنّما يكون الجحود بعد المعرفة.

(وَما كُنْتَ تَتْلُوا) يا محمد (مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل هذا الكتاب الذي أنزلنا عليك (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ) تكتبه (بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) يعني : لو كنت تكتب أو تقرأ الكتب

__________________

(١) في اسد الغابة (٥ / ٣١٣ عمار بن معان بن زرارة وقيل : عمر.

(٢) مسند أحمد : ٤ / ١٣٦.

(٣) السنن الكبرى : ٦ / ٤٢٦.

(٤) الدرّ المنثور : ٥ / ١٤٧ ، جامع البيان للطبري : ٢١ / ٦.

(٥) في نسخة أصفهان : ومن هؤلاء يعني أهل مكة من يؤمن به وهم مؤمنوا أهل مكة ، وقال محمد بن جرير في (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ممن كان قبلك (يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ) ... إلخ.

٢٨٥

قبل الوحي إذا لشك المبطلون ـ أي المشركون ـ من أهل مكة وقالوا : هذا شيء تعلّمه محمد وكتبه ، قاله قتادة.

وقال مقاتل : (الْمُبْطِلُونَ) هم اليهود ، ومعنى الآية : إذا لشكّوا فيك واتهموك يا محمد ، وقالوا : إنّ الذي نجد نعته في التوراة هو أمي لا يقرأ ولا يكتب.

(بَلْ هُوَ) يعني القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ) عن الحسن ، وقال ابن عباس وقتادة : بل هو يعني محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والعلم بأنّه (١) أمي (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ) (٢) أهل العلم من أهل الكتاب يجدونها (٣) في كتبهم. ودليل هذا التأويل قراءة ابن مسعود وابن السميقع بل هي آيات.

(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ. وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) كما أنزل على الأنبياء قبلك ، قرأ ابن كثير والأعمش وحمزة والكسائي وخلف وأيوب وعاصم برواية أبي بكر آية على الواحد ، الباقون (آياتٌ) بالجمع واختاره أبو عبيد لقوله : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) حتى إذا شاء أرسلها ، وليست عندي ولا بيدي.

(وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) هذا جواب لقولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) ، وروى حجاج ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة أنّ أناسا من المسلمين أتوا نبي الله عليه‌السلام بكتب قد كتبوها فيها بعض ما يقول اليهود فلما أن نظر فيها ألقاها ثم قال : «كفى بها حماقة قوم ـ أو ضلالة قوم ـ أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم إلى قوم غيرهم» (٤) [١٦١] ، فنزلت (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) ... الآية.

(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) أني رسوله ، وأن هذا القرآن كتابه. (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) نزلت في النضر بن الحارث (٥) حين قال : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) وقال : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا).

(وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) في نزول العذاب ، وقال ابن عباس : يعني ما وعدتك أن لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة ، بيانه قوله : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) (٦) ... الآية ، وقال الضحاك : يعني مدة أعمارهم في الدنيا. وقيل : يوم بدر.

__________________

(١) في نسخة أصفهان : لأنه.

(٢) في نسخة أصفهان : الذين أوتوا العلم.

(٣) في نسخة ثانية : تجدونها في كتابهم.

(٤) جامع البيان للطبري : ٢١ / ١٠.

(٥) في نسخة أصفهان : الحرث.

(٦) سورة القمر : ٤٦.

٢٨٦

(لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ) يعني العذاب وقيل : الأجل (بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) لا يبقى منهم أحد إلّا دخلها ، وقيل : هو متصل بقوله : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ) يصيبهم (الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يعني : إذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنّم.

(وَيَقُولُ) بالياء كوفي ونافع وأيوب ، غيرهم بالنون (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩))

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بإرسال الياء عراقي غير عاصم ، سائرهم بفتحها (إِنَّ أَرْضِي) مفتوحة الياء ابن عامر ، غيره ساكنة (واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) توحدون من غير طاعة مخلوق في معصيتي ، قال سعيد بن جبير : إذا عمل في أرض بالمعاصي ، فاهربوا (١) فإنّ أرضي واسعة (٢).

