موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

نعم ، لا تصحّ الإجازة بعد الردّ (*) (١)

______________________________________________________

بالإجازة أو الرد ، لدليل نفي الضرر. فإنّ تضرر المرأة نتيجة لفعلها لا يوجب توجه تكليف إلى الرجل ، بعد أن لم يكن قد صدر منه أي فعل ولم يكن هو سبباً في تضرّرها. كما لا موجب للالتزام بثبوت الفسخ لها ، فإنه لا يرد النكاح إلّا بأُمور معينة ، ليس ما نحن فيه منها.

على أنّ تضررها قد نشأ من إقدامها فإنها هي التي أقدمت على ذلك وأضرّت بنفسها ، وليس ناشئاً من الحكم الشرعي ، فلا موجب لرفع ضررها بالالتزام بالفسخ.

وقد تقدّم بيان هذا مفصّلاً في الاستدلال على خيار الغبن بدليل نفي الضرر ، حيث قد عرفت أنه غير شامل له ، باعتبار أن الضرر إنما هو في نفس المعاملة لا الحكم باللّزوم ، وشموله له يعني إثبات ما يتدارك به الضّرر ، والحال أن دليل نفي الضرر قاصر عن إفادة هذا المعنى.

والذي يهوِّن الخطب أنّ مبنى هذا القول غير تامّ من أساسه ، كما عرفت.

(١) ذهب إليه جملة من الأصحاب. منهم شيخنا الأُستاذ (قدس سره) بدعوى أن الإجازة والردّ ضدّان ، فهما ضدّان أيهما سبق لم يبق مجالاً للآخر. في حين ذهب آخرون إلى خلافه ، منهم الماتن (قدس سره) في المسألة الرابعة من باب الوصيّة حيث أفاد بأن القول بعدم نفوذ الإجازة بعد الردّ مشكل إن لم يكن إجماع خصوصاً في الفضولي.

وكيف كان ، فقد استدل على القول الأوّل بأُمور :

الأوّل : الإجماع ، ويظهر من المصنف (قدس سره) التمسك به في باب الوصيّة.

وفيه : أنه ضعيف جدّاً ، إذ لم يتعرض لهذا الفرع فيما نعلم قبل الشهيد (قدس سره) (١) أحد من الأصحاب ، ومعه كيف يمكن دعوى الإجماع عليه! على أننا لو

__________________

(*) فيه إشكال ، بل لا يبعد نفوذها.

(١) انظر الدروس ٢ : ٣٠١.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

سلمنا ذلك فلا مجال لإثبات كونه إجماعاً تعبدياً ، إذ من الممكن استناد المجمعين إلى ما يأتي من الوجوه.

الثاني : دعوى أنّ الإجازة في العقد الفضولي بمنزلة القبول في سائر العقود ، فإنّ استناد العقد إليه وتماميته إنما يكون بها. ومن هنا فكما أنّ الرد قبل القبول مانع من القبول المتأخِّر عنه ، فكذلك الردّ في العقد الفضولي يمنع من لحوق الإجازة وصحّتها.

وفيه : أنّ الرد الذي يكون مانعاً من لحوق القبول ، إنما هو ردّ الموجب ورفع يده عمّا التزم به ، فإنه حينئذ لا يبقى مجال لصدق العقد بالتزام الآخر ، إذ ليس هناك التزام ينضمّ إليه التزام القابل ، ليصدق معه المعاهدة والمعاقدة.

وأما ردّ القابل مع بقاء التزام الموجب على حاله ، فلا دليل على مانعيته وعدم اتصال القبول بالإيجاب ، لأنه لم يحدث بذلك شيئاً ، فإنّ غاية ما يفيد إنما هو إظهار عدم رضاه بالعقد ، ومن الواضح أنه يرتفع بالقبول المتأخر ، من دون أن يضر ذلك بصدق المعاهدة والمعاقدة.

ولو تنزلنا عن ذلك ، فالفرق بين الإجازة والقبول أوضح من أن يخفى. فإن الإجازة ليست قبولاً ، وإنما هي إسناد للقبول المتحقق من الفضولي من غير فصل بينه وبين الإيجاب إليه. ومن هنا فلا يزيد الردّ اللاحق عن النهي السابق على العقد ، حيث لا يؤثر في صحته شيئاً بعد إبرازه لرضاه من غير فصل بينه وبين الإيجاب.

الثالث : إن الفضولي بإنشائه للإيجاب أو القبول ، يحدث حقاً لمن قام مقامه في ماله ، من حيث الإجازة أو الرد. ومن هنا فإذا لم يكن رد الولي مسقطاً للعقد عن قابلية الإجازة ، كان ذلك منافياً لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «الناس مسلَّطون على أموالهم».

وفيه : أنّ هذه الرواية نبوية لم تثبت ، على أنها ليست مشرعة ولا تقتضي تشريع السلطنة للمالك على قطع العلقة الموجودة على تقدير ثبوتها ، وإنما دالّة على عدم حجر المالك عن التصرف المشروع في ماله أو نفسه. هذا مضافاً إلى أنّ الفضولي لم يحدث

٢٦٢

كما لا يجوز الردّ بعد الإجازة (١) فمعها يلزم العقد.

[٣٨٨٢] مسألة ١٩ : لا يشترط في الإجازة لفظ خاص ، بل يقع بكل ما دلّ على إنشاء الرِّضا بذلك العقد (٢) بل تقع بالفعل الدالّ عليه (٣).

______________________________________________________

في المال شيئاً ، وإنما أحدث عقداً قابلاً للإجازة والردّ ، وإلّا فلو كان تصرفاً في المال لكان اللازم الحكم ببطلانه رأساً ، لمنافاته لسلطنة المالك. إذن فهذه النبوية أجنبية عن المقام بالكلية ، ولا علاقة لها به.

وممّا تقدّم يظهر أنه لا دليل على عدم تأثير الإجازة بعد الردّ ، بل من غير البعيد دعوى دلالة صحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة على جوازه ، فإنها تضمنت الحكم بنفوذ إجازة المالك الأوّل بعد ردّه أوّلاً.

