موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

لزوجها ، أو اشترط كونها عليه (١).

وللمولى استخدامها بما لا ينافي حق الزوج (٢). والمشهور أن للمولى أن يستخدمها نهاراً ، ويخلي بينها وبين الزوج ليلاً ، ولا بأس به ، بل يستفاد من بعض الأخبار (*) (٣). ولو اشترطا غير ذلك فهما على شرطهما (٤).

______________________________________________________

عليه تكليفي محض فلا يجب مع غناها.

نعم ، لو سقطت بالنشوز ، كما ذهب إليه المشهور ؛ أو بخروجها من داره وانفصالها عنه ، كما اخترناه ؛ وجبت نفقتها على المولى لكونها فقيرة حينئذٍ.

(١) فينفذ لعموم «المؤمنون عند شروطهم». هذا إذا كان الشرط شرط الفعل بمعنى اشتراط كون أدائها عليه. وأما لو كان الشرط بنحو شرط النتيجة ، أعني اشتراط ثبوتها عليه ، فلا.

(٢) لأنّها بالتزويج لا تخرج عن ملكه ، بل تبقى مملوكة له كما كانت ، فيكون مقتضى القواعد جواز استخدامها للمولى متى شاء في غير الاستمتاع إذا لم يكن منافياً لحق الزوج ، حيث إنه قد ملكه هذه المنفعة فلا يجوز له التصرف فيه أو تفويته عليه.

(٣) وهو ما رواه في الجعفريات ، قال : أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد ، حدثني موسى ، قال حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) أنه قال : «إذا تزوّج الحر الأمة ، تخدم أهلها نهاراً وتأتي زوجها ليلاً وعليه النّفقة إذا فعلوا ذلك به ، وإن حالوا بينه وبين امرأته فلا نفقة لهم عليه» (١). إلّا أن سند الكتاب غير موثق وإن أصر الشيخ النوري (قدس سره) على صحته ، غير أنه لا دليل عليه.

ومن هنا فلا وجه لما ذكر ، بل لا بدّ من الالتزام بالجواز مطلقاً ما لم يكن منافياً لحق الزوج ، وعدم الجواز كذلك عند منافاته له.

(٤) لعموم وجوب الوفاء بالشرط.

__________________

(*) لكنّه ضعيف ، والأوجه ما ذكره أوّلاً.

(١) الجعفريات (حجري) : ١٠٥ ١٠٦.

٤١

ولو أراد زوجها أن يسافر بها ، هل له ذلك من دون إذن السيد؟ قد يقال : ليس له ، بخلاف ما إذا أراد السيد أن يسافر بها ، فإنه يجوز له من دون إذن الزوج. والأقوى العكس (*) (١) لأنّ السيد إذا أذن بالتزويج فقد التزم بلوازم

______________________________________________________

(١) بل الأقوى هو القول بعدم الجواز لكل منهما. وذلك لاستلزام سفر كل منهما بها تفويت الحق الثابت للآخر ، فسفر المولى بها يستلزم تفويت حق الزوج ، كما أن سفر الزوج بها يستلزم تفويت حق المولى في استخدامها ، فلا يجوز ذلك لكل منهما إلّا بإذن الآخر ، بل لو خالف الزوج ضمن المنافع الفائتة للمولى.

ثمّ في فرض تعارضهما ، فهل تجب على الأمة إطاعة زوجها ، أم تجب عليها طاعة مولاها؟

الصحيح هو أن يقال : إنّ المقام لما كان من مصاديق التزاحم ، حيث لا يمكن الأمة الجمع بين السفر وعدمه ، فلا بدّ من القول بالتخيير إن لم يكن هناك مرجع لأحد الطرفين. لكن من غير البعيد أن يقال بترجيح حق المولى ، لأنه أقوى باعتبار كونه مالكاً للعين والمنفعة ، بخلاف الزوج حيث لا يملك إلّا منفعة الاستمتاع. ويكفينا في تقديم حق المولى احتمال الأقوائية ، فإنه منجز في باب التزاحم على ما بُيّن في محله.

وبعبارة اخرى نقول : إنّ الأمة لما لم يمكنها الجمع بين حق المولى وحق الزوج حيث يأمر أحدهما بالسفر والآخر بالبقاء ، وقع التزاحم بين الأمرين لا محالة باعتبار أن كلّاً منهما مشروط بالقدرة ، ومقتضاه هو التخيير ما لم يحتمل أهميّة أحدهما ، وإلّا قدم ما احتمل أهميته. وحيث في المقام يحتمل أهمية أمر المولى ، لكونه مالكاً للعين وجميع منافعها باستثناء منفعة الاستمتاع ، تعيّن عليها إطاعته لا محالة.

__________________

(*) بل الأقوى عدم الجواز لكل من السيِّد والزّوج بدون إذن الآخر ، لأنّ لكل منهما حق الانتفاع من الأمة أحدهما بالاستخدام والآخر بالاستمتاع ، ولا يجوز لواحد منهما تفويت حق الآخر بدون رضاه ، وأما الأمة فبما أنه يجب عليها إطاعة زوجها وإطاعة سيِّدها ففي صورة المعارضة بينهما يدور أمرها بين المحذورين ولا يبعد تقديم حق السيِّد لاحتمال أهميته.

٤٢

الزوجية ، و (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (١).

وأما العبد المأذون في التزويج فأمره بيد مولاه ، فلو منعه من الاستمتاع يجب عليه طاعته ، إلّا ما كان واجباً عليه من الوطء في كل أربعة أشهر (٢) ومن حق القسم.

[٣٨٠٥] مسألة ٥ : إذا أذن المولى للأمة في التزويج وجعل المهر لها ، صحّ على الأقوى من ملكية العبد والأمة (٣) وإن كان للمولى أن يتملك ما ملكاه ، بل الأقوى

______________________________________________________

(١) الظاهر أن هذه الآية الكريمة أجنبية عن محلّ الكلام ، فإنها واردة في أن الرجل يقوّم ظهر المرأة ووجوب إطاعته عليها ، ومن الواضح أن هذا لا ينافي وجوب إطاعة المولى عليها أيضاً.

