موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

.................................................................................................

______________________________________________________

في المقام ، وإن عبر عنه بالعقد الفضولي مسامحة. ويترتب على ذلك صحّة جميع التصرفات المنافية له ونفوذها ، ويكون ذلك فسخاً فعلياً للإنشاء الأوّل ، ومعه فلا يبقى أثر للقبول اللاحق. ومنه يظهر ما في صدر عبارة الماتن (قدس سره) من التعبير بـ (إذا كان العقد لازماً) فإنه لا وجه له ، اللهمّ إلّا أن يحمل على المسامحة.

النقطة الثانية : في جواز التصرفات المنافية للإنشاء وعدمه من حيث الحكم التكليفي ، بعد البناء على لزوم الالتزام من طرف الأصيل والمجيز.

اختار شيخنا الأنصاري (قدس سره) الأوّل بناءً على القول بالنقل ، والثاني بناءً على القول بالكشف. واستدل عليه بالأمر بالوفاء بالعقد ، حيث إن مقتضاه ترتيب آثاره عليه ، وهو يعني عدم جواز التصرف المنافي له (١). وهذا منه (قدس سره) يبتني على ما ذكره في مبحث أصالة اللزوم في المعاطاة ، من أن المراد من الوفاء بالعقد هو ترتيب آثاره عليه. إلّا أننا قد ذكرنا في محله ، أن معنى الوفاء إنما هو إنهاء الالتزام واستمراره ، فصرفه عن معناه والالتزام بأن المراد به هو ترتيب الآثار عليه ، يحتاج إلى القرينة وهي مفقودة.

إذن فالوفاء الذي تعلق به الأمر ، يدور أمره بين أن يكون حكماً تكليفياً ، أو يكون إرشاداً إلى عدم تحقق نقضه في الخارج ، نظير قوله (عليه السلام) : «دعي الصلاة أيام أقرائك» (٢). وحيث إن الأوّل غير محتمل ، لأن لازمه نفوذ الفسخ وإن كان محرماً من حيث الحكم التكليفي ، وذلك لأن الحكم لا يتعلق إلّا بأمر مقدور إذ لا معنى لوجوب الممتنع أو حرمته ، وعليه فيكون معنى حرمة الفسخ هو نفوذه وتأثيره وهذا ممّا لا يقول به أحد ، فيتعيّن الثاني.

ولو تنزّلنا عن هذا كلّه ، وقلنا بأن معنى الوفاء بالعقد هو ترتيب الآثار ، وأن الآية الكريمة تتضمن حكماً تكليفياً ، إلّا أن ذلك لا ينفع فيما ذكره (قدس سره) من اللزوم في المقام. والوجه فيه أن موضوع الأمر بالوفاء إنما هو العقد ، وقد عرفت أنه غير

__________________

(١) كتاب النكاح ٢٠ : ١١٠ طبع المؤتمر العالمي.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٧ أبواب الحيض باب (٧) ح ٢١٥٦.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

متحقِّق في الخارج ، لعدم تحقق الالتزام من الطرف الآخر.

ومن هنا يظهر أنه لا وجه لتقييد الماتن (قدس سره) للجواز بما إذا لم يعلم لحوق الإجازة من الآخر بعد ذلك ، حتى بناءً على القول بالكشف ، إذ ليس بالفعل حكم بالملكية أو الزوجية ، نظراً لعدم تحقق العقد كما عرفت ، فيكون تصرفه فيه تصرفاً في ملكه.

نعم ، قد يقال بذلك بناءً على الكشف الحقيقي ، لانكشاف وجود الزوجية حين العقد واقعاً بعد ذلك.

إلّا أنه أيضاً قابل للدفع ، باعتبار أن الكشف الحقيقي أيضاً إنما يكون مع استمرار الطرف الأصيل على التزامه وبقائه إلى حين الإجازة ، وأما بعد رفع اليد عنه فلا مجال للكشف بالإجازة من الطرف الثاني عن وجود الزوجية آن ذاك.

النقطة الثالثة : في نفوذ تصرفات الأصيل المنافية لالتزامه قبل الإجازة وعدمه على تقدير لحوق الإجازة والقول بأنها كاشفة.

ذهب الماتن (قدس سره) إلى الثاني مع التزامه بالجواز تكليفاً ، بدعوى أن الإجازة لما كانت كاشفة عن صحّة العقد من حينه وإن كان الاعتبار من حينها ، كان لازم ذلك بطلان جميع التصرفات المنافية له والمتأخرة عنه زماناً. فلو تزوّج إحدى الأُختين فضولاً ، ثمّ تزوّج الأُخرى برضاها ، ثمّ أجازت الأُولى العقد ، كانت هذه الإجازة كاشفة عن زوجية الاولى له من حين العقد ، ولازم ذلك هو بطلان عقد الثانية ، نظراً لحرمة الجمع بين الأُختين.

