موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

حجر الحاكم ، لعدم الضرر بها على الغرماء (١) لتقدّم الدَّين على الوصيّة.

الخامس : الحرِّيّة ، فلا تصحّ وصيّة المملوك ، بناءً على عدم ملكه وإن أجاز مولاه (٢). وكذا بناءً على ما هو الأقوى من ملكه ، لعموم أدلّة الحجر (٣) ، وقوله

______________________________________________________

قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيّته وإن لم يحتلم» (١). فإنّ ظاهرها كون العبرة في النفوذ بالعقل خاصة ، ومن غير اعتبار للرشد.

إذن فما نسب إلى المشهور من نفوذ وصيّة السفيه هو الصحيح.

ثمّ إن مقتضى ما تقدّم عدم الفرق بين وصيّته بالمعروف أي ما يكون راجحاً شرعاً وغيره ، فتنفذ وصيّته وإن تعلّقت بالمباح.

نعم ، لا تصحّ الوصيّة بما يخالف الكتاب والسنة ، إلّا أنه لا يختص بالسفيه.

(١) واختصاص الحجر عليه بالتصرف المزاحم لحقهم ، فحاله حال من أوصى وعليه ديون مستوعبة لجميع أمواله وبعد لم يحجر عليه.

(٢) حيث لا تكون من الوصيّة الفضولية كي تصحّ بإذن مولاه ، لأنها إنما تكون فضولية فيما لو علق التمليك على وفاة المولى. وأما إذا علقه على وفاته هو كما هو المفروض ، فلا تصحّ حتى مع إجازة المولى ، إذ لا يصحّ تعليق الملكية على وفاة غير المالك.

(٣) كقوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (٢).

وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المملوك : «ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصيّة ، إلّا أن يشاء سيِّده» (٣).

__________________

(١) تقدّمت في ص ٣٣٥ ه‍ ٢.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٧٥.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٧٨ ح ١.

٣٤١

(عليه السلام) : «لا وصيّة لمملوك» (١) بناءً على إرادة نفي وصيّته لغيره (٢) لا نفي الوصيّة له. نعم ، لو أجاز مولاه صحّ (٣) على البناء المذكور.

______________________________________________________

هذا كلّه مضافاً إلى ما دلّ على نفوذ وصيّة المكاتب بحساب ما أعتق منه كصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب قضى بعض ما كوتب عليه ، أن يجاز من وصيّته بحساب ما أُعتق منه. وقضى في مكاتب قضى نصف ما عليه فأوصى بوصيّة ، فأجاز نصف الوصيّة. وقضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه فأوصى بوصيّة ، فأجاز ثلث الوصيّة» (١) فإنها تدلّ على عدم نفوذ وصيّة العبد.

(١) رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن أحدهما (عليهما السلام) (٢).

وقد رده صاحب الجواهر (قدس سره) لضعف سنده بعلي بن حديد (٣). لكن ناقش فيه بعضهم بأنّ الأظهر وثاقته ، لكننا لا نعلم له وجهاً ، فإنه لم يرد في شي‌ء من النصوص مدحه فضلاً عن توثيقه ، إلّا روايتين هما ضعيفتا السند ، فلا تصلحان للاعتماد عليهما. نعم ، ورد ذكره في أسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم. فعلى ما اخترناه من وثاقة كل من يقع في إسنادهما فلا بأس بتوثيقه ، لولا أن الشيخ (قدس سره) قد ذكر في مواضع من كتابيه أنه ضعيف جدّاً (٤) فإنه يمنع من الحكم بوثاقته.

(٢) أي بمعنى كون إضافته إضافة إلى الفاعل كما هو الظاهر ، لا إضافة إلى المفعول.

(٣) كما صرّحت به صحيحة محمّد بن قيس المتقدِّمة.

وكذا الحال فيما لو أوصى من دون إجازة المولى ثمّ أمضاها السيد ، حيث يشملها

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ٨١ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٧٨ ح ٢.

(٣) الجواهر.

(٤) راجع التهذيب ٩ : ١٦٩ / ٦٨٨.

٣٤٢

ولو أوصى بماله ثمّ انعتق وكان المال باقياً في يده صحّت (١) على إشكال (*) (٢). نعم ، لو علّقها على الحرِّيّة ، فالأقوى صحّتها (٣). ولا يضرّ التعليق المفروض

______________________________________________________

تعليله (عليه السلام) في صحيحة زرارة الواردة في نكاح العبد من دون إذن مولاه من : «أنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيِّده ، فإذا أجازه جاز» (١) فإن مقتضى عموم التعليل عدم اختصاص الحكم بالنكاح. وحينئذ فيحكم بالصحّة فيما نحن فيه أيضاً ، ونتيجة ذلك هو القول بأن الإجازة المعتبرة أعمّ من الحدوث والبقاء ، بمعنى أن المصحِّح للعقد هو الأعمّ من الإذن السابق والإجازة اللّاحقة.

(١) وكأنّ الوجه فيها هو زوال المانع ، بعد عدم الدليل على مانعية الرقية على الإطلاق والبطلان إلى الأبد ، إذ الدليل يختص بما دام رقاً.

(٢) قوي جدّاً ، لأن مقتضى إطلاقات أدلّة اعتبار الحرية وعدم نفوذ وصيّة العبد إلّا بإذن مولاه أو إمضائه كصحيحة محمد بن قيس ، عدم الفرق في البطلان بين تحرره وبقائه على الرقية ، فتكون كوصيّة الصبي قبل بلوغه عشراً ، فإنها حين وقوعها لم تكن محكومة بالصحّة ، فالحكم بصحّتها بعد ذلك يحتاج إلى الدليل وهو مفقود ، بل مقتضى إطلاق صحيحة محمّد بن قيس عدم تأثير الحرية المتأخرة في نفوذها.