(٢) فلا تجب إطاعته لمخالفته لأمر الله تبارك وتعالى ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

(٣) الكلام تارة في إمكان ملكيتهما ، وأُخرى في وقوعه خارجاً والدليل عليه.

أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي الشك فيه ، فإنّ الملكية إنما هي من الأُمور الاعتبارية وقائمة بالاعتبار وهو سهل المئونة ، فللشخص أن يعتبر ما يشاء ما دام يترتّب عليه الأثر كي لا يكون لغواً. وأما من تقوم به الملكية ويكون مالكاً فلا دليل على اعتبار كونه حرّا ، بل يمكن أن يكون جماداً كالوقف على المسجد وما شاكله.

وأمّا المقام الثاني : فيمكن الاستدلال على وقوعه بجملة من النصوص المعتبرة :

كالتي دلّت على نفي الزكاة في مال العبد (١). فإنه ظاهر في كون العبد مالكاً ، غاية الأمر أن أمواله مستثناة ، من حكم الزكاة ، وإلّا فلو لم يكن العبد مالكاً لم يكن وجه لنفي الحكم عنه ، لكونه سالبة بانتفاء الموضوع.

والتي دلّت على أن العبد لا يرث ولا يورث (٢). فإن الحكم بأنه لا يورث ظاهر في

__________________

(١) الوسائل : ٩ : ٩١ وجوب الزكاة على الحر وعدم وجوبها على العبد ح ١١٥٩٧ ، ١١٥٩٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٦ كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، ب ١٦.

٤٣

كونه مالكاً لهما ولمالهما ملكية طولية (١).

______________________________________________________

أنه يملك ، إلّا أن أمواله لا تنتقل بموته إلى ورثته ، وإلّا فلو لم يكن له مال لعدم قابليته للملكية ، لم يكن وجه للقول بأنه لا يورث.

والتي دلّت على أن العبد ليس له التصرف في أمواله من دون إذن سيده ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من ماله إلّا بإذن مولاه» (١). فإنها تدل وبكمال الصراحة على أن العبد يملك ، غاية الأمر أنه محجور عليه وليس له التصرف إلّا بإذن مولاه.

(١) إذ لا محذور فيه عقلاً ، نظراً إلى أن الملكية من الأُمور الاعتبارية ، فلا يأتي فيها التضادّ أو التناقض أو التماثل ، لأنها إنما تختص بالأُمور التكوينية الموجودة في الخارج ، فلا مانع من اعتبار شي‌ء واعتبار عدمه في آن واحد عقلاً ، غاية الأمر أنه يكون لغواً ولا يصدر من الحكيم إذا لم يكن له أثر ، وإلّا فلا لغوية فيه أيضاً ، كما هو الحال في اعتبار وكيلين أو متوليين مستقلين بحيث يعمل كلٌّ منهما منفرداً عن الآخر.

هذا بشكل عام. وأما في خصوص الملكية فاعتبارها لشخصين كلّ منهما مستقلا عن الآخر لغو محض ، لأنّ مقتضى اعتبار ملكية زيد له هو جواز تصرفه فيه كيف يشاء وانتقاله إلى ورثته بعد موته ، في حين إنّ مقتضى اعتبار ملكية عمرو له هو عدم جواز تصرف زيد فيه في حياته وعدم انتقاله إلى ورثته بعد وفاته ، وكذا العكس فيكون لغواً محضاً.

ومن هنا فقد ذكرنا في باب الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية ، أنه لا استحالة في الجمع بين الحكمين مطلقاً ، سواء أكانا معاً واقعيين ، أم كانا ظاهريين ، أم كان أحدهما واقعياً والآخر ظاهرياً.

غاية الأمر أن الأوّل لغو لا يصدر من الحكيم ، لا سيما إذا قلنا بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ، فإنه حينئذ لا يمكن الجمع بينهما أيضاً ، حيث لا يمكن

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٣ ح ١.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أن يكون الشي‌ء الواحد واجداً للمصلحة الراجحة والمفسدة الراجحة في آن واحد.

وأمّا الثاني فهو كالأوّل في اللغوية ، حيث لا يمكن للمكلف امتثالهما في الخارج.

وأمّا الثالث فلا محذور فيه أصلاً ، إذ إنهما لا يصلان معاً إلى المكلف أصلاً ، فإذا وصل الأوّل ارتفع موضوع الثاني ، وإذا وصلت النوبة إلى العمل بالثاني فلا بدّ من فرض عدم الأوّل. ومن هنا فلا يكون جعلهما معاً لغواً ، فضلاً عن كونه ممتنعاً عقلاً.

والحاصل أنه لا محذور عقلاً من اعتبار ملكية شي‌ء لشخصين مستقلين في نفسه مع كون أحدهما في عرض الآخر ، فضلاً عن كون ملكية المولى طولية ، نعم ، هو عبث ولغو فلا يصدر من الحكيم ، غير أن هذا غير الامتناع العقلي ، كما لا يخفى.

وأما بالنسبة إلى خصوص العبد ومولاه ، فاعتبار ملكية شي‌ء واحد لكل منهما مستقلا في عرض الآخر ، فمضافاً إلى أنه لا يصطدم بأي محذور عقلي ، لا يأتي فيه محذور اللغوية ، لأن العبد ممنوع من التصرف ولا يورث ، فلا يأتي فيه ما ذكر من أن اعتبار الملكية له يقتضي جواز تصرفه فيه كيف يشاء وانتقاله إلى ورثته بعد موته ، إذ إنه لا يقدر على شي‌ء.

إلّا أنه لا دليل عليه. بل ربّما ينافي ما دل على جواز هبة المولى لعبده شيئاً (١). فإن مفهومها إنما هو رفع اليد عن الملكية وسلب مالكيته عن شي‌ء وجعلها لآخر ، فإنه لا ينسجم مع كون المولى مالكاً لذلك الشي‌ء في عرض مالكية العبد أيضاً ، إذ إنه إنما يكون حينئذ من إضافة مالك إلى مالك لا سلب المالكية عن شخص وجعلها لآخر.