والتحقيق : أنّ الحكم في هذه النقطة مبني على المختار في النقطة الأُولى. فإن قلنا فيها بلزوم العقد ، كما اختاره شيخنا الأنصاري (قدس سره) ، كان الأمر كما ذكره الماتن (قدس سره) ، من نفوذ العقد الفضولي بالإجازة ، وبطلان التصرف المنافي له. وإن قلنا بما اخترناه من عدم اللّزوم لعدم تحقق مفهوم العقد ، فالظاهر هو الحكم بصحّة العقد الثاني ونفوذه ، وبطلان الالتزام الأوّل لرفع اليد عنه بالتصرف المنافي له فإنه يعد فسخاً ورداً له ، ومعه فلا يبقى مجال للحوق الإجازة وانضمامها إليه كي يتحقّق به مفهوم العقد.

٢٨٢

قولان ، أقواهما الثاني ، إلّا مع فرض العلم بحصول الإجازة بعد ذلك (*) الكاشفة عن تحقّقها من حين العقد (١). نعم ، الأحوط الأوّل ، لكونه في معرض ذلك بمجي‌ء الإجازة. نعم ، إذا تزوّج الأم أو البنت مثلاً ، ثمّ حصلت الإجازة كشف عن بطلان ذلك (**) (٢).

[٣٨٩٦] مسألة ٣٣ : إذ ردّ المعقود أو المعقودة فضولاً العقد ولم يجزه لا يترتّب عليه شي‌ء من أحكام المصاهرة ، سواء أجاز الطرف الآخر أو كان أصيلاً أم لا ، لعدم حصول الزوجية بهذا العقد الغير المجاز ، وتبين كونه كأنه لم يكن.

______________________________________________________

والحاصل أن العقد الثاني محكوم بالصحّة لصدوره من أهله ووقوعه في محلّه ، فإن الإجازة لا محل لها لارتفاع الالتزام الأوّل ، ومعه فلا مجال للكشف عن صحّة العقد الأسبق المقتضية لبطلان العقد الثاني لا محالة.

نعم ، بناءً على القول بالكشف الحقيقي بحيث تكون الإجازة مجرّد معرف فقط ، ربّما يقال ببطلان العقد الثاني ، لانكشاف كون الأُخت الاولى زوجة له من حين العقد واقعاً وإن لم يكن هو عالماً به ، ومعه تبطل زوجية الثانية لا محالة.

إلّا أنك قد عرفت فيما تقدّم ، أن القائلين بالكشف الحقيقي إنما يقولون به مع بقاء الأوّل على التزامه ، وأما مع رفع اليد عنه فلم يعرف منهم قائل به.

(١) عرفت فيما تقدّم أنه لا أثر للعمل بحصول الإجارة بعد ذلك وعدمه ، في جواز التصرف المنافي للالتزام الأوّل ونفوذه ، فإن للأصيل ذلك ما لم يتحقق مفهوم العقد بإجازة الطرف الآخر فعلاً ويؤمر بالوفاء.

(٢) ما أفاده (قدس سره) ، حتى على تقدير تسليم ما تقدّم منه (قدس سره) من كشف الإجازة عن صحّة العقد الأوّل من حينه ، إنما يتمّ في الأُختين والبنت والأُم ، مع فرض تقدّم عقد البنت دون العكس.

وأما فيه ، كما لو تزوّج الام فضولة ثمّ تزوّج بنتها قبل إجازتها هي العقد ثمّ

__________________

(*) بل مع هذا الفرض أيضاً.

(**) فيه منع ، نعم يتم ذلك على الكشف الحقيقي ببعض معانيه ، على إشكال فيه أيضاً.

٢٨٣

وربّما يستشكل في خصوص نكاح أُم المعقود عليها (١). وهو في غير محله بعد أن لم يتحقق نكاح ، ومجرد العقد لا يوجب شيئاً ، مع أنه لا فرق بينه وبين نكاح البنت (*) (٢). وكون الحرمة في الأوّل غير مشروطة بالدخول ، بخلاف الثاني ، لا ينفع في الفراق.

______________________________________________________

أجازت العقد ، فالحكم بالبطلان وإن كان هو المشهور والمعروف بينهم ، وإن لم يكن قد دخل بها كما صرح به بعضهم ، إلّا أننا لم نعثر على دليل له ، فإنه لم يرد في شي‌ء من النصوص حرمة الجمع بينهما كما هو الحال في الأُختين ، وإنما المذكور في الآية الكريمة والنصوص الشريفة حرمة الربيبة إذا دخل بأُمها ، فإذا فرض عدم الدخول بها كانت الربيبة داخلة في عنوان (ما وَراءَ ذلِكُمْ) الذي تضمّنت الآية المباركة حلِّيّته ومقتضى حلّ نكاحها هو صحّة العقد عليها كما هو واضح ، وحينئذ تحرم الام لقوله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ومعه فلا يبقى مجال لإجازتها للعقد السابق.

والحاصل أنّ البطلان إنما يكون في عقد الام دون عقد البنت ، كما هو الحال في الرضاع وما شاكله من الأسباب الموجبة لبطلان عقد الام قبل الدخول بها.

نعم ، لو ثبت ما يدلّ على حرمة الجمع بين الام والبنت بهذا العنوان ، تم ما أفاده (قدس سره) من بطلان عقد البنت ، بناءً على تسليم ما أفاده (قدس سره) من كشف الإجازة عن صحّة العقد من حينه ، إلّا أن مثل هذا الدليل مفقود.