مجاهد : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) فهاجروا وجاهدوا ، وقال مقاتل والكلبي : نزلت في المستضعفين المؤمنين الذين كانوا بمكة لا يقدرون على إظهار الإيمان وعبادة الرحمن ، يحثهم على الهجرة ويقول لهم : إنّ أرض المدينة واسعة آمنة. وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير : (أَرْضِي واسِعَةٌ) أي رزقي لكم واسع ، أخرج من الأرض ما يكون بها.

__________________

(١) في نسخة أصفهان : فاخرجوا.

(٢) في نسخة أصفهان : عطاء : إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا منها فإنّ أرضي واسعة ، وراجع تفسير الطبري : ٢١ / ١٢.

٢٨٧

أخبرنا عبد الله بن حامد (١) ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان ، قال : حدثنا جيغويه ابن محمد الترمذي ، قال : حدثنا صالح بن محمد ، عن سليمان ، عن عباد بن منصور الناجي ، عن الحسين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما‌السلام» (٢) [١٦٢].

(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فلا تقيموا بدار المشركين.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) علالي ، قرأ حمزة والكسائي وخلف بالتاء ، غيرهم بالياء أي لينزلنّهم (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. وَكَأَيِّنْ) وكم (مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) وذلك

إنّ رسول الله عليه‌السلام قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون : «أخرجوا إلى المدينة وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة فيها» [١٦٣] (٣).

فقالوا : يا رسول الله كيف نخرج إلى المدينة ليس لنا بها دار ولا عقار ولا مال ، فمن يطعمنا بها ويسقينا؟ فأنزل الله سبحانه : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) ذات حاجة إلى غذاء لا تحمل رزقا فيرفعه لغذائها يعني الطير والبهائم.

(اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) يوما بيوم (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم : نخشى لفراق (٤) أوطننا العيلة.

(الْعَلِيمُ) بما في قلوبكم وما إليه صائرة أموركم.

أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الرقاق ، وقال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، قال : حدثنا إسماعيل بن زرارة الرقي ، قال : حدثنا أبو العطوف الجراح بن المنهال الجوزي (٥) ، عن الزهري ، عن عطاء بن أبي رياح ، عن ابن عمر قال : دخلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حائطا من حياطان (٦) الأنصار ، فجعل رسول الله عليه‌السلام يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : «كل يا ابن عمر» ، قلت : لا أشتهيها يا رسول الله ، قال : «لكنّي أشتهيه وهذه صبحة رابعة لم أزق طعاما ولم أجده».

فقلت (٧) : إنّا لله ، الله المستعان ، قال : «يا بن عمر لو سألت ربّي لأعطاني مثل ملك

__________________

(١) في نسخة أصفهان : عبد الله بن حامد الوزان.

(٢) تفسير القرطبي : ٥ / ٣٤٧.

(٣) تفسير القرطبي : ١٣ / ٣٦٠.

(٤) في نسخة أصفهان : بفراق.

(٥) في نسخة أصفهان : الجزري.

(٦) في المخطوط : حوائط.

(٧) في نسخة أصفهان : فقلت : يا رسول الله.

٢٨٨

كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ، ولكني أجوع يوما وأشبع يوما فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبّؤون رزق سنة ويضعف اليقين» (١) [١٦٤] ، فنزلت على رسول الله عليه‌السلام : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) ... الآية.

أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن حنيش ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا يحيى من معين ، حدثنا يحيى بن اليمان ، عن سفيان ، عن علي بن الأرقم (٢) (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) قال : لا تدخر شيئا لغد.

قال سفيان : ليس شيء مما خلق الله يخبّئ إلّا الإنسان والفأرة والنملة.

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) يعني الدائمة الباقية التي لا زوال لها ولا موت فيها. (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ولكنهم لا يعلمون ذلك.

(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) وخافوا الغرق والهلاك (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ. لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) ليجحدوا نعمه في إنجائه إياهم وسائر الآية (وَلِيَتَمَتَّعُوا) جزم لامه الأعمش وحمزة والكسائي وخلف وأيوب ، واختلف فيه عن عاصم ونافع وابن كثير ، الباقون بكسر اللام واختاره أبو عبيد (لِيَكْفُرُوا) لكون الكلام نسقا. ومن جزم احتج بقراءة أبي بن كعب يمتعوا. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).