نعم ، لو أمضاها بعد حريته حكم بصحّتها ، نظراً إلى أن إمضاءها لها بمنزلة وصيّة جديدة.

(٣) بل الأقوى فسادها ، لأن المراد بالتعليق إن كان هو ما يكون على نحو الشرط المتأخر ، بمعنى كون الوصيّة فعلية وكون المعلق عليه أمراً متأخراً ، فلا حاجة في إثبات بطلانها إلى دعوى أن التعليق يقتضي البطلان ، فإنه وإن لم نقل بذلك فإنّ الروايات الواردة في المقام كصحيحة محمد بن قيس تكفينا في الحكم ببطلانها ، إذ أن المستثنى فيها إنما هو خصوص فرض مشيئة السيِّد ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الوصيّة المعلقة وغيرها.

__________________

(*) الإشكال قوي فيه وفيما بعده ، نعم إذا أجازها بعد العتق صحّت وإن لم يجزها المولى.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٤ ح ١.

٣٤٣

كما لا يضرّ إذا قال : هذا لزيد إن متّ في سفري (١). ولو أوصى بدفنه في مكان خاصّ لا يحتاج إلى صرف مال ، فالأقوى الصحّة (٢). وكذا ما كان من هذا القبيل.

______________________________________________________

وإن كان هو ما يكون من قبيل الشرط المقارن ، بأن ينشئ العبد من الآن الوصيّة المتأخرة عن حريته ، بحيث لا يكون بالفعل غير الإنشاء وأما المنشأ فظرفه هو الزمان الآتي ، فمثل صحيحة محمد بن قيس وإن لم يقتض بطلانها حيث إن المنع والحجر إنما يتعلقان بنفس المنشأ دون اللفظ والصيغة ، فإنه لا دليل على حجره بالنسبة إليهما أيضاً ، إلّا أن مثل هذا التعليق مبطل جزماً بل هو القدر المتيقن من التعليق المبطل. ولا يقاس ذلك بتقييد الموصى له بكونه عالماً أو خيراً ، على ما سيأتي توضيحه.

إذن فالصحيح بطلان مثل هذه الوصيّة من العبد ، سواء أكان التعليق من قبيل الشرط المتأخر أم كان من قبيل الشرط المقارن ، ما لم ينشئ وصيّة جديدة بعد العتق ولو بإمضائه للوصيّة الأُولى.

(١) ما أفاده (قدس سره) يعد من غرائب ما صدر منه رحمه الله. فإنّ التعليق على الموت مقوم لعنوان الوصيّة ، سواء أكان تعليقاً على مطلق الموت وطبيعيه أم كان تعليقاً على موت خاصّ ، فلا يقاس على التعليق على الحرية.

ودعوى أنه لا دليل على بطلان الوصيّة بالتعليق ، فإنها لا تقاس بسائر العقود ، إذ لا مانع من تعليقها على كون الموصى لهم طلبة أو متدينين أو سكنة مدينة معينة.

مدفوعة بأنها أيضاً من غرائب الكلام. فإن التقييد ليس من التعليق في الوصيّة بل هي مطلقة وغير معلّقة على شي‌ء ، غاية الأمر أن الموصى له قد يكون مطلقاً وقد يكون مقيداً بصنف أو نوع معيّن ، فالتقييد إنما يكون في الموضوع خاصّة. وهذا بخلاف ما نحن فيه ، حيث إن تقييد الوصيّة بالحرية يرجع إلى تعليقها عليها ، بمعنى أنه إن كان حرّا فقد أوصى ، وإن لم يكن كذلك فهو لم يوص.

(٢) لم يظهر لنا وجه أقوائية الصحّة.

٣٤٤

السادس : أن لا يكون قاتل نفسه ، بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ، من جرح أو شرب سمّ أو نحو ذلك ، فإنّها لا تصحّ وصيّته على المشهور (١) المدَّعى عليه الإجماع ، للنصّ الصحيح الصريح (٢) خلافاً لابن إدريس

______________________________________________________

فإنّ إطلاقات الحجر محكمة وشاملة للمقام ، كقوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (١) فإنّ الوصيّة «شي‌ء». كما يشهد له استشهاد الامام (عليه السلام) في صحيحة زرارة لبطلان طلاق العبد بالآية الكريمة (٢).

وصحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المملوك : «ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصيّة ، إلّا أن يشاء سيده» (٣).

فإنّ مقتضى إطلاق نفي نفوذها من دون مشيئة السيد ، عدم الفرق بين الوصيّة بالمال والوصيّة بغيرها.

ودعوى انصرافها إلى الوصيّة بالمال ، لا وجه لها.

(١) بل المتسالم عليه في الجملة ، حيث لم ينسب الخلاف فيه إلى أحد غير ابن إدريس (٤) وتبعه بعض.

(٢) وهو صحيح أبي ولاد ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها». قلت : أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته ، تنفذ وصيّته؟ قال : فقال : «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل أُجيزت وصيّته في ثلثه ، وإن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته» (٥).

__________________

(١) سورة النحل ١٦ : ٧٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب النكاح ، أبواب مقدماته وشرائطه ، ب ٤٥ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٧٨ ح ١.

(٤) السرائر ٣ : ١٩٧.

(٥) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٥٢ ح ١.

٣٤٥

وتبعه بعض. والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصيّة بالمال (١). وأما الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه مما لا تعلّق له بالمال ، فالظاهر صحّتها.

كما إنّ الحكم مختصّ بما إذا كان فعل ذلك عمداً (٢) لا سهواً أو خطأً ، وبرجاء أن يموت (٣) لا لغرض آخر ، وعلى وجه العصيان (٤) لا مثل الجهاد في سبيل الله. وبما لو مات من ذلك.

