موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

عليه حينئذ دفع قيمة الولد إلى مولاها (١).

وأما إذا كان عن عقد بلا إذن مع العلم من الحر بفساد العقد ، أو عن زنا من الحرّ منهما ، فالولد رقّ (*) (٢).

______________________________________________________

ويكون المرجع حينئذٍ هو عمومات ما دلّ على تبعية الولد لأشرف أبويه ، وأصالة الحرية.

ومن الغريب أن الشيخ (قدس سره) وصاحب الحدائق (قدس سره) لم يلتفتا إلى هذه الرواية عند تمسكهما برواية العلاء بن رزين ، مع تضلعهما في الأخبار.

(١) وسيأتي الحديث في هذا الفرع والذي سبقه في المسألة الثانية عشرة من هذا الفصل إن شاء الله.

(٢) فإنّ الحر الزاني ان كان هو الأب كان الولد رقّاً.

لكن لا لما قيل من انتفاء الانتساب عنه شرعاً ، فيلحق بالأُم المملوكة فيكون رقاً لا محالة ، فإنه مردود بأنه لم يعثر في شي‌ء من الأخبار المعتبرة منها وغير المعتبرة ما يدلّ على انتفاء النسب بين الزاني أو الزانية والولد ، إذ غاية ما ورد في النصوص إنما هو نفي التوارث بينهما ، ومن الواضح أنه لا يدلّ على انتفاء النسب ، فإنه ثابت في القاتل والكافر ، والحال أنه لا قائل بانتفاء النسب بينهما.

وأما قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (١) فهو أجنبي عن محل الكلام بالمرة ، فإن مورده إنما هو حالة الشك وفرض عدم العلم ، فلا يشمل ما إذا علم تكون الولد من ماء الزاني ، حيث لا يلحق الولد بالزوج بلا خلاف.

ومن هنا كان التزامنا بترتّب جميع أحكام الأُبوة والبنوّة عدا الإرث عليهما فلا يجوز للزاني أن يتزوّج من البنت المخلوقة من مائه.

__________________

(*) هذا إذا كانت الأُمّ أمة ، وأمّا إذا كانت الأُمّ حرّة فلا يبعد أن يكون الولد حرّا وإن كانت زانية أو عالمة بفساد العقد ، وسيأتي منه (قدس سره) في المسألة الرابعة عشرة الفرق بين الزِّنا وفساد العقد على خلاف ما ذكره هنا.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٧٤ ح ١.

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

بل لجملة من النصوص المعتبرة التي دلّت على الحكم بالصراحة ، كصحيحة سماعة ، قال : سألته عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها وأخبرتهم أنها حرّة فتزوّجها رجل منهم فولدت له ، قال : «ولده مملوكون إلّا أن يقيم البيِّنة أنه شهد لها شاهدان أنها حرّة ، فلا يملك ولده ويكونون أحراراً» (١).

وهي وإن كانت تشمل بإطلاقها صورة الوطء شبهة أيضاً ، إلّا أنه لا بدّ من تقييد الإطلاق بغير فرض الشبهة ، وذلك للنصوص المعتبرة المتقدِّمة الدالة على لحوق الولد بالحر إذا كان مشتبهاً ، وبذلك تكون الرواية دالة على لحوق الأولاد بالأمة في فرض الزنا وإن كان أبوهم حراً.

وصحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل ظن أهله أنه قد مات أو قتل ، فنكحت امرأته وتزوّجت سريته ، فولدت كل واحدة منهما من زوجها ثمّ جاء الزوج الأوّل وجاء مولى السرية ، فقضى في ذلك : «أن يأخذ الأوّل امرأته فهو أحقّ بها ، ويأخذ السيد سريته وولدها إلّا أن يأخذ رضاه من الثمن ثمن الولد» (٢). ومثلها صحيحة محمد بن قيس عنه (عليه السلام) (٣).

فإنهما ظاهرتان في الزنا ، حيث إنهما واردتان فيمن ظن موت الرجل فتزوّج بامرأته أو جاريته المسراة ، ومن الواضح أن الظن لا يغني شيئاً فيكون الفعل زنا لا محالة.

ومعتبرة حريز عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها ، فادعت أنها حرّة فوثب عليها حينئذ رجل فتزوّجها ، فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولاداً ، قال : «إن أقام البينة الزوج على أنه تزوّجها على أنها حرّة أعتق ولدها وذهب القوم بأمتهم ، وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده» (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٦.

وفيه : «إلّا أن يأخذ من رضا من الثمن له ثمن الولد» وجعلت عبارة المتن نسخة بدل.

(٣) الوسائل ، ج ٢٥ كتاب الغصب ، ب ٦ ح ١.

(٤) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٣.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الرواية معتبرة سنداً ، باعتبار أن عبد الله بن يحيى المذكور في سندها من جملة رواة تفسير علي بن إبراهيم ، وليس هو الكاهلي كما توهمه بعضهم.

نعم ، ذكر الكليني (قدس سره) في الكافي هذه الرواية بعين هذا المتن والسند ، إلّا أن فيه عبد الله بن بحر بدل عبد الله بن يحيى وهو ممن لم يوثق ، وحيث أن الكليني أضبط نقلاً ، يشكلُ اعتبار هذه الرواية معتبرة من جهة السند.

وخبر علي بن حديد عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أقرّ على نفسه بأنه غصب جارية رجل فولدت الجارية من الغاصب ، قال : «تردّ الجارية والولد على المغصوب منه إذا أقرّ بذلك الغاصب» (١).

والحاصل أنّ الصحيح في المقام وإن كان هو ما ذهب إليه المشهور من عدم لحوق الولد بأبيه الحر ، إلّا أن الوجه فيه لم يكن ما ذكروه من عدم الانتساب إليه شرعاً فإنك قد عرفت بطلانه ، وإنما كان هو النصوص المعتبرة الواردة في المقام.