أخبرني أبو محمد عبد الله بن حامد ـ فيما أذن لي روايته عنه ـ قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي سعيد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن أسكت ، قال : حدثنا عقال ، قال : حدثنا جعفر بن سلمان قال : حدثنا ملك بن دينار ، قال : سمعت أبو العالية قرأ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف يعلمون بالياء ، فالكسر على كي والجزم على التهديد.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ) بالأصنام (يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ) يعني الإيمان (يَكْفُرُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعموا أنّ لله شريكا ، وقالوا (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ، قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) (٣).

__________________

(١) الدرّ المنثور : ٥ / ١٤٩ ، تفسير القرطبي : ١٣ / ٣٥٩ ، وتفسير ابن كثير : ٣ / ٤٣٠ ، وبتفاوت في مجمع الزوائد : ١٠ / ٣٢١.

(٢) في نسخة أصفهان : الأقمر.

(٣) سورة الأعراف : ٢٨.

٢٨٩

(أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) بمحمد والقرآن (لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) منزل (لِلْكافِرِينَ. وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي والذين قاتلوا لأجلنا أعداءنا لنصرة ديننا لنثبتهم على ما قاتلوا عنه.

قال أبو سورة : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) في الغزو (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) سبيل الشهادة أو المغفرة.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا ابن شنبه ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن وهب ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغر فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).

وقال الفضيل بن عياض : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) في طلب العلم (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) سبل العمل به.

وأخبرني أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد ، قال : حدثني أبو الطيب محمد بن أحمد ابن حمدون ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحسين ، قال : حدثنا محمد بن إدريس ، قال : حدثنا أحمد بن أبي الجواري ، قال : قال أبو أحمد ـ يعني عباس الهمداني ـ وأبو سليمان الداراني في قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) قال : الذين يعملون بما يعلمون يهديهم ربّهم إلى ما لا يعلمون.

وعن عمر بن عبد العزيز إنّه تكلم بكلمات وعنده نفر من العلماء ، فقال له الوضين بن عطاء : بم أوتيت هذا العلم يا أبا مروان؟ قال : ويحك يا وضين إنّما قصر بنا من علم ما جهلنا بتقصيرنا في العمل بما علمنا ، ولو أنّا عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا.

وعن عبد الله بن الزبير قال : تقول الحكمة : من طلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين : أن يعمل بأحسن ما يعلمه ، أو يدع أسوأ ما يعلمه.

وروي عن ابن عباس : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) في طاعتنا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) سبل ثوابنا. ضحاك : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) بالهجرة (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) سبل الثبات على الإيمان ، وقيل : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) بالثبات على الإيمان (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) سبل دخول الجنان ، سهل بن عبد الله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) في إقامة السنّة (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) سبل الجنة ثم قال : مثل السنّة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى ، من دخل الجنة في العقبى سلم ، فكذلك من لزم السنّة في الدنيا سلم ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير مجازه : والذين هديناهم سبيلنا جاهدوا فينا (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) بالنصر والمعونة في دنياهم ، وبالثواب والمغفرة في عقباهم.

٢٩٠

سورة الروم

مكّية ، وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاثون حرفا ،

وثمانمائة وتسع عشرة كلمة ، وستّون آية

أخبرنا المغازي غير مرّة ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني ، وأبو الشيخ عبد الله بن أحمد الأصبهاني قالا : حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الكوفي ، قال : حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي ، قال : حدّثنا سلام بن سليمان المدائني ، قال : حدّثنا هارون بن كثير ، عن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن أبي أمامة ، عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلّى الله عليه : «من قرأ سورة الرّوم كان له من الأجر ، عشر حسنات بعدد كلّ ملك سبّح لله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيّع في يومه وليلته» [١٦٥] (١).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧))

قوله عزوجل : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) الآية.

قال المفسّرون : كانت في فارس امرأة لا تلد إلّا الملوك والأبطال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)! ، فدعاها كسرى فقال : إنّي أريد أن أبعث إلى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك فأشيري عليّ أيّهم أستعمل؟ فقالت : هذا فلان ، أروغ من ثعلب ، وأحذر من صقر (٢) ، وهذا فرخان أنفذ من سنان (٣) ، وهذا شهريراز (٤) هو أحلم من كذا ، فاستعمل أيّهم شئت. قال : فإنّي

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ٨ / ٤٢.