(١) وكأن وجهه كفاية العقد الفضولي والمتحقِّق من جانب واحد فقط والربط الحاصل به ، في حرمة أُمها وإن لم تحصل الزوجية.

(٢) الأمر وإن كان كما ذكره (قدس سره) في المقام ، فإنّ مجرّد العقد لا يوجب شيئاً ، إلّا أن ما أفاده (قدس سره) من النقض وعدم الفرق بين نكاح الام ونكاح البنت لا يمكن المساعدة عليه ، حتى بناءً على ما ذهب إليه المشهور من حرمة الجمع بينهما.

__________________

(*) الأمر وإن كان كذلك في المقام حيث لم يتحقّق عقد قبل الإجازة إلّا أنّ بين نكاح الأُم ونكاح البنت فرقاً من جهة أخرى ، وهي أنّ مجرّد نكاح الأُم لا يوجب بطلان العقد على البنت ، فلو عقد على البنت والحال هذه بطل عقد الأُم ، وهذا بخلاف عقد البنت فإنه بمجرّده يوجب بطلان العقد على الأُم.

٢٨٤

[٣٨٩٧] مسألة ٣٤ : إذا زوّجت امرأة فضولاً من رجل ولم تعلم بالعقد فتزوّجت من آخر ، ثمّ علمت بذلك العقد ، ليس لها أن تجيز لفوات محل الإجازة (١). وكذا إذا زوج رجل فضولاً بامرأة ، وقبل أن يطلع على ذلك تزوّج أُمها أو بنتها أو أُختها ، ثمّ علم.

ودعوى أن الإجازة حيث إنها كاشفة إذا حصلت ، تكشف عن بطلان العقد الثاني ، كما ترى.

______________________________________________________

وذلك لأنّ الموجب لحرمة البنت ينحصر في أحد أمرين : الدخول بالأُم ، أو الجمع بينهما في الزوجية على ما اختاره المشهور وإن لم نرتضه ولا شي‌ء من هذين العنوانين متحقق في المقام. فإن الأوّل مفروض العدم ، نظراً لعدم إجازتها للعقد. والثاني متوقف على تحقق العقد ، وهو غير صادق بمجرّد الالتزام من طرف واحد ولا قائل بكفاية مثل هذا الالتزام الصادر من جانب الرجل في حرمة البنت ، وإن قيل بها في حرمة الأُم.

وإذن فيصحّ عقد البنت بلا محذور ، ومعها لا يبقى مجال لإجازة الام للعقد السابق حيث إنها أصبحت أُم الزوجة.

والحاصل فما أفاده (قدس سره) من النقض غير تامّ ، ولا يمكن المساعدة عليه لوجود الفرق بين المقامين.

(١) وفاقاً للشيخ الأعظم (قدس سره) في مبحث ثمرات القول بالكشف أو النقل من المكاسب (١).

وهو بناءً على ما اختاره المشهور من عدم تأثير الإجازة بعد الردّ واضح ، فإنها وإن لم تكن ملتفتة إلى ذلك ، إلّا أن التزامها بالعقد الثاني لما كان التزاماً منها بجميع خصوصياته ولوازمه ومنها عدم كونها زوجة لغيره ، كان ذلك ردّاً للعقد السابق ورفضاً له وإن لم تكن هي عالمة به.

__________________

(١) المكاسب : ١٣٤.

٢٨٥

[٣٨٩٨] مسألة ٣٥ : إذا زوّجها أحد الوكيلين من رجل ، وزوّجها الوكيل الآخر من آخر ، فإن علم السابق من العقدين فهو الصحيح (١). وإن علم الاقتران بطلا معاً (٢). وإن شك في السبق والاقتران فكذلك ، لعدم العلم بتحقق عقد صحيح ، والأصل عدم تأثير واحد منهما (٣).

وإن علم السبق واللّحوق ، ولم يعلم السابق من اللّاحق ، فإن علم تاريخ أحدهما

______________________________________________________

وأما بناءً على ما اخترناه ، من عدم مانعية الرد عن لحوق الإجازة ، فالأمر كذلك أيضاً ، باعتبار أنها تخرج بالعقد الثاني عن قابلية الإجازة.

والوجه فيه ما تقدّم مراراً من أن العقد إنما يكون عقداً لها وينتسب إليها بعد الإجازة ، وأما قبلها فلا انتساب إليها وليست هي بزوجة لذلك الرجل.

ومن هنا فحين التزويج الثاني تكون المرأة خلية من البعل ، فيحكم بصحّة هذا العقد لا محالة لصدوره من أهله ووقوعه في محله ، وبذلك تصبح المرأة ذات بعل فلا يصحّ لها أن تتزوج لفوات المحل ، بلا فرق في ذلك بين كون زمان الزوجية بالفعل أو السابق ، فإنه الآن لا يمكن الحكم بتلك الزوجية السابقة.

نعم ، بناءً على الكشف الحقيقي قد يقال بذلك. لكنك قد عرفت فيما سبق أنه لا يتمّ أيضاً ، لأنه إنما يتمّ فيما إذا كان العقد قابلاً للاستناد بالإجازة إلى المجيز. وحيث إنه لا قابلية في المقام ، لأن الزوجة لا تتزوج ثانياً ، فلا مجال للإجازة كي يقال إنها تكشف عن وجود الزوجية في ذلك الزمان حقيقة.