(١) بلا خلاف فيه بينهم. فإنّ العقد بالإجازة ينتسب إلى المجيز حقيقة ، ومن هنا تشمله أدلّة لزوم العقد ، فيحتاج فسخه بعد ذلك إلى الدليل ، كما هو الحال فيما لو كان هو المباشر للعقد.

(٢) إذ لا يعتبر فيها إلّا ما يكشف عن إسناد المجيز للعقد السابق إلى نفسه وإقراره به ، فإنه يكفي في الحكم بصحّة ذلك العقد من دون أن تكون خصوصيّة في الكاشف. ومن هنا فلا يعتبر فيها اللفظ فضلاً عن صيغة معينة ، حتى ولو قلنا باعتبار اللفظ الصريح في العقد بدعوى أن العقد لا يصدق إلّا به ، فإنّ العبرة في الإجازة إنما هي بانكشاف رضاه كيف اتفق ، كما هو واضح.

(٣) وقد ذهب جماعة إلى اعتبار اللفظ فيها ، تارة بدعوى أنها بمنزلة العقد الجديد ، واخرى بدعوى أن الاستقراء يقتضي اعتبار اللفظ فيما يقتضي اللزوم.

إلّا أن للتأمل في كلا هذين الوجهين مجالاً.

أمّا الأوّل : فهو مصادرة على المدعى ، فإن الإجازة ليست عقداً ولا هي بمنزلته وإنما هي إبراز للرضا به.

وبعبارة اخرى : إنّ قياس الإجازة بالعقود قياس مع الفارق. فإنّها ليست بعقد

٢٦٣

[٣٨٨٣] مسألة ٢٠ : يشترط في المجيز علمه (*) بأنّ له أن لا يلتزم بذلك العقد (١). فلو اعتقد لزوم العقد عليه فرضي به ، لم يكْفِ في الإجازة.

______________________________________________________

وإنما هي موجبة لاستناد العقد السابق إليه. ومن هنا فاعتبار اللفظ في العقود لو قيل به ، لا يقتضي اعتباره في الإجازة أيضاً.

وأمّا الثاني : فهو غير ثابت ولا دليل عليه ، وقد ذكرنا في محله أنّ الأظهر لزوم المعاطاة ، والحال أنها خالية من اللفظ. على أنّ الاستقراء ليس بحجة ، فإنّه ليس من الأدلّة الشرعية.

إذن فلا دليل على اعتبار اللفظ في الإجازة ، وإنما العبرة باستناد العقد السابق إليه كيفما اتفق ، وإن كان ذلك بالفعل أيضاً.

هذا بل يمكن استفادة ما ذكرناه من بعض النصوص ، كالتي دلّت على أن سكوت البكر إقرارها ، إذ لا يبعد دعوى إطلاقها لفرض الفضولي أيضاً. ويؤيده ما ورد في تزويج العبد من غير إذن مولاه ، حيث حكم (عليه السلام) بأنّ سكوت المولى بعد علمه إقرار منه (١).

وكيف كان ، فالعمدة في المقام عدم الدليل على اعتبار اللفظ.

(١) الظاهر أنه لا دليل على هذا الاشتراط ، إذ العبرة إنما هي باستناد العقد السابق إليه. ومن هنا فيكون الحال في اعتقاد لزوم العقد ، كالحال فيما ذكره (قدس سره) بعد ذلك من اعتقاد لزوم الإجازة. فإنّ إجازته إذا لم تكن من جهة رضاه بالعقد ، بأن كان من جهة رضاه بحكم الله سبحانه وتعالى وإن كان هو كارهاً له ، فلا أثر لها لأنه في الحقيقة لم يجز العقد ، فإنّ ما رضي به أعني حكم الله سبحانه غير متحقق في الخارج ، وما هو متحقق في الخارج أعني العقد لم يجزه.

__________________

(*) العبرة في صحّة العقد إضافته إليه بإجازته ورضاه بذلك العقد حقيقة ، ولا يعتبر في ذلك علمه بأنّ له ذلك.

(١) الوسائل ٢١ : ١١٧ ، باب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٢٦٦٧١ ، ٢٦٦٧٣.

٢٦٤

نعم ، لو اعتقد لزوم الإجازة عليه بعد العلم بعدم لزوم العقد ، فأجاز ، فإن كان على وجه التقييد لم يكف (١) وإن كان على وجه الداعي يكون كافياً (٢).

[٣٨٨٤] مسألة ٢١ : الإجازة كاشفة عن صحّة العقد من حين وقوعه (٣) فيجب ترتيب الآثار من حينه.

[٣٨٨٥] مسألة ٢٢ : الرضا الباطني التقديري لا يكفي في الخروج عن الفضوليّة (٤) ، فلو لم يكن ملتفتاً حال العقد ، إلّا أنه كان بحيث لو كان حاضراً وملتفتاً كان راضياً ، لا يلزم العقد عليه بدون الإجازة. بل لو كان حاضراً حال العقد وراضياً به ، إلّا أنه لم يصدر منه قول ولا فعل يدلّ على رضاه ، فالظاهر أنه فضولي (٥) فله أن لا يجيز.

______________________________________________________

نعم ، إذا كانت إجازته من جهة رضايته بالعقد واقعاً ، ومع قطع النظر عن كونه لازماً أو غير لازم وإن كان هو يعتقد لزومه ، فهي نافذة ومؤثرة باعتبار أنها غير مقيدة به.

والحاصل أن العبرة في نفوذ الإجازة وصحتها إنما هي باستناد العقد السابق بها إليه ، وأما اعتقاد اللزوم وعدمه فهو أجنبي بتمام معنى الكلمة عنها.

(١) لانتفاء المقيد بانتفاء القيد لا محالة.

(٢) فإن تخلّف الداعي لا يؤثر شيئاً.

(٣) تقدّم الكلام فيه مفصلاً في المسألة الثانية من فصل نكاح العبيد والإماء ، فلا نعيد.

(٤) بلا خلاف فيه بين الأصحاب. فإنّ الرضا الباطني وإن كان كافياً في حلّ التصرفات الخارجية التكوينية ، نظير الأكل وما شاكله ، كما يدلّ عليه السيرة العملية القطعية ، إلّا أن كفايته في انتساب العقد إليه لم يدلّ عليها دليل. ومن هنا فلا تشمله عمومات الوفاء بالعقد.