(٢) كتاب الأمثال : ١٠٧.

(٣) في تفسير القرطبي (١٤ / ٣) : فرخان أحد من سنان وأنفذ من نبل.

(٤) في التفاسير : شهربنان ، وفي تاريخ الطبري : شهر براز.

٢٩١

استعملت الحليم ، فاستعمل شهريراز ، فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرّب مدائنهم وقطع زيتونهم ، وكان قيصر بعث رجلا يدعى يحنس (١) وبعث كسرى شهريراذ فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم ، فبلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وأصحابه بمكّة فشقّ عليهم ، وكان النبيّ صلّى الله عليه يكره أن يظهر الأمّيّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم.

وفرح كفّار مكّة وشمتوا ولقوا أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إنّكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أمّيون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم. فإنّكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم.

فأنزل الله عزوجل : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) ... إلى آخر الآيات (٢).

فخرج الصّدّيق رضي‌الله‌عنه إلى الكفّار فقال : فرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرّن الله أعينكم ، فوالله ليظهرنّ الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبيّنا ، فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحي فقال : كذبت يا أبا فضيل ، فقال له أبو بكر : أنت أكذب يا عدوّ الله ، فقال : اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه ، والمناحبة : المراهنة على عشر قلائص منّي وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت ، وإن ظهرت فارس غرمت ، ففعل ذلك وجعلوا الأجل ثلاث سنين.

فجاء أبو بكر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره وذلك قبل تحريم القمار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هكذا ذكرت ، إنّما البضع ما بين ثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادّه في الأجل ، فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال : لعلّك ندمت قال : لا ، قال : فتعال أزايدك في الخطر وأمادّك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين ، قال : قد فعلت فلمّا خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه فقال : إنّي أخاف أن تخرج من مكّة فأقم لي كفيلا ، فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر.

فلمّا أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه قال : والله لا أدعك حتّى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا ثمّ خرج إلى أحد ، ثمّ رجع أبيّ بن خلف فمات بمكّة من جراحته التي جرحه رسول الله صلّى الله عليه حين بارزه.

وظهرت الروم على فارس يوم الحديبيّة وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم.

هذا قول أكثر المفسّرين.

__________________

(١) في تفسير الطبري (٢١ / ٢٣) : يدعى : قطمة بجيش من الروم.

(٢) تفسير القرطبي : ١٤ / ٤.

٢٩٢

وقال أبو سعيد الخدري ومقاتل : لمّا كان يوم بدر غلب المسلمون كفّار مكّة وأتاهم الخبر أنّ الروم قد غلبوا فارس ففرح المؤمنون بذلك.

قال الشعبي : لم تمض تلك المدّة التي عقدوا المناحبة بينهم ، أهل مكّة وصاحب قمارهم أبيّ بن خلف ، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر ، وذلك قبل تحريم القمار حتّى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر أبو بكر أبيّا ، وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به يحمله إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تصدّق به» [١٦٦] (١).

وكان سبب غلبة الروم فارس على ما قال عكرمة وغيره أنّ شهريراز بعد ما غلب الروم لم يزل يطأهم ويخرّب مدائنهم حتّى بلغ الخليج ، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه : لقد رأيت كأنّي جالس على سرير كسرى ، فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريراز : إذا أتاك كتابي فابعث إليّ برأس فرخان.

فكتب إليه : أيّها الملك إنّك لم تجد مثل فرخان ، إنّ له نكاية وصوتا في العدوّ فلا تفعل ، فكتب إليه : إنّ في رجال فارس خلفا منه فعجّل إليّ برأسه ، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه ، وبعث بريدا إلى أهل فارس إنّي قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان. ثمّ دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز وقال : إذا ولي فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه ، فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال : سمعا وطاعة ونزل عن سريره وجلس فرخان فدفع إليه الصحيفة فقال : ائتوني بشهريراز فقدّمه ليضرب عنقه.