بل وربّما ينافيه ما دلّ على نفي الزكاة عن مال العبد (٢). فإن المال لو كان مملوكاً للمولى أيضاً ، لوجبت فيه الزكاة من هذه الجهة ، وهو يتنافى مع الحكم بأنه لا زكاة فيه.

وبالجملة فالالتزام بملكية المولى للمال في عرض ملكية العبد له ، مضافاً إلى أنه لا دليل عليه ، ينافيه بعض النصوص الواردة في أبواب متفرقة من الفقه.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٦٨ أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة ح ٢٣٦٤٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٩١ كتاب الزكاة ، باب ٤ ح ١١٥٩٧ و ١١٥٩٨.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

إذن فالصحيح هو الالتزام بما ذكره الماتن (قدس سره) من ملكية المولى للمال ملكية طولية ، بمعنى أن المال مملوك للعبد أوّلاً وبالذات ، غاية الأمر أن المولى يملكه أيضاً باعتبار ملكيته لمالك المال أعني العبد فهو مملوك له بالتبع لا بالأصالة ، فإنّ هذا الالتزام لا محذور فيه أصلاً.

وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المملوك : «ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصيّة إلّا أن يشاء سيده» (١).

وصحيحة إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ، فيقول : حلّلني من ضربي إياك ، ومن كل ما كان منِّي إليك وما أخفتك وأرهبتك ، فيحلِّله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه ثمّ إنّ المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد فأخذها المولى ، إحلال هي؟ فقال : «لا». فقلت له : أليس العبد وماله لمولاه؟ فقال : «ليس هذا ذاك» ثمّ قال (عليه السلام) : «قل له فليرد عليه ، فإنه لا يحل له ، فإنه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة» (٢).

فإنّ قول إسحاق (أليس العبد وماله لمولاه) وإجابة الامام (عليه السلام) عنه بأنه «ليس هذا ذاك» ظاهر الدلالة في أن ملكية المولى للعبد ومن ثمّ لما يملكه من الأُمور أمر مفروغ عنه.

والحاصل أن العبد مالك لأمواله أوّلاً وبالذات ، ومولاه مالك لتلك الأموال لكن بتبع ملكيته للعبد نفسه ، فملكية المال المعين معتبرة مرّتين : تارة للعبد بالذات ، وأُخرى للمولى بتبع ملكيته للعبد ، وقد عرفت أنه لا محذور في هذين الاعتبارين ما دامت هناك مصلحة فيه.

هذا مضافاً إلى دلالة صحيحتي محمد بن قيس وإسحاق بن عمار على ما ذكرناه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٧٨ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، ب ٩ ح ٣.

٤٦

[٣٨٠٦] مسألة ٦ : لو كان العبد أو الأمة لمالكين أو أكثر ، توقف صحّة النّكاح على إذن الجميع أو إجازتهم (١). ولو كانا مبعضين ، توقف على إذنهما وإذن المالك (٢) وليس له إجبارهما حينئذ (٣).

[٣٨٠٧] مسألة ٧ : إذا اشترت العبد زوجته بطل النِّكاح (٤) وتستحق المهر

______________________________________________________

نعم ، لا بدّ من استثناء صورة واحدة من هذا الحكم ، حيث لا يملك المولى فيها مال العبد بتبع ملكيته له ، وهي ما لو أعطى المولى شيئاً لعبده في قبال أن يحلّله مما اعتدى عليه فراراً من العقاب الأُخروي ، وذلك لصريح صحيحة إسحاق بن عمار المتقدِّمة فيملك العبد هذا المال مستقلا ومن دون أن يملكه المولى بالملكية الطولية.

(١) لما تقدّم في المالك المتحد ، إذ لا فرق بين المتحد والمتعدِّد ، فإنهم جميعاً يملكونه ولكل منهم حصة فيه ، فلا يصحّ التزويج من دون إذن المالك أو إجازته.

(٢) أمّا اعتبار إذنهما فللحاظ الجزء الحر ، حيث لا سلطنة للمولى عليه. وأما اعتبار إذن المالك فللحاظ الجزء المملوك ، حيث يكون التصرف فيه بغير إذنه تعدياً على سلطانه ، وتصرفاً في ماله بغير رضاه.

(٣) لعدم السلطنة على جزئهما الحر.

(٤) الروايات الواردة في المقام أربع :

إحداها : واردة في شراء الحرّة زوجها العبد ، وهي رواية سعيد بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة حرّة تكون تحت المملوك فتشتريه ، هل يبطل نكاحه؟ قال : «نعم ، لأنه عبد مملوك لا يقدر على شي‌ء» (١). إلّا أنها ضعيفة السند ، من جهة أن شيخ الكليني (قدس سره) أبا العباس محمد بن جعفر لم يرد فيه توثيق.

وثلاث منها واردة في الإرث ، هي :

أ ـ صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٩ ح ٢.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

رجل زوج أم ولد له مملوكه ، ثمّ مات الرّجل فورثه ابنه فصار له نصيب في زوج امّه ثمّ مات الولد أترثه امّه؟ قال : «نعم». قلت : فإذا ورثته ، كيف يصنع وهو زوجها؟ قال : «تفارقه وليس له عليها سبيل وهو عبدها» (١).

ثمّ إن صاحب الوسائل (قدس سره) قد جعل كلمة «وهو عبدها» بين قوسين وجعل عليها حرف (خ) إشارة إلى أنها نسخة ، غير أننا عند مراجعتنا إلى المصدر وجدنا أنّ الكلمة ثابتة فيه من غير الإشارة إلى كونها نسخة ، فما فعله (قدس سره) لعلّه من سهو القلم.