(٥) على ما هو المشهور بين الأصحاب ، باعتبار أن الذي يخرج العقد عن

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الفضولية إما هو الإذن السابق أو الرضا المتأخر ، ولا شي‌ء منهما متحقق في المقام.

إلّا أن الشيخ الأعظم (قدس سره) لم يرتض ذلك ، حيث ذهب إلى كفايته في خروج العقد عن الفضولية ، واستند فيه إلى ظواهر كلمات الفقهاء وجملة من النصوص.

فإنهم حكموا بعدم كفاية السكوت ، معللين ذلك بأنه أعم من الرضا ، فإنه إنما يكشف عن أن العبرة في صحّة العقد إنما هي بالرضا ، وأن السكوت إن لا ينفع لعدم كشفه عن الرضا.

كما يقتضيه جملة من النصوص ، كالتي دلّت على أن رضا البكر صماتها ، وما دلّ على نفوذ عقد العبد إذا علم به المولى وسكت ، وما ورد في السكرى إذا زوجت نفسها ثمّ أفاقت وأقامت معه كان ذلك رضا منها بالعقد ، وما ورد في الخيار من أنه إذا علم بالعيب وسكت كان رضا منه به.

على أننا لو قلنا بعدم اعتبار اللفظ ، وكفاية الفعل كما هو الصحيح ، فمن البعيد جدّاً أن يقال بوجود موضوعية للفعل في الحكم بالصحّة ، وإنما العبرة بالمنكشف ، أعني الرضا.

إلّا أنّ ما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه. وذلك أمّا كلمات الفقهاء فهي ليست بحجّة ما لم تبلغ الإجماع. على أن النسبة بين السكوت والرضا إنما هي التباين فإنّ السكوت من الأفعال الخارجية ، في حين أن الرضا صفة نفسية. ومن هنا فلا يمكن أن يكون المراد من قولهم أن السكوت أعم من الرضا ، كون السكوت أعم من نفس الرضا ، وإنما المراد به كونه أعم منه كشفاً ، بمعنى أنه قد يكون كاشفاً كما هو الحال في البكر ، وقد لا يكون كذلك. وعليه فلا دلالة فيه على كفاية نفس الرضا في الحكم بالصحّة ، بل الأمر على العكس من ذلك تماماً ، حيث أنه يدل على اعتبار المبرز والكاشف في الحكم ، نظراً لأن السكوت أعم من الرضا كشفاً.

وأما النصوص ، فأما ما دلّ على أن سكوت البكر إقرارها فالاستدلال به غير واضح ، إذ لم يرد في شي‌ء منها أن سكوتها رضاها ، كي يقال أنها دالّة على كفاية الرضا ، وإنما الوارد أنّ سكوتها إقرارها ، أو أن إذنها صماتها. ومن الواضح أنّ التعبير بالإقرار أو الإذن دالّ على اعتبار المبرز والكاشف ، وعدم كفاية مجرد الرضا الباطني.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على أننا لو سلمنا ورود التعبير بالرضا في هذه النصوص ، فهي لا تقتضي كفاية مجرّد الرضا الباطني ، إذ يرد حينئذ ما تقدّم من أنه لا يمكن حمل الرضا على الفعل الخارجي ، بل لا بدّ من كون المراد أن السكوت أعم من الرضا كشفاً.

وعليه فتكون هذه الروايات دالّة على أنّ العبرة والملاك إنما هو بالرضا مع الكاشف ، وعدم كفاية الرضا الباطني المجرد.

ومن هنا يظهر الحال فيما دلّ على أن سكوت المولى مع علمه بعقد العبد إقرار منه فإنه دالّ على اعتبار الإقرار ، ولا دلالة فيه على كفاية الرضا الباطني. على أنّ احتياج نكاح العبد إلى إجازة المولى أجنبي عن الفضولي تماماً ، فإن العبد طرف للعقد حقيقة وهو ينتسب إليه حين صدوره بلا أي عناية ، غاية الأمر أن صحته متوقفة شرعاً على إجازة المولى ، وهذا نظير اعتبار إذن الزوجة في التزويج من بنت أخيها أو أُختها ، بخلاف عقد الفضولي حيث إن انتساب العقد إليه إنما يكون بالإجازة.

ومن هنا فلا مجال للاستدلال بهذه النصوص في المقام.

وأمّا التمسّك بما ورد في الخيار وعقد السكرى ، فيرد عليه أنهما خارجان عن الفضولي موضوعاً ، فإنّ العقد في مورد الخيار صحيح ومستند إليه حقيقة ، غاية الأمر أنّ له رفعه أو الالتزام به. وكذا الحال في السكرى ، فإنّ العقد منتسب إليها واقعاً غاية الأمر أنه لا يحكم بصحّته إلّا بعد إجازتها. فكفاية الرضا الباطني فيهما ، لا تقتضي كفايته في الفضولي أيضاً. على أن كفايته فيهما أيضاً محل منع ، وذلك لما تقدّم من أن الرِّضا أمر باطني ، فلا يمكن حمله على الفعل الخارجي ، إلّا باعتبار كاشفيته وكونه إمضاءً عملياً.

إذن فما أفاده شيخنا الأعظم (قدس سره) غير تامّ ، ولا مجال للمساعدة على شي‌ء منه.

ومن هنا فالحقّ في المقام هو ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) ، من عدم كفاية الرِّضا الباطني واعتبار المبرز له في الخارج ، نظراً لعدم استناد العقد إليه بدونه.

٢٦٧

[٣٨٨٦] مسألة ٢٣ : إذا كان كارهاً حال العقد ، إلّا أنه لم يصدر منه ردّ (*) له (١) فالظاهر صحّته بالإجازة (٢).

نعم ، لو استؤذن فنهى ولم يأذن ، ومع ذلك أوقع الفضولي العقد ، يشكل صحته بالإجازة ، لأنه بمنزلة الردّ بعده. ويحتمل صحته (**) (٣) بدعوى الفرق بينه وبين الردّ بعد العقد ، فليس بأدون من عقد المكره ، الذي نقول بصحّته إذا لحقه الرضا ، وإن كان لا يخلو ذلك أيضاً من إشكال (٤).

______________________________________________________

(١) بل حتى ولو صدر منه ردّ ، فإنه لا أثر له ، على ما عرفته في المسألة الثامنة عشرة من هذا الفصل.