قال : لا تعجل حتّى أكتب وصيّتي ، قال : نعم ، قال : فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف ، وقال : كلّ هذا راجعت فيه كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد ، فردّ الملك إلى أخيه. فكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم : إنّ لي إليك حاجة لا يحملها البريد ولا تبلغها الصحف فألقني ولا تلقني إلّا في خمسين روميّا فإنّي ألقاك في خمسين فارسيّا.

فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق وخاف أن يكون قد مكر به حتّى أتاه عيونه أنّه ليس معه إلّا خمسون رجلا ثمّ بسط لهما والتقيا في قبّة ديباج ضربت لهما ومع كلّ واحد منهما سكين ، فدعيا بترجمان بينهما فقال شهريراز : إنّ الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا ومكرنا وشجاعتنا ، وإنّ كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت.

ثمّ أمر أخي أن يقتلني. فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك ، قال : قد أصبتما ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السرّ بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا ، فقتلا الترجمان جميعا بسكّينيهما [فأديلت] الروم على فارس عند ذلك فأتبعوهم يقتلونهم ومات كسرى.

وجاء الخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه يوم الحديبية ففرح ومن معه ، فذلك قوله عزّ

__________________

(١) الدر المنثور : ٦ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

٢٩٣

وجلّ : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) يعني أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس وهي أذرعات (١).

قال ابن عبّاس : طرف الشام. مجاهد : أرض الجزيرة. مقاتل : الأردن وفلسطين ، عكرمة : أذرعات وكسكر. مقاتل بن حبان : هي ريف الشام.

(وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أي غلبتهم فحذفت التاء منه كما حذفت من قوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) (٢) وانّما هو إقامته.

وقرأ أبو حيوة الشامي (غَلْبِهِمْ) بسكون اللام وهما لغتان مثل الطّعن والطعن.

(سَيَغْلِبُونَ) فارس (فِي بِضْعِ سِنِينَ) وقرأ عبد الله بن عمرو وأبو سعيد الخدري والحسن وعيسى بن عمر غَلَبَتِ بفتح الغين واللام (سَيَغْلِبُونَ) بضم الواو وفتح اللام.

قالوا : نزلت هذه الآية حين أخبر الله عزوجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن غلبة الروم فارس ، ومعنى الآية : (الم) غلبت الروم فارس (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) إليكم. وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف في أداني الأرض بالجمع (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) سيغلبهم المسلمون. (فِي بِضْعِ سِنِينَ) وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدويه ، عن الحسين بن الحسن بن أيّوب ، عن علي بن عبد العزيز قال : أخبرني أبو عبيد عن حمّاد بن خالد الخيّاط عن معاوية بن صالح عن مرتد بن سمي قال : سمعت أبا الدرداء يقول : سيجيء قوم يقرءون : (الم) غَلَبَتِ الرُّومُ وإنّما هي (غُلِبَتِ الرُّومُ). قال أبو عبيد بضم الغين يعني الأخيرة.

قوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) يعني من قبل دولة الروم على فارس ومن بعد وهما مرفوعان على الغاية. (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) الروم لأنّهم أهل كتاب ، وبنصر الله المؤمنين على الكافرين (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه عن عبد الله بن محمد بن شنبه ، عن علي بن محمد ابن هامان ، عن علي بن محمد الطّنافسي عن النعمان بن محمد عن أبي إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فارس نطحة أو نطحتان» ثمّ قال : «لا فارس بعدها أبدا ، والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر ، كلّما ذهب قرن خلف قرن ، هيهات إلى آخر الأبد» [١٦٧] (٣).

__________________

(١) أذرعات : بين بلاد العرب والشام ، وقيل : هي بالأردن وفلسطين.

(٢) سورة البقرة : ١٧٧.

(٣) المصنف لابن أبي شيبة : ٤ / ٥٦٧.

٢٩٤

(وَعْدَ اللهِ) نصب على المصدر (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني أمر معايشهم كيف يكتسبون ويتّجرون ومتى يغرسون ويحصدون وكيف يبنون ويعيشون.

(وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) وبها جاهلون ولها مضيّعون ، لا يتفكّرون فيها ولا يعملون لها. فعمّروا دنياهم وخرّبوا آخرتهم.