(١) بلا خلاف فيه ، ويقتضيه إطلاقات وعمومات أدلة نفوذ العقد.

(٢) لعدم إمكان الجمع بينهما ، وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح.

(٣) ما أفاده (قدس سره) إنما يتمّ بناء على ما سلكناه في الاستصحاب ، من جريانه في كلا الطرفين المعلوم التاريخ ومجهوله ، فإنّ أصالة عدم زوجية أُختها في زمان العقد عليها معارضة بمثلها في الأُخرى ، وحيث لا يمكن الجمع بينهما يتساقطان لا محالة ، حتى مع العلم بتاريخ أحدهما دون الآخر. فإن معلوم التاريخ وإن لم يجر فيه

٢٨٦

حكم بصحّته (*) (١) دون الآخر. وإن جهل التأريخان ، ففي المسألة وجوه : أحدهما : التوقيف حتى يحصل العلم (٢) ، الثاني : خيار الفسخ للزوجة ، الثالث : أن الحاكم يفسخ ، الرابع : القرعة.

______________________________________________________

الاستصحاب بالنسبة إلى عمود الزمان ، إلّا أنه بالنسبة إلى الزماني أعني عقد الأُخت الثانية يجري بلا محذور ، حيث يشكّ في وقوع العقد على الأُخت قبل ذلك الزمان ، فيجري الاستصحاب.

وأمّا على مبنى الماتن (قدس سره) والمشهور من عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ ، فلا يتمّ ما ذكره (قدس سره) على إطلاقه ، بل لا بدّ من التفصيل بين كونهما معاً مجهولين ، وكون أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً.

(١) وهو إنما يتمّ على مسلكه (قدس سره) من عدم جريان الأصل في معلوم التاريخ.

وأمّا بناءً على ما اخترناه من جريان الأصل في كلا الطرفين ، بلا فرق في ذلك بين معلوم التاريخ ومجهوله ، باعتبار أن الأصل وإن لم يكن جارياً بالنسبة إلى عمود الزمان ، إلّا أنه لا محذور في جريانه فيه بلحاظ الحدث الآخر عقد الأُخت الثانية فلا فرق في الحكم بين الصورتين ، بمعنى كون حكم معلوم التاريخ هو حكم مجهوله.

(٢) الظاهر أن هذا القول لا يعتبر تفصيلاً في المقام ، لأن مفروض الكلام عدم إمكان تحصيل العلم ، إذ مع إمكانه لا تكون هناك شبهة أو مشكلة في المقام. ولا يحتمل فيه القول بثبوت الخيار لها أو للحاكم أو القرعة ، كما لو عقد الوكيل عن الزوج على إحدى ابنتي زيد معينة وكان الزوج جاهلاً بها ، أفيحتمل القول بثبوت الخيار له أو للحاكم أو القرعة ، مع تمكنه من السؤال من الوكيل؟! نعم ، لو كان تحصيل العلم من الصعوبة بمكان بحيث يلحق بعدمه ، كما لو توقّف على الانتظار خمسين سنة مثلاً المستلزم لبقاء المرأة معطّلة ، لم يكن به اعتبار.

__________________

(*) الظاهر أنّ حكم المعلوم تاريخه حكم مجهوله.

٢٨٧

والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير (*) (١).

وكذا الكلام إذا زوّجه أحد الوكيلين برابعة والآخر بأُخرى ، أو زوّجه أحدهما

______________________________________________________

(١) بل هو المتعين. وذلك لأن الضرر المتوجه إليها لم ينشأ من الزوجية أو آثارها كي يقال بثبوت الخيار لها أو للحاكم في فسخها ، فإنه لا ضرر في الزوجية نفسها أو في آثارها المترتبة عليها كلزوم التمكين وغيره ، ولذا لو كان الزوج معلوماً لم يكن فيهما أي ضرر ، وإنما الضرر ناشئ من الجهل بالزوج ، وحكم العقل بلزوم الاحتياط وعدم تمكنها من تمكين نفسها لزوجها الواقعي. فغاية ما يقتضيه دليل نفي الضرر ، هو عدم لزوم الاحتياط والبناء على زوجية نفسها لأحد الرجلين ، وهو يحصل بالقرعة. وأما ثبوت الفسخ لها ، أو للحاكم ، فلا مبرر له.

على أننا قد ذكرنا في مبحث خيار الغبن حيث تمسكوا لإثباته بدليل نفي الضرر أن الضرر إنما هو في نفس العقد. فلو كان دليل نفي الضرر شاملاً له للزم الحكم ببطلانه رأساً ، لا القول بصحته مع ثبوت الخيار للمتضرر ، إذ الذي يظهر من دليل نفي الضرر أن الحكم الضرري غير مجعول في الشريعة المقدسة لا أنه مجعول ، غاية الأمر أنه يتكفل إثبات ما يتدارك به.