(٢) أما بناءً على ما اخترناه من عدم تأثير الردّ بعد العقد ، فالأمر أوضح ، فإنّ الكراهية قبل العقد لا تزيد عن الردّ اللاحق له.

وأما بناءً على ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من منع الردّ اللاحق عن لحوق الإجازة به ، فالأمر كذلك أيضاً. فإنّ العمدة في الدليل على منع الردّ اللاحق إنما كانت دعوى سلطنة المالك على إسقاط قابلية العقد عن لحوق الإجازة به ، وهي لا تجري في المقام ، لأن الردّ إنما يتوسط بين العقد والإجازة. ومن هنا فقد يقال إنّه يوجب الانقطاع ، وأما مع الكراهة السابقة أو المقارنة فليس هناك ما يوجب الانقطاع ، إذ ليس هناك عقد في حينها. ومن هنا فلو تحققت الإجازة بعد ذلك ، كانت هي ملحقة بالعقد مباشرة.

(٣) هذا الاحتمال هو المتعيّن ، إذ يجري فيه ما تقدّم في الفرع السابق بعينه ، فإنه لم يصدر من المالك ما يوجب قطع الإجازة عن العقد ، فإنّ النهي لا يزيد العقد ما كان يقتضيه قبل ذلك من عدم التأثير ، نظراً لكونه فضولياً.

(٤) إلّا أنه ضعيف جدّاً ، والصحيح هو الالتزام بالصحّة ، على ما هو المشهور

__________________

(*) تقدّم أن الرد لا أثر له.

(**) هذا الاحتمال هو الأظهر ، حتى على القول بكون الرد بعد العقد مانعاً عن الإجازة.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بينهم. وذلك أما مع مقارنة الرضا للإكراه فالأمر واضح ، لأن التجارة حينئذ تجارة عن تراضٍ والإقدام عليها إقدام مع الرضا ، فإنّه الذي يدعوه نحو الفعل ، والإكراه ليس إلّا داعياً آخر منضماً إلى الداعي الأوّل.

وأما مع تأخره عنه ، فلأن العقد حين صدوره لم يكن فاقداً لشي‌ء غير الرضا فإذا لحقه حكم بصحته.

وما استدل به لبطلان عقد المكره ، من قوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١) بناءً على كون المراد بالتراضي هو ما يقابل الإكراه لا ما يقابل القصد وحديث نفي الإكراه ، فغير شامل للمقام.

أمّا الأوّل : فلأن المعلوم أن المراد بالتجارة ليس هو مجرد اللفظ والإنشاء الذي يوجد في الخارج وينعدم ، فإنه ليس إلّا مبرزاً لها في الخارج ، وإنما المراد بها هو المنشأ والمعتبر في الخارج.

ومن هنا فحيث إنّ للتجارة بهذا المعنى بقاءً واستمراراً ، فلا مانع من القول بعد لحوق الرضا بها أنها تجارة عن تراض.

وأمّا الثاني : فلأن حديث الرفع إنما هو وارد في مقام الامتنان كما هو معلوم ، ومن هنا فلا بدّ في الحكم بالرفع من ملاحظة ما يقتضيه الامتنان ، ولذا لا يحكم بفساد بيع المضطر. وحيث إنه في المقام إنما يقتضي رفع الحكم حدوثاً لا استمراراً وبقاءً ، فلا محالة يختص الرفع به دون البقاء ، لأن رفعه ينافي الامتنان.

والحاصل أنّ الامتنان إنما يكون في رفع الحكم ما دام الإكراه باقياً ، وأما رفعه بعد ارتفاع الإكراه ورضا المكره به فليس فيه أي امتنان عليه. وبذلك يظهر أن صحّة عقد المكره لا تتوقف على الإجازة ، بل يكفي فيها مجرد الرضا الباطني.

ثمّ هل يكفي مجرّد الرضا الباطني للمولى في الحكم بصحّة نكاح العبد ونفوذه ، أم لا؟

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٩.

٢٦٩

[٣٨٨٧] مسألة ٢٤ : لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية (١) ولا الالتفات إلى ذلك. فلو تخيّل كونه ولياً أو وكيلاً وأوقع العقد ، فتبين خلافه ، يكون من

______________________________________________________

اختار شيخنا الأعظم (قدس سره) الأوّل (١) حتى بناءً على القول باعتبار الإذن في نفوذ نكاح الفضولي ، وذلك لما يستفاد من صحيحة زرارة الواردة في نفوذ عقد العبد إذا لحقه إذن المولى ، معلّلاً ذلك بقوله (عليه السلام) : «إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (٢) من أنّ العبرة في عدم النفوذ إنما هي معصية السيد ، وحيث إن مع الرضا الباطني للمولى وعلم العبد به لا يكون عاصياً له ، يحكم بصحّة عقده من دون حاجة إلى الإجازة.

إلّا أن ما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه. وذلك لأن المستفاد من قوله تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (٣) والنصوص الكثيرة ، اعتبار إذن المولى في نفوذ نكاح المملوك ، وعدم كفاية مجرد الرضا الباطني فيه.

وأما الصحيحة المتقدِّمة فالمراد بالعصيان فيها ليس هو العصيان التكليفي ، أعني المخالفة في التكليف وارتكابه المحرم على ما صرح بذلك في بعض النصوص وإنما المراد به صدور العقد عن عدم الإذن ، وتصرف العبد في نفسه من غير إذن المولى ولذا اعتبر (عليه السلام) في جوازه إجازة المولى ، ولم يقل إذا رضي فهو له جائز.

إذن فالمستفاد من الآية الكريمة والنصوص الكثيرة لا سيما ذيل هذه الصحيحة اعتبار الإذن والإجازة في الحكم بالصحّة ونفوذ العقد ، وعدم كفاية مجرّد الرِّضا الباطني.

ومن هنا فيكون الحال في تزويج العبد من غير إذن مولاه كالحال في نكاح الفضولي ، وإن كان بينهما فرق من حيث انتساب العقد وعدمه.

(١) إذ لا خصوصيّة لعنوان الفضولية كي يعتبر قصده ، فإنّ العبرة إنما هي بالواقع

__________________

(١) انظر كتاب النكاح ٢٠ : ١٨٤ طبع المؤتمر العالمي.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٤ ح ١.