ب ـ صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في سرية رجل ولدت لسيدها ثمّ اعتزل عنها فأنكحها عبده ثمّ توفِّي سيِّدها وأعتقها فورث ولدها زوجها من أبيه ، ثمّ توفي ولدها فورثت زوجها من ولدها ، فجاءا يختلفان يقول الرجل : امرأتي ولا أُطلقها ، وتقول المرأة : عبدي لا يجامعني. فقالت المرأة : يا أمير المؤمنين ، إن سيدي تسراني فولدني ولداً ثمّ اعتزلني فأنكحني من عبده هذا ، فلما حضرت سيدي الوفاة أعتقني عند موته وأنا زوجة هذا وإنه صار مملوكاً لولدي الذي ولدته من سيدي ، وإن ولدي مات ثمّ ورثته ، هل يصلح له أن يطأني؟ فقال لها : هل جامعك منذ صار عبدك وأنت طائعة؟ قالت : لا يا أمير المؤمنين. قال : لو كنت فعلت لرجمتك ، اذهبي فإنه عبدك ليس له عليك سبيل. إن شئت أن تبيعي ، وإن شئت أن ترقي ، وإن شئت أن تعتقي» (٢).

ج ـ معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته ، قال : «ليس بينهما نكاح» (٣).

وهذه النصوص وإن كانت واردة في تملكها له بالإرث ، إلّا أنّ الظاهر من الصحيحتين الأُوليين هو أن انفساخ الزوجية إنما هو من جهة عدم اجتماع الزوجية

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٩ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٩ ح ٤.

٤٨

إن كان ذلك بعد الدخول (١). وأما إن كان قبله ، ففي سقوطه ، أو سقوط نصفه ، أو ثبوت تمامه (*) ، وجوه مبنية على أنه بطلان أو انفساخ (٢). ثمّ هل يجري عليها حكم الطّلاق قبل الدخول أو لا؟ وعلى السقوط كلّاً إذا اشترته بالمهر الذي كان

______________________________________________________

والعبودية مطلقاً ، وإن الرجل الذي هو عبد للمرأة «وليس له عليها سبيل» لا يصلح أن يكون زوجاً لها ويقوم ظهرها ، من دون أن يكون لسبب العبودية خصوصيّة.

ومن هنا فيتم ما ذكره الماتن (قدس سره) ، وإن كانت الرواية الواردة في شرائها لزوجها ضعيفة السند.

(١) بلا إشكال فيه ولا خلاف ، لاستقراره بالدخول بعد أن كان العقد صحيحاً فلا موجب لسقوط بعضه فضلاً عن تمامه.

(٢) وذلك لأن ارتفاع العقد عند طرو ما يوجب زواله بعد الحكم بصحته ، إنما يكون على نحوين :

الأوّل : زواله على نحو تقدير أنه لم يكن ، فيفرض العقد حين طرو الرافع كأنه لم يقع في الخارج ولم يكن في حينه ، كما هو الحال في موارد الفسخ بالخيار.

الثاني : زواله من حين طرو العذر وبطلانه عند تحقق السبب ، كما هو الحال في الطلاق.

أما على النحو الأوّل ، فلا يجب على أحد المتعاقدين شي‌ء للآخر ، لارتفاع العقد وفرضه كأن لم يكن ، وفي حكم الفسخ الانفساخ ، أعني حكم الشارع به وإن لم يكن هناك فسخ من المتعاقدين. كما هو الحال في باب التداعي ، فإذا ادعى البائع أن المبيع كان داراً وادعى المشتري أنه كان بستاناً حكم بالانفساخ ، وفرض العقد كأن لم يكن من الأوّل.

ففي المقام لو فرض الانفساخ فليس للزوجة شي‌ء من المهر ، لأنه مأخوذ في ضمن العقد وهو قد فرض كأن لم يكن ، فلا موجب لثبوته مجرداً عنه ، سواء أكان الفسخ

__________________

(*) لا يبعد أنه المتعين.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من قبله أو من قبلها.

نعم ، في خصوص ما لو فسخت المرأة العقد لظهور الرجل عنيناً ، تستحق عليه نصف المهر ، للنص على ما سيأتي بيانه وإلّا فمقتضى القاعدة عدم استحقاقها شيئاً لفرض العقد غير واقع في الخارج.

وأما على النحو الثاني ، كما لو عرض البطلان نتيجة لارتضاع ابن الزوج من أُم الزوجة ، فإنه يبطل النكاح حيث لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن أو المرضعة ، لكنّه لا يعدّ فسخاً ورفعاً للعقد من الأوّل وفرضه كأن لم يكن ، وإنما هو حكم بأنه كالعدم من الآن.

وعلى هذا فتستحق المرأة في هذا التقدير المهر. لكنها هل تستحقه بتمامه ، أو تستحق نصفه خاصة؟ خلاف بين الأصحاب ، فمنهم من ذهب إلى الأوّل ، ومنهم من اختار الثاني.

والصحيح هو الأوّل. والوجه فيه أن سقوط المهر كلّاً أو بعضاً بعد ثبوته بالعقد وملكية الزوجة له على الزوج أو سيده ، يحتاج إلى الدليل ، وإلّا فمقتضى إطلاق أدلّته هو ثبوته تماماً في ذمته ، وحيث لا دليل في المقام فلا مجال للمصير إليه.

نعم ، دلّت الآية الكريمة وجملة من النصوص على سقوط النصف في الطلاق (١) كما ورد النص في إبراء الرجل لزوجته المنقطعة قبل أن يدخل بها (٢). كما إن ذلك هو الصحيح عندنا في الموت أيضاً للنص الصحيح (٣) وإن خالف فيه جماعة فالتزموا بثبوت التمام ، أو قيل بالتفصيل بين موت الزوج وموت الزوجة.

وأما في غير هذه الموارد من موارد بطلان العقد وارتفاعه بقاءً ، فحيث لا دليل على سقوط شي‌ء من المهر ، فلا وجه للقول به بل اللازم هو الالتزام بثبوت تمامه.

ثمّ إنه يظهر من كلمات بعضهم التفصيل في المقام بالقول : بأن سبب البطلان إن كان

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٥١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٣٠.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٥٨.