إذن فلا وجه لإثبات الخيار للزوجة ، فضلاً عن الحاكم حيث لا دليل على ولايته. وعليه فيدخل المقام تحت قولهم (عليهم السلام) : «القرعة لكل أمر مشكل» (١) حيث إنه لا طريق لتخلصها والمرأة لا تبقى معطلة.

ثمّ لا يخفى أن مقتضى الاحتياط هو أن يطلقها أحدهما فيتزوجها الآخر بعقد جديد إن شاء وإلّا فيطلقها هو أيضاً ، كي يجوز لها جزماً التزوج من ثالث غيرهما.

__________________

(*) وإن كان الأحوط أن يطلِّقها أحد الرجلين فإن شاء الآخر تزوّجها بعقد جديد ، وإلّا فالأحوط أن يطلِّقها هو أيضاً ، وكذلك يُراعى الاحتياط في الفروع الآتية.

(١) انظر الوسائل ٢٦ : ٢٩٠ كتاب الفرائض والمواريث.

٢٨٨

بامرأة والآخر ببنتها (*) (١) أو أُمها أو أُختها. وكذا الحال إذا زوّجت نفسها من رجل وزوجها وكيلها من آخر ، أو تزوّج بامرأة وزوّجه وكيله بأُخرى لا يمكن الجمع بينهما.

ولو ادّعى أحد الرّجلين المعقود لهما السبق ، وقال الآخر : لا أدري من السابق وصدقت المرأة المدعي للسبق ، حكم بالزوجية بينهما لتصادقهما عليها (٢).

______________________________________________________

(١) وهو إنما يتم بناءً على ما ذهب إليه المشهور واختاره الماتن (قدس سره) من حرمة الجمع بين الام والبنت. وأما بناءً على ما اخترناه ، من اختصاص حرمة البنت بفرض الدخول بالأُم ، فالمتعين هو الحكم بصحّة عقد البنت وبطلان عقد الام ، سواء أكان عقدها متقدماً أم مقارناً أم متأخراً.

(٢) والحق لا يعدوهما ، فيؤخذ كل منهما بإقراره بالنسبة إلى ما للآخر عليه من حقوق ، بل تقتضيه السيرة القطعية حيث يحكم بزوجية كل متصادقين عليها من دون أن يطالبا بالبينة أو اليمين ، بل لا يبعد كونه من مصاديق كبرى تصديق المدعي إذا لم يكن له معارض.

والله ولي العصمة.

إلى هنا انتهى ما أفاده سماحة آية الله العظمى الإمام الوالد أدام الله ظله العالي على رؤوس المسلمين مناراً للإسلام وذخراً لهم ، في مجلس درسه الشريف شرحاً على كتاب النكاح من العروة الوثقى.

والحمد لله على توفيقه لي في الحضور والكتابة ، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يطيل عمر سيِّدنا دام ظلّه لإحياء فقه آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وتراثهم الخالد وأن يوفقني للحضور والفهم والكتابة ، إنه سميع مجيب.

وكان الفراغ من تسويده في اليوم الحادي والعشرين من شهر محرم الحرام سنة أربعمائة وثلاث بعد الألف من الهجرة النبوية الشريفة ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

__________________

(*) الظاهر أنّ عقد البنت صحيح وعقد الأُم باطل كما تقدّم.

٢٨٩
٢٩٠

كتاب الوصيّة

٢٩١
٢٩٢

كتاب الوصيّة

[فصل في معنى الوصيّة وأقسامها وشرائطها]

وهي إما مصدر : وَصَى يَصِي ، بمعنى الوصل (١) حيث إن الموصي يصل تصرفه بعد الموت بتصرفه حال الحياة. وأما اسم مصدر ، بمعنى العهد من : وصّى يُوصِّي تَوصية (٢) أو : أوصى يوصي إيصاء.

______________________________________________________

[فصل في معنى الوصيّة وأقسامها وشرائطها]

(١) كذا ذكر جماعة من الأصحاب ، ولعل الأصل فيه ما ذكره الشيخ (قدس سره) في المبسوط (١).

إلّا أنه ضعيف جدّاً ، حيث لم يعلم ولا مورد واحد لاستعمالها فيه ، كما لم يذكر في شي‌ء من كتب اللغة ذلك ، فهذا الاحتمال بعيد بل مقطوع البطلان ، كما نبّه عليه الشيخ الأعظم (قدس سره) في رسالته (٢).

(٢) وهذا الاحتمال هو المتعين ، كما يشهد له استعمالها فيه في الآيات الكريمة وعرف المتشرعة.

كقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (٣).

وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ) (٤).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣.

(٢) الوصايا والمواريث للشيخ الأنصاري ٢١ : ٢٣ طبع المؤتمر العالمي.

(٣) سورة النساء ٤ : ١١.

(٤) سورة النساء ٤ : ١٢.

٢٩٣

وهي أما تمليكية أو عهدية (١). وبعبارة اخرى (٢) : أما تمليك عين ، أو منفعة

______________________________________________________

وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) (١).

وقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) (٢). إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

فإنّ الكلمة في جميع هذه الموارد مستعملة في العهد واسم المصدر لوصّي يوصي توصية.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد بها في عرف المتشرعة إنما هو قسم خاص وحصة معينة من العهد ، وهي ما يتعلق بما بعد الموت فحسب.