ومن هنا يظهر اندفاع توهّم أن الولد لما كان مولوداً من الحر كان مقتضى أصالة الحرية وما دلّ على عدم استرقاق من كان أحد أبويه حراً هو الحكم بحريته ، فإنه في غاية الفساد ، فإنّ النصوص التي تقدّمت تمنع من الرجوع إلى الأصل ، وتخصّص عمومات ما دلّ على عدم استرقاق من كان أحد أبويه حراً.

وإن كان الحر الزاني هي الأُم ، فقد يقال بأنّ الولد مملوك لمالك الأب العبد. لكنّه مدفوع بأنه لا أساس له سوى ما ذكرناه من دعوى ارتفاع النسب بالزنا ، فهو حينئذ لا يكون ولداً للحرّة ، فيتبع أباه في الرقية لا محالة. لكنّك قد عرفت فسادها حيث لا دليل عليها بالمرّة.

ومن هنا فالقول بتبعيته للُام هو المتعين ، فإنه نماء لها ، والرجل ليس إلّا لقاحاً. ويدلّ عليه ما دلّ على أنه لا يسترق من كان أحد أبويه حراً ، ومع التنزل عنه تكفينا إطلاقات وعمومات الكتاب والسنّة المقتضية للحرية ، حيث لا دليل على رقيته والشبهة حكمية ، ومع الإغماض عنها فأصالة الحرية هي المحكمة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٥.

٦٣

ثمّ إذا كان المملوكان لمالك واحد فالولد له (١). وإن كان كل منهما لمالك فالولد بين المالكين بالسويّة (*) (٢)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، لكونه نماءً لملكه ، سواء أقلنا بتبعيته لأبيه أم قلنا بتبعيته لُامّه.

(٢) لا نعلم لذلك وجهاً صحيحاً ، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب. فإنّ المولود إنما هو نماء المرأة ، والرجل لا يقوم إلّا بدور اللقاح كما هو الحال في سائر الحيوانات ، حيث يعد المولود نتاجاً للأُنثى من دون أن يكون للذكر فيه نصيب إلّا قيامه بدور اللقاح.

وما يقال من أن الإنسان غير الحيوان حيث إن النسب مقصود في الآدميين فيلاحظ أب المولود بخلاف الحيوانات.

مدفوع بأنه لا أثر لذلك ، أعني ملاحظة النسب في كون النتاج نتاجاً للُام. فإن لحاظ اللِّقاح لبعض الأغراض ، لا يوجب انقلاب النتاج والنماء عن كونه نماءً لها خاصة إلى كونه نماءً مشتركاً لهما. على أن النسب مقصود في بعض الحيوانات كالخيول العربية وبعض أصناف البقر ومع ذلك فلا يخرج المولود عن كونه نتاجاً للُام.

وبعبارة اخرى نقول : إنه سواء أقلنا بأنّ منشأ تولد المولود هو مني الأب خاصّة وإنّ الام لا تقوم إلّا بدور المحل المناسب لتربيته وتطوره ، أم قلنا أنه هو مني الأُم خاصة وإن الأب لا يقوم إلّا بدور اللقاح ، أم قلنا أنه هو المنيان معاً ، فالولد لا يخرج عن كونه نتاجاً للأُم خاصة. وذلك فلأن المني كما إنه ليس بمال ليس بمملوك لأحد إذ هو فضلة كسائر الفضلات ، وليس هو كالحب المملوك حيث يتبعه الزرع في الملكية فإنّ البون بينهما بعيد ، فأحدهما مملوك والآخر فضلة غير مملوكة لأحد سواء فيه الحر والعبد.

__________________

(*) لا يبعد أن يكون الولد لمالك الأمة على أساس أنه نماؤها كما هو الحال في سائر الحيوانات.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا فيكون النماء من نتاج الام ، حيث إنها التي تربي وبحسب الطبيعة التي خلقها الله تعالى والسر الذي أودعه فيها مني الزوج أو منيها أو منيهما معاً ، وتطوي به المراحل حتى يخرج خلقاً آخر ، فيكون تابعاً لها في الملكية حيث تكون رقاً ، نظير ما هو الحال في سائر الحيوانات.

ولو لا هذا الذي ذكرناه من تبعية الولد لُامِّه وكونه نتاجاً لها ، لم يكن وجه لاتفاقهم على أنّ العبد إذا زنى بأمة فحملت منه كان الولد لمولاها ، سواء أكانت هي زانية أيضاً أم لم تكن ، إذْ لم يرد في النصوص ولا خبر ضعيف يدلّ عليه.

نعم ، ورد ذلك في الحرّ إلّا أنه لا مجال لقياس العبد عليه ، حيث إنّ الحرّ مالك لجميع تصرّفاته ، فإذا أقدم على إلغاء احترام ماله لم يكن ماله بعد ذلك محترماً ، فيلحق الولد بالأمة. وهو بخلاف العبد فإنه لا يملك شيئاً ، فلو كان منيه مملوكاً وكان

الولد من نتاجه أو نتاجهما معاً ، لكان ينبغي القول باختصاص مولاه أو اشتراكه مع مولى الأمة في الولد ، حيث لا يتأتى هنا القول بأنه قد أقدم على إلغاء احترام ماله.

هذا ويمكن الاستدلال على تبعية الولد للُام وكونه من نتاجها بطوائف من الأخبار.

منها : ما ورد في المولود من فجور الحر بالأمة ، حيث دلت على كونه رقّاً لمالكها وقد تقدّمت جملة منها. فإنّه إنّما يتم بناءً على ما ذكرناه من كون الولد نتاجاً للُام ، وإلّا لم يكن وجه لكونه بتمامه رقّاً لمالك الأمة ، بل كان ينبغي أن يكون نصفه حراً ونصفه الآخر مملوكاً له.

ومنها : ما دلّ على أنّ الأمة إذا دلست نفسها وادعت الحرية فتزوّجها حرّ ، كان الأولاد أحراراً وكان على الأب أن يدفع قيمته إلى مولاها يوم سقط حيّاً ، كصحيحة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنها حرّة ، فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً ، ثمّ إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة وأقرّت الجارية بذلك ، فقال : «تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه» (١).