٥٠

لها في ذمّة السيِّد بطلَ الشراء ، للزوم خلو البيع عن العوض (١). نعم ، لا بأس به

______________________________________________________

هو الزّوج ، وجب عليه دفع تمام المهر إليها. وإن كانت هي الزوجة سقط المهر أجمع. وإن كانا هما معاً انتصف المهر ، فيسقط نصفه ويجب عليه دفع النصف الآخر إليها.

ولم نعرف لهذا القول وجهاً ، غير دعوى استناد التفويت إلى من هو سبب البطلان فيضمنه للآخر.

إلّا أنها مما لا يمكن المساعدة عليها. وذلك لأنّ الزوجية ليست من الماليات كي تضمن عند تفويتها ، ولذا لو قتل شخص زوجة أحد لم يضمن مضافاً إلى ديتها عوض الزوجية. وكذا لو تصدى الغير للبطلان وسبب فيه ، كما لو تصدّت أُم الزوجة لإرضاع الطفل عمداً فحرمت المرأة على زوجها ، فلا يحتمل ثبوت المهر عليها مع أنها هي التي فوتت الزوجية وأبطلتها.

والحاصل أنّ في موارد الفسخ أو الانفساخ لا يثبت للزوجة شي‌ء من المهر بالمرّة عدا مورد الفسخ نتيجة لعنن الزّوج حيث يثبت لها نصف المهر. وأما في موارد البطلان ، ففي غير الموارد التي دلّ الدليل على سقوط النصف كالموت والطلاق والإبراء لا يسقط من المهر ولا جزء من الألف فضلاً عن نصفه ، بل تستحق تمام ما سمِّي في العقد.

(١) لانفساخ الزوجية بمجرد شراء الزوجة زوجها ، فيرجع المهر إلى السيد لا محالة ، وبذلك لا يتحقق مفهوم البيع الذي هو عبارة عن مبادلة مال بمال ، لأنّ تملك العبد حينئذ يكون بلا عوض. وليس هذا تخصيصاً في أدلة البيع أو شراء الزوجة زوجها ، وإنما هو خروج عنها بالتخصص ، حيث لا يتحقق فيه مفهوم البيع والشراء.

وقد خالف في ذلك شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ، حيث التزم بالصحّة. بدعوى أن سقوط المهر معلول لشراء الزوجة العبد ، وإلّا فالزوجية قبل ذلك ثابتة والمهر لازم للمولى وهي تملكه بلا خلاف ، وإنما يعرض البطلان في مرتبة متأخرة عن الشراء. ومن هنا فحيث إن المرأة تملك المهر في رتبة الشراء ، فلا وجه للحكم بالبطلان ، لعدم خلو البيع عن العوض.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد أشكل عليه في بعض الكلمات بأنه لا فرق في البطلان بين أن يكون في مرتبة متقدمة عن الشراء ، أو يكون في مرتبة لاحقة له. فإن سقوط المهر في الرتبة اللاحقة للشراء ، موجب لبطلان الشراء في الرتبة اللاحقة ، فيلزم نفس المحذور المذكور في المتن.

ولكنّه مندفع بأنه لا موجب للحكم ببطلان البيع فيما إذا كان سقوط المهر في مرحلة متأخرة عنه ، بل لا بدّ من الحكم بالصحّة ولزوم دفع بدل المهر إلى السيِّد على الزوجة ، نظراً لتلف نفس المهر حكماً بانتقاله إلى البائع في مرحلة سابقة عن انفساخ العقد ، كما هو الحال في سائر موارد الفسخ أو الانفساخ بعد تلف العوض حقيقة أو حكماً بالانتقال اللّازم عن ملكه.

ففي المقام يقال : إنّ الزوجة حينما اشترت زوجها كانت مالكة للمهر ، فصح البيع لتمامية الشروط. وحينما حكم ببطلان الزوجية في مرحلة متأخرة عن الشراء ، وجب عليها إرجاع المهر إلى من كان المهر عليه ، وحيث إنه تالف لانتقاله عنها لزمها دفع بدله ، كما هو الحال في جميع موارد تأخر الفسخ عن تلف أحد العوضين ، ولا موجب لدعوى البطلان في المقام.

غير أن هذا لا يعني تمامية ما أفاده شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ، فإنه مما لا يمكن المساعدة عليه.

وذلك لما ذكرناه في كتاب الصلاة عند تعرض المصنف (قدس سره) لما إذا نسي المصلِّي التسليم حتى صدر منه الحدث ، من الحكم بالصحّة بالنظر إلى أن دليل «لا تُعاد» (١) شامل للتسليم أيضاً ، حيث إنه ليس من الخمسة المستثناة ، فيدلّ على سقوط جزئيته عند النسيان ، كما هو الحال في سائر أجزاء الصلاة التي لا تعاد منها. ومن هنا يكون الحدث بعد الفراغ من الصلاة لا محالة ، لسقوط جزئية التسليم فيحكم بالصحّة فيه.

وما قيل من أنّ الخروج عن الصلاة لما كان معلولاً للحدث وفي مرتبة متأخرة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٦ كتاب الصلاة ، أبواب التشهد ، ب ٧ ح ١.

٥٢

إذا كان الشراء بعد الدخول ، لاستقرار المهر حينئذ (١).

وعن العلامة في القواعد : البطلان إذا اشترته بالمهر الذي في ذمّة العبد وإن كان بعد الدخول ، لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته من المهر ، فيخلو البيع عن العوض. وهو مبني على عدم صحّة ملكية المولى في ذمّة العبد. ويمكن منع عدم الصحّة (٢). مع أنه لا يجتمع ملكيتها له ولما في ذمته ، بل ينتقل ما في ذمّته إلى

______________________________________________________

عنه ، كان الحدث في مرتبة سابقة عن الخروج وهي حالة الصلاة ، ومن هنا فلا محيص عن الحكم بالبطلان.