(٣) سورة النساء ٤ : ٢٥.

٢٧٠

الفضولي (١) ويصحّ بالإجازة (٢).

[٣٨٨٨] مسألة ٢٥ : لو قال في مقام إجراء الصيغة : (زوّجت موكِّلتي فلانة) مثلاً ، مع أنه لم يكن وكيلاً عنها ، فهل يصح ويقبل الإجازة ، أم لا؟ الظاهر الصحّة (٣).

نعم ، لو لم يذكر لفظ : (فلانة) ونحوه ، كأن يقول : (زوّجت موكلتي) وكان من قصده امرأة معينة ، مع عدم كونه وكيلاً عنها ، يشكل صحّته (*) بالإجازة (٤).

______________________________________________________

والملاك في صحّة العقد إنما هو باستناد العقد بالإجازة إلى المجيز ، وأما العاقد فهو أجنبي عنه ، ولا يقوم إلّا بدور إنشاء العقد والتلفظ بالصيغة.

(١) لعدم انتساب العقد إلى من له الأمر.

(٢) لاستناده إليه حينئذ ، فتشمله عمومات الوفاء بالعقد ، ولا أثر لما قصده الفضولي ، بل ربّما يستفاد ذلك من صحيحة أبي عبيدة المتقدِّمة في المسألة الثامنة عشرة من هذا الفصل ، حيث حكم (عليه السلام) بصحّة نكاح الغلام والجارية غير المدركين اللذين زوجهما ولياهما إذا أدركا وأجازا العقد.

حيث إنّ المراد بالولي فيها ليس هو الولي الشرعي جزماً ، فإنه (عليه السلام) قد حكم في ذيلها بنفوذ نكاحهما إذا كان المزوج لهما هو الأب ، وإنما المراد به الولي العرفي كالأخ والعم ، فإن مقتضى إطلاق الحكم بالصحّة حينئذ هو الحكم بالصحّة ، سواء اعتقد العاقد ولايته ونفوذ عقده أم اعتقد كونه فضولياً ، بل لا يبعد أن يكون الغالب في هؤلاء اعتقاد ولايتهم على القصر ونفوذ تصرفاتهم في حقهم.

(٣) فإنّ كلمة (موكلتي) بعد ذكر اسمها تكون زائدة لا محالة ، حيث إن العقد يتعلق حينئذ بما ذكر من الاسم.

(٤) فإنّ التزويج إنما وقع بعنوان الموكلة ، وحيث إنه ليس وكيلاً عنها ولم يذكر اسمها ، فيحكم بفساده لا محالة.

__________________

(*) لا إشكال فيها إذا كانت المرأة معيّنة بالقرينة.

٢٧١

[٣٨٨٩] مسألة ٢٦ : لو أوقع الفضولي العقد على مهر معين ، هل يجوز إجازة العقد دون المهر ، أو بتعيين المهر على وجه آخر ، من حيث الجنس ، أو من حيث القلّة والكثرة؟ فيه إشكال ، بل الأظهر عدم الصحّة في الصورة الثانية (*) (١) وهي ما إذا عيّن المهر على وجه آخر. كما أنه لا تصح الإجازة مع شرط لم يذكر في العقد ، أو مع إلغاء ما ذكر فيه من الشرط (٢).

______________________________________________________

ثمّ إنه ربّما يعلل ذلك بأنه من قبيل العقد بالمجازات البعيدة ، إذ لا يقع العقد عليها صريحاً ولا ظاهراً ، ولا دليل على صحّة العقد بها.

إلّا أنه مدفوع بأن الذي ذكره الأصحاب في باب العقود ، من اعتبار كون اللفظ صريحاً أو ظاهراً ، إنّما هو في مفاهيم العقود نفسها لا متعلقاتها. فلو قال : (وهبتك الدار) وقصد به البيع لم يصح ، لعدم ظهوره فيه فضلاً عن الصراحة. وأما بالنسبة إلى المتعلقات فلا يعتبر ذلك فيه ، لعدم الدليل عليه.

على أن المقام ليس من الإنشاء بالمجاز ، فضلاً عن كونه من المجازات البعيدة ، فإن اللفظ (موكلتي) مستعمل في معناه الحقيقي ، غاية الأمر أنه قد كذب في تطبيقه على الخارج ، وادعائه أنها وكلته في ذلك.

ومن هنا فلو نصب قرينة على إرادة المرأة المعينة ، كالعهد وما شاكله ، صحّ العقد.

(١) فإنّ الذي تعلقت به الإجازة غير الذي تعلّق العقد به ، فلا تنفع الإجازة لأنها إنما تصحِّح العقد الواقع في الخارج وتنسبه إلى المجيز. وحيث إنّ المفروض في المقام أنّ ما وقع في الخارج لم تتعلق به الإجازة ، وما تعلقت به لم يقع في الخارج حكم ببطلانه لا محالة ، لعدم التطابق بينهما.

(٢) إذ يعتبر التطابق بين الإيجاب والقبول ، والإجازة بمنزلة القبول من حيث إيجابها استناد العقد إلى المجيز حقيقة ، فمع اختلافهما لم يصدق العقد ، لأنّ ما أوجبه الأوّل لم يقبله الثاني ، وما قبله لم يوقعه الأوّل. ومعه فلا يستند ذلك العقد الصادر فضولة إليه.

__________________

(*) بل في الصورة الأُولى أيضاً.

٢٧٢

[٣٨٩٠] مسألة ٢٧ : إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية ، فتبين كونه وكيلاً فالظاهر صحته (١) ولزومه إذا كان ناسياً لكونه وكيلاً. بل وكذا إذا صدر التوكيل ممّن له العقد ولكن لم يبلغه الخبر ، على إشكال فيه (*) (٢). وأما إذا أوقعه

______________________________________________________

ومن هنا يظهر الحال فيما استشكل فيه الماتن (قدس سره) في صدر المسألة ، أعني الصورة الأُولى وهي إجازة العقد دون المهر ، فإنّ الحال فيها كالحال في سائر صور المسألة ، لأن ذكر المهر في العقد لا يقلّ عن الاشتراط ، بمعنى كون التزامه بالعقد معلقاً على الالتزام بذلك المهر. وحينئذ فيجري فيها ما تقدّم في الاشتراط ، من عدم التطابق بين الإيجاب والقبول ، وعدم استناد العقد إلى المجيز ، لأن ما أنشأه هو النكاح بمهر معلوم ، وما قبله المجيز إنما هو طبيعي النكاح. ومعه فلا مجال للحكم بالصحّة.