فإنه لو كان الولد نتاجاً للأبوين ، لكان ينبغي أن يدفع إلى مولاها نصف قيمته خاصّة ، فالحكم بضمانه لتمام القيمة دليل على كونه من نتاج الأمة خاصة.

ومنها : ما دلّ على أن حمل المدبرة إن كان بعد التدبير فهو مدبر كالأُم ، وإلّا فلا يتبع الأُم في التدبير ، كموثقة عثمان بن عيسى الكلابي عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة دبّرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة فلم تدرِ المرأة حال المولودة هي مدبّرة أو غير مدبّرة؟ فقال لي : «متى كان الحمل بالمدبرة ، أقَبْلَ ما دبّرت أو بعد ما دبّرت»؟ فقلت : لست أدري ، ولكن أجبني فيهما جميعاً؟ فقال : «إن كانت المرأة دبّرت ، وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبّرة والولد رقّ ، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبّر في تدبير أُمّه» (٢).

وكذلك ما ورد في أولاد المدبرة بعد التدبير ، كصحيحة أبان بن تغلب ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل دبّر مملوكته ، ثمّ زوّجها من رجل آخر فولدت منه أولاداً ، ثمّ مات زوجها وترك أولاده منها ، قال : «أولاده منها كهيئتها ، فإذا مات الذي دبّر أُمهم فهم أحرار» (٣).

وعنوان الرجل في هذه الرواية وإن كان أعمّ من الحر والمملوك إلّا أنه لا بدّ من حمله على المملوك ، إذ لو كان الأب حراً لم يكن وجه للسؤال عن كون الأولاد مدبرين أم لا ، لكونهم حينئذ أحراراً تبعاً لأشرف أبويهم. وعلى هذا فالرواية غير شاملة في نفسها لما إذا كان الزوج حراً ، وعلى فرض شمولها له فهو خارج بما دلّ من النصوص على حرية الولد إذا كان أحد أبويه حراً.

ومن هنا فقد أطلق صاحب الشرائع (قدس سره) ، حيث ذكر أن المدبرة لو حملت بمملوك ، سواء كان عن عقد أو زنا أو شبهة ، كان مدبراً. ولم يقيده بما إذا كان المملوك

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٣ كتاب التدبير والمكاتبة ، أبواب التدبير ، ب ٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٣ كتاب التدبير والمكاتبة ، أبواب التدبير ، ب ٥ ح ١.

٦٦

إلّا إذا اشترطا (*) التفاوت أو الاختصاص بأحدهما (١).

______________________________________________________

متولِّداً من عبد له ، فيعمّ الحكم ما إذا كان من عبد لغيره ، ونعم ما صنع (١).

وعلى كل فمقتضى إطلاق هذه الرواية أن الولد يكون لمالك الأمة ويكون مدبّراً بتبعها ، سواء أكان الأب مملوكاً له أم كان مملوكاً لغيره ، بل إن إطلاق رواية الحمل يشمل ما إذا كان الزوج حراً وكان التزويج فاسداً ، فيلحق الولد بامه ويكون مدبّراً وهو يدلّ على كونه من نتاجها خاصة.

إذن فالصحيح هو ما ذهب إليه أبو الصلاح وجماعة ، من تبعية الولد لُامِّه فيكون رقاً لمالكها (٢) على ما تقتضيه القواعد.

(١) وكأنه لعموم قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم» حيث إن مقتضاه نفوذ كل شرط لا يخالف الكتاب أو السنّة.

إلّا أنه لا يمكن المساعدة على ذلك. والوجه فيه ما بيناه في مبحث الشروط مفصّلاً من أنّ دليل نفوذ الشرط ليس بمشرع بحيث يقتضي شرعية ما هو غير مشروع ، وإن غاية ما يقتضيه هو إلزام المؤمن بالوفاء بما هو مشروع في نفسه ومع قطع النظر عن الاشتراط ، بحيث يكون للمشروط عليه أن يفعله من دون الاشتراط. وأما ما ليس للمكلّف أن يفعله فلا أثر لاشتراطه ، ولا يقتضي ذلك لزومه ونفوذه ، باعتبار أنه شرط مخالف للكتاب والسنّة ومستلزم لتغيير حكم الله تبارك وتعالى. وحيث إنّ المقام من هذا القبيل ، باعتبار أن الولد حينما يولد مملوك لمالك الأُم خاصة على ما اخترناه ، أو مشترك بينه وبين مولى العبد على ما اختاروه ، كان اشتراط الزيادة أو الاختصاص مخالفاً لكتاب الله وسنّة نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) (٣).

والحاصل أنّ كل أمر لم يكن ، مع قطع النظر عن الشرط ، مشروعاً لا يتصف نتيجة الشرط بالمشروعية ، ولا يلزم العمل به.

__________________

(*) الظاهر أنه لا أثر لهذا الاشتراط إذا كان على نحو شرط النتيجة ، وبذلك يظهر حال ما بعده.

(١) شرائع الإسلام.

(٢) الكافي في الفقه : ٣١٥.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٢٠ ح ٤.

٦٧

هذا إذا كان العقد بإذن المالكين (١)

______________________________________________________

وعلى هذا الأساس لم يلتزم فقيه بصحّة هذا الاشتراط في غير النكاح من العقود اللّازمة كأن يبيع داره ويشترط في ضمنه على المشتري أن يكون نتاج مملوكية له على نحو شرط النتيجة ، لكونه شرطاً مخالفاً لكتاب الله وسنّة نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلم).

نعم ، لو كان أمر النتيجة مما للمشترط عليه أن يفعله قبل الشرط ، ولم يكن لتحقّقه سبب خاص ، صح اشتراطه ولزم ، كما لو اشترى داراً واشترط في ضمن العقد أن يكون جميع أثاث البيت له ، حيث لا مانع منه لأنه لا يحتاج إلّا إلى الاعتبار النفسي وإبرازه في الخارج بمبرز ، والمفروض تحققهما معاً بالعقد.