مدفوع بما ذكرناه في مبحث الترتب ومبحث الواجب المشروط من المباحث الأُصولية ، من أن نسبة الأحكام الشرعية إلى تمام موضوعاتها إنما هي نسبة المعلول إلى العلة التامة في التكوينيات ، فهما مختلفان رتبة ومتحدان من حيث الزمان حيث لا يفصل بينهما أي فاصل زماني. ومن هنا فزمان الحدث هو بعينه زمان الخروج من الصلاة وإن كان الثاني متأخراً في الرتبة عن الأوّل ، إلّا أنه لا عبرة بذلك وإنما العبرة بالزمان ، وحيث إنه لا زمان يقع فيه الحدث مغايراً لزمان الخروج عن الصلاة بحيث يصدر منه الحدث وهو في الصلاة ، فلا موجب للحكم بالبطلان.

فإنّ هذا الكلام يجري بعينه في المقام ، فيقال : إنّ الزوجة في زمان انتقال العبد إلى ملكها لم تكن مالكة للمهر ، لانتقاله في ذلك الزمان إلى ملك من كان عليه المهر وإن كانا يختلفان في الرتبة ، وعلى هذا فليس هناك زمان ينتقل فيه المهر إلى البائع كي ينتقل العبد إلى ملك الزوجة وتحصل به مبادلة المال بالمال ، كي يحكم بالصحّة ، بل لا محيص عن الالتزام بالبطلان ، لخلو البيع عن العوض وعدم تحقق مبادلة بالمال.

(١) بلا خلاف فيه. حيث يكون ملكاً طلقاً لها تفعل به ما تشاء ، فإذا اشترت به العبد من مولاه حكم بصحّة البيع ، وبه يسقط ما في ذمّة المولى ، كما هو الحال في الشراء من المدين.

(٢) بل قد عرفت أنه هو الصحيح ، فإنه يضمن ما يتلفه من أموال المولى بلا خلاف ، فيتبع به بعد العتق.

٥٣

المولى بالبيع (١) حين انتقال العبد إليها.

[٣٨٠٨] مسألة ٨ : الولد بين المملوكين رقّ (*) (٢) سواء كان عن تزويج مأذون فيه ، أو مجاز ، أو عن شبهة مع العقد أو مجرّدة (٣) ، أو عن زنا منهما ، أو من

______________________________________________________

(١) ثمناً وعوضاً لانتقاله هو إلى الزوجة.

(٢) بلا إشكال ولا خلاف فيه بين المسلمين قاطبة ، فإنه نماء لهما ، فيتبعهما في الرقية.

وتدلّ عليه مضافاً إلى السيرة القطعية المتصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام) فإنّ المسلمين كانوا يملكون العبيد والإماء ، وكانوا يملكون أولادهم أيضاً من غير ردع أو زجر جملة من النصوص المعتبرة الدالة على حرية المولود من أبوين أحدهما حرّ (١) فإنّ هذه الأسئلة والأجوبة إنما تكشف عن وضوح مملوكية المولود من المملوكين لدى السائل.

ويؤيِّد ذلك خبر أبي هارون المكفوف ، قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : «أيسرك أن يكون لك قائد؟» قلت : نعم ، فأعطاني ثلاثين ديناراً وقال : «اشتر خادماً كسومياً» فاشتراه ، فلما أن حجّ دخل عليه فقال له : «كيف رأيت قائدك يا أبا هارون»؟ قال : خيراً. فأعطاه خمسة وعشرين ديناراً وقال له : «اشتر له جارية شبانية ، فإنّ أولادهنّ فره» فاشتريت جارية شبانية فزوجتها منه فأصبت ثلاث بنات ، فأهديت واحدة منهنّ إلى بعض ولد أبي عبد الله (عليه السلام) وأرجو ان يجعل ثوابي منها الجنة ، وبقيت ثنتان ما يسرّني بهن أُلوف (٢).

غير أنّ هذه الرواية لا تخلو من الإشكال في السند.

(٣) بلا خلاف فيه. فإنه نماء لهما وينتتسب شرعاً إليهما ، فيكون رقّاً لا محالة ، كما

__________________

(*) هذا إذا كانت الأُم أمة ، وأمّا إذا كانت حرّة فلا يبعد أن يكون الولد حرّا وإن كانت زانية أو عالمة بفساد العقد ، وسيأتي منه (قدس سره) في المسألة الرابعة عشرة الفرق بين الزنا وفساد العقد على خلاف ما ذكره هنا.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٠.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٢ ح ١.

٥٤

أحدهما ، بلا عقد أو عن عقد معلوم الفساد عندهما ، أو عند أحدهما (١).

وأما إذا كان أحد الأبوين حراً ، فالولد حر إذا كان عن عقد صحيح (٢) أو شبهة

______________________________________________________

هو الحال في التزويج الصحيح.

(١) كل ذلك لكونه نماءً لهما ، فلا يتّصف بالحرية مع كونهما رقّين ، بل يتبعهما في العبودية لا محالة.

(٢) أما إذا كانت الأُم حرّة ، فلا إشكال ولا خلاف في حرية الولد. وتدلّ عليه مضافاً إلى السيرة القطعية المتصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام) جملة من النصوص الصحيحة الدالّة بإطلاقها أو نصّها على المدعى ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال في العبد تكون تحته الحرّة ، قال : «ولده أحرار ، فإن أعتق المملوك لحق بأبيه» (١). وغيرها من النصوص التي يأتي ذكرها.

وأما لو كان الأب حرّا وكانت الام أمة ، فالمشهور شهرة عظيمة بل ادعي عليه الإجماع أنه يلحق بالأب في الحرية ، ولا عبرة بعبودية الام. وقد دلّت على ذلك جملة من النصوص الصحيحة ، كمعتبرة جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوّج بأمة فجاءت بولد؟ قال : «يلحق الولد بأبيه» قلت : فعبد تزوّج حرّة؟ قال : «يلحق الولد بأُمه» (٢). وغيرها من الأخبار.

ولكن قد خالف في ذلك ابن الجنيد ، فالتزم بتبعية الولد للأُم في الرقية إلّا إذا اشترط حريته (٣).