وأمّا إذا عوفي ثمّ أوصى ، صحّت وصيّته بلا إشكال (٥). وهل تصحّ وصيّته

______________________________________________________

(١) ربّما يقال : إن الصحيح مختصّ بالمال ، بقرينة قوله (عليه السلام) : «في ثلثه». ومعه فلا وجه لدعوى الانصراف ، فإنه أساساً لا يشمل الوصيّة بغير المال.

وفيه : أن قوله (عليه السلام) : «في ثلثه» قيد لصورة تقدّم الوصيّة على الحدث في النفس ، وأما صورة تأخرها عنه التي هي محلّ الكلام فهي مطلقة وغير مقيّدة بالثلث.

وبعبارة اخرى : إن قوله (عليه السلام) : «في ثلثه» قيد لفرض جواز الوصيّة وأما فرض عدم جوازها فهو مطلق من هذه الناحية.

نعم ، الحكم في هذا الفرض منصرف إلى الوصيّة المالية ، بقرينة تقييده لفرض النفوذ بالثلث ، فلا مانع من الالتزام بنفوذها في غيره.

(٢) وذلك لا لقوله (عليه السلام) في صدر الصحيحة : «من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها» فإنّ من المحتمل أن يقال باختصاص هذا الحكم بالذات بالمتعمد ، وأما عدم نفوذ وصيّته فهو غير مقيد بالتعمد ، وإنما لقوله (عليه السلام) : «لعلّه يموت» فإنه صريح في الإتيان بالفعل عمداً لا سهواً أو خطأً.

(٣) لقوله (عليه السلام) : «لعله يموت». ومن هنا فلو لم يكن الفعل لهذا الغرض فلا تشمله الصحيحة ، وإن ترتّب الموت عليه من باب الاتفاق.

(٤) للانصراف العرفي ولو بقرينة صدر الصحيحة ، حيث حكم (عليه السلام) بأنه في نار جهنم خالداً فيها.

(٥) بل الظاهر أن المسألة متفق عليها. وذلك لظهور صحيحة أبي ولاد في كون

٣٤٦

قبل المعافاة؟ إشكال (١). ولا يلحق التنجيز بالوصيّة (٢). هذا ولو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمّ أحدث صحّت وصيّته ، وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها ، للصحيح المتقدِّم (٣) مضافاً إلى العمومات.

______________________________________________________

الوصيّة مقارنة لاحتمال الموت من قبل ذلك الحدث ، فلا تشمل ما إذا عوفي من الحدث وأوصى في حال الصحّة ، فإنّ الحدث السابق يكون حينئذ كالعدم.

(١) منشأه أن مقتضى صدر الصحيحة أن موضوع الحكم هو القاتل نفسه ، فلا يشمل ما نحن فيه ، لأن المفروض أنه عوفي منه ، وإن كانت وصيّته في زمان يحتمل فيه الموت نتيجة للحدث.

في حين إن مقتضى ذيلها ، أعني قوله (عليه السلام) : «وإن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيّته» هو عدم نفوذها سواء أتعقبها الموت أم لم يتعقبها. فالموضوع في عدم النفوذ هو المقدم على قتل نفسه من غير اعتبار لتحقق الموت في الخارج.

والثاني هو الأقوى ، ويدلّنا عليه مضافاً إلى ظاهر الصحيحة شمولها لمن أحدث في نفسه حدثاً لعله يموت ثمّ مات بسبب آخر غير ذلك الحدث ، كقتل غيره له أو الزلزلة أو نحوهما ، قبل المعافاة منه ، فإنه لم يلتزم أحد من الفقهاء بصحّة وصيّته ، بل لا يحتمل الحكم بنفوذها بدعوى أنه لم يمت بسبب ذلك الحدث. حيث يستكشف منه أنه لا يعتبر في عدم نفوذ وصيّته تعقبها للموت نتيجة للفعل ، بل هي ملغاة في هذه الحالة عقوبة له ، فتعتبر كالعدم ما لم ينشئ وصيّة جديدة بعد المعافاة.

(٢) نظراً لكون الحكم في مورد الصحيحة على خلاف القاعدة ، فلا وجه لقياس غيرها من التصرّفات عليها.

(٣) فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل أُجيزت وصيّته في ثلثه» عدم الفرق بين كونه بانياً على قتل نفسه حين الوصيّة وعدمه.

٣٤٧

[٣٩٠٩] مسألة ١١ : يصحّ لكل من الأب والجدّ الوصيّة بالولاية على الأطفال (١) مع فقد الآخر ، ولا تصحّ مع وجوده (٢).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه بين الأصحاب. وتدلّ عليه جملة من النصوص عمدتها معتبرة محمد بن مسلم الواردة في المضاربة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال ، وأن يكون الربح بينه وبينهم ، فقال : «لا بأس به من أجل أنّ أباهم قد أذن له في ذلك وهو حيّ» (١).

فإنّ مقتضى عموم التعليل عدم اختصاص الحكم بالمضاربة ، وشموله لكل ما كان له التصرف فيه في حياته. ثمّ إنها وإن كانت واردة في الأب ، إلّا أنّ الحكم ثابت للجدّ أيضاً ، نظراً لأقوائية ولايته من ولاية الأب ، على ما تقدّم في كتاب النكاح.

هذا ويمكن أن يستدلّ على الحكم بما دلّ على أنّ عقدة النكاح بيد الأب والجدّ بدعوى أنه إذا ثبت ذلك في النكاح ثبت في الأموال بالأولوية القطعية ، باعتبار أنّ أمر الزواج أهمّ من غيره جزماً.