وبالجملة فكل أمر كان للمكلف أن ينشئه بالفعل ، أو فعل كان له أن يفعله كذلك ولم يكن له سبب خاص ، يصح اشتراطه ويلزم به. وأما ما ليس للمكلف أن يفعله أو ينشئه بالفعل ، أو كان متوقفاً على سبب معين ، فلا مجال لاشتراطه لكونه مخالفاً للكتاب والسنّة.

ثمّ إنّ بطلان شرط النتيجة يتوقف على أن يكون لدليل الحكم إطلاق يشمل فرض الاشتراط أيضاً ، فإنه حينئذ يكون اشتراط خلافه مخالفاً للكتاب والسنة. وأما إذا لم يكن لدليل الحكم إطلاق يشمل فرض الاشتراط ، وإنما كان مقيداً بفرض عدم الاشتراط كما هو الحال في الإرث في الزوجية المنقطعة ، فلا يكون اشتراطه مخالفاً للكتاب.

ومن هنا يظهر أنه لو التزمنا بما ذهب إليه ابن الجنيد من رقية المولود من حر وأمة إلّا إذا اشترط حريته ، لم يكن هذا الاشتراط مخالفاً للكتاب أو السنة ، إذ لو عملنا بالنصوص التي استدل بها على هذا المدعى ، لم يبق هناك إطلاق للكتاب والسنة يقتضي الرقية حتى في فرض الاشتراط.

(١) فيكون الولد مشتركاً بينهما ، لوحدة النسبة على ما اختاروه ، ومملوكاً لمالك الأُم خاصة على ما اخترناه.

٦٨

أو مع عدم الإذن من واحد منهما (*) (١).

______________________________________________________

(١) ما ذكره (قدس سره) لم يظهر له وجه ، إذ قد تقدّم في جملة من النصوص المتقدِّمة التصريح بأن المملوك إذا تزوّج بغير إذن مولاه كان زانياً ، فلا ينسجم حكمه (قدس سره) هذا مع ما يذكره (قدس سره) صريحاً في ذيل هذه المسألة وعليه إجماع الأصحاب من أن العبد إذا كان زانياً لحق المولود بالأمة ، سواء أكانت هي زانية أيضاً أم لم تكن.

ومن هنا يظهر الحال فيما ذكره (قدس سره) بعد ذلك من اشتراك الموليين فيه ، فيما إذا كان النكاح عن إذن من أحدهما خاصة.

ومن غير البعيد أنه (قدس سره) يريد بذلك فرض الشبهة وعدم العلم بفساد العقد ، لاعتقادهما معاً الإذن ، أو اعتقادهما عدم اعتباره ، فإنه حينئذ يتمّ ما ذكره (قدس سره) من إلحاق الفرض بالزواج الصحيح.

وعليه فإن كانت الشبهة من الطرفين ، كان الولد مشتركاً بينهما على ما اختاروه ولمالك الأمة على ما اخترناه. وإن كانت الشبهة من أحدهما خاصة وكان الآخر مأذوناً ، كان الولد لمالك المشتبه ، باعتبار أن الإذن يقتضي تنازل الآذن عن حقه وإقدامه على فوات الولد منه ، باعتبار أن الإذن في التزويج مطلقاً يستلزم جواز تزويج المملوك من الحر فينعقد الولد حراً ، فيكون حال هذا الفرع كصورة اشتراط أحد الموليين وهو في المقام من لم يأذن الاختصاص بالولد.

غير أنك قد عرفت أنه لا أثر لاشتراط الاختصاص ، نظراً لكونه من شرط النتيجة ، فيكون الإذن من أحدهما مثله بطريق أولى ، باعتبار أنه لا يملك الولد حين الإذن وإنما سيملكه حين التولد.

وكيف كان ، فالعبارة لا تخلو من تشويش وغموض ، وإن ذكرت في كلمات غيره أيضاً.

__________________

(*) لعلّه يريد بذلك وبما بعده عدم العلم بفساد العقد ليكون الوطء شبهة ، وإلّا فهو داخل في ذيل المسألة وهو قول الماتن : «وأمّا لو كان الولد عن زنا من العبد ... إلخ».

٦٩

وأما إذا كان بالإذن من أحدهما ، فالظاهر أنه كذلك (١). ولكن المشهور أن الولد حينئذ لمن لم يأذن. ويمكن أن يكون مرادهم في صورة إطلاق الإذن ، بحيث يستفاد منه إسقاط حق نمائية الولد ، حيث إن مقتضى الإطلاق جواز التزويج بالحر أو الحرّة ، وإلّا فلا وجه له.

وكذا لو كان الوطء شبهة (٢) منهما ، سواء كان مع العقد أو شبهة مجردة ، فإن الولد مشترك (٣).

وأما لو كان الولد عن زنا من العبد ، فالظاهر عدم الخلاف في أن الولد لمالك الأمة ، سواء كان من طرفها شبهة أو زنا (٤).

[٣٨٠٩] مسألة ٩ : إذا كان أحد الأبوين حراً فالولد حرّ (٥) لا يصح اشتراط رقِّيّته على الأقوى (٦) في ضمن عقد التزويج ، فضلاً عن عقد خارج لازم. ولا

______________________________________________________

(١) ظهر الحال فيه مما تقدّم ، فراجع.

(٢) بلا خلاف فيه بينهم ، حيث يجري على المولود من الشبهة أحكام المولود من الزواج الصحيح.

(٣) على ما اختاروه ، ومختص بمالك الأمة على ما اخترناه.