واستدلّ عليه بعدة روايات معتبرة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل زوّج أمته من رجل وشرط عليه أنّ ما ولدت من ولد فهو حرّ فطلّقها زوجها أو مات عنها فزوّجها من رجل آخر ، ما منزلة ولدها؟ قال

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٠ ح ٢.

(٣) المختلف ٧ : ١٦٨.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

«منزلتها ، ما جعل ذلك إلّا للأوّل ، وهو في الآخر بالخيار ، إن شاء أعتق ، وإن شاء أمسك» (١).

وهذه المعتبرة كما تراها صريحة في لحوق الولد بالأمة في صورة عدم الاشتراط.

ومن هنا فيقع التعارض بينها وبين النصوص المتقدِّمة ، التي دلّت على تبعية الولد للأب في هذا الفرض صراحة. وحيث لا مجال لحملها على صورة الاشتراط نظراً إلى أنّ الظاهر منها أنه (عليه السلام) إنما هو في مقام بيان تبعية الولد للأب من حيث حرية الأب بحدّ ذاتها ، ومع قطع النظر عن جهة أُخرى كالاشتراط ، يتعين حمل صحيحة الحلبي على التقيّة ، إذ ينسب إلى العامة القول باللحوق إلى الأم.

وإلّا فلا محيص عن الالتزام بسقوط الطائفتين معاً للتعارض ، ويكون المرجع حينئذ هو عمومات أو إطلاقات الآيات الكريمة والنصوص الشريفة المثبتة للأحكام التكليفية والوضعية ، حيث إن مقتضاها ثبوت هذه الأحكام لجميع المكلفين من دون توقّف على إذن أحد أو رضاه ، إلّا أنه قد خصص بالدليل المنفصل بالمملوك ، حيث لا يقدر على شي‌ء ولا بدّ له في جميع تصرفاته من إذن مولاه.

ولما كان أمر المخصص يدور بين الأقل والأكثر ، إذ لا يعلم أنّ الخارج هل هو خصوص المتولد من المملوكين ، أو ما يعمّ المولود من الحر والمملوكة ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن والرجوع في المشكوك إلى العام ، حيث إن الشبهة حكمية.

وإذا ثبت وجوب التكليف عليه من دون تقيّد بإذن أحد ، ثبت عدم رقيته بالدلالة الالتزامية ، وقد ذكرنا في المباحث الأُصولية أن الدلالات الالتزامية حجة في الأمارات. فإنّ المولود يولد من دون أن يكون تحت سلطان أحد ، أو يكون تكليفه متوقّفاً على إذن أحد ، على ما تقتضيه إطلاقات وعمومات الكتاب والسنّة في الأحكام التكليفية والوضعية.

ومن هنا يمكن أن يقال : إنّه لا حاجة في الترجيح إلى القول بأنّ ما دل على

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٠ ح ١٣.

٥٦

مع العقد أو مجردة (١) حتى فيما لو دلست الأمة نفسها بدعواها الحرية فتزوجها حر على الأقوى (*) ، وإن كان يجب

______________________________________________________

اللحوق بالحر في المقام مخالف للعامّة بخلاف معتبرة الحلبي حيث إنها موافقة لهم على ما نسب إليهم ذلك فإن ما دل على اللحوق بالحر موافق للكتاب ، فيترجح على الطائفة الثانية من دون أن تصل النوبة إلى المرجح الثاني ، أعني مخالفة العامة.

ومع قطع النظر عن هذين المرجحين وإطلاقات وعمومات الكتاب والسنّة فالمرجع بعد تساقط الطائفتين إنما هو أصالة الحرية. ومعنى هذا الأصل هو ما ذكرناه في مبحث البراءة من المباحث الأُصولية ، من جريان الاستصحاب بالنسبة إلى مقام الجعل أيضاً فيما إذا تردد الحكم بين إلزامي وغيره سواء في ذلك الوضعي والتكليفي الراجع إلى التردد في الإطلاق والتقييد ، إذ الذي يحتاج إلى الجعل إنما هو الإلزام والتقييد دون الإباحة والترخيص ، فإنهما ثابتان في غير ما أمر الله بفعله أو نهى عنه بالعقل والآيات والنصوص ، فإن البشر مطلق العنان في تصرفاته يفعل ما يريد ويترك ما يشاء غير ما أمر به المولى عز وجل. ومن هنا فإذا شككنا في جعل التقييد كان لنا التمسّك بالأصل لنفيه.

وعليه فحيث إن مرجع الرقية إلى التقييد بخلاف الحرية حين إن مرجعها إلى الإطلاق ، كان المرجع عند الشك في جعلها لفرد هو أصالة العدم ، ولا يعارض ذلك بأصالة عدم جعل الحرية حيث لا أثر لهذا الجعل بالمرة ، فيحكم بحرية هذا المولود لا محالة.

إذن فالصحيح هو ما ذهب إليه المشهور بل كاد أن يكون إجماعاً ، من لحوق الولد بالحر من الوالدين ، سواء أكان هو الأب أم كان الأُم.

(١) فإنّ الحر المشتبه إذا كان هو الزوج ، فلا إشكال في لحوق الولد به.

وتدلّ عليه مضافاً إلى أصالة الحرية جملة من النصوص المعتبرة ، كالتي وردت

__________________

(*) فيه تفصيل يأتي.

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فيمن تزوّج امرأة ادعت الحرية فأولدها ، ثمّ انكشف كونها أمة ، حيث حكم (عليه السلام) بتبعية الولد للأب في الحرية (١). والتي وردت فيمن يشتري الأمة من السوق فيستولدها ، ثمّ يظهر كونها مغصوبة ولم يجز مالكها البيع ، فحكم الإمام (عليه السلام) بحرية الولد أيضاً (٢). فإن هذه النصوص تدلّ على تبعية الولد للأب الحر وحريته فيما إذا كان هو المشتبه في الوطء.

وأما إذا كان الاشتباه من جانب الأُم الحرّة ، فالمشهور والمعروف بينهم هو الحكم بتبعية الولد لها في الحرية. وقد خالف في ذلك الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة ووافقه عليه الشيخ الطوسي (قدس سره) ، حيث إنه (قدس سره) قد أورد كلام المفيد (قدس سره) وذكر رواية تدلّ عليه من دون أن يعلق عليه بشي‌ء فيظهر منه الرضا بما ذكر في المتن.