وكيف كان ، فالحكم متسالم عليه ، ولم ينسب الخلاف فيه إلى أحد.

(٢) بلا خلاف فيه بين الأصحاب.

واستدلّ له بأنه ليس لدليل ثبوت الولاية إطلاق يشمل هذه الصورة أيضاً.

إلّا أنّ الأولى أن يستدلّ له بأنّ ولاية الأب والجد بمقتضى دليلها ولاية مطلقة وغير مقيّدة. ومن هنا فلا تنسجم مع جعل الولاية لغيرهما مع وجود واحد منهما في عرضه ، حيث إنّ مقتضاه تقييد ولايته بعدم تصرف ذلك الغير قبل تصرّفه. فهو نظير ما ذكرناه في باب الأوامر ، من أنّ مقتضى إطلاق الأمر كونه تعيينياً لا تخييرياً ، باعتبار أنّ جعل البدل له ينافي إطلاقه.

ففيما نحن فيه ، إطلاق الدليل ينافي كون الولي هو الجامع بين الباقي منهما ووصي الآخر ، بل مقتضاه كون الباقي هو الولي لا غير.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٢ ح ١.

٣٤٨

كما لا يصحّ ذلك لغيرهما حتى الحاكم الشرعي (١) فإنّه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حيّاً ، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته ، فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم الآخر ، فحاله حال كل من الأب والجدّ مع وجود الآخر.

ولا ولاية في ذلك للُام (٢) خلافاً لابن الجنيد ، حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة (٣).

وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال ، وجعل أمره إلى غير الأب والجدّ وغير الحاكم ، لم يصحّ (٤). بل يكون للأب والجد مع وجود أحدهما ، وللحاكم مع فقدهما. نعم ، لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثمّ يملكه لهم بعد بلوغهم ، أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملكهم ، يمكن أن يقال بصحّته (٥) وعدم رجوع أمره إلى الأب والجدّ أو الحاكم.

______________________________________________________

(١) لقصور دليل ولايته ، لأنها إنما ثبتت له من باب كون الفعل مما لا بدّ من تحققه في الخارج ويرغب الشارع في حصوله وهو يحتاج إلى من يقوم به ، والقدر المتيقن منه هو الحاكم الشرعي ، فإنه يختص بحال حياته وما دام حاكماً شرعياً ، فلا يشمل إيصاءه لغيره بالولاية بعد مماته.

(٢) بلا إشكال فيه ، لعدم الدليل على ثبوت الولاية لها في عرض الأب والجدّ أو طولهما.

(٣) ولم يظهر لنا دليله.

(٤) حيث لا يصحّ لأحد التشريع وجعل حكم لم يكن ثابتاً في الشريعة المقدّسة فإنّ الولاية على أموالهم منحصرة بالمذكورين ، فلا يصحّ جعلها لغيرهم.

(٥) بل هو المتعيّن ، لأنه حينئذ ليس بمال للأطفال أو حقّ لهم ، وإنما هو مال للميت وباق على ملكه ، غاية الأمر أنه أمر وصيه بصرفه عليهم أو تمليكهم بعد بلوغهم إيّاه ، وهذا لا مانع منه حتى مع وجود الأبوين.

٣٤٩

فصل

في الموصى به

تصحّ الوصيّة بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل ، من عين ، أو منفعة ، أو حقّ قابل للنقل (١). ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلاً أو قوة. فتصحّ الوصيّة بما تحمله الجارية أو الدابّة أو الشجرة (٢) وتصحّ بالعبد الآبق منفرداً (٣) ولو لم يصحّ بيعه إلّا بالضميمة.

ولا تصحّ بالمحرّمات (٤) كالخمر والخنزير ونحوهما ، ولا بآلات اللهو ، ولا بما

______________________________________________________

فصل

في الموصى به

(١) لإطلاقات أدلّة الوصيّة ، وعمدتها قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) (١). فإنّ المستفاد منها كون العبرة في نفوذ الوصيّة بصدق ما ترك على الموصى به ، وهو صادق على الأعيان والمنافع والحقوق القابلة للانتقال التي يخلفها المكلف بعد وفاته.

(٢) للإطلاقات. فإنّ الوصيّة إنما تتعلق بثلث ما ترك لا ثلث ما هو موجود حينها ، كما يشهد له تأخر الإرث عنها ، وعلى هذا الأساس يدخل ما يتجدد له من الملك بعدها فيها.

نعم ، لو أوصى بثلث ما هو موجود عنده بالفعل ، لم يدخل الملك المتجدد في ضمنها.

(٣) لما تقدّم من إطلاق دليل النفوذ ، وعدم الدليل على التقييد.

(٤) لأنها لا تكون مملوكة له ولا متعلّقة لحقه ، ومعه فلا تدخل في عنوان ما ترك.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٨٠.

٣٥٠

لا نفع فيه ولا غرض عقلائي (١) كالحشرات وكلب الهراش ، وأمّا كلب الصّيد فلا مانع منه (٢) وكذا كلب الحائط والماشية والزرع ، وإن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصّيد ، إذ يكفي وجود الفائدة فيها (٣). ولا تصحّ بما لا يقبل النقل من الحقوق (٤) كحق القذف ونحوه. وتصحّ بالخمر المتّخذ للتخليل (٥).

ولا فرق في عدم صحّة الوصيّة بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين أو مختلفين ، لأنّ الكفار أيضاً مكلَّفون بالفروع (*) (٦). نعم هم يقرّون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحاً.

______________________________________________________

(١) لعدم اعتبار الملكية أو حقّ الاختصاص له أيضاً.

(٢) لكونه مالاً ومملوكاً على حد سائر الأموال.