(٤) وهو إنما يتمّ على ما اخترناه من تبعية المولود للأب ، وأما على ما اختاره الماتن تبعاً للمشهور من الاشتراك فلا وجه له ، بل لا بدّ من الحكم باشتراك المالكين في المولود ، فإنّ زنا العبد لا يوجب سقوط حق المولى عن نمائه. وأما النص الوارد في زنا الحر بالأمة وأنّ الولد حينئذٍ لمالك الأمة ، فلا يمكن التعدِّي عن موضوعه إلى العبد ، ولا سيما مع وضوح الفارق بينهما ، فإنّ الزاني إذا كان حراً فقد أقدم على إلغاء احترام مائه ، وأما العبد فليس له ذلك فإنّه هو ونماءه مملوك لغيره.

(٥) لجملة من النصوص المعتبرة ، على ما تقدّم بيانها مفصلاً.

(٦) خلافاً للمشهور ، حيث التزموا بصحّة الشرط ونفوذه ، مستدلين له :

تارة بعمومات أدلة نفوذ الشرط ، كقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم».

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى برواية إبراهيم بن هاشم ، عن أبي جعفر ، عن أبي سعيد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لو أن رجلاً دبّر جارية ثمّ زوجها من رجل فوطئها كانت جاريته وولدها مدبّرين ، كما لو أن رجلاً أتى قوماً فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك» (١).

بدعوى أنها وإن كانت مطلقة من حيث الاشتراط وعدمه ، إلّا أنه لا بدّ من الحمل على صورة الاشتراط ، جمعاً بينها وبين ما دلّ على حرية المتولد من أبوين أحدهما حرّ.

غير أن الصحيح هو ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) ، فإنّ الاستدلال بالعمومات لا يمكن المساعدة عليه ، لما عرفته من أنها ليست مشرعة وإنّما هي تقتضي نفوذ الشرط المشروع خاصّة ، فلا توجب لزوم الحكم المخالف للكتاب والسنّة.

ولو تنزّلنا عن ذلك وقلنا بصحّة شرط النتيجة ، فلا مجال للقول بلزوم الشرط في المقام. وذلك لأن دليل لزوم الوفاء بالشرط ، إنما يقتضي إثبات لزوم الوفاء بالنسبة إلى المشروط عليه بحيث يلزمه ما لم يكن لازماً له ، وأما إثبات لزوم الوفاء بالنسبة إلى الأجنبي عنه فلا دليل عنه. ومن هنا فحيث إن الحرية من صفات المولود وقائمة به ، وليست هي من الأحكام المتوجهة إلى المشروط عليه ، فلا مجال للقول بلزوم اشتراط عدمها.

وأما الرواية فالكلام فيها من مقامين : السند ، والدلالة.

أمّا المقام الأوّل : فلا يخفى أنها ضعيفة من حيث السند ، باعتبار أن المكنى بـ (أبي جعفر) مشترك بين كثيرين ، والمعروف منهم هو أحمد بن محمد بن عيسى ، وهو ثقة. إلّا أنه لم يعهد ولا في رواية واحدة رواية إبراهيم بن هاشم عنه ، على أنّ لإبراهيم بن هاشم رواية عن أبي جعفر عن أبي بصير مباشرة ، مع أن من غير المحتمل رواية أحمد ابن محمد بن عيسى عن أبي بصير بلا واسطة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٠ ح ١٠.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا فليس (أبو جعفر) في المقام هو أحمد بن محمد بن عيسى ، وحيث لا يدرى من هو فلا يمكن الاعتماد عليها. واحتمال كونه هو أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، في غاية الضعف ، لأنه وإن كان يكنى بهذه الكنية على إشكال فإنّ النجاشي (قدس سره) قد كنّاه بأبي جعفر ، ثمّ ذكر أنه قيل أنّ كنيته (أبو علي) (١) إلّا أنّ الظاهر أنه غير معروف بهذه الكنية على ما يظهر ممّا ذكره النجاشي. على أنه لو فرض اشتهاره بذلك ، فلا نعهد في النصوص رواية يرد في سندها عنوان (أبي جعفر) ويراد به البزنطي ، وهذا يعني أنه وإن كان مشتهراً في غير النصوص بذلك إلّا أنه لم يعرف في النصوص بذلك ، وإنما يعبر عنه بالبزنطي وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغير ذلك من العناوين.

هذا كله من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّ (أبا سعيد) أو (أبا سعد) على ما في بعض النسخ ، مجهول ولم يرد فيه توثيق.

ومن هنا فلا مجال للاعتماد عليها من حيث السند.

وأمّا المقام الثاني : فالرواية أجنبية بحسب الدلالة عن محلّ الكلام ، لأنّها كالصريحة إن لم تكن صريحة بالفعل في أنّ تبعية الولد للأُم إنما هي من جهة مملوكية الام ، بحيث تكون رقية الولد ناشئة من نفس رقية الأُم مع قطع النظر عن سائر الجهات على الإطلاق ، فلا تكون دليلاً على اقتضاء الاشتراط لرقيته ، على ما هو محل الكلام.

فلو تمّ سند هذه الرواية لكانت من النصوص الدالّة على مدعى ابن الجنيد ، من الحكم برقية الولد إذا كانت امه مملوكة وإن كان أبوه حراً ، ولا ترتبط بما نحن فيه بشي‌ء.

ومن هنا فالصحيح في المقام هو ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) وغيره ، من إلغاء هذا الشرط واعتباره كالعدم ، لكونه مخالفاً للكتاب والسنة ، وإن ذهب المشهور إلى خلافه.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨١ رقم ١٩٨.

٧٢

يضرّ بالعقد إذا كان في ضمن عقد خارج (١).

وأمّا إن كان في ضمن عقد التزويج ، فمبنيّ على فساد العقد بفساد الشرط وعدمه ، والأقوى عدمه (٢). ويحتمل الفساد وإن لم نقل به في سائر العقود إذا كان من له الشرط جاهلاً بفساده ، لأنّ في سائر العقود يمكن جبر تخلّف شرطه (*)

______________________________________________________

(١) كما لو زوج المولى أمته من حر من غير اشتراط ، ثمّ باعه شيئاً واشترط عليه أن يكون الولد رقّاً له ، فإنه حينئذٍ لا مجال للقول بسراية فساد الشرط إلى عقد التزويج الذي وقع مطلقاً ومن غير تقييد.