(١) الفرق بين القسمين يكمن في أن الاولى إنما تتعلق بالأُمور الاعتبارية التي هي نتيجة للفعل الخارجي ، وتتضمن تمليك الموصى له شيئاً من العين أو المنفعة ، ويلحق بها كل وصيّة لم يكن متعلقها فعلاً خارجياً ، كالوصيّة بفك الملك كالتدبير وإبراء المديون ، فإنها وإن لم تكن تمليكية بالمعنى الذي ذكرناه حيث إنها لا تتضمّن تمليك أحد شيئاً ، إلّا أنها تلحق بها لكون متعلقها نتيجة الفعل نفسه. وهذا بخلاف الثانية حيث إنها تتعلق بالأفعال الخارجية ، كتغسيله وكفنه ودفنه وغيرها.

وبعبارة اخرى : إنّ الاولى تصرف اعتباري من الموصي نفسه فيما يتعلّق بما بعد وفاته ، مستتبع لتحقق النتيجة قهراً بالموت. في حين إن الثانية عهد إلى الغير بأن يتولى بعد موته فعلاً خارجياً من تجهيز أو زيارة أو إطعام ونحوهما ، أو اعتبارياً من تمليك أو عتق أو إيقاف أو نحوها.

(٢) لا يخفى أن ما ذكره (قدس سره) لا يتضمن الفرق بين الوصيتين التمليكية والعهدية ، بل لا يخلو من الإجمال من حيث كون ما ذكره (قدس سره) من الأمثلة

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ١٢.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٨٠.

٢٩٤

أو تسليط على حق (١) أو فكّ ملك ، أو عهد متعلق بالغير ، أو عهد متعلق بنفسه كالوصيّة بما يتعلق بتجهيزه. وتنقسم انقسام الأحكام الخمسة.

[٣٨٩٩] مسألة ١ : الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى القبول (٢). وكذا الوصيّة بالفك ، كالعتق (٣).

______________________________________________________

غير الأوّلين وغير ما ذكره أخيراً من العهد المتعلق بنفسه أو بغيره من القسم الأوّل أو الثاني.

نعم ، يظهر من قوله (قدس سره) في المسألة الاولى من أن : الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى القبول وكذا الوصيّة بالفك كالعتق ، أنها من الوصيّة التمليكية ، إذ لو كانت عهدية لما كان هناك حاجة إلى قوله (قدس سره) : وكذا.

(١) في العبارة مسامحة واضحة ، فإن التسليط لا يتعلّق بالحق وإنما يتعلّق بالتصرف ، إذ الحق هو السلطنة بعينها. فالأنسب تبديل العبارة بالقول : أو تسليط على التصرف.

(٢) وهو إنما يتمّ على إطلاقه بالنسبة إلى الموصى إليه الوصي فإنّه لا يعتبر قبوله ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب. نعم ، له الردّ ما دام الموصي حيّاً بشرط إبلاغه بذلك ، وإلّا فلا أثر لردّه أيضاً.

دون الموصى له ، فإنه وبالنسبة إليه لا بدّ من ملاحظة متعلق الفعل الذي تعلقت به الوصيّة. فإن كان مما يحتاج إلى القبول كالبيع والإجارة ونحوهما اعتبر قبوله جزماً وإلّا كالوقف والعتق ونحوهما فالأمر كما ذكره (قدس سره) من عدم الحاجة إلى القبول.

وكأن نظره (قدس سره) في نفي الحاجة إلى القبول في الوصيّة العهدية إلى الموصى إليه خاصة.

(٣) بلا خلاف فيه وفي الإبراء ، فإنّهما من الإيقاع غير المحتاج إلى القبول إذا وقعا حال الحياة منجزين ، فيكونان كذلك إذا وقعا معلقين على الموت على وجه الوصيّة.

٢٩٥

وأمّا التمليكية فالمشهور على أنه يعتبر فيها القبول جزءاً ، وعليه تكون من العقود (١).

______________________________________________________

(١) كما ادعي عليه الإجماع في بعض الكلمات ، ويشهد له ذكر الفقهاء (قدس سرهم) لها في أبواب العقود.

وكيف كان ، فالقائلون به على مذهبين :

الأوّل : ما اختاره الشيخ الأعظم (قدس سره) من كونه جزءاً ناقلاً (١).

الثاني : كونه جزءاً كاشفاً.

واستدل الشيخ الأعظم (قدس سره) على مختاره بوجوه ، عمدتها عدم الإطلاق في أدلة الوصيّة كي يستكشف منه عدم الحاجة إلى القبول ، والأصل عدم انتقال المال إلى الموصى له قبل القبول.

ولا يخفى عدم تمامية كلا هذين المذهبين ، والمناقشة فيهما تكون من ناحيتين : الثبوت ، والإثبات.

أمّا الأُولى : فالظاهر أنه لا مجال للالتزام بكون الوصيّة من العقود.

والوجه فيه ما تقدّم مراراً من أن العقد إنما هو عبارة عن ضم التزام بالتزام وربط أحدهما بالآخر ، كما هو الحال في عقد حبل بحبل آخر. وهو غير متحقق في المقام ، إذ لا يبقى التزام للموصي بعد وفاته كي ينضم إليه التزام الموصى له ، فإن الميت لا التزام له.