(٣) فإنه يوجب كونه متعلقاً للحق ومختصّاً بمن هو في يده عند العقلاء ، ومن هنا فيدخل في عنوان ما ترك.

(٤) لعدم صدق ما ترك عليه.

(٥) لما تقدّم في كلب الحائط والماشية والزرع.

(٦) الظاهر أنّ بطلان مثل هذه الوصيّة ، لا يتوقّف على دعوى تكليف الكفار بالفروع على حد تكليفهم بالأُصول ، بل هي لا تصحّ حتى بناءً على ما استظهرناه من بعض النصوص الصحيحة من عدم تكليفهم بالفروع.

وذلك لأن الإسلام وإن أقرّهم على ما هم عليه ، فلا يزاحمهم في بيع الخمر والخنزير أو الوصيّة بهما أو انتقالهما إلى الغير بالإرث ، إلّا أن ذلك لا يعني الحكم بالصحّة والأمر بنفوذها بعد ما كان مبغوضاً واقعاً ومنهياً عنه شرعاً ، بحيث يلزم الوصي بتنفيذها ويحرم عليه مخالفتها. فإنّ بين المسألتين ، أعني إقرارهم على مذهبهم والحكم بالنفوذ ، من البون ما لا يخفى. فهو نظير إيصاء الصبي لصبي مثله بالخمر ، فإنّه

__________________

(*) الحكم ببطلان الوصيّة بالخمر والخنزير ولو من الكافر للكافر لعلّه لا يتوقّف على تكليفهم بالفروع.

٣٥١

ولا تصحّ الوصيّة بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه (١). نعم ، لو أوصى فضولاً عن الغير احتمل (*) صحّته إذا أجاز (٢).

______________________________________________________

وإن قلنا بصحّة وصيّته ، إلّا أن ذلك لا يعني إلزام الشارع بتنفيذها ، نظراً لعدم كونه مكلّفاً بالفروع.

(١) بلا خلاف ظاهر فيه بين الأصحاب. فإنّ الإجازة إنما تصحّح العقد إذا كان للمجيز القيام بذلك التصرّف بالمباشرة ، وأما ما ليس له من التصرّفات فليس له أن يجيزه إذا صدر من غيره. وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ الوصيّة وإن كانت من العقود المعلَّقة ، إلّا أنها معلقة على موت نفس المالك ، وأمّا تعليقها على موت غيره فلا دليل على نفوذها.

وبعبارة اخرى : إنّ التعليق في التمليك غير جائز ، وإنما خرجنا عنه في التعليق على موت المالك لأدلّة نفوذ الوصيّة ، حيث عرفت أنّ قوامها بالتعليق ، فيبقى غيره على عموم المنع. فليس للمالك أن يعلّق التمليك على موت غيره ، وإذا لم يكن له هذا التصرّف بالمباشرة ، لم تصح إجازته له إذا صدر من غيره.

(٢) بل هو المتعين ، بناءً على ما هو الصحيح ، واختار الماتن (قدس سره) في حاشيته على المكاسب من كون صحّة العقد الفضولي عند إجازة من بيده الأمر على القاعدة ، لأنه وبإجازته لها تنتسب تلك الوصيّة إليه ، فتكون وصيّة له حقيقة وإن لم يتلفظ بها مباشرة. وعليه فما أفاده الماتن (قدس سره) من الترديد في الصحّة في غير محلّه ، والمتعيّن هو الحكم بالصحّة بضرس قاطع.

وتوهّم أنّ ترديده (قدس سره) ناشئ من كون الوصيّة إيقاعاً على ما صرّح به والإجماع قائم على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات.

مدفوع بعدم قيام دليل لفظي على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات كي يتمسك بإطلاقه ، وإنما الدليل يختص بقيام الإجماع على عدم جريانها في الطّلاق والعتق

__________________

(*) هذا هو الأظهر.

٣٥٢

[٣٩١٠] مسألة ١ : يشترط في نفوذ الوصيّة كونها بمقدار الثّلث أو بأقلّ منه. فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد (١)

______________________________________________________

حيث يعتبر فيهما لفظ خاص صادر من الزوج أو المولى. وحيث إن الإجماع دليل لبِّي ومورده يختص بهذين الإيقاعين ، فلا وجه للقول بعدم جريانها وعدم نفوذها بالإجازة في سائر الإيقاعات ، مثل الإبراء والوصيّة ، بل إنّ نفوذها بالإجازة في المقام أولى من نفوذها بها في العقود.

فإنّ العقد يتقوّم بالقبول ، فيمكن أن يرد عليه أن في زمان تحقّق القبول لم تكن إجازة ، وعند الإجازة لا قبول. بخلاف الإبراء والوصيّة ، حيث لا يعتبر فيها إلّا الاعتبار النفساني مع إبرازه في الخارج بمبرز. ومن هنا فتكون نفس الإجازة مصداقاً للإبراء أو الوصيّة ، فإنها ليست إلّا إبراز الاعتبار النفساني المتعلق بإسقاط ما في ذمّة المدين ، أو تمليك ماله عند موته لغيره ، فيكون نفوذها في المقام أَولى من نفوذها في العقود.

ومن هنا يظهر الفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة ، حيث تصحّ هذه بإجازة المالك ، ولا تصحّ تلك بها.

هذا وقد ذكر شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته أمراً غريباً لم يكن متوقّعاً من مثله ، حيث ذكر أنه : لو كانت الوصيّة بمال الغير قابلة لأن تصحّ بالإجازة فالظاهر عدم الفرق بين الصورتين. فإنّ الفرق بين الصورتين أوضح من أن يخفى كما عرفت ، فلا وجه لقياس إحداهما بالأُخرى.