(٢) باعتبار أن الشرط أجنبي عن العقد ولا يوجب تقييده بوجه ، فلا مجال لأنّ يقال : إنّ المنشأ لما كان هو المقيد كان فاسداً بفساد القيد ، إذ الدليل على الصحّة منحصر بعموماتها ، كقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١). فإذا لم يمض المقيد شرعاً لفساد القيد ، وغير المقيد لم ينشأ ، فلا محيص عن الحكم بفساده.

وذلك لما ذكرناه في محلِّه من أن الشروط في باب العقود لا تكون قيداً لها ، ولا يكون العقد مقيداً بالشرط كي يكون فساد الشرط موجباً لفساد العقد نفسه ، فإنّ للشرط في باب العقود معنى غير ما يذكر في الفلسفة أو في باب الأحكام ، حيث يفسر في الأوّل بجزء العلة وفي الثاني بالقيد للموضوع أو متعلق الحكم ، وقد تقدّم ذلك مفصلاً.

وملخصه أنّ معنى الشرط في العقد لا يخلو من أحد معنيين على نحو منع الخلو فإنهما قد يجتمعان وهما :

أوّلاً : تعليق العقد على التزام الطرف الآخر بشي‌ء ، بحيث يكون المنشأ هو الحصة المقيدة بالتزام الطرف الآخر. وهذا المعنى يرد في الشروط التي تذكر في التزويج وغيره من العقود والإيقاعات التي لا تقبل التزلزل والخيار ، فإنّ فيها لا بدّ من تفسير

__________________

(*) الشرط الفاسد لا يوجب الخيار في سائر العقود أيضاً.

(١) المائدة ٥ : ١.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط بهذا المعنى أعني تعليق المنشأ على التزام الآخر إذ المورد غير قابل للمعنى الآخر الذي نذكره للشرط ، ومن هنا فلا محالة يكون نفس الالتزام قيداً للمنشإ دون الملتزم به. فلو قالت المرأة : زوجتك نفسي على أن لا تخرجني من هذا البلد مثلاً فقبل الرجل أصل الزواج من دون التزام بالشرط ، بطل العقد ، لأن ما أنشأته المرأة إنما هي الزوجية المقيدة بالالتزام ، فإذا لم يلتزم الزوج بذلك انتفى المقيد كلياً وحكم ببطلان العقد ، لعدم تحقق ما علق الإنشاء عليه.

وقد عرفت في محله أنّ مثل هذا التعليق لا يضرّ بصحّة العقد ، لكونه تعليقاً على أمر حاصل ومعلوم بالفعل. نعم ، لو فرضنا تعليق الزوجية على نفس السكنى في البلد المعين دون الالتزام به ، لكان من التعليق الباطل.

ثانياً : تعليق الالتزام بالعقد على تحقق المشروط في الخارج ووجوده. وهذا المعنى يرد فيما إذا كان المشروط أمراً خارجاً عن إرادة المشروط عليه واختياره ، كما هو الحال في اشتراط الكتابة في العبد عند شرائه ، فإنّ مثل هذه الشروط لا يمكن أن يرجع إلى المعنى الأوّل ، إذ ليس للمشروط عليه الالتزام بما هو خارج عن اختياره فالعقد غير معلق على شي‌ء وإنما المعلّق هو الالتزام بالعقد ، بحيث لو لم يوجد فلا التزام للشارط بالعقد وله رفع اليد عنه ، وهو ما يعبّر عنه بالخيار.

هذا وقد يجتمع المعنيان في عقد واحد ، كما لو اشترى قماشاً واشترط على البائع أن يخيطه. فإنّ أصل العقد معلق على التزام البائع بالخياطة ، كما أن التزامه بالعقد معلق على تحقّق الخياطة في الخارج ، فيكون المورد مجمعاً لكلا المعنيين.

إذا عرفت هذا كله يتضح لك أنّ فساد الشرط لا يوجب فساد العقد. إذ على المعنى الأوّل يكون العقد مقيداً بالالتزام ، والمفروض أنه قد تحقق من قبل الطرف الآخر ، فلا وجه للقول بفساد إنشاء العقد. وعلى المعنى الثاني فالعقد أجنبي عن جعل الخيار للشارط وإن كان الأوّل ظرفاً للثاني ، بمعنى أنه إنما يجعل في ضمن الأوّل.

وعليه فإذا فرض فساد الثاني بحكم الشارع ، لكونه مخالفاً للكتاب والسنّة ، لم يكن وجه للقول ببطلان الأوّل ، لأنه يحتاج إلى الدليل وهو مفقود ، بل المستفاد من بعض النصوص خلافه.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه النصوص عديدة :

منها : ما هو صريح في عدم فساد العقد بفساد الشرط.

ومنها : ما هو ظاهر الدلالة فيه ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : «من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزّ وجلّ» (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنه سئل عن رجل قال لامرأته : إن تزوجت عليك أو بتّ عنك فأنت طالق ، فقال : «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : من شرط شرطاً سوى كتاب الله عزّ وجلّ ، لم يجز ذلك عليه ولا له» (٢).

وهما ظاهرتان في إلغاء الشرط خاصة وأنه يفرض كالعدم ، إذ لو كان أصل العقد فاسداً لم يكن وجه لنفي نفوذ الشرط خاصة ، حيث لا موضوع له مع فساد العقد.

وأوضح منهما صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : «خالفت السنّة ، ووليت حقاً ليست بأهله ، فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنّة» (٣).

وصحيحته الأُخرى عنه (عليه السلام) أيضاً ، أنه قال : «قضى علي (عليه السلام) في رجل تزوّج امرأة ، وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق ، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم ، فإن شاء وفى لها بالشرط ، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها» (٤).

وهذه كما تراها صريحة في صحّة العقد وبطلان الشرط خاصة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ب ١٨ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٢٩ ح ١.

(٤) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ب ١٣ ح ٢.