والحاصل أنه يعتبر التطابق بين المجاز والإجازة ، كما يعتبر ذلك في الإيجاب والقبول.

(١) إذ لا يعتبر فيما يصدر عن الوكيل الالتفات إلى الوكالة وإيقاع العقد بعنوان أنه وكيل ، فإنه ليس كالعبادات المتوقفة على النية ، وإنما العبرة في الحكم بالصحّة بالواقع أعني صدوره ممن هو أهل له ومفوض فيه ، وهو متحقق في المقام.

(٢) الإشكال قوي جدّاً ، فإن قياس هذه الصورة على الصورة السابقة قياس مع الفارق. فإن المجري للصيغة في الأوّل وكيل حقيقة ، والفعل الصادر منه صادر ممن له السلطنة واقعاً ، فيحكم بصحته على القاعدة وينتسب إلى الموكل لا محالة. وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإن من صدر منه العقد ليس بوكيل وليس له السلطنة على ذلك فإنّ الوكالة ليست من الإيقاعات ، وإنما هي من العقود المتوقفة صحتها على الإيجاب والقبول. ومن هنا فلا ينفع في الحكم بصحّة ما صدر مجرد إنشاء التوكيل ، ما لم يصل ذلك إلى المباشر ويقبله.

والحاصل أنّ الفعل في المقام صادر من غير الوكيل ، ولم يتحقق هناك ما يوجب انتسابه إلى من له الأمر ، فيحكم بفساده لا محالة.

__________________

(*) بل لا يبعد عدم اللّزوم.

٢٧٣

بعنوان الفضوليّة ، فتبيّن كونه ولياً ، ففي لزومه بلا إجازة منه ، أو من المولى عليه إشكال (*) (١).

______________________________________________________

وتوهّم أن الفعل محكوم بالصحّة ، نظراً لتضمن إنشاء الوكالة للإذن فيه وإن لم تتحقق الوكالة في الخارج.

مدفوع بأن الإذن متوقف على العلم به أيضاً ، فإنه لا يصدق أن من له الأمر قد أذن له وأنه مأذون في الفعل بمجرد إنشاء الإذن ، ما لم يصل ذلك إلى المباشر فيعلم به فإنه ليس إلّا إبرازاً للرضا الباطني.

إذن فتدخل هذه المسألة في المسألة الثانية والعشرين ، أعني عدم كفاية الرضا الباطني في الحكم بصحّة العقد الصادر من الفضولي ، واحتياج ذلك العقد إلى الإجازة.

(١) لم يظهر لنا وجه التفرقة بين الوكيل والولي ، فإن لكل منهما السلطنة على الفعل.

اللهمّ إلّا أن يقال : إن الولي بمنزلة المالك المباشر للعقد. وحيث إن المالك المباشر إذا كان ناسياً لملكه أو غافلاً عنه حين العقد ، فأوقع العقد على أنه للغير ثمّ بان أنه له كما لو باع الولد مال أبيه معتقداً أنه ملك أبيه ، ثمّ انكشف موت أبيه في ذلك الحين وانتقال المال بالإرث إليه ، لم يحكم بصحته إذ لم يصدق عليه التجارة عن تراض وبيع ماله بطيبة نفسه ، فإنه لم يبع ماله وإنما باع مال غيره وأنشأ ملكية مال الغير ، ففي المقام يكون الحال كذلك.

إلّا أن الفرق بين الولي والمالك لا يكاد يخفى ، إذ لا يعتبر في الولي إلّا رضاه بالعقد ، لغرض أنه يعلم أن المال ليس له وأنه لغيره ، ولا يقاس بالأصيل حيث إنه يعتقد خلاف الواقع ولا يقصده.

إذن فالصحيح في الولي هو الحكم بالصحّة ، كما التزمنا بها في الوكيل.

__________________

(*) أظهره اللّزوم وعدم الحاجة إلى الإجازة.

٢٧٤

[٣٨٩١] مسألة ٢٨ : إذا كان عالِماً بأنه وكيل أو ولي ، ومع ذلك أوقع العقد بعنوان الفضولية ، فهل يصح ويلزم أو يتوقف على الإجازة ، أو لا يصح؟ وجوه (*) ، أقواها عدم الصحّة (١) لأنه يرجع إلى اشتراط كون العقد الصادر من وليه جائزاً ، فهو كما لو أوقع البالغ العاقل بقصد أن يكون الأمر بيده في الإبقاء والعدم. وبعبارة اخرى : أوقع العقد متزلزلاً.

______________________________________________________

(١) وتفصيل الكلام في هذه المسألة أن يقال :

أن العقد الصادر من الولي أو الوكيل بعنوان الفضولية ، مع العلم بكونه ولياً أو وكيلاً : تارة يكون منجزاً وغير معلق على شي‌ء ، غاية الأمر أنه يقرنه بادعاء كاذب ويبني عليه ، وهو أنه ليس بوكيل أو ولي. وأُخرى يكون معلقاً على إجازة الموكل ، أو هو نفسه.

فإن كان من قبيل الأوّل حكم بصحته لا محالة ، إذ لا قصور في الإنشاء أو المنشأ أو شي‌ء آخر مما يعتبر في صحّة العقد ، ومجرد كونه مقروناً ببناء كاذب لا يضرّ بعد تمامية أركان العقد وما يعتبر في صحته.

ومن هنا يظهر الحال فيما لو كان المنشئ هو المالك الأصيل بانياً على الفضولية ، مع التفاته إلى كونه مالكاً ، فإنه يحكم بصحته ، لعدم القصور فيما يعتبر في صحّة العقد.

وإن كان من قبيل الثاني فالحكم بصحته أو بطلانه ، مبني على الخلاف في اقتضاء التعليق للبطلان وعدمه ، وقد تقدّم الحديث فيه مفصلاً.