(١) والنصوص الدالّة عليه كثيرة ومتضافرة ، بل قيل إنها متواترة ، ولا يبعد دعوى التواتر الإجمالي وصدور بعضها منهم (عليهم السلام) جزماً.

ففي بعضها : «إن كان أكثر من الثّلث ردّ إلى الثّلث» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٦٧ ح ٤.

٣٥٣

إلّا مع إجازة الورثة بلا إشكال (١). وما عن علي بن بابويه من نفوذها مطلقاً (٢) على تقدير ثبوت النسبة شاذ.

______________________________________________________

وفي بعضها إن أحدهم أوصى بجميع أمواله له (عليه السلام) فبعث إليه ، فأخذ (عليه السلام) الثلث وردّ الباقي (١).

بل وفي بعضها تفسير قوله تعالى (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بالزيادة على الثلث (٢).

وكيف كان ، فالحكم متسالم عليه ، حيث لم ينسب الخلاف فيه إلى أحد غير علي ابن بابويه على خلاف في النسبة وهو شاذّ.

(١) إذا كانت الإجازة بعد وفاة الموصي ، فإن أمر المال حينئذ بيدهم ، فلهم أن يفعلوا به ما يشاؤون. وأما إذا كانت في حياته ، فقد وقع الخلاف في نفوذها. نعم المشهور هو النفوذ ، على ما سيأتي تحقيقه في المسألة الرابعة من هذا الفصل.

(٢) استدل لهذا القول بروايات ثلاث :

الأُولى : رواية محمد بن عبدوس ، قال : أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمّد (عليه السلام) ، فكتبت إليه : رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك ، وخلّف ابنتي أُخت له ، فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ : «بع ما خلّف وابعث به إلى» فبعت وبعثت به إليه ، فكتب اليّ : «قد وصل» (٣).

الثانية : رواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ، إذا أوصى به كلّه فهو جائز» (٤).

الثالثة : موثقة علي بن الحسن ، قال : مات محمد بن عبد الله بن زرارة وأوصى إلى أخي أحمد بن الحسن ، وخلّف داراً وكان أوصى في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ١١ ح ٧.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ١١ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ١١ ح ١٦.

(٤) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ١١ ح ١٩.

٣٥٤

ولا فرق بين أن يكون بحصة مشاعة من التركة أو بعين معينة (١).

______________________________________________________

إلى أبي الحسن (عليه السلام) فباعها ، فاعترض فيها ابن أُخت له وابن عم له فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشي‌ء بحضرتي إلى أيوب بن نوح ، فأخبره أنه جميع ما خلف ، وابن عم له وابن أُخته عرض وأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، فكتب : «قد وصل ذلك» وترحّم على الميت ، وقرأت الجواب (١).

وقد ردّها بعضهم بأنها وإن كانت تعارض ما دلّ على أن حدّ الوصيّة الثلث ، إلّا أنّ الطائفة الثانية تترجّح عليها ، نظراً لأصحيّة سندها ، وأكثرية عددها ، وأوضحية دلالتها ، وموافقتها لفتوى الأصحاب ظاهراً.

لكن الظاهر أن الأمر ليس كذلك ، فإنّ هذه الطائفة تقصر عن معارضة تلك أساساً.

فإنّ الروايتين الأُوليين ضعيفتا السند ، وإن عُبِّر عنهما في بعض الكلمات بموثقة محمّد بن عبدوس ، وموثقة عمار بن موسى. أما الاولى فلأنّ محمّد بن عبدوس مجهول ، ولم يردْ فيه مدح فضلاً عن التوثيق. وأما الثانية فلأنّ في طريقها عمر بن شداد على ما في الكافي والتهذيب (٢) أو عمرو بن شداد على ما في الفقيه والاستبصار (٣) والسري. والأوّل مجهول ، لم يرد فيه مدح فضلاً عن التوثيق. والثاني مشترك بين أشخاص متعددين ، ومن ثمّ فمجهول.

وأما الرواية الثالثة فلعلّ الجواب عنها واضح. فإنها أجنبية عن محلِّ الكلام ، فإنّ مفروضها إجازة الوارث للوصيّة نتيجة لأخذه ثلاثة دنانير ، فلا تكون معارضة لما دلّ على أن حدّها الثلث ، وإلّا فقد وردت جملة من النصوص الدالّة على أنه (عليه السلام) اقتصر على أخذ الثلث في نظائر هذا المورد.

(١) بلا خلاف فيه بينهم. ويقتضيه مضافاً إلى إطلاقات الأدلّة صريح جملة

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ١١ ح ١٧.

(٢) الكافي ٧ : ٧ ، التهذيب ٩ : ١٨٧ / ٧٥٣.

(٣) الفقيه ٣ : ١٥٠ / ٥٢٠ ، الاستبصار : ٤ : ١٢١ / ٤٥٩.

٣٥٥

ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض ، نفذت في حصّة المجيز فقط (١) ولا يضرّ التبعيض ، كما في سائر العقود. فلو خلف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته ، فأجاز الابن دون البنت ، كان للموصى له ثلاثة إلّا ثلث من ستة (٢). ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستة.

[٣٩١١] مسألة ٢ : لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثّلث الذي جعله الشّارع له (٣). فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه ، وكانت بقدره أو أقلّ ، صحّت. ولو قصد كونها من الأصل ، أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً

______________________________________________________

منها ، حيث إنّ النصوص التي استدلّ بها على مذهب المشهور واردة في كلا القسمين.

(١) كما هو ظاهر النصوص. ودعوى توقف نفوذها في حصته على إجازة الآخر لحصته ، بحيث يكون نفوذ الزائد بالإجازة على نحو الواجب الارتباطي ، بعيدة عن الفهم العرفي.