٧٥

بالخيار (١) بخلاف المقام حيث إنه لا يجري خيار الاشتراط في النِّكاح (٢). نعم ، مع العلم بالفساد لا فرق ، إذ لا خيار في سائر العقود أيضاً.

[٣٨١٠] مسألة ١٠ : إذا تزوّج حر أمة من غير إذن مولاها ، حرم عليه وطؤها (٣)

______________________________________________________

(١) وهو غريب منه (قدس سره) ، إذ لا قائل بثبوت الخيار عند تخلف الشرط الفاسد ، وإنما هو فرع إمضاء الشارع للشرط ، فإذا لم يكن كذلك فلا يفرق الحال فيه بين النكاح وغيره.

(٢) على ما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل إن اشتراطه مبطل للعقد ، حتى وإن لم نقل باقتضاء فساد مطلق الشرط لفساد العقد.

والوجه في ذلك أن جعل الخيار في العقد لا ينفك عن تقييد العقد بزمان فسخ من له الخيار ، فيكون المنشأ محدوداً بعدم الفسخ لا محالة ، إذ إن إطلاق المنشأ لما قبل الفسخ وبعده كالإهمال ممتنع ، فإنه بعد الفسخ يرجع كل شي‌ء إلى مالكه. وحيث إن النِّكاح إمّا أبدي وإمّا مؤقّت مع لابدّيّة تعيين الوقت على ما دلّت عليه النصوص فلا مجال للالتزام بالصحّة في المقام ، نظراً لعدم معلومية وقت الفسخ ، بل إن أصل تحققه غير محرز ، فإنّ من له الخيار قد يفسخ وقد لا يفسخ بالمرة.

وهذه خصوصيّة في النِّكاح توجب فساد العقد عند اشتراط الخيار فيه ، نظير فساد البيع عند اشتراط أمر مجهول لكونه غررياً. وليس هذا من باب اقتضاء فساد الشرط لفساد العقد ، إذ النزاع في كبرى اقتضاء فساد الشرط لفساد العقد إنما هو في العقد الجامع لجميع شرائط الصحّة ، فلا يشمل مثل المقام ، حيث إن الفساد من ناحية عدم تعيين الوقت أو الغرر.

(٣) بلا خلاف فيه. ولا يختص الحكم بالمقام ، بل يعمّ كل عقد يتوقّف على إجازة من له الإجازة ، سواء أكان هو السيد أم كان غيره ، كالتزوّج ببنت الأخ أو بنت الأُخت قبل إجازة العمّة أو الخالة ، أو التزوّج بالبكر قبل إذن أبيها.

٧٦

وإن كان بتوقّع الإجازة (١). وحينئذٍ فإنْ أجاز المولى كشف عن صحته ، على الأقوى من كون الإجازة كاشفة (٢). وعليه المهر ، والولد حر (٣). ولا يحدّ حد الزنا وإن كان عالماً بالتحريم ، بل يعزر. وإن كان عالماً بلحوق الإجازة ، فالظاهر عدم

______________________________________________________

(١) إذ لا أثر لمجرّد توقّعها ، وإنما المعتبر في الحل هو تحقّقها في الخارج.

(٢) هذا إذا التزمنا بالكشف الحقيقي كما اختاره الماتن (قدس سره) ، حيث ينكشف صحّة العقد من حين وقوعه وكون الوطء حلالاً في حينه ، وإن كان حراماً ظاهراً لاستصحاب عدم تحقّق سبب الزوجية في فرض الشك في لحوق الإجازة ، ولذا يحكم بتعزيره. وأما إذا علم حين الوطء بأن المولى سيجيزه بعد ذلك وقد تحقّقت الإجازة بالفعل ، لم يثبت حتى التعزير حيث يعلم بحصول الزوجية ، فلا يكون في الفعل مخالفة للحكم الواقعي أو الظاهري.

وأمّا إذا التزمنا بالكشف الحكمي كما اخترناه ، فالأمة محكومة بعدم الزوجية إلى ما قبل الإجازة ، وعندها يحكم بكونها زوجة من حين العقد.

ومن هنا فلا فرق بين العالم بلحوق الإجازة والشاكّ فيه ، فيحكم بكونه زانياً مطلقاً باعتبار أنه قد وطئ أجنبية من غير استحقاق أو شبهة ، ومن ثمّ فيحدّ حدّ الزنا.

نعم ، لو لحقت الإجازة قبل إجراء الحدّ سقط لا محالة ، إذ بها تجري عليه أحكام الزوجية ، فلا يعتبر الوطء السابق فعلاً زنا وإن كان كذلك إلى ما قبل الإجازة. إلّا أن هذا لا يعني سقوط التعزير أيضاً ، فإنّ الحرمة والمبغوضية لا تنقلبان بالإجازة إلى الإباحة ، ومن هنا فيعزر على فعله حتى مع علمه بلحوق الإجازة ، بل وحتى مع تحققها في الخارج أيضاً.

(٣) لانكشاف صحّة العقد من حينه ، فيكون ولداً للحر ، فيحكم بحريته من هذه الجهة.

٧٧

الحرمة (*) (١) وعدم التعزير أيضاً.

وإن لم يجز المولى كشف عن بطلان التزويج. ويحدّ حينئذ حدّ الزنا إذا كان عالماً بالحكم ، ولم يكن مشتبهاً من جهة أُخرى ، وعليه المهر بالدخول ، وإن كانت الأمة أيضاً عالمة على الأقوى (**) (٢). وفي كونه المسمّى ، أو مهر المثل ، أو العشر إن كانت بكراً ونصفه إن كانت ثيّباً ، وجوه ، بل أقوال ، أقواها الأخير (٣).

______________________________________________________

(١) بل الظاهر هو التحريم. فإنّ الفعل على ما اخترناه من الكشف الحكمي محرم قبل تحقق الإجازة في الخارج واقعاً ، ولا ينافيه الحكم بحليته بعد الإجازة ، إذ لا مانع من اعتبارين لأمرين متضادّين أو متناقضين في زمانين مختلفين ، كما عرفته مفصلاً. وكذلك الحال في التعزير ، إلّا إذا فرض كونه مشتبهاً.