وهذه الرواية هي رواية العلاء بن رزين عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال في رجل دبّر غلاماً له فأبق الغلام ، فمضى إلى قوم فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد فولد له أولاد وكسب مالاً ، ومات مولاه الذي دبّره فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد ، فما ترى؟ فقال : «العبد وولده لورثة الميت». قلت : أليس قد دبر العبد؟ قال : «أنه لما أبق هدم تدبيره ورجع رقاً» (٣).

إلّا أنّ هذه الرواية مضطربة السند إلى حد لم يعهد لها مثيل في الروايات على الإطلاق ، فإنّ الشيخ (قدس سره) قد ذكرها في التهذيب في موردين.

أحدهما في باب (العقود على الإماء) وقد ورد السند هكذا : البزوفري ، عن أحمد ابن إدريس ، عن الحسين (الحسن) بن أبي عبد الله بن أبي المغيرة (عن ابن أبي المغيرة) عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلاء بن رزين.

وثانيهما في (باب التدبير) وقد ورد السند هكذا : البزوفري ، عن أحمد بن إدريس

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٩٥ أبواب نكاح العبيد ، باب ٩ ح ٢٦٦١٨.

(٢) الوسائل ٢١ : ٩٤ أبواب نكاح العبيد ، باب ٩ ح ٢٦٦١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٤٧ ح ١٠٧١ ، الاستبصار ٣ : ١٣٩ ح ٥٠١.

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الحسن بن علي ، عن أبي عبد الله (عبد الله) بن المغيرة (أبي المغيرة) عن الحسن بن عليّ بن فضال ، عن العلاء بن رزين. هذا بحسب الطبعة القديمة.

وأمّا الطبعة الحديثة فقد ورد في المورد الأوّل هكذا : البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسن بن أبي عبد الله بن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال عن العلاء بن رزين (١).

وأمّا المورد الثاني فقد ورد فيه : البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلاء بن رزين (٢).

وقد ذكرها صاحب الوافي (قدس سره) أيضاً في موردين ، ففي (باب النِّكاح) رواها عن البزوفري ، عن القمي ، عن الحسن بن أبي عبد الله ، عن ابن المغيرة ، عن ابن فضال ، عن العلاء بن رزين (٣) من دون تعرّض لاختلاف النسخ.

وأما في (باب التدبير) فقد ذكر أن في أكثر النسخ : الحسين بن علي أبي عبد الله بن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلاء بن رزين. إلّا أن في بعضها الحسن بدلاً عن الحسين ، كما أن في بعضها الحسين بن علي ، عن أبي عبد الله بن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلاء بن رزين. ثمّ استظهر بعد ذلك كلّه أنّ الصحيح هو ما ورد في المورد الثاني من الطبعة الحديثة للتهذيب (٤).

ثمّ إن صاحب الوسائل (قدس سره) قد رواها أيضاً في موردين ، فقد رواها في (أبواب التدبير) عن محمد بن الحسن ، عن البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن علي ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلاء بن رزين (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥٣ / ١٤٣٧.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٦٥ / ٩٦٦.

(٣) الوافي ٢ : ج ١٢ ، ص ٨٣ ، أبواب وجوه النِّكاح ، باب الرّجل يدلِّس نفسه.

(٤) الوافي ٣ : ج ٦ ص ٨٩ ، أبواب العتق والانعتاق ، باب التدبير.

(٥) الوسائل ، ج ٢٣ كتاب التدبير والمكاتبة ، ب ١٠ ح ٢.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كما رواها في أبواب (نكاح العبيد والإماء) عن محمد بن الحسن ، عن البزوفري عن الحسين بن أبي عبد الله ، عن ابن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلاء بن رزين (١) من دون أن يتعرض إلى اختلاف النسخ في كلام الموردين.

ثمّ لا يخفى أن السند في المورد الثاني من الوسائل لا يخلو من سقط. فإن البزوفري لا يمكنه أن يروي عن الحسين بن أبي عبد الله مباشرة ومن دون واسطة ، لاختلاف طبقتهما ، ومن هنا فمن المطمأنِّ به سقوط (أحمد بن إدريس) من القلم أو الطبع.

وعلى هذا فالرواية ساقطة من حيث السند ، ولا مجال للاعتماد عليها.

ومنه يظهر الحال فيما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) ، من أن المشهور وإن ذهبوا إلى تبعية الولد لأشرف أبويه ، وهو الأُم في المقام لكونها حرّة ، إلّا أنّ الرواية المعتبرة لما كانت واردة في خصوص هذا المورد ودالّة على إلحاقهم بأبيه العبد ، فلا بدّ من تخصيص القاعدة (٢).

فإنّ هذه الرواية غير معتبرة ، كما عرفت. على أنه لو فرض تمامية سندها فهي مبتلاة بالمعارض ، وهو صحيح محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مملوك لرجل أبق منه فأتى أرضاً فذكر لهم أنه حر من رهط بني فلان ، وأنه تزوّج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها أولاداً ، وأنّ المرأة ماتت وتركت في يده مالاً وضيعة وولدها ، ثمّ أن سيده بعد أتى تلك الأرض فأخذ العبد وجميع ما في يديه وأذعن له العبد بالرق؟ فقال : «أما العبد فعبده ، وأما المال والضيعة فإنه لولد المرأة الميتة لا يرث عبد حراً». قلت : فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد ولا وارث ، لمن يكون المال والضيعة التي تركتها في يد العبد؟ فقال : «يكون جميع ما تركت لإمام المسلمين خاصة» (٣) فإنها واردة في محل النزاع وصريحة في حرية الولد.

فلو تمّ سند تلك الرواية لكانت معارضة بهذه الرواية ، فتسقطان معاً لا محالة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٨ ح ١.

(٢) الحدائق ٢٤ : ٢٣٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ١١ ح ٣.

٦٠