نعم ، لو أوقع العقد متزلزلاً ، بأن أنشأه منجزاً ومن غير تعليق ، لكن جعل الخيار فيه لنفسه ، حكم ببطلانه ، لأن النكاح لا يقبل جعل الخيار فيه ، على ما تقدّم الكلام فيه فيما تقدّم.

إلّا أنّ الظاهر من عبارة الماتن (قدس سره) إرادة التعليق لا جعل الخيار فيه.

__________________

(*) أقواها الصحّة ، نعم لو علّق عقده على رضائه أو رضاء موكله متأخِّراً جاء فيه إشكال التعليق ، ولعلّ مراده (قدس سره) هو هذه الصورة.

٢٧٥

[٣٨٩٢] مسألة ٢٩ : إذا زوّج الصغيرين وليهما ، فقد مر أنّ العقد لازم عليهما (*) (١) ولا يجوز لهما بعد البلوغ ردّه أو فسخه. وعلى هذا (٢) فإذا مات أحدهما قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر (٣).

وأمّا إذا زوّجهما الفضوليان ، فيتوقف على إجازتهما بعد البلوغ (٤) أو إجازة وليهما قبله. فإن بلغا وأجازا ثبتت الزوجية ، ويترتّب عليها أحكامها من حين العقد ، لما مرّ من كون الإجازة كاشفة. وإن ردّا ، أو ردّ أحدهما ، أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة ، كشف عن عدم الصحّة من حين الصّدور (٥).

وإن بلغ أحدهما وأجاز ، ثمّ مات قبل بلوغ الآخر ، يعزل ميراث الآخر على تقدير الزوجيّة. فإن بلغ وأجاز ، يحلف على أنه لم يكن إجازته للطمع في الإرث

______________________________________________________

(١) مرّ الكلام فيه في المسألة الرابعة من هذا الفصل ، وقد عرفت أن مقتضى صحيحة محمد بن مسلم هو ثبوت الخيار لهما بعد البلوغ.

(٢) لا يخفى عدم تمامية ما أفاده (قدس سره) ، من تفرع ثبوت الإرث على لزوم العقد ، وعدم ثبوت الخيار لهما بعد البلوغ. فإنه ثابت حتى مع القول بثبوت الخيار لهما كما اخترناه ، وذلك لأنّ منشأ التوارث إنّما هو صحّة العقد وثبوت الزوجية بينهما ، لا لزومه.

(٣) على ما تقتضيه القاعدة ، ويدلّ عليه غير واحد من النصوص الصحيحة صريحاً.

(٤) على ما تقتضيه القاعدة في عقد الفضولي.

(٥) وتقتضيه مضافاً إلى القاعدة صحيحة أبي عبيدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام وجارية زوّجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، قال : فقال : «النكاح جائز ، أيهما أدرك كان له الخيار ، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث

__________________

(*) مرّ الاشكال فيه ، ولكنّه مع ذلك يثبت بينهما التوارث ، لأنّ المفروض صحّة العقد وإن ثبت لهما الخيار بعد البلوغ.

٢٧٦

فإن حلف يدفع إليه (١). وإن لم يجز ، أو أجاز ولم يحلف ، لم يدفع (٢) بل يرد إلى الورثة. وكذا لو مات بعد الإجازة وقبل الحلف (٣).

هذا إذا كان متهماً بأنّ إجازته للرغبة في الإرث. وأما إذا لم يكن متّهماً بذلك ، كما إذا أجاز قبل أن يعلم موته ، أو كان المهر اللّازم عليه أزيد مما يرث أو نحو ذلك ، فالظاهر عدم الحاجة إلى الحلف (٤).

______________________________________________________

بينهما ولا مهر ، إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا». قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : «يجوز عليه ذلك إن هو رضي». قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ، ثمّ مات قبل ان تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : «نعم ، يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ، ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر». قلت : فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت ، أيرثها الزوج المدرك؟ قال : «لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت». قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل ان تدرك؟ قال : «يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية» (١).

(١) على ما دلّ عليه صريحاً الصحيح المتقدِّم.

ثمّ إن مورد الصحيحة وإن كان هو موت الزوج وبقاء الزوجة ، إلّا أن الظاهر أنه لا خصوصيّة لذلك كما عليه معظم الأصحاب ، فإنّ موت الزوج إنما ذكر في كلام السائل خاصة. والظاهر أنّ الحلف إنما هو للاحتياط في المال بالنسبة إلى الوارث وهو لا يختص بفرض موت الزوج وبقاء الزوجة ، بل يثبت الحكم مع موت الزوجة وبقاء الزوج أيضاً.

(٢) لأنّ ظاهر الصحيحة ترتب الإرث على الإجازة والحلف معاً.

(٣) لما تقدّم آنفاً.

(٤) لأنّ الظاهر من النص أنّ الحلف ليس تعبّداً محضاً ، وإنما هو طريق لدفع

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٦ كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الزوج ، ب ١١ ح ١.

٢٧٧

[٣٨٩٣] مسألة ٣٠ : يترتب على تقدير الإجازة والحلف جميع الآثار المترتبة على الزوجية (١) من المهر ، وحرمة الام والبنت (*) (٢) وحرمتها إن كانت هي الباقية على الأب والابن ، ونحو ذلك. بل الظاهر ترتب هذه الآثار بمجرد الإجازة ، من غير حاجة إلى الحلف (٣). فلو أجاز ولم يحلف مع كونه متهماً لا يرث ، ولكن يترتّب سائر الأحكام.

[٣٨٩٤] مسألة ٣١ : الأقوى جريان الحكم المذكور في المجنونين ، بل الظاهر التعدي إلى سائر الصور (٤). كما إذا كان أحد الطرفين الولي والطرف الآخر الفضولي ، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير ، أو كانا بالغين كاملين ، أو أحدهما بالغاً والآخر صغيراً أو مجنوناً ، أو نحو ذلك.

______________________________________________________

التهمة ، فمع العلم بعدمها يكون لغواً.

(١) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويقتضيه صحيح أبي عبيدة المتقدِّم.