ومن هنا فلو اعتبر القبول ، فلا بدّ من جعله شرطاً كشفاً أو نقلاً لا محالة لاستحالة القول بكون الوصيّة عقداً.

وأمّا الثانية : فبناءً على النقل كما اختاره (قدس سره) ، لا تشمله أدلّة الوفاء بالعقد.

__________________

(١) الوصايا والمواريث للشيخ الأنصاري ٢١ : ٢٧ طبع المؤتمر العالمي.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وذلك فلأن الذي أنشأه الموصي ، أعني الملكية بعد الموت ، لم يمض من قبل الشارع. وما يدعى إمضاؤه له ، أعني الملكية بعد القبول ، لم ينشئه الموصي. فيكون من قبيل ما وقع لم يقصد ، وما قصد لم يقع.

ودعوى أن الاختلاف والتفاوت بين المنشأ والممضى واقع في موارد من الأبواب الفقهية ، نظير الهبة حيث أن المنشأ فيها هو التمليك الفعلي ، في حين أنّ الإمضاء متعلق بالتمليك بعد القبض.

مدفوعة بأنّ ذلك وإن كان ممكناً في نفسه إلّا أنه يحتاج إلى دليل خاص ، لعدم شمول الأمر بالوفاء له ، لما عرفت من أن المنشأ لم يمضه الشارع وما يدعى إمضاؤه له لم ينشأ ، وهو مفقود.

فما أفاده (قدس سره) لا يمكن الالتزام به ثبوتاً وإثباتاً.

وتوهّم أن تأخره عن القبول لا ينافي شمول أدلة الوفاء بالعقد له ، لأنه موجود في جميع المعاملات حيث يكون هناك فاصل زماني ولو كان قليلاً جدّاً بين الإيجاب والقبول لا محالة ، من غير أن يقال أن ما أنشأه المنشئ لم يتعلق به الإمضاء ، وما تعلق به الإمضاء لم ينشأ. وحيث إن الوصيّة كسائر العقود ، وإن كان زمان الفصل فيها أطول ، كان حكمها حكم غيرها في شمول أدلة الوفاء بالعقد لها.

مدفوع بأنّ المنشأ في سائر العقود كالبيع مثلاً ليس هو الملكية في زمان الإنشاء ، وإنما هو الملكية على تقدير القبول ، فإنه مبادلة مال بمال ومعاملة بينهما بالتراضي ، فلا ينشئ البائع الملكية للمشتري سواء أقبل أم لم يقبل. بخلاف الوصيّة حيث إن المنشأ مقيد بالزمان أعني زمان الموت وهو لم يتعلق به الإمضاء ، على ما اختاره الشيخ الأعظم (قدس سره) من أن القبول ناقل لا كاشف ، وما تعلق به لم ينشأ.

فالفرق بين الوصيّة وغيرها ظاهر.

هذا بناءً على القول بالنقل. وأما بناءً على الكشف بأن يحكم بالقبول بالملكية من حين الموت ، فهو لو فرضنا إمكانه وسلمنا صدق العقد عليه ، مخالف لما هو المعهود في

٢٩٧

أو شرطاً على وجه الكشف أو النقل فيكون من الإيقاعات (١). ويحتمل قوياً

______________________________________________________

العقود والمرتكز في الأذهان من تأخر الأثر عن القبول بناءً على اعتباره ، ففرض تحقّق العقد وكون الأثر قبله ، مما لا يمكن المساعدة عليه.

(١) ويرد عليه :

أمّا بناءً على النقل فمضافاً إلى عدم الدليل عليه أنه مخالف لأدلة الوفاء بالعقد كما تقدّم ، فإن المنشأ إنما هو الملكية بعد الموت ، فالالتزام بالملكية بعد القبول ولو على نحو الشرطية مخالف لدليل الإمضاء.

وأمّا بناءً على الكشف فهو وإن كان ممكناً ولم يكن ينافيه دليل الإمضاء ، فإن الإنشاء متعلق بالملكية بعد الموت وبالقبول يحكم بها ، فيكون من الشرط المتأخر لا محالة ، إلّا أنه يحتاج إلى الدليل في مقام الإثبات.

وقد استدلّ عليه في بعض الكلمات بأصالة عدم الانتقال إلى الموصى له بغير القبول. وهذا الأصل لو تمّ فلا بدّ من الالتزام بشرطية القبول ، إلّا أنه مدفوع بإطلاقات أدلة الوصيّة وإن ناقش فيها شيخنا الأعظم (قدس سره) الدالة على نفوذ الوصيّة من غير تقييد بالقبول ، مثل قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

فإنها وإن كان موردها خصوص الوصيّة إلى الوالدين والأقربين ، إلّا أن مقتضى استدلالهم (عليهم السلام) بها في جملة من النصوص على نفوذ وصيّة الموصي على الإطلاق ، هو عدم اختصاصها بموردها ، وإطلاق الحكم لجميع موارد الوصيّة.