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨))

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) يعني ولوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت ، وهو يوم القيامة.

(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ) حرثوها وقلّبوها للزراعة والعمارة.

(وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) فلم يؤمنوا وأهلكهم الله عزوجل.

(فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) العمل (السُّواى) يعني الخلّة التي تسوؤهم وهي النار. وقيل : (السُّواى) اسم لجهنّم كما أنّ (الْحُسْنى) اسم للجنة.

(أَنْ كَذَّبُوا) يعني لأن كذّبوا. وقيل : تفسير (السُّواى) ما بعدها وهو قوله : (أَنْ كَذَّبُوا) يعني : ثمّ كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أن كذّبوا (بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) استهزءوا بها.

(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ).

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : (يُبْلِسُ) يكتئب. أبو يحيى عنه : يفتضح. قتادة

٢٩٥

ومقاتل والكلبيّ : بياءين ، ابن زيد : المبلس الذي قد نزل به البلاء والشّرّ. الفرّاء : ينقطع كلامهم وحججهم. أبو عبيدة : يندمون ، وأنشد :

يا صاح هل تعرف رسما مكرسا

قال نعم أعرفه وأبلسا (١)

وقرأ السلمي يُبْلَسُ بفتح اللّام ، والأوّل أجود. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) أوثانهم التي عبدوها من دون الله ليشفعوا لهم (شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) جاحدين وعنهم متبرّين.

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) بستان (يُحْبَرُونَ) قال ابن عبّاس : يكرمون. مجاهد وقتادة : ينعمون. أبو عبيدة : يسرّون ، ومنه قيل : كلّ حبرة تتبعها عبرة. وقال العجاج :

فالحمد لله الذي أعطى الحبر

موالي الحقّ إن المولى شكر

أي السرور. وقال بعضهم : الحبرة في اللغة كلّ نعمة حسنة. والتّحبير : التحسين. ومنه قيل للمداد : حبر لأنّه يحسّن به الأوراق. والعالم : حبر لأنّه متخلّق بأخلاق حسنة ، وقال الشاعر : يحبرها الكاتب الحميري. وقيل : يحبرون يلذّذون بالسّماع.

أخبرنا عبد الله بن حامد ، عن حامد بن محمد بن عبد الله عن محمد بن يونس ، عن روح عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قال : السماع في الجنّة.

أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله عن ابن شنبه ، عن عمير بن مرداس عن سلمة بن شبيب عن عبد القدّوس بن الحجّاج قال : سمعت الأوزاعي يقول : (فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قال : السّماع. وقال : إذا أخذ في السّماع لم يبق في الجنّة شجرة إلّا ورّدت. وبه عن سلمة بن شبيب عن داود بن الجرّاح ، العسقلاني قال : سمعت الأوزاعي يقول : ليس أحد ممّن خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ؛ فإذا أخذ في السّماع قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم.

وأخبرنا الحسين بن محمد الدينوري ، عن أحمد بن الحسن بن ماجة القزويني ، عن الحسن ابن أيّوب ، عن عبد الله بن عراد الشيباني قالا : أخبرنا القاسم بن مطيب العجلي ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الجنّة مائة درجة ، ما بين كلّ درجتين منها كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها سموّا وأوسطها محلّه ، ومنها تنفجر أنهار الجنّة ، وعليها يوضع العرش يوم القيامة» [١٦٨] (٢).

فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله إنّي رجل حبّب إليّ الصّوت ، فهل في الجنّة صوت حسن؟ قال : إي والذي نفسي بيده ، إنّ الله سبحانه ليوحي إلى شجرة في الجنّة أن أسمعي

__________________

(١) الصحاح للجوهري : ٣ / ٩٠٩.

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٣٢١ ، وسنن الترمذي : ٤ / ٨٢.

٢٩٦

عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عزف البرابط والمزامير ، فترفع صوتا لم يسمع الخلائق مثله قط من تسبيح الرّبّ وتقديسه.