(٢) ذكر البنت من سهو القلم جزماً ، فإنّ البنت لا تحرم إلّا بعد الدخول بأُمِّها وحيث إن مفروض كلامنا أن إجازته للعقد إنما كانت بعد وفاتها ، فلا مجال لتصوّر الدخول بالأُم كي تثبت حرمة البنت. على أن الكلام إنما هو في الصغيرة ، ومعه لا مجال لفرض البنت لها كي يبحث في حرمتها وعدمها.

(٣) فإن الحكم على طبق القاعدة. وذلك لما عرفت من أن الإجازة توجب الحكم بصحّة العقد وانتسابه إلى المجيز من حين صدوره ، لكن بالكشف الحكمي بالمعنى الذي ذكرناه ، ومقتضى عمومات الصحّة ترتب جميع الآثار بلا استثناء.

نعم ، خرجنا عن هذه العمومات في خصوص الإرث ، لصحيحة أبي عبيدة الحذاء المتقدِّمة ، حيث دلّت صريحاً على اعتبار الحلف في ثبوته ، ولو لا هذه الصحيحة لقلنا بثبوته بمجرد الإجازة أيضاً.

(٤) نظراً لكون الحكم على طبق القاعدة ، فلا يختص بفرض معين.

__________________

(*) هذه الكلمة من سهو القلم أو غلط النسّاخ.

٢٧٨

ففي جميع الصور إذا مات من لزم العقد بالنسبة إليه لعدم الحاجة إلى الإجازة ، أو لإجازته بعد بلوغه أو رشده وبقي الآخر ، فإنه يعزل حصة الباقي من الميراث إلى أن يرد أو يجيز.

بل الظاهر عدم الحاجة إلى الحلف في ثبوت الميراث في غير الصغيرين من سائر الصور ، لاختصاص الموجب له من الأخبار بالصغيرين (١). ولكن الأحوط الإحلاف في الجميع (*) بالنسبة إلى الإرث ، بل بالنسبة إلى سائر الأحكام أيضاً.

[٣٨٩٥] مسألة ٣٢ : إذا كان العقد لازماً على أحد الطرفين من حيث كونه أصيلاً أو مجيزاً ، والطرف الآخر فضولياً ولم يتحقق إجازة ولا ردّ ، فهل يثبت على الطرف اللازم تحريم المصاهرات (٢) ، فلو كان زوجاً يحرم عليه نكاح أُم المرأة وبنتها وأُختها والخامسة ، وإذا كانت زوجة يحرم عليها التزويج بغيره؟ وبعبارة اخرى : هل يجري عليه آثار الزوجية وإن لم تجر على الطرف الآخر أوْ لا؟.

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) لا يتم بعد التعدي عن وفاة الزوج وبقاء الزوجة ، إلى فرض وفاة الزوجة وبقاء الزوج. فإن الملاك المصحح له ، أعني الاحتياط في المال بالنسبة إلى الوارث ، بعينه موجود في جميع هذه الصور ، ولا يختص هذا بالإرث ، بل يجري في أخذ الزوجة المهر أيضاً ، نظراً للتهمة. وأما دفع الزوج للمهر ، فلا حاجة فيه إلى الحلف ، نظراً لكونه عليه لا له.

(٢) الكلام في هذه المسألة يقع في نقاط :

النقطة الاولى : في لزوم العقد بالنسبة إلى الأصيل أو المجيز ، بحيث لا يكون له رفع اليد عنه ما لم يرد الطرف الآخر. وعدمه ، كما هو الحال في رفع اليد عن الإيجاب قبل القبول.

__________________

(*) لا يترك الاحتياط بالإضافة إلى الإرث وإلى أخذ المهر ، وأما بالإضافة إلى بقيّة الأحكام فالظاهر عدم الحاجة إلى الحلف ، مع أنه أحوط.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي يظهر من كلمات بعضهم ، واختاره شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (١) بل يظهر من كلمات الشيخ (قدس سره) (٢) هو الأوّل.

واستدلّ عليه بقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بدعوى أنه انحلالي بالنسبة إلى طرفي العقد ، فيجب على الطرف الأوّل الالتزام به ، حتى ولو لم يجب ذلك على الطرف الآخر لعدم صدور القبول منه.

وفيه : أن موضوع الأمر بالوفاء والحكم باللزوم إنما هو العقد ، وهو على ما تقدّم غير مرّة عبارة عن ربط التزام بالتزام آخر ، كما هو الحال في عقد الحبل وشدّه بآخر. ومن هنا فمع عدم التزام الطرف الآخر لا يصدق العقد ، ولا يكون موضوع الأمر بالوفاء واللّزوم ، الذي هو بمعنى عدم قابليته للنقض والانحلال ، متحقِّقاً.

وعليه فيكون حاله حال رفع اليد عن الإيجاب قبل القبول ، بل يكون هو من مصاديقه ، فإن قبول الفضولي لا يعتبر التزاماً كي ينضم إلى التزام الأصيل ، فإنه لا يلتزم بشي‌ء وإنما ينشئ أمراً يتعلّق بالغير.

ثمّ إن شيخنا الأُستاذ (قدس سره) قد استدل على اللزوم ، بأن الأصيل بنفس الإنشاء قد ملك التزامه للطرف الآخر ، ومن هنا فليس له أن يرجع فيه ، نظراً لكونه مملوكاً للغير.

وفيه : أن الالتزام ليس متعلقاً للتمليك وإنما هو التزام به ، فليس هو مملوكاً للغير بل لم يتحصل لنا معنى معقول لملكية الالتزام وإن كانت الاعمال قابلة للملك. على أن لازم ذلك بقاء الملك بلا مالك ، فإن الأصيل لا يملكه لأن المفروض أنه قد ملكه للغير ، والفضولي أجنبي عنه بالمرة فلا معنى لكونه هو المالك ، ولا يملكه من له الإجازة لعدم صدور القبول منه ، والملكية لا تكون قهرية بل تحتاج إلى الإيجاب والقبول ، فلا معنى لحصولها قبل القبول. فيبقى الملك بلا مالك ، وهو محال.

إذن فلا دليل على لزوم هذا الالتزام وعدم جواز رفع اليد عنه ، لعدم صدق العقد

__________________

(١) كتاب النكاح ٢٠ : ١١٠ طبع المؤتمر العالمي.

(٢) انظر النهاية : ٤٦٦.

٢٨٠