(٢) باعتبار أنه يستحق اثنين من ستة بمقتضى أصل الوصيّة ، فيكون الفارق بينه وبين النصف سهماً واحداً من ستة. وحيث إنه مشترك بين الولد والبنت بمقتضى الإرث على نحو التفاضل ، يكون مقتضى إجازة الولد نفوذها في حصته والبالغة ثلثي هذا الواحد.

ومنه يظهر الحال في إجازة البنت للزائد دونه.

(٣) إذ العبرة إنما هي بالواقع ، وكون الموصى به بمقدار الثلث أو أقل منه بحسب نفس الأمر. وأما قصد العنوان وعلم الموصي به أو التفاته إليه ، فلا عبرة به ولا دخل له في النفوذ وعدمه ، على ما يقتضيه إطلاقات الأدلة.

ولذا لو أوصى بعين معتقداً أنها تمام ماله ، ثمّ انكشف كونها بمقدار ثلثه أو أقلّ نفذت وصيّته ، سواء أكان الانكشاف قبل موته أم بعده. والعكس بالعكس ، فإنه لو أوصى بها معتقداً كونها بمقدار ثلثه أو أقلّ ، ثمّ بان كونها أكثر منه ، لم تنفذ الوصيّة إلّا في الثّلث خاصّة.

٣٥٦

سليماً ، مع وصيّته بالثّلث سابقاً أو لاحقاً ، بطلت مع عدم إجازة الورثة (١).

______________________________________________________

(١) في إطلاق كلامه (قدس سره) إشكال ، بل منع.

والتحقيق أن يقال : أما في صورة قصد كونها من ثلثي الورثة مع بقاء ثلثه سليماً فالأمر كما أفاده (قدس سره). فإنّ الوصيّة بالعين المعينة ، مع فرض تحفظه على الثلث وعدم رفع اليد عن الوصيّة به سابقاً أو لاحقاً ، تكون من الوصيّة الزائدة عن الثلث لا محالة ، وحينئذ وبطبيعة الحال يتوقف نفوذها على إجازة الورثة.

وأما في صورة قصد كونها من أصل المال ، فالأمر في ثلثيها اللّذين يخرجان من ثلثي الورثة أيضاً كذلك. وأما ثلثها الذي يخرج من ثلث الميت ، فلم يظهر لنا وجه الحكم ببطلانه ، فإنّ للميت أن يعين ثلثه في أي عين من أعيان أمواله شاء على ما تقدّم لإطلاق الأدلّة ، بل لصريح بعضها ، ومن دون أن يكون فيه أي مخالفة للشرع.

ثمّ إن هذا الذي ذكرناه لا يختص بما إذا كانت له وصيّة بالثلث سابقة على وصيّته بهذه العين ، بل يجري فيما لو أوصى بها أوّلاً ثمّ أوصى بالثلث بعدها. فيقال : إنّ الوصيّة الأُولى تنفذ في ثلثها الذي يكون من ثلث الوصيّة الثانية ، وأما بالنسبة إلى ثلثيها الآخرين فيتوقف نفوذها على إجازة الورثة ، كما هو الحال فيما لو أوصى بكون جميعها من ثلثي الورثة.

والوجه فيه مع أنّ في الوصيّة الأُولى لم يكن الموصى به زائداً على الثلث ، هو أنّ العبرة في الزيادة عن الثلث وعدمها إنما هي بحال الموت لا حال الوصيّة. ولذا لو أوصى بتمام الدار التي لم يكن يملك حين الوصيّة غيرها لزيد ، ثمّ رزقه الله أموالاً بحيث أصبحت الدار حين موته بمقدار ثلثه أو أقلّ ، حكم بنفوذها. كما أنه لو كانت الدار حين الوصيّة ثلث ما يملكه ، ولكنها أصبحت حين موته تمام ما يملكه ، نفذت الوصيّة في ثلثها فقط.

وعلى هذا فلو أوصى أوّلاً بكون عين من أعيان أمواله لزيد ، بقصد كونها من مجموع المال أو خصوص ثلثي الورثة ، ثمّ أوصى بعد ذلك بالثلث ، انقلبت الوصيّة

٣٥٧

بل وكذا ان اتّفق أنه لم يوص بالثّلث أصلاً. لأنّ الوصيّة المفروضة مخالفة للشرع (*) (١) وإن لم تكن حينئذ زائدة عن الثّلث. نعم ، لو كانت في واجب نفذت لأنّه يخرج من الأصل (**) (٢) إلّا مع تصريحه بإخراجه من الثّلث.

______________________________________________________

الاولى عن وصف عدم كونها زائدة على الثلث إلى وصف كونها زائدة عليه ، فكانت وصيّته زائدة على الثلث بقاءً وإن لم تكن كذلك حدوثاً ، حيث لم تكن له وصيّة بالثلث.

ومن هنا فتنفذ الوصيّة في ثلثها خاصّة ، وأما ثلثاها الآخران فيتوقّف نفوذها فيها على إجازة الوارث.

فالمتحصِّل من جميع ما تقدّم ، أن إطلاق الماتن (قدس سره) للحكم بالبطلان ، لا وجه له ولا يمكن المساعدة عليه.

(١) فيه منع ظاهر ، إذ عرفت أن العبرة في الزيادة على الثلث إنما هي بحين الموت وهي غير متحققة في المقام وإن كان الموصي قد قصد هذا العنوان ، إلّا أنه لا أثر لقصده هذا. ولذا لو أوصى بداره وكان يعتقد أنها تمام ما يملكه ، ثمّ انكشف في حياته أو بعد وفاته الخلاف وأنها بمقدار ثلثه أو أقلّ ، نفذت الوصيّة. فإنّ العبرة على ما تقدّم إنما هي بالواقع ، لا بقصد كونه من الثلث أو من الزائد عليه.