وأخبرني الحسين بن محمد عن هارون ، عن محمّد بن هارون العطّار ، عن حازم بن يحيى الحلواني ، عن الوليد بن عبد الملك ، عن مسروح الحرّاني ، عن سليمان بن عطاء ، عن سلمة بن عبد الله الجهني ، عن عمّه ، عن أبي الدرداء قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يذكّر الناس فذكر الجنّة وما فيها من الأزواج والنعيم وفي [آخر] القوم أعرابي فجثا لركبتيه وقال : يا رسول الله هل في الجنّة من سماع؟ قال : «نعم يا أعرابي إنّ في الجنّة لنهرا حافتاه الأبكار من كلّ بيضاء خوصانية ، يتغنّين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها ، فذلك أفضل نعيم أهل الجنّة» [١٦٩] (١).

قال : فسألت أبا الدرداء بم يتغنّين؟ قال : بالتسبيح إن شاء الله. قال : والخوصانية : المرهفة الأعلى الضخمة الأسفل.

وأخبرني الحسين بن محمد عن أحمد بن محمد بن علي الهمداني عن علي بن سعيد العسكري قال : أخبرني أبو بدر عبّاد بن الوليد الغبري ، عن محمّد ابن موسى الخراساني عن عبد الله بن عرادة الشيباني ، عن القاسم بن مطيب عن مغيرة عن إبراهيم قال : «إنّ في الجنّة لأشجارا عليها أجراس من فضّة فإذا أراد أهل الجنّة السماع بعث الله عزوجل ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرّك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الأرض لماتوا طربا» [١٧٠] (٢).

وأخبرني الحسين ، عن أبي شنبه وعبد الله بن يوسف قالا : قال محمد بن عمران ، عن محمد بن منصور ، قال : أخبرني يحيى بن أبي الحجّاج ، عن عبد الله بن مسلم عن مولى لبني أميّة يقال له : سليمان ، قال : سمعت أبا هريرة يسأل : هل لأهل الجنّة من سماع؟ قال : نعم ، شجرة أصلها من ذهب وأغصانها فضّة وثمرها اللؤلؤ والزّبرجد والياقوت يبعث الله سبحانه وتعالى ريحا فيحكّ بعضها بعضا ، فما سمع أحد شيئا أحسن منه.

قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ. فَسُبْحانَ اللهِ) فصلّوا لله (حِينَ تُمْسُونَ) وهو صلاة العصر والمغرب (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الصبح (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) وهو صلاة العشاء الآخرة. أيّ وسبّحوه عشيا (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر.

أخبرنا عبد الله بن حامد الوزّان عن (٣) أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ ، عن محمد بن

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٤ / ١٣.

(٢) تفسير القرطبي : ١٤ / ١٣.

(٣) في نسخة : عن أبي الشرقي عن محمد بن يحيى.

٢٩٧

يحيى ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين قال نافع بن الأزرق لابن عبّاس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ... إلى قوله : (وَحِينَ تُظْهِرُونَ).

حدّثنا أبو بكر بن عبدوس قال : حدّثني أبو بكر الشرقي قال : حدّثني أبو حاتم الرازي قال : حدّثني أبو صالح كاتب الليث ، حدّثني الليث ، عن سعيد بن بشير ، عن محمد بن عبد الرحمن السلماني ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلّى الله عليه قال : «من قال حين يصبح (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ... إلى قوله : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أدرك ما فاته في يومه ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلة» [١٧١] (١).

وأخبرني محمد بن القاسم بن أحمد قال : كتب إليّ عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي أنّ زيد بن محمد بن خلف القرشي حدّثهم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمي ، عن الماضي بن محمد عن جويبر ، عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال : سبحان (اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ـ هذه الآيات الثلاث من سورة الروم وآخر سورة الصافات ـ دبر كلّ صلاة يصلّيها كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد تراب الأرض ، فإذا مات أجري له بكلّ حسنة عشر حسنات في قبره» [١٧٢] (٢).

وأخبرني عبد الله بن فنجويه ، عن ابن شنبه وأحمد بن جعفر بن حمدان والفضل بن الفضل قالوا : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام الزنجاني ، عن الحجّاج بن يوسف بن قتيبة بن مسلم ، عن بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل : سبحان (اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ... إلى قوله : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) ... إلى قوله : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣)» [١٧٣] (٤).