(٢) وهو مناقض لما تقدّم منه (قدس سره) في المسألة الخامسة عشرة من فصل عدم جواز التزويج في عدّة الغير ، حيث اختار هناك عدم استحقاق مولاها للمهر فيما إذا كانت الأمة عالمة ، وقد عرفت أنه الصحيح ، فما ذكره (قدس سره) هنا مضافاً إلى كونه غير تام في نفسه مناقض لما تقدّم منه (قدس سره).

(٣) وذلك فلأن الأوّل لا وجه له مطلقاً بعد فرض فساد العقد.

والثاني وإن كان على طبق القاعدة ، إلّا أنه إنما يتمّ فيما إذا لم يكن دليل على الخلاف ، وحيث إنّ النصوص الخاصة دالّة على القول الأخير ، فلا مجال للعمل بمقتضى القاعدة.

وليست من هذه النصوص صحيحة الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل تزوّج امرأة حرّة فوجدها أمة قد دلست نفسها له ، قال : «إن كان الذي

__________________

(*) بل الظاهر هو التحريم ، ولا ينافي ذلك الحكم بعدم الحرمة بعد الإجازة ، وكذلك الحال في التعزير إلّا إذا فرض أنه كان مشتبهاً.

(**) في ثبوت المهر في هذا الفرض إشكال بل منع كما تقدّم منه أيضاً في المسألة الخامسة عشرة من فصل عدم جواز التزويج في عدّة الغير.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

زوّجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد». قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال : «إن وجد مما أعطاها شيئاً فليأخذه ، وإن لم يجد شيئاً فلا شي‌ء له ، وإن كان زوّجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكراً ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها» (١).

بدعوى أنها لا تختص بالتدليس ، بل تعمّ وبمقتضى التعليل المذكور في ذيلها كل مورد يستحل الرجل فرج الأمة.

فإنه مدفوع بأنها واردة في الوطء بعقد صحيح ، غاية الأمر أن للزوج حق الفسخ من جهة التدليس ، فلا مجال للتعدي عن موردها إلى فرض الزنا الذي هو محل الكلام.

ولا صحيحة الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك ، إنّ بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : «إذا أحل الرجل لأخيه فرج جاريته فهي له حلال»؟ فقال : «نعم يا فضيل». قلت : فما تقول في رجل عنده جارية له نفيسة وهي بكر أحل لأخيه ما دون فرجها ، إله أن يقتضها؟ قال : «لا ، ليس له إلّا ما أحل منها ، ولو أحلّ له قبلة منها لم يحل له ما سوى ذلك». قلت : أرأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فاقتضها؟ قال : «لا ينبغي له ذلك». قلت : فإن فعل أيكون زانياً؟ قال : «لا ، ولكن يكون خائناً ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً ، وإن لم تكن فنصف عشر قيمتها» (٢).

فإنها واردة في مورد خاص وليس فيها تعليل كي يتعدى به ، ومن هنا فإثبات حكمها في مورد الزنا يحتاج إلى الدليل.

وإنما هي صحيحة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال : «إذا اغتصب أمة فاقتضها فعليه عشر قيمتها ، وإن كانت حرّة فعليه الصِّداق» (٣). فإنّها واردة في البكر وواضحة دلالة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٥ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٨ كتاب الحدود ، أبواب حد الزنا ، ب ٣٩ ح ٥.

٧٩

ويكون الولد لمولى الأمة (١).

وأمّا إذا كان جاهلاً بالحكم ، أو مشتبهاً من جهة أُخرى ، فلا يحدّ. ويكون الولد حرّا (٢). نعم ، ذكر بعضهم أنّ عليه قيمته يوم سقط حيّاً (*) ، ولكن لا دليل عليه في المقام (٣). ودعوى أنه تفويت لمنفعة الأمة ، كما ترى ، إذ التفويت إنما

______________________________________________________

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية حبلى لم يعلم بحبلها فوطئها ، قال : «يردّها على الذي ابتاعها منه ، ويردّ معها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها» (١).

وموردها وإن كان وطء ما يملكه الإنسان لا الزنا ، إلّا أن التعليل المذكور في ذيلها أعني قوله (عليه السلام) : «لنكاحه إياها» يدلّ على اقتضاء مطلق النكاح وطبيعيه لثبوت نصف العشر في الثيب التي هي موردها ، باعتبار أن الحبل لا يكون غالباً إلّا بالوطء. وعلى فرض تسليم إطلاقها ، فهي مخصصة بالنصوص الدالة على ثبوت العشر بتمامه عند وطء الباكر.

إذن فالنتيجة في المقام هو القول بثبوت تمام العشر عند زنا الحرّ بالأمة البكر لصحيحة طلحة بن زيد ، ونصفه عند الزنا بالثيب لصحيحة عبد الله بن سنان.

(١) وقد تقدّم الكلام فيه مفصلاً في المسألة الثامنة من هذا الفصل ، حيث قد عرفت أن فرض زنا الأب مستثنى من عموم حرية الولد ، فيما إذا كان أحد أبويه حرّا.

(٢) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وقد تقدّم الكلام فيه أيضاً.

(٣) ما أفاده (قدس سره) غريب منه ، إذ الروايات الواردة في تدليس الأمة وتزوّجها بدعوى الحرية ، غير قاصرة الشمول للمقام.

كموثقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مملوكة أتت قوماً

__________________

(*) هذا هو الصحيح لمعتبرة سماعة وغيرها ، وعليه فمن الغريب من الماتن (قدس سره) حيث إنه نفى الدليل عليه في المقام ، وذلك لأنّ مورد الروايات هو هذا المقام وهو ما إذا كان الواطئ جاهلاً بالحكم أو مشتبهاً.

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، ب ٥ ح ١.

٨٠