وبعبارة اخرى نقول : إن تعنون هذه الوصيّة بكونها وصيّة زائدة على الثلث يتوقّف على الوصيّة في مرحلة سابقة على هذه الوصيّة أو لاحقة لها بالثلث. وأما مع عدمها ، فلا معنى لأنْ يقال بأنها زائدة عليه ، إذ لا شي‌ء كي تكون هذه زائدة عليه بالقياس إليه.

وعليه فالحكم بالبطلان في هذه الصورة ، لا وجه له ولا دليل عليه.

(٢) مرّ في بحث الصلاة أنّ هذا الحكم إنما يختص بالواجبات المالية الواجبة

__________________

(*) فيه منع ظاهر.

(**) مرّ أنّ الواجبات الدينيّة كالصّلاة والصّوم لا تخرج من الأصل ، وبذلك يظهر حال المسألة الآتية.

٣٥٨

[٣٩١٢] مسألة ٣ : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ، ولم يعلم كونها في واجب حتى تنفذ ، أو لا حتى يتوقف الزائد على إجازة الورثة ، فهل الأصل النفوذ إلّا إذا ثبت عدم كونها بالواجب ، أو عدمه إلّا إذا ثبت كونها بالواجب؟ وجهان.

ربّما يقال بالأوّل ، ويحمل عليه ما دلّ من الأخبار على أنه إذا أوصى بماله كلِّه فهو جائز ، وأنه أحقّ بماله ما دام فيه الروح. لكن الأظهر الثاني ، لأنّ مقتضى ما دلّ على عدم صحّتها إذا كانت أزيد من ذلك ، والخارج منه كونها بالواجب ، وهو غير معلوم (١).

نعم ، إذا أقرّ بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل (٢).

______________________________________________________

بالأصالة كالديون ، ومنها الخمس والزكاة وحجة الإسلام. ولا يعمّ الواجبات البدنية ، كالصلاة والصوم والواجب بالعارض كالحج المنذور ، فإنّ حالها حال غير الواجبات في الخروج من الثلث خاصة.

(١) فإنّ احتمال كونه مديناً مدفوع بالأصل ، كما هو الحال فيما لو لم يكن قد أوصى أصلاً ، أو كان قد أوصى بثلثه في جهة معينة. وعليه فلا يكفي مجرّد الاحتمال في جواز الإخراج من الأصل. وأما الإخراج من حيث الوصيّة فكذلك ، لكونه خلاف ما دلّ على عدم نفوذها في الزائد عن الثّلث.

وبعبارة اخرى : إنّ الإخراج من أصل التركة ، إما يكون بالوصيّة أو لكونه من الواجبات التي تخرج منه. والأوّل خلاف النصوص الدالّة على عدم نفوذ الوصيّة في الزائد عن الثلث إلّا بإجازة الوارث. والثاني خلاف الأصل.

وعليه ففي مورد الشك لا يجوز إخراج الزائد ، لا من حيث احتمال كونه من الواجبات التي تخرج من الأصل ، ولا من حيث الوصيّة.

(٢) بلا إشكال فيه ، لقاعدة نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم فإنه منه ، وليس من الإقرار على الورثة كما قيل ، إذ الإرث إنما يترتب على عنوان ما ترك ، وإذا أقرّ

٣٥٩

بل وكذا إذا قال : أعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً أو نحو ذلك ، وشكّ في أنها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي ، فإنها أيضاً تخرج من الأصل ، لأنّ الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما (١) والظاهر من كلامه اشتغال ذمّته بهما (٢).

[٣٩١٣] مسألة ٤ : إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي ، فلا إشكال في نفوذها (٣) ولا يجوز له الرجوع في إجازته (٤).

______________________________________________________

الموصي في حال حياته بالدين الزم به وأُجبر على دفعه إذا امتنع عنه ، وعندئذ فلا يبقى موضوع لإرث الورثة ، أعني عنوان ما ترك.

وبعبارة اخرى : إنّ دعوى كون إقرار الموصي هذا إقراراً في حقّ الورثة ، إنما تتم فيما إذا لم يكن لهذا الإقرار أثر إلّا الإخراج من أصل المال ، وأما إذا كان له أثر في حال حياته كلزوم دفعه وما شاكله نفذ إقراره ، وبه يثبت موضوع يرتفع معه إرث الوارث.

هذا مضافاً إلى إمكان استفادة الحكم من جملة من النصوص الدالة على أنّ الميت إذا كان أوصى بحجّة ، فإن كانت هي حجّة الإسلام خرجت من أصل المال ، وإلّا فمن الثّلث (١) فإنها تدل على أنّ اعتراف الميت في حياته مسموع ويلزم العمل على وفقه.

(١) إذ إن غير الواجب لا يكون خمساً أو زكاة ، وإنما هو تبرع وهدية.

(٢) فلا أثر يترتب على احتمال الخلاف.

(٣) بلا خلاف فيه بيننا ، ولأنهم مالكون للمال حقيقة لانتقاله إليهم بالإرث ، فلهم أن يتصرّفوا فيه كيف ما شاؤوا.

(٤) لنفوذ الوصيّة وانتقال الموصى به إلى الموصى له بمجرد الإجازة ، بناءً على كون الإجازة تنفيذاً لعمل الموصي ، على ما سيأتي اختياره منا. وأما بناءً على كونها هدية منهم ، فلهم الرجوع فيها قبل القبض مطلقاً ، وبعده فيما إذا لم تكن الهبة لازمة بشرط أو لكونها إلى ذي رحم.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٣٥٧ و ٣٥٨ كتاب الوصايا ، باب ٤١ ح ٢٤٧٥٦ و ٢٤٧٥٧.

٣٦٠