بل ويمكن استفادة إطلاقها من الاستثناء ، نظراً إلى أن الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف لا يكون فيها جنف إطلاقاً.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٨٠ ١٨٢.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إذن فالمستفاد من هذه الآية الكريمة وغيرها والنصوص الواردة في المقام ، أن الوصيّة نافذة ولازمة على الإطلاق ومن غير اعتبار لقبول الموصى له ، حيث لم يذكر ذلك في شي‌ء من الآيات والروايات ، ومعه فلا تصل النوبة إلى الأصل.

ثمّ إنه ربّما يستدلّ على اعتبار القبول بما دلّ على سلطنة الناس على أنفسهم ، حيث إن دخول شي‌ء في ملكه قهراً وبغير اختياره ينافي هذه السلطنة ، وثبوت مثله في الإرث والوقف إنما كان بدليل خاص ، فلا مجال للتعدي عنه.

إلّا أنه مدفوع أن هذه الجملة وإن وردت في كلمات الفقهاء ، إلّا أنها لم تذكر في شي‌ء من النصوص ، ولم يدلّ عليها دليل.

اللهمّ إلّا أن يتمسك لها بقوله تعالى (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِي وَأَخِي) (١).

إلّا أن الاستدلال بها يعتبر من الغرائب ، فإنّها في مقام بيان قدرة موسى (عليه السلام) على تنفيذ أمر الله تبارك وتعالى ، وأنه لا قدرة له إلّا على نفسه وأخيه دون سائر بني إسرائيل ، وأين هذا من محلّ كلامنا؟! فالآية أجنبية عن السلطنة على النفس ، ولا يصحّ الاستدلال بها.

على أنا لو فرضنا ورود هذه الجملة في نص معتبر ، فهي لا تدلّ على اعتبار القبول كما هو المدعى ، إذ يكفي في السلطنة قدرته على الرد ، فإنه حينئذ لا تكون الملكية ملكية قهرية ، ولا تنافي سلطنته على نفسه.

نعم ، لو قيل بثبوت الملكية المستقرة غير القابلة للزوال بالرد ، كان هذا القول منافياً لقاعدة السلطنة بناءً على ثبوتها ، إلّا أنها لا قائل بها ولم يذهب إليها أحد ، فإن القائل بعدم اعتبار القبول يرى اعتبار عدم الرد في حصول الملكية لا محالة.

ثمّ إن من غرائب ما ورد في المقام ما استدل به بعضهم على اعتبار القبول ، بأن اعتبار عدم الرد في ملكية الموصى له للموصى به ، ملازم ومساوق لاعتبار القبول. وذلك لأنه لو لم يكن الأمر كذلك ، وكان الموصى له يملك الموصى به بمجرد الموت ، لم يمكنه بالرد إرجاعه إلى ملك الميت ثانياً ، لعدم ثبوت ولاية له تقتضي ذلك.

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٢٥.

٢٩٩

عدم اعتبار القبول فيها (*) ، بل يكون الردّ مانعاً (١) وعليه تكون من الإيقاع الصريح.

ودعوى أنه يستلزم الملك القهري ، وهو باطل في غير مثل الإرث. مدفوعة بأنه لا مانع منه عقلاً ، ومقتضى عمومات الوصيّة ذلك ، مع أن الملك القهري موجود في مثل الوقف.

______________________________________________________

فإنه مندفع بأن الملكية المدعاة في المقام إنما هي الملكية المتزلزلة على ما ذكره الشيخ (قدس سره) ونسب إلى العلامة في التذكرة (١) وهي ليس معناها إلّا ذلك ، أعني ملكية الموصى له ما لم يرد ، فإذا رد كان المال للميت ، من دون حاجة إلى الولاية وما شابهها.

على أن الذي يقول بمانعية الرد يلتزم بكشفه عن عدم الملك من الأوّل ، لا رجوع المال إلى ملك الميت بعد ما كان قد انتقل منه إلى الموصى له.

ويظهر ثمرة القولين في منافع الموصى به. فإنها على الأوّل للموصى له ، حيث إن العين كانت مملوكة له فيتبعها ثمارها في الملكية ، فإذا انتقلت هي عن ملكيته إلى ملكيه الميت ثانياً بقيت منافعها على ملكه لا محالة. وعلى الثاني تكون للميت ، لأنه وبرد الموصى له للوصيّة ينكشف ويظهر بطلانها ، وعلى هذا الأساس تبقى العين هي ومنافعها على ملك الموصي كما كانت.

إذن فالمتحصل مما تقدّم أنه لا دليل على اعتبار القبول في نفوذ الوصيّة ، بل مقتضى إطلاقات الآيات الكريمة والنصوص الواردة في المقام هو نفوذها ، وملكية الموصى له للموصى به من دون حاجة إلى القبول.

(١) بمعنى كشف الردّ عن بطلان الوصيّة وعدم ملكية الموصى له للموصى به ، كما ادعي عليه الإجماع ، وهو غير بعيد. وما اختاره (قدس سره) هو الصحيح.

__________________

(*) هذا الاحتمال هو الصحيح ، بل لا دليل على كون الرد مانعاً سوى ظهور التسالم عليه فإن تمّ إجماع ، وإلّا فلا وجه له أيضاً.

(١) انظر تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٥٣ و ٤٥٤.

٣٠٠