وأخبرني ابن فنجويه عن عمر بن أحمد بن القاسم عن محمد بن عبد الغفّار عن حبارة بن المغلس عن كثير عن الضحاك قال : من قال : سبحان (اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) إلى آخر الآية كان له من الأجر كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل عليه‌السلام.

وأخبرني ابن فنجويه عن ابن شنبه (٥) عن علي بن محمد الطيالسي (٦) ، عن يحيى بن آدم عن

__________________

(١) سنن أبي داود : ٢ / ٤٩٣ ح ٥٠٧٦.

(٢) البحار : ٨٣ / ١٨.

(٣) سورة الصافات : ١٨٠. ١٨٢.

(٤) كنز العمال : ٢ / ٦٣٩ ، بتفاوت.

(٥) في نسخة : عن علي بن محمد بن ماهان عن علي بن محمد الطنافسي.

(٦) في نسخة أصفهان : الطنافسي.

٢٩٨

إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن زيد العمي ، عن محمد بن واسع ، عن كعب قال : من قال حين يصبح : سبحان (اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) إلى آخر الآية ، لم يفته خير كان في يومه ولم يدركه شرّ كان فيه ، ومن قالها حين يمسي لم يدركه شرّ كان في ليله (١) ولم يفته خير كان في ليله (٢) ، وكان إبراهيم خليل الله صلّى الله عليه يقولها في كلّ يوم وليلة ست مرّات.

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧))

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ. وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) يعني آدم عليه‌السلام.

(ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) يعني ذريته.

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) من جنسكم ولم يجعلهنّ من الجنّ ، وقيل : من ضلع آدم وقيل : من نطف الرجال.

(وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً) ألفة ومحبّة (وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أخبرني الحسين بن محمد ، عن موسى بن محمد بن علي قال : أخبرني أبو شعيب الحراني ، عن يحيى بن عبد الله البابلي ، عن صفوان بن عمرو ، عن المشيخة أنّ رجلا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا نبيّ الله لقد عجبت من أمر وإنّه لعجب ، إنّ الرجل ليتزوّج المرأة وما رآها وما رأته قط حتى إذا ابتنى بها اصطحبا وما شيء أحبّ إليهما من الآخر.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) فعربي وأعجمي.

__________________

(١) في نسخة أصفهان : في يومه.

(٢) المصدر السابق.

٢٩٩

(وَأَلْوانِكُمْ) أبيض وأسود وأحمر وأنتم ولد رجل واحد وامرأة واحدة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) بكسر اللّام حفص ، والياقوت بفتحها.

(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وحذف أن من قوله (يُرِيكُمُ) لدلالة الكلام عليه ، كقول طرفه :

ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى

وإن اشهد اللذات هل أنت مخلدي (١)

أراد أن أحضر. وقيل : هو على التقديم والتأخير تقديره : ويريكم البرق خوفا ، من آياته.

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ) أي من قبوركم ، عن ابن عبّاس (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) منها ، وأكثر العلماء على أنّ معنى الآية (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) من الأرض.

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ. وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) فقرأ ابن مسعود : يبدي ، ودليله قوله : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (٢).

ودليل العامّة (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٣) (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٤) قال الربيع بن خيثم والحسن : وهو هيّن عليه وما شيء عليه بعزيز ، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس ، وهذا كقول الفرزدق :

إنّ الذي سمك السماء بنا لها

بيتا دعائمه أعزّ وأطول (٥)

أي عزيزة طويلة.

وقال آخر :

لعمرك إنّ الزبرقان لباذل معروفه

عند السنين وأفضل

أي فاضل.

وقال مجاهد وعكرمة : الإعادة أهون عليه من البدأة أي أيسر. وهي رواية الوالبي عن ابن عبّاس : ووجه هذا التأويل أنّ هذا مثل ضربه الله تعالى ، يقول : إعادة الشيء على الخلق أهون

__________________

(١) جامع البيان للطبري : ١ / ٥٤٨ ، لسان العرب : ١٣ / ٢٢.

(٢) سورة البروج : ١٣.

(٣) سورة الأعراف : ٢٩.

(٤) سورة الروم : ٢٧.

(٥) البداية والنهاية : ١ / ٤٤.

٣٠٠